رواية عزبة الدموع الفصل الواحد والثلاثون31 بقلم داليا السيد

 عزبة الدموع بقلم داليا السيد
عزبة الدموع الفصل الواحد والثلاثون31 بقلم داليا السيد
لم أعد أتحمل 
وأخيرا عادوا إلى العزبة وقلبها غير سعيد من تلك العودة ورغم أنها تعلم أن ليس لها مكان سوى هنا إلا أنها لم تكن تريد العودة ..
اطمأنت على العمة فب غرفتها ومعها الممرضة الجديدة، أعطتها التعليمات ثم خرجت ووقفت لا تعلم لأين تذهب؟ غرفتها القديمة أم الجناح الجديد؟ 
سمعته يقول "هل هي بخير؟" 
قالت باختصار دون رفع عيونها له "نعم"
وتحركت إلى غرفتها القديمة ولكنه أوقفها قائلا "إلى أين؟"
لم تنظر إليه وقالت "إلى غرفتي"
اتجه إليها ووقف أمامها وقال "أنتِ مجنونة؟ أمام الجميع نحن عروسان جديدان أي لابد أن نعيش حياتنا على أننا سعداء ولم يحدث شيء بيننا على الأقل أمام الناس والخدم تعلمين أن الفلاحين يحبون الشائعات وأنا لن أسمح لأحد بأن يتحدث عن بيتي وأسرارنا وحياتنا"
وكأنها لم تسمعه واتجهت إلى غرفتها ولم ترد عليه، دخلت فتبعها إلى الداخل وأغلق الباب وقال بعصبية "لابد أن نفكر بالناس، أنتِ لا تستوعبين الحياة هنا"
نظرت إليه وقالت بغضب "أنا لا يهمني أحد، أنا لا يمكنني أن أبقى معك بمكان واحد لا يمكن"
زاغت نظراته وهو يشعل سيجارته وقال "وجودنا سويا شكلي أمام الناس فقط، رنين ..أنا"
نظرت إليه، كانت عيونه مليئة بكلمات كثيرة ، تمنى لو طلب منها السماح ولكنه خاف أن يصده قلبها ويجرحه، لم يعد يعلم أي الطرق يسلك 
قال برجاء "ألا يمكن أن ننهي كل ذلك؟  ما حدث قد حدث و.."
ابتعدت وقالت بغضب "أخبرتك إن تنهي هذه العلاقة ولكنك ترفض، الأمر سهل"
أعادها من ذراعها لتواجهه وقال "تعلمين أنني لن أتركك مهما حدث أخبرتك مرارا أنتِ زوجتى وأنا لن أتنازل عن ذلك، رنين كفانا خلافات وأحزان ودموع ودعينا نبدء من جديد وننسى ما كان"
أبعدت يده وقالت دون أن تشعر بشفاء قلبها "هكذا وببساطة وكأنك لم تفعل شيء؟ ألم تعاملني كامرأة اعتادت معاشرة الرجال مثل أميرة؟ أليس هذا كلامك؟ أنت آلمتني يا آدم ألما لا أعرف كيف أداويه؟ ألم مقترن بإهانة قتلت قلبي وعقلي وجعلتني أتمنى أن لا أكون عرفتك بأي يوم، ابتعد عني يا آدم أنا لا أريد رؤيتك كلما أوقفت الذكرى أعدتها إلي فاتركني أرجوك أنا كالمريضة التي أصيبت بمرض قاتل فهل يحب المريض مرضه؟"
أغمض عيونه وهو يدرك أنه جرحها جرحا ربما لا يكون له شفاء ومع ذلك ما زال هناك أمل فعودتها معهما أمل، فتح عيونه وقال "كل مرض وله دواء"
نظرت إليه بدموع وقالت "وهناك أمراض مزمنة لا شفاء منها"
أخفض رأسه لحظة ثم عاد وقال "على الأقل من أجل عمتي لقد سمعتِ كلام الطبيب هي لا تعلم شيء عما حدث بيننا فلابد أن نظل أمامها زوجين سعيدين حتى نحافظ على حياتها تعلمين أنها آخر من تبقى لي"
تراخى قلبها أمام كلماته وربما شعرت بالشفقة عليه وهي تعلم أن العمة لم تخبره أنها تعرف بكل شيء أخفت مشاعرها، حاولت أن لا تبدي تعاطفها معه فابتعدت وقالت 
"تعلم أن عودتي أصلا من أجلها"
قال "إذن أكملي ما فعلتيه"
نظرت إليه فعاد وقال "لن يكون بيننا إلا مكان يجمعنا آخر اليوم ولكن أمام الجميع نحن زوجين سعيدين و.."
