
البارت 4
مرت الأيام، وبدأت ليلى تشعر بأنها تعرف غيث أكثر، رغم أنها لم تسمع صوته ولا مرة. كان كل شيء بينهما يعتمد على الكلمات المكتوبة، لكنها شعرت بأن تلك الكلمات تحمل أحيانا ثقلا أكبر مما تحمله المحادثات المباشرة. كان غيث ذكيا في اختيار كلماته، ودائما يعرف كيف يطمئنها ويجعلها تشعر بالأمان.
لكن مع كل هذا، بقيت رسالة التحذير عالقة في ذهنها، وكأنها شبح لا تريد مواجهته. كانت تحاول التظاهر بأن الأمور طبيعية، لكنها لم تستطع منع نفسها من التساؤل: "ماذا لو كانت الرسالة صحيحة؟"
في إحدى الليالي، بينما كانت تتحدث مع ريم على الهاتف، قررت ليلى أن تفتح الموضوع معها مرة أخرى.
ليلى: بقولك يا ريم، أنا مش قادرة أخرج الرسالة دي من دماغي.هي ممكن تكون حقيقيه صح؟
ريم، التي كانت تعرف القليل من الحقيقة، حاولت تهدئتها قائلة:
يا ليلى، بلاش تضيعي وقتك في الشكوك. غيث شخص كويس، وأنا متأكدة إن الرسالة دي جاية من حد عايز يخرب اللي بينكم. متدهوش انتى الفرصه بقى...
ريم حاولت تغيير الموضوع، لكنها شعرت أن ليلى بدأت ترى الأمور بطريقة مختلفة.
في هذه الأثناء، كان غيث يشعر بالذنب.
لم يكن قصده أن يضع ليلى في هذا الموقف، لكنه أراد اختبار صدقها. كانت لديه مخاوف من أن تكون مشاعرها مجرد عابرة، لكنه أدرك الآن أن اختباره كان قاسيا بعض الشيء.
اتصل غيث بابنه عمه ريم وسألها:
بقولك يا ريم، ليلى قالتلك حاجة عن الرسالة؟ لسه زعلانه منى بسببها او لسه بتفكر فيها اصلا كدا يعني....
ريم ردت بحذر: ايوا و قالت إنها مش قادرة تخرجها من دماغها، بس بصراحة يا غيث، كنت أتمنى إنك تقول لها الحقيقة. ليلي شخص واضح وصريح ومتفهم جدا انا واثقه لو قولتلها الحقيقه هتتمسك بيك اكتر ومش هتبعد....
غيث صمت قليلا قبل أن يقول: أنا عارف إني غلطت، بس كنت محتاج أتأكد إنها ما بتحكيش عن كل حاجة بسهولة. الموضوع كبير بالنسبة لي. وخوفي انها لو عرفت الحقيقه تبعد بقى كابوس بيطاردني وانا صاحي اكتر من وانا نايم...
ريم حذرته: بس خلي بالك يا غيث لو استنيت كتير، ده ممكن يخلق فجوة بينكم. ليلى مش زي أي حد، لو فقدت ثقتها فيك، الموضوع مش هيكون سهل.
في اليوم التالي، قرر غيث أن يأخذ خطوة تجاه مصارحة ليلى.
كتب لها رسالة طويلة مليئة بالتوضيحات والاعتذارات:
غيث: ليلى، في حاجة لازم أقولك عليها، وكنت خايف أصارحك بيها. انا وظيفتي مش قالتلك ريم بنت عمي انا شغال فى منصب حساس جدا هو اللى بيجبرني ماقربش من حد ولازم اختبره طول الوقت انا بتوصل معايا انى بشك في نفسي وطبعا دا بالاضافه لبعض الازمات والحاجات اللى حصلت معايا فى حياتي الشخصيه من طفولتي وبدايه شبابي اللى محدش يعرف عنهم حاجه نهائيا حتى اقرب الناس ليا دول اللى اثروا عليا بالطريقه دي.... عارف إن الطريقة كانت غلط، بس كان عندي مخاوف، وحسيت إن دي الطريقة الوحيدة أختبر بيها الأمور. أنا آسف لو تسببت في أي قلق ليكي. اللي يهمني تعرفيه إن مشاعري تجاهك حقيقية، وإنه مفيش حاجة في الدنيا ممكن تخليها تتغير.
