رواية مرايا الحب الفصل السابع7 والثامن8 بقلم نورا عبد العزيز

رواية مرايا الحب الفصل السابع7 والثامن8 بقلم نورا عبد العزيز
بعنــــوان " إجهـــــاض"
تألمت قليلًا من سكب الماء المغلي على أطراف أقدامها لكن ما سمعت إليه كان صادمًا كافيًا حتى تتجاهل ألمها وتجمعت الدموع في عينيها، خرج "يونس" من الشرفة غاضبًا كالإعصار الهالك ليراها تقف أمامه بعينيها التى على وشك البكاء فكاد أن يمر من أمامها لكنها تحدثت بخفوت شديد قائلًا:-

-يونس

تحدث بغضب مكبوح بداخله وهو يصر على اسنانه قائلًا:-

-عدينى يا فلك

وقفت أمامه أكثر تمنعه من المرور ثم قالت بتلعثم شديد:-

-لا، متروحش عندها دلوقت

صرخ بأنفعال وكأن باطن بركانه المُتلهب أنفجار الآن:-

-دى قتلت ابنى يا فلك، عملت اللى فى دماغها وقتلت طفل فى بطنها لسه متخلقش وذنبه الوحيد أنها أمه، حتى أبوه المريض اللى هى مستعيرة منه مفكرش فى حاجة ربنا حرمها

تساقطت دمعتها على وجنتيه حزنًا على حاله والجميع يضطهاده فقط لكونه مريض فقط، لتري دمعته تذرف وجعًا على وجنته مع حديثه وكلماته التى يتفوه بها، جزءًا كبيرًا فقد منه مع طفله الصغير الذي فقده فى هذه اللحظة، نظرت "فلك" للأسفل حيث يديه التى يخبأها فى جيوبه وتسللت يديها إلى جيبه الأيسر لتعانق يده بلطف رحمةً به لينظر "يونس" للجهة الأخرى مُتحاشيًا النظر إليها بضعف وقلبه يفتك به الألم من فعل "قدر" زوجته التى تسعى دومًا لإذلاله وتسبب الألم له لتقول "فلك" بهدوء:-

-أهدا يا يونس هى خلاص عملت اللى عملته، أنك تروح ليها دلوقت مش هيساعدك أنك تخفف من الألم بالعكس المواجهة هتوجعك أكتر

نظر إليها صامتًا وهى تعانق يده ايري فرفعت يدها الأخرى إلى وجنته تمسح عنها دمعته الهاربة من جفنيه حزنًا فقالت:-

-متروحلهاش يا يونس وربنا هيعوض عليك صدقنى

طأطأ رأسه بضعف وحزن شديد حتى سكنت على كتف "فلك" دون أن يقترب أكثر لتشعر بقشعريرة من فعلته لكنها ظلت ثابتة هادئة تلفظ أنفاسها فقط وأذنيها تستمع إلى أنين بكائه وشهقاته لترفع يدها إلى كتفه وتربت عليه حتى هدأ تمامًا وجلس على الأريكة فرأها تنكمش فى المقعد وتضم قدميها إلى صدرها ورأسها تسقط بأستسلام للنعاس لكنها تقاوم فقال بهدوء:-

-قومي نامي يا فلك

نظرت إليه بتكاسل شديد ثم قالت:-

-لا أنا قاعدة معاك

تبسم بسمة مُزيفة تخفي ما بداخله وقال:-

-أدخلي يا فلك أنا مش هخرج ووعدتك
 
لم تتزحزح من مكانها وكأنها تخشي أن تغفو فى نومها ويذهب إليها يفرغ غضبه وحزنه، وقف "يونس" من مكانه بضيق شديد من عنادها ليأخذ يدها ويجذبها لكن لم يتحرك لها أنش فقالت:-

-إحنا أتقفنا نكون صحاب ومنكدبش على بعض، أوعدني أنك مش هتروح ليها على الأقل دلوقت وأنت غضبان
 
أومأ إليها بعفوية وتتطلع بعيني "فلك" هذه الفتاة التى تمكنت من أخذ مكانة فى قلبه ببرائتها حتى لو كانت مكانتها كصديقة له يشعر بالأرتياح معها وبوجودها فقال بهدوء جادًا:-

-أتفقنا نكون صحاب وأنا وعدتك مش هنزل يا فلك ومش هروح لها بس قومي أنتِ أرتاحي شوية، أنتِ بتنامي وأنتِ قاعدة

أستسلمت لتعب جسدها ووقفت لتسير نحو غرفتها وهو جلس وحده بالشرفة شاردًا بـ "قدر" وفعلتها معه وتخلصها من جنينها ليشعر أن قلبه فلق لنصفين وبدأ ينزف وجعًا من حبه إليها وكأنها فتح أبواب قلبه حتى تتسلل من ضلوعه خارجًا، أتاه صوت "غزل" تقول:-

-وجعتك؟!

