
رواية عزبة الدموع الفصل السادس عشر16 بقلم داليا السيد
عودة
بالطبع لم ترحمه أميرة طوال الطريق وهي تلقي بسمها بين أذنيه عن حبها له وأن رنين لا تستحقه لأنها تربية أجانب وإنما هي الأولى به، بالطبع لم يسمع كلامها فليست أميرة من يمكن أن يصدقها فلم يرد خاصة وأنه ليس في مزاج يسمح له بالحوار بعدما حدث بينهم أمس، ترك أميرة بالمحكمة مع المحامي ولم يعد إلا عندما أخبره المحامي بانتهاء الجلسة بالتاجيل
اختار أن يكون وحده بعيدا عن أي شيء وكل شيء حتى هي نفسها ولكن ليت في بعدها الشفاء وإنما كل الألم في البعاد، لاحقته عيونها الباكية والغاضبة بكل مكان وتذكر كلماته لها ويدها التي صفعته ردا لكرامتها، أي امرأة أنتِ يا فتاة؟ كيف ملكتيني وأسرتيني؟ الآن لا يمكنني أن أعيش دونك، ترى هل يمكن أن ترحلي الآن وتتركيني؟ أم ستبقين؟ أخشى من بعدك فالموت في الرحيل
عندما عاد أصرت اميرة على تناول الغداء رغم رغبته في العودة، بالطبع فعلت كل ما باستطاعتها للتقرب منه والدلال عليه ولكنها أدركت أخيرا من برودة أفعاله معها أنه لم يعد لها ولا معها فاختارت الصمت أثناء الرجوع
عندما وصلا الفيلا اتجهت أميرة لغرفتها بينما قابلته عمته بقلق واضح وكان صابر معها اتجه إليهما وقال وهو يرى الفزع بعيونهم "ماذا هناك؟ لا تبدوان بخير"
قالت العمة "لا نجد الفتاة، لقد اختفت من المزرعة ولم تعد حتى الآن"
تدافعت ضربات قلبه متسارعة لتعلن عن الخوف تجاهلها وقالل "ماذا تعنين؟ أي اختفاء؟ وأين كنت يا عم صابر؟ وكيف ومتى؟ ولماذا لم تتصلوا بي؟"
قال صابر "أنا ذهبت للعزبة هل نسيت؟ أنت الذي طلبت منى ذلك لأباشر الأرض بدلا منك والعمال انتهى وقت عملهم وأخبروني أن رنين تأخرت بالمزرعة وعندما عدت إليها لم أجدها، اتصلت بها ولكن هاتفها مغلق، اتصلت بالعمة فأخبرتني أنها لم تعد حاولت الاتصال بك ولكن هاتفك مغلق"
نظر إلى هاتفه وجده بالفعل مغلق فتحه واندهش كيف أغلق؟ ثم تذكر أنه تركه على المائدة أثناء الغداء إذن بالتاكيد أميرة من فعلت، نظر إلى عمته وقال "عمتى هل يمكن أن تكون رحلت؟ أقصد عادت اسكندرية؟"
هزت العمة ر أسها بالنفي وقالت "لا، لم ترحل كل أشيائها بالغرفة ثم هي كانت معي بالصباح وأقنعتها بالبقاء وهي وعدتني"
دق ناقوس التحذير داخله إذن هناك شيء خطأ، بالتأكيد هي في خطر ولا تستطيع الاتصال به، أسرع إلى الأعلى وتبعه صابر وهو يساله
"إلى أين يا آدم؟"
لم يدق باب أميرة قبل أن يدخل غاضبا، كانت تتحدث بالهاتف وفزعت عندما رأته، أمسكها من ذراعها وقال بقوة "أين هي؟ أين رنين؟ انطقي وإلا ساقتلك هل تفهمين؟ ردي"
حاولت أن تخلص نفسها منه وهي تقول"أنت مجنون ألم أكن معك طوال اليوم؟ اذهب وابحث عنها بعيدا عني ربما تكون بأحضان عشاقها"
صفعها بقوة على وجهها وقال "اخرسي إنها أشرف منكِ ومن أمثالك، تحدثي الآن وإلا لن يرحمك مني أحد، انطقي"
ولكنها قالت وقد تذوقت طعم الدم من بين شفاهها نتيجة صفعته "تضربني من أجلها؟ وهل تظن أني لو كنت أعلم مكانها سأخبرك؟ أنت تحلم أتمنى أن تكون الآن بين الرجال لينهشون عرضها واحدا وراء الآخر وقتها سأرقص وسط العزبة كلها ولن يهمني شيء"
