رواية كبرياء رجل الفصل السابع عشر17والثامن عشر18 بقلم داليا السيد


 رواية كبرياء رجل بقلم داليا السيد
رواية كبرياء رجل الفصل السابع عشر17والثامن عشر18 بقلم داليا السيد
جراحة ناجحة
ما أن وصل لندن حتى قابله أوليفر بالمطار وقد أخذه التعب بقوة، ركب الجميع السيارة وقال أوليفر "ظننت مدام أسيل ستكون معكم"
أجاب باختصار "لا"
لم يرد أوليفر وقد لاحظ تبدل معالم سيده الذي قال بنفس نبرته الآمرة والتي زادت بسبب كل ما يعانيه "هل أخذت موعد من المشفى؟"
أجاب أوليفر "نعم، غدا صباحا سيتم إجراء كل الفحوصات وبعدها سيتم تحديد الموعد"
هز رأسه بالموافقة وسأل "سلمى؟"
عاد أوليفر يجيب "هناك دلائل تشير على أنها بروما"
حدق به وقال "استبدل رجالك أوليفر، أنا مللت من فشلهم هل يمكنك أن تجيد الأمر أم لا؟"
شحب وجه أوليفر من طريقة بدر الغريبة وقال "بلى سيدي سأفعل"
أبعد وجهه لخارج السيارة وما زالت جملتها عالقة بذهنه، لا أريد شيء يربطني بالماضي، تمنى لو رآها قبل أن يرحل، يشبع نظره من عيونها، يسكن صوتها قلبه ولكنه ذبحها دون رحمة وبطريقة تجعلها تكرهه للأبد وترفض حتى رؤيته مرة أخرى وهي لم تنتظر كثير وإنما قذفت كل شيء خلفها، أمواله وبيته وشركته، كل شيء تركته بلا لحظة تفكير ولم تعبأ باي شيء
هي قالت لن أغفر لك وهو يعلم أنها لن تفعل.. 
فقط رحلت، خرجت كالنسمة من حياته وتركته وحده، يشعر ببرودة بكل جسده وفراغ لا حدود له وألم بقلبه ووجدانه يناطح أقوى ألم بالعالم، هو السبب، هو يعلم أنها لم تكن امرأة عابرة بحياته وإنما هي الوحيدة التي أرادها وتمناها، وأحبها
أغمض عيونه عندما عبرت كلمة الحب على ذهنه، نعم هو يحبها، يعشقها، يذوب بهواها، لم يعد يشعر بالعالم من حوله بسببها، كل حياته كانت تدور حولها، بالعمل بالبيت بأي مكان كان لا يرى ولا يفكر بسواها حتى وهي بين ذراعيه كان يفكر بها وكيف يسعدها ويدللها ويمنحها كل ما تتمناه ولكن للأسف الحب وحده لا يكفي حبيبتي، حبي لك لن يمنحك السعادة التي تستحقينها، أنا بالأساس لا أستحقك لذا منحتك حريتك لتعيشي شبابك وحياتك مع من يناسبك وليس مع عجوز مقعد مثلي.
لا تظني الفراق سهل حبيبتي فهو نزيف لا يتوقف إلا بأخذ الروح وقد أخذت روحي أسيل.. 
لن أهنأ بعد اليوم وسأظل أتلوى على جمر الندم الحارق وأنا أستحق
لن يمكنني طلب السماح لأني أعلم أني لا أستحق
الندم لن يفيد والرجاء لن يكون بأي يوم طريق..
وصلوا الفندق وتبعتهم المربية ولكنه دخل غرفة الأولاد عندما قفز براء ليتعلق به كعادته فأمسكه وهو يقول "ألن تكف عن ذلك براء؟"
أحاط الطفل عنقه بيديه الصغيرة وقال "أسيل تقول أنك تحب ذلك داد"
ذكراها تؤلمه، تزيد من تأنيب ضميره فقال بضيق "أسيل لن تدير حياتنا براء"
نظر باسل له وهو بالفراش وقال "هي لا تفعل داد ولكنها تمنحنا ما نفتقده، ظننت أنها ستكون معنا هنا"
أبعد براء وتحرك وقد كان يعلم أنها لحظة المواجهة فقال "لا باسل، أسيل لن تكون معنا لا هنا ولا بأي مكان بعد اليوم"
تراجع براء الصغير دون أن يفهم شيء بينما قال باسل باستفسار "لا أفهم داد، لماذا لن تكون معنا؟"
التفت له وقال بقوة واهنة "لأنها لم تعد بحياتي باسل"
وصمت والطفلان يحدقان به بعيون بريئة دون أن يتحدثا فاستدار هاربا من مواجهتهم وقال "لقد انفصلنا لذا لا داعي لاستمرار علاقتكم بها أنا لا أريد ذلك"
قال باسل بصوت ضعيف "ولكنك وعدتني داد"
التفت له وقال بحدة مقاوما غضبه من نفسه لأنه قطع وعد على نفسه ولم ينفذه خاصة مع ابنه وهو لم يعتد على ذلك "وتبدلت الظروف باسل، تبدلت بما يمنعني لأول مرة بحياتي من أن أخلف وعدي"
تحرك براء إليه ولمس يده بأصابعه الصغيرة وقال "حتى أسيل تركتنا"
نظر للطفل الصغير بألم وقال "ولكني ما زلت معكم براء"
قال براء بعفوية "لكنك لا تمنحنا شيء داد، أسيل كانت تفعل، كانت تمنحنا كل شيء، منحتنا ما لم نعرفه من قبلها داد"
شحب وجهه وشعر بالتعب يعود فجلس وقد أثقله كلمات الطفل ونظرات باسل الحزينة وهمومه التي فاضت على ملامحه ولكن لا مجال للتراجع فقال "أفعل أقصى ما عندي براء"
كان باسل صامتا خافيا نظراته بالمجهول فنظر بدر له وقال "باسل لابد أن تعلم أن هذا هو الأفضل لنا جميعا، أسيل لم ولن تكون أمكم"
رفع باسل نظراته له وقال "ولكنها منحتنا الحنان والحب داد، كما قال براء هي منحتنا ما لم نعرفه حتى مع مام، نحن ليس لنا أم من الأساس داد"
تراجع بدر لكلمات باسل الذي أكد كلمات أخيه بل وأكثر قسوة، وهو يعلم أن أسيل منحتهم الكثير كأم وهو كان يرى ذلك بنفسه وكان سعيد بما كانت تفعله بل وسعيد بأنهم أسرة وعائلة حلم بها لكنه حطمها بلا رحمة وفكك العائلة ودمر الحلم كما دمر حلم أولاده 
أبعد أفكاره جانبا وتنحى عن كلمات أن لا أم لهم وقال "حتى لو، أسيل الآن رحلت باسل وأنا لا أريد من أحدكم الاتصال بها مرة أخرى، أريد وعد من كلاكم"
هتف براء "لا بابا من فضلك على الأقل نهاتفها"
لكنه قال بحزم ونظراته مخيفة "لن تراجعني بكلماتي براء"
أخفض الطفل وجهه ودموع لاحت بعيونه وهو يعود لباسل الذي أخفض نظراته وقال "كما تشاء داد"
عاد لبراء وهتف "براء"
لم يرفع الطفل رأسه وقال "حاضر داد"
وأسرع براء لأخيه وجلس بجواره وهو يرى ارتجاف يدي الطفل وكلاهما لا ينظران له وهو أدرك ما فعله بالطفلين، ألم يكتفي بتدمير حياته وحياتها ويأتي الآن ليدمر حياتهما البريئة؟ ما ذنبهم؟ 
أنهم أحبوها؟ 
وهو أيضا أحبها والنتيجة أنه تركها.. 
لم يتحدث ونهض وقبل كلاهم رغما عنهما دون النظر بعيون اي واحد منهما وتحرك ليخرج ولكن باسل قال "لن أخلف وعدي معك داد رغم أني لا أوافق على ما فعلته بنا لأني أحب أسيل وأتمنى عودتها بيوم ما"
لم ينظر للطفل ولكن كلماته أوجعته وأغضبته بذات الوقت ومع ذلك لم يتبدل موقفه واختار ألا يجيب وهو يتحرك للخارج والغضب والحزن يتحكمان بكل جوارحه 
دخل غرفته وصفع الباب خلفه ثم التفت وضرب الباب بقبضته بقوة وهو يهتف بغضب "اللعنة أسيل، اللعنة على كل ذلك، أنا أحبك، أحبك بجنون، ليتني ما عرفتك ولا رأيتك"
ضرب الباب مرة أخرى حتى تألمت يده وهتف بألم نابض من قلبه "ظننت أنك لن تتركيني أبدا أسيل"
ظل جامدا مكانه وهو يتنفس بقوة كي يستعيد نفسه حتى هدأ والتفت متحركا للداخل وبداخله ألم لا طاقة له به
دار حول نفسه وهو يكمل وكأنها تسمعه وهو يراها أمامه تنظر له بعيونها البريئة نظرتها التي تمتلئ بالرجاء "تمنيت أن تأتي وتعاتبيني وتغضبين وتثوري بوجهي فتعيديني لصوابي وأعيدك لأحضاني ولكنك بكل بساطة تتركيني وكأنك تعاقبيني، أنا حقا أستحق"
سقط على أقرب مقعد والألم يحتل كل كيانه، فك ربطة عنقه محاولا جذب الهواء لصدره وتراجع برأسه إلى الخلف وأغمض عيونه وهو يستعيد كل ما مر به منذ قابلها ورأى عيونها البريئة تنظر له بحنان ودار بذهنه وقتها أنها ستظل معه لنهاية العمر لكن خاب رجائه وتخلت عنه
لا هي لم تفعل بل هو من دفعها لذلك .. صوت أفزعه أخبره بذلك
كبريائك.. 
غرورك.. 
رفع يداه لرأسه ليوقف الأصوات واعتصر رأسه بقوة من ألم الصداع ربما يوقف أفكاره الملازمة له..
