رواية كبرياء رجل الفصل الرابع عشر14 بقلم داليا السيد


 رواية كبرياء رجل الفصل الرابع عشر14 بقلم داليا السيد
سقوط
انتهى اسبوع على الحفل عندما أيقظها صوت باب يغلق فرفعت وجهها لتسمع صوت المياه بالحمام، أبعدت شعرها لترى الضوء الخافت وجاكته ملقى بعيدا فاعتدلت وهي ترى الساعة الثالثة صباحا.. 
خرج بالمنشفة حول وسطه والأخرى على شعره فقالت "ظننتك لن تعود الليلة" 
أبعد المنشفة من على رأسه وتحرك تجاه الفراش وقال "انتهيت من العمل، هل افتقدتني؟" 
دخل الفراش وأخذها بدون أن تعترض كالعادة حتى انتهى واعتدل باحثا عن السيجار، تناول واحدة بينما التفت هي لتواجهه وقالت وقد شعرت أنه ليس كما اعتادت عليه "ماذا بك بدر؟" 
نظر لها من بين الدخان وقال بعيون مغلقة لا تظهر ما خلفها وما يخفيه بداخله "ماذا بي؟" 
ضمت الغطاء عليها وهي تعتدل وتقول "أنا من يسأل، ماذا بك؟ لا تبدو على طبيعتك هل هناك ما يضايقك؟" 
نفخ الدخان بعيدا ولم ينظر لها وهو يقول "لا، فقط كمال متعب وماريان أخبرتني أنه دخل المشفى أمس وخرج للبيت اليوم" 
نهض باحثا عن روبه، ارتداه وأكمل التدخين بينما صدمها كلامه فهو لم يمنحها أي بادرة من قبل على أهمية كمال بحياته لكنه يفعل الآن وهذا التعبير له معنى واحد، وشردت بميلانو وحياتها هناك وقد نست أنها ستعود وتنتهي بالسعادة التي تعيشها هنا 
"أسيل؟ أسيل أنا أتحدث إليك!"
انتبهت له وقالت "آسفة بدر لم أسمعك" 
اقترب من الفراش وبدت ملامحه جادة جدا ولا تقبل النقاش وهو يقول "أحتاج للعودة" 
ظلت تحدق به للحظة ثم أبعدت عيونها وهزت رأسها وقالت "نعم، متى سنعود؟" 
ابتعد وقال "لدي اجتماع هام غدا سأنتهي منه ونرحل بعدها، أخبري ماري أن تعد الحقائب ولا تنسي إخبار الأولاد" 
شعرت بتقلبات بمعدتها وكأنها تعترض على الأمر، تناست أمر معدتها وقالت "لن أنسى هل سنعود للقصر هناك؟" 
التفت لها بضيق وهو ليس بحاجة للجدال بذلك الأمر الآن فقال "هل تظنين أن من الصواب البقاء بمكان آخر سواه بظل الظروف الحالية؟" 
شعرت بأنه عصبي فتماسكت وظلت هادئة فمنحته نظرات بريئة وقالت "أنا لم أظن شيء بدر، أنا فقط أسأل" 
ابتعد ونفخ الدخان بقوة وقال وهي لا تفهم سبب كل تلك العصبية "ولا مجال للسؤال أسيل، من المفترض وجودنا معه وقت مرضه" 
تنهدت وقالت "أنا لم أعترض بدر لتفعل ما تراه صواب، فقط" 
التفت لها بضيق لم يذهب وقاطعها بحدة "لن تخبريني عن عدم ترحيبه بك أو احتمال وجود سلمى فلا مجال لهذه التفاهات بالوقت الراهن" 
توترت أعصابها من كلماته التي لا مجال لها وظلت تحدق به لحظة قبل أن تختار الهدوء حتى تمر العاصفة وقالت "لن أفعل بدر أنت على حق وأنا أخبرتك أن تفعل ما تراه صواب، أنا متعبة طابت ليلتك" 
لم يتوقف ضيقه عند هذا الحد وقد أخذه لدرجة لم يعرف مداها ولم يحاول تجاوز الأمر وهو يقول "ما زلت أتحدث معك أسيل لا يمكنك النوم دون إذني" 
اعتدلت جالسة وقد تسرب الغضب لها ببطء وهي تحدق بملامحه الجامدة، منذ متى كان النوم بإذن
قالت بعيون مملؤة بالدهشة "إذن!؟ هل أنا بحاجة لإذنك كي أنام بدر؟" 
لم يتحرك وهو يقول "طالما ما زلت أتحدث معك أسيل، ليس معنى أني أدللك أن تقللي من احترامي" 
ظلت صامتة لا تجد كلمات بل لا تعرف أين المشكلة أصلا، قالت "لا بدر لم ولن أقلل من احترامك أبدا فقط ظننت.." 
