
رواية كبرياء رجل بقلم داليا السيد
رواية كبرياء رجل الفصل التاسع عشر19 بقلم داليا السيد
صدام
شحب وجه أوليفر ولم يجرؤ على إخباره أنها بطريقها إليه وتحرك خارجا من المكتب دون حتى أن يجيبه بينما تراجع هو بالمقعد وقلبه يدق بعنف شديد لم يعهده من قبل وكأن هناك ضربات بمطرقة تدك قلبه وتحطمه بقوة
لن يكون عاجزا أمامها ولن يحتاج لشفقتها، عليها أن تعيش حياتها بعيدا عن الرجل المقعد الذي سيصبح عليه، لماذا لم تتزوج وتنال سعادتها بمكان آخر؟ ولكن لا من داخله كان سعيدا لأنها لم تصبح لرجل سواه وأتت من أجله هل أشبعت غروره بعد؟
لا، لن يحكم عليها بذلك المصير، لن تعيش معه وهو حبيس مقعد لعين لا يمكنه أن يقف أمامها ويأخذها بأحضانه ويحميها من العالم، لن يمكنه أن يمنحها ما كان يمنحه لها من قبل وهو لن يفعل بها ذلك لن..
قطع صوت يعرفه جيدا أفكاره يناديه "بدر"
ارتجف قلبه وارتج بقوة داخل صدره الصلب ورفع عيونه لها بصعوبة ليراها تقف على أعتاب بابه وصدرها يصعد ويهبط وهي تلتقط أنفاسها بعد أن أسرعت بكل قوتها للقائه، أشرق العالم من حوله برؤيتها، ابتسمت الحياة بابتسامتها، عادت أنفاسه من أنفاسها واستعاد قلبه الحياة من سماع صوتها
دفعت الباب خلفها دون اهتمام وأسرعت بكل اشتياقها مندفعة دون تردد إليه ولم تنتظر أن يقف وإنما سقطت على الأرض ودفعت نفسها لأحضانه وأحاطته بذراعيها ورأسها على صدره وقالت "اشتقت إليك بدر، اشتقت إليك كثيرا"
لم يدرك كيف أحاطها بذراعيه وأسند رأسه على شعرها الذي تخللت رائحته لأنفه ليعيد له ذكرياتهم سويا، ضمها له بقوة وأغمض عيونه بشدة وهو يستمتع بوجودها بأحضانه كما كان يتمنى ويحلم
أرادها وما زال يريدها ولن يريد امرأة سواها، هي وحدها من ملكت قلبه وكيانه وروحه، هي من لا يمكنه الحياة بلا وجودها فقد كان ميت بغيابها، هي امرأته، زوجته، حبيبته التي لم يحب سواها، هي كل شيء هي الحياة
ضمته لها بقوة وهي تشعر بالسعادة لأنها أخيرا معه بين أحضانه كما كانت تحلم وتتمنى ونست أنه لم يعد زوجها لأنها لم تعترف أنها لم تعد زوجته، الآن وهو يضمها له بشدة وهي تتنسم عطره الذي افتقدته وحضنه الناعم والأمان الذي افتقدته والسعادة التي فارقتها بفراقه تأكدت أنها عادت لمكانها الذي تتنمي له
لكن..
