رواية انيسي المنتظر الفصل الثالث3بقلم يارا ابراهيم


رواية انيسي المنتظر الفصل الثالث3بقلم يارا ابراهيم


"حين تُوشك الروح أن تنطفئ، يُرسل الله إليها قبسًا صغيرًا، يكفي لإشعال حياة جديدة."

__________________________________

مر أسبوع بعد مقابلة «إسراء» للعريس، كانت «إسراء» تتجنب الحديث مع الجميع وأغلب الأوقات بالغرفة، كان الجميع مستاء من تلك الحالة وحاولوا الحديث معها ولكن في كل مرة تقول: 

_يا جماعة أنا مش مضايقة منكم، أنتم في الأول والأخر أهلي، أنا بس محتاجة عزلة مع نفسي مانتم عارفين. 

مر أسبوع لم يحدث به جديد، و في يوم الجمعة قررت «إسراء» أخيرا الخروج، ومواجهة الحياة من جديد، استيقظت «إسراء» في السابعة صباحاً، و أول ما فعلته هو أستعارة قلمها ومُذڪراتها لتُدون ڪعادتها كاتبة: 

"لأن الغيم لا يبقى طويلًا"

هناك دومًا لحظة، في عمق الانكسار، تهمس فيها الحياة:
"لم أنتهِ منك بعد.."

ربما لا تسمعها أول مرة، وربما يختنق الصوت وسط الصمت، لكن تأكّد أن للحياة طُرقها الخفية في الترميم
فالقلوب التي تهشّمت، تعود وتنبض من جديد، لا كما كانت.. بل أقوى، أنضج، أكثر اتزانًا.

ليس من الضعف أن تبكي، ولا من العيب أن تتألم
لكن الشجاعة كلها أن تُعيد لملمة روحك، أن تفتّش في داخلك عن بصيص نور، وتتبعه ولو زحفًا.

دعك من الأمس، من الوجع، من الذين خذلوك، من الأبواب التي أُغلقت.
فما دامت الشمس تشرق كل يوم دون أن تسألك إن كنتَ مستعدًا،
فلتنهض، حتى وإن كنت تُجرّ خطواتك.

وابدأ من جديد، لا لأنك مضطر، بل لأنك تستحق أن ترى جمالًا آخر لم تبلغه بعد.
تذكّر:
الغيم لا يبقى طويلًا، والمطر لا يُغرق سوى مَن رفض أن يسبح.

أغلقت «إسراء» مذاڪراتها، ثم توضأت لتُؤدي فرضها، فـ تلك العزلة، كانت بعيدة عن الجميع، وقريبة من خالق الجميع، انتهت «إسراء» من الصلاة و أذڪار ما بعد الصلاة، وقررت ترتيب المنزل قبل استيقاظ والدتها و أخواتها، وبعض مرور ساعة قد انتهت من التنظيف، وفتحت التلفاز علي قناة القرآن الكريم لتسمع قول الله تعالي: 

﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَاتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سورة يونس - آية 89.

إبتسمت «إسراء» وهي تُردد الآية براحة لم تشعر بها منذ مدة، قطع إندماج «إسراء» صوت رنة هاتفها لـ تجد أن المتُصل رقم غير مُسجل فـ قررت الرد لـ تقول: 

_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

لـ يُجيب الشخص من الجهة الأخري: 

_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، آنسة إسراء معايا. 

لـ تقول «إسراء» بإستغراب: 

_ايوه،...... حضرتك تعرفني. 

_أنا شهاب العِمري. 

قالها «شهاب» لـ تُجيب «إسراء» والأمل يُرسم علي وجهها وهي تنظر للتلفاز وتتذكر الآية فـ تقول: 

_اه أهلا بحضرتك فيه حاجه. 

قال «شهاب» بفرح: 

_وعدتك إني هحاول أساعدك والحمد لله قدرت. 

ظهرت الفرحة علي ملامح «إسراء» وأجابت بلهفة: 

_يعني أنا رجعت الشركة، بجد مش عارفه أقولك إيه. 

قال «شهاب» بإحراج: 

_أحم.... لا مش بالظبط. 

اختفت الفرحة من وجه «إسراء» وقالت بعدم فهم: 

_أمال حضرتك ساعدتني إزاي. 

قال «شهاب» بحماس: 

_أنا أعرف واحد صاحب العيلة، وهو عنده شركة كبيرة برده فـ طلبت منه يشغلك، وهو رحب جدا بالفكرة لانه كان محتاج مهندسين، إنتِ بس هتفضلي تحت التدريب تلت شهور، ولو اتأكدوا من كفاءتك هتستلمي الوظيفة وبمرتب كبير زي ما كنتِ في شركة العِمري. 

