
رواية كبرياء رجل الفصل العاشر10 بقلم داليا السيد
حادث
فزعت أسيل من ذلك الصوت وتراجعت بارتباك وقلبها ينتفض بعنف من الصدمة وتوهج وجهها محترقا من حرارتها وأبعدت يدها عنه انفلتت منه لتجذب فستانها وتخفي جسدها ولكن هو لم يبعد ذراعه عنها ولم يتركها بل ظل يحيطها بيده وبقوة أكثر مانعا إياها من الابتعاد عنه وهو ينظر إلى سلمى بنظرة الصقر الحادة وهو يقول من بين أسنانه
"كيف تجرؤين أنت وتقتحمين جناحي هكذا؟ هل جننتِ؟ أنا لم أسمح لك"
لم تردعها كلماته وهي تتقدم إلى داخل الغرفة وقد لملمت أسيل ملابسها واحمر وجهها وتبعثر شعرها وارتجف جسدها بين ذراعيه وزادت دقات قلبها من الخوف من نظرات تلك المرأة التي ترميها بها بحقد وكره واضحان وقد شعر بها فلم يفلتها وقربها منه أكثر كي يمنحها الأمان وهو يواجه سلمى وهي تقول
"إنه بيتي بدر وأنت زوجي وأنا أدافع عنهم ضد هذه القمامة التي أتيت بها من الشارع، أنا لن أقبل بذلك بدر، لن أقبل"
شعرت بالغضب يتسرب إليها ولكن بدر أبعدها خلفه وتحرك ليواجه سلمى وهو يقول "كلمة أخرى وسأجعلك تندمين على اليوم الذي وقفت فيه أمامي، ألم يكفكِ ما كان؟"
قالت بغضب واضح "لا بدر، لم يكفيني ما فعلته ولن أتراجع لأني لا أخاف وتلك الفتاة لن أرحمها لن يأخذك أحد مني هل تفهم ؟ سأقضي على أي أحد يقف بطريقي ولن يرحمها مني أحد حتى ولو كان أنت وتذكر أنك أنت من بدء"
أمسك ذراعها بقوة فصرخت من الألم وهو يواجه نظراتها الفزعة بنظرات قوية ويقول "أنت تهددين بدر المسيري؟ إذن تحملي نتيجة تصرفك وأنا أخبرك أنها لن تكون سهلة وأظنك جربت من قبل فلا تدفعيني للمزيد، زواجنا هذا الذي تعرفين أنه تمثيلية أمام الجميع لن يستمر أكثر من ذلك لأن وجودك بحياتي أصبح نقمة ولم أعد بإمكاني تحملها لذا أنتِ.. "
كاد ينطق بالطلاق عندما صرخت سلمى بقوة "لا، لا تنطقها بدر، أرجوك لا تفعل، لن تخرجني من حياتك الآن وأنت تعلم أني لا يمكن أن أحيا بدونك، لا بدر، لا تفعل"
ظل يحدق بوجهها والغضب يفر من ملامحه وللحظة شعر بوجوب طلاقها، كانت بلا تردد وقت أعلنت إسلامها من أجله وتزوجته بلا تفكير لأن هذا ما كانت تسعى له، لكن هو لم يفكر بها لحظة فقط الأولاد ورغم إدراكه الذي كان يعرفه وتأكد منه مع الوقت هو عدم جدوى وجودها فسعى للتخلص منها لكنه لم ينتهي بعد من إجراءات حضانة الأولاد ولا تسوية الأمور المالية مع محاميها ولو لم تكن مسلمة وهو هددها أيضا بأن تخسر الكثير لو بلغت عن زواجه الثاني لفعلت
شد على ذراعها وقال بتأني "هو آخر إنذار لك؛ ابتعدي عنها وعني إذا أردتِ البقاء هنا وعلى ذمتي"
نظراتها لم تكن مريحة ولم تمر على أسيل قبل أن تقول "حاضر بدر أعدك أن أفعل ما في وسعي للحفاظ على ذلك"
وأخيرا ترك ذراعها فنظرت سلمى إليها نظرة قوية أخافتها، ثم خرجت فتحركت هي إلى أقرب مكان وجلست وهي تشعر بأن قدماها لا تحملها مما حدث
أغلق الباب ثم أخرج سيجاره وأشعله وهو يخلع جاكته ويلقيه بعيدا وفك ربطة عنقه وقد أعادته سلمى إلى الواقع الذي نساه مع امرأته الحقيقية، وقف أمام زجاج النافذة يدخن لحظة قبل أن ينظر لها وهي تستعيد نفسها ثم قال
"أسيل"
أغمضت عيونها بتعب وقالت "كفى بدر، أرجوك كفى أنا تعبت"
ظل جامدا وهو يعلم صدق كلماتها وقال "وأنا لم أعد أتقبل الحياة وأنت لست هنا معي لأن هذا هو بيتي أسيل بيت زوجك الذي هو بيتك وأنا أريدك، أريد زوجتي معي هذا حقي أسيل ولن يمنعني عنه أحد"
لم تنظر إليه وقالت "أنت تعلم أن كل ما كان يحدث لي بسببها أليس كذلك؟ لا أحد يعرفني هنا سواكم ولا أحد يرغب بأن يضر بي أيضا سواها ومع ذلك أتيت بي إليها ولكني أخاف بدر، أخاف مما سبق ومما يمكن أن تفعله بعد ذلك أنا أتيت إليها بنفسي وأنت ترفض الاعتراف بكل ذلك"
كان يعلم أنها على حق ولكن تفكيره كان مختلف فقال "لا أسيل أنت هنا معي تحت نظري ولن يمكنها أن تضرك بشيء طالما أنا بجوارك"
رفعت وجهها الشاحب له وقالت بعيون مليئة بالرجاء "أعدني مصر يا بدر من فضلك، هناك سأكون بمأمن عنها ولن تفكر بأن تضرني وأنا سأبقى زوجتك للأبد"
أطفأ السيجارة وتحرك إليها ثم ركع أمامها ومسح دموعها بحنان وقال "وإن كنت لا أتحمل بعادك عني أسيل فماذا أفعل؟"
تألم قلبها من كلماته وزادت دموعها فجذبها إليه فكلاهما بحاجة إلى أحضان الآخر. لحظة طويلة مرت إلى أن أبعدها وهو يحيط وجهها بيديه ويبتسم بحنان ويقول "أنا كلفت رجالي بالبحث بما حدث مع راسيل و"
قاطعته بيقين "إنها أرواح بدر، سحر وأعمال، أنا متأكدة من ذلك لا يمكن للموتى أن يعودوا إلى الحياة"
تأمل عيونها ولم يجادل "أعلم أنك على حق لذا سيكون بحثنا حول ذلك وأكيد سنأخذ حذرنا أليس كذلك؟ والآن هيا"
ثم نهض وجذبها أمامه وقال "أنتِ بحاجة إلى الراحة لقد أوشك الفجر على البزوغ وأنت لم تنامي"
لم تترك يده وهي تقول بخوف واضح "لا، لا أريد أن أنام"
أدرك خوفها فعاد يضمها إليه وقال "لن أتركك أسيل فقط غيري ملابسك وأنا أيضا ثم سأعود إليك"
أبعدها ونظر إليها مبتسما فهزت رأسها فالتقط قبلة صغيرة من شفتيها ثم أبعدها وتحرك إلى باب غرفته الجانبي
كان الحمام أيضا مختلف، كبير وبنفس الالوان البنفسجية وروائح اللافندر والياسمين، أخذت حمام دافئ أعاد لها حيويتها بعد ذلك اليوم الطويل وقد لاحت راسيل أمامها وهي تخبرها عن العشاء فدمعت عيونها حزنا على الفتاة المسكينة.