فجأة أبعدها بعيدا عنه بقوة كادت توقعها وهو يقول بغضب بذل الكثير كي يكون حقيقي ويطغى على سعادته "ماذا تفعلين هنا؟"
تمالكت نفسها وهي تنظر له بدهشة وقد تبدلت نظرات الاشتياق إلى أخرى غاضبة بعيونه وصوته الخشن يخيفها ولكنها ظلت ثابتة ولم تنهض من أمامه وقالت "جئت من أجلك بدر"
أدار مقعده بعيدا عنها هاربا من ضعفه أمامها دون أن يتمكن من أن ينهض وقال "لماذا؟"
اندهشت من تبدل حاله فمنذ وهلة كانت تسمع دقات قلبه تتهافت داخل صدره لترحب بها وذراعيه تضمها بقوة لصدره لكن الآن!؟
الآن لا ترى سوى غضب وقسوة بعيونه، ابتعاد عن مواجهتها وكأنه لا يريدها، رفضت تصديق ذلك وأجابته "لأني أحبك بدر، أحبك ولم أعد أستطيع إخفاء حبك أكثر من ذلك داخل قلبي"
التفت لها بقوة من تأثير كلماتها عليه وقد تسارعت أنفاسه من كلمة الحب واستعاد كلمات كمال من أن المرأة المصرية لا تصرح بمشاعرها إلا إذا كان حبها أقوى من أي شيء وها هي تفعل
تخليها عن زواجها الآخر يخبره بذلك، وجودها هنا أكبر دليل، اعترافها بحبها يخبره أن ما تمناه يتحقق الآن، هي تحبه كما يعشقها، هي هنا من أجله، من أجل قلبه الذي وهن من فراقها
شعر بيدها الصغيرة الرقيقة تتسرب ليده وسمعها تقول بحنان "لماذا فعلت ذلك بدر؟ لماذا دمرت حياتنا وسعادتنا؟"
استعاد جنونه وجذب يده من يدها وتمنى بقوة أن تطاوعه ساقه وينهض ليفر من أمامها فاستند على المكتب ونهض وشكر الله لأنه ساعده على الوقوف وابتعد لأقصى مكان بعيدا عنها فهو لا يقوى على قربها ومواجهتها، هو أجبن من ذلك
قال بنفس القوة الزائفة "لأني أدركت أن زواجنا كان خطأ، أنت من أخبرني ذلك مرارا وأنا أخيرا أدركت الأمر"
نهضت واشتبكت حقيبتها بيد المقعد فتركتها لتلحق به وقالت "لا بدر، أنت تعلم أن ذلك ليس صواب، الحب يقتل الفروقات"
نظر لها بقوة وقال "ومن تحدث عن الحب؟ أنا لم أفعل ولن أفعل فهو ليس من اهتماماتي"
تراجعت من كلماته وهي تشعر بخنجر حاد يندفع بصدرها ولكنها تذكرت ظهره وألمه وحالته فنست الألم بصدرها وتحركت لتصل إليه وتقف أمامه ورفعت رأسها لتنظر لوجهه الذي ارتفع بنفس الكبرياء ولكن الآن كان زائف، مجرد درع ضعيف يحتمي به منها ومن قوة حبه لها
قالت برجاء وحنان "لا بدر، أنت تفعل، أنت تعلم جيدا أن ما بيننا حب، حب بدر حتى ولو رفضت أنت الاعتراف به لكنك تعلم أنه موجود، منذ أول لقاء لنا والحب فرض نفسه علينا بدر، كلانا لا يمكنه أن يعيش بدون الآخر"
نظر لها من أعلى وهو يعلم أنها على حق، هو بالفعل مات وهي بعيدة عنه والآن وجودها يحييه لكن وجوده معها سيقتلها، سيدمر جمالها وشبابها وهي تستحق أفضل من ذلك، كاد يضعف من نظراتها التي افتقدها وكاد يرفع يده لوجنتها ويمررها عليها ويدسها بين خصلات شعرها المتناثرة هنا وهناك ويجذب وجهها إليه ليقبلها قبلة العشق والاشتياق ولكن ألم ظهره أعاده للواقع بقوة ليرتطم بحائط الواقع
مشلول.. قعيد.. حبيس كرسي ملعون..
لا.. لن يكون هذا مصيرها معه..
أبعد وجهه عنها وقد عاد له الإصرار على ما بعقله المعلول وقال "لا تحلمين بأن بدر المسيري يحب فتاة مثلك، هذا وهم يعشش داخل عقلك"
صدمها كلامه وقد ظنت أنه سيسعد بعودتها له ويضمها لصدره ويعيدها له لكنه ما زال يقاومها، هل يفعل ذلك لأنه يرفضها حقا أم بسبب ظهره؟
تاهت ولم تعد تعرف الحقيقة..