ولم يكمل، فهمت كلماته ونظرت آليه، كانت تعلم أنه على حق فهزت رأسها ولم تعاند أكثر من ذلك وابتعدت من أمامه إلى جناحهم الجديد 
دخلت ونظرت للمكان، كان جميل حقا، لماذا لم يكتب لها أن تستمتع به كأي عروسة جديدة؟  لماذا حرمتها الحياة من تلك السعادة وخطفتها منها بأول ليلة بحياتها الجديدة؟ سمعته يغلق الباب خلفها فلم تنظر له واتجهت لدولاب الملابس لتخرج ملابسها 
أشعل سيجارته وجلس يتابعها وهي تتحرك أمامه إلى الحمام وقلبه يشعر بألم، لقد فقدها ولم يعد يعلم هل يمكن أن يعيدها إليه أم لا؟ شعر بصداع يدق رأسه، بدل ملابسه ودخل الفراش وهو لا يعلم ماذا تخفي الأيام؟ ربما تستطيع الأيام أن تداوي ما عجز هو عنه..
عندما خرجت كان قد غير ملابسه ونام على طرف الفراش، ظلت تتامله كيف ستنام بجانبه؟ كيف ستبقى معه بمكان واحد؟ هل ستتحمل كل ذلك؟ حاولت أن تجد أي حل ولكنها فشلت فتقدمت من الفراش وتمددت بجانبه ولكنها أدركت من صوت أنفاسه أنه نائم فأغمضت عيونها واستسلمت للنوم هي الأخرى 
عادت الحياة بهم إلى الروتينية؛ كلا منهما انشغل بعمله أو ربما تجنب كلا منهما لقاء الآخر بينما بدأت شهد تشاركها العمل بالمزرعة وأجادت لدرجة أنها فكرت أن تجعلها تعمل معها أو ربما تترك لها إدارة المكان كله فيبدو أن حياتها هنا انتهت فكلا منهما لم يتحدث في الموضوع منذ آخر حديث لهما لو كان يريدها لعاود الكلام 
أما العمة فقد تحسنت كثيرا من رعاية الممرضة ورنين بينما حاول هو كثيرا الوصول لسالم ولكنه عرف أنه ما زال بالخارج ولم يعد 
"صباح الخير ماما كيف حالك اليوم؟"
ابتسمت العمة وقالت "الحمد لله بخير أمل تقوم بعملها جيدا" 
ابتسمت أمل وقالت "شكرا يا حاجة"
قالت رنين وهي تجلس أمام العمة "نعم أمل رائعة"
قالت الفتاة "شكرا مدام"
قالت العمة "اذهبي يا أمل وتناولي إفطارك، رنين معي الآن" 
ذهبت الفتاة فقالت العمة "كيف هي أخباركم؟"
أطرقت براسها وقالت "لا جديد يا عمتي فكلا منا يتجنب الآخر ولا نرى بعضنا إلا عند النوم، أنا أرى أن حضرتك أصبحتِ بخير وأنا .."
