
رواية كبرياء رجل الفصل الحادي عشر11 بقلم داليا السيد
روح سجينة
أوقف سيارته وقفز منها وهو يرى ذلك الدخان الأسود الذي يغطي السيارة يتسرب إلى الداخل والنيران تشتعل بالجزء الأمامي منها فأسرع إلى الزجاج محاولا أن يراها ولكن الشبح الأسود منع الرؤيا، حاول فتح الباب ولكن كل الأبواب كانت مغلقة بالقفل الداخلي، التف حوله حتى عثر على غصن شجرة كبير وعاد إلى نافذة السيارة والنيران تزداد لهيبا وبعد أن ضرب الزجاج بقوة مرة واثنان انكسر الزجاج ليندفع الشبح الأسود إليه بقوة فيرده إلى الخلف ويسقطه أرضا وبدر يشعر بألم بصدره وكأن شيء قوى جدا اصطدم به
عندما اعتدل كان الشبح قد اختفى من حوله فاستعاد بدر نفسه ونهض مسرعا إلى السيارة وفتح قفل الباب ثم فتحه وقد امتدت الحرارة إليه ليسقط جسدها بين ذراعيه وهي مغمضة العيون. جذبها خارج السيارة وحملها مبتعدا بكل قوته عن السيارة التي سرعان ما انفجرت بطنين مفجع وارتفع اللهيب إلى عنان السماء بشكل مفزع
سقط بها على الأرض من قوة الانفجار وشعر بألم ظهره ظل على الأرض لحظة يحاول استعادة قوته متغاضيا عن ألم ظهره، وأخيرا استعاد نفسه واعتدل وهو يتحرك لها ليجدها لا تتنفس فأخذ يقوم بإنعاش القلب وقد سمع صوت عربات البوليس والمطافئ وهو لا يمل ويحاول معها إلى أن شعر بأيدي تبعده وهو يقاومهم كي يتركوه حتى رأى رجال تحيط بها وتقوم بإسعافها فتوقف عن المقاومة وهو ينتبه إلى أنهم رجال الشرطة والمطافئ والإسعاف وأحدهم يسأله عما حدث ولكنه لم يهتم وعاد إليها وهم يجذبونها على طاولة الإسعاف ويدخلونها السيارة ثم يقومون بوضع جهاز الصدمات الكهربائية وانتفض جسدها مع تلك الصاعقة التي تحاول إعادة القلب إلى العمل وعندما لم يستجب القلب تكرر الأمر مرة أخرى وثالثة!
تراجع وهو لا يدري هل يمكن أن تموت؟ هل الموت يتعمد أن يأخذ منه كل من أحبهم وأرادهم؟
عاد الرجل بصعقة أخرى عندما ارتد القلب للعمل وتعالى صوت الجهاز فتنفس بقوة وأغمض عيونه لأنها لم تتركه
أسرع الرجلان لإكمال الإسعافات بينما لم يبدو على وجهه أي تعبيرات سوى أنه نفخ بقوة وهو يفتح عيونه ويمسح وجهه بيديه الاثنان مارا بشعره وهو ينطق بهمس
"لابد أن أشكرك يا الله، الحمد لله، الحمد لله"
بالطبع قامت الشرطة بالتحقيقات ولم يثبت إلا أنه حادث نتيجة انفجار الإطار وبالطبع هو لم يذكر الدخان الأسود الذي هاجمه فبالتأكيد لن يصدقه أحد لكنه كلف رجاله بإحضار ذلك الرجل الذي تعرفت عليه سلمى
توقف أمام باب غرفة الطوارئ بعد أن وصلا المشفى لحظات وخرج الطبيب المعالج فنظر إليه وهو يتحرك تجاهه ويقول "هي عادت للحياة بالتأكيد ولكنها لا تستجيب لنا مستر بدر، وكأنها لا ترانا ولا تسمعنا"
نظر إليه بقوة وقال "ماذا تعني؟ أنا لا أفهم كلامك، هل أصابها الحادث بشيء هو الذي يؤثر عليها"
نفى الطبيب برأسه وقال "لا، لقد أجرينا كل الفحوصات اللازمة ولم نجد سوى بعض الالتهابات بالرئتين نتيجة ما تنفست من الدخان، وهذا يتم علاجه ولكنه لا يؤدي إلى تلك الأعراض التي أصابتها"