صمتها جعله يعود وينظر لها ويقول "الآن تتحدثين عن الحب؟ وأين كان ذلك الحب عندما رفضت العودة معي إلى هنا وطلبت البقاء وحدك بوقت صعب؟"
تلك الذكرى تؤلمها فلماذا يفعل بها ذلك؟ لماذا يعيدهم لم يفتح الجراح؟
قالت والدموع تهاجمها "كنت تعلم أني كنت مجروحة بدر وأتألم بسبب ما حدث، فقد كنت متعبة جدا ومجروحة وحزينة لقد فقدت ابننا بدر"
وصمتت فأكمل بقسوة رغما عن الألم الذي كان داخله يضاهي ألمها بل وأكثر لأنه هو من يعيد تحطيم الحلم ولكنها لم تعرف بكل ذلك "وكنت أنا السبب، أكملي، اليس هذا ما أردت قوله؟ ولكنك لم تدركي أن جنونك وقتها واندفاعك هو كان سبب غضبي كما وأنك أخفيت عني أمر الحمل، أنت السبب وليس أنا أسيل ماذا ظننت أنك ستفعلين بإخفاء الأمر عني؟"
تراجعت من كلماته وشحب وجهها وارتبكت وهي تقول بصدق "أخبرتك أني لم أكن أعلم ولم أخفي عنك شيء بدر، كيف أخفي حملي عنك وأنت زوجي وبالنهاية ستعرف؟"
أبعد وجهه وقال مكملا كذبته اللعينة "هذا لم يعد يهمني الآن فقد انتهى كل شيء"
سقطت دموعها وقالت بلا رغبة بالاستسلام للدمار الذي يجذبها له بكلماته "وماذا بدر؟ هل حقا لا تريدني بحياتك؟ وماذا عن كل ما كان بيننا؟ أنا هنا من أجلك وأجل كل شيء جميل عشناه سويا، لا يهمني ان تحبني ولكني أحبك"
التفت لها بقوة غضبه من عجزه وكلماتها تزيده ألم وإصرار على جنونه وقد حسم أمره؛ لابد أن يوقفها ويعيدها من حيث أتت، لابد أن تكرهه حتى لا تفكر به بعد اليوم، ترحل ولا تفكر بالعودة بعد الآن
"لم يعد حبك يهم لأني ادركت أن ما كان بيننا مجرد نزوة، كانت نزوة مني لفتاة صغيرة وجميلة أثارت إعجابي بجرأتها وشجاعتها، فتاة أثارت مشكلة كبيرة بحياتي العملية من أجل شركة والدها وقد كان يمكنك فعل الكثير بسمعتي فكان لابد أن أوقف ذلك بأن أفعل ما فعلت من أجل شركاتي واسمي وأعجبتني اللعبة ورغبت بأن أكمل حتى حدث ما كان فعدت لصوابي وحمدت الله أن الحمل رحل كي لا يربطنا أي شيء"
اهتز كيانها من كلماته ووضعت يدها على فمها وهي لا تكاد تصدق كلماته والدموع لا تتوقف خاصة كلماته عن طفلهم، هل حقا كان سعيد بضياعه؟
نزوة؟
ما بينهم كان نزوة!؟
ترنحت بلا قوة على تحمل كل ما يلقيه بوجهها ولكنها تستحق فهو فعل بها ما فعل وهي أتت له واعترفت له بحبها وتمرغت كرامتها تحت أقدامه بلا رحمة
زادت دموعها وما زال لديها أمل واهي ضعيف تسعى له وهي تقول بصعوبة "لا بدر، أنت لا تعني ما تقول، أنت لم تفعل بي ذلك، أنت أخبرتني أن الأمر لم يكن نزوة وأن ما حدث لبابا كان غصبا عنك"
ابتعد لمقعد قريب واستند عليه دون أن يثير انتباهها وقد كانت هي بعالم آخر وهو أدرك أن ما قاله أصابها بالصميم وهو ما سيهد به المعبد ولن تقوم له قائمة بعدها وهو يقول "هذا ما أخبرتك به ولكن الحقيقة أن التوقيع كان توقيعي أنا شخصيا"