ارتدت روب الحمام وخرجت فلم تجده وتراجعت عندما تذكرت أنها لم تجد حقائبها، تحركت لخزانة الملابس وفتحتها لتتراجع من كم الملابس الموجود بها وهي مرتبة حسب النوع، ظلت صامتة وبلا حركة وهي لا تعرف هل هي لها أم كانت لسلمى و..، لا التكييت الظاهر من أحدهم دل على أنها جديدة، بالتأكيد بدر المسيري لن ينسى أمر كهذا مع عروسته
جذبت قميص نوم طويل وهادئ أبيض وارتدته ودخلت الفراش تنتظره والتعب زاد عليها وذراعها ما زال يؤلمها ولكن سرعان ما ذهبت في النوم دون أن تشعر
عندما استيقظت كانت الشمس بمنتصف السماء تقريبا فاعتدلت بالفراش ولم تجده موجود ولم ينم بجوارها
نهضت وغيرت ملابسها وقبل أن تتحرك دق الباب فأذنت فرأت ماري تدخل تبتسم وتقول "صباح الخير مدام، سعيدة بعودتك، مستر بدر طلب ألا نوقظك ولكن الأولاد يسألون عنك بشدة"
ابتسمت وقالت "شكرا ماري أنا أيضا سعيدة برؤيتك، أنا ذاهبة للأولاد، أين بدر؟ أليس اليوم اجازة؟"
لم تذهب ابتسامة ماري وهي ترد "لقد خرج باكرا كعادته ولم يخبرني بشيء أكثر من عدم إيقاظك"
ترددت قبل أن تقول "ومدام سلمى؟ هل نزلت؟"
ذهبت ابتسامة ماري وهي ترد بجفاء "نعم، خرجت كالعادة دون أن يعرف أحد أين تذهب"
لم تسأل أكثر من ذلك وقد ارتاحت لذهاب سلمي بينما قالت ماري "سأعد لك إفطار خفيف فموعد الغداء اقترب"
هزت رأسها وقالت "بغرفة الأولاد مدام ماري من فضلك"
أمضت الوقت كله مع الأولاد وبدا التحسن على وجه باسل والسعادة بتصرفات براء وهو يلعب معها ويستمع إلى قصصها أو يتشاركان بالتلوين وكان ثلاثتهم مبسوط
"من الجميل أن تجدي ما يشغلك"
ابتسمت وهي تراه يقف بمنتصف الباب وهو ينظر إليهم فانطلق براء إليه كعادته فحمله ورغم قواعده وقوانينه إلا أن براء كان دائما يخرقها بدون أي اهتمام وهو معهم لا يمانع
قبله بحنان وداعبه قليلا ثم أنزله واتجه إلى باسل قبله هو الآخر وقال "كيف حال بطلي الشجاع؟"
أجاب باسل بهدوء "بخير داد"
تفاجأت وهو يضع قبلة على وجنتها وهمس "اشتقت لك"
تورد وجهها وابتسم له بسعادة عندما فصلهم براء وهو يمنحه الأوراق لمشاهدة التلوين فاندمج معهم وقتا حتى أعلنت ماري عن الغداء فتحرك الاثنان إلى غرفة الطعام وأجلسها بأدب ثم قال "لم يمكنني التواجد بالصباح كان لدي بعض الأعمال، أبي وماريان سيصلون بالمساء هم يعيشون بعالم آخر وكأنهم ببيت مستقل فقط هو يحاول أن يفرض علي قوانينه كالماضي ولا يتقبل أن الأمر لم يعد يجدي معي نفعا"
كان يخطو لمنطقة جديدة بحياته، علاقته بوالده وقد لاحظت أنها جامدة، ليس بها حرارة الأب وابنه فقالت "لا أشعر أنك تحبه"
لم ينظر إليها وهو يقول "لم يمنحني الوقت لأحبه ولم يفعل ما يجعلني أحبه أو أشعر أنه يحبني، ولكني لا أكرهه"
اندهشت ثم سألته "لماذا لم يدخل أخيك نفس المدرسة؟ ولماذا أعادك أنت مصر واحتفظ به هو؟"
لم يكن يحب تلك الذكريات ولكن معها يختلف الأمر فهي من يترك كل شيء من أجلها وليكون معها
قال بسلاسة غريبة "أخبرتك أنه أبعدني بسبب حب جدي لي وأحيانا كنت أظن أنه لا يريد تحمل مسؤولية تربيتي أنا وأخي ولكن ماما رفضت التخلي عن باسم لأنه كان مريض بالقلب منذ صغره ولأنه كان يفضله فأبقاه معه"
قالت "ووالدتك؟"
نظر إليها وقال "كانت تراسلني باستمرار وتأتي لزيارتي كثيرا وعندما انهيت المدرسة وسمح لي هو بأن أعود هنا كانت مريضة وتوليت أمرها بعدما انطلق هو لحياته دون اهتمام بها ولا بأخي بل ترك لي كل شيء بجوار دراستي وبالسن القانوني استلمت أموال جدي ولم يعد لأحد سلطان علي، وبالطبع لم يوقفني شيء عن تحقيق أحلامي"
انتهي الغداء فنهضا وأحاطها بذراعه إلى الخارج فقالت "ولم تقابل من تؤنث وحدتك"
ابتسم وهو يشد بيده على خصرها وقال بخبث "بالتأكيد قابلت، خاصة أن أموالي تجذبهم كالفراش حول النار"
كانا قد وصلا إلى الحديقة والجو قد كان جميلا ودافئا فابتعدت عنه وهي تداري غضبها بتأمل الزهور الصفراء وقالت "يبدو أنهم كانوا كثيرات"
قطف وردة صفراء واتجه إليها فتأملتها بدهشة حتى رفع الوردة ووضعها بشعرها وقال وهو يتأمل وجهها الجميل وعيونها اللامعة ببريق فاتن "الأصفر يعني الغيرة زوجتي"
أبعدت عيونها وهي تضع يدها على الوردة وكادت تبتعد عندما أمسك يدها وقال "وأنت؟ ألم تجدي من يؤنث وحدتك؟"
قالت تغيظه "بالتأكيد كان يوجد ولكن ليس كالفراش حول النار"
ضغط على يدها بغيظ وقد أثارته بكلامه، هو من تلاعب بالنار وها هي تحرقه فجذبها إليه لتسقط بين ذراعيه وقال بنبرة حادة "كان يوجد رجل بحياتك أسيل؟"
وضعت يداها على صدره وتحدته بنظراتها كالعادة فهو لن يسلم منها وهي تقول بعناد "وفيما يهمك الأمر؟ الماضي لا يخصك"
شد عليها وهي تشعر بغضبه المكتوم وسعيدة به وسمعته يقول "من هو؟ أحمد أليس كذلك؟ أم أن هناك سواه؟ هيا تحدثي"
كانت عيونها تقفز من السعادة لذلك الغضب الذي تراه بعيونه فقالت "أحمد كان صديق وقف بجانبي بفترة كنت فيها وحيدة وأنت تعلم ذلك وتعرف ما حدث بيننا"