قالت «إسراء» بإمتنان كبير وشكر: 

_بجد شكراً لحضرتك، وقفتك جنبي مش هنساها ابداً، بس معلش ممكن سؤال؟... 

_أكيد أتفضلي. 

_هو أنا يعني هبدأ التدريب ده أمتي. 

_من بكرة لو تحبي. 

قالها «شهاب» بحماس أكثر من «إسراء» لـ تُجيب هي: 

_طيب ممكن أعرف العنوان. 

اجابها «شهاب» معقّبًا: 

_أنا هروح مع حضرتك أول مرة علشان المكان وأكلم صاحب الشركة. 

أجابت «إسراء» بخجل: 

_تمام... بس. 

_بس بالمواصلات العامة خلاص والله. 

قالها «شهاب» مُكملاً،لـ تقول: 

_خلاص هقابل حضرتك بكره الصبح بس الساعه كام. 

قال «شهاب» مُردفاً: 

_الساعة 7 علشان 8 لازم تبقي في الشركة. 

قالت «إسراء» بإمتنان: 

_متشكرة جداً لحضرتك على كل المساعدات دي. 

فأجاب هو الأخري: 

_ لا شكر علي واجب، أحنا بقينا صحاب. 

إتسعت عينا «إسراء» لـ تقول بهدوء: 

_ مافيش صداقة بين رجل و امرأة. 

فـ قال «شهاب» بإحراج: 

_آسف أنا ماكنتش أعرف، ممكن طلب بس. 

_أتفضل. 

فـ أجاب هو معقّبًا بإحراج: 

_احم..... هو أنا يعني لو عايز أقرب من ربنا و أعرف ديني أكتر أعمل إيه. 

إبتسمت «إسراء» و اجابت: 

_ابدأ بخطوات بسيطة لكن ثابتة:

1. الصلاة بوقتها: دي أول طريق القرب من ربنا.

2. اقرأ قرآن كل يوم ولو آية: وافهم معناها.

3. اسمع دروس دينية موثوقة: زي الشيخ الشعراوي، أو الدكتور عمر عبد الكافي.

4. صاحب ناس بتقربك من ربنا: الصحبة الطيبة بتفرق.

5. ادعي دايمًا: واطلب من ربنا يثبتك ويهديك.

كل خطوة بتقربك، وربنا بيقابل خطواتك بأضعافها رحمة وحب.
قال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب." [الطلاق: 2-3]

إبتسم «شهاب» وقال بإمتنان: 

_بجد شكراً جداً، و أنا هبدأ الخطوات دي. 

قالت هي بإحراج: 

_الشكر لله، السلام عليكم. 

فـ قال «شهاب» مُردفاً: 

_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. 

أغلقت «إسراء» الخط وهي سعيدة للغاية، ثم دلفت للمطبخ لـ تُجهز الإفطار، بعد مدة من الزمن انتهت من الإفطار ثم ذهبت لغرفة والدتها لـ تُيقظها، ومن ثم لـ غرفة أخواتها، استيقظ الجميع وأدوا فرضهم، ثم أجتمعوا جميعاً حول مائدة الإفطار، أنتهوا من الإفطار، ثم جلسن جميعاً لـ قراءة سورة الڪهف،بعد إنتهائهم من قراءة القرآن، إرتفع صوت آذان صلاة الجمعة، جَلسن يُرددن مع المُؤذًن إلا في "حي على الصلاة" و"حي على الفلاح" فـ قلن:

"لا حول ولا قوة إلا بالله". 

بعد إنتهاء الآذان قلن: 

"اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد."

بعد إنتهائهم من الصلاة، نزلوا لـ شقة عمهم «ياسر» الذي كان بإنتطارهم وفرحوا كثيرا عندما رأوا «إسراء» قالت «منى» بفرح:

_أفتكرنا مش هتنزلي النهاردة وكنا هنطلع أحنا،
ماتكونيش زعلانه. 

قالت «إسراء» بإبتسامة: 

_أنا عمرى ما بزعل منكم، أنتم أهلي و سندي في الدنيا بعد ربنا. 

أنهوا الحديث بينهم ثم أجتمعوا السيدات والفتيات جميعاً حول «إسراء» بما فيهم «منى» وبناتها لـ تقول «وئام» بـِ حماس: 

_هتحكي النهاردة عن مين؟. 

إبتسمت «إسراء» قائلة: 

_هتكلم عن زينب بنت جحش. 