أوقفه أخيرا رنين الهاتف فهدأ قليلا وأخرج الهاتف ليرى اسم أوليفر فأغمض عيونه وتنفس بصعوبة ليستعيد هدوءه ثم أجاب
بالصباح كان بالمشفى مع باسل وتفاجأ بوجود والده هناك ولكنه لم يهتم وهو يركز بباسل وفحوصاته ولم يتعجل فريق الأطباء بإجراء الجراحة وتم تحديد الغد لإجرائها 
عادوا للفندق بعد انتهاء الأمر فأخذت المربية باسل لينضم لأخيه بغرفتهم وظل هو ووالده بقاعة الجلوس الخاصة بالفندق لتناول القهوة ونظر له كمال وهو لا يستطيع منع سؤاله 
"لم تأتي معك أسيل أيضا! ترى لماذا؟"
كان يعلم أنه سيسمع السؤال إن آجلا أو عاجلا فهو كان يحارب الجميع من أجلها والآن هي ليست معه
نظر له بنظرات جامدة مات فيها الإحساس وقال "وهل يهمك الأمر؟"
أجاب كمال بلا تفكير "نعم، المدة التي قضيتها بميلانو بدونها ليست قليلة وظننت أن بعودتك لمصر ستعيدها ولكن لم يحدث فماذا حدث؟"
أشعل سيجارة ونفخ دخانها وقال ببرود "لم تعد زوجتي، طلقتها"
اعتدل كمال وكأنه لا يصدق ما يسمعه وهو يجول بوجه ابنه بعيون مليئة بالأسئلة حتى قال "هل صح ما سمعته؟"
أبعد وجهه المتألم كي لا يكشف ضعفه أحد، ما زال بدر المسيري الذي لا يهزمه أحد ولن يهزمه أحد حتى ولو كان قلبه، قال بتأكيد "نعم"
تراجع كمال والدهشة هي كل ما ارتسم على وجهه وقال "كيف؟ بالأمس كانت نظراتكم تفيض بالحب وكنت تلتصق بها رافضا أي محاولة للابتعاد عنها وتركت كل شيء خلفك من أجلها واليوم طلاق!؟ أنا لا أصدق، أين رحل الحب؟"
نفخ دخانه بعيدا وهو يعلم أنه على حق وأي مبررات لن تكون بمكانها الصحيح وهو بالأساس غير ملزم بتبرير شيء لأحد 
قال باهتمام مزيف "حب!؟ نظراتنا!؟ أي حب ونظرات التي تتحدث عنها؟"
عبس كمال بوجهه وأشاح بيده قبل أن يقول "من الغباء الادعاء بأن ما بينكم لم يكن حب أي طفل كان سيدرك ذلك"
ظل صامتا ولم يظن أن مشاعره كانت واضحة هكذا، إذن لماذا لم يدرك ذلك إلا بعد أن ضاعت منه؟ لماذا لم تدرك هي حبه وتبحث عنه وتحارب لأجله؟ 
قال كمال بلا استسلام لبرود بدر بالحديث وكأنه يخبره ألا يكمل "كنت بالعشرين عندما قابلت والدتك لأول مرة"
حدق به بدر بقوة فهي أول مرة يتحدث معه عن والدته والرجل يكمل "لا أنكر انجذابي لها ولطيبة قلبها ولكني لا أنكر أيضا أن والدها جعلني أضع الكثير من الحدود بيننا وأصبح زواجنا أمر بارد لا مشاعر فيه، كان دائما يدفعني بعيدا بجعلي أدرك أني لا أليق بها حتى ماتت مشاعري داخلي وأصبحت لا أملك تجاها شيء وهي لم تفعل أي شيء تجاه الأمر بل اقتنعت بكلمات والدها وعاشت فقط لكم ولم تهتم بي، لكن عندما تزوجت ماريان اختلف الأمر كثيرا معها شعرت بمعاني أخرى لم أكن أعرفها؛ منحتني حب وحنان لم أجربه مع والدتك، ماريان تختلف عني كثيرا ربما لأنها إيطالية المنشأ أو ربما لأنها ليست مثلنا من عائلة معروفة ذات ثراء ولكن الحب بيننا كان كافي بدر لإلغاء كل شيء غريب"
ضاقت عيونه خلف دخان سيجارته وقال بهدوء "ومع ذلك كنت ترفض أسيل"
حدق بابنه وهو يستوعب كلماته ثم أبعد وجهه وقال "ليس لأن بينكم فروق اجتماعية بدر، وإنما لم حدث منها معك بأول لقاء، كنت أخشى من أن تؤثر على مكانتك وسمعتك بما فعلت أو تخفي لك شيء من وراء مطاردتها لك، لم أصدق براءتها وظننت أنها ترغب بالكثير من وراء مطاردتك"
أطفأ السيجارة وقال بصدق "هي لم تفعل، هي لم تطاردني بعد ما فعلته معي بل أنا من طاردها وأنا من رغبت بها معي، لست بشاب متهور لا يمكنه التمييز بين أنواع البشر كما وأني قادر جيدا على حماية نفسي وسمعتي خاصة من امرأة"
صمت كمال قليلا قبل أن يقول "ولماذا طلقتها إذن؟"
أبعد نظراته للأشباح التي تتحرك من حوله وكأنه لا يرى شيء بل لاح وجهها أمامه فجأة مرة بابتسامة رائعة اشتاق لها ثم تحول لوجه ملطخ بالدموع وعيون مليئة بالألم والحزن وقت فقدا طفلهما فأغمض عيونه لحظة وهو يحاول ألا يتذكر ما يؤلمه وكأنه استطاع أصلا أن ينسى
أوهام.. 
فتح عيونه وقال غصبا عنه وعكس كل ما يشعر به "أدركت أني كنت خطأ"
انحنى كمال للأمام ولم يدرك بدر أن الرجل كان يرى على ملامح ابنه كل ما كان يدور داخله ومع ذلك قال "خطأ بماذا بدر؟"
نهض واقفا وقد اختنقت أنفاسه وشعر بألم ظهره يعود فقال "لابد أن أذهب للمكتب فقد تأخرت وغدا سنمضي اليوم بالمشفى، هل أقلك لمكان؟"
ظل كمال جالسا وهو ينظر له وقد أدرك أن ابنه لأول مرة بحياته يفر من المعركة والألم واضح على كل ملامحه فتراجع كي لا يزيد ألمه وقال "لا، ماريان على وصول يمكنك الذهاب وسأصعد للأولاد"
هز رأسه وكاد يتحرك ولكن كمال أوقفه قبل أن يذهب "من الصعب على أي رجل أن يجد امرأة تحبه بصدق بوقتنا هذا بدر، كان عليك التفكير جيدا قبل أن تزيحها من حياتك"
نظر لوالده بقوة وعضلات صدره تصرخ أكثر بالألم من نبض قلبه القوي وصراع مع كبريائه الذي رفض أن يتراجع عن قراره وقال "ولكن أحيانا الحب وحده لا يكفي أبي"
وتركه وذهب والغضب يبذل جهدا خارقا ليسيطر عليه وهو يستخدم كل ما تعلمه طوال سنوات عمره الكثيرة ليحارب ذلك الغضب الذي كلفه سعادته وحبه الوحيد..
****
أجرى باسل الجراحة التي استمرت ساعات غير قليلة حتى خرج محمد من غرفة العمليات ونظر لبدر بدهشة وقال "بدر!؟ ماذا تفعل هنا؟ لا تخبرني أن باسل ابنك"
تراجع بدر بدهشة من رؤيته له هو الآخر وهو لم يظن أنه سيكون موجود رغم أنه يعمل هنا أحيانا بطلب من المشفى فقال "بلى هو ابني، ماذا تفعل أنت هنا؟"
خرج الطبيب المسؤول ونظر للرجلين وواجه بدر قاطعا عليهم الحديث قائلا "الطفل بخير فقط بالإفاقة وسيظل تحت الملاحظة حتى يتم إخراجه من العناية"
نظر بدر له وقد انضم كمال وماريان لهم وبدر يسأل باهتمام "هل النتيجة جيدة؟"
ابتسم الطبيب وقال "هذه المرة يمكنني أن أقول نعم، سيتبقى جراحة واحدة بعد شهرين بعدها سيعود للحركة على ساقيه من جديد ودكتور محمد هو الذي اقترح الجراحة الثانية ويؤكد أن نجاحها بنسبة مائة بالمائة"
نظر بدر لمحمد الذي قال "حالة باسل كانت مثار اهتمام الكثير منا بالفترة الأخيرة ولكني لم أدرك أنه ابنك فاسمه باسل باسم لذا لم أدرك القرابة بينكم"
قال بدر "المسيري محمد، باسل هو ابن أخي رحمه الله ولكن أنا أتولى رعايته ويعتبرني والده، هل أنت جاد بشأن جراحته التالية وعودته سليما مرة أخرى؟"
ابتسم محمد وقال "الأمر كان يتوقف على هذه الجراحة لذا حرصت على الحضور ومتابعتها بنفسي والآن يمكنني التأكيد على نجاح الأمر بعد شهرين"
ابتسم كمال وهو ينظر لزوجته وقال بدر "حسنا متى يمكنني أن أراه؟"
قال محمد "ما أن يخرج من العناية سيكون لكم، كيف حالك أنت؟"
لم يشأ أن يتحدث محمد بأمره أمام كمال وزوجته فقال "بخير، اسمح لي لابد من أن أجري محادثة هاتفية"
وتحرك للخارج تحت نظرات الدهشة من الجميع حتى خرج إلى الهواء، كان يشعر بالسعادة من أجل باسل ونجاح جراحته ولكنه يفر من مواجهة مصيره فهو لن يجري أي جراحة، الأمر لم يعد يهمه، سواء ظل على ساقه أو حبيس مقعد لعين فهو لن يهتم بعد الآن 
سيغرق نفسه بالعمل ويحقق نجاح أكبر وأكبر ليؤمن مستقبل أولاده نعم هم أولاده، أربع سنوات منذ مات باسم وهو يقوم برعايتهم كأولاده حقا لم يفكر يوما بأنهم ليسوا من لحمه ورغم ذلك يوم فقد ابنه الحقيقي شعر بأن روحه سلبت منه، جزء منه ضاع، مات، أبوة حقيقية لم يفز بها لذا لم يعد يهمه الآن سوى الأبوة المستعارة كي يحيا من أجلها..
