رواية بعينيك اسيرالفصل الخامس والعشرون25بقلم شهد الشوري

رواية بعينيك اسير
الفصل الخامس والعشرون25
بقلم شهد الشوري
يركض الجميع خلف السرير الذي يحمل جثمانها نحو غرفة العمليات، والقلق يلتهم قلوبهم كوحشٍ جائع الوجوه شاحبة، والهمسات مليئة بالدعاء والرجاء، بينما الباب يُغلق خلفها، تاركًا إياهم في مواجهة انتظارٍ مرعب.

داخل الغرفة، وقف الأطباء ملتفين حولها، يطاردون نبض الحياة الذي بدا كأنه يهرب منها. حاولوا جاهدين إيقاظها من استسلامها المميت، لكنها كانت هادئة بشكل مخيف، كأنها اختارت الرحيل بإرادة صامتة.
سادت حالة من التوتر، وصوت الأجهزة كان يرن في المكان، قبل أن ينخفض تدريجيًا... نبضاتها تتباطأ، تتلاشى شيئًا فشيئًا. الفزع استبد بالجميع عندما انعدم الخط تمامًا، ليصرخ الطبيب بحزم : جهاز تنشيط القلب بسرعة
قربه من صدرها... محاولة أولى... لا استجابة... محاولة ثانية... لا شيء سوى الفراغ... ثالثة... الصمت يزداد ثقلاً، وكأن الزمن توقف في تلك اللحظة
لم ييأس الطبيب قربه منها مرة أخرى، حتى أخيرًا شهقت شهقة عميقة، وكأن روحها التي غادرت للتو وجدت طريق العودة ارتفع صوت الجهاز معلنًا عودة النبضات
عادت....لكنها لم تعد كما كانت...تلك النبضات التي عادت حملت همسًا مختلفًا، همسًا يختزن كرهًا عميقًا لجنس آدم، كأنما الحياة أعادتها فقط لتواجه العالم بقلبٍ لا يعرف الصفح بعد الآن!!
كان يزن يجلس في حديقة الفيلا، يضع رأسه بين يديه، وقلبه ينزف ألمًا من كل جانب اختار سعادته على حسابها، وهو يعلم أنه ارتكب خطأ لا يغتفر لا مبرر لتصرفاته، حتى التبريرات التي كان يحاول إقناع نفسه بها بدت سخيفة "أسيبها دلوقتي أحسن، هو ده الصح "
دخل الفيلا بخطوات ثقيلة، وكأن الأرض تحت قدميه تزداد ثقلًا. أمامه، وقف والده، عينيه تشتعل بالغضب، بينما والدته تقف بجانبه، تنظر إليه كما لو كانت قد فقدت الأمل فيه خلفهم، ياسمين تقف، نظرتها مشمئزّة، ونادر يقف صامتًا !!!
قبل أن ينطق بكلمة، شعر بيد والده تهوي على صدغه بصفعة قاسية، غير متوقعة، ولأول مرة يفعلها في حياته!!!!
ردد يزن مصدوماً:
بابا !!
جذبه والده من مقدمة ثيابه وقال بغضب و احتقار :
ايه مصدوم من القلم، دي نفس صدمتنا فيك، بس العيب مش عليك العيب عليا انا....كان لازم تاخد القلم ده مني من زمان عشان تفوق لنفسك و تتعلم تبقى راجل قد كلمتك
رد عليه يزن بحزن وألم :
انا عشان راجل مرضتش أكمل في الجوازة دي، بعد ما لقيت بسمة عايشة في كل الأحوال كنت هرجع لها ، فالأفضل اني ابعد عنها من دلوقتي أحسن من بعدين يا بابا
رد عليه والده بغضب :
لو فاكر ان اللي عملته ده رجولة تبقى غبي ، اللي عملته ده ميطلعش من عيل حتى....ده يطلع من واحد خسيس واحد اناني مترباش أختار سعادته على حساب غيره
رد عليه يزن بغضب ونفاذ صبر من الضغوط التي يمر بها ونظراتهم التي لا ترحمه :
انا مضربتهاش على ايديها يا بابا، هي عارفة من الأول اني بحب بسمة قولتلها وقبلت......
صفعة اقسى من سابقتها هوت على وجهه من كف والده الذي صرخ عليه بغضب :
عشان غبية ، غبية عشان وثقت في واحد زيك فاكر ان بنات الناس لعبة تحت امره وقت ما يحب ، راح لبيت اهلها و طلبها من ابوها عشان يستندل معاها فاكر ان اللي عمله رجولة وهو سبب ليها فضيحة بين الناس هتعيش بيها العمر كله هي وعيلتها !!!
أخفض وجهه ارضاً بخزى من نفسه و والده يلقي عليه كلماته القاسية :
خسرت البنت سمعتها و شرفها اللي هيبقى لبانة في بوق كل واحد شوية، دمرت سمعة ابوها اللي وثق فيك و سلمك بنته ، خسرتني صاحب عمري بسببك، وبسبب انانيتك دمرت كل حاجة !!
ردد يزن بحزن وحدة :
حد غيري كان المفروض يعمل ايه في موقف زي ده ، صعبانة عليك و ابنك مش صعبان عليك يا بابا ، كأن هي اللي بنتك ، انا عارف اني......
دفعه والده بقسوة للخلف قائلاً بغضب :
ياريتك يا أخي ما كنت ابني وهي اللي بنتي ، يارتني كنت موت قبل ما اشوف اللي ربيت فيه سنين....بالندالة دي
أشار صلاح للباب قائلاً بقسوة :
تلم حاجتك و تغور بره البيت ده ، معدش ليك مكان فيه تاني وتنسى ان ليك اب، لأني مايشرفنيش أكون اب لندل زيك !!!
تمسكت احلام بيده وقالت بصدمة :
انت بتقول ايه يا صلاح !!
رد عليها بقسوة :
اللي سمعتيه لو ابنك صعب عليكي افتكري اللي مرمية في المستشفى بين الحياة والموت و خسرت كل حاجة بسبب ابنك وانانيته، هتصعب عليكي اكتر منه و في الحقيقة ابنك ما يتزعلش عليه ده مكسب للبنت انها خسرته !!!!
صعد صلاح لأعلى وخلفه احلام التي نظرت لابنها بغضب وعتاب فأقتربت ياسمين منه قائلة بسخرية مريرة وخذلان :
شيفاك مش مستحمل نظراتنا ليك موجوع !!
اشاح بوجهه بعيداً فتابعت حديثها بغضب دافعة اياه بيدها في صدره :
ما بالك هي بقى اللي هتواجه الناس مش انت ، هي اللي هتسمع كلامهم وهتواجههم ده لو نجيت من الحادثة اللي أنت سبب فيها
ثم تابعت بغضب و تهكم :
عيشت سنين محمل نفسك ذنب موت بسمة وهتعيش محمل نفسك ذنب همس طول عمرك لأن ده ذنب حقيقي تعاقب نفسك عليه لأن اللي حصلها كان اختيارك انت، مش زي بسمة اللي كان قدر ومكتوب و في الآخر أصلاً طلعت بتشتغلك ، تقدر تقولي كانت فين كل السنين دي غادر يزن صافعاً الباب خلفه بقوة وغضب تاركاً ياسمين تنظر لاثره بغضب كان نادر يتابع مع يحدث سعيد و بنفس الوقت يرتجف من الداخل من الخوف بسمة حية...اذا نهايته اقتربت، وعليه التصرف في اقرب وقت !!!
