رواية همسات الحوافر الفصل السادس6والاخيربقلم فونا


رواية همسات الحوافر الفصل السادس6والاخيربقلم فونا

 ـ فين ورثي يا حرامية؟

مريم رمشت بصدمة، قلبها وقع… ورثه؟  ورث ايه اللي بيتكلم عنه ده؟

قبل ما تلحق ترد، خطوات تقيلة وراها خلّت الجو يتقلب.
جون قرب بهدوء قاتل، وقف بينهم كأنه جدار، وصوته طلع ثابت وبارد:
ــ أهلا… سامي الأقرع.

الاسم وقع زي القنبلة، الراجل اللي اسمه سامي عضّ على شفايفه من الغضب، عينه لمعت بشر، وبص لمريم بنظرات حقن، كأنه شايف فيها السبب في كل حاجة.

فتح بقه عشان يزعق، بس صوت جون قاطعه فجأة، نبرته منخفضة بس تخوّف:
ــ لأ لأ… صوتك ما يعلّاش في بيتي أبدًا.

الكلام اتقال بهدوء… بس فيه حِدّة تخلي أي حد يعرف إن اللحظة الجاية مش هتبقى كويسة لو الراجل ده فكّر يرد.

مريم وقفت ورا جون، عينيها رايحة جاية بين الاتنين، عقلها بيسأل ألف سؤال:
مين سامي ده؟ إيه الورث اللي بيتكلم عنه؟ وجون يعرفه منين أصلاً؟

جون كان واقف ثابت، عينه على سامي وكأنه بيقول له من غير كلام: "خطوة زيادة… وجنازتك تبقى بكرة."

وسامي، رغم غليان الغضب جواه، حسّ إن المكان مش ملكه… وإن وقفة جون لوحدها كفيلة تسكّته.

سامي عينيه و.لعت شرر، صوته عليّ فجأة وهو بيبص لمريم:
ــ  إنتِ السبب...إنتِ اللي خلتِه يكتب نص الورث ليكي.

مريم وقفت مكانها، قلبها بيخبط بعنف:
ــ ورث إيه؟! أنا معرفش حاجة عن الموضوع ده!

لكن سامي اتقدم خطوة، غضبه كان هيخليه ينفجــ.ــر، إيده اترفعت كأنه هيشاور بعصبية في وشها، وهنا جون اتحرك بسرعة ووقف قدام مريم كأنه حائط منيع. صوته نزل ببرود خطر:
ــ خطوة واحدة كمان… وهتبقى آخر مرة ترفع إيدك في حياتك.

سامي بص له بحدة:
ــ دي ما تخصكش! دي عَيلة وأنا ليّا حق أتكلم زي ما أنا عايز!

جون ابتسم ابتسامة صغيرة، ابتسامة كلها استفزاز وسيطرة:
ــ لا… تخصني. وأكتر حد ليه الحق هنا هو أنا.

مريم كانت واقفة ورا جون، قلبها بيترجف لكنها حاسّة بأمان غريب… جون واقف مدافع عنها كأنه جبل، عينه ما بترمش، جسمه كله واقف سدّ بين سامي وبينها.

سامي صرخ:
ــ عبده كتب نص الورث لمريم! نص ورث عيلتنا اللي أنا ليّا فيه! إزاي يعني؟!

في اللحظة دي، عبده دخل من باب البيت بخطوات سريعة، صوته عليّ:
ــ سامي! إنتَ جاي تخرب البيت؟!

سامي اتلفت له بغضب:
ــ ده أنا هطربق البيت علي دماغكم!

مريم قلبها وقع، بصت لعبده بصدمة:
ــ بابا… هو بيقول إيه ده؟

عبده خد نفس تقيل وقال بهدوء:
ــ أيوه، كتبت نص الورث بتاعي ليكي...أنتِ من عيلتي.

الكلام وقع زي الصاعقة… سامي وشه احمر، غضبه زاد أضعاف:
ــ لأ! دي مش من عيلتي!

وقبل ما يقرب تاني، جون مد إيده ومنعه، صوته واطي بس تقيل:
ــ أنا قلت مفيش صوت عالي هنا… ومحدش هيقرب لمريم طول ما أنا واقف.

مريم قلبها دقّ جامد… أول مرة تحس بالحماية دي، إن في حد واقف بالنيابة عنها، مش سايبها تواجه العاصفة لوحدها.

سامي اتعصب أكتر، بس جون قرب منه خطوة، صوته بارد يخوّف:
ــ لو عندك مشكلة… حلّها برا البيت. هنا… مفيش حد هيقرب لمريم.

مريم لأول مرة ابتسمت ابتسامة صغيرة وسط كل التوتر… مش عشان الورث ولا العيلة، لكن عشان وقفة جون اللي حسستها إنها مش لوحدها، وإن في حد مستعد يحارب عشانها.

سامي بص لهم بغضب، بس واضح إنه مش قادر يعدي الحاجز اللي اسمه جون، وخرج من البيت والدم بيغلي في دماغه.

جون بصّ لمريم وهو لسه واقف مكانه، عينه فيها طمأنينة غريبة:
ــ محدش هيقربلك طول ما أنا موجود.

مريم قلبها اتلخبط، أول مرة تبص له بالعين دي… عين الامتنان والأمان اللي عمرها ما حسّت بيه قبل كده.

بعد ما سامي خرج والدنيا هديت، مريم كانت واقفة لسه متوترة، قلبها لسه بيدق بسرعة من اللي حصل. جون بصلها بابتسامة صغيرة وهو حاطط إيديه في جيوبه:
ــ شكلك اتخضيتي أوي… متخافيش يا قطة.

مريم رفعت حاجبها بنرفزة:
ــ عادي يعني، مكنش فيه داعي للدراما دي كلها!

جون قرب منها بخطوة وهو لسه مبتسم بطريقة كلها شقاوة:
ــ دراما؟! أنا اللي دافعت عنك انهاردة! المفروض تقوليلي شكرًا على الأقل.

مريم اتنهدت وحاولت تمشي، بس جون وقف قدامها فجأة:
ــ لا لا، مش هتمشي غير لما أسمع كلمة شكرًا.

مريم بصت له بنفاد صبر:
ــ شكراً…

جون هزّ راسه بخبث:
ــ لأ، دي مش شكرا اللي تليق باللي أنا عملته، عايزها من القلب… ممكن كمان بابتسامة صغيرة كده.

مريم اتعصبت:
ــ يا أستاذ جون أنا تعبانة ومش فاضية لل…

قبل ما تكمل، جون مد إيده وأخد الموبايل من إيدها بسرعة وقال بمرح:
ــ خلاص، لو مش عايزة تشكريني، هبعت لنفسي رسالة من موبايلك فيها شكر خاص عشان ما نزعلش بعض.

مريم بصت له بصدمة:
ــ إنتَ بتعمل إيه؟! هاته يا جون!

جون رفع الموبايل فوق و ضحك:
ــ لا لا، مش هينزل غير لما أسمع شكرا بالابتسامة اللي طلبتها.

مريم حاولت تاخده بس هو أطول منها، كل ما تمد إيدها كان يضحك ويبعده عنها أكتر:
ــ يلا يا مريم، ورينا الضحكة الحلوة دي.

في الآخر مريم استسلمت وهي متعصبة وضحكت غصب عنها:
ــ شكراً… خلاص؟!

جون ابتسم بانتصار ونزل الموبايل:
ــ أيوه كده، هو ده الكلام اللي يفتح النفس.

مريم اتنهدت:
ــ إنتَ عيل كبير.

جون ابتسم بخبث:
ــ أيوه… عيل كبير مسئول عن سلامتك.

مريم قلبها اتلخبط من آخر كلمة، بس حاولت تبان إنها مش متأثرة ومشيت وهي متعصبة، وجون وراه بضحكته اللي كلها شقاوة.

الأيام اللي بعدها، مريم بقت تلاحظ إن جون بقى قريب منها أكتر، بس مش بالجدية اللي كان دايمًا ظاهر بيها، لأ… بقى يضايقها بأسلوب لطيف يخليها مش عارفة تزعل ولا تضحك.

في مرة وهي قاعدة في الجنينة تقرأ، جون ظهر فجأة من غير ما تحس وقعد قصادها:
ــ إنتِ لسه زعلانة مني؟

مريم رفعت عينيها من الكتاب وقالت ببرود مصطنع:
ــ أنا؟ لأ خالص.

جون ابتسم ابتسامة صغيرة كلها خبث:
ــ طب كويس، عشان أنا قررت أصالحك بطريقتي.

مريم رفعت حاجبها بشك:
ــ وطريقتك دي إيه بقى؟

جون قام من مكانه، راح ناحية الحصان بتاعها اللي كان بيشرب،وابتدى يهرّش له في رقبته وهو بيبص لمريم وقال:
ــ هتعرفي دلوقتي.

فجأة الحصان اتحرك حركة خفيفة، ورش مية من البير الجنبهم على مريم.

مريم قامت بسرعة:
ــ جون!! إنتَ مجنون؟!

جون كان واقف يضحك ضحكته اللي مريم بدأت تلاحظ إنها مش بتضايقها زي الأول، بالعكس… قلبها بيرفرف كده من غير سبب واضح.

قرب منها وهو لسه ضاحك وقال:
ــ خلاص خلاص، بهزر 

مريم اتنهدت بحركة فيها استسلام:
ــ إنتَ عيل صغير رسمي.

جون بص لها بابتسامة أهدى المرة دي:
ــ عيل صغير… بس شكله بدأ يدخل قلبك شوية.

مريم اتلخبطت من كلمته، قلبها دق أسرع شوية، بس حاولت تخفي ده وقالت بسرعة:
ــ أنا؟ لأ طبعًا.

جون قرب أكتر بخطوة، صوته بقى واطي وفيه دفء:
ــ هنشوف.

مريم معرفتش ترد، بس لأول مرة من يوم ما عرفته… حسّت إنها مش عايزة تقفل الباب اللي بيفتحه.

في يوم، مريم كانت حاسة بدوخة شديدة من شغل البيت والحر، قعدت على الأرض قدام البيت تحاول تلتقط نفسها. فجأة لقت حد بيرش مية على وشها بخفة، فتحت عينيها تلاقي جون واقف بوش قلق:
ــ مريم، إنتِ كويسة؟

مريم بهدوء وهي لسه تعبانة:
ــ آه، شوية دوخة بس.

جون بسرعة جاب لها كرسي وجاب ميّة وحطها جنبها:
ــ اشربي، وإياكي تتحركي من مكانك دلوقتي.

