رواية كبرياء رجل الفصل الخامس عشر15 بقلم داليا السيد


 رواية كبرياء رجل بقلم داليا السيد
رواية كبرياء رجل الفصل الخامس عشر15 بقلم داليا السيد
وانتهى كل شيء
الحياة تسير بلا توقف رغم كل الأحزان ولكن عندك أنت وتتوقف كل الأحلام
هل حقا رحلت وتركتني؟ هل فقدت نصفها الآخر ولم تعد بحاجة له؟
أنا أتألم وحدي والتف برداء الوحدة فهي كل ما تبقى لي
لو بالرحيل ستكون الراحة فسوف أرحل للأبد
****
لم تتوقف دموعها برحيل الجميع وشعرت بالوحدة التي كانت تشعر بها بعد وفاة والدها تعود لها مما زاد من أحزانها وغرقت بها بلا منقذ وتملكتها رغبة في الرحيل من الدنيا كلها فلماذا ولمن ستعيش؟ حتى الأولاد حرمها منهم وأخذهم منها، بالتأكيد لا يثق بقدرتها على رعايتهم رغم أنها أحبتهم بصدق ولكنه يراها من فوق عرشه كفأرة لا تستحق الحياة بل فقط تركل بالأقدام ولن يترك أولاده لمثلها، واحدة من عامة الناس لا تصلح لتربية أولاده..
مر يومان عليها وقد تحسنت كثيرا جسديا لكن نفسيا كانت تزداد تحطما ويأس والأفكار السيئة كلها تقودها، كانت الحديقة ملاذها الوحيد وكثيرا ما فكرت بالعودة لشقتها القديمة وما زالت تفكر
بحثت عن هاتفها حتى وجدته وقد كان مغلق فأعادت فتحه وانهالت الرسائل من الأولاد فشعرت بسعادة غامرة وبدأت ترد عليهم واتصلت بهم فيديو وأمضت معهم ساعات بعد أن لاموا عليها عدم اتصالها
نام الأولاد بعد أن قصت عليهم قصة فأنهت الاتصال ونهضت لتدخل الفراش عندما رن هاتفها باسمه، ارتجفت يدها بالهاتف وتغيرت ملامحها وازادت أنفاسها وهي ترفع الهاتف لأذنها وتفتحه لتسمعه يقول 
"هاتفك كان مغلق"
ابتلعت ريقها وقد ظنت أنه لن يهاتفها بعد أن تركها يومان دون أن يفعل، قالت "كان مغلق ولم أكن أعرف مكانه"
تحرك من خلف مكتبه والصداع يدق رأسه من عدم النوم أو الراحة، قال "لذا الأولاد لم تصل لك"
قالت وهي تتحرك بالغرفة دون هدى والتوتر يجتاحها "لقد تواصلت معهم، وناموا منذ قليل"
توقف وقال "ناموا!؟"
قالت "نعم، كنت معهم حتى ناموا"
هز رأسه وقال "هل حالتك تحسنت؟"
دمعت عيونها من طريقته الجافة التي يتحدث بها ومع ذلك قالت "نعم، ووالدك؟"
تحرك للحمام وخلع جاكته وهو يقول "أفضل، متى يمكنك العمل؟"
فك ربطة عنقه بينما اندهشت من سؤاله، هل هذا ما يهمه؟ وهي التي ظنت أنه سيطالبها بالسفر ومع ذلك قالت "أي عمل؟"
خلع قميصه وترك الهاتف وقد شغل مكبر الصوت وقال "المجموعة عندك بحاجة لمن يتابعها وظننت أنك ربما تفعلين حتى تستقر الأمور أو أعود أنا"
اغتسل منتظرا إياها تجيب ولكن الصمت اجتاحها وهي لا تفهم طلبه، هل ما زال يريدها بحياته؟ هذا هو ما قاله ولكنه تركها هنا حتى ولو كانت هي من أرادت فقد كان عليه ألا يتركها وهي بحاجة له وحدها
جفف نفسه وقال "هل ما زلت معي؟"
انتبهت وقالت "نعم"
قال وهو يخرج قميص جديد ويرتديه "لم تجيبي"
قالت وهي تفقد قواها وتجلس على طرف الفراش "أنت تريد ذلك؟"
أكمل ارتداء ملابسه وقال بلهجة آمرة وقد نسى أن من تتحدث بالطرف الآخر كانت زوجته، نصفه الآخر "ألا أطلبه؟ إذن بالتأكيد أريده"
عادت الدموع لها وهي تدرك من نبرته أن الصدع بينهم عظيم ولا شيء سيرممه، حاولت كبح دموعها وقالت "تعلم أني لا أفهم سوى بالسياحة"
ارتدى الجاكيت وعدل من نفسه أمام المرآة وقال "أدرت الشركة هنا بشكل جيد وإدارة الأعمال لا تختلف كثيرا بكل المجالات، لديك سرعة تعلم وعثمان سيتولى الأمر وبلال معك لو احتجت شيء، أبلغيني عندما تكوني مستعدة"
سقطت دموعها بصمت على وجنتيها فمسحتها وقالت "أنا مستعدة، فقط أردت أن أخبرك برغبتي بالذهاب لشقتي القديمة، لا أريد البقاء هنا"
توقف عن تصفيف شعره وأمسك الهاتف وعاد ليقول بنبرة حادة "أي شقة أسيل؟"
أدركت تبدل صوته فعاد قلبها يدق ومع ذلك قالت "أنت تعرفها بدر"
قال وهو يعود لمكتبه "تعلمين الرد"
قالت "أريد بيتي"
قال بعصبية "أنت ببيتك أسيل ولن أسمح بسواه، بالصباح سيكون عثمان بانتظارك بالشركة، افتحي حسابك الشخصي كي أتواصل معك أثناء العمل، لابد أن أذهب الآن"
لم ترد وقد منعتها الدموع من الحديث وأبعدت الهاتف عندما أغلق كلاهم الخط وظلت جالسة والدموع هي صديقها الأول والأخير
هذه هي الصورة الجديدة التي ستوضع غلاف على حكايتهم.. 