اقتربت ياسمين منه وقالت بغضب :
صبري بدأ ينفذ منك يا نادر لو اللي حصل انهاردة طلع من تدبيرك انت و الزبالة التانية ، ههد المعبد على اللي فيه و مش هيهمني حد !!!
قالت ما قالت ثم صعدت و تركته يقف عقله يدور يحاول ايجاد حل للخروج من ذلك المأزق !
الأيام تمر بسرعة على الجميع، لكن بالنسبة لها كانت تمضي وكأنها دهرٌ طويل....شهر كامل مر وهي على هذه الحال، كل يوم نفس الروتين الممل تخرج من منزلها قبل أن يستيقظ الجميع، تذهب إلى الشاطئ ولا تعود إلا في المساء، هاربةً من نظرات الجميع، حتى من والديها حالتها تثير الشفقة لقد فقدت الكثير من وزنها، وعيناها غارقتان في الظلام، محاطتان بهالاتٍ سوداء
لم تكن تبكي، كانت صامتة، فقط تنظر إلى الأمواج المتلاطمة أمامها، تضع قدميها داخل الماء بلا مبالاة حل المساء، وهي على نفس الحال، إلى أن انسابت دمعة ساخنة من عينيها، مليئة بالندم، شعرت يدًا توضع على كتفها، لكنها لم تلتفت كانت تعرف من هو كان "كارم".د الذي جلس بجانبها، وقال بصوتٍ محمل بالحزن والألم:
وبعدين يا همس؟
كان الجواب الصمت، كما هو الحال منذ أسابيع، فوضع يده برفق على وجهها، وأدارها نحوه، قائلاً بحزمٍ :
كلميني زي ما بكلمك، لأمتى هتفضلي كده؟ شهر كامل وأنتي على نفس الحال، لا أكل، ولا شرب، حتى الكلمة مش بتطلع منك، والدك ووالدتك هيموتوا من القلق عليكي، ازعلي محدش قال متزعليش لكن ما توقفيش حياتك كده، ماتموتيش نفسك بالبطيء.... والزبالة التاني عايش حياته عادي
انسكبت دموعها بغزارة، مملوءة بالقهر والندم،فتابع كارم وقد بدا عليه الألم :
محدش في الدنيا ما اتوجعش يا همس، ربنا بيعلمنا الوجع علشان نعرف قيمة السعادة لما تيجي، ربنا دايما بيجيب الخير لينا، اللي حصلك أكيد خير ليكي من ربنا وليه سبب ، بس قولي الحمد لله كويس انك لسه على البر ، خسارة اللي زي يزن مكسب ليكي و خسارة ليه...لأنه غبي وضيعك من ايده !!
رفعت يدها على قلبها، وقالت بصوت مبحوح، والدموع تنهمر من عينيها دون توقف :
قلبي واجعني أوي يا كارم
جذبها إلى حضنه بقوة، معانقًا إياها، وقال بحزن وعشق :
سلامة قلبك
ابتلع كلماته الحائرة في قلبه، لو كان بيده أن يأخذ ألمها عن قلبها، لفعله دون تردد لكنه لا يستطيع، لن يستسلم سيظل بجانبها حتى تلتئم جراحها، حتى تعود همس كما كانت، قوية ومشرقة
تمسكت بقميصه من الخلف، تبكي بحرقة، وهو يحيطها بذراعيه، صامتًا.... بعد دقائق ابتعد برفق، وأمسك وجهها بين يديه، يمسح دموعها بحنان :
دموعك الغالية دي خسارة فيه والله ، هنرجع دلوقتي بيتك و لو ليا خاطر عندك عشان خاطر والدك ووالدتك بلاش تعملي في نفسك وفيهم كده سيادة اللوا طلب مني ادور عليكي وارجعك البيت...ظوالدتك اغمى عليها و تعبت اوي
انتفضت واقفة، تنطق باسم والدتها بقلق وصوتٍ ملؤه الصدمة:
ماما!!!
توقف كارم هو الآخر، وقال برفق :
بقت كويسة، متقلقيش.
ارتدت حذاءها بسرعة، وقالت وهي تمسح دموعها:
روحني البيت يا كارم بسرعة، هي في البيت صح؟
أومأ لها بصمت، ثم جذبها نحو سيارته متوجهًا بسرعة إلى منزلها، و فور توقف السيارة، ركضت همس بأقصى سرعتها نحو مدخل منزلها، حتى توقفت أمامه
دخلت مسرعة إلى غرفة والدتها، التي كانت جالسة على الفراش بوجهٍ شاحب ومتعب، مع لينا وميان اللتان لم تتركاها منذ الحادث إلا للضرورة، يجلسان بجانبها دوماً
قبلت يد والدتها، وقالت بألم ودموع:
حقك عليا يا ماما، أنا السبب.
جذبتها هبة إلى أحضانها، متمتمةً بحزن ودموع:
انتي مش السبب يا بنتي، اللي كان السبب ربنا ينتقم منه، متقلقنيش عليكي تاني يا همس، انا وابوكي هيجرالنا حاجة لو فضلتي على حالك ده
أومأت همس بصمت، وعندما اقترب عاصم من الغرفة، جذب الاثنتين إلى حضنه بقوة، نظرت لينا إلى ميان مشيرة لها بأن تخرج برفقتها ليتركوهم معًا
نزلوا للأسفل ليجدوا كارم جالسًا مع عمار، الذي وصل للتو ليوصل لينا ويطمئن على همس، سألهما عمار بقلق :
أخبارها إيه دلوقتي؟
ردت عليه لينا بحزن شديد:
مش كويسة خالص، مفيش حد فيهم كويس
تمتمت ميان بحزن هي الآخرى :
أزمة وهتعدي إن شاء الله
رددت لينا بتعب :
محدش فيهم هينزل دلوقتي، خلينا نسيبهم مع بعض، ونبقى نيجي الصبح
وافق الجميع على الرأي، وغادروا معًا لكن كارم ألقى نظرة أخيرة على صورة همس الكبيرة المعلقة على الحائط، وهي تبتسم بسعادة، وجهها مشرق وحيوي، عكس ما هي عليه الآن
أغمض عينيه، يسترجع ما حدث بعد يومين من دخولها المستشفى كيف قرر أن يذهب لذلك الندل، ليعطيه درسًا لا يُنسى.... لكنه كان قليلًا جدًا بالنسبة لما فعله بحبيبة قلبه
يتذكر كيف بحث عنه في كل مكان، حتى علم أنه في الجامعة ، ذهب إليها مسرعًا، كان يقف هناك برفقة إحدى الطالبات وسط الحرم الجامعي، فاندفع تجاهه وجذب مقدمة ثيابه بعنف، ثم لكمه بقوة في منتصف وجهه، ليسقط الآخر أرضًا، والدماء تسيل من أنفه
صرخ الجميع و شهقوا بفزع، لا يصدقون ما يرونه، بينما كان كارم لا يعيرهم اهتمامًا، فقد جذب يزن مجددًا، وأعطاه لكمة قوية جعلته يرتد للخلف. وبغضب عارم، صرخ عليه:
قلبي علطول كان حاسس إنك هتوجعها، حبيتك من قلبها، وأنت ما تستاهلش الحب ده، كسرت قلبها بعد ما وثقت فيك، وفكرتك راجل...لكن أنت ندل وزبالة وغدرت بيها
رد يزن عليه بغضب، شادًا قبضته، ليكيل له لكمة قوية، اعتدل كارم ومسح الدماء التي تسيل من جانب شفتيه، ثم رد له اللكمة أقوى بكثير، اشتد النزاع بين الاثنين، والكل كان يراقب المشهد بقلوب متسارعة، لكن كارم كان يتفوق، ليس فقط بسبب قوته، بل أيضًا بسبب خبرته وغضبه الذي يشتعل في صدره كالنار !!