نظر إليها نظرة وجع وألم مُميت وقال مُتنهدًا حزنًا:-

-بتلومنى عليكي يا عزل، أنا عملت أيه أتعاقب عليه وأتأذي عليه الأذي دا، قلبي بيفتك وجعًا وقهرًا من جوايا ومش لاقي حد أقوله وجعي ولا أشكي له ألمي والنار اللى جوايا، على أيه القهرة اللى أنا فيها دى، عشانك يا غزل مع أن قلبي أنا مش قادر يلومك ولما بتغيبي عني بتوحشينى، أنتِ الوحيدة اللى بحكي لك اللى جوايا من غير خوف وأنا واثق أنك مش هتأذينى بأى سر هقوله، أنا واثق أنك بئر أسرارى اللى مش هيخوني أبدًا ولا هيغدر بيا

تشابكت الأيادي معه بلطف وهى تستكين على كتفه برأسها بحنان ثم قالت:-

-أنا جنبك ومعاك على طول رغم أنى شايفاك مهتم بوجود واحدة تانية

نظر إلى "غزل" بتعجب شديد فتابعت حديثها قائلة:-

-فلك ولا مش واخد بالك بدا 

نظر للشارع بلا مبالاة ثم قال بهدوء:-

-فلك، أنا وفلك مجرد أصدقاء مش أكتر، جوازنا صورى أنا عشان أكيد قدر وأرد لها عمايلها معايا وهى عشان تهرب من أخوها المتوحش، هى محتاجنى عشان أحميها وأكون ظل تتستقوى بيه قصاد أخوها وأنا عشان أقهر قدر وأنتقم منها

تنهدت "غزل" بلطف شديد وهى تصدق كلماته النابعة من قلبه ثم قالت:-

-مصدقاك يا حبيبى، أنا كنت واثقة ومتأكدة أن لا يمكن تحب غيري ولا تكون مع واحدة غيرى

تبسم "يونس" بلطف بسمة مزيفة، على عكس الجانب الأخر كان "أنس" يشتعل من داخله نارًا ولهيبًا لا يصدق بأنه خسرها أول فتاة تخطف قلبه وفعل كل سعيه حتى يساعدها فى لحصول على عمل فى شركته لتظل بجواره وبجانبه، ظل مُستيقظًا حتى شروق الشمس ليبدل ملابسه ويذهب إلى العمل، دخل الشركة غاضبًا وبوجه عابسًا ليُصدم عندما رأى "فلك" واقفة مع "هالة" وتحمل فى يدها كوب يتسلل منه دخانًا وتحيطه بيديها الأثنين تحتمي به من برودة الهواء مُرتدية بنطلون جينز ثلجي اللون وبلوفر من الصوف طويل يصل إلى ركبتيها ذات اللون الأزرق الداكن وتلف حجابها الملون وتبتسم بسمة مُشرقة تخطف القلوب لكن بقلبه هو أشتعلت نيران الوجع بداخله ولا يُصدق أن بسمتها حُرمت عليه فى الحال، ألتفت "فلك" مع ضحكتها الخافتة لتراه يقف هناك وينظر إليها فتلاشت بسمتها سريعًا بحرج منه وظلت تنظر إليه بخجل من نظراته التى تتهمها بالكثير وتلحق بها تهمة واحدة وهى الخيانة ليقطع نظرتها إليه مجيء صديقة إليها تعانقها بسعادة وهى تبارك لها قائلة:-

-مبروك يا عروسة

تحاشت النظر إليه وهى تعانق صديقتها وتبتسم بعفوية ليغدو "أنس" إلى مكتبه بضيق شديد من هذا الهواء الملوث ومُحملًا بالكثير من الألم إليه والجميع يبارك لها زواجها فدخل إلى المكتب ليرى "يونس" بالداخل فقال بضيق شديد:-

-ايه جاي يلا ليه لتكون عاوز تحول الكذبة لحقيقة وتكتب عليها رسمي

تنحنح "يونس" بهدوء قبل أن يجمع شجاعته ويجيب على أخاه وهو يعلم بأنه يكن المشاعر لزوجته لكنه أيضًا يدرك تمامًا أن "أنس" يسعى للكمال ولن يناسبه "فلك" الفتاة المريضة فقال بجدية واثقًا من كلماته:-

-لا، أنا حقيقي أتجوزتها وفلك دلوقت مراتي رسمي

أتسعت عيني "أنس" على مصراعيها بصدمة قاتلة وأنقبض قلبه قبضة مُميتة كالموت الذي لحق به وأصاب قلبه فى الحال، تمتم بتلعثم وصوت خافت شديد:-

-أتجوزتها رسمي؟!
 
قالها "أنس" بصدمة ألجمته ولا يُصدق بأن أخاه فعل ذلك، ألتف إليه بضيق شديد وتعابير وجه غليظة مليئة بالحقد والشر عاقدًا حاجبيه المُخيفين، نظر "يونس" إليه بهدوء ثم قال بنبرة ثابتة واثقًا من حاله:-

-اه أتجوزتها، عشان أحميها وتستقوي بيا وعشان قدر تتعذب زى ما عذبتني، ذنبي أيه أنى مريض وبشوف ناس مش موجودة، ذنبي أيه أنها معرفتش تحتويني وتطبطب عليا فى وجعي وألمي، ذنبي ايه أنها بتشك في كل تصرف بعمله حتى لو بنية خير وقاصد أفرحها وأسعدها وعلى طول تقولك دا بيخوني، دا كفاية ان سر بيتى معاها كله معاك ومفيش حاجة بتحصل بينا إلا وتيجي تقولك عليها، قدر أنانية وأنانيتها هى اللى وصلتنا كدة، يشهد ربنا أنى عمرى ما فكرت فى ست ولا خونتها مع ست غير غزل اللى هى أصلا مجرد خيال، هاتلي رجل على وجه الأرض يقبل أن مراته تهينه وتغلط فيه وفى رجولته ويستحملها لكن أنا استحملت لسانها السليط وكلامها اللى بيجرح وقولت أعذرها يا يونس لكن أنا بنى ادم وفاض بيا
 