ظل يحدق بالرجل وهو يحاول أن يستوعب ما يحدث ثم قال "هل يمكن أن أراها؟"
أجاب الرجل "بالتأكيد وهي لن تبقى كثيرا ليس بها ما يستدعي وجودها"
تحرك بدر إلى داخل الغرفة باحثا عنها حتى وجدها والممرضة تنتهي من رعايتها، ظل واقفا إلى أن ذهبت الفتاة وما أن اقترب حتى لاحظ أنها تفتح عيونها وتحدق بالأعلى اقترب منها وأمسك يدها ولكنها لم تنظر إليه بل لم تشعر به أصلا فقد توقفت الدنيا عندها عندما تحرك الشبح الأسود تجاهها بالسيارة وأطبق عليها وانقطع عنها الهواء وسقطت في ظلام لا ترى سواه ولا تسمع من حولها أي أصوات وتصلب جسدها وكأن روحها تركت جسدها وتسربت خارجة تحاول أن تتجول في الخلاء ولكن أي خلاء؟ إن كل ما حولها الآن ظلام لا بداية ولا نهاية له تحاول أن تنادي على أحد ليعيدها إلى النور ولكن كأن هناك من يربض على بوابة حنجرتها ممسكا بها مانعا صوتها من الخروج إلى العالم الخارجي ولكن ما هذا؟
إنه الشبح الأسود الآن تراه يتجسد أمامها كإنسان، نعم اقترب منها وهي ملقاة على أرض باردة صلبة داخل مكان لا معالم له إلا من ظلام تتخلله أشعة باهتة من ضوء أبيض لا تدري مصدره
انكمشت على نفسها من الخوف والجسد الجديد يتقدم منها ليقف حيث يمتد الضوء لترى معالمه أو بالأحرى معالمها؛ نعم الآن اتضحت الصورة كاملة فهو وجه سلمى، نفس عيونها الزرقاء التي تحدق بها وقد تلون الأزرق بالأحمر وانطلق صوتها وكأنه يأتي من فوق قمة جبل مرتفع
"هل ظننتِ أني سأتركك تأخذين زوجي هكذا بسهولة؟"
زاد خوفها وهي تحاول النطق أو تحريك جسدها للبعد من هذا المكان ولكن هيهات
اقترب شبح سلمى منها وهي تقول "أنا سبق ومنحتك فرصة واثنان وظننت أنك ستفرين هاربة بعد ما حدث لك بالبحر وكوخ الشاطئ أو بالبيت الجبلي ولكن يبدو أنك تصرين على الحرب وسعيت إليه أكثر حتى تزوجك ونجيتِ من الموت وقتها ولكن الآن أنا لا أسعى لقتلك وإنما لتعذيبك أنا أحبس روحك هنا وستظل هنا إلى الأبد حتى تنتهي بلا عودة ولن ينقذك منه أحد ستكونين غذاؤه الذي يشبعه كلما شعر بالجوع"
وأطلقت ضحكة قوية شيطانية أثارت مخاوفها أكثر وعادت سلمى تقول "بدر سيعود لي وحدي، أنا فقط امرأته ولن تناله امرأة أخرى سواي، ستظلين زوجة على الورق لأنك ستصبحين جسد بلا روح لأني أنا أحبس روحك ولن تنالي الراحة بعد الآن"
وعادت تطلق تلك الضحكة الشيطانية وتراجعت مبتعدة تاركة أسيل وحدها دون قدرة على الحركة أو الكلام ليتسرب إليها شبح آخر وهي تحاول أن تتراجع مبتعدة ولكن بالطبع تلك القيود التي لا تراها تمنعها وتسرب الشبح الأسود لجسدها فشعرت ببرودة غريبة تكتنفها وذلك السواد يلتف حول جسدها الذي ارتجف من البرد ثم بدأ يضغط عليها رويدا رويدا ثم ازداد قوة مما جعلها تتألم وتتلوي وتنتفض بقوة محاولة الفرار من تلك القيود التي التفت حول جسدها وتعتصرها بلا رحمة ولكن دون جدون وظل جسدها ينتفض من الألم.
