
سامحيني
لم يجدها بقاعة الاستقبال فأسرع خارج الفندق، لم يعرف إلى أي اتجاه يمكن أن تكون قد ذهبت، سال رجل الأمن فأشار له على اتجاهها، أسرع بكل قوته وكان المطر قد بدء ينهمر ولكنه أيضا لم يجدها، لم يتراجع ولا يعلم لماذا قادته قدماه إلى شقتها التي كانت قريبة ..
أسرع يصعد إلى الأعلى وبالفعل وجد الباب مفتوح فارتاح أنها موجودة واندفع بكل قوته ليراها ..
*****
أسرعت تجري للخارج وهي تعلم أن كل شيء تحطم على صخور الغش والخداع، تكسر قلبها كحبات البلور المنثور، كادت تسقط بين قطرات الأمطار وهي لا ترى أمامها من الدموع ولم تفكر إلا برؤية والدها، تمنت لو رحلت إليه، أسرعت إلى شقتها التي كانت قريبة
ما أن دخلت وقطرات المياة تتساقط منها من أعلى شعرها وإلى أخمص قدميها، وحتى فستانها التصق بها من المياه التي أغرقتها
وقفت في منتصف الشقة وكأنها تائهة داخل متاهة لا تعرف أبوابها، من هي؟ من أين أتت؟ ماذا يحدث لها؟ بل لماذا يحدث لها؟ ماذا فعلت بنفسها؟ أحبت؟ هل الحب سبب أحزانها؟ نعم هو السبب، توقفي عن الحب إذن، أنتِ السبب، ضعفك السبب، تنازلك السبب، آه كم أحتاجك يا داد
دارت حول نفسها ثم اتجهت لغرفتها، كانت صورته على الفراش جرجرت أقدامها إليه ثم سقطت على الأرض وهي تمسك الصورة والدموع تنهال جاذبة معها ذلك الكحل الأسود الذي كان حول عيونها ليرسم خطوط سوداء حول عيونها وعلى وجنتيها
نظرت للصورة وهتفت بألم "آه، داد كم أحتاج إليك، قلبي يؤلمني داد، أنا أخطات، نعم أخطات لأني صدقتك عندما أخبرتني أننا بالحب نعيش، أنا بالحب مت داد، نعم مت ولم أعد أريد البقاء، أوقفه داد، أوقف قلبي عن حبه فلم أعد استطيع تحمل المزيد من الآلام، لقد تحملت كثيرا داد ولكن لم أعد أستطيع، تعبت والله تعبت، ماذا أفعل بقلبي الذي يحبه؟ لا، أنا لم أعد أحبه، أنا أكرهه، أكرهه، لا، لا أنا أحبه، آه داد، أنا أتألم بشدة، خذني إليك داد لم أعد أريد البقاء"
وانهارت في البكاء وقد بدء جسدها يرتجف من البرودة التي سارت فيه من مياه المطر
دخل الشقة والمياه تتساقط من جسده باحثا عنها بكل لهفة وخوف وألم، لم يجدها ثم سمع صوت بكائها من غرفتها فاندفع إليها ليراها على الأرض بجانب الفراش تحتضن صورة بيدها وتبكي بقوة مؤلمة لقلبه، تسمرت قدمه ولم يعرف كيف سيواجهها وهل ستصدقه وكيف سيثبت براءته؟ لم يعد يعلم ..
