رواية عزبة الدموع الفصل العشرون20بقلم داليا السيد

رواية عزبة الدموع الفصل العشرون20بقلم داليا السيد 

حزن لم تكن الدموع كافية لتغسل كل الألم الذي اجتاحها لقد قضت على كل شيء، ضيعت كل شيء، ولكن لقد ضاع كل شيء أصلا، علاقته بأميرة أكبر إثبات على ذلك، رن هاتفها ولكنها لم تهتم أحزانها تذهب قوتها على فعل أي شيء 

عاد الهاتف ورن مرة أخرى، نظرت إليه وكان آسر، احتارت هل ترتردآسر هو صديقها الوحيد ولكن الآن الوضع اختلف 

أجابت "أهلا آسر كيف حالك؟" 

رد بصوت هادئ "رنين كيف حالك وحال العمل؟" 

قالت وهي تحاول أن تبدو طبيعية "بخير وأنت؟ متى ستنتهي؟" 

أجاب "لم أعد أعلم الأمور هنا ليست كما تمنينا لذا التأخير أمر أكيد وأنتِ متى ستنتهين وتعودين؟"

أغمضت عيونها بألم فهي لم تعد تعلم كيف ستسير حياتها بعد اليوم لقد أخبرها أنه سيبتعد عنها حتى ترتاح "رنين أين أنتِ؟ ران، الو"

عادت لنفسها وقالت "لا أعلم المزرعة ما زالت تحتاج عمل كثير ووقت أكثر لا أستطيع تحديده"

سأله فجأة "رنين هل ما زلتِ تذكرين عرضي بالزواج؟" 

انقبض قلبها، لا ليس الآن أرجوك أنا لست بحالة تسمح لى، أي زواج هذا لقد انتهت من الحياة فكيف تبدء حياة أخرى؟ أبعدت الهاتف وبكت مرة أخرى 

سمعت نداء اسر فعادت تقول " انا هنا الشبكة ضعيفة " 

صمت قليلا وقال "حسنا رنين انا اسالك عن زواجنا الا يمكن ان تكونى فكرتى ووصلتى لقرار " 

تنفست بصعوبة عليها أن تخبره أنها زوجة لرجل آخر سلمته قلبها لكن كيف تخبره وهو بالغربة؟ لن تؤلمه لذا قالت "آسر هناك أشياء كثيرة حدثت لي هنا ربما لا يمكنني أن أخبرك بها الآن ولكن عندما تعود بالتأكيد سأخبرك وأعلم أنك ستتفهم الوضع" 

صمت قليلا قبل أن يقول "كلامك زاد من قلقي يا ران وأجد نبرة الرفض في كلامك، رنين أنا أحبك و أنتِ تعلمين ذلك أم أن الباش مهندس آدم له رأي آخر" 

ارتجفت وارتج قلبها من ذكر آدم، هل عرف شيء؟ آدم لم يخبر سالم بالزواج فهل عرف؟ حاولت أن تهدء ثم قالت "ماذا تعني؟ لا أفهم كلامك، ما دخل آدم بي" 

قال "لا أبدا مجرد سؤال عموما ربما عندما أعود نتحدث تعلمين أنكِ بالقلب إلى الأبد"  

لم ترد ولكن دقات الباب القوية أفزعتها فاعتدلت في الفراش وقالت "آسر لابد أن أذهب، سأهاتفك مرة أخرى، إلى اللقاء"

فتح الباب دون مقدمات، كانت منى تنهج بفزع ودموع فأسرعت إليها وقالت بفزع "منى ماذا حدث؟ العمة أصابها شيء؟ انطقي"

قالت منى بدموع "لا، إنه سي آدم، عم صابر والباش مهندس هيثم وجدوه بالأرض فاقد الوعي و..."