مريم بصت له باستغراب:
ــ هو إنتَ دايمًا لازم تتحكم فيا كده؟

جون نزل على ركبته قصادها، عينيه كلها جدية:
ــ لما يخصكِ، آه.

مريم سكتت، ولأول مرة تحس إن اهتمامه مش بس سيطرة… فيه خوف حقيقي عليها.

بعد يومين، الجو كان هادي جدًا، مريم قاعدة تقطع شوية فاكهة لجون لأنها عارفة إنه مشغول، وهو راجع من بعيد شافها، وبدل ما يدخل عادي، قرر يتسلى شوية.

دخل فجأة وقال بصوت عالي:
ــ إيه ده؟! دي مريم بنفسها بتجهزلي أكل؟! الدنيا خلاص قربت تخلص!

مريم قلبت عينيها:
ــ يعني أسيبك تمو.ت من الجوع؟

جون وهو بياخد القطعة من إيدها بسرعة قبل ما تحطها في الطبق:
ــ بس كده، عايزة تخليني أحبك ولا إيه؟

مريم بصت له بصدمة:
ــ إيه الكلام  ده؟

جون ضحك:
ــ بهزر يا ست البنات… بس بصراحة شكلك وأنتِ بتجهزي الأكل يخلي الواحد يفكّر جد.

مريم وشها احمرّ شوية، بس تجاهلت وقالت:
ــ روح اغسل إيدك قبل ما تاكل.

جون ضحك وهو ماشي:
ــ أمر من أوامر الست مريم شخصيًا… حاضر.

في ليلة الجو كان فيها هادي، مريم وقفت عند الحصان "كوكو" تلعب معاه، جون وقف وراها بصمت شوية، وبعدين قال:
ــ عارفه إن كوكو محظوظ؟

مريم بصت له:
ــ ليه يعني؟

جون ابتسم ابتسامة خفيفة:
ــ عشان إنتِ بتحبيه بالشكل ده… نفسي في يوم آخد نص الاهتمام اللي بياخده.

مريم اتفاجئت بكلامه، قلبها اتلخبط، بس بدل ما ترد، بصت لكوكو وقالت:
ــ روح نام يا جون.

جون ضحك بخفة وقال:
ــ ماشي… بس أنا مش هنام إلا لما ألاقي طريقة آخذ بيها نص اهتمامك.

اليوم ده كان فيه مطر شديد،مريم كانت واقفة في المخزن اللي بيخزنوا فيه أكل الحصان "كوكو"، وبتحاول تلحق الحبوب قبل ما المية توصلها، بس فجأة الباب اتقفل من شدة الهوا.

حاولت تفتحه… مفتحتش، قلبها بدأ يدق بسرعة شوية من صوت المطر والرعد، هي أصلًا مش بتحب الجو ده.

فجأة سمعت صوت خطوات حد بيجري، وبعد لحظات الباب اتفتح بقوة، وظهر جون واقف وهو مبلول من المطر، شعره مبلول ووشه كله قلق:
ــ إنتِ كويسة؟!

مريم بصت له وهي لسه مش مستوعبة:
ــ إنتَ إزاي جيت؟

جون دخل وقرب منها وهو لسه بيتنفس بسرعة:
ــ لما لقيت باب المخزن مقفول عرفت إنك هنا… إنتِ اتخضيتِ صح؟

مريم حاولت تنكر:
ــ لأ خالص…

بس صوت الرعد جه تاني، وهي غصب عنها مسكت دراعه بخوف بسيط. ساعتها جون وقف ثابت، وعينيه نزلت على إيدها الممسكة فيه، وبعدين بص في عينيها من غير ما يتكلم.

في اللحظة دي مريم حسّت بحاجة غريبة… أمان. الأمان اللي عمّرها ما حست بيه قبل كده.

جون بهدوء شديد:
ــ خلاص… أنا هنا، متخافيش.

مريم بسرعة سابت دراعه، ووشها احمرّ:
ــ أنا مش بخاف… بس صوت المطر عالي شوية.

جون ابتسم ابتسامة خفيفة، وبصوت واطي قال:
ــ وأهو فرصة أقف جنبك شوية.

المطر خفّ، بس مريم فضلت واقفة جنبه ساكتة، لأول مرة مش عايزة تسيب المكان، وكأن وجوده هو اللي مهدّي الدنيا كلها.

بعد ما المطر بدأ يخف، مريم فضلت واقفة مكانها، إيديها لسه ماسكة الحبوب اللي أنقذتها من المية، وبصّت لجون وهي مبتسمة ابتسامة صغيرة:
ــ شكراً… لو ما كنتش جيت معرفش كنت هعمل ايه.

جون وهو بيبص في عينيها بنظرة فيها دفء:
ــ أنا هكون موجود دايمًا لما تحتاجي.

مريم حسّت إن قلبها دقّ أسرع شوية، بس المرة دي ما حاولتش تخبي أو تهرب زي العادة… لأ، وقفت مكانها عادي، كأنها لأول مرة مرتاحة لوجوده.

قعد هو على كرسي خشب قريب، المطر كان لسه بينقط برا، وقال لها بنبرة شبه مازحة:
ــ يعني مش هتهربي المرة دي زي كل مرة؟

مريم ضحكت بخفة:
ــ لأ… طالما الجو حلو كده، مفيش مشكلة.

جون ابتسم، وسند ضهره، وصوته كان هادي بس فيه رضا واضح:
ــ كويس… لأنّي تعبت من الجري وراك.

مريم ابتسمت أكتر، وبصّت بعيد تحاول تخبي خجلها، بس جواها كانت مبسوطة إنه موجود، مبسوطة إنه قلقان عليها، وإنه بيدوّر عليها أول ما حس إنها في خطر.

اللحظة دي، من غير كلام كتير، كانت كفيلة تخلي العلاقة بينهم تتغيّر… تبقى أهدى، وأقرب، ومريم نفسها ما تحاولش تبعده زي الأول.

بعد يومين، كانت مريم قاعدة في الساحة بترتب الحبوب، وكوكو واقف قريب منها. الجو كان هادي لحد ما سمعت صوت ضحك جاية من ناحية البيت.

لفّت بسرعة، لقت جون واقف بيتكلم مع بنت الجيران اللي كانت جايبة أكل لوالدها، والبنت بتضحك معاه وهو مبتسم ابتسامة خفيفة.

مريم حسّت قلبها شدّ فجأة، ما فهمتش ليه اتعصبت من المشهد، بس لقت نفسها بتضغط الحبوب في إيدها بقوة أكتر، صوتها عالي شوية وهي بتنده:
ــ يا أستاذ جون!

جون التفت ليها، مستغرب من شدّة صوتها:
ــ أيوة، في حاجة؟

ــ تعال شوف كوكو، من الصبح مش عايز يأكل.

جون قال للبنت كلمتين قصيرين ومشي ناحيتها، بس البنت فضلت واقفة تبتسم وهو ماشي.
مريم لاحظت النظرة دي، قلبها اتقبض أكتر، بس ما اتكلمتش.

جون قرب منها، صوته هادي:
ــ كوكو كويس!

مريم بنبرة متضايقة وهي بترتب الحبوب بسرعة:
ــ شكلك مبسوط مع الضيوف الجداد.

جون وقف ثواني، وبعدين ابتسم ابتسامة صغيرة فيها خبث:
ــ إنتِ بتغيري؟

مريم بسرعة:
ــ إيه؟! لأ طبعًا، ليه أغير يعني؟

ــ عادي، مش لازم تبرري… بس شكلك بيقول حاجة تانية.

مريم اتعصبت أكتر:
ــ أنا؟! أغير؟! إنت عايش في فيلم!

جون ضحك بخفة، وده زوّد عصبيتها، بس هي مش قادرة تخبي نا.رها جواها، ولا عارفة ترد بكلام مقنع.

لأول مرة، حسّت مريم إن وجود البنت دي حوالين جون مضايقها بجد، وإنها مش عايزة تشوفه بيتكلم مع حد تاني كده، خصوصًا بابتسامته اللي تسحر!

في يوم مريم كانت قاعدة بترتب الغسيل على الحبل، وشافت بنت واقفة بتضحك مع جون، قلبها كان مو.لّع بس مش عايزة تبين.

جون رجع يقف عند الباب، باين عليه فاهم هي متضايقة من إيه، وابتسامة صغيرة مرسومة على وشه.

مريم كانت ماسكة المشابك، وكل شوية تبص له بطرف عينها وهو بيتكلم معاها وكأنه مش ملاحظ التوتر اللي واضح عليها.

هو قرب بخطوات هادية وقال بصوت فيه خفة دم:
ــ شكلك مش مركزة في الغسيل، إيه مالك؟

مريم بضيق:
ــ ولا حاجة… أنا مركزة اهو.

ــ أيوة أيوة، شكلك مركز أوي… علشان كده وشك كله بيقول إنك غيرانة.

مريم بحِدّة وهي ماسكة المشابك:
ــ إنتَ بتتخيل كتير!

جون ضحك بخفة وقال مستفزًا:
ــ لأ، أنا شايف اللي إنتِ مش عايزة تعترفي بيه.

مريم ما استحملتش، وخدت مشبك من اللي في إيدها ورمته عليه وهي متعصبة:
ــ خُد يا شيخ!

جون ضحك أكتر، وفضل يضحك لما لقى مشبك تاني جاي في صدره.
ــ يا ساتر! هو إحنا هنبدأ خناقة مشابك ولا إيه؟!

مريم وهي بترمي مشبك تالت:
ــ أهو يمكن يسكّتك شوية!

كان بيضحك،واقف وسط المشابك اللي بتطير عليه ومبسوط إنها لأول مرة بتفقد هدوءها عشانه هو تحديدًا.

قرب منها بخطوات بطيئة وهو لسه مبتسم ابتسامة مستفزة:
ــ شكلك مش فاهمة إن المشابك مش هتأثر فيَّ… إنتِ بس اللي بتأثري.

مريم اتجمدت للحظة، قلبها دق بسرعة، وبسرعة بصت بعيد تخفي توترها، بس هو كان شايف كل حاجة، ومستمتع إنها لأول مرة تبين غيرتها بالطريقة دي.

جون قرب منها بخطوات أهدى، ولسه الابتسامة الخبيثة على وشه، وقال بنبرة هادية لكنها مستفزة:
ــ بصراحة، أنا مبسوط إنك غيرانة.

مريم اتلفتت له بسرعة، ملامحها كلها توتر:
ــ أنا؟ غيرانة؟! محصلش!

هو ضحك بخفة، ومد إيده ياخد المشبك اللي كانت مسكاه، وقال وهو بيبص لها نظرة مباشرة:
ــ آه، غيرانة… وعارفة إزاي؟ لأنك ما كنتيش هترمي المشابك عليا لو عادي بالنسبة لك أشوف غيرك.