رجل ذو كبرياء يأمر وينهي وامرأة لا حول لها ولا قوة تجيب.. 
هل هكذا أصبحت؟ صور على غلاف حياته وبأي وقت سيمزقها بلا اهتمام؟ 
****
لم يكن الأمر سهل عليها بالمجموعة ولكن عثمان ساعدها كثيرا بالبداية ولكن بالطبع كان لابد أن يرحل لأنه مسؤول عن فرع الاسكندرية ولم تحاول أن تتصل به هو أو تسأله شيئا ومتابعته لها كان عن طريق الايميلات الخاصة بالعمل فقط، ولمدة غير قصيرة لم يتواصلا بالهاتف وقد تمكنت من عملها بالمجموعة بوقت رائع فهو كان على حق بأن لديها سرعة تعلم وربما لأنها ألقت كل همها وحزنها بالعمل فأصبح هو ملجأها وهو الذي أنقذها من حالة اليأس والضياع التي كانت تسقط بها 
أصبحت تقضي كل يومها بالمجموعة وتعود على النوم فقط وبه استطاعت أن تخرج من حالة اليأس التي عاشتها ولكن الوحدة وافتقاد الرجل الذي أحبته ظلا أشباح تطاردها باللحظات التي تمضيها وحدها ولكن وهي تعلم أن لا أمل بالعودة
لم تقطع اتصالها بالأولاد بل زاد الأمر بالصباح الباكر وقبل أن يناما بالمساء وهي تعلقت بهم أكثر وربما كانت تجد معهم السلوى وتعويض ما فقدته بضياع طفلها
دق باب مكتبها ودخلت السكرتيرة وقالت "المهندس أحمد ابراهيم مدام يطلب رؤيتك"
بالطبع تذكرت الاسم ورن بأذنها جيدا وبالتأكيد ليس تشابه أسماء ومهنة أيضا، ولكنها لا تصدق أنه يطلب لقاءها هل هي صدفة؟ 
نظرت للسكرتيرة وقالت "هل هناك سبب؟"
قالت الفتاة "نعم هو مندوب شركة ...للهندسة المعمارية ولديه موعد منذ كان السيد عثمان هنا"
الآن تفهمت الأمر، بالتأكيد هو لا يعرف بها وهي لو كانت تعلم ما وافقت على رؤيته، ليس الآن، هزت رأسها وقالت "حسنا ليدخل وأرسلي لي ملف الشركة، كان على عثمان إبلاغي بالأمر"
لحظات ودخل أحمد الذي ما أن رفعت وجهها له حتى توقف وهو يحدق بها ورأت نفس المفاجأة بعيونه وشحب وجهه وتراقصت أسئلة كثيرة بعقله وربما رمشت عيونه بلا وعي وكأنه يتأكد أنه لا يحلم وهو يقول بنبرة تساؤل وحيرة 
"أسيل!؟ لا يمكن أن أصدق"
تراجعت بالمقعد دون أن تنهض وقالت بهدوء "بل صدق يا باش مهندس، تفضل كيف حالك؟"
عاد يتقدم حتى وقف أمام مكتبها فقالت "تفضل اجلس، كيف حال والدك وأهل البلد كلهم؟"
جلس ونظراته تكاد تلتهمها حتى قال "بخير، الجميع بخير؟ ماذا تفعلين هنا أسيل؟"
حاولت أن تبتسم وهي تقول بطريقة حاولت أن تجعلها طبيعية ولكن وجوده أعاد لها الكثير من الذكريات وشعرت أنه كان من وقت بعيد
"أعمل يا باش مهندس"
قال بصوت غير صبور "رئيس مجلس إدارة المجموعة؟ كيف؟"
اعتدلت وهي تدق جرس جانبي "ماذا تتناول؟"
دخلت الفتاة فقال دون أن يزيل نظراته من على وجهها "قهوة زيادة"
نظرت للفتاة وقالت "وأنا قهوتي من فضلك سنا"
عادت له فقال "أنت لا تجيبين أسيل؟"
كان عليها أن تمنحه إجابة فقالت بهدوء "هي مجموعة زوجي أحمد"
حدق بها وهي لا تهرب من نظراته عندما عاد يقول "لذا رفضت عرضي بالزواج؟ هو من كان موجود بتلك الليلة، بالطبع أين أنا منه؟ لا وجه للمقارنة أسيل، مهندس مبتدئ بجوار ملياردير، لا مجال للنقاش، أسد ميلانو، بدر المسيري"
لم تتبدل ملامحها ولم تحاول أن تدفع عن نفسها اتهامات أحمد الواقعة خلف كلماته، الكل سيراها هكذا فلماذا هو لا؟ حتى بدر نفسه كلماته كانت تحمل نفس المعنى، هي الحقيرة تسلقت على اسمه
ظلت هادئة بالطبع وقالت "هل نتحدث عن العمل يا باش مهندس؟"
احمر وجهه وقال "لا أسيل ليس قبل أن تجيبي سؤالي، هل تزوجته من أجل ماله وهذا المنصب الرائع و.."