همس بخوف وضعف "رنين"
انشق قلبها نصفين؛ نصف لا يريد الحياة ونصف يتألم من الأحزان، صوته أعادها للحياة ولكنها لا ترغب في الحياة فتلك الحياة مؤلمة وهي لا تريدها، لم ترد عليه
وأخير طاوعته قدماه وتحرك إليها ثم ركع على ركبتيه بجانبها وما أن وضع يده عليها حتى انتفضت وصرخت "ابتعد عني، لا تلمسني، أنا أكرهك، أكرهك"
كان يعلم أنه سيواجه بركان من الغضب وهو حقها ولكنه بريء، ولكن كيف لها أن تعلم أو تصدق
قال بألم وحزن "رنين اسمعيني أرجوكِ، أقسم أني بريء، أنا لم أفعل"
وضعت يداها على أذنيها مرة أخرى وصرخت "كفى، لا أريد أن أسمعك، لا أريد، ليتني ما صدقتك ولا تحملت كل ما كان، ليتني ما عرفتك، كيف لم أصدق كل ما كانت تفعله معك؟ كيف كذبت على نفسي ووثقت بك؟ أنت خائن وأنا لا أريدك اتركني وارحل من حياتي، ارحل أريد أن أعود لنفسي التي سرقتها مني"
أغمض عيونه من ألم قلبه ثم عاد وقال "رنين أنا لم أفعل شيء، لقد طلبت مني أن نقابل زوجها ليطلقها لأنه مهاجر بالصباح، رنين صدقيني أنا ربما أخطأت لأني صدقتها ولكن ليس بيني وبينها أي شيء"
هزت رأسها وقالت "طلقني"
تراجع من كلمتها وهتف "ماذا؟"
نظرت إليه بقوة من بين الدموع وهتفت "طلقني، أنا لم أعد أريد الاستمرار معك، لا أريد"
نهض وهو لا يعلم ماذا يمكنه أن يفعل فقال وهو يبتعد "تعلمين أني لن أتركك"
صرخت بقوة "ولكني لا أريدك ألا تفهم؟ لا أريدك، اتركني أعود لحياتي و أصلح ما أفسدته بها، اتركني، أنا تعبت من الحزن والدموع والألم، تعبت من الخيانة، تعبت، تعبت"
لا يعلم لماذا قفز آسر اأامه فالتفت إليها وقال "ولو تركتك ستعودين إليه؟"
استندت إلى طرف الفراش ووقفت لتنظر إليه وهي لا تصدق أن هذا هو كل ما يهمه، قالت "أهذا فقط كل ما يهمك؟ تخاف على كرامتك من أن أتركك لرجل آخر؟ وكرامتي أنا التي كنت وما زلت تدهسها بعلاقتك بتلك المرأة؟ علاقتكم التي لا أعلم ما هي وأنا تلوم علي لمجرد وهم بخيالك؟ أنا لا يهمني بماذا تظن أو تفكر بي، أنا أريد حريتي، أريد حياتي"
ابتعد من أمامها وقال محاولا ضبط الأمور "هل تهدئين قليلا ثم بعد ذلك .."
قاطعته بقوة "أنا هادئة فقط ٱريد أن أرتاح وأعود لحياتي"
لا يعلم كيف كان يفكر وهو يقول "لتعودي إليه كما كنتِ بأحضانه اليوم"
ذاد غضبها ونظرت إليه تواجهه بقوة وقالت "أتعلم، أنت إنسان أناني لا تفكر إلا بنفسك وكرامتك ولا تشعر ولا تحس بأحد ممن تؤلمهم بسهولة من حولك وإذا كنت تظن أني سأكون لآسر فظن كما تشاء لأني لن أرد ولن أتحدث لأن الأمر لم يعد يخصك لأنني اعتبرت نفسي من اليوم مطلقة ولن أتراجع وسواء كنت لآسر او سواه فقد أصبح أمر لا يخصك"
كلماتها ٱثارت جنونه وغضبه وكل معاني الغيرة ظاخله ومجرد فكرة طلاق كانت كافية لإثارة براكين من الغضب داخله فاقترب منها وأمسكها من ذراعيها وهزها بقوة وهتف
"ولكنك ما زلتِ زوجتي وأنا لن أطلقك، لن أتركك يا رنين هل تفهمين؟ لن تكوني لأحد آخر سواي، لا آسر ولا سواه ولو هو راجل فليأتِ ويمس شعره منك"
اندفعت هي الأخرى وراء غضبها وقالت دون وعي "هو رجل بل هو الرجل الوحيد الذي عرفته بحياتي وهو أرجل منك لأنه لم يخدعني أو يغشني أو يخونني .."