أشاح بيده وهو يبتعد ليطفئ السيجار وقال "أخبرتك ألا تظني شيء فيما لا يخصك؟ أنت لا تجيدين ذلك" 
نهضت أخيرا وقد أدركت أن الأمر ليس بسهل وهناك ما هو وراء كل ذلك ولكنها لا تعرفه
ارتدت روبها السميك وتحركت تجاهه وقد اعتراها الغضب ووقفت أمامه وقالت "واضح أن كل صفاتي السيئة تزعجك الليلة بدر، هل تفضل أن أختفي من أمامك؟" 
نظر لها وهو يعلم أنه لا يجيد التصرف، عندما لم يرد تحركت لتخرج ولكنه أمسك ذراعها وقال "سلمى رفعت قضية حضانة بمدينة أخرى تطالب بالأولاد" 
التفتت له ونظراتها تلتقي بعيونه وهتفت "ماذا!؟ أنت أخبرتني.." 
ابتعد وقاطعها "أعلم ما قلته أسيل ولكني أعلم أنها لن تتوقف، الحرب لم تنتهي لكن عندما يمس الأمر الأولاد" 
توقف وهي تعلم مدى تعلقه بهم وهم أيضا، وضعت يدها على كتفه وقالت "الأمر سيء؟" 
لم ينظر لها وهو يبتعد لسيجار آخر أشعله وقال "ربما، ما زال المحامي يدرس الأمر، لابد أن نعود وبذات الوقت لم نصل لسلمى، المحامي الخاص بها هو من يتصرف دون ظهورها" 
قالت دون فهم "وماذا بدر؟ لا أفهم أفكارك كلمني بوضوح من فضلك" 
نظر لها من بين الدخان الذي ضايقها فابتعدت وهو يقول "الخطر ما زال قائم تعلمين أنها لن تتوقف" 
لم تنظر له وهي تقول "لن تخبرني أنك تخاف منها؟" 
قال بدون تردد "عندما يتعلق الأمر بحياتك وسلمى فنعم أسيل أنا أخاف عليك" 
التفتت له وهي لا تفهم شيء فاستدار من أمامها وقال "لا يمكنني تركك هنا وحدك وعودتك بها خطر عليك وأنا لابد أن أعود" 
قالت بتصميم "وأنا لن أتركك، لن يعيش زوجي بعيدا عني من أجل امرأة مجنونة، لن تعود وحدك بدر، لن أتركك" 
للحظة أعادت له بعض السكينة ولكن خوفه عليها جعله يقول "هذا يسمى اندفاع أسيل لابد أن نجيد التفكير" 
أشاحت بيدها وقالت "سمه ما شئت بالنسبة لي أنت زوجي ولن أتركك وحدك إلا لو كنت أنت تريد فراقي بدر" 
التفت لها بحدة وقال "نعم لذا أقف هكذا حائرا بالحل الأمثل الذي يضمن لي وجودك بأحضاني مع تمتعك بالأمان بذات الوقت، متى ستثقين بي؟" 
تحركت له وقالت بعصبية "أنا لا أثق إلا بك فكف عن التشكيك بي، وتأكد أن حل آخر غير وجودي معك لن أوافق عليه بدر" 
حدق بها وقال "من أجل ماذا؟" 
رفعت حاجبها بدهشة وقالت "أنت تسأل بدر؟ ألا تعلم من أجل ماذا؟" 
هز رأسه وجذب نفس من سيجاره ونفخ دخانه بوجهها دون قصد فتقلبت معدتها مرة أخرى فأبعدت الدخان وقالت بضيق "كف عن ذلك بدر، الدخان يضايقني" 
قال دون اهتمام بأمر الدخان "لا أسيل، لا أعلم فهل تخبريني؟" 
التفتت له وواجهت عيونه وقالت "من أجلك بدر، من أجل زوجي وبيتنا وأولادنا وسعادتنا" 
ظل يحيطها بنظراته حتى عاد لسيجارته ونفخ الدخان مرة أخرى فاشتد تقلص معدتها وشعرت برغبة في القيء فابتعدت بضيق وهي تقول "وكأنك لا تهتم، كف عن التدخين بدر إنه يضايقني حقا" 
اندهش بغضب أكبر وظن أنها تسخر منه فتحرك بعيدا وقال "كل ما يهمك الدخان أسيل وما أعانيه أنا لا يمثل لك أي أهمية؟ أصبحتِ من التفاهة بحيث لا تقيمين الأمور حق قدرها، كان علي أن أدرك أني منحتك أكثر من قدرك فمن أين لكِ بتقدير الأمور وأنت لا تقدرين مكانتي جيدا، حاولت أن أرتقي بك ولكنك تأبين إلا ما كنتِ عليه، لن تتعلمي أبدا كيف يكون عالم الأثرياء أمثالنا" 
التفت لها وهي تحدق به ولا تصدق كلماته التي انهال بها عليها ونظراتها غامضة فعاد يكمل دون اهتمام "والآن الصمت" 
بصعوبة تحدثت محاولة التماسك جيدا ووزن كلماتها "أسمعك بدر، أسمع ما توصلت أنت له من أني لا أرقى لعالمك" 
