رواية انيسي المنتظر الفصل الاول1بقلم يارا ابراهيم


رواية انيسي المنتظر الفصل الاول1بقلم يارا ابراهيم

"في لحظة فقد... قد يكتب الله لك لقاء يُحيي فيك الأمل من جديد."
__________________________

- إنتِ مطرودة يا إسراء. 

وقعت تلك الكلمات علي مسامع «إسراء» الجمتها، ثم تداركت الموقف سريعاً وهي ترسم إبتسامة علي محياها قائلة: 

-مُتشكرة يا أستاذ حسن، تشرفت بالشغل مع حضرتك، السلام عليكم. 

شعر «حسن» بالحزن تجاه تلك الفتاة، لكن ليس خطأه فهي من تأتي كل مرةٍ متأخرة وهو يسامحها ولكن هذة المرة لا مجال للمسامحة، فهي بتأخرها أضاعت صفقة كانت ستنقل الشركة لمكانة أخري، ومديره قاسٍ لا يعرف معني المسامحة، قال «حسن» قبل أن تخرج: 

"إنتِ عارفه يا إسراء إنه مش بإيدي أنا لو عليا بسامح، لكن البشمهندس عامر". 

أكملت «إسراء» كلامه بعدما تنهدت: 

" عارفه يا أستاذ حسن، ولكن المفروض البشمهندس يكون مقدر إني بتأخر بسبب إني بيتي بعيد جداً عن هنا،أو علي الاقل علشان موجودة في الشركة من خمس سنين من أول ما اتخرجت، وحتي قبل ما هو يمسك إدارة الشركة مكان والده أستاذ محمد العِمري، لكن أنا مش مضايقة يمكن ماليش نصيب أكمل هنا، واللى رزقني الشغل هنا قادر إنه يرزقني غيره، سلام عليكم"

هي لم تره من قبل لأنه نادر الحضور، لكنها سمعت الكثير عن قسوته، قال «حسن» بحزن لتلك الفتاة فهو يعلم كم حاجتها للعمل هنا: 

- طيب عدي علي الحسابات خدي باقي حسابك. 

"هزّت «إسراء» رأسها بالموافقة وخرجت، ثم ذهبت للحسابات كما قال لها «حسن»، من ثم خرجت من الشركة نهائياً، كانت «إسراء» تتجول بين الشوارع وهي لا تدري ماذا تفعل؟، ماذا تخبر والدتها.. وأخواتها؟؛ أثناء تفكيرها سمعت صوت عالٍ قادم نحوها، لتغمض عينها مستسلمة تماماً، فتسمع صوت فرامل عالٍ للغاية، لينزل شاب في أوائل الثلاثينات من عُمره وهو يقول بقلق: 

-إنتِ كويسه يا آنسة أنا متأسف بس إنتِ الغلطانة حد يمشي سرحان كده. 

قالت «إسراء» وهي تُنزِل رأسها أرضاً "

- ولا يهم حضرتك أنا فعلاً الغلطانة، وبتأسف لحضرتك ماخدتش بالي. 

نظر الشاب لتلك الفتاة، فكانت شابة في منتصف العشرين من عُمرها ترتدي خِمار باللون الأبيض علي فستان أزرق به سحاب أبيض، فكانت ملامحها هادئة تجذب الطمأنينة لقلب أي شخص يتحدث معها بإستثناء شخصاً ما، مدّ الشاب يده إلى جيبه ثم أخرج كارت وهو يمده لها وفي عينيه نظرات الإعجاب بتلك الفتاة قائلاً: 

- أنا شهاب العِمري، ده الكارت بتاعي لو احتاجتي حاجه. 

قالت «إسراء» بلهفة وأمل وهي ترفع نظرها له: 

-هو حضرتك إبن البشمهندس محمد العِمري. 

قالت جملتها هذه ومن ثم أنزلت رأسها ثانياً، كان «شهاب» مستمتع بالنظر لعينها ولكن «إسراء» قطعت تلك المتعه بإنزال رأسها فقال بإبتسامة علي حركتها العفوية: 

-أه بس إنتِ تعرفيه. 

اجابت «إسراء» وهي تشير بسبابتها تجاه الشركة: 

-أه أنا بشتغل معاه في شركته دي بقالي خمس سنين....لكن؟. 

قالت «إسراء» جملتها متوقفة ومن ثم كتمت دموعها وقالت بـ ثبات: 

-لكن إتطردت النهارده. 

"إتطردتي ! ". 