صاح "أنس" به مُنفعلًا بشدة قائلًا:-

-تقوم تتجوز فلك، دونًا عن بنات الكون كله متلاقيش غير فلك اللى تتجوزها، وأنت عارف ومُتأكد أنى معجب بيها
 
للحظة شعر "يونس" بغيرة شديدة تنشب نيرانها داخل صدره ورجل أخر يلفظ اسمها أمامه ويعترف انه يكن المشاعر لها فقال بهدوء شديد مُسيطرًا على غيرته المُتلهبة:-

-لاحظ أنك بتتكلم عن مراتي يا أنس، ولأنك أناني وبتتهم بالمظاهر والشكليات أنا بقولك أنك كنت اول واحد هسيب فلك لو كانت معاك، لأن عمرك ما هتقبل أنك تعاشر واحدة مريضة، دا أنت مستحمل أخوك المريض بالعافية يا راجل 

التف ليغادر غاضبًا فرأي "فلك" تقف على باب المكتب وقد استمعت لحديثهما كاملًا وعينيها تلمع ببريق دموعها السجينة داخل جفنيها لينظر "يونس" إليها وسار نحوها بخطوات ثابتة ثم رفع يديه إلى وجنتيها يحيط وجهها بكفيه الكبيرين وجفف دموعها بأبهاميه بلطف شديد ثم ألتف إلى "أنس" وهو يأخذ يد "فلك" فى يده وقال بحدة:-

-وأفتكر أن فلك مراتي على سنة الله ورسوله، مرات أخوك سوا قبلت أو رفضت ومفيش حاجة اسمها معجب بيها لأنها دلوقت شرفي وعرضي ومش هسمح لك بدا أبدًا

أخذها "يونس" إلى مكتبه المُغلق، دخل وأغلق الباب ثم ترك يدها ونظر إلى عينيها بينما هى كانت تتهرب من النظر إليه ولا تصدق أن هذه هى نظرة الجميع إليها فقالت بضعف شديد:-

-أنا مش بنت وحشة عشان اتجوزتك من وراء أهلى، أنا والله مش وحشة لدرجة دى

أقترب "يونس" خطوة نحوها ثم قال بهدوء شديد:-

-أهدئي يا فلك، أنتِ مش وحشة ولا حاجة، أنتِ أعظم وأشرف بنت أنا قابلتها وإلا مكنتش خليتك تشيلي أسمي وأعلن للكل أنك مراتي 

لم ترفع عينيها به فوضع سبابته أسفل ذقنها ليرفع رأسها للأعلى وتقابلت عينيهما معًا فقال:-

-إحنا أتفقنا أن مفيش زعل ولا عياط ودموع تاني صح، قولنا مفيش غير ضحك وفرح وسعادة بس 

أومأت إليه بنعم ليقول ببسمة هادئة دافئة:-

-وبعدين أنا عايزك تكتبي أحلامك وأمنياتك فى ورقة عشان نعملها سوا، لو فى مكان نفسك تروحيه أو حاجة عايزها تقوليلي عليها، إحنا أتفقنا نكون سوا عشان نخفف عن بعض ألم المرض ونسعد بعض ونحول الألم لأمل 

أومأت إليه بنعم ثم رفعت يدها إلى وجنتيها تجفف دموعها بلطف ثم قالت بعفوية:-

-حيث كدة بقي أنا فى مكان نفسي أروحه بس ممنوعة منه

نظر إليها بتعجب فى صمت مُنتظر أن تتابع الحديث وتخبره عن هذا المكان لتقول ببراءة طفولية:-

-الملاهي، أنط وأجرى وألعب

نظر إليها بعجز وهو يعلم أن الجهد سيؤلمها وربما يمرضها أكثر فقال بلطف:-

-خلص نروح النهاردة بعد الشغل بس بشرط نلعب براحة على قد صحتنا ومنفتريش أوى

قفزت "فلك" بحماس شديد كطفلة حققت حلم لديها كانت تتمناه دومًا وليالي ثم قالت ببراءة:-

-اه، حاضر والله

تبسم على فرحتها بعفوية وغادر، خرجت "فلك" من مكتبه لتعود إلى عملها، أغلقت باب المكتب لترى كوبها برد وتوقف الدخان عن التسلل منه لكنها تبسمت بحب وبدأت تباشر عملها بسعادة تغمر قلبها على الجانب الأخر كان هناك قلب مُصدومًا لا يصدق ما سمعه وأن هذه الفتاة البريئة تحمل بداخلها قلب مريض وعلى حافة الموت رغم ما تحمله بداخلها من تفائل وحب للجميع، لن يراها أحد إلا وقد أحبها حتى النساء يروا جمالها ويظهر هذا فى صداقاتها مع جميع مؤظفات الشركة جميعهم أتفقوا على مُحبتها فى التعامل والرحب الشديد بها، ظل "أنس" شاردًا بها وهى كفراشة مُحلقة فى سماء شركته تنشر البهجة والسعادة فى كل مكان ببسمتها العاذبة البريئة، تابعها كثيرًا بنظره من خلف الزجاج وهى تضحك بعفوية مع الجميع وبسمتها لم تغادر شفتيها وكأن وعد "يونس" لها بالذهاب لمدينة الألعاب كان كافي لتغلغل السعادة إلى قلبها المريض ليحيا من جديد ويتناسي المرض، تمتم "أنس" بضعف شديد قائلًا:-