مريم اتكلمت بسرعة وهي متعصبة:
ــ ما ترميش كلام كبير كده! أنا بس… ما بحبش حد يضيع وقتك بكلام فاضي!

جون ابتسم أكتر، وقرب منها شوية لدرجة إنها اتراجعت خطوة من غير قصد:
ــ وقتي؟! وقتي كله ملكك إنتِ بس، فاهمة؟

مريم قلبها خبط فجأة، بس بسرعة حاولت تدارى وقالت بنبرة مضايقة:
ــ بلاش كلامك ده، أنا مش ناقصة!

هو ضحك تاني، المرة دي بنبرة هادية لكن فيها تحدي:
ــ يبقى بلاش غيره بقى، عشان لو كل مرة هتغيري كده… أنا ممكن أعمل مصايب.

مريم بصت له بحدة، بس هي نفسها عارفة إن كلامه خلى قلبها يدق أسرع، وإنها لأول مرة مش قادرة تتحكم في مشاعرها ناحية وجوده.

جون وقف لحظة، وبعدين قال بهدوء وهو بيبص لها مباشرة:
ــ على فكرة، أنا بحب شكلك وإنتِ متضايقة… بيخليكي أوضح.

مريم ما ردتش، قلبها وعقلها اتلخبطوا، وهو استغل سكوتها وابتسم بخفة، وبعدين مشي وهو سايبها مش فاهمة إيه اللي بيحصل جواها بالظبط.

مريم كانت قاعدة في الساحة تقلب في كشكولها كأنها مركزة فيه، لكن الحقيقة إن عقلها كان تايه من بعد موقف الغيرة.
جون دخل فجأة وبص لها بابتسامة جانبية، وقال بنبرة واثقة:
ــ جهّزي نفسك… هستناكي ٧ بالليل.

مريم رفعت عينيها بسرعة بدهشة:
ــ إيه؟! هستناني ليه؟

جون رد بهدوء مستفز:
ــ يعني عندنا خروجة، وأنا مش باخد رأي.

مريم اتنرفزت:
ــ لأ، أنا مش رايحة مكان.

هو ضحك ضحكة قصيرة:
ــ لأ، هتيجي… عندك خمس ساعات تختاري فيهم فستانك الحلو، عشان إحنا هنخرج سوا.

مريم كانت عايزة ترفض، بس طريقته اللي فيها ثقة وعناده المعروف خلّوها تتلخبط، وفجأة لقت نفسها موافقة من غير ما تاخد بالها.

ـــ

الساعة سبعة إلا دقايق، مريم كانت واقفة قدام المراية، لابسة فستان بسيط لونه أزرق غامق، شكله هادي وأنيق، وشعرها على كتفها. قلبها بيدق بسرعة غريبة، ومش عارفة ليه حاسة إن الليلة دي مختلفة.

لما نزلت، لقت جون واقف مستنيها تحت، لابس بدلة سودا شيك جدًا، ماسك مفاتيح عربيته، ولما شافها ابتسم ابتسامة ناعمة خلت قلبها يخبط أكتر:
ــ قلتلك تختاري فستان حلو…

مريم حاولت تبين إنها مش متأثرة:
ــ أنا لابسة عادي خالص.

جون قرب منها وهم راكبين العربية:
ــ عادي بالنسبة لك…بس  كارثة بالنسبة لقلبي.

مريم قلبها اتلخبط، قررت تسكت عشان ما تبانش مشاعرها.

ـــ

العربية مشيت وسط طرقات القرية اللي منورة بفوانيس بسيطة، والأرض فيها ريحة المطر اللي نزل العصر. الجو كان فيه نسمة هوا باردة، والنجوم طالعة في السما بشكل باهر.

جون ركن العربية عند أطراف القرية، قدام مكان هادي فيه أشجار ونهر صغير بيعدي، والبيوت بعيدة شوية.

مريم نزلت، بصت حوالينها بانبهار:
ــ هو إحنا جينا هنا ليه؟

جون ابتسم وهو واقف جمبها:
ــ عشان هنا مفيش دوشة… ومفيش حد غيرنا.

وقفوا قدام الميه، وصوت دقّات قلبها كان أعلى من صوت الهوا. فجأة، جون بص لها بنظرة عميقة وقال بهدوء:
ــ مريم… أنا طول عمري فاكر نفسي جامد، ماحدش يهزني ولا يخليني أضعف… لحد ما إنتي دخلتِ حياتي.

مريم بصت له بسرعة، قلبها بيجري سباق:
ــ جون… بلاش الكلام ده.

هو كمل من غير ما يبص بعيد:
ــ لأ، لازم تسمعيه. أنا بحبك يا مريم. ومش أول مرة أقولها لنفسي، بس أول مرة أقولها ليكي.

مريم اتجمدت، مش عارفة تقول إيه، بس عينيها كانت بتلمع تحت نور القمر.

جون قرب خطوة صغيرة، صوته بقى أهدى:
ــ أنا بحبك، ومش ناوي أسيبك… لا للزمان ولا للناس.

مريم قلبها بيدق بسرعة رهيبة، لأول مرة ما لقتش رد، وما لقتش رغبة تهرب زي العادة… بالعكس، حسّت إنها مبسوطة بكلامه حتى لو مش معترفة بصوت عالي.

جلسوا على دكة خشب قديمة، والليل حواليهم كله هدوء، إلا قلب مريم اللي عامل دوشة كبيرة جواها.

بعد ما قعدوا على الدكة شوية، جون مد إيده وطلّع علبتين عصير من الشنطة اللي جايبها، وقال بابتسامة جانبية:
ــ اتفضلي يا ست البنات…

مريم خدت العصير منه وهي بتبصله بنص عين كده، وقالت بضيق:
ــ يعني دي الخروجة اللي مزهقني عليها من الصبح؟ عصير؟ مش عشا ولا ورد ولا حاجة؟

جون ضحك بصوت منخفض وهو بيراقبها:
ــ عشا وورد كمان؟ طيب ماشي، هكتبهم في قايمة الطلبات المرة الجاية.

مريم رفعت حاجبها بخفة دم:
ــ يعني إنتَ فاكر نفسك رومانسي كده وخلاص؟

جون قرب شوية، نبرته بقت أهدى:
ــ لأ… أنا فاكر نفسي واقع في حبك… وده أخطر بكتير.

مريم قلبها دق بس قررت تتقل:
ــ أها… يعني أنا دلوقتي المفروض أقولك إيه؟ شكراً؟

جون ضحك أكتر، مبسوط بالتقل اللي واضح إنه مقصود:
ــ لأ… المفروض تقولي إنك حاسة بنفس اللي أنا حاسه… بس طبعًا مش هتعملي كده دلوقتي، صح؟

مريم شربت من العصير وهي بتبص بعيد، كأنها مش مركّزة في الكلام، بس ابتسامة صغيرة ظهرت غصب عنها.

جون مال برأسه ناحيتها وقال وهو مستمتع بكل ثانية:
ــ إنتي بتتعبي قلبي يا مريم… ومع ذلك مبسوط… مبسوط جدًا.

مريم ضحكت بخجل وقالت:
ــ يعني تحب البنت اللي تتقل عليك؟

جون رد بثقة وهو عينيه معلقة بيها:
ــ لو البنت هي مريم… أحب التقل ده العمر كله.

ضحكوا سوا، ولأول مرة الجو بينهم بقى خفيف، مليان هزار، مش زي قبل كده شد وعصبية… كان فيه دفء غريب مريم حبته من غير ما تعترف.

بعد الضحك والهزار، ساد بينهم صمت غريب… مش صمت مزعج، لأ، صمت مريح كأنهم الاتنين مستمتعين بالوجود جنب بعض بس.
مريم فجأة لقت نفسها بتزفر براحة، وبحركة لا إرادية، حطّت راسها على كتف جون.

جون اتجمد لحظة، قلبه دق بسرعة بس فضل ثابت مكانه، مش عايز يتحرك عشان ما يخربش اللحظة.

مريم بصوت واطي وهي عينيها لسه قدامها:
ــ أنا… أنا مش فاهمة حاجة يا جون.

جون بص لها من فوق بخوف صغير:
ــ مش فاهمة ايه؟

مريم بلعت ريقها وقالت وهي حاسة قلبها بيخبط:
ــ حاسة إن في حاجات كتير ملخبطة جوايا… كنت فاكرة إني عارفة أنا عايزة إيه، بس دلوقتي… مش عارفة.

جون ابتسم بخفة، ووشه قرب منها وهو بيكلمها بهدوء:
ــ ومين قال إنكِ لازم تفهمي كل حاجة دلوقتي؟ ساعات أهم حاجة إنكِ تسيبي قلبك يحس… من غير ما تقاومي.

مريم فضلت ساكتة، بس إيدها شدّت الفستان بتاعتها بعصبية خفيفة، كأنها مش عايزة تعترف أكتر من كده.

جون كمل بنبرة أرق:
ــ إنتِ عارفة إنكِ لو عايزة تهربي، ممكن دلوقتي… بس لو فضلتي، أنا مش هبعدكِ عني تاني.

مريم قالت بخفوت:
ــ أنا مش عايزة أبعد… بس خايفة.

جون ضحك بخفة وهو يبص للسماء:
ــ حلو أوي… عشان أنا كمان خايف، بس مبسوط إنكِ معايا دلوقتي.

ولأول مرة، مريم حسّت إن اللغبطة اللي جواها مش مرعبة زي ما كانت فاكرة… بالعكس، كان فيها دفء وأمان غريب.

الهواء كان لطيف، والنجوم منورة السما، ومريم لسه حاطة راسها على كتف جون. قلبها بيدق بسرعة مش فاهمة سببه… يمكن لأنه قريب منها أوي، ويمكن عشان هي خلاص تعبت من الهروب.

سكتت شوية وبعدين قالت بصوت خافت كأنها بتسرق الكلام:
ــ جون… أنا يمكن عمري ما قلت الكلام ده قبل كده…

جون بص لها بنص ابتسامة وصوته كان هادي:
ــ أنا سامعكِ.

مريم زفرت وهي بتحاول تجمع شجاعتها:
ــ أنا كنت فاكرة إنك سبب اللغبطة اللي جوايا… بس الحقيقة… أنتَ اللي مريحني وسط كل حاجة ملخبطة في حياتي.

جون اتجمد، عينه ركزت عليها وهو مش مصدق إنها قالت كده، بس سابها تكمل من غير ما يقاطعها.