أشاح بيده وقال وهو يبتعد "ولن ترقي أبدا طالما تتمسكين بأفكارك الواهنة وأنا لن أمضي عمري في محاولة تعديلك بما يتناسب مع بدر المسيري ومكانته بالمجتمع وتتعلمين كيف تنسي العالم الفقير الذي أتيت منه، لماذا لا تدركين أن حياتك السابقة انتهت ولن تعودي لها و" 
قطع كلماته عندما سمع صوت خطوات مسرعة فالتفت ليرى الفراغ بدلا منها وباب الجناح مفتوح على آخره وصوت أقدامها يختفي شيئا فشيء فأسرع خلفها وقد أدرك كلماته المهينة واندفاعه بالغضب بمرة من المرات القليلة جعلته يندم وهو يعلم جنونها وتهورها فقد كادت تنزل من السيارة وهي تسير بمرة وأفعالها كلها مجنونة
أدرك أنها نزلت فأسرع خلفها ورأى باب القصر مفتوح فلم يتوقف وهو يسرع خارجا ولم يلاحظه أحد من رجال الحراسة ولكنه رآها وهي تسرع للبوابة السوداء وقد نام حارسها وهي تفتحها وتسرع خارجة فلم يتوقف وهو يسرع خلفها والظلام ما زال يغطيهم، أسرع أكثر حتى وصل إليها أخيرا وقبض على ذراعها وجذبها ليوقفها والاثنان يلهثان بقوة
لم يتركها وقد رأى وجهها ملطخ بالدموع وهي تحاول أن تنظم أنفاسها وقد انتبهت له فحاولت أن تدفعه بعيدا وهي تصرخ به "ابتعد عني، اترك ذراعي، اتركني" 
ولكنه أمسكها بيديه الاثنان وقال وهو يحاول التقاط أنفاسه "كفى أسيل، نحن بالشارع" 
هتفت به بألم "هذا هو كل ما يهمك، مظهرك والناس ومكانتك التي لا مثيل لها وعالم الأثرياء الذي أتيت منه ولا يهمك مشاعري التي تجرحها دون اهتمام، ماذا يعنيك حقا إذا ما كان دخانك يؤذيني أم لا؟ أبدو كالبلهاء أليس كذلك؟ التافهة التي لا ترقى لمكانتك إذن لماذا تلحق بي؟ اتركني" 
ولكنه لم يفلتها وهو يدرك غضبها الراكد داخل عتمة عيونها الباكية وشد على ذراعيها وهو يقول "اهدئي أسيل أنا فقط كنت غاضب دعينا نعود وننهي الأمر بالبيت" 
فجأة هطل المطر لتكتمل الليلة الطويلة التي لا تريد أن تنتهي وهي تشعر بألم يبدأ أسفل بطنها ولكنها لم تهتم وهي تقول "لن أعود، بل لن أذهب معك لأي مكان، لا أريد أن أظل كل يوم أتساءل متى ستعود لإهانتي وتذكيري بمكانتي، أنا لم أجبرك على الزواج مني بدر ولم أفرض نفسي عليك بأي يوم ولن أفعل فابتعد عني ويكفي لهذا الحد" 
لم يتركها والمطر يغطيهم فلم يرد وهو يحملها غصبا وقد تفاجأت مما فعل وحاولت أن تدفعه عنها وتركل قدمها ولكن قبضته كانت قوية وهو يعود بها للقصر حتى دخل وصعد السلم ولكنها أرهقته من كثرة المقاومة وربما تألم ظهره مرة أخرى من إصابته فأنزلها وهو يقول بغضب حاول التحكم به 
"والآن أوقفي جنونك هذا أسيل ودعينا نتحدث بهدوء"
ولكنها لم تتوقف وهي تتألم من الإهانة التي ألقاها بوجهها وهو يظن الآن أن كلماته ستنهي كل شيء بسهولة؟
أوهام..!
أنت تقطع من أوصال حبي لك أيها الرجل وتمزق خيوط المحبة بيننا فلا تدفعني للجنون واحتويني بدلا من ان نهترئ تحت الغضب النابض داخلنا
هتفت من بين الدموع المتفجرة من عيونها "أخبرتك أن كل سيئاتي حاضرة اليوم فهل ننتهي من كل ذلك؟" 
ضاقت عيونه وهو يبعد شعره المبلل عن جبهته وقال "ننتهي من ماذا أسيل؟" 
قالت بنفس الغضب "من الجنون الذي اندفعت أنت إليه يوم نزلت من مكانتك العالية لفتاة مثلي لا ترقى لمستواك" 
نفخ بقوة وهو يحاول أن يهدأ وقال "كفى أسيل كانت كلمات خطأ بوقت غضب وأنت تعلمين أني لم أقصدها" 
تراجعت وهي تقول "لا بدر أنت تحدثت بالحقيقة للمرة الثانية فالغضب يخرج ما نكتمه داخلنا، أنت حاولت التغاضي عن الفوارق التي بيننا ولكنك أدركت أن الأمر صعب وربما ندمت لزواجنا لذا سأجعل الأمل أسهل عليك" 
حدق بها وقال "لا أفهم" 
زادت دموعها وهي لا تدري أنها تنساق ورائه لنفس الطريق الدامي والملوث بالأشواك ولن تجرح سواهم هما الاثنان
كان عليها التريث، كان عليه الاتزان ولكن كان القدر هو من يقول كلمته الأخيرة 