دق الباب ودخل الرجل بالقهوة وضعها أمامهم وخرج بينما قالت هي "لا أحمد، تزوجت بدر لأني أردت أن أتزوجه"
غضب ملأ وجهه وهو يقول "إنه يكبرك بسنوات كثيرة أسيل فلا تخبريني أن الأمر لم يلفت انتباهك"
نهضت وتحركت حتى وقفت أمامه وقالت "لم يعنيني عمره وقت عرفته وتزوجته أحمد"
نهض واقفا أمامها وقال "هل من المفترض أن أصدقك؟"
لمعت عيونها البنية وقالت "هذا شأنك يا باش مهندس، هل نترك حياتي الشخصية ونعود للعمل من فضلك؟ لدي مواعيد أخرى"
حدق بها وقال "هل تحبينه؟"
ابتسمت وعادت لمكانها وقالت "هل ليس من شأنك إجابة كافية يا باش مهندس؟"
احمر وجهه وتعصب فعادت تكمل وهي تعبث باللاب الخاص بها "عرض الشركة رائع وبالطبع أنت هنا لتفسير تلك البنود التي تحتاج لرسومات فهل أتيت بها؟"
ظل صامتا لحظة قبل أن يستسلم لملامحها الجادة وكلماته القليلة فأخرج هاتفه وقال "بالتأكيد أسيل"
قاطعته "مدام يا باش مهندس، مدام أسيل"
اصفر وجهه وشعرت أن الغضب يرتسم داخل عيونه ولكن لو تركته سيزداد تدخلا بحياتها وهو أمر لا ترغب به، ما زالت زوجة بدر وستظل حتى يضع هو نهايته
أحمد أيضا لم يتراجع وهو يقول "كفى أسيل تعلمين أني أحبك وكان يمكنك أن تكوني زوجتي لا أن تتزوجي ذلك العجوز من أجل أمواله"
انتفض قلبها وذهبت الدماء من وجهها عندما سمعت صوت بدر يقول "هل ذلك العجوز هو أنا يا سيد؟"
جمدت بمكانها وثبتت نظراتها عليه بينما التفت أحمد ليرى بدر واقفا بأناقته وكبريائه ممسكا بباب المكتب والغضب يجتاح كل نظراته الموجهة لأحمد الذي تعرق وجهه وارتبك وهو يقول 
"أنا، أقصد"
تحرك بدر للداخل دون أن يغلق الباب حتى وقف أمام أحمد وقد انغلقت نظراته بقوة وتحول الأزرق بعيونه لبركة عميقة من القتامة تكاد تغرق من أمامه من شدة عمقها وقال بنبرة حادة كنصل السيف 
"يسعدني أن أخبرك أن ذلك العجوز هو زوجها الذي هو أنا شئت أم أبيت، كما يسعدني أيضا إبلاغك أن أيا كان سبب وجودك هنا فهو مرفوض وغير مرحب به ويفضل أن تختفي الآن من أمامي"
بالطبع لم يأخذ أحمد وقتا طويلا قبل أن يهرع للخارج لأن نبرة بدر كانت مخيفة ولم تمنح أحمد أي فرصة للتفكير بجدال أو رد 
عاد بدر للباب وأغلقه وظل ثابتا لحظة قبل أن يلتفت ليواجها بنفس النظرات وهو يتقدم منها ويقول "من الجيد استعادت الذكريات أليس كذلك مدام مسيري؟"
احمر وجهها وأبعدت عيونها عنه وهي تدرك كلماته فأجابت "ليس لدي أي ذكريات معه بدر، أنت تعلم أنه لم يكن سوى صديق انتهت علاقتي به يوم تركت البلد ورحلت معك"
جلس أمام مكتبها وهو يحدق بوجهها يحاول إيقاف غيرته التي تدفعه للجنون وقال "لذا هو عاد ليستعيد صداقته معك بدلا من العجوز الذي تزوجته أليس كذلك؟"
نهضت بغضب وقالت "لا بدر لست تلك المرأة وأنت تعلم ذلك"
لم ينهض وقال "وما رأيته وسمعته"
واجهته بقوة "ما رأيته كان موعد عمل حدده معه عثمان قبل أن أتسلم الإدارة ولم أكن أعلم عنه شيء وما سمعته كان منه وليس مني ولست مسؤولة عن سواي"
ظل يتأملها لحظة وهو يعلم أنها على حق، هي لم تنطق بكلمة خطأ، ربما لو تأخر قليلا لسمع ردها لكن هذا لم يحدث
أبعد عيونه وقال "الأولاد يريدون رؤيتك، ستعيدك السيارة للبيت وأنا سأظل هنا"
قالت بلهفة واضحة وقد نست ما كان "الأولاد بالبيت؟ حقا؟"
أدرك صدق سعادتها فهز رأسه ونهض وقال "نعم، باسل لم تتحسن حالته وربما يتم إجراء جراحه أخرى له والطبيب فضل أن نمنحه بعض التهيئة النفسية ولأنه يلح بطلب رؤيتك فظننت أن وجوده هنا هو أفضل تهيئة له"
هزت رأسها وقالت "حسنا، سيسعدني أن أساعده بالأمر"