مريم كملت بسرعة عشان ما تتراجعش:
ــ يمكن أنا مش عارفة أسمي اللي جوايا إيه… بس أنا مبسوطة وإنتَ موجود… يمكن لأول مرة من سنين بحس إني مش لوحدي.

جون ابتسم ابتسامة واسعة، صوته نزل واطي وهو بيقرب منها أكتر:
ــ يعني ده اعتراف صغير إنكِ مش عايزة تبعدي عني؟

مريم رفعت راسها وبصت له بعينين محرجين، بس قالت بعناد خفيف:
ــ أنا… يمكن.

ضحك جون بخفة وقال بنبرة فيها دفء وتملك:
ــ "يمكن" دي كفاية بالنسبة لي دلوقتي… بس أنا مش هسيبكِ غير لما تبطلي تقولي يمكن وتقولِّيها بصراحة.

جون بعد ما ساد بينهم الصمت للحظات، اتنهد وقال بنبرة هادية بس وراها جدية:
_ مريم، أنا لازم أسافر بكرة ضروري.

مريم حسّت قلبها وقع، بس حاولت تبين إنها عادية:
ــ يعني… هتغيب قد إيه؟

هو ابتسم بخفة، قرب منها خطوة:
ــ يمكن أسبوع… يمكن أقل. بس اسمعي… أنا مش هسيبك يوم من غير ما أكلمك. هتزهقي مني من كتر ما هتلاقيني على الفون.

مريم ضحكت غصب عنها، بس عينها لمعت بدمعة صغيرة.
ــ يعني هتتصل؟

ــ هتصل، وهبعت رسايل، وهتلاقيني في كل حتة حتى وأنا بعيد.

في اللحظة دي قرب أكتر، إيده شبه لمست إيديها، وقال بصوت فيه وعد واضح:
ــ مريم… متخافيش، أنا مش هبعد عنك مهما حصل.

مريم قلبها دق بسرعة، وكأنها لأول مرة تصدّق إنه بقى جزء من حياتها بجد.

ـــ

تاني يوم، جون سافر، ومريم من ساعتها وهي مش مرتاحة. البيت كان هادي، بس ناقصه حاجة… ناقصه هو. حتى كوكو الحصان كان باين عليه زهقان كأنه حاسس إن في حد مش موجود.

بالليل، وهي قاعدة في أوضتها، الفون رنّ. قلبها خبط لما شافت اسمه على الشاشة.

ــ ألو؟

صوته جه دافي وواضح رغم السفر:
ــ إزيك يا مريم؟

ابتسمت غصب عنها:
ــ الحمد لله… أنت وصلت؟

ــ وصلت، بس مش مرتاح.

استغربت:
ــ ليه؟ حصل حاجة؟

ــ آه… أنتِ مش معايا.

مريم سكتت ثواني، قلبها بيرقص من الكلام، بس حاولت تتحكم في صوتها:
ــ طب دي حاجة تتعالج، لما ترجع خلاص.

هو ضحك بخفة:
ــ لا، أنا مش هستنى لما أرجع. أنا قلتلك هتلاقيني في الفون طول الوقت، وده اللي هيحصل.

ــ يعني هتزهقني منك؟

ــ هو ده الهدف. عايزك تفكري فيّ طول الوقت، زي ما أنا مش عارف أفكر في أي حد غيرك دلوقتي.

مريم اتكسفت، قلبها كان دافي من كلماته، وكأن بين كل كلمة والتانية في خيط بيربطهم أكتر وأكتر.

ــ بس أوعي تنسي، مريم… كل يوم لازم أسمع صوتك، حتى لو دقيقتين. وعد؟

ــ وعد.

هو ابتسم من بعيد، وقال بنبرة شبه همس:
ــ وعدك ده أهم من أي حاجة دلوقتي.

وبعد ما قفلوا، مريم فضلت ماسكة الفون، قلبها لأول مرة من زمان كان حاسس بالأمان.

ـــ

بعد أسبوعين، البيت كان ناقصه روحه. مريم كل يوم بتسمع صوته في الفون، بس وجوده الحقيقي كان ليه طعم تاني. يوم رجوعه، قلبها كان بيدق بسرعة، حتى وهي بتحاول تبين إنها عادي ومش متأثرة.

جون دخل من باب البيت، شكله تعبان من السفر بس في عينيه لمعة واضحة أول ما شافها.

ــ إزيكِ يا مريم؟

ــ الحمد لله… حمد لله على السلامة.

ــ الله يسلمك. وحشاني.

مريم حسّت قلبها بيرقص، بس قالت بسرعة:
ــ هو أنت رجعت مخصوص عشان تقول الكلمتين دول؟

هو ضحك بخفة:
ــ لا، رجعت عشان أسمع منك اللي مستنيه من زمان.

مريم اتلخبطت:
ــ تسمع إيه يعني؟

جون قرب منها، صوته هادي بس عينيه مركزة فيها:
ــ اللي بقاله فترة باين في كل تصرف ليكي… حتى لو مش قلتيه.

مريم وقفت لحظة، قلبها بيدق بشكل يوجع. وبصت للأرض وهي بتتمتم:
ــ أنا… أنا بحبك يا جون.

هو وقف ثابت، الابتسامة طلعت على وشه بهدوء، وكأنه كان عارف من الأول، لكن اللحظة دي بالنسباله كانت حلم اتحقق. قرب خطوة تانية وقال بصوت منخفض:
ــ كنت مستني الجملة دي أكتر من أي حاجة في حياتي.

مريم رفعت عينيها عليه لأول مرة من غير خوف، ومن غير هروب، وقالت:
ــ خلاص… مفيش أسرار تاني. ولا مسافات.

جون مد إيده، ومسك إيدها بهدوء، وكأن اللحظة دي ختمت كل التعب اللي فات، وبداية جديدة بدأت بينهم.

ــــ

ليلة الحنة

البيت كان مليان زغاريد وضحك، البنات بتلف حوالين مريم وهي قاعدة في النص بفستان أخضر غامق مزين بالدهبي، شعرها ملفوف بشكل بسيط بس شيك، والحنة مرسومة على إيديها بشكل يجنن.

جون كان واقف بعيد، لابس جلابية بسيطة عشان ما يبانش رسمي أوي، لكن عينه ما كانتش بتسيبها لحظة. كل ما بصّت له تلاقيه بيضحك بخفة، وكأنه بيقولها من غير كلام: مبروك يا عروسة قلبي.

البنات كانوا بيغنوا أغاني شعبية، ومريم بتحاول تبين إنها مكسوفة، بس الحقيقة إن قلبها كان بيرقص فرح. جون في لحظة خطف الفرصة وقرب منها، بصوت واطي ما حدش سمعه غيرها:
ــ شكلك حلو أوي… مش مصدق إننا هنبقي في بيت واحد.

مريم رفعت عينيها بسرعة، ووشها احمر وهي بتقول بخفة:
ــ ماتستعجلش… لسه بدري.

هو ضحك وقال:
ــ بدري؟! أنا مستعجل على عمري كله يبدأ معاكي.

البنات زغردوا تاني، والليلة خلصت ومريم قلبها دق طول الوقت، مش مصدقة إن الفرح بقى بكرة.

ـــــــ
يوم الفرح

الشمس بدأت تغرب والقرية كلها مزينة بالأنوار، الفرح اتعمل في ساحة كبيرة مزينة بالورود والأضواء الصغيرة اللي مديّة جوّ رومانسي كأنه فيلم.

جون واقف بالبدلة السودة، شكله مهيب وجذاب، بس عينه كلها بحث عن مريم.

ولما ظهرت… الكل سكت ثواني.

فستان أبيض بسيط لكنه ساحر، شعرها منسدل بخفة، وطرحة خفيفة مديّة شكل ملائكي.

جون حس قلبه وقف لحظة، وبعدين ابتسم ابتسامة كبيرة وهو بيهمس:
ــ مبروك يا مراتي.

مريم قربت منه بخجل، عينيها فيها لمعة دموع فرح، وقالت بخفة:
ــ الله يبارك فيك .

الناس ضحكت، والزغاريد عليت، والفقرات الشعبية بدأت، رقص وخفة دم، بس جون ما كانش شايف غير مريم.

ووسط الزحمة، مسك إيدها بهدوء وقال بصوت واطي محدش سمعه غيرها:
ــ أنا وعدتك… مفيش أسرار تاني. من النهارده حياتي كلها ليكي.

مريم بصت له، وفي عينيها نفس الوعد. الليلة دي ختمت كل التعب اللي فات، وبداية لحياة كلها حب وهدوء.

ـــــــ

بعد الفرح بأيام، القرية كلها كانت لسه بتحكي عن الفرح الكبير اللي ماحصلش زيه. مريم لأول مرة من سنين كانت حاسة إنها مرتاحة، كأن حياتها أخيرًا لقت مكانها الصح.

في الصبح، وهي واقفة في الساحة بتأكّل كوكو، جون جه من وراها بهدوء، وحط إيده على كتفها:
ــ أنا بقيت أغير من الحصان ده عشان بيسرقك.

مريم ضحكت بخفة:
ــ هو صديقي من قبل ما أنت تيجي، ما تنساش.

جون قرب أكتر، صوته واطي لكن فيه حب واضح:
ــ بس أنا جوزك… يعني لازم أبقى صاحبك المفضل دلوقتي.

مريم قلبها دق بسرعة، لسه مش متعودة على كلامه الرومانسي اللي بيجي ببساطة كده. بصّت له وقالت بخجل:
ــ إنتَ بقى مش ناوي تبطّل الكلام اللي يخليني بتكسف طول الوقت ده؟

هو ضحك وقال:
ــ لا… ده لسه الحب اللي عندي ليكي ما ابتديش.

في اليوم ده، راحوا يتمشّوا في أرض والدها، الهوا كان جميل، والسماء مليانة نجوم. مريم لأول مرة حست إنها مش بس لقت حب، لكن كمان لقت أمان، بيت، وحياة جديدة كلها راحة.

قبل ما يرجعوا، وقف جون فجأة، مسك إيدها وقال بصوت جدّي لكن حنون:
ــ مريم… أنا وعدتك مفيش أسرار تاني. من النهارده، كل يوم هنعيشه مع بعض، بالحلو والوحش، بس سوا… موافقة؟

مريم بصّت له، عينيها فيها دموع فرح، وقالت:
ــ موافقة… وبحبك يا جون.

هو ابتسم، ابتسامة الراجل اللي أخيرًا وصل للي كان بيتمناه طول عمره، وبهدوء حضنها تحت السما المفتوحة، وكأن اللحظة دي ختمت قصة طويلة مليانة تعب ودموع… بس انتهت بحب يستحق العُمر كله.