قاطعتها المرأة بحزم وقالت "لن ترحلي، هو يتركك حتى يشعر منكِ بالأمان"
هتفت بحزن "ولكني لا أشعر به، أنا كلما رأيته تذكرت ما كان وهو لا يحاول أن يفتح الموضوع لأنه يعلم أن كل شيء انتهى"
قالت العمة "لم ينتهي أي شيء، كلا منكما كان بحاجة للوقت وها قد مر شهر أو أكثر فلابد أن تشفى الجراح يا فتاة"
قالت رنين "لم أعد أعلم يا ماما أنا متعبة جدا"
ضاقت عيون المرأة وقالت "أرى ذلك حتى ملامحك تغيرت والإجهاد واضح،  فقط خذي بالك من نفسك ربما ..." ولم تكمل 
سألتها رنين "ربما ماذا؟"
قالت العمة "لا شيء فقط حاولي أن تعيدي حساباتك وأنتِ تأخذين قرار عمرك"
لم ترد وعادت إلى المزرعة وشعرت بالتعب والإرهاق فقررت أن تعود مبكرا وتركت شهد بالمزرعة وقد قررت أن تخبره أن شهد ستحل محلها وأنه لابد من الانفصال 
أخذت حمام واستلقت بالفراش ولكنه دخل هو الآخر مبكرا، نظر إليها وقد شعر بالقلق عليها فملامحها تغيرت والإرهاق بدا عليها، اقترب من طرف الفراش وقال بقلق واضح "عدتِ مبكرا! هل أنتِ بخير؟"
لم تنظر إليه وهي تعتدل وتقول "نعم كنت أريد أن أرتاح قليلا"
هز رأسه ولم يتحدثو استدار وأخذ ملابسه ودخل الحمام، انتظرته حتى أخذ حمام وخرج فقالت "أريد أن أتحدث معك"
نظر إليها، كثيرا ما أراد أن يفعل ولكن برودها أصابه هو الآخر بالبرود وربما خاف لو فتح الموضوع فتطلب البعد 
قال "كما تشائين" 
جلس وأشعل سيجارته فقالت "شهد، أعتقد أنها جيدة وربما يمكنها أن تدير المزرعة جيدا"
ضاقت عيونه من بين الدخان وقال "لا أفهم"
أبعدت عيونها والكلمات تخرج بصعوبة وقالت "العمة أصبحت بخير ووجودي لم يعد له داعي"
بالطبع فهم كلامها فقال "وماذا؟"
دق قلبها بضعف ونظرت إليه وقالت بقوة متصنعة تتعارض مع ضعف قلبها "الطلاق"
لم يغضب بل حاول أن يكون هادئا هذه المرة ليس هناك حجة لإبقاءها 
قال "هل حدث شيء جديد ضايقك؟ لا أعتقد أنني فعلت، تقريبا نحن لا نلتقي إلا عند النوم ولا حوار بيننا فماذا تريدين؟" 
نهضت فجأة فشعرت بدوار يصيبها كادت تسقط لولا أن أسرع إليها وأمسكها بقوة وقال بقلق واضح فهو يعلم أنها ليست بضعيفة
"رنين أنتِ بخير؟ رنين ردي"
استعادت نفسها وتركته يعيدها إلى الفراش وهي لا تفهم ماذا أصابها، هدأت وقالت "نعم، أنا فقط متعبة" 
أخرج عصير من الثلاجة الصغيرة وفتحه ومنحه لها،  تناولته دون اعتراض إلى أن عادت لنفسها فنظر لها فقالت "أنا بخير"
قال باهتمام "غدا موعد متابعة عمتي، ستأتين معنا ليراكِ الطبيب"
قالت بإصرار "لا، أنا بخير فقط أريد أن أرتاح، هل يمكن أن تنفذ لي طلبي؟ أنا أريد حريتي"
جلس على طرف الفراش وقال "رنين هل يمكن أن نوقف كل ذلك؟ تعلمين أنني لن أفعل أخبرتك ذلك كثيرا، حريتك هنا بين أرضك ومزرعتك، هنا ببيتك"
عيونها لم تفارقه وقد كانت عيونه مختلفة، زال منها الغضب ولكنها هي ما زالت غاضبة وقالت "لا هنا قيد حول رقبتي يذكرني بما حدث أنا لا أريد أن أسترجع الألم من فضلك"