أمسك بدر بيدها ونظر إلى وجهها الفاقد للون الطبيعي للبشر واقترب منها وقال "أسيل ماذا أصابك؟ أرجوك أخبريني ماذا حدث لك حتى يمكنني مساعدتك، أسيل لابد أن تدركي أني لن أتركك أنا من أدخلتك حياتي وأفسدت حياتك لذا لن أتخلى عنك أبدا وسأعيدك لي، فقط تماسكي، من فضلك تماسكي من أجل نفسك ومن أجلي فأنا أصبح من الصعب بل المستحيل علي أن أعيش بدونك، أنت الروح أسيل، الروح التي تسكن جسدي ومن دونك أموت"
وقبل أن يكمل شعر بيدها ترتجف بين يده فانتبه لذلك وهو يناديها ويتابع الأجهزة المتصلة بها وقد بدأ جسدها ينتفض بقوة وكأنها تتلوي دون أن ينطق لسانها، بالطبع أعلنت صافرات الأجهزة عن تطورات بحالتها فأسرع الطبيب والممرضات إليها محاولين معرفة سبب ما يحدث لها ولكن دون جدوى
شعرت أخيرا بأن السواد ينفلت من حول جسدها وبدأ الألم يتراجع وينزوي عنها فهدأ جسدها وتوقف عن الانتفاض ولكن ما زال البرد يسكن جنباتها والخوف يفوز ضد الشجاعة وتساقط دموع من عيونها
فجأة توقف جسدها عن الارتجاف بدون سبب كما بدأ، وتراجع الأطباء في دهشة كما تراجع بدر هو الآخر أمام تبدل حالتها المفاجأة بدون سبب ورأى تلك الدموع التي تسيل من عيونها وهو لا يفهم شيء
خرج من العناية عندما أغمضت عيونها وأخبره الطبيب أنها تحت تأثير المنوم ربما تهدأ
قابل أوليفر بالخارج فعاد إلى طبيعته وقال "أريد أخبار عن ذلك الرجل"
تراجع رجله وقال "للأسف لم نصل إليه وأظن أنه هاربا لأن مكانه الذي يقيم فيه أعماله من الشعوذة موجود ولكن خاليا وبالسؤال عرفنا أنه منذ اسبوع لم يراه أحد ولكنه كان مع مدام سلمى بالأمس كما أخبرتك بمكان آخر دون أن يرى أحد ملامحه أو يعرفون من هو، دائما يلتف بعباءة سوداء وغطاء للرأس"
توقف يفكر قليلا قبل أن يقول "وأين سلمى؟"
قال الرجل "لم تعد إلى القصر إلا بعد الحادث وقد عرفت أنها لم ترتاد الأماكن التي اعتدتها وإنما كانت تتجول بالمدينة بدون هدف"
قال بتفكير "هذا يعني أنها كشفت رجالك، ابعث غيرهم للمراقبة، وابحث لي عن رجل دين يكون على دراية بالأرواح والسحر، أسرع أوليفر كل لحظة تمر تمثل خطر على حياتها ولا تنسى الحراسة"
هز أوليفر رأسه وقال "تمام مستر بدر هل تأمر بشيء آخر؟"
قال "ابعث من يتولى أمر الشركة بدلا عن المدام وأريد تقرير يومي عنها"
استجاب أوليفر بالطبع "تمام مستر بدر"
قبل أن يتحرك أوقفه بدر وقال "أتذكر البيت الشرقي الذي استأجرته منذ سنوات قبل وفاة باسم؟"
تراجع أوليفر وقال "نعم مستر بدر ولكن أليس هذا..!؟"
ولم يكمل فابتعد بدر وقال "نعم إنه هو البيت الذي سكنه باسم قبل موته أريدك أن ترسل بعض الرجال لاستكشاف أمره"
صمت الرجل قليلا قبل أن يقول "كما تأمر مستر بدر"
رن هاتفه باسم والده فأشار إلى أوليفر أن يذهب ثم أجاب هو "نعم"
قال كمال "ماذا حدث بدر؟ لم تعد منذ يومين وأخبرتني أنك ستعود مع أسيل على العشاء الليلة والآن منتصف الليل ولم تأتِ"
قال وهو يخرج من المشفى ليشعل سيجاره "أسيل أصيبت بحادث ونقلت إلى المشفى وأنا معها ولا أعلم متى يمكن أن نعود"
قال كمال بهدوء "تلك الفتاة فأل شؤم يا بدر دعها ترحل وأخرجها من حياتنا"
رد بهدوء "أولا هي ليست فتاة هي امرأة، امرأتي وزوجتي وليست بحياة أحد سواي ولن تخرج منها لأني لن أسمح بذلك"
جاء صوت كمال واضحا وهو يقول "بالتأكيد خاصة بعدما أعلنت زواجكم أمام الجميع وصوركم تملأ كل الأرجاء، ماذا فعلت تلك الفتاة، المرأة بك؟ كنت أظنها نزوة"