ـ فين ورثي يا حرامية؟

مريم رمشت بصدمة، قلبها وقع… ورثه؟  ورث ايه اللي بيتكلم عنه ده؟

قبل ما تلحق ترد، خطوات تقيلة وراها خلّت الجو يتقلب.
جون قرب بهدوء قاتل، وقف بينهم كأنه جدار، وصوته طلع ثابت وبارد:
ــ أهلا… سامي الأقرع.

الاسم وقع زي القنبلة، الراجل اللي اسمه سامي عضّ على شفايفه من الغضب، عينه لمعت بشر، وبص لمريم بنظرات حقن، كأنه شايف فيها السبب في كل حاجة.

فتح بقه عشان يزعق، بس صوت جون قاطعه فجأة، نبرته منخفضة بس تخوّف:
ــ لأ لأ… صوتك ما يعلّاش في بيتي أبدًا.

الكلام اتقال بهدوء… بس فيه حِدّة تخلي أي حد يعرف إن اللحظة الجاية مش هتبقى كويسة لو الراجل ده فكّر يرد.

مريم وقفت ورا جون، عينيها رايحة جاية بين الاتنين، عقلها بيسأل ألف سؤال:
مين سامي ده؟ إيه الورث اللي بيتكلم عنه؟ وجون يعرفه منين أصلاً؟

جون كان واقف ثابت، عينه على سامي وكأنه بيقول له من غير كلام: "خطوة زيادة… وجنازتك تبقى بكرة."

وسامي، رغم غليان الغضب جواه، حسّ إن المكان مش ملكه… وإن وقفة جون لوحدها كفيلة تسكّته.

سامي عينيه و.لعت شرر، صوته عليّ فجأة وهو بيبص لمريم:
ــ  إنتِ السبب...إنتِ اللي خلتِه يكتب نص الورث ليكي.

مريم وقفت مكانها، قلبها بيخبط بعنف:
ــ ورث إيه؟! أنا معرفش حاجة عن الموضوع ده!

لكن سامي اتقدم خطوة، غضبه كان هيخليه ينفجــ.ــر، إيده اترفعت كأنه هيشاور بعصبية في وشها، وهنا جون اتحرك بسرعة ووقف قدام مريم كأنه حائط منيع. صوته نزل ببرود خطر:
ــ خطوة واحدة كمان… وهتبقى آخر مرة ترفع إيدك في حياتك.

سامي بص له بحدة:
ــ دي ما تخصكش! دي عَيلة وأنا ليّا حق أتكلم زي ما أنا عايز!

جون ابتسم ابتسامة صغيرة، ابتسامة كلها استفزاز وسيطرة:
ــ لا… تخصني. وأكتر حد ليه الحق هنا هو أنا.

مريم كانت واقفة ورا جون، قلبها بيترجف لكنها حاسّة بأمان غريب… جون واقف مدافع عنها كأنه جبل، عينه ما بترمش، جسمه كله واقف سدّ بين سامي وبينها.

سامي صرخ:
ــ عبده كتب نص الورث لمريم! نص ورث عيلتنا اللي أنا ليّا فيه! إزاي يعني؟!

في اللحظة دي، عبده دخل من باب البيت بخطوات سريعة، صوته عليّ:
ــ سامي! إنتَ جاي تخرب البيت؟!

سامي اتلفت له بغضب:
ــ ده أنا هطربق البيت علي دماغكم!

مريم قلبها وقع، بصت لعبده بصدمة:
ــ بابا… هو بيقول إيه ده؟

عبده خد نفس تقيل وقال بهدوء:
ــ أيوه، كتبت نص الورث بتاعي ليكي...أنتِ من عيلتي.

الكلام وقع زي الصاعقة… سامي وشه احمر، غضبه زاد أضعاف:
ــ لأ! دي مش من عيلتي!

وقبل ما يقرب تاني، جون مد إيده ومنعه، صوته واطي بس تقيل:
ــ أنا قلت مفيش صوت عالي هنا… ومحدش هيقرب لمريم طول ما أنا واقف.

مريم قلبها دقّ جامد… أول مرة تحس بالحماية دي، إن في حد واقف بالنيابة عنها، مش سايبها تواجه العاصفة لوحدها.

سامي اتعصب أكتر، بس جون قرب منه خطوة، صوته بارد يخوّف:
ــ لو عندك مشكلة… حلّها برا البيت. هنا… مفيش حد هيقرب لمريم.

مريم لأول مرة ابتسمت ابتسامة صغيرة وسط كل التوتر… مش عشان الورث ولا العيلة، لكن عشان وقفة جون اللي حسستها إنها مش لوحدها، وإن في حد مستعد يحارب عشانها.

سامي بص لهم بغضب، بس واضح إنه مش قادر يعدي الحاجز اللي اسمه جون، وخرج من البيت والدم بيغلي في دماغه.

جون بصّ لمريم وهو لسه واقف مكانه، عينه فيها طمأنينة غريبة:
ــ محدش هيقربلك طول ما أنا موجود.

مريم قلبها اتلخبط، أول مرة تبص له بالعين دي… عين الامتنان والأمان اللي عمرها ما حسّت بيه قبل كده.

بعد ما سامي خرج والدنيا هديت، مريم كانت واقفة لسه متوترة، قلبها لسه بيدق بسرعة من اللي حصل. جون بصلها بابتسامة صغيرة وهو حاطط إيديه في جيوبه:
ــ شكلك اتخضيتي أوي… متخافيش يا قطة.

مريم رفعت حاجبها بنرفزة:
ــ عادي يعني، مكنش فيه داعي للدراما دي كلها!

جون قرب منها بخطوة وهو لسه مبتسم بطريقة كلها شقاوة:
ــ دراما؟! أنا اللي دافعت عنك انهاردة! المفروض تقوليلي شكرًا على الأقل.

مريم اتنهدت وحاولت تمشي، بس جون وقف قدامها فجأة:
ــ لا لا، مش هتمشي غير لما أسمع كلمة شكرًا.

مريم بصت له بنفاد صبر:
ــ شكراً…

جون هزّ راسه بخبث:
ــ لأ، دي مش شكرا اللي تليق باللي أنا عملته، عايزها من القلب… ممكن كمان بابتسامة صغيرة كده.

مريم اتعصبت:
ــ يا أستاذ جون أنا تعبانة ومش فاضية لل…

قبل ما تكمل، جون مد إيده وأخد الموبايل من إيدها بسرعة وقال بمرح:
ــ خلاص، لو مش عايزة تشكريني، هبعت لنفسي رسالة من موبايلك فيها شكر خاص عشان ما نزعلش بعض.

مريم بصت له بصدمة:
ــ إنتَ بتعمل إيه؟! هاته يا جون!

جون رفع الموبايل فوق و ضحك:
ــ لا لا، مش هينزل غير لما أسمع شكرا بالابتسامة اللي طلبتها.

مريم حاولت تاخده بس هو أطول منها، كل ما تمد إيدها كان يضحك ويبعده عنها أكتر:
ــ يلا يا مريم، ورينا الضحكة الحلوة دي.

في الآخر مريم استسلمت وهي متعصبة وضحكت غصب عنها:
ــ شكراً… خلاص؟!

جون ابتسم بانتصار ونزل الموبايل:
ــ أيوه كده، هو ده الكلام اللي يفتح النفس.

مريم اتنهدت:
ــ إنتَ عيل كبير.

جون ابتسم بخبث:
ــ أيوه… عيل كبير مسئول عن سلامتك.

مريم قلبها اتلخبط من آخر كلمة، بس حاولت تبان إنها مش متأثرة ومشيت وهي متعصبة، وجون وراه بضحكته اللي كلها شقاوة.

الأيام اللي بعدها، مريم بقت تلاحظ إن جون بقى قريب منها أكتر، بس مش بالجدية اللي كان دايمًا ظاهر بيها، لأ… بقى يضايقها بأسلوب لطيف يخليها مش عارفة تزعل ولا تضحك.

في مرة وهي قاعدة في الجنينة تقرأ، جون ظهر فجأة من غير ما تحس وقعد قصادها:
ــ إنتِ لسه زعلانة مني؟

مريم رفعت عينيها من الكتاب وقالت ببرود مصطنع:
ــ أنا؟ لأ خالص.

جون ابتسم ابتسامة صغيرة كلها خبث:
ــ طب كويس، عشان أنا قررت أصالحك بطريقتي.

مريم رفعت حاجبها بشك:
ــ وطريقتك دي إيه بقى؟

جون قام من مكانه، راح ناحية الحصان بتاعها اللي كان بيشرب،وابتدى يهرّش له في رقبته وهو بيبص لمريم وقال:
ــ هتعرفي دلوقتي.

فجأة الحصان اتحرك حركة خفيفة، ورش مية من البير الجنبهم على مريم.

مريم قامت بسرعة:
ــ جون!! إنتَ مجنون؟!

جون كان واقف يضحك ضحكته اللي مريم بدأت تلاحظ إنها مش بتضايقها زي الأول، بالعكس… قلبها بيرفرف كده من غير سبب واضح.

قرب منها وهو لسه ضاحك وقال:
ــ خلاص خلاص، بهزر 

مريم اتنهدت بحركة فيها استسلام:
ــ إنتَ عيل صغير رسمي.

جون بص لها بابتسامة أهدى المرة دي:
ــ عيل صغير… بس شكله بدأ يدخل قلبك شوية.

مريم اتلخبطت من كلمته، قلبها دق أسرع شوية، بس حاولت تخفي ده وقالت بسرعة:
ــ أنا؟ لأ طبعًا.

جون قرب أكتر بخطوة، صوته بقى واطي وفيه دفء:
ــ هنشوف.

مريم معرفتش ترد، بس لأول مرة من يوم ما عرفته… حسّت إنها مش عايزة تقفل الباب اللي بيفتحه.

في يوم، مريم كانت حاسة بدوخة شديدة من شغل البيت والحر، قعدت على الأرض قدام البيت تحاول تلتقط نفسها. فجأة لقت حد بيرش مية على وشها بخفة، فتحت عينيها تلاقي جون واقف بوش قلق:
ــ مريم، إنتِ كويسة؟

مريم بهدوء وهي لسه تعبانة:
ــ آه، شوية دوخة بس.

جون بسرعة جاب لها كرسي وجاب ميّة وحطها جنبها:
ــ اشربي، وإياكي تتحركي من مكانك دلوقتي.

مريم بصت له باستغراب:
ــ هو إنتَ دايمًا لازم تتحكم فيا كده؟

جون نزل على ركبته قصادها، عينيه كلها جدية:
ــ لما يخصكِ، آه.