هتفت بجنون يدفعه الغضب "طلقني، طلقني بدر، لن يمكنني أن أكمل معك بعد اليوم" 
وكأن طلقة نارية صدرت من مكان ما لتجعله يصحو من غفوته
كلاهم كان يتمرغ على أرض الغضب بلا انتباه إلى أنهم ينجرفوا للهاوية
ردد الكلمة بغضب "أطلقك؟ هل جننت أسيل؟ لم يحدث بيننا ما يستدعي الطلاق، لن أفعل ولن أفكر حتى بذلك" 
ولكنها قالت بألم ويأس "بالنسبة لك لم يحدث شيء لكن أنت أهنتني بدر وجرحت كرامتي" 
قال بهدوء استعاده "أخبرتك أني لم أعني ما قلت أسيل مجرد كلمات بلحظة غضب لا تستدعي كل ذلك" 
نظرت له من بين الدموع وقالت "حقا؟ هذا رأيك بدر ورأيك لا يعنيني لأن أنا من أهنت" 
عاد الغضب له من كلماتها ولكنه قال "كفى أسيل لنتوقف هنا قبل أن تتفاقم الأمور أكثر" 
قالت بهدوء اجتاحها فجأة رغم ألم بطنها "بالطبع فأنت السيد وعلي الطاعة ولكني لن أفعل بدر لست خادمة لديك ولن أشبع غرورك بالرضوخ لأوامرك هل تسمعني لن أكون ضحية غرورك وكبرياءك ولن أسمع لك فلا أهمية لكلماتك عندي بعد اليوم" 
بالطبع نفدت قدرته على التحكم بأعصابه وغضبه غير المعتاد ولم يشعر بنفسه إلا بعد أن تألمت يده من صفعته التي سقطت على وجهها لتدفعها بقوة للخلف حيث لم تجد أرض تضع عليها قدمها لأن السلم هو ما تلقاها وهي تسقط عليه ويتدحرج جسدها على كل سلمة بقوة وهي تصرخ من الألم بكل جسدها حتى توقف جسدها بالأسفل وهو يرتطم بالأرض بقوة والألم بأسفل بطنها يكاد يقتلها وظهرها يحترق وهي تصرخ ولم تجيب نداء بدر وهو يهرع إليها بفزع حتى وصل لها ورفع رأسها وهو يناديها بجنون
"أسيل، أسيل ردي"
سرعان ما وصلت ماري بفزع وهرع رجاله على صرخاتها بينما ظلت تصرخ هي من الألم عندما جلست ماري على الأرض بجوارها وهي تقول بفزع "مستر بدر إنها تنزف" 
التفت لأسفل جسدها فرأى الدماء من بين ساقيها فحملها مرة أخرى وهتف "الطبيب بسرعة ماري أسرعي" 
لم تتوقف عن التألم والبكاء بعد أن نقلها لفراشها حتى وصل الطبيب ولكنه فزع من الدماء ونظر لبدر بعد الفحص السريع وقال "إجهاض سيد بدر يفضل نقلها للمشفى لوقف النزيف وربما تحتاج نقل دم" 
تراجع من الصدمة وشعر بطعنة قوية تسدد لقلبه وظل يحدق بها والطبيب يمنحها مسكن للألم حتى ناداه الطبيب "سيد بدر إما تنقلها الآن أو تطلب الإسعاف النزيف خطر على حياتها"
انتبه ولم يتردد بأن يحملها وقد غابت عن الوعي وأسرع للسيارة وقاد وسط سيارات رجاله التي تبعته وهو بحالة من الصمت والغضب من نفسه وتذكر وقت طالبته بعدم التدخين لقد كانت متعبة حقا بسبب الرائحة وليس عدم اهتمام، نظر لها وهي غائبة عن الحياة وشعر بغضب من نفسه، هو السبب، غضبه أعماه عن المرأة التي تمثل له الحياة واليوم فقد طفله الذي ظن أنه لن يناله ونسى أن بزواجه منها قد تمنحه إياه، بل لا يعلم ربما فقدها هي الأخرى فربما لن تغفر له ما فعله بها فقد أهانها والأكثر ألما له قبلها أنه السبب بفقدان طفلهما فهل سيمكنه أن يرمم الشرخ الذي وقع بينهما؟؟ 
اللعنة كيف نسى أن الجسر الواهي بين الهدوء والغضب ينهار بلحظة محطما معه كل شيء وها هو حطم كل شيء؟
عندما خرج الطبيب من غرفة العمليات كان واقفا رغم ألم ظهره يحدق بالطبيب الذي اتجه له وقال "هي بخير الآن، النزيف توقف ويتم نقل الدم لها الآن، فقط هناك بعض الكدمات والجروح بجسدها نتيجة السقوط ولكنها ستتعافى، أنا آسف لفقدان الجنين ولكن هي ما زالت صغيرة ويمكنكم انتظار غيره" 
لم يرد والطبيب يتحرك من أمامه مبتعدا ولم يجرؤ على طلب رؤيتها فهو يدرك أنها لن تقبل رؤيته، على الأقل ليس الآن ولا هو بقادر على مواجهة نظرات الاتهام بعيونها.. 