أبعد وجهه لحظة ثم قال "ومن سواه؟ هيا أسيل تحدثي من هو وكيف كانت علاقته بك؟"
قالت بدلال "عندما تخبرني عن فراشاتك أخبرك أنا"
تركها وقال بضيق واضح "اللعنة أسيل أنا كنت أمزح فأنا لا يوجد أحد بحياتي هل تظنين أن رجل بمثل ظروفي سيكون لديه وقت للنزوات؟ مدرسة داخلية صارمة ثم مسؤولية أثقل من الجبال ومرض أمي ثم موت أخي وأولاده ليس هناك وقت لأي نزوة"
أشعل سيجارة فوضعت يدها على كتفه وقالت "وأنا لم أعرف رجلا اخترق حياتي كما فعلت أنت"
التفت إليها ونظر بعيونها ليرى نظرة الصدق فقال "أنت كالصخر لا يلين؟"
ضحكت وقالت "وأنت ماذا بدر المسيري؟"
ابتسم وقد خرج من مزاج الغضب وأجاب "مجنون بك أسيل ولا أقبل بفكرة رجل آخر بحياتك حتى ولو كان بالماضي"
داعبت ربطة عنقه بأصابعها وهي ترفع نظراتها له وقالت "لم أعرف أي رجل قبلك بدر، كانت حياتي مشغولة بماما ومرضها ثم وفاتها وما أصاب بابا بعدها والضائقة التي مررنا بها كل ذلك لم يمنحني أي وقت للتفكير بأي شيء آخر"
كان قد دهس السيجار بقدمه ولفها بذراعه وقال "كنت وحيدة زوجتي الجميلة؟"
قالت بحزن "بعد وفاة بابا نعم، كنت قريبة منه جدا وكان يشاركني كل شيء، وفاته كانت صعبة أصعب حتى من فقدان ماما ومرحلة لا أحب أن أتذكرها"
داعب وجنتها وقال "وأنا، ماذا تمثل مرحلتي لكِ"
نظرت إليه بعيونها البنية وتاهت بزرقاء عيونه واحتارت بالرد هل تخبره أنه أصبح كل حياتها ولم تعد تستطيع البعد عنه أو التفكير بسواه؟
لم تبعد عيونها وقالت "أنت الرجل الذي لم أقابل مثله من قبل، شغلت كل تفكيري من أول يوم، أخذتني لحياتك دون أن أعلم كيف، تزوجتني رغم أني لا أضاهيك بغناك وممتلكاتك، أنت حلم لكل فتاة، حلم صعب تحقيقه"
ابتسم وقال بحنان "هل لان الصخر أخيرا؟"
ضحكت مرة أخرى وقالت "أول مرة أسمع رجل يشبه امرأة بالصخر" وضربته على صدره وهو يضحك وقالت "أنا صخر؟"
أكمل ضحكته حتى توقف وقال بحنان "أنت الأمل أسيل، أمل كان قد سقط مني وسط زحمة حياتي ولم أعد لأبحث عنه، أنت أكبر تحدي بحياتي، تلك الصفعة لم تكن عادية بل كانت ناقوس يدق أبوابي يخبرني أني كنت ضائع، تائه وأنت من وجدني وأعادني"
أسعدتها كلماته جدا فوضعت رأسها على صدره وهو ضمها له وهي تغمض عيونها وتقول "لا أرغب بشيء أكثر مما أنا فيه الآن بدر، معك، بين أحضانك وتلك الكلمات التي سأعيش عليها"
وضع قبلة على رأسها مستمتعا بقربها حتى أبعدها قليلا وقال "ما رأيك لو نتناول العشاء بالخارج الليلة؟ أنت بحاجة للتغيير وأنا مدين لك باعتذار يليق برقتك هذه"
ضحكت وقالت "أوافق فأنا معك بأي مكان"
وضع قبلة على جبينها وأحاطها بذراعه وعاد يتجول بها بالحديقة وكلاهما يسبر أغوار الآخر والسعادة رفيقهم بلا خلاف
****
ارتدت فستان مميز كانت قد أحضرته لمناسبة خاصة بوالدها ولكنه مات قبل أن تستمتع به، لم تكثر من التزيين ولكنها كانت تشعر بالإثارة لوجودها معه وهي تحتل اهتمامه
رحلا مبكرا وقد كان سعيدا بامرأته التي بدت فاتنة كما عرفها من أول لقاء، أخذها إلى فندق خيالي بمكان راقي بالمدينة العريقة، من أول نظرة رأت الثراء بكل تفصيله به، وحتى الموجودين كانوا بقمة الأناقة والنساء تتزين بشكل مبالغ بداية بالمجوهرات والفساتين المميزة لأشهر دور الأزياء العالمية وانتهاء بالعطور المختلطة من هنا وهناك
لاحظت النظرات التي التصقت بهم منذ دخولهم سواء من الرجال الوسيمة وكبار السن الجالسين بجوار نسائهم أو النساء نفسها
ما أن أجلسها وجلس بجوارها حتى قالت "لا أشعر بالراحة هنا، هؤلاء الناس غاية في الثراء ونظراتهم لا تفارقنا"
لم يهتم وإنما قال "أحيانا نضطر لمجاراة الحياة من حولنا، ولكن صدقيني أكثر الموجودين هنا شكل فقط"
نظرت إليه بدهشة وقالت "أنت تعرفهم، بالتأكيد نظراتهم تعني ذلك"
أشعل السيجار وقال وهو ينفخ الدخان بعيدا "نعم أعرفهم وهم يعرفوني أيضا، ماذا تتناولين قبل العشاء؟"
رأت الرجل يتقدم إليهم باحترام شديد وربما مبالغ فيه في اعتقادها، قال بإيطالية بدأت تفهمها "مستر بدر، مدام، أهلا بكما"
أومأ برأسه وقال موجها كلامه لها "سأطلب لك مشروب دافئ قبل العشاء وأنا من سيختار طعام العشاء لنا ولن تندمي"
منحته ابتسامة رائعة ولم تمانع وهي تعود وتلاحظ نظرات من حولها ولكنه لم يهتم وهو يمنح أوامره للرجل بطريقة واضحة التكبر وما أن انتهى الرجل وذهب حتى رأت رجلان يتقدمان نحوهما بلهفة وقد عرفتهم من الكاميرا التي يحملها أحدهم فتراجعت ورحلت ابتسامتها وهي قد نست الصحافة وكل ما يخصها
تحرك الرجلان تجاههم حتى وقفا أمامهم وقال أحدهم وبدر لا يتحرك "مستر بدر هل تسمح لنا ببعض الاسئلة؟"
نظر إليها وعيونه تنطق بالكثير ولكنه ظل هادئا وهو يقول "سؤالين فقط"
التفت الرجل لها مما جعلها تتحفظ وقال "أليست هي نفس الفتاة.."