-اللعنة على جمالك يا فلك، أنتِ زى السحر 

توقف عن الحديث وهو يعلم بأن ما بداخله لا يمكن البوح به، "فلك" كانت كالسحر الذي يُلقي علي قلب الشخص وتعويذته تكمن فى بسمتها فبمجرد أن تبتسم يسقط الشخص فى عشقها رغمًا عنه، وقف "يونس" فى مكتبه يبحث عن ملف فى المكتبة الخشبية ويضع الهاتف على أذنيه ويتحدث، أخذ الملف وألتف كي يعود إلى مكتبه لكنه توقف فجأة عندما رأى "أنس" يقف شاردًا ويتطلع بشيء ليتوقع ما ينظر إليه أخاه، أقترب من الزجاج أكثر لينظر تجاه نظره وكانت "فلك" هناك تقف أمام ماكينة التصوير، تصور مستندات للعمل وتتحدث مع "هالة" وعلى وجهه ملامح خجل شديد وبسمة رقيقة ناعمة، أستشاط "يونس" غضبًا وشعر بضربات قلبه تحترق بداخله وتضرب ضلوعه مُعلنة عن تذمر قلبه ورفضه لهذه النظرات التى على وشك ألتهمها بعيني "أنس"، كأن قلبه وعقله الغاضب يخبراه بأن هذه الفتاة الآن ملك له وحده ولا يحق لغيره بأن ينظر إليها هكذا، لا يعلم لما يشعر بالغيرة الشديد عليها إذا كانت "فلك" له صديقة مٌقربة وليس حبيبة، أنهى حديثه ف الهاتف وهو يقول:-

-أنا هبعتلك نسخة من العقد على الواتس أب

أغلق الهاتف وخرج من المكتب ذاهبًا إليها، تحدثت "هالة" بعفوية وصوت خافت تقول:-

-يعنى عايزة تفهمنى أن مفيش حاجة كدة ولا كدة، ولا حتى نظرات وحب 

ضحكت "فلك" بعفوية شديدة خجلًا منها ونظرات إلى ماكينة التصوير ثم قالت بتمتمة:-

-أنتِ أكيد بتهزرى، أنا ويونس ...

قاطعها صوته الخشن بنبرة غليظة قوية تعبر عن قدر الغضب ونيران الغيرة المُلتهبة بداخله قائلًا:-

-فلك

استدارت إليه بذعر من الفجأة ونظرت بعينيه المُشتعلة لترى شرارة حريق تبث منها وعاقدًا حاجبيه بغضب لتقول بهدوء:-

-نعم

تلعثم فى الحديث وشعر بأن كلماته هربت منه تمامًا فى هذه اللحظة، عاجزًا أمامها بقوة ليأخذ يدها فى يده ويسحبها معه وعينيه تنظر إلى "أنس" وكأنه يخبره بيديهما المُتشابكة أنها ملك له وقريبًا سيقتلع عينيه إذا طال النظر إليها، أخذها وذهب من الشركة تمامًا وبعد خروجه من باب المبنى وبدون سابق أنذار ظهر "فارس" من العدم أمامهما وتوقف "يونس" فجأة عن السير لتنظر "فلك" إلي أخاها بخوف شديد، نظر "فارس" إلى "يونس" بأنتقام شديد وغضب ناري يبث من عينيه لتشعر "فلك" بيد "يونس" تترك يدها لتنظر إلي يديهما المتباعدة لتُصدم عندما رأت يد "فارس" قرب خصر "يونس" وفى يده سكينًا قد أخترق خصره و"يونس" يمسك يده بألم شديد لتفزع "فلك" بصدمة ودفعت أخاها بعيدًا بقوة لتخرج السكينة من خصره فصرخ "يونس" بألم وقد بدأ بالسقوط لكن "فلك" تشبثت به وتسلل ذراعيها أسفل ذراعيه مُحاولة أمساكه لكن ثُقل جسده البدني هزمت جسدها الضعيف وسقط الأثنين معًا فغزت الدموع عينيها خوفًا عليه ومن فقده لتقول بضعف وصوت مبحوح لا يقوى على الخروج من جنحرتها:-

-يونس

تبسم بألم شديد أمام دموعها وقال:-

-متخافيش

سالت دموعها كالفيضان على وجنتيها وبدأت ترتجف رعبًا من دمائه التى لوثت يديها وهى تضغط على جرحه بذعر أشبه بالرعب المُميت وهو أول شخص يرحم قلبها المريض ويربت عليها رحمةً بها ويعاملها بلطف وحنان كأبنة له لتقول:-

-متسبنيش يا يونس أنا ماليش غيرك

رفع يده إلى وجنته بضعف وهو يقاوم الألم والدماء التى تغزو بغزارة على يديها وجفف دموعها بلطف قائلًا:-

-مش هسيبك يا فلك، هسيبك لمين؟!

فى اللحظة التى انهارت باكية أمامه كان تجمع المارة حول "فارس" قبضوا عليه وأتصل حارس المبنى بالإسعاف لتأتى من اجله فحمله وصعدت "فلك" معه تبكي ورجال الإسعاف يحاولون معالجته حتى يصل للمستشفي، وهى تضم يديها على فمها باكية تكتم شهقاتها وترتجف بعد أن لوثت بالدماء لكنها صُدمت عندما سمعت صفارة تُصدر من الجهاز فرفعت نظرها إليه وكأن مغمض العينين وسقطت يديه جانبًا لتفزع صارخة باسمه حيث سمعت رجل الإسعاف يبلغ المستشفي بتوقف القلب عن النبض .........