تراجعت ولم تجد ما تقول وهي تدرك أن ما كان منه مجرد استغلال لمشاعرها حتى تنتهي الزوبعة التي أثارتها حوله
صمتها الذي غلفه بكائها جعله يدرك أنه أصاب قلبها بلا رحمة فقال ليؤكد طعنته "كان عليك أن تدركي أني لا أتصرف بدون وعي وبالنهاية استمتعت معك حقا ولكن أن يصل الأمر لأولاد وحب فلا، الحب وحده لا يكفي أنت لم تعني لي أي شيء وطلاقنا كان يعني ذلك وقد ظننت أن الرسالة قد وصلت، لست المرأة التي تليق ببدر المسيري و"
هتفت به بقوة "كفى، كفاك إهانات، لا أريد أن أسمع كلمة أخرى منك، لو كنت أعلم كل ذلك لما أتيت"
تحركت للباب فقال بألم لا يدركه سواه "يمكنني دفع تذكرة العودة"
ولكنها لم تبقى لتسمع المزيد وهي تخرج مسرعة ولم تعد تتحمل أن تسمع منه إهانات أخرى ولا أن تدرك الحقيقة التي أخفاها بمهارة عنها، كل ذلك كان غش وخداع؟ بدر المسيري الذي يعرف الجميع سمعته ما هو إلا غشاش منافق؟
مثله مثل الجميع، يسلك كل الطرق الشرعية وغير الشرعية لتحقيق أهدافه وها هي تدفع الثمن وهي التي اعترفت له بحبها دون أن تدرك أنه رجل لا يعرف الحب
تألمت أكثر لقلبها المهان والمجروح والذي ينزف بلا توقف حتى كاد يتوقف عن النبض
سارت بدون هدى وكأنها لا تعي أين هي وماذا يدور حولها إلى أن صدمها أحدهم حتى كاد يوقعها فانتبهت لنفسها وشخص ما يسندها
اعتدلت وهي تنظر حولها لتستعيد نفسها وكأنها عادت من غيبوبة طويلة نست فيها كل ما كان يدور حولها ثم تذكرت كل شيء فجأة
بدت بحالة صعبة، دموع تغرق وجهها، بشرة ملطخة بكحل أسود ارتسم خطوط على وجنتيها، شعرها تبعثر بلا انتظام حول وجهها، نظراتها كانت زائغة، ضائعة لا تعرف اين هي وماذا تفعل
دارت حول نفسها وهي ترفع يدها حول رأسها محاولة أن تصدق ما يحدث لها وتوقف الألم النابض بقلبها ولكن بلا فائدة
صدمة أخرى من أحدهم جعلها تتوقف عن الدوران وتخفض وجهها ويدها لتستعيد نفسها وتهدأ لتفكر بما عليها أن تفعل
ليس هناك مكان يمكنها أن تذهب إليه، لن تبقى هنا لحظة أخرى، عليها أن تعود للمطار، نعم، لا شيء يستحق بقائها
أرادت هاتفها فحركت يدها لتبحث عن حقيبتها ولكنها انتبهت إلى أنها ليست معها، أغمضت عيونها وهي تتذكر أنها علقت بمقعده وتركتها هناك وبها كل شيء، جواز سفرها وهاتفها واموالها فكان عليها أن تعود وتطلبها من السكرتيرة، لن تدخل مكتبه مرة أخرى فالتفت وعادت بخطى ثقيلة
لم تتوقف دموعها وهي تدخل المبنى مرة أخرى غير عابئة بنظرات الموجودين لمظهرها الملفت بل دخلت المصعد وصعدت به حتى انفتح بابه عند مكتب السكرتيرة فلم تجدها بل رأت باب مكتب بدر مفتوح
انقبض قلبها بلا سبب وثبتت أقدامها بمكانها، لن تدخل مكتبه مرة أخرى ولكن سرعان ما سمعت ضوضاء داخل مكتبه فدق قلبها من الخوف ولم تفكر وهي تهرع لباب المكتب لترى أشخاص كثير تتجمع حيث كان يقف بدر أمامها منذ لحظات ولكنه لم يعد واقفا كما تركته فاندفع الفزع لقلبها دون أن تفهم السبب