ظل كلاهم يحدق بالآخر وقد كان اللقاء بارد من كل شيء بسبب وجود أحمد وكلماته ومع ذلك تمنت لو كانت ملامحه أقل قسوة مما هي عليه وتمنى لو أنه وصل ووجدها تفتقد وجوده لا مع ذلك الرجل الذي يذكره بفوارقهم القاسية
ابتعد من أمامها واتجه للمكتب وقال "أعلم، سنمضي يومين قبل أن نذهب لندن لإجراء الجراحة"
قالت بلهفة "سأكون معه"
نظر لها وجلس وقال "لا داعي، الأمر لا يستحق اهتمامك"
شحب وجهها وهي لا تفهمه، ابتلعت ريقها وقالت "تعلم أني أهتم"
هز رأسه وقال "تقصدين اتصالاتك اليومية، نعم هي تمنحك رصيد كبير ولكن هل هي كافية؟"
ابتعدت وقالت بضيق "رصيد لماذا؟ نحن لا نتحدث عن أموال بدر، هم الأولاد وحبي لهم ما أتحدث عنه، أنا لم أتخلى عنهم بدر بل أنت من أبعدتهم عني"
أسند رأسه على أصابعه وقال "وهل كان من المفترض أن أتركهم معك وأنت متعبة وترفضين أي صحبة؟"
نظرت له بقوة وقالت "لا بدر، أنت تعلم من كنت أرفض"
شحب وجهه وقال "كنتِ!؟"
ابتعدت من أمامه وقالت لتفر من المأزق الذي سقطت به "تتنازل عن قوانينك بدر بيه وتتحدث بمكان غير مناسب بأمور شخصية"
أدرك كلماتها فصمت لحظة قبل أن يقول "أنتِ على حق، عليك بالذهاب الأولاد تنتظرك هذا لو شئتِ الذهاب"
التفت له وقالت بنفس الغضب "لن أتبادل معك الحديث بهذا الأمر بدر فأنت تعلم إجابتي ولن أمنحك فرصة لتدمير هذا الأمر أيضا"
وجذبت حقيبة يدها وتحركت للخارج والغضب والألم يملأ كيانها فقد تملكها الأمل للحظة عند رؤيته، ربما عاد ليعيدها له ولكنه عاد لأمور أخرى جديدة وكأنه يزيدها من سيء لأسوء
تابعها وهي تذهب وما أن أغلقت الباب حتى أغمض عيونه وأخذ نفس قوي ثم أخرجه وهو يحاول التحكم بمشاعره ثم أخرج سيجار وأشعله وهو ينفث الدخان متذكرا كلمات أحمد "ذلك العجوز" 
كيف نسى فارق السن بينهما؟ لكنها لم تتحدث معه مرة بذلك الأمر ولم تجعله يشعر أنه أكبر منها بدرجة ملحوظة 
نهض وتحرك للنافذة ووقف أمامها وهو يراها تركب السيارة فشعر بألم بصدره يصاحب ألم ظهره المزمن بالوقت الحالي وأدرك أنه يفقدها بسوء تصرفاته أو ربما..
التفت وهو يعيد أفكاره، هل حقا كان أناني وقت أجبرها على الزواج منه؟ هل ضاع عمرها مع رجل يكبرها بسنوات كثيرة؟ هو على مشارف الأربعينات وهي ما زالت بالعشرينات أوج الشباب والزهو والحيوية، هل يمكنها أن تستمر معه أم ربما تتراجع أمام شاب مثل أحمد بمثل عمرها يمكنها أن تعيش شبابها معه وليس كما قال مع عجوز لن يضاهيها بملذات العمر؟ 
سقط على المقعد وهو يشعر بتعب مفاجئ بكل جسده وعقله وتخبطت أفكاره دون أن يجيد التفكير بأي شيء ولكن حقا هو يدرك أن هناك أنانية منه بأنه يسرق شبابها ويدمر أفضل سنوات عمرها..
لم يفكر أن لا حواجز بالحب، بل الأنانية هي كل ما تسيطر عليه وعلى تصرفاته معها الآن وما يفعله بها وبنفسه وترك أفكاره تدمره وتدمر أجمل شيء بحياته
ألم ظهره أصبح لا يحتمل وهو يعلم أن عليه إجراء فحصوات لازمة بحالة ما اشتد ألمه ولكنه ليس بحالة تسمح بأن يجريها، قضية الأولاد التي تأجلت لحين ظهور سلمى، تعب باسل وجراحته التي يأمل أن تعيد له الحركة، مشاكله الخاصة مع من كانت نور حياته، حتى مشاكله مع كمال الذي يطالبه بنصيبه الخاص بأموال باسم التي تندمج بالمجموعة، كل ذلك جعله يشعر بإرهاق ذهني وجسدي وضغط غير طبيعي على أعصابه خاصة بالأيام الماضية عندما كان لا ينام ولا يرتاح حتى انهار ظهره بهذا الشكل ولكن هل يمكنه أن يضعف؟
انتفض واقفا وتحرك إلى المكتب وعقله هو الآمر الناهي؛ ليس بدر المسيري الرجل الذي تهزه الرياح فهو كالجبل يناطح السماء سموا ويواجه الرياح بقوة..