لم يتراجع وقال "أخبرتك من قبل أن ما حدث لن نستطيع أن نمحيه من حياتنا وأخبرتك أن سالم خدعني لأنه أقرب الناس إليكِ وموضع ثقتك والصور و..، رنين أنا أيضا كان لدي عذر"
أبعدت عيونها وعادت الدموع فأدرك أن الكلام لم يعد له مكان نهض وقال "على العموم أنا يمكنني أن أبتعد أكثر ولا نتقابل إذا كان وجودي يحزنك لهذا الحد ولكن فقط لن ترحلي، لا يمكن أن تتركي عمتي والمزرعة وبيتك، أنتِ ليس لك أحد سوانا ابقي من أجلهم وأنا سأبتعد لأقصى حد"
ثم ارتدى روبه وخرج من الغرفة وعادت إليها الدموع فها هو يتركها دون حتى أن يعتذر عن خطؤه، ترى ماذا تريد هي؟ هل ما زالت تريد الطلاق أم أن مرور الأيام داوى جزء من جرحها؟ فقط لو اعترف بخطؤه واعتذر وطلب منها السماح أو البقاء من أجله لربما عادت إليه فقلبها يأمرها وهي تضعف أمامه، استلقت في الفراش واحتضنت الوسادة وعاودتها الدموع إلى أن غابت بين طيات النوم 
مرت الأيام اسوء من قبل، بالفعل لم تعد تراه، يخرج مبكرا جدا ويعود أيضا متأخرا ويبقى بمكتبه لوقت متأخر ثم يدخل لينام دون أن تراه هي، كانت تتألم لذلك وكأنه يعاقبها على ما فعلت بينما زادت هي إرهاقا وتعبا دون أن تتحدث إلى أن أتى ذلك اليوم 
"عم صابر أين أنت؟ لماذا تأخر العلف حتى الآن؟"
أجابها صوت صابر بالهاتف قلقلا "آسف يا باش مهندسة ولكن، أنا.."
شعرت بالقلق وقالت "أنت ماذا؟ هل حدث شيء؟ تكلم من فضلك"
قال باستسلام "نعم، آدم كان يحاول إنقاذ أحد العمال من تحت العربة فسقطت على ذراعه فأصيب ونحن هنا عند أشرف طبيب العزبة" 
لم تنتظره حتى يكمل وأسرعت إلى عربتها وانطلقت بها بسرعة إلى العزبة حيث مكان أشرف ونزلت وأسرعت بكل قوتها إلى الداخل وما أن دخلت حتى رأت الجميع حوله وأشرف يخيط له جرح كبير بذراعه والدم يلطخ يده وقميصه، عندما رأت الدم عاودها الدوار وشعرت برغبة في القي استندت إلى الحائط وهي تكاد تسقط وتصبب العرق على وجهها الشاحب ..
التفت الجميع إليها وهو أولهم، أبعد عنه يد أشرف الذي صرخ به "آدم انتظر الجرح"
ولكنه لم يسمعه وأسرع إليها بخوف ولهفة لاحظها الجميع ولم يندهشوا لها فهي زوجته، حملها بين ذراعيه بجانب قلبه ليطمئن عليها كانت تحاول أن تعود لوعيها فهي لا تحب الضعف ولكنها لم تستطع ... 
أشار له أشرف ليضعها على أقرب مقعد فأجلسها وهتف "رنين  رنين ماذا حدث؟ رنين"
نظرت إليه بعد أن استعادت نفسها فرأت نظرة الخوف والفزع بعيونه وشعرت بلهفته عليها فهزت رأسها وقالت
"أنا بخير فقط رؤية الدم أصابتني بالغثيان، ماذا أصابك أنت؟"
اتجه أشرف إليها وأمسك يدها ليقيس نبضها لحظة ثم قال "هي بخير اطمئن، بعض الماء عم صابر هي فقط تفاجأت من منظر الجرح هيا تعالى أنت لتكمل"
ربت صابر على كتفه وقال"اطمئن هي بخير يا آدم، اذهب وأكمل الجرح ينزف"
لم يرفع نظره من عليها ولا هي، كلا منهما كان يشعر بالخوف على الآخر، يا الله! ما هذا الحب الذي يعذب أصحابه؟ إلى متى سيظل ذلك العذاب؟ ارحميني حبيبتي من ذلك العذاب وأعيديني لأحضانك، كم أشتاق إليها وأحتاج لحنان قلبك وصفاء ابتسامتك .. 