حاول صابر أن يبعده عنها وهو يكاد يصفعها مرة أخرى، أبعده صابر بصعوبة وهو يدفعها بقوة لتسقط على الأرض وبصق عليها وقال بغضب
"لن تنصلح أمورك أبدا، سيظل الحقد والكره بقلبك إلى الأبد، لكن لو تأكدت أن لكِ يد بالموضوع لن يرحمك أحد مني"
ثم ابتعد وصابر يتبعه إلى الخارج وقال بغضب "أين الرجال؟ اجمعهم حالا"
لم يرد صابر وهو يركب بجانبه في السيارة ويدير أرقاما على هاتفه
عندما وصلوا بها إلى أحد الأماكن اصطدم جسدها بمقعد خشبي بارد وأخيرا فك أحدهم عيونها ولكن ما زالت يدها وقدمها مربوطة
فتحت عيونها بصعوبة من مواجهة الضوء إلى أن اعتادته، لاح البيت الريفي الصغير أمامها، لم يكن هناك إلا حسان ورجلان لم تراهم من قبل، كان الخوف قد تملكها والرعب عانق قلبها بقوة منذ أن خطفها الرجل وما زال يربط على قلبها، ترى أين أنت يا آدم؟ ترى هل سيتركها ويتخلى عنها بسبب ما حدث بينهم أمس؟
ولكن لا، لن يتركها ما زالت زوجته وهو لن يتخلى عنها، ولكن كيف سيجدها؟ وماذا يريد ذلك الرجل منها؟ طلب الرحمة لن يكون إلا منك يا رحمن، والدعاء يسبح في الهواء ليرنو من السماء فيسمعه سميع الدعاء
تحدث حسان مع أحد الرجال "لن نبقى هنا إلا الليلة فقط، في الصباح سننقلها إلى البيت الجديد"
هز الرجل رأسه وقال "تمام يا سي حسان أوامرك"
اقترب منها حسان ونظر بعيونها رفع ذقنها بإصبعه وقال "تلك العيون لم أرى لها مثيلا من قبل إنها جميلة، وذلك الشعر الرائع كم أعشق رائحته وملمسه"
أبعدت وجهها عن إصبعه فضحك وقال "لا تتحملين إصبعي؟ ماذا ستفعلين إذن عندما آخذك كلك لي؟ آدم ليس أفضل مني لينال فتاه بجمالك، أنتِ لن تكوني إلا لي أنا فقط"
هزت رأسها بالنفي بقوة والدموع تملؤ عيونها فضحك وقال "منذ أن رأيتك وأنا سبحت ببحور عيونك هذه ولن أنجو منها إلا بعدما أنالك يا قمر"
رن هاتفه فنظر إلى المتصل ثم إليها وقال "للأسف مضطر أن أذهب الآن لأنهي بعض الأشياء وأتركك تنتظريني يا عروستي الجميلة، الليلة دخلتنا لن ينال آدم غير العظم بعدما أنال كل السمين"
وأطلق ضحكة مرتفعة أثارت فزعها ثم خرج وتركها والخوف يقتلها والدموع تصادق وحدتها والرجاء من الله أن ينقذها
هتفت من قلبها "أين أنت يا آدم؟ أين أنت؟ أنا بحاجة إليك لا تتركني يا رب ارشده إلي يا رب ساعده وساعدني يا رب"
"آدم بيه لم نعثر على شيء ليست بالعزبة ولا بالمزرعة"
نظر لأحد رجاله وصرخ بقوة "وأين هي إذن؟ هل فقد رجالي قدرتهم أم أن الراحة أفقدتكم مهاراتكم فأصبحتم كالنساء؟"
اقترب منه صابر وقال "اهدء يا آدم من أخذها ليس من أهل العزبة، الجميع هنا يحبها ويحبك"
نظر إليه وقال بغضب "أهدء؟ كيف أهدء يا صابر وزوجتي مخطوفة ولا أعلم عنها شيء؟ أنت واعي لم يحدث؟ من أين ياتي الهدوء؟ من أين ياتي؟"
أبعد صابر عيونه وقال "أعلم وواعي لكل شيء ولكن الغضب لن يوصلنا لشيء لابد أن نركز جيدا ونفكر من أين نبدء ليس لدينا وقت لنضيعه"
هز راسه ثم نظر لرجله وقال "ابحث خارج العزبة، ابحث بالأراضي المجاورة، انشر كل الرجال وإذا احتجت رجال استعن برجال حمدون لن يتأخر، سعد ابدء بأرض أخي حسان"