رن هاتفه فأخرجه من أفكاره ليتفاجأ باسم سلمى، أجاب دون تردد "أعترف أني متفاجئ"
قالت ببرود "إنه ابني بدر وأنا حقا أفعل أي شيء من أجله"
دار حول نفسه قبل أن يقول "من المفترض أن أصدق أن الأمومة استيقظت داخلك فجأة؟ أو أن لديك ذرة رحمة"
قالت بصوت مختلف "صدق أو لا بدر ولكني أريد رؤية باسل"
ظل صامتا قبل أن تعود هي وتقول "أعلم أنك لن تقبل ورجالك تبحث عني وتود أن تنتقم لزوجتك ولكني أريد ابني بدر"
قال بصوت حاد "الآن تذكرينه سلمى؟ تعلمين ان ليس لديك أولاد عندي، لا أذكر أنك تجيدين التمثيل ولكنك رائعة الآن"
قالت برجاء "لا أفعل بدر، أقسم أني لا أفعل، اسمع بدر، لم لا نجري اتفاق بيننا؟"
صمت لحظة وهو يرفع رأسه مستوعبا الطلب حتى قال "اتفاق!؟ أنا وأنت؟ لم ولن يكون سلمى"
ولكنها عادت تتحدث برجاء "أعلم ولكني الآن أحتاج لذلك بدر، أنا خسرت كل شيء حتى داد يرفض مساعدتي لذا ليس أمامي سوى الهدنة معك لأكف عن الهروب وسأفعل كل ما تريده بدر"
صمت وهو يتحرك للسيارة وفتح له السائق فركب وقال "شروطي كثيرة سلمى"
قالت بأمل "أوافق عليها جميعها بدر فقط أرى باسل"
قال "عليك بالتنفيذ أولا كي يمكنني استعادة جزء من ثقتي بكلماتك، تتنازلين عن القضية وتمنحيني حق الحضانة وكل حقوقك الأخرى، تبتعدي عن أسيل نهائيا وتمنحيني اسم ومكان ذلك الدجال"
هتفت بفزع "الدجال لا بدر، سأفعل أي شيء آخر لك وسأبتعد نهائيا عن زوجتك ولن أمسها بأي ضرر أقسم بأولادي أني لن أضرها مرة أخرى وسأتنازل لك عن حضانتهم في مقابل رؤيتهم مرة بالأسبوع حددها كما تشاء لكن الدجال لا بدر"
قال بتفكير "ولم لا سلمى؟"
قالت بنفس النبرة "لسببين بدر؛ الأول أني لم أعد أعلم مكانه والثاني لأني دفعت الثمن بدر، لقد انتقم متي ذلك الرجل وسرق كل أوالي ودمر حياتي، لقد.. لقد شوه ملامحي بدر أنا بالكاد أخرج من البيت"
ظل صامتا وهو يفكر بهدوء، تلك المرأة كادت تقتل حبيبته فهل من السهل نسيان ذلك وإعادتها وكأن شيء لم يحدث؟ 
تساءل أول سؤال خطر بذهنه "ماذا يجعلني أصدق كلماتك؟ ربما تنصبين فخ جديد"
هتفت "لا، أقسم أني لا أفعل، سأتنازل عن كل شيء بد، الحضانة والأموال وكل ما ترغب به سأوافق عليه فقط ابعد رجالك عني ولا تقتلني ودعني أرى باسل وبراء"
ظل صامتا يفكر حتى قال "حسنا سلمى ارسلي لي عنوانك وسأرسل أوليفر ليأتي بك وأقابلك لأتأكد من صدق كلماتك وربما بعدها تلتقي مع المحامي خاصتي وبعدها نفكر بأمر الأولاد"
بح صوتها وقالت "كما تشاء بدر، أعلم أنك لا تثق بي ولكني أقسمت لك أني صادقة كما كنت صادقة بحبي لك بدر لكن للأسف لم أستطع أن أنال قلبك كما فعلت هي وصدقني أنا لم أفكر يوما بأن أضرك لذا أترك لك أولادي لن يحبهم أحدا مثلك"
لم يرد وهو يغلق الهاتف ويتساءل للمرة الثانية هل كانت مشاعره واضحة هكذا؟ هل الجميع رأى الحب الذي كان بينهم عدا هما الاثنان؟ 
أغمض عيونه من التعب الذي أصبح لا يفارقه وهو يعيد التفكير حتى أبعد نفسه والمرأة التي أحبها من دائرة اهتماماته واستعاد نفسه ورسالة سلمى تصل له فأرسل العنوان لأوليفر وهاتفه وعندما أجاب قال "لتأخذ الشيخ الذي كان معنا وقت ما كان وتذهب به لذلك العنوان ولتعرف لي حقيقة ما حدث لسلمى"
أجاب بدر "كما تأمر سيدي"
بالطبع أوليفر عاد له بعد تنفيذ أوامره وقابله بالمشفى وبدر يقف بالخارج يدخن سيجاره وقال "الأمر صعب جدا يا فندم، الشيخ عرف بالفعل أنها سقطت ضحية لذلك الدجال الذي أراد الانتقام منها بسبب ما حدث مع المدام وخرجت بتشوه كبير بملامحها بعد أن كادت تموت وبحاجة للعديد من جراحات التجميل لتعود هذا لو عادت"
ظل ينظر للظلام من حوله حتى قال "وكيف تعيش الآن؟"
ظل أوليفر بمكانه أمام رئيسه وهو يقول "مما تبقى من مالها الخاص والذي هو من والدها قبل أن يقطع عنها كل شيء بسبب ما حدث معك وأيضا هي لها جزء من أرباح شركاتنا"
هز رأسه وقال "وهل هذا يعني أنها لم تعد تمثل أي خطر؟"
أشاح بيده وأجاب "هي بالكاد تعيش يا فندم"
لم ينظر له وهو يعيد التفكير وهو يتذكر كلمات باسل، نحن لا أم لنا.. 
بتحسن حالة باسل كان عليه التحدث معه ومع أخيه وهو ما فعله عندما دخل غرفتهم وقال "لدي ما أرغب بمناقشته معكم"
علاقته بهم كانت جيدة حتى وقع الصدع بفراق أسيل وتجنب الاثنان الحديث عنها معه بل وعلاقتهم معه أصبحت واهية
لم يرد الاثنان فقال "سلمى ترغب برؤيتكم"
رفع براء وجهه الصغير له وكذلك باسل وبراء يقول "أنا أريد أسيل"
حدق بالطفل وقلبه يؤلمه لذكرها لكن باسل قال "وهل ستسمح لها برؤيتنا بعد ما كان؟"
عاد لباسل وصوت العقل ينبض من الطفل الصغير فتنفس بقوة وقال "لهذا أنا أجلس أمامكم الآن، هل ترغبون بها؟ لكن وأنتم تدركون أن وجودها سيكون بحساب"
نظر باسل لأخيه براء الذي سقطت دموع منه وقال "هي لم تقدم لنا شيء"
كان يتمزق من أجل الطفل لكنه لم يبدي ضعفه وهو صامت وباسل يقول "لكنها مام، أسيل لن تعود براء، داد لن يسمح لها لقد انفصلوا كما أخبرتك وهي ببلد آخر، نحن بحاجة لأم"
بكى براء بلا صوت خائفا من كسر قوانين والده.. اللعنة على قوانينك الخرقاء أيها الرجل المغرور.. 
نظر باسل لعيون بدر الفارغة من أي تعبير وهو يحدق بدموع براء ابنه، نعم ابنه الذي لا يحمل جيناته لكنه من تولاه منذ ساعاته الأولى بالدنيا وتلك الدموع تنخر بقسوة داخل قلبه وهو يستحق.. 