قاطعه بدر بحزم "نعم هي"
ارتبك الرجل من صراحة بدر واحمر وجهها وهي لا تفهم شيء بينما قال الرجل مرة أخرى "وما سبب وجودها هنا؟"
نظر بعيونها لحظة ثم أخرج علبة صغيرة من جيبه وفتحها فرأت خاتم الزواج ذا الفص الماسي الذي كانت تراه بالأفلام والمسلسلات الأجنبية، ظلت جامدة تستوعب ما يفعله وما يحدث لها وقلبها يهرع وراء دقاته وأنفاسها لا تتوقف عن اللهاث
أخرج الخاتم من مكانه وقال بهدوء وهو يلتقط يدها ويضعه بين أصابعها "السبب أن تلك المرأة أسعدتني وقبلت الزواج مني ومن الطبيعي أن تكون الزوجة بأي مكان مع زوجها أليس كذلك؟"
ثم قبل يدها والكاميرا تلتقط الصور والهمهمات من حولها تجعلها تفقد التركيز بل هي فقدت الشعور بأي شيء وفقط عيونه هي كل ما كانت تراه وكلماته التي فاجأتها وهنا وأمام الكاميرا بل وكل هؤلاء الناس اللذين يعرفونه
مرة أخرى.. جنون!
ارتبك الرجل وكاد يسأل عندما رفع بدر اصبعه وقال "لقد انتهى وقتك"
لم يحاول الرجل الجدال واكتفى بما سمع ورأى وهو تفسير ليس بعده تفسير فتحرك مبتعدا وتبعه المصور
بينما ظل هو ينظر بعيونها منتظرا أن تستعيد نفسها وتعود للواقع وأخيرا سألها "والآن ماذا؟"
كان يحيط يدها بيده وهي لم تفلته بل قالت "أنت تعمدت أن تفعل ذلك بدر أليس كذلك؟"
قال بنفس الهدوء "وعدتك بحفل كبير وما زلت ولكن الأهم من ذلك أن تتأكدي أني لا أخشى من إعلان زواجي بك فما أريده أحصل عليه ولا يهمني أحد وأنا أردتك من أول يوم وما زلت"
ظلت تنظر إليه ولم تعرف مشاعرها وأنقذها وصول الطعام فتباعدت الأيدي وشعرت ببرودة تجتاحها وحيرة تضربها
تناولا الطعام وقد أبدت إعجابها باختياره حقا وظلت مبتسمة لكن وقلبها لا يتوقف عن الدق انتهوا من العصير وهو يقول "هل تحبين الرقص؟"
نظرت إليه بدهشة وقالت "رقص!؟ لا بالطبع لا! أنا لا أعرف أي شيء عنه"
لم ينظر إليها وقال "ستبدأ حفلة الرقص بعد قليل وظننت أنك تفضلين الأمر، هو شيء سهل ولا يحتاج للتعلم فقط تكونين بين ذراعي"
ظلت تبادله النظرات وهي لا تعرف ماذا تقول او تفعل وهو ما قالته "لا أعلم"
قبل أن يرد رن هاتفه فنظر بالرقم ثم أجاب وهو ينظر بعيونها وهي لا تفهم من كلماته الإيطالية السريعة إلا كلمات بسيطة رغم أنها بدأت تتعلم
أنهى اتصاله وقال بهدوء "لقد عاد كمال وزوجته"
تنفست بعمق وهمست "لقد اكتمل الأمر"
جذبته كلماتها وهو يتفهم معانيها فقال "هل أعجبك الفندق؟"
أدركت أنه يغير الحديث فاستجابت "جدا ولكن الأشخاص الموجودة لا تعجبني"
وافقها بابتسامة بسيطة وقال "ليسوا من اهتماماتنا أسيل، وأتمني ألا يشغل بالك أبدا، لقد أجريت الكثير من التعديلات على الفندق بعد أن اشتريته منذ عامين خاصة بالأجنحة الشرقية"
تراجعت وهي تستوعب كلماته وقد أدركت الآن سبب اهتمام العاملين بهم لهذه الدرجة وشدة الاحترام في تعاملهم معهم فهتفت "هذا الفندق ملكك!؟"
هز رأسه من خلف دخانه وقال بنفس الهدوء "هناك صفقات تثير شغفي كمشتري وهذا الفندق من تلك الصفقات، عرضه علي صاحبه مقابل أن أسدد دينه لشخص آخر وقد فعلت وبصراحة لم أندم فهو يدر دخل رائع"
أبعدت وجهها وقالت "وكيف كان المكان قبل أن تملكه"
اقترب منها وقال "لو شئت أخذتك بجولة في المكان فشركتك متعاقدة مع الفندق أم لا تعرفين؟"
لحظة مرت ثم قالت "آه بالفعل لقد مر الاسم أمامي ولكن لأنه من الأماكن الفاخرة فقليل من الأفواج تتعامل معه، ولكن هذا لا يمنع من أن أشاهد المكان على الطبيعة فهو حقا مثير للاهتمام"
ابتسم ونهض فشعر ببعض الألم بمكان الجرح بظهره ولكنه كالعادة أهمله وإن أثر على خطواته مؤخرا وقد لاحظت هي ذلك ولكنها لم تبدِ أي اهتمام كي لا تضايقه، مد يده لها فمنحته يدها لتنهض فوضع يدها بذراعه وما زالت النظرات تتابعهم ولكنه لم يكن يهتم مطلقا لأنه اعتاد كل ذلك منذ كان طفل صغير
كان الفندق ضرب من الوهم، لم تر له مثيل من قبل ولازمهم مدير الفندق في جولتهم إلى أن وصلا إلى أحد الأجنحة الفاخرة وتجولت به وحدها وعندما عادت إليهم لم تجد المدير ووجدته هو يقف أمام الفراندة الكبيرة ويدخن سيجاره فقالت كي يشعر بها
"أين ذهب؟"
التفت إليها وهو يتأملها بهيام لم تدري هي به وقال وهو يمد ذراعه لتنضم له "استدعوه للعمل ما رأيك أن نأخذ راحة؟ تعالي المشهد من هنا رائع"
اقتربت إلى ذراعه فأحاطها بها وتأملت من ارتفاع عشرين طابق أنوار المدينة الرائعة بسواحلها التي تلونت بالأسود من الليل الحالك وانتصف القمر ظلام الليل فانعكس على صفحة البحر الساكن فقالت بصدق "يا له من مشهد! إنه رائع حقا"
لكنه لم يكن ينظر لشيء بالخارج بل كان يتأمل ملامحها وهذا المشهد هو الأجمل والأروع بالنسبة له