هب الرجل "حاضر يا بيه عن إذنك"
تحرك فقال صابر "إلى أين يا آدم ؟ انتظر"
ولكنه لم ينتظر لا يعلم لماذا شعر بها تناديه، تستنجد به، وكان هناك شيء يخبره أنها بخطر ولكنه لا يدرك أين هي وكيف يكون حالها؟
قال بدون الالتفات له "سأذهب مع الرجال لن أبقى هنا كالحريم"
تبعه صابر في صمت وانطلق الجميع بكل مكان إلى أن اتصل به رجله قرب الفجر قائلا "بعض الرجال أخبروني أنهم شاهدوا حسان بيه ورجاله يحملون امرأة الى بيت بالوجه القبلي، أنا في طريقي إلى هناك مع الرجال يبدو أنك كنت على حق يا آدم بيه"
عاد إلى سيارته وقد أدرك أن إحساسه على صواب وربما حسان وأميرة أحكما المؤامرة جيدا هي تأخذه خارج البلد وحسان يأخذ زوجته ولكن لا، لن ينالها الجبان
عندما وصل آدم ورجاله إلى الكوخ أسرعوا إلى الداخل ولكن بالطبع لم يجدوا أحد ولكنه وجد ربطة شعرها على الأرض وهو يعرفها جيدا، أمسكها وزاد الغضب داخله ودار حول نفسه والغضب يتملكه وهو يصرخ بجنون
"يا حسان الكلب لن أتركك ستدفع الثمن غالي على ما فعلت"
ربت صابر على كتفه وقال "سنجدها يا آدم، أكيد سنجدها فقط تحلى بالصبر والإيمان"
استدار إليه وقال بألم "أي صبر يا عم صابر؟ إنها رنين، رنين، الحلم، الأمل، الحياة وقبل أي شيء زوجتي، شرفي يا صابر شرفي"
شعر صابر بالألم الذي يملاء قلبه فقال "أعلم يا بني ولكن للأسف لا نملك الآن إلا أن ندعو الله ونعاود البحث"
أغمض عيونه في ألم وخوف وحيرة وتساؤل، أين أنتِ رنين؟ أين أنتِ يا حبيبة القلب؟ إن قلبي ينهار ألما وخوفا عليكِ حدثيني، أخبريني أين إنتِ؟ دعيني أعرف مكانك، يا الله ساعدني، لن تأخذها منى بعد أن ملأت بها حياتي، أنت الذي أرسلتها إلي من بين ظلام حياتي لتنيرها فلا تأخذها مني الآن، أعدها لي يا الله فهي الأمل ...
بالطبع أخذها حسان ورجاله بعيدا عن البيت الريفي ووصلوا بها إلى مكان بعيد لا تعرفه وقد بدء النهار يعلن عن وصوله وانتصاره على الظلام، كانت الفيلا صغيرة أصغر من فيلا آدآدمأمسكوها بقوة إلى الداخل وهي لا حول لها ولا قوة ووضعوها بغرفة دافئة وجميلة واسعة ومفروشة على الطراز الريفي، تركوها جالسة على طرف الفراش وابتعدوا إلى الخارج وتوقف حسان في منتصف الغرفة يتأملها ثم قال
"هذا بيتك يا عروسة ستقيمين به معي أنا وحدي وستكونين لي أنا"
هزت رأسها بقوة نفيا ولكنه أطلق ضحكة شيطانية ثم اتجه إليها وفك الشريط اللاصق بقوة فصرخت من ألمها وقال "ليس لكِ حرية الاختيار"
نظرت إليه بغضب وقالت "أيها الكلب الجبان أنا زوجة أخيك ولا أجوز لك كيف تجرؤ على ذلك؟"
عاد يضحك وقرب وجهه منها وقال "أنا لا يهمني ما يجوز وما لا يجوز أنا أحصل على ما أريد وقتما أريد وأخي الذي هو زوجك لن يمكنه أن يراكِ مرة أخرى، هذا البيت لا يعرفه أحد سوى رجلين من رجالي أنتِ لي هل تفهمين؟"
بصقت في وجهه فأغمض عيونه وهو يمسح لعابها من على وجهه وهي تقول "سيراني وسيأتي إلي وهو الذي سينقذني منك يا جبان ولن أكون إلا له هو فقط هل تفهم؟ لن أكون لخسيس وجبان مثلك"
ضحك بقوة أثارت الخوف داخلها وقال "أحب قوتك هذه تعجبني و..."