الفصل الثامن 
بعنــــوان " غـــرور قلــب "

وقفت "فلك" بعيدًا وهى ترى الطبيب والممرضين يحيطون به مُحاولين إنعاش قلبه بجهاز الصدمات الكهربائية وهى تضم يديها إلى صدرها بخوف وترتجف ذعرًا مما حدث له بسببها لم يكفى لسانها عن الدعاء برجاء فى أمس الحاجة لأستجابة دعواتها فى هذه اللحظة، عاد النبض لقلبه ضعيفًا ليبتسم الطبيب بسعادة وهو يقول:-

-خدوا للعمليات فورًا

أخذه الممرض بالتروالي إلى الرواق حيث مصعد المرضي للطابق الأخر،ألتفت "فلك" لتذهب خلفه لكن رغم عنها سمعت صوت الممرضة تُحدث الطبيب قائلًا:-

-أنا هبلغ دكتورة قدر لأنها وصيته ومراته وأحصل حضرتك على العمليات

ألتفت "فلك" فى هذه اللحظة من جديد وقالت بجدية وهى تمسح دموعها:-

-أنا ممكن أمضي على الإقرار المهم حياة يونس

نظرت الممرضة لها بتعجب ثم سألت بفضول شديد:-

-حضرتك أخته؟

هزت "فلك" رأسها بالنفي وهى تقول بجدية:-

-مراته

أتسعت أعين الممرضة على مصراعيها فلم يعرف أى شخص أن زوج الطبيبة "قدر" المغرورة لديه زوجة أخرى، تبسمت الممرضة وهى تعطيها الإقرار لتمضي عليه وهى تشعر بأنها حصلت على فرصة ذهبية لإذلال "قدر" حتى تكسر نظرتها المغرورة، وقعت "فلك" وذهبت إلى غرفة العمليات بينما الممرضة كان لديها مهمة أخرى نسائية تحمل من كيد النساء فنشرت خبر زواجه الثاني فى كل انحناء المستشفى أنتقامًا من "قدر"، كانت "قدر" جالسة على المكتب مع "صفاء" تتحدث معها عن إجهاضها للطفل بينما رفض "صفاء" كان واضحًا جدًا فى ملامحها وقالت بضيق:-

-حرام عليكي يا قدر ذنبه أيه الطفل دا أنك تقتله وهو مجرد نطفة، ومتقوليش عشان يونس كأن عندك ألف طريقة غيرها تنتقمي من يونس بيها، أقلهم أنك تطلبي الطلاق بعد ما أتجوز عليك وتخلصي منه وتعيشي حياتك
 
تحدث "قدر" بغرور شديد وهى لا تشعر بذرة ندم فى التخلص من روح نشبت بداخلها:-

-وأشيل فى بطني حاجة أنا قرفانة منها ليه وتربطني بواحد نجس زيه العمر كله

رفعت "صفاء" عينيها إلى "قدر" بسخرية وغضب شديد مُعارضة كلماتها الحادة الشنيعة عن "يونس" لتقول بإقتضاب:-

-نجس، أنتِ كام مرة أقفشتيه مع واحدة ولا بات برا بيته كام ليلة وكام كباريا دخله وكأس الخمر مبيفارقش أيده، فوقي يا قدر من أوهامك اللى خلقتيها عشان تبرري أى حاجة تعمليها فى يونس، يونس مريض وأنتِ دكتورة وعارفة يعنى أي مريض، ولا على المريض حرج
 
فتح باب الغرفة ودلف ممرض جديد يحمل كوبان من القهوة الساخنة ووضعها على المكتب لترتشف القليل منه فصرخت بأختناق شديد قائلة:-

-دى زيادة يا متخلفة

نظرت "صفاء" لصديقتها بذهول فأصبحت عنيفة ومُنفعلة دومًا، قاسية لا ترعي أحد فكاد الممرض أن يتحدث لتقاطعه "صفاء" قائلة:-

-روح أنت دلوقت

خرج الممرض من الغرفة فتابعت "صفاء" بحدة شديدة قائلة:-

-أيه يا قدر أنت هتطلعى قرفك على الناس، على فكرة هو ممرض مش ساعى ومش مجبر أنه يجيبلك قهوتك وإذا عمل كدة ....

قاطعها فُتح الباب ودلفت الممرضة مُبتسمة وكأنها فى حالة من النصر لتقول بعفوية شديدة:-

-أستاذ يونس فى العمليات ومعه برا مراته الجديدة يا دكتورة

أستشاطت "قدر" غضبًا ولم تأخذ من الحديث سوى الجزء الأخير منه، وجود "فلك" وأنتشار الخبر فى المستشفي ولم تهتم أبدًا لوجود زوجها بغرفة العمليات وماذا حدث له وكيف حالته حرجة أم لا، غادرت الممرضة بعد أن رأت عيني "قدر" على وشك أبتلعها غضبًا ونظرتها القوية الغليظة تحولت لإنكسار وألم، لم تشفق على مريض حالته ولم يشفق أحدًا عليها، خرجت من مكتبها وكان الجميع ينظروا إليها ويتسامرون مع ضحكات كثيرة لتشعر بأنه أضحوكة المستشفي فى هذه اللحظة، تمتمت "صفاء" بهدوء قائلة:-