باسل قال "نعم داد نحن نريد مام ولا يهمنا أن تقيم معنا أم يكفينا ولو ساعات قليلة من الاهتمام منها ما زال لدينا مربية"
صوت العقل هو دائما متجسد بباسل، عاد بنظراته لبراء وقال "وأنت براء؟ هل توافق على كلمات أخيك!؟ سأجعلها تأتي لرؤيتكم بمواعيد محددة وتحت الرقابة هل توافق؟"
هز الطفل رأسه وقال "نعم داد"
ظل يحدق بالطفل وتمنى لو طلب منهم السماح عما فعله أو حتى يشرح لهم السبب لكن كبريائه اللعين يوقفه كالعادة، يدمر كل جميل بحياته ويصور له أنهم سينسونها بالوقت فهي مرت بحياته فترة قصيرة ولن تبقى بقلوبهم 
لكنها باقية بقلبه للأبد مهما حارب كل من حوله وحارب نفسه وقلبه وحتى عقله ستظل باقية رغما عن كبريائه
تنازلت سلمى عن كل حقوقها المالية وحضانة الأولاد وتوسلت له ليسامحها على ما فعلت، حالتها كانت صعبة حقا وما حفرته لسواها من قبل سقطت به وكاد يقتلها لكن القدر حكم عليها أن تعيش ذليلة لتكفر عن ذنوبها بوجهها المشوه نتيجة النيران التي أشعلها الدجال بالبيت الذي حبسها به ولولا وصول الشرطة بالوقت المناسب لماتت متفحمة
انتهى من لقائه الوحيد بها بعد أو وافقت على كل شروطه رغم أنها لم تعرف أنه انفصل عن أسيل وظل يمنحها إيحاء أنها ما زالت زوجته ولكنها بمصر لمباشرة العمل وأمر الأولاد ألا يتحدثوا عن أسيل معها أو إخبارها بالانفصال وهم التزموا كعادتهم معه
أما هو فقد توقفت حياته عندها هي، بتلك الليلة التي دمر فيها كل شيء ولم تعد للحياة أي معنى له، لم يعد يرغب بأن يفكر بأي شيء سوى العمل والأولاد، كان يقتل نفسه بالعمل ليوفر لهم وقتا كبيرا ليكون أب جيد لهم ربما يغفروا له ما فعله بهم من حرمانهم من المرأة التي أحبتهم وأحبوها بصدق، ونظم مواعيد سلمى كما أراد وهي اختلفت كثيرا عما كانت ومع ذلك لم يمنحها ثقته أبدا 
وأخيرا جاء موعد جراحة باسل الثانية وانتقل الجميع للمشفى ليتم إجراء الجراحة وقد بدأت آلام ظهره تزداد بالفترة الأخيرة بسبب ما يفعله بنفسه من دفن أحزانه بالعمل لدرجة -نه كان يرفض النوم كل لا يراها عندما يغمض عيونه
إجهاد العمل أثر بشكل سيء على ساقه حتى كان الألم يمنعه أحيانا من الحركة نهائيا لفترة طويلة كان هو فقط من يعيشها حتى يزول ويستطيع العودة للوقوف بصعوبة ومع ذلك احتفظ بالأمر لنفسه لم يخبر أحد وأيضا لم يفكر بأن يجري تلك الجراحة 
نجحت جراحة باسل بطريقة أذهلت الجميع وأسعدتهم بذات الوقت وهو نفس الوقت الذي أرسل فيه براء رسالته الصوتية لأسيل وقد انتهى منها براء عندما دخل بدر غرفته فأخفى براء التاب الخاص به بطريقة لفتت انتباه بدر ولكنه لم يبدي اهتمامه وظل معه وهو يحكي له حكاية قبل النوم حتى نام الطفل فأخذ التاب 
ابتعد عن فراش براء ورأى أنه فتح صفحتها وأرسل لها تلك الرسالة الصوتية فانقبض قلبه ولم يصدق أن الطفل ما زال يذكرها، استمع للرسالة وجز على أسنانه ولكنه لم يفكر وهو يقوم بحذفها، لا مجال للتراجع لن تعرف أنهم بحاجة لها فهي أغلقت صفحتهم من حياتها وعليهم أن يفعلوا المثل، ليس فقط من حياتهم بل وحتى من على الميديا ولم يتردد وهو يمسح صفحة براء وصفحتها كي لا يمكنه التواصل معها مرة أخرى
بصباح ذلك اليوم تقابل مع محمد فاصطحب بدر لمكتبه وجلس الاثنان بانتظار خروج باسل من العناية، نظر محمد لبدر وقال "كيف حال ظهرك بدر؟"
أبعد نظراته وأخرج السجائر وقال "لا جديد، هل يمكنني التدخين؟"
هز محمد رأسه بالموافقة وقال "هل أنت متأكد من ذلك بدر؟ لا أظن أنك صادق معي، ظهرك لن يتحمل كثيرا وسينهار قريبا، عليك التفكير جديا بنفسك"
نفخ الدخان بقوة وهو يعلم كلمات محمد فهو يعيش الانهيار لكن بلا استسلام فقال "لا تشغل بالك محمد حقا أنا بخير كما ترى"
انحنى محمد للأمام ليواجه عيون بدر الهاربة وقال "قريبا لن تكون بخير بدر وسنفقد فرصة جيدة بالجراحة نحن يمكننا أن نفوز بها الآن"
نهض بدر محاولا عدم الاستمرار بذلك الحديث وقال بنبرة حازمة "لن أجري أي جراحة محمد، لست بحاجة لها، بكلا الحالتين سأصبح مقعد فلماذا أجازف بجراحة لا فائدة منها؟"
نهض محمد واقترب منه وقال برجاء حقيقي "أنت مخطئ بدر، الجراحة هامة جدا وبها فرصة كبيرة لإنهاء ألمك كما حدث مع باسل فلماذا ترفضها؟"
التفت ليواجه محمد وقال "أخبرتك أن النهاية واحدة وأنا لا أحب الصفقات التي تحتمل واحد بالمائة خسارة فما بالك بثلاثين أو عشرين بالمائة؟"
تراجع محمد وقال بدهشة "نحن لا نتحدث بالعمل بدر إنها صفقة العمر، وما يخص حياتنا لا يقبل المجازفة"
ابتعد من أمامه وكلماته صحيحة لكن اللعنة واللعنة واللعنة ألف مرة  على الكبرياء الذي يلتصق به فيفقده عقله وتفكيره وهو يقول "أنت من نطق بها الآن، حياتنا لا تقبل المجازفة محمد وأنا لن أجازف بتلك الجراحة"
ولكن محمد لم يستسلم وهو يقول "لا بدر ليست مجازفة بالصورة التي تتحدث بها، بل هي فرصة، فرصة تمنح بها نفسك وزوجتك وأولادك الحق بأن يطمئنوا عليك"
نظر له وقال "لا تهتم بكل ذلك، أنا بخير والأولاد لن أقصر معهم وحياتهم أنا اتخذت اللازم لتأمينها"
قال محمد بحزم "وزوجتك المصرية بدر ما رأيها؟"
ارتفعت دقات قلبه التي انهارت بوقت ما لقاع الغضب بسبب طغيانه على نفسه، طفت على سطح حياته بتلك اللحظة لتعود عيونها لمخيلته وصوتها العذب ينشد بأذنه، من أجلك بدر، ولكنه نفض الذكرى وقال "لقد انفصلنا منذ وقت طويل لذا فالأمر لم يعد هام"
صمت لاح على الجميع ولكن محمد استعاد نفسه وقال "أنا آسف لذلك ولكن لابد أن أخبرك أن ألم ظهرك لن يتوقف بل سيزداد مع الوقت وسيبدأ التأثير يظهر على ساقك أكثر مرة وراء الأخرى حتى تنهار نهائيا ولن يمكنك وقتها أن تقف على قدمك مرة أخرى"
طالت النظرة بينهم وهو يفكر جيدا بكلمات محمد ولكن ما الفائدة من الأمر فهو لا رغبة لديه من تغيير الأمر، هي من كان يهتم لأمرها، هي من أرادها واشتاق لها وتمنى لو أمكنه أن يعود لها ويطلب منها أن تسامحه وتعود له مرة أخرى ولكن ذلك الكبرياء اللعين يمنعه ويوقفه بقوة يغلق عليه كل السبل
ابتعد من أمام محمد وقال "لا تقلق سأعيش ولن أموت وسيحتاج المرض لبذل قصارى جهده كي يهزم بدر المسيري"
وابتعد خارجا رافضا سماع أي صوت للعقل وكأنه يتحدى المرض بأنه قادر على هزيمته واكتفى بأنه سيظل يصارع للأبد
خرج باسل من العناية وتولى الجميع رعايته سعداء بنجاته وعودته لهم حتى اطمأنوا إلى أنه وقف على ساقه مرة أخرى ومنحه الأطباء الإذن بالخروج من المشفى 
عادوا للقصر بسعادة واستقر الأولاد بغرفتهم وهو ينتهي من هاتفه عندما خرجت سلمى من غرفة باسل وما زالت تلف وشاح قاتم على وجهها ونحف جسدها وملابسها تغطي تشوهات أخرى من أثر النيران لكنها تبدلت حقا وهذا كان لصالح الأولاد
وكان هو ينضم لأوليفر فتقدمت منه فتراجع أوليفر ورحل بمجرد أن تقدمت هي له وهي تقول بنبرة انهزامية صارت هي كل ما تملك مؤخرا
"لقد نام، شكرا بدر على موافقتك لوجودي"
نظر لها وقال "بيننا اتفاق سلمى وأنت تعلمين كلمتي"
ابتسمت وقالت بثقة "كالسيف بدر أعلم، لماذا طلقت أسيل؟"
لم تتبدل ملامحه وهي تقذف سؤالها بشكل مباشر وحدق بها وهو لا يعلم من أخبرها ولكن لم يعد يهم فقد خمن الجميع ذلك بغيابها وبالتأكيد كمال أو زوجته لن يحتفظا بالأمر بالسر كثيرا
لم يرغب بفتح هذا النقاش معها فأبعد عيونه وهو يقول "أعتقد أن لا شأن لك تكفي للرد"
ابتعد من أمامها فأخفضت وجهها وقالت "تكفي بدر ولكن لا يمكنني التوقف وأنا كنت أرى علاقتكم"
قال وهو يجلس من ألم ظهره الملاصق له بالطبع "بل كان من الأفضل لو توقفت لأن حياتي لا تخصك"
التفتت له وهي لا تندهش من طريقته، هكذا هو ابن المسيري، واضح ولا يجمل الحقائق ولا الكلمات فقالت "أعلم أن ما تقوله صحيح ولكن ما زال بيننا الأولاد بدر؛ أنت عمهم بالأول"
قال بجمود وحزم "أنا والدهم سلمى، وهذا أيضا لا يغير أي شيء، هي حياتي ولا دخل لأحد بها، أي جزء من أن حياتي لا تخصك لا تفهميه؟"
تحركت ووقفت أمامه ولم تتأثر من نفوره من كلماتها بل قالت "لن يقل كبرياءك بأي يوم بدر ولكن نصيحة مني لك بعد كل ما مررت أنا به، لو كان كبريائك الذي هو صولجان عرشك وتاج حياتك هو سبب طلاقكم فأرجوا أن تتراجع بدر لأن الحب لا يتفق مع الكبرياء لو تواجد أحدهم رحل الآخر ورحل العرش وسقطت حياتك وأنت وأسيل كان بينكم حب أنا رأيته بعيونكم ورفضته بل وحاربته بيوم ما وصدقني أندهش من أني أخبرك تلك الكلمات ولكني أفعل، بعد ما مررت أنا به بدر أرجوك وأتمنى أن تحاول إعادة التفكير مرة أخرى بدر بعلاقتكم ودع قلبك لمرة يقودك بعيدا عن كبريائك"
وتركته وذهبت ولم يتبعها حتى بنظراته وهو يحدق بالفراغ من حوله ويفكر بكلماتها وهي تناقض سلمى التي عرفها طوال حياته والتي لم تكن تقبل التنازل عن بدر بأي يوم ولكنها اليوم تطالبه بالعودة للمرأة التي أرادت قتلها ليخلو لها 
تمنى لو أمكنه رؤية الأمر بسهولة كما صورتها ولكنها ليست كذلك و..