ملامحها الرقيقة، ابتسامتها المثيرة عطرها الذي طارده من أول السهرة وجعله يجلس منتظر تلك اللحظة وهي معه وحدهم، شعرها المسترسل بانسيابية أخذه لعالم آخر أفقده عقله وأشعل مشاعر قلبه، عندما لم يرد رفعت رأسها إليه لتواجه نظراته فلفها لتواجه وأحاطها بذراعيه وقربها منه وهو يلفها بنظراته قائلا
"والشروق أكثر جمالا عزيزتي، ولكن ليس أكثر من جمال عيونك أسيل"
تتملكها حالة من الضياع وهي بين ذراعيه، لا تشعر بالعالم من حولها ويأخذها إلى عالمه هو فقط عالم لا تسمع فيه إلا صوت دقات قلبها، ولا ترى إلا زرقاء عيونه الساحرة، ولا تشعر إلا بدفء أنفاسه على بشرتها، هل هي بالواقع؟
أنت حقيقة ولست خيال، أنت الحلم والحقيقة الآن
لمس وجنتها بيده وقرب وجهه منها "سنقضي ليلتنا هنا المكان جميل ورائع ما رأيك؟"
قالت بدون تفكير "كما تشاء، ولكن ماذا عن الأولاد والجميع"
اقترب منها أكثر وقال وشفاه تتجول على وجنتها برقة "لا مجال لأحد الليلة أسيل أنا وأنتِ فقط، أنا أريدك بجنون"
ثم تسرب بشفتيه إلى شفتيها باشتياق ولم يشعر أحدهما بالعالم من حولهما وقد حلقا بدنيا مختلفة من المشاعر التي عاشها الاثنان معا من قبل ولكن بكل مرة تكون أجمل وعادت يده تخترق ثنايا جسدها اللين وقد استسلمت له فهو زوجها تريده كما يريدها ربما لا تعرف مشاعره وما إذا كانت ستكمل حياتها معه أم لا ولكن بعد ما حدث اليوم وإعلانه لزواجهما أمام الصحافة أي للعالم كله وتأكدت أنه لا يخجل من زواجهم ولا ما حدث بينهم فلا شيء يمكن أن يفصلها عنه
كانت تنتظر لمساته وقبلاته بنفس الرغبة وتركت نفسها له وهو يسحب شفتيه من شفتيها ليدس رأسه بعنقها وأنفاسه تحرق بشرتها ولكن لا تؤلمها وإنما تزيدها رغبة به وهي تتأوه من رغبتها وارتفعت يداها تلتف حول عنقه لتزيده إثارة وهي تكتشف نعومة شعره وتداعبه بأصابعها فتمنحه دفعة أكثر إليها ويده تعبث بفستانها رغبة في إبعاد أي حواجز بينه وبينها ولم يعد هناك أي شيء يمكن أن يوقفه عنها فهو يريدها وستكون له
فتح سحاب فستانها واخترقت يده ظهرها مثيرا رجفة جديدة بجسدها تلقاها بقبلة قوية اعتصرت شفتيها دون اعتراض منها وهي تتجرأ وتسقط عنه جاكته فلم يهتم ويداها تلمس قماش قميصه الناعم ومن تحته عضلات صدره الملفتة فهمس
"ابعدي القميص أريد لمساتك على جسدي"
تأوهت عندما أسقط عنها الفستان وأعادها له وهي تبعد ربطة عنقه وتفك قميصه بأصابع مرتجفة وهو يضع قبلات رقيقة على كل جزء من أكتافها وعنقها ونزولا على صدرها حتى حررته من قميصه لتمرر يداها على صدره العريض وشعرت بصلابته مما زاده إثارة ورغبته بها أكثر ولم يعد يسمع إلا لصوت واحد يخبره أنها له وحده ولن يمنعه عنها أحد
حملها آسرا نظراتها الناعسة بعيونه وتحرك لغرفة النوم حتى وضعها على الفرش الناعم وابتعد وهو يفك بنطلونه ليبعده وهي تخفض نظراتها وتلف ذراعيها حول جسدها النصف عاري عندما انضم لها بالفراش ومرر أصابعه على عنقها ونزولا لصدرها حتى تأوهت مرة أخرى فأخذ شفتيها بقبلته التي ترغب بها بقوة ويده تلمس كل جزء من جسدها وانتقل إلى بطنها وساقيها ويداها تلمس جسده الذي كانت تحلم به
همس وهو يفك صدريتها "كما تخيلتك، فاتنة، مثيرة، تثيرين جنوني"
لم ترد وهو يتملك صدرها مما يجعلها تزداد رغبة به حتى ارتفع فوقها وما زال يأخذ كل ما أراده ويمتعها ويستمتع معها حتى عاد لأذنها وقضم شحمها برقة وهمس "هل تريدني كما أريدك زوجتي الفاتنة؟"
كانت ضائعة تحت ذراعيه واكتفت بأن هزت رأسها فعاد لشفتيها وبلحظة كان يخترقها برقة فانثني جسدها وغرزت أظافرها بأكتافه وأغمضت عيونها بقوة وهو يهمس "برفق أسيل، اهدئي كي نكمل"
ظلت للحظة تجز من الألم الذي ضربها فجأة حتى بدأ يذهب فهزت رأسها بالموافقة فعاد يكمل برفق حتى لم يعد بإمكانه التوقف وهي لم تعترض بل رحل الألم وعادت السعادة وهو يصل لمتعته معها ويسقط نصفه الأعلى عليها مطالبا بقبلتها وهي لم تعترض بل ولفته بذراعيها حتى توقف وهمس
"كنت كالملاك، لم أشعر بسعادة كما كنت الآن"
تورد وجهها وهي لا تفلته وقالت "كما هو أنا بدر"
عاد وقبلها ثم همس "الآن تأكدت أنك لي ولن تكوني سوى زوجة بدر المسيري، لن تخرجي من حياتي أبدا أسيل"
ابتسمت وقالت "أنت تعلم أني لك ولن أكون لسواك بدر"
****
استيقظت على رنين هاتف غريب عنها استدارت بالفراش لتستعيد نفسها وهي تشعر أنها بدون ملابسها فلفت الغطاء حول جسدها وهي تنتفض لتتذكر ما حدث بالليل عندما أصبحت له زوجة حقيقية وليس فقط على الورق فقد تملكها برقة أفقدتها الإحساس بأي شيء سواه، وتذكرت لمساته وقبلاته وكيف كانت بين ذراعيها يمطرها بكلمات رقيقة وجميلة إلى أن تأكد أنها لم تكن لسواه من قبل فأخذها بدون تردد ليذهب عذريتها فتصبح امرأته بحق