لم يترك المشفى حتى خرجت لغرفة عادية تحت نظراته ولكنه ترك الغرفة للتمريض وظل جالسا بالخارج محاولا أن يستجمع شجاعته لمواجهتها خاصة عندما رآها وقد شحب وجهها وانطفأ بريق عيونها وتحلقت بهالات سوداء وكدمة بدت واضحة لتكمل الحزن على وجهها 
لم تهتم ما إن كان موجود أم لا وحل الصمت عليها وقد عرفت بأمر الإجهاض ونبض الألم بقلبها وهي لم تكن تعرف أنها حامل رغم شكوكها فقد اعتادت على عدم انتظام دورتها الشهرية لذا كانت فقط تشك ولكن ما حدث بميلانو وخوفها وانشغالها باستعادة حياتها جعلها لا تفكر بالحمل ولكنه كان موجود
كانت تحمل جزء منه داخلها، جزء كان سيبدل حياتها ويجعلها أم لكن هذا لم يعد موجود الآن، لقد انتهى الأمر ورحل الحلم الذي تحلم به كل امرأة بمجرد زواجها، ربما لم تمنحها الأقدار الوقت لتحلم لكن الآن حزنها جعلها تدرك أنها تمنته لكن بعد ما حدث بينهم ربما يكون هذا هو أفضل لينتهي كل شيء دون أي روابط بينهما
عندما انفتح الباب انطلق عطره لها لتعرف بأن وقت المواجهة قد أتى فأغمضت عيونها دون رغبة برؤيته. نهضت الممرضة عندما دخل وخرجت، جذب مقعد الممرضة وقربه من فراشها وجلس وهو يعلم أنها تدرك وجوده، تابع المحلول المعلق بذراعها ثم ثبت نظره عليها وقال بصعوبة 
"أنا آسف أسيل"
سقطت دموعها رغما عنها وما زالت تغمضها ولم ترد، انحنى للأمام وهو يرى دموعها فقال بصوت مبحوح من الألم والحزن "لم أكن أعلم بالحمل، أنت لم تخبريني أسيل، كان عليك أن تفعلي" 
فتحت عيونها الدامعة وواجهته وقالت "معك حق فأكيد كنت ستخشى عليه هو ولكن صدقني أنا لم أكن أعلم" 
تراجع من كلماتها وظنونها وقال "لا أسيل، لم أقصد ذلك، أتحدث عن الدخان لم أفكر لحظة أنك تتضررين منه بسبب الحمل وظننت أنك تسخرين مني وتقللين من اهتماماتي ومشاكلي" 
لم تبعد عيونها عنه وقالت "هذا يعني أنك تبتعد عني كثيرا بدر لأنك حتى الآن لم تعرفني جيدا" 
عاد يقترب ولمس يدها بيده ولكنها أبعدتها فأبعد وجهه بضيق وقال "تعلمين أنك لست على حق، ما بيننا" 
قاطعته بتعب واضح "ما بيننا كان خطأ بدر، لا أنا مثلك ولا أنت ستكون بأي يوم مثلي، بيننا بلاد كثيرة تفصلنا، أنت أسد ميلانو وربما سيد إيطاليا كلها، شركاتك بكل مكان هناك وأنت سيد على عرشها لكن أنا مجرد فتاة مصرية حمقاء فقيرة سقطت بطريقك فأثارت إعجابك لاختلافها عن كل من حولك ولكن الإعجاب رحل بدر واستعدت وعيك وأدركت أننا لسنا متناسبين، أنا لا أليق برجل مثلك، هذه هي الحقيقة وستظل بيننا للأبد" 
ظل صامتا ولم يقاطعها حتى توقفت فقال "وماذا أسيل؟ أنت لا تدركين ما تقولين لأن لا أنا ذلك المراهق الذي يعجب بفتاة لمجرد المتعة ولا أنت تلك الفتاة التافهة التي تدير عقل رجل مثلي، تعلمين ما أكنه لك أسيل فلا داعي لكلمات لا معنى لها" 
أبعدت وجهها وقالت بألم "هذا ما كنت أظنه ولكن" 
نهض محاولا إيقاف غضبه مرة أخرى وقاطعها بحزم "لكن ماذا أسيل؟ الإعجاب لا ينتهي بالزواج ومنحك اسمي وشرفي وتربية أولادي، الإعجاب لحظة قد تطول يوم أو اثنين وبالنهاية تنقطع الطرق لكن ليس هذا ما كان بيننا فكفي عن كل ذلك، لم لا تفهمين أنها كانت لحظة غضب ولم أتماسك وانفلت الزمام مني" 
همست بحزن "انفلت لحد الإهانة والصفع وضياع طفلي" 
التفت لها بقوة وقال "لست السبب أسيل أنتِ دفعتني بكلماتك وأثرت غضبي" 
هزت رأسها وقالت "نعم أنا السبب بكل شيء بدر، أنا من سخرت منك وأنا من أثرت غضبك حتى صفعتني وأنا أيضا من أسقط نفسي لأجهض نفسي، حقا لا مجال للجدال أنا متعبة هل تتركني من فضلك؟" 
والتفتت على جانبها والدموع تنهال بغزارة عندما اقترب وقال "لم ننتهي أسيل" 
قالت بنفس الضعف "بل انتهينا بدر، لأنه لم يعد لدي أي إضافة ولا أنت ستتنازل عن أفكارك كما أعلم أنك تريد السفر لوالدك يمكنك أن تذهب ولا تقلق سأكون بخير" 