ولم تكمل حيث وجد نفسه يصفعها بقوة على وجهها وهو يقول بغضب "اخرسي، يبدو أنكِ نسيتِ أني زوجك وأنتِ تتحدثين عنه أمامي، من إذن الذي يتحدث عن الخيانة؟"
تراجعت بصدمة وهي تضع يدها على وجهها وقالت بألم "طلقني إذن طالما أنا خائنة، أخرجني من حياتك لم أعد أريدك، أنا أكرهك، أكرهك، ابتعد عني، ابتعد عني"
وانهارت في البكاء وقد شعرت بأن أنفاسها تتراجع عنها والهواء لا يكفيها واحتبست الدموع واختنقت الأنفاس واسودت الدنيا حولها وتساقطت كل الجدران فوقها
تراجع مما حدث وتحرك إلى باب الغرفة ليخرج منها غاضبا ولكنه استدار وارتد إليها عندما سمع صوت مكتوم خلفه فوجدها مكومة على الأرض وقد فقدت الوعي
أسرع إليها بلهفة وخوف وأدرك أنها فقدت الوعي وجسدها يرتجف بشدة، خلع جاكتته وأحاطها بها ثم حملها وأسرع آلى الخارج لأقرب مشفى
**********
رفع رأسه التي كان يضعها بين يديه ونهض ليقف أمام الطبيب الذي تقدم منه وقال "حضرتك مع الآنسة رنين؟"
هز رأسه بالإيجاب وقال "نعم زوجتي، أقصد مكتوب كتابنا، كيف حالها؟"
رد الطبيب "سيئة؛ الحرارة مرتفعة جدا واضح أنها أصيبت ببرد حاد، ولكن الأهم هو الحالة النفسية"
مرر آدم يده بشعره وقال بصوت مبحوح "لا أفهم"
قال الطبيب "انهيار عصبي، هي مصابة بانهيار وترفض أي دواء ولكن بالطبع المهدءات تفاعلت معها ونامت ونحن نمنحها الدواء بالمحاليل"
حدق بالطبيب وقال "والحل يا دكتور؟"
قال الرجل باهتمام "بالطبع نحن سنعالج الشق البدني وغدا سنطلب دكتور محمود سامي أخصائي نفسية وعصبية لعلاج الشق النفسي، هذا إذا قررت البقاء عندنا لأنها بحاجة للبقاء تحت الملاحظة"
هز رأسه وقال "بالطبع ستبقى، لابد من علاجها بأي شكل"
هز الطبيب رأسه بتفهم وقال "إن شاء الله"
سأله آدم بتردد "هل يمكن أن أراها؟"
أجاب الطبيب "هي لا تشعر بشيء الآن فلا داعي للزيارة، ستنقل إلى غرفتها ووقتها يمكنك البقاء معها فقط نطمئن عليها وتستقر الحرارة"
شكر آدم الطبيب وما هي لحظات حتى رأى عمته وعم صابر يسرعون إليه، لم يواجه نظرات عمته التي سألته "ماذا حدث لابنتي؟ ماذا أصابها؟ انطق وأخبرني"
ابتعد من أمامها ولكنها أعادته وقالت بحزم "تعالى هنا وتحدث، ماذا فعلت بها؟ احكي"
نظر لصابر الذي قال "آدم نحن قلقين طمئنا عليها"
سقط على أقرب مقعد وبدء يحكي لهم ما حدث، ما أن انتهى حتى قالت العمة بغضب "غبي، أنت غبي وعالجت غباءك بغباء أكبر منه"
لم ينظر إليها وقال بضعف "عمتي أرجوكِ أنا"
قاطعته "أنت ماذا؟ أنت غبي ليست أميرة هي المرأة التي تثق بها وتسلم بكلامها، كان عليك أن تتحرى الصدق في كلامها قبل أن تنساق وراءها وتلك الفتاة المسكينة بدلا من أن تداوي جرح قلبها أدميته أكثر بغيرتك العمياء وأوقعتها في الخطأ، ماذا كنت تنتظر منها؟ أن تسامحك وتعود إليك من أول كلمة؟ وأين كرامتها كامرأة رأت زوجها بين أحضان امرأة أخرى؟ وليست أي إمرأة، إنها المرأة التي كانت تراك معها وترى تصرفاتكم سويا وتحملتها ووثقت بك الآن ماذا تريد منها؟ أن تصدقك؟ كيف وأنت لم ترحمها ونفذ رصيدك عندها؟"
نظر إليها وتاهت منه الكلمات ولكنه قال "وأنا؟ وإهانتي التي أهانتها لي؟ هي التي دفعتني لذلك بذكر ذلك الكلب الذي لا أعلم من أين أتى وكيف ظهر هكذا وفي ذلك التوقيت بالذات؟"