توقف الهاتف فنهضت وأخذت حمام ثم ارتدت روب الحمام الطويل وخرجت وهي تسمع الباب يدق فاتجهت إليه لتفتحه فوجدت أحدهم يحمل حمالة ملابس مغلفة وقال بأدب "صباح الخير مدام، مستر بدر أرسل لحضرتك تلك الملابس"
هزت رأسها وهي تأخذهم منه وشكرته، بالتأكيد أدركت أنها ملابس للعمل فلن يليق فستانها به وقد كان مفتوحا ولا يليق إلا بالسهرات
وجدت السائق ينتظرها أمام الفندق فدخلت السيارة وتحرك بها إلى الشركة ولا تدري أين الرجل الذي نالها زوجة له حتى الآن!؟
نظرت إلى هاتفها وترددت قبل أن تتصل به عندما رن الهاتف باسمه فأفزعها لحظة قبل أن تستجمع نفسها وتجيب "ألا تنسى شيء؟ حتى السائق أرسلته؟"
قال بهدوء "النسيان سمة لا يجب أن يتصف بها رجل بمكانتي عزيزتي، كيف حال زوجتي الرقيقة اليوم؟"
احمر وجهها وأبعدت خصلة من شعرها خلف أذنها ولم ترد فعاد يقول "كنت فاتنة عزيزتي بصعوبة انتزعت نفسي من جوارك"
قالت بخجل وبصوت منخفض "لم يجبرك أحد على الذهاب"
ابتسم وقال "من مساوئ زواجك بي أني رجل لا يمكنه اهمال مسؤولياته وأنتِ أولها بالطبع"
عندما لم ترد قال "أسيل هل ضايقك ما حدث أمس؟"
قالت دون تفكير "بالطبع لا"
شعر بالسعادة لسرعة الرد وعاد يسأل "أشعر أنك نادمة"
أجابت بصدق "أنت زوجي بدر فلماذا أندم؟ إلا إذا كنت أنت من ندم"
اقترب من مكتبه وقال "وهل أبدو لك رجل نادم على أنه نال أجمل وأرق امرأة قابلها بحياته"
همست وقلبها يعنفها بدقات سريعة مؤلمة "حقا؟"
ابتسم وقال "هذا شك بنفسك أم برأي؟"
ابتسمت وقالت "لم أحلم بأن أغلب كلماتك بأي يوم"
نظر إلى ساعته فنهض وقال "بل تفوقت عزيزتي، لابد أن أذهب لدي اجتماع هام"
قالت بهدوء مماثل له "متى سأراك؟"
تحرك إلى غرفة الاجتماعات وقال "بالتأكيد على العشاء وإذا شئتِ عدنا إلى الفندق، ما زلت لم أشبع"
ضحكت وقالت "وهو يقدم طعام رائع"
ابتسم وقال "وفراش مثير"
ضحكت هي الأخرى وقالت "إذن لن نتخلى عنه بسهوله"
توقف قبل أن يصل لمائدة لاجتماعات وقال "أبدا، أراك بالمساء عزيزتي"
****
عادت إلى عملها بنشاط وحماس وهي تشعر أنها مختلفة، عندما نظرت لنفسها بالمرآة بالفندق رأت امرأة جديدة، امرأة بالأمس تحولت لزوجة حقيقية لرجل جعلها أسعد إنسانة ومنحها الكثير مما لم تعرفه بحياتها
وهي تتحرك ببهو الفندق المدير أسرع لها لتحيتها باحترام والكل كان يقف لخدمتها، بدر المسيري كثير جدا عليها ولكنه أصبح لها وهي لن تتنازل عنه مرة أخرى مهما كانت الأسباب
اندمجت بالعمل ولم تشعر بالوقت إلا عندما نبهتها السكرتيرة للوقت فتراجعت بمقعدها وقالت "حسنا اطلبي السائق، هل بلغت المديرين باجتماع بعد الغد؟"
قالت الفتاة "نعم مدام"
نهضت وقالت وهي تغلق اللاب "حسنا"
ما أن نزلت حتى رأت السائق ولكن قبل أن تتحرك إليه رأت سيارته تتوقف أمامها فابتسم وهي تتجه إليه بابتسامتها المشرقة والمعبرة عن سعادتها بوجوده وقد ترجل من السيارة وبادلها الابتسامة وهو يضمها إليه ويطبع قبلة على وجنتها ويقول
"لم يمكنني أن أبتعد عنك أكثر من ذلك زهرتي فقد اشتقت إليك"
ضحكت بسعادة وهي بين ذراعيه وقالت "وأنا مدينة لهذا الشوق لأنه أحضرك"
ابتسم ثم قال للسائق "اذهب أنت"
انحنى الرجل بينما قادها هو إلى مكانها بجواره حتى دخلت ثم عاد ليدخل مكانه وقال وهو يتأمل عيونها الجميلة "لقد طلبت منهم أن يعدوا لنا العشاء بنفس الجناح فما رأيك؟"
هزت رأسها وهتفت "هذا رائع، أنا وأنت فقط"
قبض على يدها وقبلها دون أن يبعد نظراته عنها ثم عاد ليقود
أحاطها بذراعه وهو يفتح باب الجناح ويجعلها تتقدمه وتبعها وهو يخلع جاكته ويفك ربطة عنقه قبل أن يقول "هل يراسلك ديفيد أسيل؟"
التفتت إليه وهي تخلع معطفها وقالت بصدق "لا، منذ رحل ولم يهاتفني وأنا لم أفعل لماذا؟"
جلس على أقرب مقعد وهو يتأملها وقال "لا شيء لقد اتصل بي بعد صورنا التي انتشرت بالأمس معلنة زواجنا ولاحظت بكلامه تكهنات غريبة لم أفهمها"
جلست أمامه وتذكرت زيارته لها ببيت الحبل فقالت "لقد أتى مرة واحدة إلى البيت الجبلي وطلب مني الخروج معه ولكني رفضت ووقتها سألني عن علاقتي بك وبالطبع لم أمنحه إلا غضبي فشعر بالإحراج ورحل"
انطلق الدخان من سيجارته وهو يقول "ظننت أنك لن تخبريني وإن تأخرت في ذلك"
ضاقت عيونها وهي تقول "تراقبني بدر؟"
لم ينظر إليها وقال "تعلمين أني لا أفعل ولكن كان لابد من وضع حراسة على البيت لأنك وحدك وبعيدة عن نظري"
نهضت مبتعدة بضيق ولم ترد فنهض واتجه إليها ووقف خلفها وهو يبدو عملاقا بجوارها، ثم قال "زهرتي غاضبة"
أدركت قربه منها فالتفتت لتراه أمامها فقالت "أنت لا تثق بي"
أزاح خصلة شعرها ويده تتجول على وجنتها وعيونه تشرد بعيونها وقال "بالتأكيد ورغم ذلك تزوجتك، ألم أخبرك من قبل أنك مجنونة؟"