****
قابلها الأولاد بشوق وسعادة بالغة بادلتهم إياهم وأمضت اليوم كله معهم تلعب وتضحك من قلبها ونست معهم كل أحزانها، استعادت معهم فرحتها وشعور العائلة، الأم، الحنان، السعادة التي فقدتها برحيلهم
ظلت معهم بلا رغبة بتركهم، تحكي قصص وتلون مع براء وتتناول الطعام بغرفتهم، كسرت معهم كل القواعد التي وضعها بدر ولم تهتم سوى أنها على طبيعتها وتشعر بالراحة فقط الآن عندما عادت الحياة بعودتهم ولكنها كانت تعلم أن سعادتها ليست فقط بعودة الأولاد ولكن بعودته هو أيضا، لكن هل سيعود حقا أم أصبح ذلك حلم بعيد المنال؟ 
****
انتهى من العمل بوقت متأخر جدا وشعر بتعبه يزداد فقرر الذهاب وما أن نهض حتى خانته ساقه وسقط على المقعد مرة أخرى دون اتزان والألم كالكهرباء يسري بظهره وساقه، وكأن حمل ثقيل معلق بساقيه يمنعه من تحريكهم
أغمض عيونه وهو يبحث عن دوائه ورغم أنه تناوله بالصباح إلا أنه زاد من الجرعة بواحدة أخرى وانتظر ليزول الألم ولكن لا فائدة، بصعوبة تحمل الألم ونهض وتحامل على نفسه حتى نزل وركب السيارة وقاد السائق فقال 
"على مشفى دكتور محمد شريف"
اتصل بالدكتور الذي كان يعرفه جيدا فقد كان موجود بإيطاليا وقت جراحاته المتعددة وتابع حالته لفترة حتى أبلغه بوجوده بمصر بتلك المشفى الخاص به لذا فكر به وها هو يذهب ربما منحه ما يعيد له الراحة 
تلقاه دكتور محمد على الفور وأجرى له الفحوصات بنفسه حتى انتهى وعاد لمكتبه وهو معه، جلس محمد وقال "لا بدر، الحالة غير مطمئنة وهذا ما أبلغتك به وقت الحادث"
حدق به للحظة قبل أن يبعد عيونه عنه وقال "وماذا محمد؟ أنا لا أفهم كلامك"
نظر له محمد بجدية ثم رفع الأشعة وأشار له بها وقال "هذا الجزء يضغط بشدة على الأعصاب بدر والأمر يزداد سوء مع تحميلك عليه والمجهود، مع الوقت، إن لن نزيل ذلك سيؤدي لم أبلغتك به من قبل"
أبعد وجهه وقال بجمود "وربما لا تنجح الجراحة وستؤدي أيضا لنفس النتيجة"
نهض محمد وتحرك تجاهه وجلس أمامه وقال "ولكن نسبة النجاح سبعين بالمائة بدر وبلندن ستكون ثمانين بالمائة فماذا يمنعك من إجراءها؟"
ظل ينظر لمحمد بنظرات جامدة وهو يراها أمامه بابتسامتها وحيويتها وهي تجري هنا وهناك وهو؟؟ لا لن يكون، لن يحكم عليها بهذا المصير، سمع محمد يناديه فارتد من أفكاره وقال "لا شيء ولكن الظروف حاليا لا تسمح، جراحة باسل أهم، مشاكلي مع والدة الأولاد، ظروف العمل، هي أمور توقفني عن الجراحة الآن ربما بوقت لاحق محمد"
نهض وقد تحسن من الدواء الذي منحه له محمد فنهض محمد وقال وهو لا يرغب بتركه يذهب "من واجبي كدكتورك المباشر وصديق لك أن أحذرك بدر، وضعك لا يتحمل الانتظار ولابد أن تفكر جديا بنفسك لن تتحمل كثيرا قبل أن تنهار"
حاول أن يبتسم وهو يقول "لا تقلق، سأفعل ما تريد فقط انتهي من مشاكلي"
كاد يتحرك عندما قال محمد "هل زوجتك تعلم بالأمر بدر؟"
توقف وهلة ثم قال متجاهلا معنى ما يقول "هل نسيت أن باسم كان معي وقت الحادث، بالتأكيد سلمى تعرف"
اقترب محمد منه وقال "أنا لا أعني مدام سلمى بدر، أنا أعني زوجتك الجديدة التي تزوجتها منذ شهور قليلة صوركم كانت تملأ الميديا"
ظل ينظر لمحمد لوقت دون أن يجيب ثم قال "نعم تعلم وتعلم أيضا أن الظروف هي التي تقودنا، لا تقلق سأكون بخير إلى اللقاء"
لم يعد للبيت وطلب من السائق أن يعيده لمقر الشركة وعاد لمكتبه، خلع جاكته وتحرك للأريكة وتمدد عليها بتعب واضح وحدق بسقف الغرفة وهو يفكر جيدا بما عليه أن يفعل بالمستقبل القريب وقد تبدل كل ما كان ينوي فعله بعودته
سنغرق لو ظللنا على متن سفينة واحدة
ستنهار أحلامك يا وردة ما زالت ببداية نموها
لن يكون لوجودي معنى وأنا سبب دمارك
أنا الفيضان الذي سيغرقك ويُذبل أوراقك لذا عليّ بتحويل مساري لبعيد كي تظل الوردة.. 
وردة.. 