قاطعه رنين الهاتف، حدق فيها لحظة قبل أن يتراجع لهاتفه نظر به ثم قال لها "مضطر لتركك يا قمر مرة أخرى ولكني سأعود لنكون على راحتنا أيامنا القادمة لنا وحدنا"
لم ترد عليه وهو يبتعد إلى الخارج، ما أن خرج حتى فكت الحبل بأسنانها من يدها وكذلك قدماها وأسرعت إلى الباب ولكنه كان مغلق، تراجعت وهي تشعر بأن الأمل ينساب من بين يديها ولكن لا، هي لم تعتاد على أن تستسلم، أخذت تتجول بالحجرة وفتحت النافذة ولكنها وجدت قضبان من الحديد عليها، تراجعت والنهار قد أشاع بضوءه حولها والأراضى الزراعية تنتشر أمامها ولا يوجد أحد إلا رجلان يقفان أمام البوابة نظرا إليها فتراجعت وهي تغلق النافذة مرة أخرى
جالت في الغرفة ويى تحاول أن تفكر في حل، لابد ألا تستسلم لذلك الرجل ولكن ترى ماذا يمكنها أن تفعل؟ ربما لا يبحث عنها آدم، ربما ارتاح منها عليها أن تساعد نفسها
بحثت بالغرفة عن أي شيء يمكنها أن تفتح به الباب فلم تجد شيء، انهارت على طرف الفراش في تعب وإرهاق وتذكرت أول حادث لها هنا بالعزبة وأنقذها آدم، هل سيفعل هذه المرة أيضا أم كما ظنت سيتخلى عنها؟ زادت دموعها ودقات قلبها من الفزع والخوف
أحضر لها أحدهم طعام لم تمسه ولكنها سرعان ما راحت في النوم دون أن تشعر، عندما استيقظت كان الظلام قد حل ولم تجد الطعام، انفتح الباب ودخل نفس الرجل بطعام آخر ولم يتحدث وضع الطعام وخرج، كاد يغلق الباب ولكن حسان دخل فتراجع الرجل خارجا ..
لم تتحرك من على الفراش وهو يتقدم منها حتى جلس أمامها والطعام بينهما وقال "أراكِ أفضل، النوم أعاد لكِ جمالك الفتان، هيا دعينا نتناول الطعام سويا قبل أن نمضي ليلتنا الأولى"
لم ترد ولم تتحرك، أبعد صينية الطعام قليلا مفسحا لنفسه مكان فتقدم منها، تراجعت ولكنه كان أسرع وأمسكها من ذراعها وقال وهو يقرب وجهه منها
"عندك حق ندع الطعام الآن لا وقت له"
دفعته بقوة فتراجع كادت تنهض لولا أن أعادها من شعرها فصرخت وهي تمسك يده وتقول "اتركني يا كلب، اتركني"
قربها منه وقال "وهل يعقل أن أفعل؟ أنتِ لي أنا وحدي"
لمست أنفاسه وجهها وتسللت يده على جسدها فاقشعر جسدها منه، صفعته بقوة على وجهه ولكنه ابتسم وقال "أعشق العنف يزيدني رغبة"
كاد يقيدها ولكنها كانت قد خططت وشرعت في التنفيذ، مالت بجسدها بعيدا عن وجهه القبيح وبيدها الحرة أمسكت قدر الشوربة الساخن ورفعته لتقذفه على مؤخرة رأسه بقوة
صرخ حسان من قوة الضربة ومن سخونة الشوربة التي أحرقت جسده فابتعد عنها وهلة كانت كافية لأن تنهض وتسرع إلى الباب وتخرج من الغرفة وتسرع إلى الأسفل، لم يكن هناك أحد ولم تتجه إلى الباب وإنما إلى باب جانبي فتحته ودخلت كان المطبخ لم يكن هناك أحد، سمعت صراخ حسان وهو ينادي رجاله فوجدت سكين أخذته وفتحت الباب الآخر الذي أدى بها إلى الحديقة، تسللت دون أن يقابلها أحد، اختبأت وراء شجرة كبيرة ورأت أحد الرجال يسرع إلى باب المطبخ ولم يراها فتحركت مسرعة إلى سور الحديقة وتسلقت السور الحديدى وخرجت إلى خارج الفيلا وأسرعت بكل قوتها إلى الأرض الزراعية وسط عيدان القصب الطويلة دون أن تعرف إلى أين تذهب وسط ذلك الظلام ولكن المهم أنها خارج تلك الفيلا بعيدا عن ذلك الرجل الكريه ..
لاحظت أضواء الكشافات الآتية من الخلف فزاد خوفها وزادت سرعتها وأنفاسها تكاد تنقطع من المجهود والخوف وزادت الأنوار من الاقتراب وكذلك أصوات لم تتبينها ولم تعد تعلم من أين تأتي الأصوات ولا الأضواء؟ وأخيرا وصلت لنهاية الأرض الزراعية وفجأة اصطدمت بضوء قوي في عيونها فأغلقتها ويد قوية تحيطها بقوة فصرخت وهي تحاول أن تدفع السكين الذي بيدها في جسد صاحب اليدين ولكنها لم تستطع واليدين تحاوطها وهي تصرخ بفزع
"اتركني، اتركني أيها الندل"
ولم تستطع أن تقاوم أو تسمع لصاحب اليدين وهو يناديها وآنما غامت الدنيا حولها وسقطت في عالم الظلام دون أن تشعر بما حولها