تراجعت عن غضبها ولم تدري متى جذبها إليه وقبض عليها بذراعيه وهو يدور بنظراته على ملامحها ويهمس "ولكني لم أخبرك أني لا أستطيع أن أقاوم جنونك هذا فهو يفقدني قوتي ولا يمكنني من أن أتحمل ابتعاد صاحبته عني، ماذا تفعلين بي أسيل؟ أريدك بين أحضاني بكل ثانية بحياتي"
أخفضت وجهها فجذبها إلى أحضانه فقالت "وأنا لا أشعر بالأمان والسكينة إلا بين أحضانك بدر، أنا لا أرغب بأي رجل سواك بدر تأكد من ذلك"
همس بأذنها "وهذا بمثابة هدية العمر كله زهرتي"
وزاد من قبضته عليها وهو ينحني ليدفن رأسه بين خصلات شعرها ليصل إلى عنقها وتتخلل قبلاته بشرتها وهو يهمس "والآن دعيني أضمك بين ذراعي للأبد زهرتي وتأخذيني بين أحضانك"
وبالطبع لم تمانع وهي ترفع يداها إليه لتضمه إلى أحضانها بسعادة وقد ترك الدنيا كلها وأتى ليكون معها ولها بين أحضانها، هي وحدها دون منافس
حملها بين ذراعيه فقالت بفزع "بدر يا مجنون ماذا تفعل؟"
ابتسم وهو يحدق بعيونها ويتحرك إلى غرفتهم وقال "ألا نكمل ما بدأناه زهرتي؟ بالتأكيد لن يكون إلا هناك، على فراشنا الوثير كي استمتع بك زهرتي وامتعك بما يليق بجمالك ورقتك"
كان قد وضعها بالفراش دون أن يتركها وهي لم تفلته وهي تضحك وتبعد جاكته وتقول "كلماتك لا مثيل لها بدر تمنحني إحساس لا يمكن وصفه"
قبل وجنتها قبلات رقيقة وعبثت يداه بملابسها وهو يهمس "سأسمعك الكثير منها زهرتي فالليل طويل ولن يأخذك مني شيء فأنت لي وحدي أليس كذلك أسيل؟"
بالكاد كانت تسمعه ولمساته وقبلاته تذهبها من الواقع وهي تبعد ربطة عنقه وتفك قميصه وهو يجذب فستانها بعيدا، كلاهم كان يتعجل لقاء الآخر بنفس الود والسعادة
همست "بلي بدر بالتأكيد لك فأنا ليس لي سواك"
زادته سعادة وهو يعود لشفتيها ليروي عطشه من السعادة التي لم يعرفها إلا منذ عرف تلك المرأة وأصبحت الحياة بالنسبة له لا معنى لها إلا بوجودها معه، وهو ما كانت تشعر به وهي معه رجلها الأول والأخير لم تكن لسواه ولن تكون لغيره
كان ينثر قبلاته على كل جزء من جسدها كعادته وهي لا تمانع بل تتحرك يداها على جسده الذي هو لها هي وحدها وعاد لقبلتها وهو يهمس "أريدك الآن"
همست باسمه "إذن خذني الآن"
ولم ينتظر وهو يأخذها بقوة وهي لا تمانع فقد أصبحت ترغبه وتريده كما يريدها، تلك اللحظات هي ما تجعلهم شخص واحد روح واحدة بجسدين ملتحمين لا فواصل بينهم بنفس الرغبة والسعادة
لم ينتهي منها إلا بعد أن شعرا بالاكتفاء ونامت بين ذراعيه بعد أن استهلك الاثنان قواهم بسعادة
داعبت نسمه دافئة كتفه فلم يهتم ولكن تكراراها جعلته يعتدل بالفراش ويفتح عيونه ليراها تسند رأسها على يدها وتتأمل ملامحه وهي تبتسم، لم يغير وضعه وهو يقول "ماذا هناك؟ كم الساعة؟"
قالت بنظرة هائمة "ما زالت السادسة صباحا"
أبعد شعرها عن عيونها وهو يجذبها إليه فيقبل شفتيها برقة ويقول "لماذا استيقظت مبكرا؟"
قالت "أردت الاستمتاع برؤيتك وأنت نائم، بكل مرة أنام وأستيقظ فلا أجدك ورغبت أن أراك بكل أحوالك"
اعتدل على ظهره وهو يجذبها إليه وضمها له بحنان فأراحت رأسها على كتفه وقال وهو يقبل شعرها "أعلم أن العمل يأخذني كثيرا ولكنه أمر لا يمكنني تجاوزه"
قالت بحنان مماثل وصدق بكلماتها "أعلم ولا يضايقني أنا فقط أردت أن استمتع بالوقت الذي تكن فيه معي"
قال بحنان "ومتى ستملين من وجودي؟"
قالت "وكيف سأمل وأنت لا تقضي معي إلا ساعات ضئيلة لا تذكر"
أراحها على الفراش وانحني عليها دون أن يخرجها من أحضانه وقال "هذا لأني كنت أحاول ألا أغصبك على أن تكوني لي لكن ما كان بيننا لم يعد يبعدني عنك شيء أسيل ولم أعد أريد إلا قربك"
وعاد إلى شفتيها وأحضانها واستسلمت له بسعادة وهي تريد أن تشعره أنها تريده وتتمناه وتعشق لمساته وأنفاسه ولا تريد إلا قربه فجعلته يأخذها وهي سعيدة كما هو الآخر
عندما خرج من الحمام كانت تصفف شعرها المبلل، اقترب منها وطبع قبلة على عنقها فابتسمت وقال وهو يبحث عن سجائره "هل طلبت الفطور؟"
وقبل أن ترد دق الباب فخرج من غرفتهم وأذن هو فدخل الرجل باحترام ليضع مائدة الطعام وأشار له بدر بكبرياء لينصرف وهو يصب القهوة ولكنها أسرعت خارجة إليه وقالت "لا، قهوة لا، الإفطار أولا"
تأملها وابتسم وهو يهز رأسه، تناولا الإفطار بمرح وسعادة إلى أن رن هاتفه فاتجه إليه وأجاب وقد كان العمل وما أن سمعت كلماته عن العمل حتى اتجهت إليه وداعبت صدره من بين قميصه المفتوح فتأملها وشعرها المبلل يتساقط على روبها القصير فقال لرجله
"حسنا أوليفر سأتصل بك لأخبرك بموعد حضوري، تصرف حتى أصل"
لم تبتعد وهو يحيطها بذراعه ويقول "والآن ماذا زهرتي؟"
ابتسمت دون أن تتركه وقالت "لا شيء، أخبرتك أني أشعر بالأمان بين ذراعيك ولأنك بالتأكيد راحل إلى العمل فقد فكرت أن أنال بعض من الأمان قبل أن تذهب"
ضمها إليه وهو يرفع حاجبه وقال "هكذا؟ وماذا لو لم أذهب هل ستبقين معي أم الشركة.."