لم تنتظرها أن تكمل وقلبها يأمرها وهي تنفذ، أخذت هاتفها وأسرعت إلى الخارج قابلتها العمة وهي تناديها ولكنها لم تسمعها، كلمت هيثم وأخبرها أنهم بطريقهم للمشفى، أخذت سيارة آدم وانطلقت والدموع تتلاحق، هي السبب، نعم لو أصابه شيء لن تسامح نفسها، ارتسمت ابتسامته الهادئة أمام وجهها وشعرت بلمسة يده على خدها فزادت من نحيبها ثم رأته وهو يجذبها إلى أحضانه ويلتمس قبلتها فهتفت من داخلها 

"لا يا آدم، أرجوك لا،  لن تتركني الآن، أنت كل من لي، نعم كل من لي، أنا كاذبة أنا أحبك يا آدم، أحبك ولا يمكنني أن أرى أو أسمع أو أن أتنفس بدونك، أنت الحياة يا حبيبي، أنا السبب، أنا ضيعتك مني لن ترحل، يا رب لا، لا تجعله يتركن، لا سأموت بدونه" 

لم تعد ترى أمامها من الدموع ومن قطرات المطر ولكنها لن تتوقف إنه آدم، حبيبها، زوجها، قلبها، أنفاسها ونبض حياتها

عندما وصلت المشفى كانت تجري بكل قوتها إلى الداخل وأخيرا رأت هيثم وصابر وبعض الرجال يقفون مع أحد الأطباء، أسرعت إليهم وهي تخترقهم بفزع وهتفت

"عم صابر أين آدم؟ أين هو؟ أجيبوا، أين زوجي؟ ماذا أصابه؟  لماذا لا يجيبني أحد؟ أين هو؟"

أحاطها عم صابر بحنان ونظر إليها وقال "اهدئي يا رنين يا ابنتي هو بالعناية، اهدئي"

نظرت للطبيب وقالت "عناية! لماذا؟ ماذا حدث؟ أرجوك أخبرني"

نظر الطبيب إلى هيثم الذي قال "الباش مهندسة رنين خطيبة آدم يا أيمن"

هز رأسه وقال "اطمئنى هو الآن مع الأطباء المختصين وأنا سأدخل معهم لأعرف حالته وسأخرج لأخبركم بحالته"

أمسكته من ذراعه وجذبته وقالت "خذني معك أريد أن أراه" 

ابتسم وقال "تعلمين أنه لا يجوز، اطمئني هو برعاية الله ثم رعاية الأطباء"

تراجعت بين أيادي عم صابر الذي قال"اهدئي يا ابنتي وتعالي اجلسي هنا" 

ولكنها قالت "لن ابتعد عن ذلك الباب حتى يخرج آدم منه"

مر وقت ووصلت العمة مع أحد رجال آدم، وضعت المرأة يدها عليها فنظرت إليها ثم جذبتها إلى أحضانها فقالت العمة "ابني بخير اطمئني، سيخرج لنا سليما"

لم ترد وكل ألمها أنها تعلم أنها السبب، مر وقت ليس بطويل حتى خرج أيمن فالتف الجميع حوله بينما ظلت هي واقفة دون حراك إلى أن قال "أزمة قلبية، ولكن الحمد لله أسعفناه ل أنكم جئتم به في الحال، ما الذي حدث؟  هل حدث شيء أغضبه أو ضايقه؟"

التصقت بالحائط وهي لا تعلم هل هي السبب حقا؟ هل آلمته كلماتها إلى هذه الدرجة؟ هل كان يفكر بها كما تفعل هي وكلامها صده 

أجاب هيثم "لا أظن، أدم ليس من ذلك النوع الذي يتأثر من الغضب ثم أنا تركته آخر اليوم مع المهندسة وكانا بأفضل حال" 

التف الجميع إليها وشعرت وكان نظرات الاتهام بعيونهم ترصدها وتنتظر ردها هزت رأسها وقالت "لا أعلم، لم يخبرني بشيء لقد أعادني إلى البيت ورحل"

قال أيمن "على العموم التحاليل والإشعات ستخبرنا بالكثير" 

تمنت لو تطلب رؤيته ولكن كيف وهي الآن سبب ما هو فيه لن يقبل رؤيتها بالطبع

أكمل أيمن "سيظل بالعناية إلى أن يفيق ونطمئن على القلب وأن الأزمة لم تتلف أي شيء بالقلب"

لم تعد قدماها تحملها فسقطت على الأرض ملتصقة بالحائط أسرع أليها هيثم وقال "رنين، رنين هل أنتِ بخير؟ هيا تعالي" 