قالها «شهاب» في حاله من الإستغراب، هزّت «إسراء» رأسها بالتأكيد، لِـ تأكد ما سمع فقال هو بنبرة متعجبه: 

-اتطردتي ليه بما انك معاهم من زمان ده بيدل علي كفاءتك. 

"تنهدت «إسراء» وقررت أن تروي له ما حدث ظناً منها أنه يمكنه المساعدة، فابتسمت و حكت له كل ما حدث، فقال وهو يضع يده بشعره كأنه يفكر: 

-أنا كنت أقدر أساعدك لو أبويا، لكن؟. 

قال جملته تلك وهو في حيرة من أمره، ثم أكمل بفقدان أمل: 

-لكن عامر أخويا الأمر شبه مستحيل، شبه إيه!... لا ده مستحيل فعلاً. 

كانت «إسراء» تعلم إجابته لكنها كانت تتشبث ببعض الأمل، ولكن بعدما سمعت حديثه هذا أيقنت بالفعل أن عملها في تلك الشركة مرة أخرى مستحيل، تنهدت «إسراء» وابتسمت قائلة: 

-شكرا لحضرتك يا أستاذ شهاب تعبت حضرتك معايا، ومتأسفة مرة تانيه لأمر العربية، لكن أنا اتأخرت ومضطرة أمشي، السلام عليكم. 

قال «شهاب» بنبرة ودودة: 

-طيب اتفضلي أنا هوصلك. 

-لا شكرا لحضرتك بس حضرتك أجنبي عني و ماينفعش أركب مع حضرتك العربية. 

قالت «إسراء» تلك الكلمات بثقة، فحدود الله لا خجل فيها، ولكن أندهشت عند وجدته يقول: 

-أجنبي؟!.. لا لا إنتِ فاهمه غلط أنا كنت مسافر بره، لكن أنا مصري عادي. 

فهمت «إسراء» إن تعمقه في الدين سطحي، سطحي فقط بل جداً فقالت وهي مازالت مُنزِلة رأسها: 

- لا لا بص.. أجنبي عني، مش يعني إنك مش مصري، القصد بالكلمة دي إنك مش من محارمي اللي هما (الأب _الأخ_العم _الخال _الجد) ومشتقاتهم زي عم الأب وكذالك. 

قال «شهاب» وهو مُندهش بتفكيرها وعقليتها، فهو منذ عودته لمصر لم يري واحده تغض بصرها، أو ترتدي مثلها، أو على أقل تقدير بعقليتها تلك: 

-فهمتك..... خلاص هنركب مواصلات عامة، ده عادي صح؟!. 

اجابت «إسراء» وهي تشعر بالصداع، فهي تتجول في تلك الشمس الحارقة منذ ساعة: 

-هو عادي... لكن مالوش لزوم اتعب حضرتك يعني. 

-لا ابدا ولا تعب ولا حاجه يلا. 

ركبا المواصلات العامة بالفعل، و وصلت «إسراء» المنزل وطلبت منه أن يتفضل لضيافته، ولكنه رفض بـ حجه إن لديه عمل، صعدت «إسراء» لمنزلها المتوسط الحال في حي شبه هادئ، فالمنزل يتكون من طابقين، الطابق الأول به عمها «ياسر» رجل يبلغ من العمر 70 وزوجته «منى» تبلغ من العمر 60،ليهم ثلاث أبناء أكبرهم «فرح» وهي فتاة متخرجة من الجامعة وهي متزوجة ولديها طفلان وتبلغ من العمر 35 سنه، أما الثاني «مصطفى» وهو شاب متزوج ولديه طفل ويبلغ من العمر 30 سنه، أما الثالثة والأخيرة فهي «وئام» وهي فتاة في السنة الاخيرة من الجامعة وتبلغ من العمر 22 سنه، أما في الطابق الثاني تسكن «إسراء» اللتي تبلغ من العمر26 ووالدتها «ليلى» وهي تبلغ من العمر 58 وأخواتها «ميسون» صديقة «وئام» إبنة عمها في الجامعة وخارجها، والأخري «يمنى» وهي فتاة في السنة الاخيرة من الثانوي وتبلغ من العمر 17 سنه، دلفت «إسراء» لغرفتها فور صعودها وبدلت ملابسها وجلست علي السرير، وفتحت مُذكراتها لـ تُُدون ڪعادتِها، ڪاتبة: 