فقط اندفعت وسط الجمع واخترقتهم بذراعيها بجنون لتراه واقعا على الأرض وأوليفر معه فسقطت بجواره وهي تهتف باسمه بهلع من بين دموعها
"بدر، بدر ماذا بك؟"
رفعت رأسه لتسندها على صدرها وهو أدرك وجودها فقاوم الألم وعاد يقول بغضب واهن "ابتعدي عني، اخرجوا جميعا، لا أريد أحد"
ولكنها لم تهتم لكلماته وهي تنظر لأوليفر الذي وصل لها بنفس اللحظة فصرخت به "المشفى أوليفر، اتصل بالإسعاف بسرعة أرجوك"
قال الرجل وهو يبعد الهاتف عن أذنه "فعلت مدام، الرجال بالطريق، لقد انهار بعد خروجك"
أحاطته بذراعيها بجنون وقد أبعد أوليفر الجميع للخارج وهو كان يحاول أن يبعدها بجنونه الذي لم يتراجع عنه غير قادر على أن تراه بتلك الحالة وهو يقول "ابتعدي عني، اخرجوا جميعا"
قالت بقوة "خرجوا بدر، اهدأ ارجوك، أوليفر فقط هنا"
خرج الجميع بالفعل بينما عادت له دون أن تتركه، أو أن تخرجه من أحضانها هو لها هي فقط، دموعها ما زالت تغرق وجهها فزعا عليه وقالت برجاء "كفى بدر، أرجوك توقف، أنا أعرف كل شيء، لن تخفي عني الأمر أكثر من ذلك، أوقت كبرياءك هذا بدر فلن يبدل من موقفي شيء، أنا لن أتركك بعد الآن بدر، لن أتركك مهما قلت أو فعلت فاهدأ حبيبي، أرجوك"
لم توقفه كلماتها وقد فقد أي قدرة على الحركة مما زاده جنون وهو يهتف "أنا لا أحتاج وجودك، لا أحتاج لأي أحد"
لم تتراجع وقالت "أعلم، أنا من يحتاج إليك بدر، أنا من أريد أن أسترد حياتي التي سرقتها مني ولن أتركك حتى تعيدها لي هل تسمعني؟ لن اتركك أبدا"
حدق بعيونها بنفس الغضب ولم يمكنه أن يجيب لأن الرجال وصلت ورفعته على النقالة المتحركة ولم تتركه وهي تركب بجواره بالإسعاف وتمسك بيده غصبا عنه كما ظنت ولكنه لم يكن غصبا فقد أرادها رغما عنه
كان يعترف من داخله أنه سعيد بوجودها وقربها وإصرارها على ملازمته وللحظة نسى ما به واكتفى بأنها معه فأغمض عيونه لا يجرؤ على أن ينظر لها أو يواجه عيونها ولكنها اقتربت من أذنه وقالت
"ربما الحب لا يكفي بالنسبة لك بدر والكبرياء يمنعك من الاعتراف بوجوده ولكن بالنسبة لي الحب يكفي ويفيض فحبي لك لا يمكن تقديره بدر ولا أنتظر حبك"
لف وجهه وفتح عيونه ونظر بعيونها الجميلة ودق قلبه من ابتسامتها الرقيقة التي ملأت وجهها ورفعت يده لفمها وقبلتها برقة وقالت "مهما رفضني كبريائك بدر سأظل أحبك"
ظل صامتا لا يجيب ونظراته لها بها الكثير من الرجاء والحب والاشتياق وطلب السماح الذي لم ينطق به لسانه الذي عصاه الآن فلم يطاوعه بأن يجرحها مرة أخرى أو حتى يمنحها كلمة واحدة تطبطب على قلبها الحزين لأنه يخشى من منحها وعود لا يمكنه الوفاء بها، لن يتحمل حبس جمالها وشبابها بجواره وهو قعيد، لن يمنحها ذلك المصير
وأخيرا انهار قلبه أمام إصرارها وهمس "ليس من المفترض وجودك هنا"