-متعلقيش دماغك بيهم يا قدر، أمشي أنتِ دلوقت

أغلقت قبضتها بقوة غيظًا ممزوج بالألم مما تشعر به بداخلها وقلبه كجمر ناري مُقيد بين ضلوعها صارخًا بألم طالبًا الحرية والتخلص من أسره، على الجهة الأخرى كانت "فلك" تقف جوار فراشه بعد أن خرج من غرفة العمليات وتمسح جبينه بمناديل من حبيبات العرق وهو نائمًا مغمض العينين، سحبت المقعد وجلست جواره تتطلع بملامحه بأرتياح ربما النظر إليه يمتص الخوف من قلبها المُرتجف وهى ما زالت لا تُصدق ما حدث، رفعت يدها إلى رأسه وتغلغلت أصابعها النحيفة بين خصلات شعرها الناعمة بحنان كأنها أم إليه وترعي طفلها، حرك رأسه قليلًا فسحبت يدها سريعًا بعيدًا عنه بخجل شديد ليفتح عينيه بتعب ورأى وجهها أول شيء تقع عليه عينيه، رأها مفطورة من البكاء وعينيها حمراء مُلتهبة فتمتمت بتعب شديد وصوت مبحوح:-

-فلك

لم تصدق نفسه فى هذه اللحظة وأنها سمعت صوته من جديد لتجهش باكية وهى تتذكر توقف قلبه فى الإسعاف ويديها التى تلوثت بدمائه وسقوطه بين يديها فاقدًا للوعي، تبسم على عفويتها وقال:-

-متخافيش أنا كويس

أجابته بضعف شديد وهى تنظر بعينيه تلومه على ما فعله بها:-

-أنا كنت هموت من الخوف يا يونس
 
تنهد قليلًا وهو يضع يده على جرح خصره مُحاولًا كبح ألمه قدر الإمكان ثم هتف بنبرة جادة دافئة:-

- أنا قولتلك مش هسيبك يا فلك، هسيبك لمين وأنتِ حتة مني

تبسمت بخفوت شديد إليه رغم دموعها المُتساقطة على وجنتيها فرفعت يدها تجفف دموعها بلطف، حاقدة به ثم قالت:-

-وأنا مصدقاك يا يونس، أوعي تتأذي أو تمرض أنا ماليش غيرك أتسند عليه ويكون ضهر لي ويحميني من العالم دا كله بقسوته وغدره، أنا معرفش أعيش من غيرك ولوحدي خليك ماسك فى أيدي حتى لو هكون بنتك الصغيرة أنا راضية وموافقة والله ما دام جنبك

تبسم من كلماتها ثم مد يده إليها فنظرت إلي راحة يده ليقول بدفء:-

-همسك أيدك عشان تكوني بنتى
 
ضحكت بخفوت على جملتها العفوية ثم مسكت يده بحب تتشبث به بقوة ليغمض عينيه بتعب وهو يقول:-

-كدة أقدر أطمن وأنام وأنا عارف أنك جنبي ومش هتهربي مني 

همست له بنبرة ناعمة وصوت مبحوح يكاد يسمعه من شدة همسها قائلة:-

-أنا بهرب من العالم كله ليك يا يونس 

شعر بقشعريرة قلبه وأرتجافه فرحًا من كلماتها التى تفوهت به، كان يعلم بأن هذه الفتاة البريئة ستسكن قلبه رغم كونها باكية ضعيفة لكنها ستكون الأقوي بقلبه ويخشي أن يغلبه العشق هذه المرة وبدلًا من "غزل" تكن "فلك"، فراشته التى حلقت فى سماء عالمه المُظلم تعلمه كيف تكن الحرية وتنير حياته العتمة ببسمتها ودفئها الذي يخلق له سلام داخلي لم يشعر به من قبل، فى هذه اللحظة علم بأنه على حافة السقوط فى الهوي وسيكن عاشقًا من جديد ويحيا قلبه بها 
، لم ينتبه لـ "قدر" الواقفة هناك خلف الباب وتنظر عليه من خلف الزجاج وهو مُتشبثًا بيديها و"فلك" تمسح جبينه، أشتعلت غضبًا وغيرة تحرق قلبها العاشق، فى هذه اللحظة أدركت أن كل ما بداخلها ليس كرهًا إليه أو حقدًا بل عشقًا وهى لا تقوي على تحمل رؤيته مع امرأة أخرى حتى وإن كانت امرأة وهمية من صنع خياله، ربما لهذا الشيء لا تقوى على تحمل مرضه، غادرت "قدر" وفى عينيها دمعة تحاول كبحها جدًا بجفنيها على عكس قلبها الذي بدأ فى البكاء بالفعل...

******************

علم "أنس" بما حدث لأخاه والقبض على "فارس" لكنه لم يتحرك له ساكنًا، ظل بمكتبه يباشر عمله، فتح باب المكتب ليرفع نظره للأعلي ووجد "قدر" منهارة من البكاء ، وقف من مكانه بفزع شديد وأنقبض قلبه خوفًا من أن تكن أصابة "يونس" أخذت روحه بعيدًا فتتمتم بندم شديد على إهماله لأخاه قائلًا:-

-يونس جراله حاجة

هزت رأسها بلا بضعف شديد فتنهد بأرتياح وهو يقول:-

-خضيتنى يا شيخة، حصل أيه؟

جلست على المقعد باكية أغلق "أنس" الملف الموجود أمامه ثم نظر إليها فكانت تطأطأ رأسها للأسفل بأنكسار وضعف فتمتمت بلهجة واهنة قائلة:-

-يونس بيكسرني يا أنس، شوفتها وهى قاعدة تحت أيده بتراعاه، خوفها عليه كان باين فى عينيها، كانت مرعوبة عليه يا أنس 

حدق "أنس" بها بذهول من تغيرها وقلبها المتمرد ثم قال:-

-عجبته لك يا زمان، أنتِ مش طايقة أنه يعرف غيرك ولا أنها مهتمة بيه مع أنك انتِ ذات نفسك مش مهتمة بوجوده ولا بيهمك هو عيان ولا سليم، كويس ولا مريض، وأنا أول ما عرفت أنها مريضة رجعت لوراء ألف خطوة، أنا وأنتِ معرفناش نرحم مرضهم سيبهم هم يرحموا بعض ويشيلوا بعض، يتسندوا على بعض بأمراضهم يمكن يكون لكل واحد فيهم علاج عند الثاني

أنتبهت "قدر" لجزء فى حديثه مُحددًا وهو مرض "فلك" لتقول بأندهاش:-

-هى مريضة!!