ولكنها لم تنظر إليه وهي تهز رأسها نفيا وهي قررت أنها لن تترك مكانها أبدا 

مر الليل كله والجميع ينتظرون متفرقون وهي ما زالت على الأرض وقد أغمضت عيونها وتركت نفسها مع ذكرياتها معه وقت الخطوبة عندما كانا يرقصان سويا والسعادة تشاركهم اللحظة وعندما خطفت وأعادها، كم كان حنونا ورقيقا، كم تمنت أن تعود تلك اللحظة ولكنها عادت وتذكرت أميرة وكلامهما سويا فزادت ألم وحيرة 

مع من أنت يا حبيبي؟ مع قلبي الذي انفطر عليك؟ مع عشقي الذي ذاب بين راحتيك؟ أم مع تلك المرأة التي لا معنى للحب والأخلاق والفضيلة عندها؟ أيهما سلك قلبك يا حب عمري

وصل الصباح بأمل جديد، وصل أيمن وساعدها عم صابر على النهوض، كان أيمن يمسك بيده بعض الأوراق نظر إليهم وقال "هل آدم أخذ أي أقراص بالأمس؟ أي علاج؟" 

نظر الجميع لبعضهم البعض ثم قال عم صابر "ربما يا بني نحن لا نعلم، لماذا؟" 

ولكن العمة قالت "كان متعب قليلا في الصباح وتناول العصير الخاص بي ربما تناول شي عندما تركني"

قال أيمن "التحاليل تقول أنه تناول نوع من العلاج يؤدي إلى أزمة قلبية في الحال فهل يخبرني أحدكم كيف؟"

نظرت هي إليه بتساؤل وتذكرت أميرة، لقد كان العصير للعمة وهو تناوله، إذن هذا هو سبب الأزمة وليس هي كما ظنت، زاد غضبها من أميرة وكادت ترد وتخبر الجميع  لولا أن خافت أن تخطئ وربما لن يصدقها أحد فهي لا تملك أي دليل على ما حدث فاختارت الصمت حتى تراه..

*****

شعر بأن هناك من يجذبه من تلك الدوامة التي تسحبه لأسفل عندما نظر وجدها هي بعيونها البنفسجية تبتسم بحنان ورقة وتمسك يده وتجذبه لأعلى ابتسم وقال "لم تتركيني"

زادت ابتسامتها وقالت "وهل أنا تركتك؟" 

شعر بنفسه يرتفع لأعلى ونور قوي يسطع حوله، أغمض عينه ثم فتحها فوجد نفسه وسط غرفة مليئة بالأجهزة والممرضة تنظر إليه وتبتسم، رفع يده فشعر بأجهزة معلقة بيده وذراعه، أعادت الفتاة يده وقالت 

"الحمد لله على السلامة يا فندم، أنت بخير"

كان أيمن يتقدم منه ابتسم وقال "الحمد الله على السلامة يا وحش"

لم يكن يفهم أي شيء لم يتذكر إلا صراعه معها وكلماتها والمطر وألم صدره و، قال "ماذا حدث؟"

أجاب أيمن "لا أعلم الأمر غريب وجدنا بدمك آثار دواء يسبب أزمة قلبية وهو بالفعل أصابك بأزمة قلبية ولكنها بسيطة لأن الجرعة لم تكن كبيرة، هل تخبرني كيف تتناول مثل هذا الدواء؟ ولماذا؟ أنت لم تشكي من أي شيء"

بالطبع أدرك أنه الدواء الذي أحضرته أميرة ولكن كيف وقد حصل هو عليه؟ ومتى وكيف وصل إليه؟ ثم تذكر فجأة العصير الذي تناوله بغرفة عمته بالتأكيد هو ويبدو أن أميرة لم تتراجع

قال "لا أعلم يا أيمن لا أذكر شيء" 

ربت على يده وقال "حسنا على العموم أنت الآن بخير الأزمة كانت بسيطة ولم تتلف أي شيء بالقلب فقط عليك بالحذر هذا الدواء قاتل يا آدم"

لم يرد فقال أيمن "سأخرج الآن لتدخل تلك الفتاة خطيبتك لتراك وإلا ربما تصاب هى الأخرى بأزمة قلبية، حبيبي يا آدم الفتاة تحبك حقا"

حدق فيه هل أجادت التمثيل إلى هذه الدرجة حتى يصدقها الجميع، هز رأسه ولم يرد 

لم تطلب أن تدخل ولكن أيمن ابتسم ونظر إليها وقال "لقد أفاق يمكنك رؤيته الآن"