لم يكتفِ كارم بالضرب، بل استمر في سب يزن بكلمات قاسية، ووسط الهرج والمرج، حضر الأمن بسرعة ليفصل بينهما ولكن حتى بعد التدخل، لم يتوقف كارم عن سب يزن، الذي كان يترنح من الصدمة واللكمات، ويتنفس بصعوبة !
في صباح اليوم التالي، ارتدت همس ثيابها باهمال، على عكس عادتها التي كانت تتسم بالأناقة، كانت على وشك مغادرة غرفتها للتوجه إلى جامعتها التي أهملتها في الآونة الأخيرة، لكنها توقفت في اللحظة الأخيرة هل تذهب؟ هل تواجهه؟
لا لن تسمح له بأن يراها منكسرة، حزينة، هو الآن يعيش حياته مع تلك الفتاة التي لم تقف حتى لحظة أمام ما فعله بها، تركها يوم الزفاف بكل قسوة، بينما هي كانت تقف صامتة!!
بدلت ملابسها إلى بنطال واسع مع قميص صيفي بسيط، ثم مشطت شعرها بخفة وأضأت وجهها بمسحة من المكياج، ثم أخذت أغراضها وخرجت من المنزل تحت نظرات والديها القلقة، وعندما فتحت باب المنزل، رأت جارتها من الشقة المقابلة تخرج أيضًا نظرت إليها بشفقة، فغضبت همس، و نزلت مسرعةً، تود الهروب من نظرات الجميع، حتى حارس البناية لم تسلم من نظراته
ركبت سيارة أجرة متوجهة إلى جامعتها وبمجرد دخولها، شعرت بنظراتهم تلاحقها، وهمساتهم تعلو كان زفافها حديث الجميع، سواء كانوا زملاء أو أساتذة أو طلابًا، حتى من لم يحضر وصل له الخبر نظراتهم لا ترحمها مشفقة أو شامتة
شعرت بالندم على قرار قدومها، وكادت أن تفر من المكان، لكنها توقفت عندما شعرت بشخص يضع يده على كتفها، كانت لينا، التي وضعت يدها على كتفها الأيمن، وميان على كتفها الأيسر، كأنهما تهمسان لها بصمت "نحن هنا بجانبك"
ابتسمت لهم همس بتقدير، فقالت لينا بحزم :
مايهمكيش حد ، تهربي من الناس لو انتي اللي غلطانة، لكن انتي مظلومة وبريئة اللي يهرب الندل اللي سابك مش انتي !!
ثم تابعت ميان بابتسامة مشجعة اياها :
يلا نروح نحضر المحاضرات، وبعدها نفطر سوا، هنقعد معاكي ونعرفك كل اللي فاتكؤ مش فاضل كتير على الامتحانات
أومأت لهما همس بصمت، لكن ميان أضافت بعينين مشتعلة بالشماتة :
تعرفي إن كارم جه الجامعة بعد الحادثة على طول؟ الزفت يزن اخد منه علقة محترمة، كارم مسح بيه الأرض حرفياً ، الكل لسه بيتكلم عليها لحد دلوقتي
بقيت همس صامتة، بينما لينا حاوطتها بذراعها، وقالت بمغازلة :
بس ايه القمر ده يا هموسة
ابتسمت همس بخفوت، وما إن وصلوا إلى مبنى المحاضرات حتى تفاجأت به يخرج أمامها، ممسكًا بيد بسمة مبتسمًا لها بحب لكن سرعان ما اختفت ابتسامته حينما رأها، اخفض رأسه بخجل، مقتربًا منها قائلاً بتوتر :
همس، أنا...
تجاوزته همس بسرعة، مرورًا بجانبه دون أن تنطق بأي كلمة، لطالما كانت تؤمن أن الصمت يحمل في طياته أكثر من الكلام، خاصة عندما يعجز اللسان عن التعبير....رمقته ميان ولينا باشمئزاز، فرددت لينا قبل أن تبتعد مع ميان :
البجحين كتروا اليومين دول!
"سيادة اللوا همس محتاجة تبعد شوية" قالها كارم لعاصم الذي جلس خلف مكتبه، وقد أغمض عينيه وهو يضع رأسه بين يديه، الحزن يغلف ملامحهؤ كانت حالته غير قابلة للوصف همومه تتراكم في قلبه كما تتراكم الغيوم في السماء ابنته، همس، كانت في حالة لا تُحتمل، وتركها هكذا كان أكبر من أن يتحمله أي قلب أب كان يشعر بالعجز، ولا يعرف كيف يمكنه أن يعيدها كما كانت، كيف يعيد إليها ابتسامتها ونبض حياتها
نظر كارم إليه، وقد فهم مشاعره جيدًا، فأضاف بحذر وجدية:
لازم ما تفضلش قاعدة مع نفسها وتقعد تفتكر اللي حصل، لازم نشغلها طول الوقت بحيث مايكنش في اي فرصة انها تفكر في الزفت ده
تنهد عاصم بحزن وهو لا يزال صامتاً فتابع كارم :
انا عندي اقتراح لحضرتك الامتحانات مش فاضل كتير عليها، بعد ما تخلص ممكن همس تسافر تغير جو انا ووالدتي وفارس كنا هنسافر شرم الشيخ عند عمي ومراة عمي ممكن همس تيجي معانا وحضرتك طبعاً ومدام هبة ده حتى انا كنت هقترح على ميان ولينا يبقوا معانا
اومأ عاصم برأسه قائلاً بحزن :
فكرة حلوة يا بني على بركة الله، بس يارب همس توافق، انا ماعنديش مانع أعمل اي حاجة بس المهم ترجع بنتي زي ما كانت
ردد كارم بألم وحزن :
ان شاء الله هتنسى مع الوقت هو بس الموضوع محتاج صبر حالتها النفسية الفترة دي مش هتكون أحسن حاجة، لكن هي محتاجة لينا كلنا نكون جنبها
اومأ له عاصم و قبل ان يغادر استوقفه نداء عاصم عليه مردداً بامتنان :
تسلم يا بني راجل و جدع زي ابوك الله يرحمه بالظبط، عرف يربي
ابتسم له كارم بخفوت، مترحماً عليه، قبل أن يغادر مكتب عاصم. تركه خلفه غارقًا في أفكاره، حيث كان الندم ينهش قلبه ببطء. لو كان قد عارض ابنته من البداية، لربما كانت الأمور قد تغيرت لو كان قد استمع إلى قلبه في تلك اللحظة، لكان قد فعل ما يجب فعله...لكن الآن، بعد كل ما حدث، كان يشعر بالخذلان، يزن الحقير لم يحب ابنته أبدًا، وفي النهاية، غدر بها، تاركًا إياها محطمة!!