صوت كمال قطع أفكاره وهو يقول "هي على حق بدر، لمرة واحدة دع كبرياءك جانبا واترك لقلبك القيادة"
نظر لوالده وهو يستوعب كلماتهم، هل تحول الجميع فجأة لناصح أمين؟ متى سمعها ووافق وهو كان منذ شهور يقف بجهتها ضده وضد أسيل؟ 
متى تبدل الجميع وأصبحوا وعظاء فجأة وانحازوا للحب الذي رفضوه وقت كان يضيء حياته؟ 
الآن بعد أن خبت شعلته ورحت من أنرت ظلماته يعتبون عليه ويتهمون كبريائه؟ 
لا أحد يشعر به ولا أحد يفهم أنه فعل ذلك لأجلها، دمر كل شيء كي تظل هي وردة البستان النابضة بالحياة حتى لا تذبل ورقاتها من ظلامه لو ظل بجوارها
أفكاره التي غلفت عقله للحظة جعلته لا يرد بينما جلس والده أمامه ليعيده للحظته مع من حوله بالواقع بعيدا عن جدران الألم والعذاب التي يعيش داخلها 
قال الرجل "لطالما وقف كبرياءك بينك وبين كل جميل بحياتك"
لقد اكتفى وامتلأ عن آخره ولا يرغب بالمزيد لذا نهض بصعوبة ليكمل فراره من الجميع وقال بحدة واضحة "لا تتحدث عن حياتي فأنت لا تعرف عنها شيء"
نظر الأب له وقال بهدوء مشابه لهدوء ابنه الذي بدأ يتخلى عنه مؤخرا فخسر بذلك الكثير "ومن السبب بذلك بدر؟"
التفت له بحدة وقال "لن تخبرني أني من فعل؟ كلانا يعلم أنك من استبعدتني من حياتك منذ ألقيت بي بتلك المدرسة وفضلت باسم ومنحته قربك الذي حرمتني منه"
أخفض الرجل عيونه وقد كان يفر دائما من المواجهة ولكن يبدو أنه وقت الحساب وبدر اختار الوقت الذي يضع غمامة على عيونه فلا يرى ما حوله ولمن يصوب سهامه فيجرح بلا رحمة
استجمع كمال نفسه وتنهد بقوة وقال "كان الطمع يعميني كثيرا وقتها وظننت أن كل ما سأناله سيكفيني حتى أدركت خطئي فأعدتك بدر"
أشاح بيده وهو غاضب حتى من الذكرى فقال "بعد ماذا؟ بعد أن فقدت معنى البنوة؟ لم أعرف معنى حنان الأب واهتمامه، لم أعرفك بالأساس، تركت كل شيء ينهار بيننا بلا اهتمام وحتى عندما أعدتني لم تحاول ترميم الانهيارات بيننا"
نهض الأب وقال بعصبية "أنت من وضع الأسوار بيننا، رفضتني ورفضت كل محاولاتي للإصلاح، كبريائك وقف بيننا، والدتك علمتك ألا تتنازل في سبيل كبرياءك وأنت خلط الأمور بدر، خلط الأمور بلا وعي ولم تميز بين من يستحق التنازل من عدمه ورفضت أن تسامحني وانطلقت وحدك رافضا أي مساندة مني، فقط استمعت لوالدتك التي كانت متألمة"
لم يبعد نظراته عنه وهو يدرك أن جزء بكلماته صحيح ولكنه لم يستسلم كعادته وقال "والدتي كانت تتألم من أفعالك وأنت لم تهتم وأنا فعلت المثل، لم أهتم لا بأفعالك الطائشة ولا بمحاولاتك تجاهي لأني لم أكن بحاجة لك ولا لمساندتك، بفضلك تعلمت أن أصنع حياتي وحدي، تلك المدرسة التي قذفتني بها هي من صنعت مني ذلك الرجل الذي لا يعرف التنازل، نعم أمي علمتني الكثير وقد يبدو خطأ ولكنها فعلت في حين كان عليك -نت تعليمي الكثير وأنت لم تفعل سوى الفرار مما كان عليك فعله فلا تلومني أو تلومها فهي التي أكملت ما بدأته أنت وزرعت داخلي ما تركته أنت ينمو ويكبر فعلى ماذا تحاسبني؟ أنت تركت كل شيء ورحلت لملذاتك ولم تعبأ بما وقع بيننا لتزداد الشروخ والانهيارات بابتعادك وعدم مسؤوليتك فلا تتهمني أنا بشيء"
غضب كمال من هجوم بدر الصارخ وطفح كل ما كان يحمله داخله على السطح وخرج على لسانه بلحظات الغضب التي أصبحت كثيرة بحياته مؤخرا وقال "لم أكن أنا، هي من أبعدتك، هي من زرع الكبرياء داخلك، لم تتوقف عن تعليمك التعالي والتفاخر بعائلتها ولم تحاول جعلك حتى تراني أو تبحث عني وأنت انقدت وراءها وما زلت ولم تفكر يوما بأن ذلك يبعدك عن أقرب الناس لك حتى صرت تعيش وحدك رافضا أي أحد حتى المرأة الوحيدة التي اخترتها أنت بنفسك وضعت أيضا كبريائك بينك وبينها وتسببت بضياعها منك"
ارتد لوالده ووقف أمامه والغضب يملأ عيونه وقال بقوة واضحة "لا دخل لك بعلاقتي بها أنت آخر من يهتم أو يفهم سبب طلاقي منها لذا وفر كلماتك لنفسك وابتعد عن حياتي فهي ملكي وحدي"
لم يتراجع الأب رغم الشرر المتأجج بعيون بدر والتحذيرات التي تنطق بها نبرته وقال "ليس قبل أن تخبرني ما ذنبها هي؟ لقد تبعتك وأحبتك وعاشت معك وكادت تقتل دون سبب سوى أنها تزوجتك وبالنهاية تتركها هكذا دون سبب؟ ما الجريمة التي ارتكبتها كي تتركها وتنفصل عنها بعد أسابيع لا تذكر على زواجكم؟"
لم يتراجع غضبه وهو يقول بثورة داخل صدره "ومن أخبرك أنه بلا سبب؟ إنها هي السبب، هي بالفعل ارتكبت جريمة، جريمة لا تغتفر، هي لم تهتم"
وضعف صوته فجأة وكأنه يخاطب نفسه وهو يكمل بشرود "هي لم تحاول أن تقاوم أو تحارب من أجلي، تقبلت الطلاق وكأنها كانت تنتظره فماذا تريدني أن أفعل؟ لن أترجى امرأة لتبقى معي"
وعاد للقوة ولكن لم يتراجع الأب وهو يقول "وأنا واثق أنك أيضا لم تحارب من أجلها بدر، ربما لم أعرف ما كان بينكم لكن على عكس كلماتك أنا أعرفك، وأعرفك جيدا بني، وأعرف أنك اخترت أقصر طريق معها، الطلاق، أنت لم تفكر ماذا يفعل الطلاق بامرأة خاصة لو كانت تحب زوجها وهي كانت تحبك وأنت تحبها، أنت فقط تركتها هكذا بكل سهولة ولم تكشف لها حتى عن مشاعرك فكيف تنتظر منها أن تفعل هي؟ المرأة المصرية تختلف تماما عن الأجنبية يا بني فهي تمتلك كرامة تدفعها لجهنم قبل أن تتنازل عنها ولن تبدأ أبدا التعبير عن مشاعرها بل تنتظر أن يبدأ رجلها ولو لم يهتم تظل ساكنة كالجبال تمنح بصمت وتعبر عن حبها بأفعالها حتى يتحدث لسانه فينفك لسانها، ولكن أحيانا يكون حبها أكبر بكثير وتخرجه على لسانها وقتها تكون امرأة لا يمكن التفريط بها، ربما كما قلت لا أعرف ما وقع بينكم ولكن عليك إعادة التفكير بدر، أنت بحاجة لها ولحبها لك، الأولاد يريدونها ولا يتوقفون عن الحديث عنها، هم من جعلوني أتأكد أنها امرأة مختلفة تحب بصدق لأنها زرعت حبها بقلوب أطفال أبرياء، أعلم أنها حياتك الخاصة ولكن هي نصيحة أب لابنه أعد زوجتك لأحضانك"
وتركه الرجل ورحل، ظل واجما جامدا فاقدا القدرة على أي حركة أو النطق بكلمة، لأول مرة يواجه كمال بتلك القوة، لأول مرة يسمعه تلك الكلمات 
شعر بتعب يهاجمه وكأنه كان يجري ويجري لأميال طويلة بلا توقف حتى انهار وخارت قواه فجأة فعاد لأقرب مقعد وأسقط جسده عليه وانحنى للأمام واضعا رأسه بين يديه والكلمات تدور وتدور داخل رأسه دون توقف وقد صدمته كلمات كمال وجعلت كل أفكاره تتضارب
أنت تحبها؟ هو بالفعل يحبها ولم ينكر لكنه أيضا لم يمنحها ذلك، ربما تصرفاته كانت كلها تنطق بالحب ولكنه لم ينطق بها وهي أيضا كل تصرفاتها تنطق بالحب، حبها لأولاده كان صادق حقا وها هم يذكرونها بين أنفسهم ولمن حولهم رغم وعدهم له بألا يفعلوا، ربما هم يتراجعون معه لأنهم يعلمون أنه لن يقبل بذكرها لكن هم يريدونها وهو يعلم ذلك ، هو من وضع حواجز بينه وبينهم وبكل مرة يذمر شيء مما كان يرتبط بها يرى بعيونهم نظرات وكأنها نظرات عتاب ولوم لأنه هو من فرق بينهم وبينها وحرمهم منها
حتى عودة سلمى لم تمنحهم أي سعادة مما كان وجود أسيل يفعله لهم وهو يعلم ذلك ومتأكد منه رغم أنهم طالبوا بوجودها وهي تبدلت لكن ليس مثل أسيل 
أسيل كان لديها شيء خاص، حب، حب صادق نابع من القلب، حب منحته بلا قيود لأطفال يملكون من البراءة ما يجعلهم يدركون صدق مشاعرها ويتعلقون بها لكن كل شيء سقط وتحطم وانتهى وهو لن يعيد أي شيء لأن ما تحطم لا يمكن إعادته حتى ولو بكى أنهار فلن يمكنه إلا الغرق بدموعه بلا طوق نجاة
لن يمكنه الاعتراف بحبه لها بعد الآن فقد فات الأوان لأنه كسب كرهها له ولن يمكنه أن يسمع منها كلمة حب واحدة فهو حقا لا يستحقها ومع ذلك يتمنى أن يفعل، أن يهرع لها ويترجاها أن تسامحه ويعيدها ويشبعها كلمات عن الحب فقط
ولكن فجأة انفجرت كلمات أحمد عن العجوز الذي تزوجته وتبعتها تحذيرات محمد عن ظهره وقدمه يخرجوا له من العدم ويذكروه بالسبب الذي دمر حياته وسعادته بسببه فأوقف كل شيء، وجعل العناد يعود ويفرض سيطرته 
لا، لن يعيدها، لن تعيش مع رجل معاق أبدا، لن تراه وهو يجلس حبيس مقعد متحرك، لا، ليس بدر المسيري، سيتمنى الموت على أن يحدث له ذلك..