تلاشى دخان السجائر وهو يختلط بأنفاسه التي تخرج بدخان آخر يخرج من فمه من برودة الجو، قال بهدوء "لا هي ليست نزوة، هي التي أعادتني إلى الحياة، منحتني ما لا تعرفه أنت، الحنان، الصدق والبراءة وهي أمور لم أعرفها، هذا بالطبع عن زهدها بأموالي وأملاكي التي يعرفني الجميع من أجلها، حاربتني كثيرا كي أخرجها من حياتي ولكني قاومتها حتى كنت سبب بتدمير حياتها، تلك المرأة تسربت إلى بدر، بدر الذي لا تعرفه أنت ولا الجميع وهو الذي يتمسك بها اليوم"
أجاب كمال بعصبية "أرى أنها تعني الكثير لك وبدلت الكثير بحياتك، لا أعلم عقلانية ما تقول من عدمه ولكنها حياتك وبالطبع لك الحرية الكاملة بأن تعيشها كما ترغب ولكن ليس من حقك ان تنسى بيتك وأولادك، عليك أن تعد إلى صوابك قبل أن تفقد كل شيء، سلمى ليست خصم سهل"
تأمل الأضواء التي حوله من سيارات الإسعاف المحيطة وهو يدرك تماما صحة ما يقول، سلمى لم ولن تكون خصم سهل وهي تثبت ذلك الآن
تنفس بقوة ليحاول أن يجيد التفكير وقال "أعلم وأعترف بذلك لكن أنا أيضا خصم صعب المنال كمال بيه وقادر على مواجهة سلمى جيدا"
استسلم كمال وقال "أتمنى لك التوفيق وتحقيق ما يسعدك بني"
وأنهى الاتصال وهو لا يهتم بكلمة بني التي لم يسمعها منه منذ سنوات فهو لم يعتبر نفسه ابن له ولم يسعى لأبوته لذا الأمر لا يهم
ظل يتأمل ظلام الليل وهو يعيد التفكير جيدا في كل ما يحدث ربما يجد حل لكل تلك المآسي التي بدأت تتسرب لحياته الجديدة
عاد إليها وقد نامت واستقرت حالتها وهو لا يعلم أن تلك الروح الشريرة التي سلطتها سلمى بالسحر والدجل تتحكم بعذاب امرأته وأن أولئك الناس فقدوا الإيمان واتخذوا سبيل الشيطان لتحقيق أغراضهم الدنيئة لتعذيب الناس أو تفريق الأزواج ولا يعلمون أن الله جعل السحر من الكبائر ولا مجال للرحمة لمن يسلك ذلك السبيل
بالصباح عاد أوليفر وقد أحضر له ملابس أخرى بدلها بتلك الغرفة التي حصل عليها وسمع أوليفر يقول وهو يربط ربطة العنق "البيت الشرقي فارغ وليس به أحد ولم يتم تأجيره منذ وفاة مستر باسم"
نظر إليه وقال "استأجره أو اشتريه بأي ثمن واطمئن أنه يصلح للحياة به، هل وصلت لأي أخبار عن ذلك الرجل؟"
ساعده في ارتداء الجاكيت وقال "لا ولكننا نراقب مدام سلمى وأنا واثق أنها من سيوصلنا إليه"
وافقه الرأي ثم قال "ورجل الدين؟"
أجاب أوليفر "عرفنا رجلين أحدهم قس بكنيسة صغيرة بإحدى القرى المتطرفة والآخر شيخ مصري وإمام مسجد يعيش هنا منذ سنوات كثيرة عرف عنه أن له تصرفات غريبة في مواجهة الأرواح"
ابتعد قليلا ثم قال "أريد لقاؤه، أرسل لي مكانه الآن وانتهي من البيت بأسرع وقت دون أن يعرف أحد عنه شيء هل تفهم؟ ولا تتوقف عن سلمى"
هز أوليفر رأسه وقال "تمام مستر بدر"
خرج ليراها، كانت كما هي تزداد شحوبا بكل دقيقة تمر عليها، شعر بالغضب والحزن والألم من أجلها وظل صامتا بجوارها فترة ثم قبل رأسها دون أن ينطق بكلمة وخرج
عاد إلى سيارته وقال لأوليفر "رجالك لا تغمض عيونها عنها هل تفهم؟"
قال الرجل "الحراسة تتغير كل ثمان ساعات مستر بدر وينتشرون حول المشفى دون أن يلاحظهم أحد لقد اخترتهم بنفسي، هل تخبرني أين سنذهب؟"
لم ينظر إليه وهو يدير السيارة ويقول "أنت عد إلى الشركة ونفذ ما طلبته منك وأخبرني بالتطورات باستمرار"