كانت بسمة تجلس تضُم قدمها إلى صدرها، تتذكر حديثها مع يزن عندما سألها أين كانت طوال تلك السنوات ولماذا اختفت، وكيف نجت أسئلة كثيرة انهالت عليها منه، لكنها حاولت الخروج من المأزق برد سريع:
مش فاكرة أي حاجة يا يزن، أنا فوقت لقيت نفسي في بيت واحدة ما اعرفهاش، ومكنتش فاكرة أي حاجة فضلت عايشة معاها لأني مكنتش عارفة أروح فين وأجي منين، ومن كام يوم بس ابتديت أفتكر كل حاجة، واليوم اللي سألت عليك فيه عشان أشوفك، عرفت إنك في الفندق، بس مكنتش أعرف إنك العريس!!!
لقد قلبت الطاولة عليه لتخرج من ذلك المأزق، عاتبته لأنه سيتزوج بغيرها، وذكرته بأنه نسيها....بداخلها كان هناك خوف كبير، خوف أكبر بكثير من حبها له، لكن قبل أن تتمكن من التفكير أكثر، جاء رنين جرس المنزل، ذهبت لتفتح الباب وتفاجأت برؤيته أمامها، رددت بصدمة وخوف :
نادر!!
دفعها للداخل ثم أغلق الباب خلفه قائلاً بغل:
ده الحلوة طلعت عايشة ومغفلانة!!
صرخت عليه بغضب وخوف، محاولة إخفاء مشاعرها:
انت جاي عاوز إيه؟
ربت بيده على وجنتها، قائلاً بمكر:
إيه يا حبي، معقول نسيتي اللي كان بينا؟
دفعت يده بعيداً عنها باشمئزاز، قائلة:
مفيش بيني وبينك حاجة، لا فيه ولا عمره هيكون فيه يا نادر، انت سامع؟!!
غمز بعينيه قائلاً بخبث:
طب الصور اللي معايا دي إيه؟
صرخت عليه بغضب:
بالغصب؟ ومسيري يوم هفضحك قدام الكل!
ضحك قائلاً بسخرية:
عشم إبليس في الجنة يا روحي، ده مش هيحصل أبدًا...كان غيرك أشطر
ثم جذبها من خصلات شعرها، قائلاً بقسوة وشر:
مش هيحصل عشان لو فكرتي تفتحي بوقك، هتتفضحي في كل حتة، وصورك هتتوزع على الشمامين، وفي كل المواقع على النت يتفرجوا على الجمال الرباني وببلاش، ولو فتحتي بوقك هتكوني خسرانة من كل النواحي... هتخسري يزن، ما هو انتي مش هتطلعي بريئة، ده انتي هتكوني شريكتي في كل حاجة.....!!!!
دفعته بعيدًا عنها قائلة باحتقار:
أنت أحقر واحد شوفته في حياتي
سخر منها قائلاً ببرود :
ميرسي يا حياتي
ثم تابع بضيق وسخرية :
طلعتي بسبع أرواح، بس أموت وأعرف نجيتي إزاي وغفلتينا كلنا!!
ثم رن الجرس مرة أخرى، ذهب ليرى الطارق من العين السحرية، ليتفاجأ بياسمين....ابتسم بسخرية، ثم فتح لها الباب بنفسه قائلاً بتهكم ذ:
نورتي يا زوجتي العزيزة!!
دخلت للداخل، وما إن رآتها بسمة حتى ردت بصدمة :
ياسمين!!
رمقتها ياسمين باحتقار هي ونادر، ثم قالت:
آه، ياسمين.....مصدومة من وجودي، مش كده؟
ابتلعت بسمة ريقها بصعوبة، فردت الأخرى بقرف:
مكنتش أتخيل إنك بالحقارة دي
بسمة بضيق :
أنا مش هسمحلك تغلطي فيا
أشارت لها بأصبعها من أعلى لأسفل، قائلة باحتقار:
مستغربة يزن حب في واحدة زيك إيه؟ وضحى بهمس عشانك....محدش يعرف حقيقتك، أنتي وهو قدي. وقريب أوي هتتكشفوا !!
ثم تابعت بغضب شديد:
غيبتي سنين ودمرتي حياة أخويا، ولما رجعتي دمرتي حياة بنت تانية بريئة، جنس ملتك إيه، بس هستغرب ليه،معقول نادر هيجيب واحدة عندها أخلاق عشان ترسم على أخويا الحب وتوافق تخدعه، ما هي لازم هتكون معندهاش لا أخلاق ولا ضمير
صرخت عليها بسمة بغضب:
أنتي ماتعرفيش حاجة
ردت عليها بغضب، ونادر يتابع ما يحدث بصمت:
أنا عارفة كل حاجة، ويزن كمان هقوله عشان يعرف إنه ضيع سنين من عمره، وخسر بنت زي همس على واحدة رخيصة زيك ما تستاهلش
ردت عليها بسمة بخوف :
هتفضحي جوزك يعني!!
رد عليها نادر تلك المرة قائلاً بغضب، وهو يقبض بيده على حجابها من الخلف :
مش هيحصل يا بيبي اعمليها كده وأنا أعيشك عمرك كله بفضيحة، أنتي وأهلك وبالفضيحة دي هاخد ابنك، ومش هتشوفيه طول حياتك ولا تشمي ريحته أبدًا، شكلك نسيتي اللي اقدر اعمله فيكي
دفعها بقسوة، قائلاً وهو يرمق الإثنين باستخفاف، مرددًا قبل أن يغادر البيت:
رجالة بشنبات معرفوش يعملوا كده، هيجي اتنين أهبل من بعض زيكم يهددوني
ردت عليه بسمة بغضب قبل أن يغادر :
عشان كده مش بتتشطر غير على الهبل وتهدد فيهم، خايف ليفضحوك عند الرجالة!