مريم سكتت، ولأول مرة تحس إن اهتمامه مش بس سيطرة… فيه خوف حقيقي عليها.

بعد يومين، الجو كان هادي جدًا، مريم قاعدة تقطع شوية فاكهة لجون لأنها عارفة إنه مشغول، وهو راجع من بعيد شافها، وبدل ما يدخل عادي، قرر يتسلى شوية.

دخل فجأة وقال بصوت عالي:
ــ إيه ده؟! دي مريم بنفسها بتجهزلي أكل؟! الدنيا خلاص قربت تخلص!

مريم قلبت عينيها:
ــ يعني أسيبك تمو.ت من الجوع؟

جون وهو بياخد القطعة من إيدها بسرعة قبل ما تحطها في الطبق:
ــ بس كده، عايزة تخليني أحبك ولا إيه؟

مريم بصت له بصدمة:
ــ إيه الكلام  ده؟

جون ضحك:
ــ بهزر يا ست البنات… بس بصراحة شكلك وأنتِ بتجهزي الأكل يخلي الواحد يفكّر جد.

مريم وشها احمرّ شوية، بس تجاهلت وقالت:
ــ روح اغسل إيدك قبل ما تاكل.

جون ضحك وهو ماشي:
ــ أمر من أوامر الست مريم شخصيًا… حاضر.

في ليلة الجو كان فيها هادي، مريم وقفت عند الحصان "كوكو" تلعب معاه، جون وقف وراها بصمت شوية، وبعدين قال:
ــ عارفه إن كوكو محظوظ؟

مريم بصت له:
ــ ليه يعني؟

جون ابتسم ابتسامة خفيفة:
ــ عشان إنتِ بتحبيه بالشكل ده… نفسي في يوم آخد نص الاهتمام اللي بياخده.

مريم اتفاجئت بكلامه، قلبها اتلخبط، بس بدل ما ترد، بصت لكوكو وقالت:
ــ روح نام يا جون.

جون ضحك بخفة وقال:
ــ ماشي… بس أنا مش هنام إلا لما ألاقي طريقة آخذ بيها نص اهتمامك.

اليوم ده كان فيه مطر شديد،مريم كانت واقفة في المخزن اللي بيخزنوا فيه أكل الحصان "كوكو"، وبتحاول تلحق الحبوب قبل ما المية توصلها، بس فجأة الباب اتقفل من شدة الهوا.

حاولت تفتحه… مفتحتش، قلبها بدأ يدق بسرعة شوية من صوت المطر والرعد، هي أصلًا مش بتحب الجو ده.

فجأة سمعت صوت خطوات حد بيجري، وبعد لحظات الباب اتفتح بقوة، وظهر جون واقف وهو مبلول من المطر، شعره مبلول ووشه كله قلق:
ــ إنتِ كويسة؟!

مريم بصت له وهي لسه مش مستوعبة:
ــ إنتَ إزاي جيت؟

جون دخل وقرب منها وهو لسه بيتنفس بسرعة:
ــ لما لقيت باب المخزن مقفول عرفت إنك هنا… إنتِ اتخضيتِ صح؟

مريم حاولت تنكر:
ــ لأ خالص…

بس صوت الرعد جه تاني، وهي غصب عنها مسكت دراعه بخوف بسيط. ساعتها جون وقف ثابت، وعينيه نزلت على إيدها الممسكة فيه، وبعدين بص في عينيها من غير ما يتكلم.

في اللحظة دي مريم حسّت بحاجة غريبة… أمان. الأمان اللي عمّرها ما حست بيه قبل كده.

جون بهدوء شديد:
ــ خلاص… أنا هنا، متخافيش.

مريم بسرعة سابت دراعه، ووشها احمرّ:
ــ أنا مش بخاف… بس صوت المطر عالي شوية.

جون ابتسم ابتسامة خفيفة، وبصوت واطي قال:
ــ وأهو فرصة أقف جنبك شوية.

المطر خفّ، بس مريم فضلت واقفة جنبه ساكتة، لأول مرة مش عايزة تسيب المكان، وكأن وجوده هو اللي مهدّي الدنيا كلها.

بعد ما المطر بدأ يخف، مريم فضلت واقفة مكانها، إيديها لسه ماسكة الحبوب اللي أنقذتها من المية، وبصّت لجون وهي مبتسمة ابتسامة صغيرة:
ــ شكراً… لو ما كنتش جيت معرفش كنت هعمل ايه.

جون وهو بيبص في عينيها بنظرة فيها دفء:
ــ أنا هكون موجود دايمًا لما تحتاجي.

مريم حسّت إن قلبها دقّ أسرع شوية، بس المرة دي ما حاولتش تخبي أو تهرب زي العادة… لأ، وقفت مكانها عادي، كأنها لأول مرة مرتاحة لوجوده.

قعد هو على كرسي خشب قريب، المطر كان لسه بينقط برا، وقال لها بنبرة شبه مازحة:
ــ يعني مش هتهربي المرة دي زي كل مرة؟

مريم ضحكت بخفة:
ــ لأ… طالما الجو حلو كده، مفيش مشكلة.

جون ابتسم، وسند ضهره، وصوته كان هادي بس فيه رضا واضح:
ــ كويس… لأنّي تعبت من الجري وراك.

مريم ابتسمت أكتر، وبصّت بعيد تحاول تخبي خجلها، بس جواها كانت مبسوطة إنه موجود، مبسوطة إنه قلقان عليها، وإنه بيدوّر عليها أول ما حس إنها في خطر.

اللحظة دي، من غير كلام كتير، كانت كفيلة تخلي العلاقة بينهم تتغيّر… تبقى أهدى، وأقرب، ومريم نفسها ما تحاولش تبعده زي الأول.

بعد يومين، كانت مريم قاعدة في الساحة بترتب الحبوب، وكوكو واقف قريب منها. الجو كان هادي لحد ما سمعت صوت ضحك جاية من ناحية البيت.

لفّت بسرعة، لقت جون واقف بيتكلم مع بنت الجيران اللي كانت جايبة أكل لوالدها، والبنت بتضحك معاه وهو مبتسم ابتسامة خفيفة.

مريم حسّت قلبها شدّ فجأة، ما فهمتش ليه اتعصبت من المشهد، بس لقت نفسها بتضغط الحبوب في إيدها بقوة أكتر، صوتها عالي شوية وهي بتنده:
ــ يا أستاذ جون!

جون التفت ليها، مستغرب من شدّة صوتها:
ــ أيوة، في حاجة؟

ــ تعال شوف كوكو، من الصبح مش عايز يأكل.

جون قال للبنت كلمتين قصيرين ومشي ناحيتها، بس البنت فضلت واقفة تبتسم وهو ماشي.
مريم لاحظت النظرة دي، قلبها اتقبض أكتر، بس ما اتكلمتش.

جون قرب منها، صوته هادي:
ــ كوكو كويس!

مريم بنبرة متضايقة وهي بترتب الحبوب بسرعة:
ــ شكلك مبسوط مع الضيوف الجداد.

جون وقف ثواني، وبعدين ابتسم ابتسامة صغيرة فيها خبث:
ــ إنتِ بتغيري؟

مريم بسرعة:
ــ إيه؟! لأ طبعًا، ليه أغير يعني؟

ــ عادي، مش لازم تبرري… بس شكلك بيقول حاجة تانية.

مريم اتعصبت أكتر:
ــ أنا؟! أغير؟! إنت عايش في فيلم!

جون ضحك بخفة، وده زوّد عصبيتها، بس هي مش قادرة تخبي نا.رها جواها، ولا عارفة ترد بكلام مقنع.

لأول مرة، حسّت مريم إن وجود البنت دي حوالين جون مضايقها بجد، وإنها مش عايزة تشوفه بيتكلم مع حد تاني كده، خصوصًا بابتسامته اللي تسحر!

في يوم مريم كانت قاعدة بترتب الغسيل على الحبل، وشافت بنت واقفة بتضحك مع جون، قلبها كان مو.لّع بس مش عايزة تبين.

جون رجع يقف عند الباب، باين عليه فاهم هي متضايقة من إيه، وابتسامة صغيرة مرسومة على وشه.

مريم كانت ماسكة المشابك، وكل شوية تبص له بطرف عينها وهو بيتكلم معاها وكأنه مش ملاحظ التوتر اللي واضح عليها.

هو قرب بخطوات هادية وقال بصوت فيه خفة دم:
ــ شكلك مش مركزة في الغسيل، إيه مالك؟

مريم بضيق:
ــ ولا حاجة… أنا مركزة اهو.

ــ أيوة أيوة، شكلك مركز أوي… علشان كده وشك كله بيقول إنك غيرانة.

مريم بحِدّة وهي ماسكة المشابك:
ــ إنتَ بتتخيل كتير!

جون ضحك بخفة وقال مستفزًا:
ــ لأ، أنا شايف اللي إنتِ مش عايزة تعترفي بيه.

مريم ما استحملتش، وخدت مشبك من اللي في إيدها ورمته عليه وهي متعصبة:
ــ خُد يا شيخ!

جون ضحك أكتر، وفضل يضحك لما لقى مشبك تاني جاي في صدره.
ــ يا ساتر! هو إحنا هنبدأ خناقة مشابك ولا إيه؟!

مريم وهي بترمي مشبك تالت:
ــ أهو يمكن يسكّتك شوية!

كان بيضحك،واقف وسط المشابك اللي بتطير عليه ومبسوط إنها لأول مرة بتفقد هدوءها عشانه هو تحديدًا.

قرب منها بخطوات بطيئة وهو لسه مبتسم ابتسامة مستفزة:
ــ شكلك مش فاهمة إن المشابك مش هتأثر فيَّ… إنتِ بس اللي بتأثري.

مريم اتجمدت للحظة، قلبها دق بسرعة، وبسرعة بصت بعيد تخفي توترها، بس هو كان شايف كل حاجة، ومستمتع إنها لأول مرة تبين غيرتها بالطريقة دي.

جون قرب منها بخطوات أهدى، ولسه الابتسامة الخبيثة على وشه، وقال بنبرة هادية لكنها مستفزة:
ــ بصراحة، أنا مبسوط إنك غيرانة.

مريم اتلفتت له بسرعة، ملامحها كلها توتر:
ــ أنا؟ غيرانة؟! محصلش!

هو ضحك بخفة، ومد إيده ياخد المشبك اللي كانت مسكاه، وقال وهو بيبص لها نظرة مباشرة:
ــ آه، غيرانة… وعارفة إزاي؟ لأنك ما كنتيش هترمي المشابك عليا لو عادي بالنسبة لك أشوف غيرك.