الفصل الثامن عشر
عقد قران
توقفت أمام المرآة تشاهد نفسها للمرة الأخيرة وقد بدت مختلفة، لم تستعيد وزنها الذي فقدته خاصة بعد أن قررت الزواج من ليث، اليوم لن يمكنها التراجع 
هي تعلم أن حب بدر يسيطر على وجدانها وليث لم يستطع أن ينافسه ولكنها تعلم أيضا أن بدر انتهى من حياتها ولم تعد تمر حتى على ذهنه لذا قبلت الزواج من رجل يحبها ربما كما قالت فوزية يمنحها الحب الذي لم تجده مع بدر ويساعدها على نسيانه وإخراجه من قلبها وإن كانت تعلم أنه لن يتمكن من ذلك أبدا ولا تعلم هل يمكنها أن تفعل ذلك، تعيش مع رجل لا تحبه؟
لماذا بدر؟ 
لماذا فعلت بي ذلك؟ 
هل يمكنني أن أكمل وأنت ما زلت تسكن قلبي الذي ينادي باسمك؟ 
كيف سيلمسني رجل سواك؟ كيف سأشعر وأنا لا أشعر إلا بأنفاسك من حولي وذراعيك تلفني؟ 
أغمضت عيونها والدموع تهددها أن تتوقف وإلا ستندفع لعيونها وتدمر كل شيء وتكشف سر قلبها و.. 
دق باب الغرفة ودخلت فوزية، فتحت عيونها فابتسمت لها فوزية وهي تتأملها بالفستان الرائع وقالت "ما شاء الله تبدين غاية في الجمال والرقة أسيل"
قبلتها بحنان فقالت "شكرا ماما فوزية وشكرا على وجودك معي"
قالت فوزية "لا شكر بيننا يا ابنتي هيا المأذون قارب على الوصول والشهود بالخارج"
خرجت مع فوزية وتحركت للقاء ليث وبعض المدعوين بذلك الحفل البسيط، تلقاها ليث بابتسامة رائعة وقد لمعت عيونه لرؤيتها وانشرح قلبه فكم انتظرها وظل يحلم بها
أخذته بقوة وجعلته ينسى العالم كله من حوله ولا يرغب إلا بها، أحبها بجنون مما جعله لا يفكر إلا بالزواج منها، أحيانا كثيرة كان يغلق عيونه عن نظرات الألم والحزن بعيونها خاصة عند ذكر الماضي ويقنع نفسه أن حبه لها سيكفيهم وهي ستحبه بيوم ما
هي لم تتحدث أبدا عنه، لم تذكره ولو مرة واحدة، لم يعرف ماذا كانت تكن له وهل نسيته أم لا؟
بل كان من داخله يعلم أنها لم تفعل لكن شيء ما لا يفهمه جعلها تبقيه بالخلف وتجعله هو بالأمام وتوافق على علاقتهم
الخطوبة كانت عادية لم تمنحه الكثير مما كان يحلم به لكنه اكتفى بوجودها معه وبموافقتها على الزواج ولأنه كان يخشى من تراجعها تعجل الزواج وهي لم تقاوم كثيرا ضغطه عليها
لمعت عيونه لرؤيتها واحتواها بنظراته وقال "تبارك الله حبيبتي، جمالك يفوق الوصف"
ابتسمت لكلماته ولكن قلبها لم يشعر بالسعادة كما كان يدق لأي كلمة صغيرة من كلمات زوجها السابق، وفجأة رأت وجه بدر بدلا من ليث بتلك البدلة الأنيقة وقد صفف شعره كعادته وبدت شعراته الفضية تزيده أناقة 
ارتجف قلبها ولمعت عيونها بسعادة وكأنها بالواقع ونست أنها بالخيال، واقترب منها وهو يبتسم لها كما اعتاد وهو يمد يده لها، كادت تلقي نفسها بأحضانه بلا تفكير فكم اشتاقت له وتمنت رؤيته وحلمت كثيرا بأن تراه ولو صدفة ليتعاتبا ويعودا ولكن هيهات 
فجأة صوت رجولي أعادها وانتزع صورة بدر بعيدا لتتوقف عن التقدم وهي ترى وجه ليث يعود أمامها والصوت يقول "المأذون تحدث بالهاتف ليث، يبدو أن لديه مشكلة وسيتأخر لذا سننتظره قليلا، ألف مبروك مدام"
ابتسمت للرجل وقد انفصل الموجودين عنهم بينما قام ليث بتقديم الرجل لها "دكتور محمد شريف، صديق عمري، دكتور استشاري جراحة عظام، لديه مشفى شهير هنا وكثيرا ما يجري جراحات كبيرة بلندن أو غيرها من الدول الأوروبية فهو طبيب ممتاز"
لملمت نفسها وابتسمت وهي تقول "سعيدة بمعرفتك دكتور وبوجودك معنا"
ابتسم لها وقال "وأنا أيضا، سعيد حقا بزواجكم ولكن هذا التأخير ليس جيد، كنت أتمنى أن أكون الشاهد الأول على عقد القران ولكن قد أضطر للذهاب لو تأخر المأذون أكثر من ذلك، لابد أن ألحق بطائرتي"
سألته بأدب "أنت على سفر؟"
هز رأسه باهتمام وقال "نعم، تم استدعائي لميلانو من أجل حالة خاصة بي هناك؛ صديق خاص أتابع حالته منذ سنوات ولابد من أن يجري جراحة هامة لأن حالته تزداد سوء ولكنه يأبى الاستسلام ولكنه انهار بالأيام السابقة وتم إبلاغي بالأمر ولابد أن أذهب له ربما يقتنع"
تأمله ليث وقال بجدية "لا تخبرني أنه ذلك الرجل، بدر"
لفت الاسم كل انتباهها وجعل قلبها يرتجف داخل صدرها فالاسم يهز كل كيانها حتى ولو لم يكن زوجها ولكن لماذا قلبها يخبرها بشيء آخر؟
تجهم وجهها وهي تنظر لليث وتردد "بدر؟"
لم ينظر لها ليث وما زال يتحدث مع محمود "بدر المسيري أليس كذلك محمد؟ أسد ميلانو كما تقولون عنه"
هز محمد رأسه بالموافقة وقال "نعم هو، عنيد لدرجة لا تحتمل ولا يسمع لأي صوت عقل"
ترنحت دون وعي فجأة ولكن ليث شعر بها وأسرع ليساندها وهو يقول بفزع "أسيل!؟ أسيل ماذا بك؟"
يداه أمسكتها لتمنع سقوطها ورفعت يدها وأمسكت بها رأسها وهي تشعر بعدم اتزان وكأنها تتهاوى من قمة ناطحة سحاب ولكن ليث ظل ممسكا بها وهو يدفعها لأقرب مقعد ويناديها ولو كان بدر هنا لحملها بلا تردد رغما عن ألم ظهره الذي كان يتجاهله
ناداها ليث كثيرا وهي لا تقوى على الرد وتنفست عطر على أنفها جعلها تستعيد وعيها واستجابت أخيرا للنداء ففتحت عيونها لتلتقي بنظرات محمد الذي كان يقيس نبضها دون اهتمام بليث ولا فوزية التي انحنت عليها هي الأخرى
فقط جذبت يدها من محمد واعتدلت وقالت وقلبها يدفعها لتعرف أي شيء عن حبيبها الذي لم تحب سواه
"دكتور محمد هل يمكن أن تخبرني عن حالة بدر المسيري؟ من فضلك أريد أن أعرف كل شيء"
تبادل الجميع النظرات من حولها وتراجع محمد عندما تقدم ليث منها وقال بدهشة "أسيل"
لم تنظر له ولم تسمعه وهي تقاوم دموعها وتقول برجاء "من فضلك دكتور أخبرني"
ولكن ليث تحرك ووقف أمامها ربما تراه وتدرك أن هو من عليها التحدث عنه وليس رجل آخر وبتلك اللهفة الغريبة وعيونها كأنها لا تراه فبدت ملامحه مختلفة وقال بغضب "ماذا يعني هذا أسيل؟ من بدر هذا؟"
نظرت له والدموع تتساقط ولم يعد بإمكانها إخفاء ما بداخلها، مهما توارى الحب خلف الحطام فهو يشع بنوره مهيمنا على كل شيء وها هو ينطلق من كل كيانها حتى أمام من كان سيكون زوجها 
همست بألم "هو زوجي ليث"
لم تستطع قول زوجي السابق، ما زالت تؤمن أنها له ولا يمكن أن تكون لسواه وها هو القدر يوقفها عما كادت تدفع نفسها له
تراجع ليثةلحظة وهو يستوعب ما تقول بل ويرى ملامحها التي تبدلت ودموعها التي ملأت عيونها لمجرد ذكر اسمه، هل تجرؤ على ذلك وهو من عليها التفكير به الآن؟
لم يستسلم وهو يقول بغضب مكتوم "تقصدين زوجك السابق أسيل ولا مجال للحديث عنه اليوم، هذا عقد قراننا"
لم يعد يهمها شيء ولن يكون هناك قران قبل ان تفهم ما يحدث لبدر، نهضت وقد استعادت نفسها وهي تواجه ليث وتقول "حتى لو"
وتخطت ليث دون انتظار رده لتقف أمام محمد وقالت بلهفة أدركها ليث بنبرة صوتها "تحدث دكتور من فضلك، ماذا به بدر؟ أرجوك أخبرني"
دموعها جعلته يحكي لها عن حالة بدر وكل ما مر به بالفترة الأخيرة فتراجعت وهي تضع يدها على فمها وهي لا تصدق أن حالته بمثل تلك الخطورة حتى قالت بألم "هل أخبرته ذلك بنفس اليوم؟"
قال بدهشة وهو يذكر تلك الليلة هنا بمصر وهي الليلة التي انهارت فيها حياتها، لن تنساها أبدا 
"نعم، كانت الليلة السابقة لجراحة باسل الأولى، قابلته هنا بمصر، أتى للمشفى الخاص بي لأنه كان متعب جدا وحالته صعبة فعالجته مؤقتا بالطبع وأخبرته بحالته"