أسرعت تقاطعه "أي شركة؟ سأفقد أي علاقة بالعالم الخارجي لو بقيت أنت معي"
ابتسم وهو ينال قبلة عميقة لفته فيها بذراعيها حتى أبعد شفتيه وقال "إذن دعينا نرى هل سنمضي اليوم هنا أم لا؟ ربما اجازة مفاجأة يكون لها مذاق خاص خاصة لو كانت بمذاقك أنت زهرتي"
ضحكت بدلال أخذه فعاد إلى أحضانها مستمتعا بكل لحظة أمضاها الاثنان سويا بذلك اليوم دون أن يفترقا والفراش كان ثالثهم والطعام كان ينتظر بلا ملل وقد كان يوما سعيدا بحق لم يمر على كلاهما من قبل
باليوم التالي عادا إلى عملهم بسعادة ونشاط وكأن الأمس كان جرعة من دواء النشاط حصل كلا منهما عليه لمواجهة أيامهم القادمة.
أنهت عملها بالشركة بوقت متأخر كالعادة وقد أخبرها أنهم عائدين إلى البيت اليوم رغم أنها تمنت لو تعود إلى ذلك الجناح الذي ضمهم سويا وكان شاهد على أجمل لحظات بحياتها ولكنها لم ترغب بإغضابه
ركبت السيارة وتحرك السائق بها وقد اشتدت الريح فجأة كالعادة فقال السائق "لقد فرغت المدينة من الجميع بسبب العاصفة التي أعلن عنها بالنشرة الجوية"
لا تعلم لماذا انقبض قلبها والبرق يخطف بصرها بنوره المفاجئ ثم ارتج الرعد في السماء وبدأت قطرات الأمطار تتساقط على زجاج السيارة والماسحات تضربها بقوة وكأنهم يتسابقان من منهما الذي سيفوز ولا تعلم لماذا تذكرت يوم الغابة فانقبض قلبها مرة أخرى وفجأة صدر صوت انفجار قوي عرفت مصدره بعد أن وجدت السيارة تغير اتجاهاتها يمينا ويسارا وهي تصرخ
"ماذا حدث؟"
أجاب السائق وهو يحاول السيطرة على مقود السيارة "لقد انفجر إطار السيارة سيدتي، والأرض مبتلة فالعجل.."
ولم يكمل عندما فجأة أضاء ضوء شديد في مواجهتهم فركزت نظرها لتجدها سيارة نقل كبرى تأتي بعكس اتجاههم وحاول السائق تجنب الاصطدام عندما اضطر إلى الخروج عن الطريق إلى الأشجار التي تراصت على جوانب الطريق فيصطدم بإحداها بقوة
*****
اندمج باجتماعه حتى أنهى كل ما أراد فتراجع بمقعده وقال "أي سؤال يا سادة؟"
تراجع الجميع وكأنهم أخيرا أفرج عنهم ولم يتحدث أحد فنهض لينهض الجميع وهو يقول "حسنا انتهينا"
عاد إلى مكتبه وهو يسمع صوت الرعد فأمسك هاتفه واتصل بها وما زال يذكر يومهم بالأمس كم استمتع جدا معها وأراد إعادة الأمر بأقرب عطلة
ظل الرنين مستمر لكنها لم تجيب، مرة وراء الأخرى دون جدوى فاتصل بالشركة دون فائدة وأخيرا السكرتيرة التي أخبرته أنها ذهبت مع السائق منذ فترة، تملكه القلق فارتدى جاكته وأخذ هاتفه ومفاتيحه وتحرك خارجا وهو يقابل أوليفر الذي تحرك معه وقال
"كانت مع نفس الرجل اليوم"
****
تحركت بصعوبة بعد أن توقفت السيارة وقد اصطدمت رأسها بظهر المقعد الأمامي، وضعت يدها على جبينها مكان الارتطام وهي تحاول أن تستوعب ما كان عندما رأت السائق مغرق بدمائه فنادته بفزع دون أن يرد
اعتدلت لتجد المكان حولها يعج بالظلام ولا يوجد أي سيارات وقد توقف المطر، بحثت عن هاتفها وقد سقط بأرضية السيارة إلى أن عثرت عليه وقد كان يرن باسم بدر وما أن اعتدلت حتى صرخت عندما ارتطم شيء بزجاج النافذة وعندما نظرت تراجعت بفزع وهي تصرخ عندما رأت ذلك الشبح الأسود الذي لا تبدو له أي معالم سوى رأس وذراعين وقد التصق بزجاج السيارات
صرخت بشدة وهي تتراجع إلى الباب الآخر وسقط الهاتف مرة أخرى ولم تلاحظ تلك المرة أنه كان يرن وقد تحول للصامت وحده
حاولت فتح الباب ولكنه لا يفتح حاولت مرة واثنان بلا فائدة والفزع يقتلها وفجأة اشتعلت النيران بمقدمة السيارة وهي ما زالت تصرخ بقوة بطلب النجدة ومحاولة فتح الباب أو الزجاج وقد تحول الشبح إلى سحابة سوداء كبيرة تتمدد لتغطي السيارة ربما كي لا يراها أحد وبدأت الأدخنة تتسرب إليها داخل السيارة لتشعر بالسعال الشديد وقد أدركت أن الشبح يحكم الخناق عليها فإن نجت من الاختناق بالأدخنة فلن تنجو من انفجار السيارة نتيجة تلك النيران وللحظة فقدت الأمل ككل مرة وما زادها خوفا هو أنها رأت ذلك الشبح يتحول فجأة لدخان أسود ثم تسرب من النافذة باتجاهها وهي تصرخ محاولة التراجع والبحث عن منفذ ولكن لا مفر
تجمع الدخان الأسود أمامها ليعود الشبح الذي رأته من قبل ودون أي تتردد وجدت عقلها يأمرها بآيات الذكر الحكيم لتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتقرأ ما تيسر لها من آيات القرآن الدالة على السحر وهي تغمض عيونها، سمعت صوت صراخ غليظ ومع ذلك ظلت تقرأ ثم فتحت عيونها لترى الشبح يتراجع وهو يتقلص وكأن كلمات الله تؤلمه ثم يعود ليقاوم فتعيد هي التلاوة ولكن الدخان زاد والسعال تغلب عليها ليعوقها عن التلاوة والنيران تزداد والشبح يعود..
*****
اختار بدر أن يأخذ طريق عودتها من الشركة وتحرك إليه وما زال يحاول الاتصال بها دون مجيب، زاد من سرعة سيارته وقد تملك الخوف منه خاصة بعد ما أخبره أوليفر عن ذلك الدجال الذي عرفته سلمى ومن وقتها وتحولت الحياة حوله وقد عرف أن ذلك الرجل يعمل بالسحر والشعوذة، لكن لم يعرف أي معلومات عنه، لقد كان يعلم أن سلمى يمكنها أن تسلك أي طريق ولكنه لم يتخيل أن تلجأ للسحر، ومع ذلك ربط بين ما يحدث لزوجته وما كان يحدث لباسم من قبل وفاته إلى أن مات
ضغط البنزين رغم الأرض المبتلة من المطر وأخيرا لاحظ تلك النيران التي تشتعل على الطريق وعندما وصل تفاجأ عندما رأى ما كان