صمت وقد تملكه قلق من كلماتها فاقترب من الفراش وقال "لا أفهم" 
قالت بألم "أريد البقاء هنا، أنا بحاجة للبقاء وحدي، من فضلك اتركني لا أريد السفر" 
تدارك كلماتها وفهم ما ترمي له فقال "لن أترك زوجتي هنا وحدها أسيل" 
كتمت عبرات كادت تقفز من فمها وحاولت أن تكمل "إذن تخلص من زوجتك كي لا تتنازل عن قوانينك" 
عاد الغضب يتملكه وقال "لن نعيد ما كان أسيل، لن تكوني سوى زوجتي" 
قالت بتعب "دعني أرتاح إذن وراحتي هنا لن أستطيع مواجهة أي شيء بالوقت الحالي" 
قال بمحاولة أخيرة "أنا بحاجة لوجودك معي أسيل والأولاد وحياتنا" 
زاد بكاءها وهو يدرك ذلك دون أن يواجها وهي تلملم نفسها وتقول بصعوبة "وأنا لن أكون قادرة على منحك أي شيء بدر ليس الآن على الأقل أنا بحاجة للوقت لأستعيد نفسي وأنسى ما كان" 
مرر يده بشعره ودار حول نفسه دورة كاملة وهو يحاول أن يرتب أفكاره فهل يمكنه أن يعود دون وجودها معه؟ هل يمكن أن يتركها وحدها؟ ربما يكون هذا حل مؤقت ليرمم كلاهم جراحه حتى يمكنهم التعايش سويا مرة أخرى 
قال بهدوء "حسنا كما تشائين، سنعود البيت الليلة وسأرحل بالصباح" 
وتحرك للباب وقبل أن يخرج قال "إذا فكرت بتغيير رأيك أبلغيني" 
سمعته يغلق الباب فأغمضت عيونها وانهارت بالبكاء والحزن والألم يتفاقم داخلها دون توقف وقد تمنت أن يتمسك بها أكثر من ذلك، يصر على بقاؤه معها أو رحيلها معه ولكنه لم يفعل، لقد كانت بحاجة إليه بل بأشد الاحتياج إليه ولكن كل ذلك انتهى إلى اللا شيء كرامته أبت أن يعترف بخطئه بل وحملها هي كل الخطأ
كبرياؤه أيضا يرفض تحريرها فلم تملك إلا الانفصال، لن يمكنها أن تعود معه وهي لا تريد قربه، ليس الآن وهو قد جعلها تندم على حبها وحياتها التي وهبتها له، حتى طفلهم لم يبدي أي حزن لفقدانه وكأنه لم يكن يرغب به، ولماذا يرغب به ولديه أولاد أخيه وربما لا يريد ما يربطه بها أكثر، لقد انتهى الأمر وبالتأكيد ما أن يعود إيطاليا حتى يدرك أن زواجهم كان خطأ وربما يأخذ قراره ويمنحها حريتها ولكن للأسف ستكون قد انتهت وأصبحت بقايا امرأة
اندفع خارجا من المشفى وألم ظهره يعيق حركة ساقه ولكنه لم يكن يفكر إلا بها وانفصالها عنه ورغبتها بالبقاء بعد أن كانت ترفض سفره بدونها، ماذا حدث كي يحدث كل ذلك؟ ألا يمكنها تحمل غضبه وقلقه على أولاد أخيه؟ ألا تقدر الأمور حق قدرها؟ هل أخطأ يوم اختارها وانساق لها؟ هل حقا كما قال هو، أنها امرأة لا تليق به؟ 
ركب السيارة وقاد السائق واستند إلى مسند الباب وأغلق عيونه وقد تضاربت أفكاره وتداخلت بصراع لم يستطع أن يوقفه حتى عندما دخل مقر الشركة فشل بالتركيز بأي قرار خاص بالعمل؛ صورتها والدموع والمطر يغرقونها لا تزول من أمام عيون، غضبه من نفسه لأنه رفع يده عليها وتسبب بفقدان طفلهم، شعر بصداع قوي برأسه عندما دق الباب ودخل بلال فرفع رأسه وهو يقول 
"ميلانو على الخاص يا فندم يبدو أن هاتف حضرتك مغلق"
تراجع بالمقعد والتقط السماعة ليجيب وقال "نعم أوليفر" 
لم يتأخر كثيرا بالشركة وعاد للمشفى وقد ساعدتها الممرضة على ارتداء ملابسها وركبت بجواره بالسيارة وقاد السائق بصمت بينما قال هو "الممرضة ستظل معك حتى تصبحين بخير، رجال الحراسة ستظل حولك" 
هزت رأسها دون أن ترد فنفخ بشدة وأبعد وجهه ولم يتمكن من قول المزيد فقد تمنى أن تعود معه ولكنها لا تريد إلا الفراق، ربما ندمت على زواجهم وأدركت أنه ليس الرجل الذي أرادته، هو يعلم أنها لم تبغي أمواله بأي وقت وكثيرا ما تساءل عن سبب زواجها من رجل يكبرها بأربعة عشر عاما أو أكثر، متزوج ويربي أولاد أخيه ولكنه للأسف لم يجد أي إجابة واليوم ها هي تتراجع عن وجودها معه وتحطم كل ما كان بينهم. 