أغمضت عيونها وهو من كذب عليها وأخبرها أنه كان باجتماع، لم يخبرها الحقيقة
لماذا بدر؟ لماذا دمرت حياتنا؟
بينما أكمل محمد شرح حالته حتى انتهى ففتحت عيونها لتجد ليث أمامها بدلا من محمد والغضب بعيونه وهو يقول "والآن أنا لا أفهم شيء"
نظرت له من بين الدموع وقالت بألم يمزق قلبها "بدر طلقني لأنه عرف أنه سيصاب بالشلل ليث، لم يقبل أن يبقيني بحياته وهو على وشك الإصابة بالشلل"
تراجع الرجال لحظة حتى ليث ظل يتجول بعيونها الباكية حتى عاد وقال "وما أدراك بذلك أسيل؟"
قالت بدون تردد "لأني أعرف بدر جيدا ليث، هو زوجي، هو يأبى على كرامته أن تراه امرأته بذلك الوضع لذا استغل الخلاف الذي كان بيننا ودمر كل شيء"
تجهم وجه ليث أكثر وهو يقول "تخلى عنك"
هتفت بألم "بل أطلق حريتي ليث، منحني حياة ظن أنها أفضل وهو خارجها"
قال بألم وهو يستوعب ما تفعله به "وأنت لا ترغبين بذلك؟"
وصل والد ليث وقطع حديثهم وهو يقول "لقد وصل المأذون هيا"
نظرت للأب بعيون فزعة بينما قال ليث دون انتظار ردها، لن يتركها هو من يحبها ولن يتخلى عنها "هيا أسيل الرجل ينتظر"
عادت تنظر لليث وهي تتراجع وتقول بفزع لا تعرف كيف توقفه "لا، لا أستطيع ليث، لا يمكنني أن أفعل، ليس الآن"
كانت الدموع تسابقها في التعبير عن الحزن والألم والخوف على الرجل الذي عشقته وسكن كل خلية من خلايا قلبها بل كل وجدانها هتف الأب "ماذا تعنين أسيل؟ هل يشرح لي أحدكم ماذا يحدث هنا؟"
جذبها ليث من ذراعها لتنتبه له والغضب يعلو ملامحه وقال بقوة "لا يمكنك أن تتزوجيني أسيل لكن يمكنك أن تعودي له أليس كذلك؟ رغم أنه داس على كرامتك وألقى بك دون رحمة أو اهتمام"
قالت والدموع لا تتوقف وتلطخ وجهها بمساحيق التجميل دون اهتمام من أحد "ألا تفهم ليث؟ كان لابد أن يفعل ذلك من أجلي، فعل ذكر كي يخرجني من حياته، ضحى بسعادته وراحته كي لا يحكم علي بأن أعيش مع رجل مقعد"
هتف بجنون ربما يوقظها من أوهامها ولكنه لم يدرك أنها ليست أوهام فقلبها الآن ارتاح لأنها أدركت الحقيقة وأنه لم يلقيها لأنها لا تليق به كما جعلها تظن
"لكنك خرجت من حياته أسيل، لقد منحك حريتك وعليك أن تكملي ما بدأته"
هزت رأسها بالنفي للحظة وهي تستوعب كلماته ولكنها لن تقبل ذلك، لا شيء سيجبرها على التخلي عن بدر بتلك المرحلة، هو بحاجة لها وهي لن تتخلى عنه أبدا فهتفت "لا، لن أستطيع أن أكمل حياتي بعيدا عنه ليث، لا أستطيع، لابد أن أكون معه، هو بحاجة لي"
أرادت أن تتحرك ولكنه لم يفلتها وهو يقول بنفس الغضب "هو ليس بحاجة لأحد أسيل، من كلام محمد عنه عرفت أنه رجل لا يحتاج لأحد ولن يقبل بوجودك بحياته لا الآن ولا بعد ذلك، لن يوافق"
ولكنها لن تتراجع، لا شيء سيوقفها فقالت "لست بحاجة لأن يوافق على وجودي من عدمه، أنا راحلة إليه ليث ولن يوقفني شيء"
قربها منه وهو ينظر بعيونها مباشرة ويقول بصوت ناري جعلها ترتجف "وأنا أسيل؟ وحبي لك؟ وزواجنا وأحلامنا؟ كنا سنعقد قرانا"
قالت بألم أكبر "أنا لم أخدعك بأي يوم ليث، أخبرتك أني لن أفتح قلبي لأحد، حاولت إيقافك عني ولكنك أبيت الاستسلام، أنا حاولت ليث، صدقني حاولت أن أنسى وأن أبدأ معك من جديد لكني كنت أكذب على نفسي، كنت كمن خدر نفسه كي لا يشعر بأي شيء مما حوله لكن الآن لن أستطيع أن أكمل، لا يمكنني إن أكون زوجة صالحة لك وأنا قلبي مع سواك، أنا آسفة حقا ولكني أحبه ليث، أحبه ولم يمكنني إخراجه من قلبي"
أغمض عيونه بألم واضح من كلماتها الصريحة والمؤلمة، كيف أمكنها أن تؤلمه بتلك الطريقة؟ بل هي على حق كثيرا ما أخبرته أنها لا ترغب بكل ذلك لكنه كان يصر حتر وافقت لكن الآن هي تحرر نفسها منه وكلماتها لا تحتمل التراجع فشعر بألم يخترق كل كيانه والجميع بحالة صمت وهو يحاول استيعاب ما يحدث له وكلماتها تخترق كل الجنون فتفتته بقوة
أحبه.. ولم يمكنني إخراجه من قلبي..
صراحتها مزقته وقتلت كل أمل داخله، فتح عيونه والتقى بدموعها التي تغطى عيونها ووجهها وهي تنتظر قراره بل لن يهمها قراره لأنها اتخذت قرارها، كلماتها، عيونها، دقات قلبها التي تقريبا يسمعها تخبره أنها تحبه هو وأنه ليس له مكان بحياتها 
قال بأسى "تمنيت للحظة ألا تنطقي بها أسيل"
ترك ذراعها وأكمل "ولكنك فعلت"
وترك الجميع من حوله وذهب مبتعدا للخارج فتنفست بقوة وفوزية تقترب منها لتساندها وهي تسرع لتوقف محمد الذي أراد أن يلحق بصديقه وهي تسأله بضعف "دكتور أرجوك أخبرني، هل هو بخطر؟"
استوعب محمد كلماتها وهو يرى حالتها وأدرك ما يحدث وهو يعرف أنها تلك المرأة التي ظهرت بالصور بجوار بدر كزوجته المصرية ولكن ملامحها مختلفة فهو لم يعرفها بالبداية لكن الآن عرفها ومما يراه الآن يدرك أنها تعشق ذلك الرجل الذي يرفض التسليم بما أصابه لكن ربما وجودها يغير شيء فقال 
"ليس بعد ولكن نوبات فقدان القدرة على الوقوف والحركة زادت وبالطبع هو لا يعترف بالألم الذي يشعر به، لكن الجراحة لابد أن تجرى بأقرب وقت"
قالت بإصرار واضح "إذن أنا راحلة له، لابد أن أكون معه وأقنعه أن يجريها"
****
جلس على طرف الفراش بالمشفى وأغلق قميصه فقال الطبيب "الحالة تزداد سوء مستر بدر"
استعاد قدرته على الوقوف بعد أن حصل على الرعاية الطبية بالمشفى، النوبة الأخيرة كانت صعبة لذا وصل المشفى ليستعيد نفسه
ارتدى جاكته ووقف بصعوبة وقال بعناد لا يتراجع "ولكني ما زلت أستطيع الوقوف"
تراجع الرجل لمكتبه وقال "أنا استدعيت دكتور محمد شريف لرؤيتك ربما لديه علاج مناسب لك"
نظر له بدهشة وقال "محمد لا يعمل هنا دكتور"
قال الرجل بهدوء "بل يعمل لو تم طلبه وأنت ذكرت كثيرا أنه من كان يباشرك أثناء السنين الماضية ولم ننسى أنه أيضا كان المسؤول عن حالتك وقت الحادث بالإضافة إلى أن له حالات كثيرة هنا"
لم يجلس وقال "لن يضيف جديد، اسمح لي"
كاد يخرج ولكن الدكتور قال بدهشة "لم أخبرك بقدرتك على الخروج من المشفى مستر بدر، ظهرك ينهار صدقني ولن يتحمل أي ضغوط أخرى لذا من الأفضل بقاءك هنا تحت الرعاية"
ولكنه تحرك للباب وهو يقول "عندما ينهار ظهري لن يمكنني الخروج من هنا لكن طالما ما زلت أسير على قدمي فلن أبقى هنا شكرا دكتور"
عاد إلى المكتب رغم تعبه إلا أنه لم يهتم وما أن وصل حتى اندمج بالعمل، هو الحل الوحيد لعلاج كل الألم والجراح، هو الدواء لكل داء وأولهم فقدان قلبه مع المرأة الوحيدة التي أحبها وأرادها وسيظل عمره كله يحفظها بقلبه
انتصف النهار عندما دق الباب ودخل أوليفر وملامحه لا تبشر بالخير وهو يقول "مساء الخير مستر بدر"
لم ينظر له وهو يجيب "مساء النور أوليفر، تأخرت هل انتهيت من الأمر؟"
قال باختصار "نعم"
صمت فرفع بدر رأسه له ولاحظ تبدل ملامحه فسأله "ماذا بك؟ تبدو وكأنك مقبل على جهنم"
هتف الرجل بصوت خافت "ربما"
تراجع بدر بمقعده وقد نجح الرجل بإثارة فضوله فقال "هل ستخبرني ماذا حدث أم تخرج وتتركني أكمل عملي؟"
ردد أوليفر بطريقة قلقة "مدام أسيل"
اعتدل بدر بمكانه وانتبهت كل عضلة بجسده عند ذكر اسمها ونبض القلب تحت ضلوعه وتيقظ عقله من اللاوعي وهو يقول "ماذا عنها؟"