ليتني أعيدك يا حبيبي إلي ولكن كيف وأنت ابتعدت؟ تمنيت أن تطلب قربى ولكنك اخترت البعد 
ما أن انتهى أشرف حتى نظر آدم لصابر وقال "عم صابر، ارسل أحدهم ليتابع مسعد بالمشفى ولا تنسى أهل بيته، سأعيدها البيت وأعود"
رد أشرف "أظن أنك فقدت الكثير من الدم وبحاجة للراحة اليوم على الأقل، الجرح كبير ولا داع للتهور حتى لا يفتح مرة أخرى"
تحرك إليها وقال "راحتي بالعمل، هل يمكنكِ الذهاب الآن؟"
كاد يحملها لولا أن قالت "لا، أنا بخير يمكنني الذهاب وحدي"
هز رأسه ثم منحها يده ولم ترفضها واستندت إليه وهي تعلم أنها لا تقوى على المقاومة فالأمر أثار خوفها وضعفها 
أعادها إلى البيت ثم إلى غرفتهم في صمت إلى أن جلست على الفراش فقال بقلق من حالتها الغريبة "هل أنتِ بخير الآن؟"
هزت رأسها وقالت بقلق واضح عليه "نعم وأنت؟" 
أجاب "بخير"
ابتعد وهو يخلع قميصة الممتلئ بالدماء ثم اتجه إلى الدولاب ليغير ملابسه، ظلت تنظر إليه لحظة وفي النهاية حسمت أمرها ففي صدرها قلب ما زال ينبض بحبه ولم تستطع أن توقفه 
قامت واتجهت إليه وقالتت "لا يمكنك أن تذهب، أشرف قال .."
قاطعها بحدة فهو لن يتحمل البقاء بجانبها أكثر من ذلك دون أن يجذبها لأحضانه فخوفه ولهفته عليها لن تظل في الخفاء إلى الأبد فالأفضل أن يبتعد كما كان يفعل  
"أعلم ما قاله أشرف ولكن أنا بخير وسأعود" 
قالت بنبرة مختلفة "آدم أنت بحاجة للراحة"
لم ينتبه لنبرتها الجديدة وقال دون أن ينظر إليها "راحتي بالعمل لن أبقى هنا"
أخفضت رأسها بألم وحزن وكادت الدموع تعود، لم تعلم لماذا تضعف الآن؟ حاولت أن تتذكر ما كان ولكنها لم تستطع أن ترى إلا لهفته عليها وتركه لجرح يده ينزف من أجلها وكيف حملها رغم جرحه في خوف وحنان 
عادت له وقالت "لن أتركك تذهب، لابد أن ترتاح، ابقى اليوم و.."