حملها إلى غرفتهم رغم اعتراضها الضعيف من التعب وعندما وضعها بالفراش تلاقت أعينهم للحظة وكأن كلا منهما يودع الآخر أو يلومه على ما حدث أو يترجاه للعودة عن قراراتهم ولكنه كان أول من اعتدل وأبعد عيونه وقال 
"ماري والأولاد سيعودون معي"
فتحت فمها لتعترض ولكنها أدركت أنه لن يترك أولاده معها فهي ليست أمهم بل مجرد امرأة عابرة بحياتهم وحياته وهي بالنهاية انتهت بالنسبة له فأغلقت فمها ولم تعترض، دق الباب ودخلت الممرضة فتحرك هو للخارج بصمت وكبرياء، التفت هي على جانبها تقاوم الدموع التي تندفع دون ارادتها خارج مقلتيها.. 
****
ما أن عاد ميلانو حتى كان كمال أول اهتماماته ووجده ما زال بالفراش والأطباء من حوله، نظر له أحدهم وقال "الأمور ليست جيدة سيد بدر، لم يكن من الصواب خروجه من المشفى" 
نظر لزوجة والده التي كانت جالسة على طرف الفراش ولم تنظر له ثم عاد للطبيب وقال "وهل تفضل عودته؟" 
قال الطبيب بجدية "نعم ولكن زوجته" 
قاطعه بدر بحزم "استدعي الاسعاف من فضلك" 
لم يستطع أحد إيقافه وظل اليومان مع كمال بالمشفى حتى انتقل الرجل لغرفة عادية وماريان تنظر لبدر وتقول "لقد تحسن كثيرا" 
نظر للمرأة ثم عاد لوالده وقال "نعم، لن تخرج من هنا إلا لو طلب الأطباء ذلك" 
نظر كمال له وقال "تتمتع بفرض سيطرتك علي بحالتي هذه" 
تحرك وجلس وهو يقول مدركا أن العلاقات بينهم لن تتبدل للأفضل أبدا "سمها كما تشاء لا أهتم المهم أن تستعيد نفسك" 
أبعد الرجل وجهه وقال "لا دخل لك بشركاتي بدر" 
لم تتبدل ملامحه وهو يجيب ببرود "لن أفعل ليس لدي وقت لها" 
نظرت له زوجة أبيه وقالت "أين زوجتك بدر؟ لم نراها منذ عدت" 
حاول أن يبدو هادئا كعادته وهو يقول "ما زالت بمصر لديها ما يشغلها هناك" 
قال كمال "لم تبدو علاقتكم كزوجين تفصل بينهم البلاد" 
نهض واقفا وقال "وما زالت، لابد أن أذهب لو احتجت شيء تعرف كيف تجدني" 
كاد يذهب عندما استوقفه الرجل "سلمى لن تتراجع بدر وأنا لن أترك الأولاد" 
التفت له مرة أخرى وقال "وأنا أيضا لا أتراجع، ولن أترك الأولاد، فقط تظهر من مخبأها وسأجعلها تندم على أفعالها معي" 
قالت المرأة "من الأفضل أن تتحسن علاقتكم بدر، والدها رجل له نفوذ واسع وصديق والدك وهي بالنهاية أم الأولاد وأولى بهم وربما لا تقبل زوجتك بهم" 
رمقها بنظرة نارية وهو يقول "أنا لا يهمني نفوذ أحد فلدي منه ما يكفيني ويرضيني وسلمى لا تعرف عن الأمومة أي شيء والجميع يعلم ذلك أما زوجتي فلا دخل لك بها وأولادي أنا كفيل بهم" 
قال الأب "أولاد باسل" 
التفت لولده بنفس القوة وقال "وماذا؟ ما الذي تبدل؟ الاسم؟ الأولاد لا يعرفون أب سواي ولن يمنحهم أحد حنان أكثر مما أمنحهم أنا إياه ولا فارق لدي إذا كانوا أولادي من صلبي أم أبناء أخي" 
قال الأب بغضب "لن ترث كل شيء وحدك لي نصيب شرعي و" 
أدرك الغرض فقاطع والده محاولا عدم الغضب فهو يكلفه الكثير، ورفع إصبعه ليوقفه وقال "هذا هو مرادك، حسنا اطمئن ولا تخشى على نصيبك الشرعي فأنا لست بحاجة له ولكنك تنسى أن أنا الوصي عليهم وأكثر الناس حرصا على أموالهم ولن أضيع مليم واحد خاص بهم"
تحرك ليذهب ولكن المرأة قالت "إذن ربما تعيد لهم أمهم كي تجيد رعايتهم بغيابك"
التفت لها مرة أخرى وقال "لا أحد يملي علي ما أفعل من عدمه وحياتي الخاصة لا دخل لأحد أي أحد بها"
وتحرك للخارج وهو يشعر بغضب كبير يجتاحه كالفيضان، هذا هو والده الذي ترك زوجته بمصر من أجله يتحدث عن الأموال، هذا هو الرجل الذي ثار بوجهها ولم يتحملها من أجله بل وتقريبا خسرها بلا أمل بالعودة
ركب السيارة وألم ظهره يزداد من الإرهاق والتعب، أغمض عيونه للحظة ثم أخرج هاتفه وعبث به بيده حتى وصل لرقمها وتوقف إصبعه قبل أن يتصل وهو يحدق بالرقم ويقاوم اشتياق حتى لسماع صوتها ولكن كلماتها عن عدم قدرتها عن منحه أي شيء بالوقت الحالي جعله يطفئ الهاتف ويعيده لجيب الجاكيت ويمد بصره لخارج النافذة وهو يقول 
"المكتب أوليفر"
التفت له أوليفر وقال "أنت لم تنم منذ عودتك سيد بدر، ألا تحتاج لبعض الراحة؟"
لم يكن يريد أي لحظات فراغ حتى لا يفكر بها ورغم انشغاله الدائم إلا أن عيونها الباكية لم ترحل عنه ولا ذكرى ضياع طفله الذي تمناه، ليت الزمن يعود للخلف فلا يكرر ما كان ويستعيد من كانت تمنحه الراحة والسعادة 
أحيانا كان يفكر أنه لم يكن من المفترض أن يتركها بحالتها تلك فهي بحاجة له وهو يدرك جيدا أن لا أحد لها سواه
هكذا كانت تخبره دائما وهذا ما يعرفه جيدا ومع ذلك تركها وحدها لتبتلع أحزانها وحدها
لكنه تراجع وهو يسمعها تقول أنا بحاجة لأكون وحدي ولكن صوت من داخله لم يسمح له بالخروج كان يهتف به بضعف "لم يكن عليك ترك زوجتك وحدها بتلك الحالة.."