جاء اليوم المنشود وهو سفر الجميع لشرم الشيخ أعتذر والدي كلاً من ميان وهمس عن المجيء فذهب كارم ووالدته وفارس وعمار ولينا وهمس...كذلك ميان
بعد مرور ما يزيد عن الساعتين كان فارس يدخل بهم للفندق الكبير الذي يملكه والده، رحب بهم الجميع ترحيباً شديداً
"مين التلت قمرات دول يا فارس" قالتها والدة فارس وتدعى نادين بابتسامة جميلة و هي ترحب بهم
أشار لهم فارس قائلاً بابتسامة :
همس بنت اللوا عاصم يا أمي ولينا وميان اصحابها عمار خطيب لينا وابن خالة ميان
ردد والد فارس و يدعى " ايمن " بابتسامة بشوشة :
اهلاً و سهلاً نورتونا والله
رد عليه الاربعة بابتسامة :
اهلا بحضرتك
رددت والدة فارس بابتسامة و هي تمسك بيد فاطمة والدة كارم :
احلا جناح على البحر لأجمل بنات اتجهز مخصوص عشانكم يارب يعجبكم
رددت ميان بابتسامة :
شكراً لحضرتك
ربتت كريمان على وجنتها وقالت بابتسامة لطيفة :
يا روحي عليكي زي القمر
ابتسمت لها ميان ببعض الخجل، فقادهم النادل و هو يقوم بجر حقائبهم وبرفقتهم عمار الذي سيقيم في غرفة بجانبهم امسكت نادين بيد فارس تجذبه لبعيداً قليلاً، فسألها بتعجب :
نعم يا ماما مسكاني كده ليه !!
سألته باهتمام :
ميان دي مرتبطة !!!
نفى برأسه قائلاً بضيق وقد فهم نية والدته :
لأ مطلقة يا أمي
رددت بحزن :
ليه دي باين عليها لسه صغيرة
تنهد بحزن ثم قال :
هي فعلاً كده بس قريب هتكون مرتبطة
قال الأخيرة بشرود فلكزته بذراعه وقالت بحزن :
يا خسارة انت يا واد طول عمرك فقريؤ ضيعت انجي من ايدك والبنت دي كمان زي القمر والله اول ما شوفتها حسيتها ليك
زفر بضيق وقال بتهكم :
عندك حق يا أمي بس نعكس الجملة اللي يتجوز انجي ده يبقى فقري، ده انا الحاجة الوحيدة اللي عملتها صح في حياتي اني طلقتها
تذمرت وقالت بضيق :
مش بقولك وش فقر دي انجي زي القمر
تنهد مردداً بسخرية :
ياريت جمال الشكل كان نفس جمال القلب !!
قالها ثم توجه صوب كارم يسأله :
ليه قولت لعمك يجهز جناح كبير للبنات ما كانت اوضة لكل واحدة فيهم احسن عشان كل واحدة تبقى على راحتها، الخصوصية وكده
رد عليه كارم بحزن :
مش عايز همس تكون لوحدها، مش عايزها تفضل تفكر في اللي حصل و تتضايق اكتر
تنهد فارس بحزن على حال ابن عمه فربت على كتفه ثم غادر هو الآخر متوجهاً لغرفته التي لحسن حظه مجاورة لغرفة الفتيات !!
في المساء، اجتمع الجميع حول مائدة كبيرة مستديرة على الشاطئ، الجو ساحر وجميل، والموسيقى تعم المكان من حولهم. لكن رغم ذلك، كان كل منهم شارداً في عالم آخر.
كان كارم يتحدث مع همس التي تنظر لكل شيء حولها بفتور، يحاول ان يشغل عقلها بحديثه بأمور عدة، حتى لا تفكر بما فعله ذلك الندل!!
بينما كان لينا وعمار في ملكوت آخر، كانت ميان تنظر إليهما بابتسامة صغيرة دوماً ما كانت ترى في لينا وعمار مثالاً جيدًا للحب يليقان ببعضهما جدًا، مرحان وذوا طباع هادئة نوعًا ما، تناغمهما كان جميلاً جدًا
تنهدت بحزن على حالها، وألم عاصف كان يضرب قلبها كل يوم، مر أكثر من خمسة أشهر منذ تلك الليلة المشؤومة، والألم لا يخف بل يزداد، روحها مهشمة، تشعر بالانكسار، فما حدث لها كان أبشع شعور يمكن لفتاة أن تمر به، أغمضت عينيها بحزن وقهر
كان فارس يتابعها بعينيه باهتمام وحزن، فمال برأسه نحوها متمتمًا بخفوت :
انتي كويسة ؟
أومأت له بنعم، كان فارس يريد أن يفتح معها حديثًا، لكنه كان يجد صعوبة في ذلك، فطوال الفترة الماضية، كان حديثه معها يقتصر على العمل فقط
تنهد بعمق ثم سألها بابتسامة خفيفة :
عجبك الأوتيل هنا؟
اومأت له قائلة بابتسامة :
جداً المكان حلو اوي وموقعه ممتاز حتى تصميمه، كل حاجة فيه جميلة ما شاء الله
كان كلاً منهم منشغل مع من بجانبه والديه وزوجة عمه يتحدثان سوياً، كذلك كارم و همس ولينا وعمار لا يوجد سوى هو و هي !!
لاحظت هي الأخرى نفس الشيء فرددت :
انت بتحب المكان هنا
اومأ لها قائلاً بابتسامة :
جدا بس للأسف شغلي في اسكندرية مقدرش اسيبه، لكن بابا مابيحبش يبعد عن هنا خالص فحياتي بين اسكندرية وشرم الشيخ
رددت ميان بأعجاب بالمكان :
عنده حق ما يبعدش عنه، هو فيه مجنون يبعد عن الجنة دي
تذكرت لينا موقفاً ما عندما رأت الفرقة الموسيقية تصعد لمكانها لتبدأ بالعزف فرددت و هي تنظر للفتيات :
فاكرين يا بنات يوم حفلة التخرج من ثانوي لما طلبوا منا نغني في الحفلة واتفقنا نغني أغنية وطلعنا غنينا أغنية تانية خالص
سألها فارس بتعجب :
انتوا التلاتة بتعرفوا تغنوا
اومأت له لينا قائلة بابتسامة :
انا صوتي مش اوي بس مقبول لكن همس وميان صوتهم تحفة، اصلا اتعرفنا على همس من واحنا صغيرين واتصاحبنا من حصص الموسيقى في المدرسة
سألها عمار بفضول :
كان مطلوب منكم تغنوا ايه و غنيتوا ايه !!
ضحكت ميان وقالت بحنين لتلك الأيام :
كان مطلوب نغني أغنية امسك في حلمك لو تعرفها فأحنا بقى غنينا لشيرين....صبري قليل
ضحك الجميع فرددت همس هي الأخرى بحنين :
احنا التلاتة بنحب صوتها اوي و كل اغانيها
تدخلت والدة فارس وقالت بحماس :
طب ما تغنوا يا بنات سمعونا صوتكم
تبادل الثلاثة النظرات بابتسامة ثم حركوا رأسهم بنعم اشارت نادين بيدها للنادل ليأتي بميكروفون لهم اتفق الثلاثة على اغنية ما ثم بدأن بالغناء اختار ثلاثتهم اغنية لشيرين كالمعتاد
تعالى التصفيق بالمكان بعد انتهاء الثلاثة من الغناء فمال فارس على ميان قائلاً بخفوت واعجاب :
صوتك حلو اوي
شكرته بابتسامة صغيرة بينما عمار لثم يد لينا بحب قبل ان يقول كارم شيئاً التفت ميان للخلف ما ان شعرت بأحدهم يضع يده على كتفها لتتفاجأ بسفيان فانتفضت واقفة مرددة بصدمة و حدة :
انت بتعمل ايه هنا !!