وتركه وتحرك بالسيارة دون تردد كان يعلم أن سلمى كما قال والده خصم غير سهل وتسلك طرق غير شريفة في حربها وربما الآن بدأ يفسر ما كان يحدث لأخيه باسم عندما كان يحكى له عن الشبح الأسود الذي يطارده والحوادث المشابهة التي كانت تحدث له إلى أن قتل نفسه دون رحمه وكأنه أراد أن يتخلص مما كان يحدث له رغم أن بدر ظن أنه انتحر ليتخلص من مأساته مع سلمى التي جعلته يدرك أنها لا تحبه ولا تريده رغم وجود أولادهم
تحرك إلى المقابر بدون أن يتراجع، أوقف سيارته ونزل متحركا إلى قبر باسم الذي يقع بالقرب من قبر والدتهم، وقف بينهم لحظات قبل أن يركع بجوار قبر أخيه وقال "أنا آسف باسم، لم أصدقك وقتها ولكني الآن أدركت أنك كنت على حق، ليتني بحثت بكلامك، باسم أنا لم أخنك بأي يوم ولم أفكر بسلمى بأي وقت صدقني يا أخي، صدقني باسم فأنت كنت تعلم كم أحبك واعتبرك ابني وليس أخي، فراقك أتعبني جدا باسم أنت وأمنا مما جعلني أعيش بوحدة لم أخرج منها إلا عندما عرفت أسيل، إنها المرأة الوحيدة التي أردتها وشعرت تجاهها بأشياء لم أعرفها من قبل ولكن كل ما أعرفه أنها الآن تكاد تضيع مني يا باسم كما ضعت أنت مني وبنفس الطريقة يا أخي وربما أسوء ولأول مرة بدر المسيري يقف حائرا أمام مصيبته"
صمت ووهنت قدماه فخر جالسا بجوار القبر دون أي اعتبار لمظهره أو مكانه أو عاداته وتقاليده حتى رأى نقطة بيضاء من بعيد تقترب منه وكانت باقترابها تكبر وتتحول إلى شيء طويل بالنهاية أصبح جسد إنسان مضيء بالأبيض وظهرت معالم وجهه وهو يقف أمام بدر وقال
"بدر"
حاول بدر أن يتحرك تجاهه ليحتضنه ولكن شيء ما منعه وهو يقول "باسم أخي كم أفتقدك"
ابتسم باسم وقال "وأنت أيضا أخي"
قال بدر "لماذا لم تزرني من قبل؟"
أخفض وجهه لحظة قبل أن يقول "كل شيء بأوان يا أخي، أنا أتيت من أجلك وأجل زوجتك"
تراجع وقال "أنت تعرفها؟"
قال باسم "نعم، وأتيت لأحذرك لأنني لم أستطع مساعدتها هذه المرة"
ضاقت عيون بدر وهو لا يفهم وقال "هذه المرة؟ باسم أنا لا أفهم"
قال باسم "سلمى تقصد أحد المشعوذين وقد سخر لها أرواح شريرة من قبل لأذيتي وإيهامي وإيهام الجميع أني مجنون ثم قتلتني تلك الأرواح وبدا الأمر أمامكم كما لو أني انتحرت يأسا من حياتي ولكني لم أفعل، وهي الآن تتعامل مع نفس الرجل بنفس الطريقة للتخلص من زوجتك، هذه الروح تريد قتلها بعد تعذيبها وأنا حاولت أن أنقذها من قبل ولكن ذلك الرجل قيدني حتى تمكن من أسيل وسجن روحها لديه ويقوم بتعذيبها ولم يعد بإمكاني إنقاذها ولكن عليك أنت أن تفعل"
أكل الخوف قلبه على امرأته وسأله باهتمام "وكيف أفعل باسم؟ هل لديك أي وسيلة؟"
هز رأسه وقال "عد بها إلى البيت الشرقي وافتح قبري ستجد به ما يفتح لك الباب لذلك الطريق وخذ الشيخ محمود وافي هو فقط من يمكنه أن يوقف ذلك الشر وإلا امرأتك ستظل حبيسة تلك الأرواح الشريرة إلى أجل غير مسمى"
تراجع الضوء من أمامه وهو يعيد كلماته "الشيخ محمود وافي، البيت الشرقي، ولا تنسى قبري يا بدر لا تنسى يا أخي"
شعر بشيء يبعث اهتزاز بجوار صدره ففتح عيونه وهو ينادي باسم أخيه عندما أدرك نفسه فهب واقفا وهو يسترجع ما رآه ثم شعر بهاتفه يهتز فأخرجه من جيب بدلته ليرى اسم أوليفر فأجاب
"آسف مستر بدر ولكن مدام سلمى اختفت، فقد ضللت الرجال"
شعر بأن أفكاره غير منتظمة وذهنه غير صاف وصداع يضرب رأسه بقوة الأمواج التي تضرب الصخور فتنحتها دون رحمة
عاد أوليفر يناديه فقال "حسنا أوليفر، اتركها الآن وابحث لي عن شيخ اسمه محمود وافي"
قال أوليفر "والشيخ الذي.."