أنصت الجميع بإنتباه لِـ«إسراء» اللي بدأت الحديث: 

_بُصوا بقي، زينب بنت جحش مش أي واحدة لأ دي كانت ست بـ ميت راجل.. كانت من الصحابيات اللي اتربوا على الإيمان، وأخلاقها كانت عالية جدًا، وكانت من أهل النسب والشرف، تخيلوا إنها بنت عمة النبي ﷺ نفسه!

قاطعتها «ميسون» بدهشة:
_يعني قريبة النبي؟!

ابتسمت «إسراء» وأجابت مُعلقة:
_أيوه يا ستي قريبة النبي وكانت جميلة جدًا، وكل اللي يشوفها ينبهر بيها.. بس عايزين نركّز مش في جمالها الظاهري، لأ.. جمالها الحقيقي كان في طاعتها لربنا.

مرة النبي ﷺ خطبها لـ زيد بن حارثة، وكان زيد وقتها عبد أعتقه النبي، واعتبره زي ابنه، وكانت زينب شايفة إن ده مش مناسب لمكانتها، وفضلت مترددة بس مع كده.. قالت "نعم" مش علشان كانت موافقة، لأ.. علشان تِرضي ربنا وتُطيع الرسول ﷺ.

اردفت «ندي»:
_يعني وافقت علشان ربنا بس؟!

أومأت «إسراء» وأكملت:
_أيوه طاعة مطلقة، وده درس لينا.. إن مش كل حاجة تمشي بِـ مزاجنا، في حاجات نمشي فيها لأن ربنا شايف الخير فيها حتى لو إحنا مش شايفينه.

لكن الزواج ده ما استمرش، وزيد طلقها وبعدها نزل قرآن مخصوص بيأمر النبي ﷺ إنه يتجوزها.. علشان يوضح للناس إن التبني مش زيه زي النسب، وإن اللي كان بيحصل في الجاهلية غلط.

_يعني ربنا اختارها تبقى من "أمهات المؤمنين".. زوجة النبي ﷺ.

قالت «يمنى» بإبتسامة:
_دي كانت عظيمة جداً. 

أكملت وفي عينيها لمعة حب:

_أيوه وكانت بتتصدق كتير، لدرجة إن النبي ﷺ قال عنها: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا"، وكان يقصد اللي بتتصدق أكتر، وفعلاً.. ماتت زينب بعد النبي بفترة قصيرة.

عارفين كانت دايمًا تقول إيه؟
"اللهم إني لا أريد أن يُثنى عليّ أحد، ولا أن يُذكر عني خير، إنما أريدك يا رب."

_إيه الجمال ده؟!.. ست كانت بتعبد ربنا بحب وصدق وتواضع.. ودي الحكاية.

صمتت«إسراء» لـ برهة، ثم قالت وهي تنظر بأعينيهم:

_محدش فينا صغير على الطاعة، ومفيش حاجة اسمها "أنا ماليش لازمة"، كل واحدة فينا جواها زينب.. بس محتاجة تصدق وتبدأ.

صفق الجميع لـ «إسراء» وهم ينظروا لها بفخر فقالت «منى»

_يلا بقي علشان نتغدا. 

___________________________________
في منزل عائلة «العِمري» أتي «عامر» و«شهاب» برفقة والدهم للمنزل بعد ما انهوا صلاة الجمعة وجدوا «نجوى» زوجة «محمد» و والدة «عامر» و «شهاب» بإنتظارهم علي مائدة الغداء و علي مُحياها إبتسامة هادئة مثلها ألقوا عليها التحية وجلسوا لـ تناول الغداء، و بعد إنتهائهم خرج «شهاب» علي عُجالة للحديقة، وبيده اللاب توب الخاص به، لاحظ الجميع ما قام به، فهو علي غير العادة، انهي «عامر» طعامه ثم ذهب لـ يري «شهاب» فهو شعر بتغيره من الصباح، خرج لـ يجدُه يجلس وهو منصت بـ تركيز لـ الجهاز ، أقترب «عامر» و اردف قائلاً: 

_أنت حركاتك غريبة من الصبح فيه إيه، وبتسمع إيه بكل التركيز ده عمرها ما حصلت. 

رفع «شهاب» نظره وقال والإبتسامة تُرسم علي محياه: 

_ولا تغيير ولا حاجة قررت أعمل الصح وبالنسبة لـ بسمع إيه، فأنا بسمع بودكاست للقرب من ربنا. 

                 الفصل الرابع من هنا
تعليقات



<>