قالت العمة بغضب "أنت غضبت لمجرد كلمة وضربتها ماذا عن قلبها الذي انشق بسهم الالخيانةأنت غير عادل يا ابن أخي، الفتاة لم تخطئ فيما قالته لك، فبالنسبة لها آسر هو الرجل الصالح الذي يخبرها بحبه ويحارب من أجلها ومخلص لها وباق عليها غير أنه يرتبط بها برابط الصداقة أيضا وفي المقابل ماذا قدمت أنت لها؟ لا شيء"
أخفض رأسه وشعر بأنه تائه في بحر الظلمات، لا يرى ولا يسمع ولا يعلم إلى أين يذهب ومن أين يعود؟
عادت العمة تضغط بكل قوتها "اسمع يا آدم، رنين لن تتحمل كل ذلك وعندما تفيق لن تقبل أن تعود إليك أنا أعرف هذه الفتاة جيدا فابحث لنفسك عن حل لتلك الأزمة هذا إذا كنت تريدها أن تبقى بحياتك"
نظر إليها بضياع وهو يعلم أنها على حق، رنين لن تقبل أن تعود ولن تسامحه مهما حاول أن يطلب السماح، عاد ووضع رأسه بين يديه ولم يرد
ربت عم صابر على كتفه وقال "الحب يا بني، الحب مفتاح كل الأبواب، فقط تنازل عن كبريائك وأسمعها صوت قلبك المتألم لفراقها، ضمها لصدرك ضمة عاشق ضعيف مغرم بقلبها الصغير فالمرأة عندما تكون في أقوى حالتها لا يهزمها إلا الحب ولن تعيدها إليك إلا بالحب"
نظر بحيرة لصابر ولكنه لم يرد، كيف يمكن أن يعترف لها بحبه وهي الآن لا تريده وتكرهه بل وترفضه بحياتها؟ ارتد في مقعده واستند برأسه إلى الحائط وشعر بصداع شديد يدق رأسه، مرر يديه الاثنين بشعره ثم أغلق عيونه من ذلك الألم الذي ينتشر بكل جزء من ثنايا فؤاده
***
أمضي الجميع الليلة بالمشفى حتى هيثم وصل إليهم متأخرا ولكنه ظل معهم إلى الصباح الباكر عندما قرر الأطباء نقلها إلى غرفة عادية رغم أنها لم تفيق بعد
جلست العمة بجانب فراشها وهو من الجانب الآخر ناظرا إليها وتلك الهالات السوداء تحيط عيونها ولم يكن يشعر حتى بوجود عمته
أين زهرتي البنفسجية؟ أين الشفاه الوردية؟
اين ابتسامة الفتاة لحظة العشق المنسية؟
الندم يشق صدري والحب ينهل من قلبي
يدميني ألما يا بنية من صوت أنفاسك الندية
أشتاق لنظرة هنية من بين عيونك البنفسجية
تعيدني للحياة قبل الغرق في الأحزان المنسية
نامت العمة بينما اقترب هو من الفراش وسقط على ركبتيه بجانب فراشها، أمسك يدها يستمد منها القوة على البقاء ثم همس بصوت يكاد لا يسمع "رنين، رنين أنا آسف، لم يعد للكبرياء مجال، أعلم أني سبب أحزانك، دموعك وأشجانك ولكن غصب عني خوفي عليكِ وعلى عمتي كان السبب، كنت أحاول أن أعرف خطط أميرة ولكن بدلا من أن أصطادها اصطادتني، هل ستتركيني كما تركتني أمي من قبل حتى أن أدرك معنى الأمومة وأعيش لطيم بالحياة؟ أم ترحلي لبشر آخرين وأيضا تتركيني كما فعل أبي وأصبحت أيضا يتيم؟ رنين أنا أيضا تعبت، تعبت من قسوة الحياة لقد عشت عمري وحيد ولولا عمتي وعم صابر لضعت بالحياة وعشت فيها طريد أو شريد حتى في وجودهم كنت أشعر أني وحيد حتى رأيتك وقتها فقط أدركت أن حياتي كلها تغيرت، أصبح لها معنى آخر غير العمل، حياة من نوع آخر لأول مرة أعرف وأدرك أن لي قلب يدق، يعشق ويهيم في عيونك أوعقل يغيب وقت وجودك، لا تتركيني، أرجوكِ رنين لا تفعلي بي ذلك لن أتحمل فراقك، سأموت ولو كنت على قيد الحياة، لا تتركيني رنين أرجوكِ، لا معنى لوجودي بدونك لأنكِ أنتِ الوجود، عودي لتعيدي لي قوتي وأنا أعدك أني لن أكون كما كنت ولن أترك حقك مهما حدث عودي رنين أرجوكِ"