قال بغضب "أخبرتك أني لن أبقى، لن أفعل"
لم تستطيع أن تقاوم الدموع أكثر فتركتها تسيل وقالت بضعف "لماذا؟"
استدار ليواجهها وقال بغضب وألم مكتوم "لماذا؟ تريدين أن تعرفي لماذا؟ لأنني لم أعد اتحمل البقاء هنا، لم أعد أتحمل أن أنظر إليكِ وأرى تلك النظرات بعيونك، نظرات الاتهام واللوم والعتاب وربما الاحتقار، لم أعد أتحمل هذا العقاب رنين، لم أعد أتحمل البقاء هنا وأنا أعلم أنكِ تكرهينى وتريدين بعدي، لم أعد أستطيع أن أنظر بعيونك وأتذكر أنني سبب كل ذلك فقد كان خطئي أنا، أنا سبب كل ذلك الألم والحزن والعذاب لن أبقى هنا يا رنين لن أبقى" 
تراجعت من غضبه وكلماته واستدار مبعدا عيونه عن دموعها فقالت بضعف أمام اعترافه بخطأه "إذن سأترك لك الغرفة كي لا ترى نظراتي ولا تنتابك الذكرى لكن فقط ابقدى وارتاح"
كادت أن تتحرك لولا ادأن استدار وأمسكها من ذراعها وجذبها بقوة غير مقصودة فلم تتوازن وكادت تسقط لولا أن أمسكها بسرعة وأحاطها بذراعه وجذبها إليه فاصطدمت بصدره العاري واستندت بيديها عليه وتلاقت نظرة عيونها الممتلئة بالفزع مع نظرته الغاضبة وتسلل عبيرها إليه وحرارة يدها الناعمة على صدره فشعر بالضعف يتخلل إلى قلبه أكثر وأكثر
بينما تعالت أنفاسها من الفزع مما حدث وزادت دقات قلبها لقربه الذي ازداد فجأة وتلاشت الأحزان وانتهت الآلالم عندما تلاقت النظرات ولم يشعر ويده تجذبها أكثر إليه ويده الأخرى تزيح خصلات شعرها النحاسي من على عيونها التي قتلته شوقا وانسابت يده آلى شعرها كالماء ينساب بين جوف الأرض ليحيي البذرة لتنمو إلى زهرة ....
واقترب أكثرولم تبعده انتظر أن تفعل ولكنها لم تفعل، زادت يداها ضغطا على صدره فحررت قلبه من أحزانه وأعادت رغبته إليه في أن يجذبها إلى أحضانه وبالفعل جذبها إليه بقوة ووجدت نفسها تحيطه بذراعيها فهمس
"رنين، آه رنين اشتقت لكِ، لم أعد أتحمل، فراقك نار تحرقني أرجوك كفانا بعدا، كفاكِ قسوة لم أعد أتحمل"
أبعدها قليلا ونظر بعيونها وهو يهمس بشوق وحنين ورجاء وحب "لم أعد أستطيع رنين، حقا تعبت من البعد" 
نظرت إليه بشوق يضاهي شوقه وأكثر ولم ترد فعاد وقال "أخبريني أن ما حدث انتهى ومات مع موت الأيام وأنكِ لن ترحلي لأي مكان"
لم تبعده عنها وقالت بضعف "ربما أبعد كي ترتاح" 
قربها منه وقال "لم تكن راحتي أبدا في بعدك؟" 
عادت الدموع فقالت "ولكنك بعدت"
قال بضعف "من أجلك، لم اكن أتحمل نظرة عيونك فهي تجرحني بشدة وتذكرني بما فعلت، رنين كفى أرجوكِ أنا تعبت ولم أعد أتحمل، أرجوكِ دعينا ننسى ما حدث ونبدء من جديد أنا أدركت خطئي فكفى"
أخفضت عيونها وقد كانت سعيدة من كلماته، أخيرا عاد إليها وأدرك خطؤه، وها هي سعيدة وهي بين ذراعيه ولم تعد ترفض لمساته وإنما اشتاقت لها، اليوم تأكدت أنها ما زالت تحبه بل تعشقه، خوفها عليه كاد يصيبها بالجنون كما وأنها رأت لهفته وخوفه عليها 
قربها مرة أخرى وهمس "أنا ادأعلم أني أخطأت وتسببت بجرحك ولكني ندمت صدقيني رنين ندمت فهل نكتفي من الأحزان؟ أنا آسف رنين آسف على كل ما قلته أو فعلته صدقيني لم أكن في وعيي، لقد فقدت عقلي عندما رأيت الصور وسمعت كلام سالم والغيرة أعمت عقلي فلم أدررك ماذا أفعل أو أقول لكني أدركت بعدها أن ما حدث كان أكبر خطأ ارتكبته بحياتي لأنه كاد يفقدني إياكّ، سامحيني رنين أنا آسف"