توسلها قائلاً بخفوت متمسكاً بيدها والجميع يراقب ما يحدث بتعجب فزفر عمار بضيق وقالو:
ميان ارجوكي، ممكن نتكلم شوية
ابعدت يداه عنها سريعاً قائلة باشمئزاز :
ابعد ايدك عني
اقترب عمار من شقيقه وقال بضيق وصوت خفيض :
امشي يا سفيان مش وقته الناس عيونها علينا وعيب اللي بيحصل ده
سفيان برفض :
انا عايز اتكلم معاها خليها تسمعني يا عمار هما خدعوني ، انا ندمان......
توقف عن الحديث و اقترب من ميان التي كادت ان تذهب يمسك بيدها قائلاً برجاء و هي تحاول ابعاد يده عنها :
مياان !!
انتفض فارس واقفاً يجذبها لتقف خلفه ثم ردد بغضب بوجه سفيان بعدما دفعه بصدره ليرتد الاخر للخلف عدة خطوات
أنت عايز منها ايه، طالما بتحبها اوي كده محافظتش عليها ليه، قتلتها و قتلت سعادتها وخليت أجمل يوم في حياة كل بنت اسوأ يوم ليها !!!
ردد والد فارس بصرامة :
فارس
انتفض كارم مكانه يفصل بين الاثنان حيث كان سفيان على وشك لكم الآخر لكن كارم امسك به يمنعه من فعل ذلك
ضغطت ميان بيدها على ذراع فارس وقالت برجاء :
عشان خاطري بلاش خناق الناس كلها عيونها علينا
ثم تابعت و هي تنظر لسفيان باحتقار :
اللي زيه خسارة فيه الكلام ، قولت قبلك ياما و عملت لكن مفيش فايدة ، اللي زيه خسارة فيه الحب....والكره كتير عليه كمان....ده حتى مايتزعلش عليه، خسارته مكسب لأي حد
عمار بضيق :
يلا يا سفيان نمشي بلاش مشاكل هنا كمان
لم يستمع له سفيان بل اقترب منها قائلاً بتوسل :
انا بجد بحبك ليه مش مصدقاني
ارتفع صدرها و هبط بانفعال، فقالت بغضب :
عايز تتكلم ماشي....تعالى
قالت الأخيرة ثم ابتعدت بعيداً لخارج الحفل فلحق بها متلهفاً وعمار يزفر بضيق طوال الوقت، جلس الجميع مرة اخرى بعد ان اعتذر عمار عما حدث
كان فارس ينظر لمكان ذهاب الاثنان بغضب و اخذ يتملل بجلسته غير مرتاحاً ينظر من الحين و الآخر لهناك بينما والديه لم تخفى عليهما نظراته....وكذلك كارم
بينما هناك حيث تقف ميان تصرخ على سفيان بغضب قاصدة اهانته و التقليل منه كما كان يفعل دوماً :
خلي عندك شوية كرامة مش عاوزاك و لا عاوزة اشوفك عامل زي اللازقة كل ما ابعد عنك ترجع تجري ورايا، أخبار كرامتك ايه
زفر بضيق ثم قال محاولاً التحكم بأعصابه، فتابعت ميان بتشفي:
بالمناسبة هديتي عجبتك
نظر لها بعدم فهم فتابعت بحزن واهي :
لا....اخص عليا ازاي ماعرفتكش !!!
سألها بتوجس :
عرفتيني ايه !!!!
ردت عليه بابتسامة عريضة وتشفي :
مش انا اللي عملتلك الفضيحة وخليت مصر كلها تجيب في سيرتك و سببت ليك أزمة في الشغل
نظر لها مصدوماً كيف تكون هي، فحركت له رأسها بنعم قائلة ببراءة زائفة :
اه ما هو انا اللي خطفت نرمين من عندك و انا اللي بلغت عنها هي و زاهر مش بس كده انا اللي بلغت عن كاميليا شوف كل بلوة حصلت في حياتك آخر فترة انا اللي كنت وراها
بعد ان انتهت من سرد كل شيء ذمت شفتيها قائلة :
قليل اللي عملته مش كده !!!
نفى برأسه وقال بصدمة و عدم تصديق :
انتي مستحيل تكوني عملتي كده يا ميان !!!
ضحكت بسخرية ثم رددت بتشفي :
لأ عملت، اه والله زي ما بقولك كده ، مش انا قولتلك زمان ربنا ما يوريك قلبتي
سألها بصوت خفيض جداً:
ليه !!!
رمقته باستهزاء ثم قالت بتهكم :
حد غيرك يسأل السؤال ده، انت اي حاجة تحصل فيك حلال والله
اقترب منها قائلاً بحزن :
ارتاحتي كده !!
نفت برأسها وقالت بغل :
عمري ما هرتاح طول ما انت عايش على وش الدنيا، انا بجد مش قادرة اصدق جايب منين البجاحة اللي تخليك تطلب مني اسامحك
ثم تابعت بسخرية ترد بها اهاناته السابقة لها :
طب بس سؤال لو حطينا أحتمال اني سامحتك مش محتاجة اقولك طبعا ان ده أحتمال صفر في المية
اشارت له قائلة باحتقار وقسوة :
هأمن على نفسي ازاي معاك، ده العيلة كلها بسم الله ما شاء الله تقرف....باستثناء عمار طبعاً ربنا كان رحيم بيه، جدتك و يضرب فيها المثل في البجاحة و البعيد ما شاء الله وارث عنها الحتة دي بس على اسوأ، نيجي بقى للست الوالدة حدث ولا حرج غل ايه وقرف ايه وقلة أصل ايه وندالة ايه.....يا أخي الواحد مش عارف يعد الصفات اللي زي الزفت اللي فيها من كترهم وارث منها كل حاجة ما شاء الله
صرخ عليها بحدة و عصبية :
ميان كفاية كده فوقي و اعرفي انتي بتقولي ايه !!!
لم تبالي بل ضمت يدها لصدرها قائلة ببرود :
مش أنت اللي طلبت نتكلم ، وبعدين انا فايقة بس للأسف اتأخرت اوي على ما فهمت اللي زيكم بيفهموا بأسلوب ايه
جز على اسنانه قائلاً بغضب :
ميااان
لن تصمت بل تابعت بقسوة قاصدة التقليل منه :
تصدق خوفت كنت الأولى روح زعق كده في اللي خانتك، معايا شوية فيديوهات ليها انما ايه يخلوك تقعد في بيتكم العمر كله متعرفش توري وشك للناس من الفضايح، عايز تشوفه...هخليك تشوفه بس ابقى سلملي بقى على رجولتك
ثم تابعت بتهكم و الآخر يكور قبضة يده بغضب يحاول التحكم بأعصابه قدر المستطاع :
عاملي فيها مفتح و شايف نفسك عليا و بتقارني بيها ، اهي طلعت مغفلاك و مقضياها لأ و ايه كانت بترقص لمصر كلها معايا فيديو بردو تحب تشوف
قبض على كتفيها قائلاً بغضب :
مياان بس اسكتي
سخرت منه قائلة :
اللي المفروض يسكت هو انت، انا الحمد لله معنديش اللي يسكتني او اوطي راسي منه انما انت ما شاء الله كلمة فضايح كأنها اتعملت عشانك انت و عيلتك
قبض اكثر بيده على كتفها و الأخرى تحاول ابعاد يده عنها لقد اعماه غضبه مما قالت عما يفعل لكنه افيق من نوبة غضبه عندما وجد ذلك الطبيب البغيض الذي يلتصق بها كالعلكة الفترة الماضية يجذبها بقوة لتقف خلفه فلم يتحمل أن يبقى في مكانه، فجاء ليراها، ليتفاجأ بسفيان يمسكها بتلك الطريقة فسأل ميان بغضب :
عملك حاجة !!