أومأ إليها بنعم بملل شديد ثم وقف من مكانه مُنهي هذا الحديث قبل أن تسأل "قدر" عن مرضها وقال وهو يهندم ملابسه:-

-عن أذنك عشان أروح أطمن على يونس

ألتف حول المكتب لكى يغادر فتشبثت "قدر" بيده قبل أن يهرب من أمامها لتقول:-

-أستن يا أنس، عندها أيه؟

نظر إلى عيني "قدر" وكانت تخبره بشر ومكر كبير بداخلها ليقول بهدوء:-

-مالكيش دعوة وأبعدي عنها يا قدر، لو فكرتي مجرد تفكير فى خيالك أنك تأذي فلك محدش هيقف لك غيرى والقلم بعشرة، أوعى تنسي أنها حبيبتى حتى لو كانت مرات أخوي
ا
أشمئزت "قدر" من كلماته وعادت خطوة للخلف بأستحقار ترمقه من الرأس لأخمص القدم ثم قالت بسخرية مُشمئزة:-

-أيه القرف دا، حبيبتى ومرات أخويا فى جملة واحدة أزاى

لم يجب عليها بل سحب ذراعه من يدها وغادر ببرود شديد لتضرب "قدر" سطح المكتب بقبضتها وتمتمت بغضب كامنًا بداخلها:-

-بكرة تشوف يا أنس أنت وأخوك أن أنا اللى هردلكم الوجع اللى جوايا أضعاف 

********************

حاولت "سحر" البحث عن "فلك" ولم تجد لها مكانًا وحتى رقم هاتفها الذي تملكه أخذه "فارس" منها ففتحت حسابها على التوصل الاجتماعي وأرسلت لها رسالة تترجاها أن تجعل "يونس" يتنازل عن المحضر من أجل أخاها المسجون ولم يأتيها جوابًا نهائيًا...

********************

فكر "يونس" كثير فى "غزل" كي تظهر إليه ويُحدثها لكنها لم تستجيب إليه، فوقفت "فلك" من مكانها وقالت بحرج:-

-أنا هغير هدومي فى الحمام بسرعة

تتطلع لملابسها الملوثة بدمائه فأومأ إليها بنعم لتدخل إلى المرحاض، أتاه صوت "غزل" تقول:-

-مبقتش فاهمك يا يونس

تتطلع إلى حيث "غزل" تقف وكانت جالسة على شرفة الغرفة وتنظر للأسفل خارجًا وقدميها تهزهما بلا مبالاة ففزع خوفًا عليها وهو على يقين بأنها لن تسقط ولن تموت أبدًا حيث هتف بقلق:-

-أدخلي يا غزل

ألتفت إليه بضعف شديد وحزن يكمن بداخلها وبدأ يغير فى ملامحها العفوية الجميلة وقالت:-

-حبتها يا يونس

نظر "يونس" إلى المرحاض وقال:-

-لا أكيد لا، فلك بريئة وعيوطة على أقل حاجة وأتف سبب، متقلبة المزاج وضعيفة ، خجولة جدًا وهادئة رغم شقاوتها فى البيت وصوتها العالي إلا أنها ناعمة ودافئة، فى عز بكاؤها بتضحك وفى عز ما هى بتتألم بتطبطب وبتهون، مبتفكرش فى الكلام قبل ما تقوله ، متهورة جدًا ويمكن تهورها هو اللى خلاها دلوقت مراتي لما وقفت قصاد قدر، رحيمة رغم قساوتها على قدر، جريئة وقوية مع أنها هشة...

قاطعه صوت ضحكات "غزل" القوية وهى تنظر إليه بحزن شديد وتقول:-

-كل تفاصيلها دى ومحبتهاش يا يونس، أنت عديت الحب معاها يا يونس بس خايف تعترف أنك حبت إنسانة
 
نظر إلى "غزل" ورأىدمعة فى عينيها ثم هتف بضعف مُحاولًا تبرير موقفه وكلماته التى كسرت قلب "غزل" إلى إشلاء قائلًا:-

-غزل أنا...

بكت بحزن شديد وقبل أن تتحدث أو يخفف "يونس" عنها فُتح باب المرحاض وخرجت "فلك" بينما عينيه لا تفارق "غزل" التى بدأت تنهار أكثر وأكثر بظهور "فلك"، لا يعلم سببً واحدً لتلاشي "غزل" دومًا كلما ظهرت "فلك"، تلاشت تمامًا عن نظره تاركة له أخر نظرة بكاء وعتاب تتهمه بالخيانة، أقتربت "فلك" نحوه بعد أن بدلت ملابسها وأرتدت فستانًا من الصوت ذات اللون الوردى ووضعت الجاكيت الجلدي الأسود على الأريكة، نظر "يونس" إليها بحيرة شديد وعقله يفكر فى سبب ما يحدث مع "غزل" ، جلست "فلك" جواره وقالت:-