ابتسمت ابتسامة رقيقة من بين دموعها دليل على قبول الأسف فمسح دموعها ثم جذبها إلى أحضانه بقوة لم يحاول أن يقللها فكم كتم أشواقه ومشاعره ولم يعد يمكنه أن يفعل أكثر التفت ذراعها على ظهره فهمس بجانب أذنها 
"آسف رنين أرجوك سامحيني أنا تعبت والله تعبت من البعد"
لم ترد وتركت نفسها بين ذراعيه و-نفاسه تثير الدفء بجسدها، شفتيه تقبل عنقها بحنان ثم انتقل إلى شفتيها بقوة وشوق ملاء كل كيانه وانساب إلى قلبها فشفى جرحها وأغلق باب الماضي، انتهت أنفاسهم فأبعدهها قليلا بعد أن ذاق طعم الدم من شفتيها، جرح شفى جرح قلبه وقلبها وأعاد إليهما السكينة 
أحاط وجهها بيده فنظرت إليه ابتسم وقال "هل زال الغضب والألم والحزن؟"
ابتسمت وهزت رإسها فلم تشعر إلا وهو يحملها بين ذراعيه فهتفت "آدم ذراعك مجروحة"
نظر إليها بشوق وقال "قربك شفى كل جروحي" 
ابتسمت وتعلقت برقبته وتركته يحملها ويقربها من قلبه فمالت برأسها على صدره لتسمع دقات قلبه وتساءلت بماذا ينبض ذلك القلب!؟ هل ينبض بحبها كما ينبض قلبها بحبه؟  ليته يخبرها، وأخيرا وضعها على الفراش ولم تفلته وهو ينظر إليها وهمس 
"لم يكن للحياة طعم في بعدك، أنا لم أعد أتحمل فراقك لحظة واحدة بعد الآن لن تفعلي بي ذلك مرة أخرى"
قالت "وأنت لن تجرحني مرة أخرى" 
أجاب بدون تردد "أعدك ألا أفعل فقد اشتقت لأحضانك وقربك ولمساتك، ضميني إليكِ ولا تبعديني عنكِ، أعيدي لي الدفء والحنان فكم أحتاج إليهم"
شعرت بحزن من أجله فجذبته لأحضانها في حنان لا يغلفه أي خجل فماذا يمكن لأي امرأة أن تفعل أمام كلمة احتياج من رجلها حبيب قلبها الوحيد سوى أن تفسح صدرها له وتجذبه إلى أحضانها سعيدة راضية 
احتضنها بقوة وقال "هل ستكونين لى؟"
همست "أنا لم أكن سوى لك"
كان يعلم أنها على حق فضمها له أكثر واستسلمت له بطيب خاطر وسلمها هو نفسه وروحه، كان يبحث عن الراحة بين ذراعيها، عن حنان أمه الذي لم يجده، عن أمان الأب الذي ضاع منه، عن سعادة لم يعيشها إلا معها، عن حب لم يمنحه إلا لها ولم يعد للماضي أي مكان، فربما حدث ما حدث وكان ما كان ولكن ما بقلبهم حب كبير حتى ولو لم يخرج إلى النور ولكنه موجود بقلب كلا منهما يدفعهم إلى الحياة إلى نبع الماء الذي لا يجف ..إلى شمس النهار التي تعيد للدنيا الحياة ..إلى الأراضي الخضراء التي تشع بالأمل وبالحياة وربما بالسعادة ....
الآن هو يريدها وهي أيضا لم تمانع، ابتعد لحظة ونظر بعيونها وهي لم تفلته ولم ترفضه، لم تذكر الماضي القريب فقد اشتاقت إليه كما اشتاق إليها، ابتسم وكأنه يتأكد أنها بين ذراعيه وهو لن يتركها مرة أخرى 
عاد إلى شفتيها ليتأكد من أنه لم يعد بذلك الكابوس فأحاطته بذراعيها لتؤكد على رضاها بأن تكون له 
واستمتع كلا منهما بالليلة التي كانت بمثابة ليلة العمر التي حرم منها الاثنان، أمتعها بكل ما استطاع محاولا أن يعبر عن أسفه وندمه على ما كان ومحاولة إشعارها بالسعادة كما يشعر بها هو الآن
تعليقات



<>