ظل أوليفر يحدق برئيسه دون أن يرد حتى تعصب هو فقال بصوت كطلقات النيران "ماذا عنها؟ انطق أوليفر"
ارتبك أوليفر من غضب سيده النادر ولكنه تحدث بصوت يكاد لا يخرج من حنجرته "اليوم موعد"
وصمت مرة أخرى فنهض بدر بتعب لا يعترف به وتحرك بما تبقى لديه من قدرة على الحركة حتى وقف أمام أوليفر والغضب يشتعل داخل عيونه وقلبه وعقله وكل كيانه وهو يقول "تحدث أوليفر، الآن، ماذا أصاب أسيل؟"
انتفض أوليفر من صوت بدر وتراجع وهو يقول "اليوم سيتم عقد قرانها على دكتور ليث"
عاصفة هوجاء من الألم هاجمت صدره فدفعته للجحيم لتستعر به النيران، بركان انفجر بجسده جعله يرتجف بقوة، نيران من الألم اشتعلت بظهره، سواد لحق بوجهه وتبدل أزرق عيونه لسواد محاط بالأحمر من الغضب وهو يستوعب ما يقول رجله وضاعت منه الكلمات فظل للحظة صامتا محاولا أن يدرك ما يدور داخله حتى ابتلع ريقه ليبتلع معه غضب قلبه 
ظل ثابتا ثبوت الجبال وهو يسأله بنبرة باردة لا تتناسب مع جحيمه الداخلي "من ليث؟ ومن أين عرفت كل ذلك؟"
قال أوليفر بارتباك رغم هدوء سيده الزائف لكن هو يرى نظراته التي تكاد تبث نيران فتحرق الماء واليابس "أحد رجالنا هناك من أقرباء دكتور ليث كما أنه طبيبه المباشر وقد دعاه الرجل لحفل زفافه عليها وقد قابلهم سويا بالمشفى وهو بالطبع يعرف مدام أسيل فأخبرني بالأمر"
ظل الصمت يلحق به حتى تحرك مبتعدا وأسئلة عديدة تهاجمه، هل حقا نسته وعاشت حياتها؟ لم تكن تحمل له أي شيء إذن، بمجرد أن خرج من حياتها أسرعت لرجل سواه، لم تحبه كما أحبها، شهور قليلة جعلتها تنساه وتبدأ حياة جديدة
سمع الباب يغلق فاقترب من الأريكة وسقط عليها والألم يدمر كل جزء بجسده وليس فقط ساقاه وظهره، بل قلبه
هل حقا هو السبب؟ كبرياؤه وقف بينهم؟ هو حقا لم يخبرها يوما بحبه ولكنه قدم لها الكثير، تزوجها دون عن كل نساء العالم، فضلها على الجميع، وماذا؟ تركها ورحل بأول أزمة مرت بهم، تخلى عنها وقت احتاجت له، رحل الحب عندما سيطر الكبرياء
وضع رأسه بين يديه وهو يشعر بأن عقله توقف عن التفكير، وماذا كان ينتظر؟ 
هل ظن أنها ستدمر حياتها وتنهي شبابها من أجله وهو الذي لم يفكر لحظة بما فعله بها بطلاقهم بتلك الصورة المهينة؟ ليس عليه أن يلومها فهو من تكبر حتى على أن يواجها ورحل وحرمها من كل شيء حتى الأولاد رفض علاقتهم بها هل اليوم يعاتبها؟
هو من تعمد أن يذلها ويهينها ويسقطها تحت أقدامه وقد فعل فماذا جنى؟ الألم والعذاب..
حاول أن ينهض ولكنه شعر بالتعب يجتاحه مرة أخرى، تنفس بعمق فقليلا ما تأتي نوبة ظهرة مرتين بيوم واحد ولكن يبدو أن الأمور حقا تزداد سوء، أخرج دواءه وتناول قرص وأغلق عيونه ليراها أمامه بابتسامتها الرقيقة تسمعه كلماتها الجميلة وتقترب منه لتحيطه بذراعيها فشعر بدفء يداها وأنفاسها حتى استوعب الحلم
لماذا أسيل؟ ..
كنت أنتظرك ولم أفقد يوما الأمل بأنك ستعودين لي، اليوم ضاع الأمل، مات، تحطم على شاطئ غروري وكبريائي ولكنك صفعتني بقوة وكأنك الآن تردين صفعتي بأخرى أقوى لتعاقبيني على كل شيء بل تقتليني أسيل 
أنا أموت.. 
زواجك من رجل سواي طلقة بصميم قلبي أردعته قتيلا فلم يعد هناك شيء أحيا من أجله، لن يمكنني أن أعيش وأنا أتخيل رجلا آخر يلمسك أو يأخذك بأحضانه، لن أستطيع
أنا أهوى بالضياع
توقفي وعودي.. ستكون لرجل سواه
امنعها إذن لو استطعت
اجعل كبرياءك يعيدها
لقد هزمك كبرياءك اللعين وجعلك تفقد كل شيء حتى نفسك فأنت لا تستطيع حتى أن تقف على أقدامك
أنت لعنة على نفسك وعل كل من حول، أنت لا تستحق أي رحمة
عد للواقع لأن هذه هي الحقيقة الآن فلم يعد هناك مكان لأي أحلام أخرى، فتح عيونه التي التصقت رموشها بدموع لم يعرفها من قبل، رفع يده لعيونه ولمسها وأعاد أصابعه أمامه ليرى قطرات الدموع التي زرفها على حبيبته التي خسرها وعلى قلبه المحترق لأجلها حتى سقطت عبراته على وجنته غير مصدق أنه يبكي لأول مرة بحياته..
****
دق باب المشفى ودخل أوليفر بابتسامة مشرقة وقال "صباح الخير مستر بدر، مستر كمال"
حياه الرجلان وقد انتقل بدر للمشفى بصباح اليوم التالي عندما رفضت ساقه الاستجابة لأي دواء وربما الحالة النفسية لخبر زواجها هو من فعل به ذلك
نظر له بدر وقال بدهشة "ما الذي أتى بك هنا أوليفر؟ لن تترك المجموعة هكذا"
تحرك تجاهه وقال بحماس "كان لابد أن أحضر بنفسي لأخبرك بالأمر"
ضاقت عيون بدر المجهدة وهو ينظر لرجله حتى قال "تخبرني ماذا؟"
لم يفكر أوليفر بوجود كمال وإنما اندفع ليقول "مدام أسيل بطريقها إلى هنا"
تصلب جسد بدر واندفعت الدماء بشرايينه بقوة زادت معها دقات قلبه بينما هتف كمال "أسيل قادمة لهنا؟ لماذا؟"
التفت أوليفر له وقال "رجلنا حضر الحفل بالأمس وهناك عرف أنه تم إلغاء الزفاف وبالطبع بدأ التحري وعرف أن مدام أسيل عرفت بحالة مستر بدر لأن دكتور محمد صدف أنه صديق دكتور ليث وبالطبع رفضت هي الزفاف وحجزت أول طائرة إلى هنا"
ابتسم كمال والتفت لابنه وقال بسعادة وفخر بنفسه "كنت أعلم أنها تحبك، هل صدقت كلماتي؟"
ونظر لبدر الذي ظل صامتا لحظة لا ينظر لأحد قبل أن يقول ببرود واضح "أريد الخروج من هنا"
بهت وجه كمال وذهبت ابتسامة أوليفر وتبادل الرجلان النظرات حتى قال بقوة "أريد الخروج من هنا والعودة لمكتبي الآن"
هتف كمال به "أنت مجنون؟ لن يمكنك الوقوف لساعة على قدمك ألم تسمع كلمات الطبيب"
نظر لوالده بعيون حمراء كجمرات النيران وقال بصوت بارد كالأموات "ولن تراني هي وأنا هكذا، أخرجوني من هنا"
تراجع الرجلان من غضبه الواضح ولكن كمال اقترب منه وقال "بدر امنحها الفرصة لتكون بجوارك هي بالنهاية كانت زوجتك وتحبك"
التفت لكمال وقال بنفس الغضب "وأنا لست بحاجة لها ولا لحبها ولا لشفقتها، لن تشفق علي امرأة حتى ولو كانت هي هل تسمعني؟ لن يكون، أخرجوني من هنا الآن"
قذف بالغطاء بقوة وحاول أن ينهض دون أن تطاوعه قدمه بينما أسرع الرجلان له في محاولة لتهدئته دون فائدة
****
ركبت أسيل سيارة الأجرة بعد أن خرجت من المطار وقلبها يدق بقوة من انتظارها رؤيته بعد اشتياق لحبيبها وهي لا تتصور كيف سيكون اللقاء؟
فقط ستلقي نفسها بأحضانه دون أي كلمات، أو تهرع تحت قدميه وتطلب منه السماح
منحت السائق عنوان القصر بميلانو وما أن وصلت حتى رحبت بها ماري بسعادة والسعادة الأكبر كانت من نصيب الأولاد اللذين ارتموا بأحضانها بلا تراجع كما فعلت هي بسعادة وما أن انتهت حتى سألت عنه ولكنها لم تجده ولا حتى كمال 
أخبرتها ماري بأنهم منذ الأمس لا يعرفون أخبار عن بدر، منحتها رقم أوليفر فاتصلت به فأجاب على الفور فقالت "أنا أسيل أوليفر أين بدر؟"
كان أوليفر بذلك الوقت يركب السيارة مع بدر بطريق العودة للمكتب فقال دون أن يلاحظه بدر الذي كان الغضب يأخذه ويجعله تائه عن الواقع فلم ينتبه لأوليفر وهو يبعد وجهه للنافذة ويجيب "بالطريق للمكتب"
قالت وهي تسرع للخارج "سأكون هناك"
وأغلقت قبل أن يخبرها أوليفر أنه يرفض لقائها أو رؤيتها وأسرعت تركب سيارة الأجرة بطريقها لمكتبه بينما وصل هو للمكتب وتحرك بصعوبة مستندا على أوليفر حتى جلس خلف مكتبه وقال "إياك أن تخبرها بأي شيء أوليفر لن أغفر لك"

تعليقات



<>