-لو عوزت حاجة متترددش فى أنك تطلبها منى

أومأ إليها بنعم ثم قال بحرج شديد:-

-ممكن تساعدينى أغير هدومي

أتسعت عينيها على مصراعيها بدهشة ليرى صدمتها فقال بتعجل:-

-خلاص هخلي حد من الممرضين 

تنحنحت بحرج شديد ثم خرجت تقف على باب الغرفة بعد أن طلبت له ممرض يساعده فى أرتدي بنطلونه ثم خرج لتدخل ووجدته جالسًا على حافة الفراش ببنطلونه عاري الصدر فنظرت إليه بخجل شديد وهى تتحاشي النظر إليه، سألها "يونس" بهدوء:-

-أخوكي أتقبض عليه

عادت بنظرها إليه بحزن شديد ثم نظرت إلى خصره المصاب وفعل أخاها، أومأت إليه بنعم وهى تقترب منه وساعدته فى أرتدي قميصه ثم جلست جواره وهى تغلق أزرار قميصه بصمت وعينيه تلمعان ببريق دموعها، تسائل عقله كثيرًا عن سر دموعها أهى على ما حدث لأخاها أم لأصابة زوجها، فتح باب الغرفة ودلف "أنس" ليراهم على قرب شديد منها، نظر الأثنين نحو الباب فكان "أنس" ليشعر "يونس" بغيرة شديدة فرفع يده إلى جبينها يخفى خصلة شعرها بحجابها غيرةً من عين أخاه، مما جعل "أنس" يشعر بغضب كالبركان العاصف، نظرت "فلك" إليهم بأرتباك ثم قالت:-

-أنا هروح أدفع مصاريف المستشفي

أستوقفها "يونس" بكلماته قائلًا:-

-خدي الفيزا من محفظتي والباسورد عيد ميلادي

نظرت إليه بحيرة فهى لا تعرف يوم مولود ليقول:-

-19/11

أومأت إليه بنعم ثم خرجت تترك لهما مجالًا للحديث، تقدم "أنس" نحوه بهدوء ثم قال:-

-هو دا الجواز الصوري

لم يجيب عليه "يونس" بل سأل بفضول شديد قائلًا:-

-قدر جتلك؟

أومأ "أنس" له بنعم بلا مبالاة فضحك "يونس" بقوة رغم ألمه وهو يضع يده على جرحه ثم قال:-

-كنت عارف، قدر لازم تيجيلك كأنها بتشتكينى لأبويا، دا يا راجل اللى جوزها قارفها فى عيشتها مبتروحش لحماها زى ما بتجيلك، أيه مبتعرفش تصون سر بيتها أبدًا، كان من باب أولي تيجي تشوف جوزها اللى مرمي فى المستشفي مش تيجي لك

أجابه "أنس" بهدوء شديد وهو يضع يديه فى جيوبه:-

-جتلك ولاقيت فلك قاعدة تحت أيدك وبتراعاك فحست أنك مش محتاجها

ضحك "يونس" بسخرية وقال بتهكم:-

-مش محتاجها فعلًا، بعد عمايلها مش محتاجها بس برضو مش هطلقها خليها كدة زى البيت الوقف لا هى متجوزة ولا هى مطلقة ودا أقل عقاب ممكن تستاهله على قتل ابنى، وصلها زى ما هى بتوصلك، أني مش هطلقها ولا هشوف خلقتها لأخر يوم فى عمرى ولو لاقيتها بتموت قدامي مش هرفع عيني فيها، قدر متستاهلش رحمتى ولا أخلاقي اللى خليتنى طول الوقت دا بعاملها بضمير وبما يرضي الله، هى تستاهل القساوة والوجع بس....

توقف عن الحديث عندما رأى "قدر" تقف على باب الغرفة وتستمع لكلماته عنها وعينيها تتساقط منها الدموع رغمًا عنها وعن قوتها، تبادلا النظرات فى صمت ولأول مرة يراها بعد قتلها لأبنه دون علمه فشعر بأختناق شديد بداخله وقلبه يبكى وجعًا على ما فعلته "قدر" معه ليقول:-

-جاية ليه؟ عشان روحتي له وقالك لازم تسألي على جوزك اللى مرمي فى المستشفي، ما أنتِ عكس كل الستات بدل ما تأخدي أذنك من جوزك بتروحي لأخ جوزك

لم تتفوه بكلمة واحدة بل ظلت تنظر إليه فتحاشي "يونس" النظر إليها وهو يقول بضيق:-

-خدها وأمشي يا أنس

تمتمت "قدر" بأختناق شديد:-

-أنت زبالة يا يونس وأنا هدفعك ثمن عمايلك دى

خرجت من الغرفة هاربة من أمامه وأتجهت إلى مكتبها وهى تفكر بالأنتقام من "فلك"، الأذي الذي سيصيب "فلك" سيقتل قلبه أو ربما سيصيبه بالجنون بعد تكرار حدث موت حبيبته، هذه المرة سيدخل المصحة العقلية للأبد، فتحت هاتفها ثم فتحت حساب التواصل الاجتماعي وتواصلت مع أحدهما وبعد حديث طويل بينما طلب الطرف الأخر صورة لـ "فلك" فخرجت من المكتب مُسرعة لتراها تغادر مع "يونس" وهو يتكأ عليها فألتقطت صورة لها وأرسلتها للطرف الأخر بأنتقام وتمتمت بمكر شديد:-

-بكرة تبكي بدل الدموع د*م يا يونس......
يتبع 
                 الفصل التاسع من هنا


تعليقات



<>