****
ظلت تتحرك بغرفتهم بلا هدى لوقت متأخر جدا من الليل وهي تنتظره ليعود ولكنه لم يفعل، شعرت بالألم يزداد داخلها والحزن يكتسحها وأدركت أنه لم يعد يريدها وربما اتخذ قراره وينتظر ليخبرها به ولكن لماذا لا يأتي ويخبرها به؟
هل ستتركني بدر؟ هل سينتهي الحلم الذي كنت أعيش بين جدرانه حتى صدقت أنه الحقيقة؟
لا تفعل بي ذلك فلن أقوى على مواجهة الحياة وحدي فهي لا ترحم
ليس بعد أن سلمتك قلبي وروحي تفعل بي ذلك
حتى لو اصطدمنا لأول مرة بحياتنا فمن الطبيعي أن نحل، نداوي صدامنا ونرمم الشروخ معا
لقد عشت على أمل عودتك لي ومداواة ما بيننا فهل اتخذت قرارك وأتيت بالجلاد ليقتص مني؟
على ماذا؟ 
إهاناتك لي؟ ضياع طفلي بسببك؟ 
أنت تعاقبني على ماذا بدر؟ 
أمسكت الهاتف ولم تتردد وهي تتصل به ولكنه لم يجيب، تملكها الغضب منه فعادت تتصل مرة أخرى ولكنه أيضا لم يجيب فزاد الغضب داخلها وبلحظة حل الألم والحزن محله وهي تدرك أنها انتهت من حياته فلن يتجاهلها هنا أيضا إلا لو كان قد أخرجها من حياته 
بدر المسيري أصدر قراره.. 
انسابت الدموع على وجنتيها وهي تدرك أنه لم يعد يريدها لقد ندم على زواجهم واتخذ القرار الصائب من أن طريقهم لم يكن واحدا منذ البداية..
بالصباح لم تكن قد نامت نهائيا فبدت بمظهر سيء جدا وعادت تتصل به وقلبها يدق بقوة ولا تعلم ماذا ستسمع عبر الهاتف؟ 
هل جرح جديد بانتظارها؟
أجاب أخيرا فقالت بقلب يدفع دقاته بقوة خلف ضلوع صدرها "لم تجيب بالليل؟"
اعتدل على الأريكة بتعب واضح ومرر يده بشعره وقد نام دون أن يشعر لكنه لن يخبرها بذلك، لن يفتح على نفسه أبواب هو بغنى عنها فقال "كان لدي اجتماع وانتهى بوقت مبكر من الصباح فلم اهاتفك"
تحركت بطريقة عصبية بالغرفة وهي تقريبا لا تصدقه ومع ذلك لم تجادله بل قالت "وما زلت بالمكتب؟"
لم ينهض وهو يستعيد نفسه وقال "نعم"
تعصبت أكثر من كلماته المختصرة ورفعت يدها المرتجفة بشعرها بلا وعي خوفا من القادم وقالت "الأولاد تسأل عنك؟"
عيونه لم تكن ترى إلا ظلام حياتهم معا، لن يقبل بأن يحكم عليها بهذا المصير
قال "ربما لن أتمكن من الحضور سأقابلهم بالمطار بالسابعة مساء، السائق سيمر عليهم"
سقطت دموعها مرة أخرى وهي لا تعلم ماذا تقول فهو لا يذكرها ولا يتحدث عنها ولا عن مصيرهم وحياتهم، هل هذا يعني النهاية كما ظنت؟ 
ابتلعت ريقها كي تتمكن من الكلام وهي تقول "إلى لندن؟"
نهض وهو يختبر ظهره وساقه وقال "نعم"
جف ريقها وبح صوتها وهي توقفت عن الحركة بانتظار حكم القاضي وسألته بآخر أمل لديها "سأكون معهم؟"
تحرك للمكتب وأخذ سيجار وأشعله ونفخ دخانه وهو يدرك الألم بصوتها لكنه صم أذنيه عنه، لا يرغب بأن يرضخ لأي ضعف، هو ليس ضعيف ولن يكون لذا كان حاسما، واضحا برده "لا، المجموعة هنا بحاجة لكِ تعلمين أن المشاكل هنا لم تنتهي"
لم توقف الدموع وقد أرادت أن تصرخ به "تبا لمجموعتك ولغرورك وقسوتك، ألا تكِن لي أي شيء كرجل طارد امرأته حتى أسقطها ببراثنه والآن يقذف بها بطول ذراعه خارج عشه؟ ألا أمثل لك أي شيء؟"
ابتلعت كل ما فكرت به بين دموعها وآلامها وضعفها وهي تقول بنبرة ضعيفة مهزومة، مجروحة جرح عميق لا مجال لمداواته "لا تفعل بي ذلك بدر فلن أغفر لك"
أغمض عيونه بألم وهو يعلم أنها من اليوم لن تغفر له أي شيء وهو لن يتراجع، صمته دفع ضعفها بعيدا وأفسح للغضب مكان ليحتله والحزن يسانده وكرامتها المدهوسة بلا رحمة تئن بصوت لا يسمع سوى داخل أذنها
نادته بقوة فأكد حكمه القاسي بكلماته "لست بحاجة لغفرانك أسيل"
توقفت عن التنفس وشعرت بخنجر حاد ينسل داخل صدرها، يخترق كل ضلوعها بحدة وقسوة يشق قلبها ويمزقه لقطع متناثرة حتى لا يمكن جمعها 