لم تذهب ابتسامتها لاستجابته وتوقفه عن إبعادها وقالت "ابعدني لو استطعت"
أبعد وجهه وقال "تعلمين الرد"
قالت بحزن مما فهم من أنه عاجز عن إبعادها وهو بتلك الحالة فقالت "مهما قلت وفعلت، حتى ولو فرقت بيننا الأيام مرة أخرى فلابد أن تدرك أن حبك لن يتزعزع من قلبي إلا بموتي"
عاد ينظر لها وقد تألم قلبه من كلماتها وجذبت يده التي بيدها لأحضانها ليشعر بدقات قلبها والتي تكاد تصرخ باسمه من بين ضلوعها..
تلقاهم دكتور محمد الذي عرفها بالطبع وكمال الذي كان ينتظرهم بالمشفى وتم اصطحابه إلى غرفة الطوارئ وتركت يده على مضض والدموع تنهال على وجنتيها وتلقاها كمال بيديه ليوقفها عن الدخول وهو يقول
"اهدئي أسيل"
ولكنها لم تتوقف عن البكاء وهي تحاول رؤية أي شيء من خلف الزجاج ولكن كمال جذبها بعيدا وقال "هيا تعالي لننتظر خروج دكتور محمد، هيا يا ابنتي تعالي"
التفتت بعيون ذبلت من البكاء وقلب متعب من الألم والحزن وقالت "لماذا يفعل ذلك بنفسه؟"
نظر لها بحزن وقال "الكبرياء يا ابنتي، كبرياؤه يمنعه من التسليم بالمرض"
أخفضت وجهها وقالت "هو يدمر نفسه ويدمرني معه"
هتف الرجل برجاء "لكنك لن تتركيه"
نظرت له بلهفة وشوق وهي تهز رأسها بالنفي وقالت بصدق "أبدا، لن اتركه أبدا، أنا لم أعرف معنى الحياة سوى معه لقد قتلني بعده وتعبت حتى استطعت أن أعود للحياة مرة أخرى والآن أتنفس بعودته لي"
أبعد نظره لباب الغرفة وقال "وأنا متأكد من حبه لك حتى ولو لم يعترف به فقط لندعو أن يعود معافا"
أغمضت عيونها ودعت ربها أن يعيده لها ولقلبها فهي لم تعرف الحياة إلا معه ولم تبتسم لها الدنيا إلا يوم ابتسمت لها عيونه واتسعت لها أحضانه وغامت الدنيا برحيله وعاشت تعيسة بلا رغبة بالحياة، هو طاردها كثيرا ولم يتراجع إلا عندما أصبحت له وهي ستفعل المثل ستظل معه حتى يعود لها
عندما خرج محمد كان القلق باديا على ملامحه وهو ينظر لهما ويقول "لابد من إجراء الجراحة فورا أي تأخير آخر به خطورة على حياته"
تراجعت بخوف بينما قال كمال "إذن لا تنتظر يا دكتور"
نظر له ثم لها وقال "هو يرفض"
قالت بإصرار "لا تنتظر موافقته فهو لا يعي ما يحدث حوله"
تسمرت نظرات محمد عليها ثم قال "لابد أن يوافق على إخلاء المسؤولية"
قال كمال بحزم "أنا سأوافق، أنا والده"
نظراتها للرجل كانت تمتلئ بالامتنان ومحمد يهز رأسه وقال "نعم معك حق، إذن سيدخل العمليات فور انتهاء الفحوصات اللازمة "
بالمساء كان قد دخل غرفة العمليات وقد رفض رؤية أحد حتى والده ولم ينظر لأحد ولكنه منحها هي فقط نظرة تعرفها جيدا، تلك النظرة التي كانت تراها وهما معا بأسعد أوقات حياتهم مما جعلها تزداد إيمانا أنه يحبها
أمسكت يده بقوة وهم ينقلوه لغرفة العمليات بعد أن تم منحه مهدئ كي يتوقف عن رفض كل ما يدور حوله وظلت عيونهم متلاصقة بلا كلمات حتى فصلهم بابا غرفة العمليات..