أجاب كلمات أوليفر "لا، لست بحاجة للراحة، ألا توجد أي أخبار عن سلمى أو ذلك الدجال؟"
قال أوليفر باهتمام "لا ولكن بالجلسة الأولى للحضانة لابد من تواجدها ونحرص على"
قاطعه بحزم "سأحرص أنا شخصيا على أن ألا تفلت من يداي أوليفر"
نظر له أوليفر وقال "كان لدي اقتراح لك سيدي"
هز رأسه فأكمل "مجموعة القاهرة لماذا لا تهتم بها مسز مسيري بتلك الفترة؟ المشاكل هناك كثيرة وحضرتك لا تثق سوى بها"
ظل يحدق به وهو يدير الكلمات برأسه عندما توقفت السيارة أمام مبنى الشركة ونزل السائق ليفتح له وانضم له أوليفر فقال "سأفكر بالأمر أوليفر، أريد رؤية أنطون وتقرير عن شركة السياحة ونظم لي اجتماع مع مدراء الفروع بأقرب وقت"
وصل لمكتبه فأخرج علبة الدواء الخاصة به وتناول قرص منها عندما رن هاتفه باسم باسل فأجاب ليسمع صوت باسل يشبهه في هدوئه وهو يقول "داد كيف حالك؟"
أجاب "بخير باسل هل أنت بخير؟ هل حدث شيء لك أو لأخيك؟"
قال باسل "لا داد نحن بخير فقط"
وصمت الطفل فحثه بدر على أن يكمل فقال باسل "أسيل لا تجيب اتصالاتنا فهل هي بخير؟ هل هي غاضبة منا لأننا رحلنا وتركناها وحدها وهي متعبة؟ ألن نراها مرة أخرى داد؟"
أغمض عيونه وعبث بهما بأصابع يده، حتى الطفل يخبره أنهم تركوها وحدها وهي متعبة، هل كان خطأ؟
أجاب "لا باسل هي كما قلت متعبة ولم تشفى بعد وبالتأكيد ستستعيد نفسها وتجيب اتصالاتك"
صمت باسل لحظة فقال بدر "هل هناك ما يضايقك باسل؟"
سأله باسل بلا مقدمات "هل ستعيدنا لسلمى؟"
لم تساعده قدمه على الوقوف فظل جالسا والطفل لا يمنحها حتى لقب ماما وهو تفهم ذلك قبل أن يقول "بالنهاية هي أمك"
صمت باسل قليلا حتى قال "ولكني لا أريدها داد، أنا أريد أسيل"
مرر يده بشعره وشعر بقلبه يدق بشكل غريب عليه ولم يجد كلمات يجيبه بها حتى سمع باسل يناديه فقال "حسنا باسل بالتأكيد بمجرد أن تتحسن أسيل ستنضم لنا"
أجاب باسل "هذا وعد داد؟ أي لن ترحل كما رحل باسم من قبل؟"
ارتجفت يده الممسكة بالهاتف وهو يشعر بألم لذكر أخيه "لا باسل، هي لن ترحل وبالتأكيد ما أن تصبح أفضل ستنضم لنا، لا تقلق"
أنهى مكالمته وتراجع بالمقعد وأسند رأسه عليه وأغمض عيونه وهو يفكر بكل ما كان وهو يعلم أن رغبته بها لا تقل عن أولاده بل تفوقها بكثير فقد كانت تمثل شريان الحياة له ولهم، ليته يستطيع أن يعيدها ولكن ..
دق باب المكتب ودخلت السكرتيرة، لم ينظر لها وهي تقول "مستر أنطون بالخارج سيدي"
قال دون أن يغير من وضعه "عشر دقائق ودعيه يدخل، أريد قهوة مارجو"
قالت الفتاة "أمرك سيدي"

تعليقات



<>