مريم اتكلمت بسرعة وهي متعصبة:
ــ ما ترميش كلام كبير كده! أنا بس… ما بحبش حد يضيع وقتك بكلام فاضي!

جون ابتسم أكتر، وقرب منها شوية لدرجة إنها اتراجعت خطوة من غير قصد:
ــ وقتي؟! وقتي كله ملكك إنتِ بس، فاهمة؟

مريم قلبها خبط فجأة، بس بسرعة حاولت تدارى وقالت بنبرة مضايقة:
ــ بلاش كلامك ده، أنا مش ناقصة!

هو ضحك تاني، المرة دي بنبرة هادية لكن فيها تحدي:
ــ يبقى بلاش غيره بقى، عشان لو كل مرة هتغيري كده… أنا ممكن أعمل مصايب.

مريم بصت له بحدة، بس هي نفسها عارفة إن كلامه خلى قلبها يدق أسرع، وإنها لأول مرة مش قادرة تتحكم في مشاعرها ناحية وجوده.

جون وقف لحظة، وبعدين قال بهدوء وهو بيبص لها مباشرة:
ــ على فكرة، أنا بحب شكلك وإنتِ متضايقة… بيخليكي أوضح.

مريم ما ردتش، قلبها وعقلها اتلخبطوا، وهو استغل سكوتها وابتسم بخفة، وبعدين مشي وهو سايبها مش فاهمة إيه اللي بيحصل جواها بالظبط.

مريم كانت قاعدة في الساحة تقلب في كشكولها كأنها مركزة فيه، لكن الحقيقة إن عقلها كان تايه من بعد موقف الغيرة.
جون دخل فجأة وبص لها بابتسامة جانبية، وقال بنبرة واثقة:
ــ جهّزي نفسك… هستناكي ٧ بالليل.

مريم رفعت عينيها بسرعة بدهشة:
ــ إيه؟! هستناني ليه؟

جون رد بهدوء مستفز:
ــ يعني عندنا خروجة، وأنا مش باخد رأي.

مريم اتنرفزت:
ــ لأ، أنا مش رايحة مكان.

هو ضحك ضحكة قصيرة:
ــ لأ، هتيجي… عندك خمس ساعات تختاري فيهم فستانك الحلو، عشان إحنا هنخرج سوا.

مريم كانت عايزة ترفض، بس طريقته اللي فيها ثقة وعناده المعروف خلّوها تتلخبط، وفجأة لقت نفسها موافقة من غير ما تاخد بالها.

ـــ

الساعة سبعة إلا دقايق، مريم كانت واقفة قدام المراية، لابسة فستان بسيط لونه أزرق غامق، شكله هادي وأنيق، وشعرها على كتفها. قلبها بيدق بسرعة غريبة، ومش عارفة ليه حاسة إن الليلة دي مختلفة.

لما نزلت، لقت جون واقف مستنيها تحت، لابس بدلة سودا شيك جدًا، ماسك مفاتيح عربيته، ولما شافها ابتسم ابتسامة ناعمة خلت قلبها يخبط أكتر:
ــ قلتلك تختاري فستان حلو…

مريم حاولت تبين إنها مش متأثرة:
ــ أنا لابسة عادي خالص.

جون قرب منها وهم راكبين العربية:
ــ عادي بالنسبة لك…بس  كارثة بالنسبة لقلبي.

مريم قلبها اتلخبط، قررت تسكت عشان ما تبانش مشاعرها.

ـــ

العربية مشيت وسط طرقات القرية اللي منورة بفوانيس بسيطة، والأرض فيها ريحة المطر اللي نزل العصر. الجو كان فيه نسمة هوا باردة، والنجوم طالعة في السما بشكل باهر.

جون ركن العربية عند أطراف القرية، قدام مكان هادي فيه أشجار ونهر صغير بيعدي، والبيوت بعيدة شوية.

مريم نزلت، بصت حوالينها بانبهار:
ــ هو إحنا جينا هنا ليه؟

جون ابتسم وهو واقف جمبها:
ــ عشان هنا مفيش دوشة… ومفيش حد غيرنا.

وقفوا قدام الميه، وصوت دقّات قلبها كان أعلى من صوت الهوا. فجأة، جون بص لها بنظرة عميقة وقال بهدوء:
ــ مريم… أنا طول عمري فاكر نفسي جامد، ماحدش يهزني ولا يخليني أضعف… لحد ما إنتي دخلتِ حياتي.

مريم بصت له بسرعة، قلبها بيجري سباق:
ــ جون… بلاش الكلام ده.

هو كمل من غير ما يبص بعيد:
ــ لأ، لازم تسمعيه. أنا بحبك يا مريم. ومش أول مرة أقولها لنفسي، بس أول مرة أقولها ليكي.

مريم اتجمدت، مش عارفة تقول إيه، بس عينيها كانت بتلمع تحت نور القمر.

جون قرب خطوة صغيرة، صوته بقى أهدى:
ــ أنا بحبك، ومش ناوي أسيبك… لا للزمان ولا للناس.

مريم قلبها بيدق بسرعة رهيبة، لأول مرة ما لقتش رد، وما لقتش رغبة تهرب زي العادة… بالعكس، حسّت إنها مبسوطة بكلامه حتى لو مش معترفة بصوت عالي.

جلسوا على دكة خشب قديمة، والليل حواليهم كله هدوء، إلا قلب مريم اللي عامل دوشة كبيرة جواها.

بعد ما قعدوا على الدكة شوية، جون مد إيده وطلّع علبتين عصير من الشنطة اللي جايبها، وقال بابتسامة جانبية:
ــ اتفضلي يا ست البنات…

مريم خدت العصير منه وهي بتبصله بنص عين كده، وقالت بضيق:
ــ يعني دي الخروجة اللي مزهقني عليها من الصبح؟ عصير؟ مش عشا ولا ورد ولا حاجة؟

جون ضحك بصوت منخفض وهو بيراقبها:
ــ عشا وورد كمان؟ طيب ماشي، هكتبهم في قايمة الطلبات المرة الجاية.

مريم رفعت حاجبها بخفة دم:
ــ يعني إنتَ فاكر نفسك رومانسي كده وخلاص؟

جون قرب شوية، نبرته بقت أهدى:
ــ لأ… أنا فاكر نفسي واقع في حبك… وده أخطر بكتير.

مريم قلبها دق بس قررت تتقل:
ــ أها… يعني أنا دلوقتي المفروض أقولك إيه؟ شكراً؟

جون ضحك أكتر، مبسوط بالتقل اللي واضح إنه مقصود:
ــ لأ… المفروض تقولي إنك حاسة بنفس اللي أنا حاسه… بس طبعًا مش هتعملي كده دلوقتي، صح؟

مريم شربت من العصير وهي بتبص بعيد، كأنها مش مركّزة في الكلام، بس ابتسامة صغيرة ظهرت غصب عنها.

جون مال برأسه ناحيتها وقال وهو مستمتع بكل ثانية:
ــ إنتي بتتعبي قلبي يا مريم… ومع ذلك مبسوط… مبسوط جدًا.

مريم ضحكت بخجل وقالت:
ــ يعني تحب البنت اللي تتقل عليك؟

جون رد بثقة وهو عينيه معلقة بيها:
ــ لو البنت هي مريم… أحب التقل ده العمر كله.

ضحكوا سوا، ولأول مرة الجو بينهم بقى خفيف، مليان هزار، مش زي قبل كده شد وعصبية… كان فيه دفء غريب مريم حبته من غير ما تعترف.

بعد الضحك والهزار، ساد بينهم صمت غريب… مش صمت مزعج، لأ، صمت مريح كأنهم الاتنين مستمتعين بالوجود جنب بعض بس.
مريم فجأة لقت نفسها بتزفر براحة، وبحركة لا إرادية، حطّت راسها على كتف جون.

جون اتجمد لحظة، قلبه دق بسرعة بس فضل ثابت مكانه، مش عايز يتحرك عشان ما يخربش اللحظة.

مريم بصوت واطي وهي عينيها لسه قدامها:
ــ أنا… أنا مش فاهمة حاجة يا جون.

جون بص لها من فوق بخوف صغير:
ــ مش فاهمة ايه؟

مريم بلعت ريقها وقالت وهي حاسة قلبها بيخبط:
ــ حاسة إن في حاجات كتير ملخبطة جوايا… كنت فاكرة إني عارفة أنا عايزة إيه، بس دلوقتي… مش عارفة.

جون ابتسم بخفة، ووشه قرب منها وهو بيكلمها بهدوء:
ــ ومين قال إنكِ لازم تفهمي كل حاجة دلوقتي؟ ساعات أهم حاجة إنكِ تسيبي قلبك يحس… من غير ما تقاومي.

مريم فضلت ساكتة، بس إيدها شدّت الفستان بتاعتها بعصبية خفيفة، كأنها مش عايزة تعترف أكتر من كده.

جون كمل بنبرة أرق:
ــ إنتِ عارفة إنكِ لو عايزة تهربي، ممكن دلوقتي… بس لو فضلتي، أنا مش هبعدكِ عني تاني.

مريم قالت بخفوت:
ــ أنا مش عايزة أبعد… بس خايفة.

جون ضحك بخفة وهو يبص للسماء:
ــ حلو أوي… عشان أنا كمان خايف، بس مبسوط إنكِ معايا دلوقتي.

ولأول مرة، مريم حسّت إن اللغبطة اللي جواها مش مرعبة زي ما كانت فاكرة… بالعكس، كان فيها دفء وأمان غريب.

الهواء كان لطيف، والنجوم منورة السما، ومريم لسه حاطة راسها على كتف جون. قلبها بيدق بسرعة مش فاهمة سببه… يمكن لأنه قريب منها أوي، ويمكن عشان هي خلاص تعبت من الهروب.

سكتت شوية وبعدين قالت بصوت خافت كأنها بتسرق الكلام:
ــ جون… أنا يمكن عمري ما قلت الكلام ده قبل كده…

جون بص لها بنص ابتسامة وصوته كان هادي:
ــ أنا سامعكِ.

مريم زفرت وهي بتحاول تجمع شجاعتها:
ــ أنا كنت فاكرة إنك سبب اللغبطة اللي جوايا… بس الحقيقة… أنتَ اللي مريحني وسط كل حاجة ملخبطة في حياتي.

جون اتجمد، عينه ركزت عليها وهو مش مصدق إنها قالت كده، بس سابها تكمل من غير ما يقاطعها.