ساعات مرت عليه وهو بالعمليات بلا أي أخبار بينما انزوت هي بركن بعيد وذهب كمال ولم تعرف أين اختفى ولكنها رأت كوب من القهوة أمامها وصوت أوليفر يقول
"تفضلي مدام، أنت بحاجة له"
نظرت له بامتنان وأخذته وهي تقول "شكرا أوليفر"
قال باستفسار "ألا توجد أي أخبار؟"
قالت وهي تحيط الكوب بيديها لتمنح نفسها بعض الدفء "لا"
قال بهدوء "الأمر ليس بسهل"
تناولت القهوة الدافئة وقالت "نعم وهو زاد الأمر صعوبة على نفسه"
نظر لها وقال "شكرا لوجودك هنا مدام، للحظة صدقت أنك ستتزوجين دكتور ليث"
نظرت له بعيون تتسع من الدهشة وقالت "ماذا؟ هل عرفت؟ وبدر؟ هل عرف؟"
هز رأسه وقال "نعم مدام، للأسف أنا أبلغته ولا أصف لك ما رأيته بعيونه ووجهه لقد بات بالمشفى بذلك اليوم وساءت حالته، أما عندما أبلغته بعدم إتمام الزفاف وأنك على وصول أصر على العودة للمكتب حيث قابلك"
أغمضت عيونها والألم ينهش قلبها ويعذب روحها وقالت "ظننت أنه لم يعد يفكر بي وأنه عاد لسلمى"
قال "هو بالفعل أعادها مدام و.."
قطع كلماته ودكتور محمد يخرج فاندفع الاثنان له وهو ينزع الماسك من على وجهه وقال "هو بخير اطمئنوا"
ولكنها قالت "هل أفاق؟ هل يتحدث؟"
نظر لها بعيون مطمئنة وقال "نعم مدام لم أتركه إلا بعد أن تأكدت من أنه أفاق"
سأل أوليفر "والجراحة نفسها يا دكتور؟"
قال بهدوء "على أفضل وجه أوليفر، فقط يخرج من العناية ولابد أن نقوم باختبار الأعصاب فالدكتور ريتشارد خبير المخ والأعصاب تدخل بالجراحة وكان له فضل كبير بنجاح الجراحة لكن النتيجة النهائية عندما ينهض واقفا على ساقه"
قالت بدموع لا تعرف سببها ولا تعرف كيف توقفها "متى يمكنني أن أراه؟"
نظر لها بشفقة على حالتها وقال "ساعات قليلة مدام ويخرج من العناية وبالتأكيد وجودك سيكون ضروري ولن أتنازل عن بقائك بجواره"
منحته نظرة امتنان لأنه يشعر بها لكن صوت سلمى أوقف الجميع وهي تقول "أظن أن وجودي بجواره أنا أيضا ضروري دكتور فأنا زوجته وأم أولاده