وانسابت دمعة حزينة من عينه تشق صمت حزنه وتكسر كبرياء قلبه وهو لم يمانع وقبل يدها بقوة ثم عاد ونظر إليها وهمس
"أحبك يا حبيبة القلب، أحبك ولم أعرف الحب إلا معكّ، أحبك حبيبتي فلا تتركيني"
قبل يدها مرة أخرى ثم دق الباب فعاد لمكانه على المقعد ورأى الممرضة وهي تدخل لتضع الدواء بالمحلول المتصل بيدها فنهض وخرج ليشعل سيجارة ثم أخرج هاتفه واأرى اتصالا وقال
"أين أنت؟"
استمع إلى الرجل ثم قال "حسنا، لا أنت لا تقم بعملك جيدا، أين هي الآن؟"
عاد وقال "لا، من اليوم لن أرحمها، أحضرها لي من أي مكان أو اعرف مكانها وأخبرني، اذهب إلى الشقة ربما تكون هناك وإن لم تفعل خلال اليوم فاعتبر أنك لم تعد تعمل معي"
ثم أغلق الهاتف وهتف من أعماقه " لن أتركك أميرة ولم يعد يهمني من تكوني، حقي وحق زوجتي لابد وأن أعيده"
عاد إلى غرفتها، كان الطبيب عندها وما أن رآه حتى قال "كيف حالها اليوم؟"
نظر إليه الطبيب وقال بجدية "لا جديد، إنها لا تتحسن ولا تستجيب لأي دواء"
ققال آدم بحزن "وماذا؟ هل سنتركها هكذا؟"
هز الطبيب رأسه بالنفي وقال "لا، بالطبع لا، الطبيب النفسي سيمر عليها وبالتأكيد هو سيتعامل معها بالعلاج"
هز رأسه بأمل ولم يرد وخرج الطبيب، ربتت العمة على كتفه وقالت "لا تخاف عليها، هي قوية وستعود، هى فقط بحاجة للراحة لذا هي تهرب من مواجهة الواقع ولكن شخصيتها القوية ستعيدها"
هز رأسه ولم يرد كان يعلم أنها قوية ولكنه أيضا يعلم أن ما تعرضت له كان كبير وتمنى أن تمر الأزمة على خير
عندما أتى المساء كان يقف مع رجله أمام باب المشفى وهو يقول "هذا جيد دعنا نذهب"
قبل أن يتحرك ناداه عم صابر"إدم إلى أين؟"
أخفض رأسه وهو يدخن سيجارته وقال "سأنهي بعض العمل وأعود"
أمسكه صابر وقال "انتظر سآتي معك"
حدق فيه بقوة فأكمل صابر "أنت تعلم أني لن أتركك وأنا أعلم ما يدور برأسك، هيا دعنا نذهب"
لم يعارضه وتحرك الجميع، بعد وقت وصل إلى مبنى في مكان هادئ، نزل هو والرجلين وتوقفت بجانبهم عربة شرطة وأخرى تحمل جنود، اتجه آدم إلى الرائد رفعت الذي نزل من العربة
قال آدم "أعلم أنك أتيت على مسؤليتك ولكن أنا أيضا متأكد مما أخبرتك به"
نظر إليه الضابط وقال "أنا لا أشكك في كلامك ولكني أتعجب لأنها من أقاربك"
أشاح آدم بوجهه بعيدا وقال "لم يعد يهم لقد دفعت ثمن القرابة غاليا والآن لدينا الفرصة المناسبة ولن تتكرر هيا بنا"
صعد الجميع إلى الأعلى بهدوء وما أن وصلوا للشقة المعنية حتى دق آدم الباب ولكن لم يفتح أحد، دق آدم بقوة ولكن ما من مجيب، نظر آدم للضابط وقال
"سأكسر الباب"
وقبل أن يرد رفعت ظهر البواب بملابسه أمامهم وقال "لا يوجد أحد يا باشا، لقد انتهى عقد الإيجار أمس ورحلت تلك المرأة بصراحة جميع السكان ارتاحوا منها ومن تصرفاتها"
توقف آدم ونظر للضابط الذي بادله النظرة ثم قال "ماذا تعني؟"
قال البواب بدون تراجع "أستغفر الله العظيم، سمعتها لا تعجب السكان"
قال الضابط بحدة "ماذا تعني؟"
أجب البواب "أكثر من رجل يأتون كلما أتت هنا"
أغمض آدم عيونه ومرر يده بشعره، هل يمكن أن تكون هذه ابنة عمته؟ إنها عار عليهم ولكنه ليس بغاضب لأنها لا تستحق إلا ما ستناله من الخزي والعار ...