"أَتُـراني أُبـالِغُ حـين أقـولُ: أننـي أُحِـبُّ شخـصًا لا أعـرفُه؟
أحبـبتُه فـي غيـابه، أحببـتُه بيـنَ السـطورِ، فـي اللحـظاتِ التـي تمنَّيـتُ لـو كـان فيـها جِـوَاري.
كلـما ضـاقتْ بـي الحيـاةُ، دعـوتُ الـله أن يبـعثَ لـي أنيسـاً لـروحي، ذلـك الـذي يحتـضنُ ضعـفي دون سـؤالٍ، يُنـصتُ لصمـتي قـبل كلمـاتي.
أتعلـم؟ لـم أعُـدْ أُريـدُ فـارسًا ولا معـجزةً... أنـا فقط أُريـدُ قـلبًا يُشـبهني... يتعـبُ مـن الوحـدةِ كـما تعبـتُ أنـا". 

أغلقت «إسراء» المذكرات وهي تُسقط بعض الدموع ولكن أخذت نفساً عميقاً ومحت دموعها ورسمت إبتسامة علي محياها، ودلفت لخارج الغرفة لتري ماذا تريد والدتها، قائلا بمرح: 

"لولة..... لوووولة، إنتِ فين يا ست الكل يا حبيبة". 

ليأتيها صوت والدتها من الجهة الخلفية قائلا... 

" أنا هنا يا أخرت صبري في المطبخ ". 

ذهبت «إسراء» للمطبخ وهي تقول بمشاكسة:... 

" إية ده يا لولة مكرونة بشاميل !، محشي !، حمام !، لا لا شكلك راضية عننا أخر رضا ". 

الأم برفعت حاجب فهي تعرف بناتها جيداً:... 

- رضا دي تبقي خالتك، جيبي من الأخر يا ختي بلاش مقدمات أنا مستكفية والله. 

-مستعدة للخبر اللي هقوله يعني. 

-قولي بس بالراحة علي أقل من مهلك، علشان لو حاجه زي وشك ألحق أمسي عليكي بالشبشب. 

«إسراء» بإبتسامة وهي تُأهب نفسها للجري... 

" اتطردت من الشغل ". 

لما تتحرك «إسراء» من مكانها واستغربت إن والدتها لم تُبدي أي ردت فعل فقالت متعجبة: 

- مالك. 

- ليه. 

أجابت والدتها بتلك الكلمة لتقول هي: 

- إنتِ عارفه إن الشركة بعيدة عن الشغل. 

-عارفه!... لكن عارفة كمان إن الأستاذ حسن عارف ومقدر، خصوصا إنك معامهم من زمان وبقيتي خبرة. 

أجابت «إسراء» والدتها بحنق: 

-لا ماهو اللي طردني مش الأستاذ حسن، ده البشمهندس عامر. 

- عامر اللي كنتِ بتقولي إنهم بيقولوا عليه قاسي وماعندوش رحمة ولا عنده حد يغلط وغيره مش فاكره دلوقتي. 

-هوا بعينه. 

أجابت الأم وإبتسامة الرضا تعلو محياها: 

- الحمد لله... عادي مش الشركة الوحيدة يعني، دوري علي غيرها. 

- بس يا ماما لما ادور على غيرها وارجع اشتغل مش هاخد اللي كنت باخده من الشركة، و إنتِ عارفه إن احتياجات البنات كتير غير طبعاً مصاريف الكلية لـ «ميسون» والدروس والكتب لـ «يمنى»، ده كله غير مصاريف البيت والجمعية بجد أنا مش عارفه اعمل ايه إحنا في الدنيا لوحدنا من غير سند، عارفه إن عمي موجود بس كل واحد مشغول بحياته، كان نفسي أبويا يكون موجود، كان نفسي قوي يا ماما. 

قالت «إسراء» كلامها هذا وأنهارت لم تعد تستطيع تحمل هذا العبء وحدها، كانت تبكي وتشهق، وفجأة قل الأكسجين لديها لتبدأ بالإختناق، فقالت الأم ببكاء: 

- يا يمنى.. يمممنى. 

أتت «يمنى» بعجلة وقالت بتوتر...... 

- فيه ايه يا ماما..... ايه ده مالها إسراء. 

- هاتي الجهاز بتاعها بسرعه. 

أسرعت «يمنى» إلى غرفة «إسراء» تبحث عن الجهاز، لكنها خرجت وهي تبكي قائلة: 

- مش لاقياه. 

                    الفصل الثاني من هنا
تعليقات



<>