مريم كملت بسرعة عشان ما تتراجعش:
ــ يمكن أنا مش عارفة أسمي اللي جوايا إيه… بس أنا مبسوطة وإنتَ موجود… يمكن لأول مرة من سنين بحس إني مش لوحدي.

جون ابتسم ابتسامة واسعة، صوته نزل واطي وهو بيقرب منها أكتر:
ــ يعني ده اعتراف صغير إنكِ مش عايزة تبعدي عني؟

مريم رفعت راسها وبصت له بعينين محرجين، بس قالت بعناد خفيف:
ــ أنا… يمكن.

ضحك جون بخفة وقال بنبرة فيها دفء وتملك:
ــ "يمكن" دي كفاية بالنسبة لي دلوقتي… بس أنا مش هسيبكِ غير لما تبطلي تقولي يمكن وتقولِّيها بصراحة.

جون بعد ما ساد بينهم الصمت للحظات، اتنهد وقال بنبرة هادية بس وراها جدية:
_ مريم، أنا لازم أسافر بكرة ضروري.

مريم حسّت قلبها وقع، بس حاولت تبين إنها عادية:
ــ يعني… هتغيب قد إيه؟

هو ابتسم بخفة، قرب منها خطوة:
ــ يمكن أسبوع… يمكن أقل. بس اسمعي… أنا مش هسيبك يوم من غير ما أكلمك. هتزهقي مني من كتر ما هتلاقيني على الفون.

مريم ضحكت غصب عنها، بس عينها لمعت بدمعة صغيرة.
ــ يعني هتتصل؟

ــ هتصل، وهبعت رسايل، وهتلاقيني في كل حتة حتى وأنا بعيد.

في اللحظة دي قرب أكتر، إيده شبه لمست إيديها، وقال بصوت فيه وعد واضح:
ــ مريم… متخافيش، أنا مش هبعد عنك مهما حصل.

مريم قلبها دق بسرعة، وكأنها لأول مرة تصدّق إنه بقى جزء من حياتها بجد.

ـــ

تاني يوم، جون سافر، ومريم من ساعتها وهي مش مرتاحة. البيت كان هادي، بس ناقصه حاجة… ناقصه هو. حتى كوكو الحصان كان باين عليه زهقان كأنه حاسس إن في حد مش موجود.

بالليل، وهي قاعدة في أوضتها، الفون رنّ. قلبها خبط لما شافت اسمه على الشاشة.

ــ ألو؟

صوته جه دافي وواضح رغم السفر:
ــ إزيك يا مريم؟

ابتسمت غصب عنها:
ــ الحمد لله… أنت وصلت؟

ــ وصلت، بس مش مرتاح.

استغربت:
ــ ليه؟ حصل حاجة؟

ــ آه… أنتِ مش معايا.

مريم سكتت ثواني، قلبها بيرقص من الكلام، بس حاولت تتحكم في صوتها:
ــ طب دي حاجة تتعالج، لما ترجع خلاص.

هو ضحك بخفة:
ــ لا، أنا مش هستنى لما أرجع. أنا قلتلك هتلاقيني في الفون طول الوقت، وده اللي هيحصل.

ــ يعني هتزهقني منك؟

ــ هو ده الهدف. عايزك تفكري فيّ طول الوقت، زي ما أنا مش عارف أفكر في أي حد غيرك دلوقتي.

مريم اتكسفت، قلبها كان دافي من كلماته، وكأن بين كل كلمة والتانية في خيط بيربطهم أكتر وأكتر.

ــ بس أوعي تنسي، مريم… كل يوم لازم أسمع صوتك، حتى لو دقيقتين. وعد؟

ــ وعد.

هو ابتسم من بعيد، وقال بنبرة شبه همس:
ــ وعدك ده أهم من أي حاجة دلوقتي.

وبعد ما قفلوا، مريم فضلت ماسكة الفون، قلبها لأول مرة من زمان كان حاسس بالأمان.

ـــ

بعد أسبوعين، البيت كان ناقصه روحه. مريم كل يوم بتسمع صوته في الفون، بس وجوده الحقيقي كان ليه طعم تاني. يوم رجوعه، قلبها كان بيدق بسرعة، حتى وهي بتحاول تبين إنها عادي ومش متأثرة.

جون دخل من باب البيت، شكله تعبان من السفر بس في عينيه لمعة واضحة أول ما شافها.

ــ إزيكِ يا مريم؟

ــ الحمد لله… حمد لله على السلامة.

ــ الله يسلمك. وحشاني.

مريم حسّت قلبها بيرقص، بس قالت بسرعة:
ــ هو أنت رجعت مخصوص عشان تقول الكلمتين دول؟

هو ضحك بخفة:
ــ لا، رجعت عشان أسمع منك اللي مستنيه من زمان.

مريم اتلخبطت:
ــ تسمع إيه يعني؟

جون قرب منها، صوته هادي بس عينيه مركزة فيها:
ــ اللي بقاله فترة باين في كل تصرف ليكي… حتى لو مش قلتيه.

مريم وقفت لحظة، قلبها بيدق بشكل يوجع. وبصت للأرض وهي بتتمتم:
ــ أنا… أنا بحبك يا جون.

هو وقف ثابت، الابتسامة طلعت على وشه بهدوء، وكأنه كان عارف من الأول، لكن اللحظة دي بالنسباله كانت حلم اتحقق. قرب خطوة تانية وقال بصوت منخفض:
ــ كنت مستني الجملة دي أكتر من أي حاجة في حياتي.

مريم رفعت عينيها عليه لأول مرة من غير خوف، ومن غير هروب، وقالت:
ــ خلاص… مفيش أسرار تاني. ولا مسافات.

جون مد إيده، ومسك إيدها بهدوء، وكأن اللحظة دي ختمت كل التعب اللي فات، وبداية جديدة بدأت بينهم.

ــــ

ليلة الحنة

البيت كان مليان زغاريد وضحك، البنات بتلف حوالين مريم وهي قاعدة في النص بفستان أخضر غامق مزين بالدهبي، شعرها ملفوف بشكل بسيط بس شيك، والحنة مرسومة على إيديها بشكل يجنن.

جون كان واقف بعيد، لابس جلابية بسيطة عشان ما يبانش رسمي أوي، لكن عينه ما كانتش بتسيبها لحظة. كل ما بصّت له تلاقيه بيضحك بخفة، وكأنه بيقولها من غير كلام: مبروك يا عروسة قلبي.

البنات كانوا بيغنوا أغاني شعبية، ومريم بتحاول تبين إنها مكسوفة، بس الحقيقة إن قلبها كان بيرقص فرح. جون في لحظة خطف الفرصة وقرب منها، بصوت واطي ما حدش سمعه غيرها:
ــ شكلك حلو أوي… مش مصدق إننا هنبقي في بيت واحد.

مريم رفعت عينيها بسرعة، ووشها احمر وهي بتقول بخفة:
ــ ماتستعجلش… لسه بدري.

هو ضحك وقال:
ــ بدري؟! أنا مستعجل على عمري كله يبدأ معاكي.

البنات زغردوا تاني، والليلة خلصت ومريم قلبها دق طول الوقت، مش مصدقة إن الفرح بقى بكرة.

ـــــــ
يوم الفرح

الشمس بدأت تغرب والقرية كلها مزينة بالأنوار، الفرح اتعمل في ساحة كبيرة مزينة بالورود والأضواء الصغيرة اللي مديّة جوّ رومانسي كأنه فيلم.

جون واقف بالبدلة السودة، شكله مهيب وجذاب، بس عينه كلها بحث عن مريم.

ولما ظهرت… الكل سكت ثواني.

فستان أبيض بسيط لكنه ساحر، شعرها منسدل بخفة، وطرحة خفيفة مديّة شكل ملائكي.

جون حس قلبه وقف لحظة، وبعدين ابتسم ابتسامة كبيرة وهو بيهمس:
ــ مبروك يا مراتي.

مريم قربت منه بخجل، عينيها فيها لمعة دموع فرح، وقالت بخفة:
ــ الله يبارك فيك .

الناس ضحكت، والزغاريد عليت، والفقرات الشعبية بدأت، رقص وخفة دم، بس جون ما كانش شايف غير مريم.

ووسط الزحمة، مسك إيدها بهدوء وقال بصوت واطي محدش سمعه غيرها:
ــ أنا وعدتك… مفيش أسرار تاني. من النهارده حياتي كلها ليكي.

مريم بصت له، وفي عينيها نفس الوعد. الليلة دي ختمت كل التعب اللي فات، وبداية لحياة كلها حب وهدوء.

ـــــــ

بعد الفرح بأيام، القرية كلها كانت لسه بتحكي عن الفرح الكبير اللي ماحصلش زيه. مريم لأول مرة من سنين كانت حاسة إنها مرتاحة، كأن حياتها أخيرًا لقت مكانها الصح.

في الصبح، وهي واقفة في الساحة بتأكّل كوكو، جون جه من وراها بهدوء، وحط إيده على كتفها:
ــ أنا بقيت أغير من الحصان ده عشان بيسرقك.

مريم ضحكت بخفة:
ــ هو صديقي من قبل ما أنت تيجي، ما تنساش.

جون قرب أكتر، صوته واطي لكن فيه حب واضح:
ــ بس أنا جوزك… يعني لازم أبقى صاحبك المفضل دلوقتي.

مريم قلبها دق بسرعة، لسه مش متعودة على كلامه الرومانسي اللي بيجي ببساطة كده. بصّت له وقالت بخجل:
ــ إنتَ بقى مش ناوي تبطّل الكلام اللي يخليني بتكسف طول الوقت ده؟

هو ضحك وقال:
ــ لا… ده لسه الحب اللي عندي ليكي ما ابتديش.

في اليوم ده، راحوا يتمشّوا في أرض والدها، الهوا كان جميل، والسماء مليانة نجوم. مريم لأول مرة حست إنها مش بس لقت حب، لكن كمان لقت أمان، بيت، وحياة جديدة كلها راحة.

قبل ما يرجعوا، وقف جون فجأة، مسك إيدها وقال بصوت جدّي لكن حنون:
ــ مريم… أنا وعدتك مفيش أسرار تاني. من النهارده، كل يوم هنعيشه مع بعض، بالحلو والوحش، بس سوا… موافقة؟

مريم بصّت له، عينيها فيها دموع فرح، وقالت:
ــ موافقة… وبحبك يا جون.

هو ابتسم، ابتسامة الراجل اللي أخيرًا وصل للي كان بيتمناه طول عمره، وبهدوء حضنها تحت السما المفتوحة، وكأن اللحظة دي ختمت قصة طويلة مليانة تعب ودموع… بس انتهت بحب يستحق العُمر كله
                     تمت

                    
تعليقات



<>