تحركت بأقدام مهزوزة ورغم لهفتها عليه إلا أن خوفها من مواجهته كانت أكبر، رائحة الدواء والمعقمات ملأت أنفها والأجهزة أثارت رهبة داخل قلبها، بحثت بعيونها إلى أن وصلت إليه كان مغمض العين وجسده متصل بالأجهزة توقفت لا تجرؤ على التقدم ولكنه اشتم عطرها ففتح عيونه ورآها 

كيف يمكن للقلم أن يصف مشاعر الحزن، الألم، الخوف، الغضب، اليأس أو حتى الحب؟ كيف تعبر الكلمات عن خليط من المشاعر لا مسمى لها إلا الحب الضائع؟ 

دقات القلوب علت على صوت الصمت الذى لفهم، فقط نظرات لا تعني إلا حب وحيرة منها وألم وحزن منه..

أبعد وجهه فتقدمت وقد تألمت من رد فعله ولكنها تعلم أنه على حق ولكن هي أيضا على حق ما زالت تتذكر كلماته مع أميرة فتعود للغضب والألم  ..

قالت بصوت مبحوح "أنت بخير؟"

هز رأسه ولم يرد حاولت أن تجد أي كلمات "آدم أنا.." 

خانتها الكلمات فنظر إليها وتذكر الحلم الذي رآه؛ عيونها الباسمة، يداها التي أعادته، كلماتها بأنها لم تتركه، إنها ليست هي، من أمامه شخص آخر، إمرأة أخرى جرحته وأوجعت قلبه، من أرادها دون كل النساء الأخرى لا تريده، من عشق عيونها وذاب بين خصلات شعرها تتألم من وجوده، والآن ماذا؟ ما تلك الدموع؟ من أجل ماذا؟

قال ببرود "لا داعي الآن للتمثيل لا يوجد أحد معنا" 

تألمت أكثر وقالت بنفس الدموع "آدم أرجوك توقف"

قال بهدوء مؤلم "سأفعل، أخبرتك أني سأبتعد وسأفعل" 

انحنت عليه وتسللت يدها ليده بجرأة لم تعرف من أين أتت بها وقالت "أنا آسفة" 

تجول بعيونه داخل عيونها الباكية وقال "على ماذا؟ لو كان على ما كان بالأمس فقد كان منتهى الصراحة منكِ وأنا أحترم صراحتك"

قالت بألم تمنت لو يدركهو"آدم أرجوك لا تكن قاسي أنا لم أقصد"

أبعد يده وعيونه وقاطعها بقوة تتناقض مع شدة ضعفه "لا داعي لأي كلمات الآن ولا تظنين أن ما أصابني كان بسبب ما كان فكلانا لا يمثل أي شيء للآخر، ما أصابني أنا وأنتِ نعلم سببه وأنا لا أريد أن يعلم أحد عن ذلك الدواء شيء، ليس الآن هل تفهمين؟" 

تراجعت بألم، هو حقا يؤلمها بنفس الألم مرة أخرى، أميرة مرة أخرى ما زال يصر على أن يوسع الفجوة بينهما وربما يحاول أن يؤلمها بقوة أكبر فهو الآن يدفع الذنب عن أميرة  وهو وهي يعلمان أنها مذنبة 

قالت وهي تحاول أن تستوعب كلماته "ولكن.."

قاطعها بقوة "ليس هناك لكن، هذه رغبتي وإذا لم تسمعي سأنفي أي كلمات ستنطقين بها"

عادت الدموع والغضب وقالت "تحبها وتخاف عليها إلى هذه الدرجة؟ ما زلت باقي عليها رغم أنها كادت تقتلك وأنا التي ظننت أن"

توقفت وعادت للبكاء نظر إليها وكم تألم لدموعها ولكن لم يعد للألم مكان، قال "ظننتِ ماذا؟"

مسحت دموعها وقالت بحزن "لا شيء، أنا فقط أخاف من أن يتكرر الأمر"

قال بسخرية واضحة "لا تخافين على نفسك رجالي يحمونك جيدا"

تألمت وقالت بضعف "آدم كفى، أرجوك توقف ما حدث أمس"

قاطعها بحزم "ما حدث أمس انتهى واندفن بطين الأرض التي وقفنا عليها وتأكدي أني لن أزعجك مرة أخرى، سنكمل التمثيلية الدرامية إلى النهاية إلا إذا أردتِ الرحيل"