سقطت عنها كل طرق الحماية التي رغبت بلفها حول نفسها فقد انهزمت بلا شرف وهمست بضعف "حقا!؟ لوقت قريب ظننت بل وصدقت أنك لست بدر المسيري الذي يعرفه العالم بقوته وكبرياؤه وإنما فقط زوجي الذي عرفته وحدي لكن كان حلم، خطأ، خطأ أنا فقط من يدفع ثمنه"
سقط على المقعد القريب والألم يهاجم قلبه، هذا ما تظنيه، أنك وحدك من يدفع الثمن لكن هذا ليس الحقيقة، أنا وحدي من يملك الحقيقة داخل قلبي ولن يعرفها سواي
أغمض عيونه وهو يستعد لتحطيم كل شيء ولا يعلم من أين تأتيه القوة ليفعل ولكنه لن يتراجع 
فتح عيونه وجذب نفس عميق من السيجار ثم اطلق الدخان بقوة وكأنه يجذب قواه من أعماقه ويقول "إذن هو خطئك وحدك فأنا بشخصية واحدة ولا أتلون"
وضعت يدها على فمها كي لا يسمع شهقات بكاءها ولكنه كان يعلم أنها تتألم وتبكي، هو الآن يدرك أنه يعرفها ويعرفها جيدا ولذلك لابد أن يكمل
هو يكسرها، يفتتها لآلاف من الفتات وهو يرقص بجوار انتصاره الهش، انتصاره الزائف المخادع
لم يسمح لنفسه لأن يسمع لهمس عقله الذي يترجاه، ولا لأنين عقله الذي يجثو تحت أقدامه راجيا العفو والسماح، لا، لن أتراجع
استجمع ما لديه من قوة ونادها فتماسكت بصعوبة وجمعت شتات نفسها وقالت "أنا لا أريد الاستمرار بتلك الحالة بدر"
أغمض عيونه مرة أخرى وهو يعلم أنه حقق مراده، انتصر، عقله وقلبه انهارا وكبريائه.. أسرع يصفق له ويحييه ويهتف له "أحسنت، فزت، انتهت الجولة لصالحك، أنت رائع"
أغلق أبواب التراجع وهو الآن يخطو بطريق لن يمكنه أن يعود منه، فتح عيونه وقال "والمطلوب؟"
جمدت بمكانها وهي لا تصدق أنه يعاملها بتلك الطريقة، من أجل ماذا يفعل بها ذلك؟ هي لم تسعى لكل ذلك هي فقط أحبته ولكن هو..
لن يمنحها شيء وهي لم تعد ترغب بأي شيء، لو كبريائك ثمين وملك متوج فوق الكل فكرامتي هي كل ما أملك، لذا تمسكت بحبال واهنة، زائفة، من القوة التي لا وجود لها وعادت تقول  "من الواضح أنك أدركت أن علاقتنا كانت خاطئة منذ البداية"
لم ينهض لأنه لم يستطيع النهوض، ليس وهو يحمل على أكتافه مرارة ما يفعل وألم الفراق القادم فقط ما زال يدخن السيجار وكأنه يستمد منها القوة على ما سيفعله ويحرق بها آخر أمل بالتراجع وهو يقول بلا رحمة "من الواضح أن كلامك صحيح"
تحطم كل شيء داخلها وتألم قلبها بنار حارقة لا ترحم جعلتها تضع يدها على صدرها ربما توقف الألم أو توقف قلبها عن دقاته والهرج والمرج الذي أثاره داخل صدرها وكأنه طير مذبوح يحاول البحث عن النجاة وهو يرفرف بجناحيه ليوقف نزيف الدماء ولكن كل ذلك كان بلا فائدة بل شعرت أنها تنهار ولا تستطيع أن تتماسك فهو حتى يرفض مواجهتها وينهي الأمر بتلك الطريقة المهينة والتي جعلتها تشعر أنها لا تمثل له أي شيء 
عاد وقال ليقطع آخر شريان بحياتهم معا بلا رحمة ولا تفكير بنتائج ما يفعله بنفسه وبها "أعتقد أنكِ كنت على حق عندما طالبتِ بإنهاء الأمر"
ظلت صامتة أيضا وهي تتلقى كلماته كطلقات نارية الواحدة تلي الأخرى وكلها مصوبة بدقة لقلبها الضعيف وهو يكمل ليتأكد من أنه ينهي كل شيء بلا رجعة 
"لذا، أعتقد أن الطلاق هو الحل، تعلمين أن الشركة هنا ليست مفضلة لي لذا بعتها لكِ ويمكنني توفير مسكن خاص لكِ إن شئت ومؤخر الصداق سأضعه بحساب لك بالبنك أو لو شئتِ أرسلت لكِ شيك"
وهنا جمدت دموعها أو ربما جفت أو أبت أن تقبل ما يحدث لها والمهانة هي الشعور الوحيد الذي تشعر به، هذا هو ما أردت أن تفعله بي بدر المسيري؟ إهانتي أكثر وأكثر وسحق كرامتي تحت كبريائك العظيم؟
أهنئك.. 
لقد انتصرت.. 