صرخ عليه سفيان بغضب وقد جاء ذلك الطبيب بوقته يريد ان يخرج غضبه بأحدهم :
أنت مالك أنت !!
رمقه فارس باشمئزاز يسأل ميان بقلق :
عملك حاجة انتي كويسة
اومأت له قائلة بتهكم و هي تنظر صوب سفيان :
معلش يا دكتور فارس استحمله أصله لسه واخد درس محترم واهو كل واحد عرف مكانته واصله !!
ردد سفيان بحزن و صدره يعلو و يهبط بانفعال :
اتغيرتي اوي يا ميان
ردت عليه باستهزاء و سخرية مريرة قبل ان تغادر من أمامه لغرفتها :
البركة فيكم !!
نظر فارس إلى سفيان باحتقار، ثم غادر خلفها وما إن تأكد من وصولها إلى غرفتها، حتى نزل يتمشى على الشاطئ في صمت، يفكر في حاله تساءل لماذا يشعر بانجذاب تجاهها، شهور طويلة قضاها برفقتها في العمل، كمتدربة تحت يده، وفي كل يوم كان يكتشف مشاعر جديدة تجاهها، كان يشعر بضيق شديد كلما رآها برفقة ذلك المدعو سفيان، بالإضافة إلى مشاعر أخرى تدفقت بداخله كلما رآها.... كان عازمًا على اتخاذ قرار ما، رغم أنه لا يعلم إن كان صوابًا أم خطأ...لكنه في النهاية لن يخسر شيئًا !
استيقظت ميان بعد الظهيرة، بعد ليل طويل لم تذق فيه طعم النوم فكوابيس تلك الليلة تطاردها في منامها....منذ شهور، وهي على هذا الحال ارتدت ثيابها ونزلت للأسفل، تمشي على الشاطئ، تنظر له شاردة، تفكر فيما حدث لها، وهمساتها تتناثر في الهواء لماذا الحياة هكذا؟ لم تترك أحدًا إلا وعذبته !!
توقفت عندما لمحت طفل صغير يجلس على الرمال يبني بيوتاً رملية كانت تفعل هي ايضاً بصغرها ذلك، لكنها تعجبت من وجود فارس معه والاثنان في انسجام تام كأنهما اب و طفله
قادتها قدمها إليهم تداعب شعر الصغير ما ان رآها فارس ابتسمت ملامح وجهه قائلاً :
صباح للخير
ردت عليه الصباح تسأله بعد ان جلست بجانب الصغير الذي ينظر نحوها بفضول :
مين القمور ده !!
رد عليها الصغير ذو الثماني سنوات ببراءة :
انا فراس وانتي مين
رد فارس بدلاً عنه :
فراس ابن اختي الله يرحمها
رددت بأسف وحزن على الصغير :
الله يرحمها
قبلت جبين الصغير بحنان وقالت بلطف :
انا اسمي ميان....واسمك حلو اوي يا فراس
رد عليها بابتسامة واسعة :
زي اسم خالو نفس الحروف ماما اللي اختارته ليا
ربتت على رأسه قائلة بحنان :
ماما اختارتلك اسم حلو زيك و زيها
مسك الصغير يدها وقال بحماس :
العبي معايا انا وخالو يلا
اومأت له وبدأت تلهو معهما فردد الصغير بمرح :
خالو بيحب يلعب بالرملة زيي ويعمل بيوت بس لما جدو وتيته بيشوفونا بيجيبها فيا عشان محدش يضحك عليه
ضحكت ميان بمرح وقالت :
معلش بقى يا فراس ده خالو برده و لازم تداري عليه
رد عليها فارس بجدية زائفة :
لأ على فكرة أنا بس بلعب معاك عشان، متعلبش لوحدك كده انا غلطان يعني
ضحكت بخفوت وتابعت اللعب معهما....بعد وقت نجد الصغير يلعب وحده بينما فارس وميان يجلسان بجانب بعضهما يراقبانه باهتمام
ردد فارس فجأة بخفوت وصوت حزين :
فضلت كتير اوي مستنية تسمع كلمة ماما، كانت فقدت الأمل انها تكون ام و يوم ما حلمها اتحقق الدنيا مكنتش سيعاها لكن سعادتها مكملتش للآخر اتوفت وهي بتولده !!!
ردت عليه ميان بحزن :
ربنا يرحمها، طب هو باباه فين !!
زفر بضيق ثم قال بحزن :
وجوده زي عدمه اتجوز بعد ما ماتت وشوية شوية بطل يسأل عليه وسابه لينا نربيه....هو صحيح ده اللي احنا عاوزينه بس مش لدرجة انه ما يسألش على ابنه، بصراحة بقى لو فيه غلطة في حياة اختي اللي يرحمها فهي جوازها منه كلنا كنا معارضين بس هي اختارته كانت بتحبه اوي
رددت ميان بحزن و شرود :
اللي حوالينا ساعات كتير بيبقوا شايفين اللي احنا مش شايفينه خصوصاً اهلك، المشكلة ان في الحب بالذات العقل بيقف والقلب بس اللي بيتحكم فيك، ياريت كنت سمعت منهم أنا كمان عشان ما اقعش في الغلطة اللي هفضل ندمانة عليها طول عمري
تمتم فارس بشرود وحزن :
تعرفي انها وحشتني اوي كانت أمي التانية صحيح هي اصغر مني بس كنت بحسها أمي بحنيتها وطيبة قلبها ورقتها
ردت عليه ميان بحزن :
الاخوات أكبر نعمة الإنسان بيملكها، الاخوات سند لبعض وضهر
تنهدت ثم تابعت بحزن و اشتياق :
أنا كمان مروان اخويا وحشني اوي ، كتير اوي بتمنى انه يكون لسه عايش متأكدة انه مكانش هيسيبني كده، كان أكيد هيكون جنبي و يساندني، مش هقدر اشتكي لا لبابا و لا لماما لكن ليه كنت هقدر، اسراري أصلاً كلها كانت معاه في لحظة لقيته اختفى من حياتي من غير ما اودعه واحضنه لأخر مرة
ابتسمت بحنين ثم تابعت بدموع :
كنت بحس دايماً ان انا وهو واحد
نظرت له قائلة بابتسامة صغيرة ودموع :
بس انت على الأقل معاك حتة منها كل ما هتوحشك هتبص في وشه كأنك شايفها
ردد بحزن :
ربنا يرحمهم
امنت على دعائه ثم وقفت لكي تغادر لكنها تعرقلت بفستانها الأخضر الطويل فاختل توازنها و سقطت فأقترب واضعاً يده على الفور خلف رأسها عندما فشل في منع سقوطها حتى لا يصطدم رأسها بالحجر الذي بالأرض ليكون الوضع كالتالي هي ارضاً و هو فوقها لحظات تغيب فيها عقله و بقى يتأمل ملامحها، حتى انتفضت ميان واقفة...محرجة من الوضع فقالت بحرج شديد وخجل :
انا اسفة مش قصدي
وضع يده على عنقه من الخلف كعادته عندما يشعر بالاحراج، غادرت سريعاً من امامه لتصطدم بسفيان الذي ظهر امامها من العدم مردداً بغضب و غيرة كبيرة تنهش قلبه من الداخل :
ابعدي عنه يا ميان....بلاش
رمقته باستهزاء كادت ان تغادر لكنه جذبها عنوة لأحد المراكب المصفوفة على الشاطيء حاولت الابتعاد لكنه لم يسمح بذلك
دخل بالمركب لداخل الشاطيء مبتعداً عن البر فصرخت عليه بغضب شديد :
ايه الجنان ده ، عاوز توصل لأيه باللي بتعمله ، رجعني حالاً و إلا مش هيحصلك خير ابداً
نفى سفيان برأسه قائلاً بصرامة :
مش هترجعي غير لما نتكلم انا و انتي بنحب بعض خلينا نحل اللي بينا لأمتى هنفضل كده يا ميان مرة أبعد و انتي تقربي و مرة تبعدي و انا اقرب.....لأمتى
نظرت إليه قائلة بتهكم :
بحبك ده ايه الثقة دي، يا اخي ده مفيش حد بيقرف منك ويكرهك ادي ، حب مرة واحدة ده الكره خسارة فيك ما بالك الحب!!!