قالت بدهشة ل-ن الكلمة لم تخطر على بالها ولا الفعل "الرحيل؟"

أبعد عيونه وقال "نعم، ولكن لا أظن فأنا أعلم أنكِ تريدين المزرعة، لا تقلقي هي لكِ وأنا معكِ حتى تنتهي فقط إذا احتجتِ لشيء لها أما غير ذلك فلا داعي لأن يكون أحدنا مؤلما للآخر ووقتماحريتين حريتك"

ولم يكمل وأغمضت هي عيونها بألم وقد أدركت أن كل شيء انتهى، هي كلماتها وهو يذكرها بها، قالت بضعف "نعم لا داعي لأن يكون كلا منا مؤلما للآخر، على العموم لا تقلق أنا أيضا لن أقف في طريقك مع من تريد أخبرتك مرارا أنني لا أنتمي إلى هنا ولكن يبدو أنني لم أفهم الأمور جيدا"

نظر إليها دون أن يفهم وقال "أي أمور التي لا تفهمينها؟ وماذا تقصدين بكلامك هذا؟"

نظرت إليه بألم وقالت وقد فكرت وقررت "لا تشغل بالك بي ولا بكلامي، لم يعد يهم"

زادت دموعها وتحركت لتذهب ولكنه نادها "انتظري" 

لم تنظر إليه فأكمل "لا تخبري أحد بأمر الدواء هل تفهمين؟" 

عادت تنظر له نظرة كلها غضب وألم وحزن ثم أبعدت عيونها وتحركت مبتعدة إلى أن وقفت أمام باب الغرفة وعاودها البكاء بشدة حتى هدأت ثم خرجت وهي تعلم أنها خسرته إلى الأبد وهو أيضا خسرها للأبد 

لم يفهم كلماتها ولا نظراتها ولكنه أدرك أن صمته عن أميرة زاد الهوة بينهما الآن ستتأكد أن بينهما شيء، وماذا؟ الأمر لم يعد لا يعنيها فهو لا يمثل لها أي شيء فلماذا ستهتم؟ يا الله! 

أغمض عيونه، ليتني أفهمك أيتها المرأة التي أردتها كما لم أرد أحد من قبل ولكن ما زلت أتيه في أعماق عيونك ولا أجد نفسي ولا أعرف أين أنا، فتح عيونه بألم وهو يتساءل هل فقدها؟ الآن لم يعد يعلم ماذا يمكن أن يحدث؟  

بالطبع لم تتحدث مع أحد دخلت إليه العمة واطمئنت عليه ولم يخبرها بأي شيء وانزوت هي بركن بعيد مع أحزانها ربما تتحمل ألمها وتعيش حزنها وتراجع حياتها وتتأكد من صحة قرارها..

في نهاية اليوم خرج إلى غرفة عادية وطلب من عمته أن ترحل وما أن رحل الجميع حتى أدركت أنهما معا هما الاثنان فقط هي وهو وحدهما ..

قال دون أن ينظر إليها "يمكنك الذهاب أنتِ أيضا لست بحاجة لأحد" 

نظرت إليه وقبل أن تجيب كانت أميرة تندفع داخل الغرفة وهي تتصنع البكاء، ارتمت على صدره وهي تقول "آدم حبيبي متى حدث كل ذلك؟ ولماذا لم يخبرني أحد؟"

تسربت الحرارة إلى جسدها من الغضب وهي ترى أميرة تلقي نفسها على صدره وهو لا يبعدها وإنما كان يتابع نظراتها الغاضبة ووجهها الذي احمر قال "اطمئنى أنا بخير"

لم تتحمل فتحركت إلى الخارج وهي تحاول أن تتحكم في أنفاسها المختنقة وقلبها الذي يصرخ متألما مما يحدث له، أسرعت لخارج المشفى حتى لفحتها برودة الجو فأوقفتها لتتنفس بصعوبة لحظة إلى أن استعادت نفسها .