عاد يكمل ما بدأه ولا يعلم ما الذي ألقاه بوجهها وما حققه من نجاح باهر بمعركته الحامية مع من أحبته وتركت حياتها لتكون معه
قال "سأرسل ورقة الطلاق بأقرب وقت، أتمنى لك السعادة"
وأغلق الهاتف بينما ظلت هي كما هي، جامدة بمكانها، لا تشعر بأي شيء حتى يدها ظلت عالقة بالهاتف على أذنها ولا تصدق أنه فعل بها ذلك حتى سقطت يدها مع سقوط جسدها على الأرض بمنتصف الغرفة متهاويا بلا أي قوة باقية لتحمله، فقط غرق بالدموع التي زرفتها بلا شعور وما زالت تسمع كلماته وتكاد لا تصدقها وتمنت لو صرخت به كيف تفعل بي ذلك؟ كيف أدخلتني حياتك رغما عني وجعلتني أحبك وأعيش بين جدران السعادة الحلوة وذراعيك الدافئة والآن تقذف بي خارجها بتلك الطريقة؟ كيف؟ 
انهار كل شيء وهتفت من بين دموعها وألم قلبه "كيف تفعل بي ذلك؟ أنا أحببتك بدر، لم أحب رجل كما أحببتك، تركت العالم من أجلك، وهبتك نفسي وروحي وقلبي فلماذا؟ كدت أموت بسبب حبي لك، كنت اتركني كما كنت، ليس بعد أخذت روحي ترغب بتركي الآن، كيف سأعيش وأنا بلا روح ولا قلب؟ أنا لم أفعل ما يستحق أن تعاقبني عليه بتلك القسوة بدر، بل أنت من دمر كل شيء، أنت من أهان وجرح وأضاع حتى ابننا فلماذا أنا التي أعاقب؟"
 ضحكت بألم ومرارة وأجابت نفسها "ومن الذي سيعاقب إن لم أعاقب أنا؟ ليس بدر المسيري صاحب الكبرياء وإنما أنا، الفقيرة، الحقيرة التي لا معنى لها، نعم، أنا، وأنا أستحق، كان لابد ألا أنساق معك ولك، كان لابد أن أوقفك فقد كنت أدرك أنني لست المرأة المناسبة لك وكانت هذه النهاية الأكيدة فعلى ماذا أبكي؟ آه قلبي يؤلمني بقوة، تلك النيران تحرقني ليتني ما أحببتك، ليتني ما أحببتك"
ولم يتوقف الألم ولن يتوقف أبدا، ليس بعد اليوم، ليس أبدا
وانهارت بالبكاء ودفنت وجهها بين يدها وهي على الأرض لا تقوى قدماها على حملها ودموعها وانهيارها وألم قلبها لا يتراجعون وقد أدركت أن كل شيء قد انتهى ولا شيء سيعود فقط آهات ألم كانت تصاحب بكائها تعبر عن قوة الألم الذي يندفع من قلبها بل وبكل كيانها وبلا شفقة
****
بصعوبة استطاعت أن تودع الطفلين وقد تساءلوا عن عيونها الباكية ومظهرها الغريب بوجه شاحب وعيون متورمة ومحلقة ولم تجد إجابة لسؤالهم لماذا هي لن تذهب معهم؟ 
لكن بسؤالهم عن حالتها قالت "فقط بعض الإجهاد، لن تتوقفوا عن مراسلتي أليس كذلك؟"
احتضنها براء بقوة وقال "بالتأكيد أسيل"
بينما أمسك باسل يدها وقال "داد وعدني أنك ستنضمين لنا قريبا"
قاومت الدموع واندهشت من أنه وعد بشيء وهو لن يستطيع الوفاء به فهي ليست عاداته ولا قوانينه ولكنه تنازل عن الكثير بسببها وهذا واحد منهم لذا سيتوقف وسيعود لما كان عليه بعيدا عنها، سبب تجاوزاته
قالت "بالتأكيد باسل سأنضم لكم عندما يسمح داد بذلك"
ودعتهم وتركت الدموع تعود لها ودخلت لتأخذ حقيبة ملابسها القديمة وتركت كل ما اشتراه لها حتى خاتم الزواج ودبلته بغرفتهم، لم تأخذ أي شيء لم يكن لها قبل أن تعرفه ونزلت وقد وصلت سيارة الأجرة التي طلبتها فركبتها ولم تنظر خلفها فقد انتهت تلك المرحلة من حياتها ولا تعلم هل سيمكنها أن تبدأ مرحلة جديدة أم لا؟ 
أمسكت هاتفها وكتبت له رسالة "أنا آسفة لن يمكنني قبول الشركة وتركت لك كل ما يخصك بالقصر فأنا لا أريد أي شيء يربطني بالماضي"
وأرسلتها ليفتح هو هاتفه وهو بالسيارة بطريقه للمطار ويقرأ رسالتها ثم أبعد وجهه للنافذة وقد كان يعلم أنها ستفعل ذلك وللأسف لن يمكنه التراجع وقد أبلغه السائق برحيلها وحدها فأدرك أنها لم تندم على طلاقهم وأنه كان الحل الأمثل 
هكذا صور له شيطانه الأعمى أو كما هي قالت، دهسها بكبريائه، كبرياء رجل أفقده البصيرة فجعله يخسر كل شيء حتى قلبه دون أن يدري
بل يدري... 
وصل المطار وهناك تقابل مع الأطفال لكن عندما أبلغوه بحالتها ودموعها عاد الألم يقتص من قلبه ويدمر أي شك بأنها أرادت الطلاق ويتأكد أنه أخطأ بتفكيره عنها وكأنه لم يعد يفعل أي شيء سوى تدمير كل جميل بحياته 
عليه أن يعترف أنه هو من أجبرها على كل ذلك وقاوم رغبة قوية داخله بأن يعود لها ويضمها لصدره ويعتذر منها ويترجاها لأن تغفر له خطؤه ولكن صوت المذيعة التي تنادي بموعد الرحلة الخاصة بهم أعادته للواقع وتحرك بالأولاد لمكان الدخول .
تعليقات



<>