جذبها من ذراعها لتنظر له قائلاً بغضب و ألم :
بقيتي بتحبيه يا ميان ليه علطول بتكوني معاه، بلاش توجعيني بالطريقة دي بلاش تحبي غيري انا هتغير والله وهعوضك عن كل اللي عملته بس بلاش تكرهيني و تضيعي من ايدي !!
"أنتي مين" قالها قصي بتساؤل ما ان دخل لمكتبه و رأى فتاة بملابس قصيرة للغاية !!!
ردت عليه الفتاة بابتسامة وصوت رقيق بشكل مبالغ فيه :
انا نانسي يا مستر قصي السكرتيرة الجديدة
أشار إلي هيئتها مردداً باحتقار وصرامة :
اللي عملاه في خلقتك ده يتشال وتلبسي لبس محترم انتي مش في كبارية هنا
ردت عليه بتلعثم و توتر :
حاضر، اانا اسفه
جلس خلف مكتبه مردداً بصرامة دون النظر لها :
القهوة و الاجتماعات اللي عندي انهارده
خرجت على الفور تنفذ ما قال فهاتف قصي عمار على الفور يسأله بغضب :
مين اللي عين اللي بره دي !!
مدير الحسابات يا قصي قريبته وطلب مني اشغلها شوفت ورقها لقيتها مناسبة عينتها
قصي باستنكار و غضب :
دي تتعين في كبارية مش شركة محترمة
رد عليه عمار بمشاكسة :
ايه اتحرشت بيك
عنفه قصي قائلاً بغضب :
اخرس يا زفت انت ترجع بسرعة عشان تعينها سكرتيرة ليك وهاخد انا سكرتيرتك مش أنت اللي قبلت ولبستها ليا قدامك حل من اتنين يا تعمل زي ما قولت يا همشيها انا !!
رد عليه عمار بعبث :
شكل سيلين مسيطرة !!
اغلق قصي الهاتف بوجهه وهو يزفر بضيق، فهل كلان ينقصه تلك التي بالخارج، يكفي العمل الذي سيديره بمفرده فقد سافر عمار و سفيان تاركين اياه يتحمل كل شيء وحده !!
بينما على الناحية الأخرى كانت همس تجلس بمطعم الفندق وحدها تنظر للفراغ بشرود....اقترب كارم منها قائلاً بابتسامة :
القمر سرحان في ايه
نفت برأسها وقالت :
مفيش
سألها بهدوء :
طب قاعدة لوحدك ليه !!
تنهدت ثم قالت بفتور :
لينا مع عمار محبتش ازعجهم وميان لسه نايمة
سألها بابتسامة :
فطرتي ولا لسه
ردت عليه بتعب :
مليش نفس
اشار للنادل ليأتي ثم طلب منه ان يأتي بطعام الافطار قائلاً :
مينفعش كده لازم تاكلي كويس عشان تقدري تلفي معايا، الاماكن هنا تحفة وهتعجبك خصوصاً الاوتيل هنا هيعجبك اوي
اومأت له بصمت حتى لا تدخل بنقاش، فليس لديها القدرة على الحديث حتى، بعد لحظات، سألها بابتسامة محاولاً فتح اي حديث معها حتى لا تفكر بأي شيء يزعجها :
مش عايزة تتصوري، انا عارف انك بتحبي التصوير خصوصاً لو في مكان أول مرة تروحيه !!
اومأت له بصمت واخرجت هاتفها تلتقط عدة صور لها بفتور جلس بجانبها قائلاً بمرح :
ايه الانانية دي انا كمان عاوز اتصور
ابتسمت بخفوت والتقطت لهم عدة صور فعاد ليجلس مكانه يتحدث معها بعدة مواضيع وهي ترد عليه بفتور عقلها بشيء اخر تفكر ماذا لو قامت بنشر تلك الصور على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يراها يزن وليعلم ان حياتها لم تتوقف من بعده....اختارت صورها مع كارم خصيصاً مقررة نشرها، وعقلها يفكر بشيء ما تريد وبشدة أن تفعله، ولكن ان فعلته ستحتقر نفسها كثيرًا.....فكارم لا يستحق منها ذلك !!
في المساء كان كارم يجلس برفقة فارس يسأله :
مش ملاحظ انك مهتم بميان بقالك فترة، زيادة عن اللزوم يا فارس !!
تنهد فارس بعمق ثم قال بصدق:
عجباني يا كارم !!
نظر له كارم مصدوماً فتابع فارس بكل ما يشعر به :
عجباني يا كارم و حاسس انها تخصني، ليا بتاعتي، أنا عمري ما حبيت قبل كده مش عارف ان كان ده حب بجد و لا لأ ، بص انا عايزها دايماً تحت عيني وجنبي قربها من الزفت اللي كانت متجوزاه بيحرق قلبي من جوه كل ما بشوفها زعلانة ومكسورة كده....ببقى عايز اولع فيه عشان كسرها بالشكل ده
تنهد كارم ثم قال بحزن وهو يعلم ان فارس في طريقه ليعايش ألم عايشه هو سنوات طوال :
طب و بعدين ناوي على ايه يا بن عمي
رد عليه فارس بدون تردد :
عايز اتجوزها يا كارم.....هكلم ابوها أول ما نرجع من السفر
تعليقات



<>