انتهى الرائد من أخذ اأوال البواب ثم التفت إلى آدم وقال "الآن فقدناها إليس كذلك؟ لا رجالي يعرفون مكانها ولا رجالك"
أطفأ آدم سيجارته وقال "ولكني لن أتركها سأصل إليها، لن تفلت مني، ليس بعد ما عرفت، إنه عارنا"
ربت الرائد على كتفه وقال "لا، هي لا تستحق أن تخسر حياتك من أجلها، فقط أبلغني ودع الأمر لي، القانون أولى بها"
نظر إليه صابر بهدوء وقال "هو على حق، هناك من يحتاجك بالحياة وهي لا تستحق"
حدق به لحظة ثم هز رأسه ولم يرد، عاد إلى المشفى متأخرا، مجهد ومتعب ومثقل بالهموم، رأى عمته تجلس بالخارج فاتجه إليها وقال "كيف حالها؟"
*****
لم تعد تريد الحياة ولكن ما زالت تجذبها الحياة، فتحت عيونها فرأت العمة تنظر لها وابتسمت لرؤيتها تعود وقالت "هل أنتِ بخير يا ابنتي؟"
أغمضت عيونها وأبعدت وجهها وعادت للبكاء، أمسكت المرأة يدها وقالت "افعلي ما شئتِ من البكاء ولكن لا تنهارين أكثر من ذلك فأنتِ أقوى من الانهيار، رنين التي عرفتها أقوى من ذلك بكثير"
فتحت عيونها وقالت بألم "لم أعد أستطيع، ليس بعد الخيانة كلام"
قالت العمة بهدوء "لم يفعل، إنها مكيدة من أميرة"
هزت رأسها بالنفي وقالت بغضب "وأنا اكتفيت منها وهو يستحق لأنه هو الذي تركها تقودنا لهذا الطريق، كم أخبرته بنواياها وهو يتركها تفعل ما تشاء، تهينني أمامه وتتقرب منه أمامي وتستهين بزواجنا وهو يتقبل الأمر ببرود وأنا كان علي أن أثق به، والآن ماذا؟ بعد الذي رأيته بعيوني ماذا تريدون مني؟ لقد اكتفيت، أنا لا أريد تلك الحياة ولا ذلك الألم، أنا لا أريد، لا أريد"
وانهارت في البكاء مرة أخرى، نادت العمة على الممرضة التي أسرعت بإحضار الطبيب وأعطاها حقنة مهدئة نامت بعدها بوقت قصير...
نظر لعمته وقال "والآن؟"
قالت بحزن "الطريق صعب يا بني، قلبها مجروح بشدة، ليس جرح واحد وإنما تعددت الجراح لذا أنا لا أعلم كيف الشفاء؟"
التصق بالحائط وأسند رأسه عليه وهو لا يعلم ماذا يفعل؟
في الصباح فتحت عيونها، كان النهار قد أطل من بين الزجاج، شعرت بصداع ولكنها اعتدلت قليلا فرأته ينام على المقعد الذي أمامها، طالت نظرتها إليه، لماذا يبقى هنا بجانبها؟ بل ماذا ستفعل هي؟ قلبها يؤلمها لقربه كما يؤلمها لفراقه ولا تعرف ماذا تفعل؟ لن تقبل أن تعود إليه ولكن كيف ستكون حياتها بدونه؟
رن هاتفه فجأة فانتفض من مكانه واعتدل وهو يستعيد نفسه بينما أغمضت هي عيونها لا تريد مواجهته، أبعد هاتفه وأغلق الصوت ولمح دمعه على خدها اقترب منها ومسح دمعتها وقال بحزن "أنا السبب، نعم أنا سبب دموعك ولكن غصب عني والله لم أخونك أبدا منذ عرفتك ولم أرى أو أعرف امرأة سواكِ، رنين أرجوكِ لا تتركيني، ربما أخطأت ولم أجيد التفكير في تصرفاتي مع أميرة ولكني كنت أبغي حمايتك أنتِ وعمتي ولكن أقسم أني لم أخونك، لا أعلم كيف أثبت برائتي لكِ ولكني بريء أنا لا أرى بحياتي سواكِ فعليكِ أن تغفري لي وتسامحيني"
رن هاتفه مرة أخرى، كان هيثم فقام ووقف أمام النافذة ورد، فتحت هي عيونها وكانت تشعر ببعض الراحة من كلماته التي سمعتها وقد أقسم أنه لم يخونها دون أن يعلم أنها سمعت كل كلمة قالها وأصابت كل كلماته صميم قلبها ...