كان يتحرك إلى سيارته وقطع كلمات رجله وقال بحزم "أريد محمود وافي بأقرب وقت، ماذا فعلت بالبيت الشرقي"
قال الرجل "أرسلت من يتفاوض لشرائه كما أمرت"
فتح باب سيارته ولكنه تراجع مرة أخرى وقال "أوليفر أريد منك أمر آخر الآن فاترك ما تفعل وأحضر رجلين تثق بهما وتعالى إلى مقبرة أخي"
هتف أوليفر "مقبرة؟ مستر بدر أنا لا أفهم شيء"
أغلق باب السيارة ووقف ينظر إلى المقابر والشمس تهبط من السماء وكلمات باسم ترن بأذنه فعاد يقول "لا يهم أوليفر لا وقت للشرح الآن أحضر رجالك وتعالى أنا أنتظرك"
وحدق بالظلام من حوله وما زال عقله مشغول بما قاله باسم وما يحدث للمرأة التي تملك قلبه وسلمى التي تجسد الشر والأولاد الذين لا ذنب لهم بأن تكون لهم أم مثلها فقط لو نجت امرأته سيتبدل الكثير بحياته
****
زادت البرودة من حولها وعاد الظلام يحيطها عدا ذلك الضوء الخافت الذي يشع من بعيد وقد أدركت أن سلمى حبستها هنا إلى الأبد كما قالت وهي هنا ببيت الشياطين، حاولت أن تتحرك من مكانها ولكنها كانت مقيدة دون قيود حتى لسانها لم يمكنها تحريكه وهي تريد أن تستعين بالله أو تصرخ لطلب النجدة ولكنها لم تستطع وانتهى صوتها قبل أن يخرج، لحظات ورأت الشبح الأسود يعود وهو يتسرب إليها فارتعدت خوفا من أثر الألم الذي تركه بجسدها أول مرة، تمنت لو أمكنها أن تبتعد أو تهرب ولكنها لم تستطع والشبح يتحول إلى دخان أسود ثم يعود ليلتف حول جسدها ثم يبدأ بعصرها بقوة كالمرة السابقة وانتفضت بقوة من الألم وهي تحاول أن تحرك أي جزء من جسدها دون جدوي
زاد الألم وهي تتلوى بين الشبح إلى أن تركها فجأة ولكنها شعرت هذه المرة أنها تضعف وكأن تلك الروح الشريرة إن صح اعتقادها تمتص قواها مرة وراء الأخرى حتى تنهيها تماما ويا لها من طريقة للتعذيب قبل الموت..
****
أسرع الأطباء إلى العناية عندما انتفض جسدها مرة أخرى بقوة وظهرت علامات حول جسدها وكأن حبلا يقيدها بقوة فيترك أثرا على جسدها ولم يستطع الأطباء فعل أي شيء معها إلى أن خمد جسدها فجأة كما انتفض فجأة وقد أدرك الأطباء أن هناك شيء غير طبيعي يحدث معها ولكنهم لم يصلوا لأي تفسير علمي أو طبي لما يحدث، ولكن ما تأكدوا منه أن تلك النوبات التي تصيبها تتركها هزيلة ومهما نالت من محاليل ومقويات فإنها عديمة الجدوى ولم يعرف أحد السبب وقد خشى الأطباء أن الأمر لو استمر أكثر من ذلك فإن النتيجة لن تكون جيدة بالمرة وربما ضاعت حياة تلك الفتاة التي لا حول لها ولا قوة..