هدأت وقررت أن تعود لأرض المعركة، لا يجب أن تتوقف الآن، الكل يمثل على الكل، عادت للداخل مرة أخرى فرأتها تجلس على طرف الفراش، نظرت إليها وقالت 

"أهلا يا فتاة لا أظن أن لوجودك داعي أنا موجودة "

شعرت بالغيظ وهي تنظر إليه ولكنه لم ينظر اليها فقالت "لا، أنا مكاني هنا بجانب زوجي أم نسيتِ؟ أنا ما زلت رغم كل شيء زوجته وعلى فكرة لن أتنازل عن ذلك"

التفت اليها ولكنها لم تنظر إليه بينما ضحكت أميرة وقالت "حقا؟ ولكني متأكدة أنه سيمل منكِ وسيعود إلي، أنتِ خارج المنافسة يا فتاة أين أنتِ مني ألا تدركين الفارق؟"

اقتربت من الفراش وقالت بهدوء "بل أنتِ التي لا تدركين، أنا أصلا كل المنافسة أنا الزوجة"

ثم التفت إليه دون قصد وقالت بنبرة مختلفة "نعم ، أنا زوجته وشريكته، أحلامنا واحدة اختلفنا أو اتفنا في النهاية أنا لن أكون لسواه"

حدق بعيونها، أه من تلك النظرة يا فتاة!  ماذا تحاولين أن تفعلين بي؟ ماذا تحاولين أن تخبريني؟ كيف تقولين أنكِ لي وأمس..،  لم يعد يفهم أي شيء وتملكته الحيرة من تلك الفتاة التي شقت حياته من حيث لا يدري

قالت أميرة بغيظ "ولكنه سيكون لغيرك، سيكون لي أنا يا عزيزتي ولا داعي لكل تلك الأحلام الكاذبة واستيقظي فهو لا يحبك وإنما مجرد مصالح مشتركة و" 

أوقفها بصوته الغاضب "أميرة"

ولكن رنين تقدمت وتوقفت أمام أميرة وقالت "هل أنتِ متأكدة أنه لا يحبني؟ هل أنتِ متأكدة أنني لا أحبه؟ هل تظنين أنني أبقى هنا من أجل مزرعة يمكنني أن أحصل على مثلها بل وأفضل منها بأي مكان آخر بسهول؟ وجودي هنا له أسباب أخرى لا تعرفيها أنتِ وأمثالك ممن لا يبحثون إلا عن المال"

تحركت أميرة حتى وقفت أمامها وقالت "ليس المال يا فتاة و إنما الحب، أنا أحبه وهو يحبني منذ نعومة أظافرنا وما حدث بيننا كان مجرد خطأ ونحن سنصلحه وسنعيد كل شيء إلى ما كان لذا لابد أن تدركي أن وجودك لم يعد له أي معنى وإن تبقى لكِ كرامة فعليكِ بالرحيل" 

للحظة كادت تضعف أمام كلماتها وهي تعلم أنه عاد إليها ولكنها لم تعتاد أن تخسر بأي معركة فقالت "الرحيل من المكان أمر سهل ولكن ألم تتساءلي هل لو رحلت من العزبة هل س أرحل من قلبه وحياته؟"

ثم تركتهم وخرجت وهي لم توجه السؤال لأميرة وإنما له ولنفسها، هل لو رحلت سيرحل من قلبها ولو كان يفكر بها سترحل من قلبه؟ سؤال لا إجابه له ولكن لا يهم فهي الآن لا تريد أن تكمل وتريد أن ترحل ربما ليس الآن وإنما ما أن يخرج من هنا حتى ترحل ولن تبقى 

مر الوقت بطيئا وأخيرا خرجت أميرة لم تراها فتحركت هي إلى الداخل بعد أن دخلت الممرضة التي قالت "لقد قال الدكتور أيمن أنه بحاجة للراحة لذا أعطيته مهدئ لينام"

كان بالفعل قد نام فهزت رأسها وقالت "هذا أفضل"

بالطبع لم تنم، أفأفكارها أحزانها وخوفها عليه كل ذلك أضاع النوم من عيونها وما أن ظهر نور الصباح حتى اغتسلت ودخلت الممرضة بالدواء فأيقظته ولم تتركه وساعدته في تناول الإفطار رغم البرود الذي تعاملا به إلى أن دخل أيمن وقال 

"صباح الخير، ما هذا؟ أراك أفضل كثيرا واضح آن الاآسة لها تأثير كبير"

احمر وجهها بينما تضايق هو من كلام أيمن،  فحصه أيمن ثم قال "أنت أفضل بكثير يمكنك الخروج أيضا لكنك بحاجة للراحة يوم أو يومين فقط لا ضغوط عصبية أو نفسية"

قال وهو يلاحظ بُعد عيونها " إذن سأخرج"

بالفعل لم يشأ أن يخبر أحد بخروجه  وساعدته هي على ركوب سيارته بجانبها وقادت بهدوء لا تعلم من أين أتاها، بينما كان هو شاردا لا يعلم كيف يفكر في كل ما يحدث، أميرة من ناحية وما كادت تفعله بعمته، وتلك الفتاة التي تقلب كيانه ورغم ما صار بينهما إلا أنه لم يستطع أن يبعدها عن تفكيره لحظة،  ما زال يريدها ويعشق وجودها ويتمنى نظرة عيونها، آه منكِ يا فتاة ماذا يفعل وجودك بي؟ ونظر إليها 

بينما ظلت هي تفكر فيما ستفعل؛ لم يعد لها مكان ولم يعد يهمها شيء، لا المزرعة ولا العمة ولا حربها مع أميرة ولا حتى هو؟ لا هي كاذبة هو شيء آخر هي لن تتحمل بُعده إنه حياتها ولن تستطيع أن تبتعد، الحب كالقيود الحديدية يربط على قلوبنا ويقيد تفكيرنا فيمنعنا من التحرك بعيدا عن أحبابنا، ترى هل سأقوى على فراقك حبيبي؟ ونظرت إليه 

والتقت العيون بنظرة كانت مختلفة كلا منهما يحاول أن يعرف ما بداخل الآخر ولكن هيهات، أبعدت عيونها للطريق وأبعد عيونه للفراغ الذي يحيطهم ..

وأخيرا عاد لغرفته بمساعدتها وتبعتهم العمة وأميرة وسميرة وسمعت أميرة تقول "كيف لم تخبرني بخروجك؟ كنت أتيت لإخراجك"

كانت رنين تضع له الوسائد خلف ظهره بينما قال "لم يكن هناك داعي"

تراجعت هي ونظرت إليه بتعب واضح على معالمها والصمت يلفها ولم تتحدث معه بكلمة واحدة 

تحركت فقالت العمة "إلى أين يا فتاة؟"

توقفت دون أن تنظر لأحد وقالت" أغير ملابسي، كلكم موجودين ولا أعتقد أن آدم بحاجة لي"

ثم تحركت للخارج وهو يتابعها في صمت وقلبه المريض لا يشعر بخير 

ذهب الجميع إلا العمة هي التي بقت، نظرت إليه وقالت "بعيونك ألم لا أفهمه!"

أبعد وجهه وهو يعلم أنها تقرأ ما بداخله فقال "عمتي أنا لم أشفى بعد"

هزت رأسها وقالت "ما الذي حدث بينك وبين الفتاة؟"

أغمض عيونه ولم يرد فقالت العمة بغضب "لن أنتظرك كثير يا ولد تحدث الآن"

نظر إليها وقال بعصبية "لا شيء، فقط وضعنا النقط على الحروف هي باقية من أجل المزرعة وأنا لمساعدتها وبمجرد أن تنتهي.."

ولم يكمل، غضبت العمة وقالت "أنت غبي، هي باقية من أجلك، الفتاة وافقت على كل شي من أجلك وأنت.."

أوقفها بغضب "عمتي أرجوكِ كفى لا أريد أن أتحدث في هذا الموضوع، أنا متعب وأريد أن أرتاح"

ضاقت عيونها فتنهدت وهي تعلم العناد الذي يعشقه ابن أخيها وربما الوقت غير مناسب للكلام هزت رأسها وقالت "حسنا سأتركك لترتاح وأذهب لأرى الفتاة لقد تأخرت سأرى أين ذهبت؟"

لم يرد فهو يعلم أنها لن تبقى بجانبه فكلا منهما الآن واضح وصريح مع الآخر لذا كيف ستواجهه وهو يعلم أنها لا تريده؟ 

قامت وقالت "سأذهب لأراها هي لم تكن لتتركك، أنت لم تراها بالمشفى لقد أوشكت أن تصاب هي الأخرى"

أغلق عيونه وهو يعلم أنها لن تأتي فهما اتفقا على البعد سيظلان يعملان ولكن من بعيد و...

دخلت عمته فجأة مرة أخرى وقالت "ليست موجودة يا آدم، لقد رحلت أخذت ملابسها ورحلت يا آدم ..رنين رحلت

        الفصل الحادي والعشرون من هنا
لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>