ليلى قرأت الرسالة مرارا وتكرارا. شعرت بمزيج من الغضب والارتياح. الغضب لأنه اختبرها بهذه الطريقة، والارتياح لأنه كان صريحا وأخبرها الحقيقة.
كتبت له ردا مختصرا:
كنت أفضل إنك تصارحني بدل ما تختبرني. أنا مش لعبة، يا غيث. بس بشكرك إنك قلت لي الحقيقة.
غيث شعر بالراحة لأنها لم تقطع الحديث معه، لكنه علم أن عليه أن يعيد بناء ثقتها به.
بدأ يبذل المزيد من الجهد في محادثاتهما، محاولا أن يثبت لها أن مشاعره صادقة.
بعد أيام من التفكير، قررت ليلى أن تعطيه فرصة ثانية. كتبت له:
غيث، أنا مش زعلانة منك بس. كنت خايفة. خايفة أديك ثقة وتخذلني. عشان كده، خلينا نحاول نبدأ من جديد، لكن المرة دي مفيش ألعاب.
غيث رد سريعا: وعد مني، مفيش ألعاب. كل اللي يهمني إننا نكون صادقين مع بعض.
مرت أسابيع وأصبحت العلاقة بينهما أقوى.
بدأ غيث يشاركها تفاصيل أكثر عن حياته، عن طفولته، وعن شغفه بالسفر. بينما كانت ليلى تشعر بأنها تعرفه أكثر، كانت تبدأ في تقبل فكرة أن الحب يمكن أن ينمو حتى دون لقاء أو سماع صوت.
في إحدى الليالي، كتب لها غيث:
ليلى، ممكن أسألك سؤال؟
ردت مازحة: طالما مش اختبار تاني، اسأل.
غيث ضحك في رسالته وقال:
لو طلبت منك إننا نقابل بعض، هتوافقي؟
ليلى شعرت بموجة من التوتر، لكنها كتبت:
مش عارفة. فكرة إني أشوفك في الحقيقة بتخوفني شوية. إحنا بقالنا فترة طويلة بنتكلم، ومش عايزة أتفاجأ بحاجة.
غيث كتب: أنا مش خايف من المقابلة، بالعكس. عايزك تعرفي إن كل كلمة قلتها لك حقيقية. لما تكوني مستعدة، أنا جاهز.
ليلى شعرت بالارتياح.
كانت تخشى أن يكون الضغط أكبر مما يمكنها احتماله، لكنها شعرت بأن غيث يمنحها المساحة التي تحتاجها.
مع مرور الأيام، بدأت ليلى تفكر بجدية في الأمر.
كانت تعلم أن الخطوة التالية قد تغير كل شيء، لكنها كانت بحاجة للتأكد من أنها مستعدة لمواجهة الحقيقة.
وفي إحدى المحادثات، كتبت له:
غيث، لما أكون مستعدة، هكون أول حد يقولك. بس لحد ما ده يحصل، خلينا نستمتع باللي بيننا دلوقتي.
غيث رد: اتفقنا. المهم إنك تكوني مرتاحة.
وهكذا، استمر الحديث بينهما، مليئا بالصدق والصراحة التي بدأ غيث في بناءها من جديد.
ليلى لم تكن متأكدة مما سيحمله المستقبل، لكنها شعرت بأن العلاقة تستحق المخاطرة.
مع مرور الوقت، بدأت ليلى تلاحظ شيئا مختلفا في نفسها.
كانت لم تعد تخشى التعبير عن مشاعرها بالطريقة التي كانت تفعلها في البداية. بدأت تدرك أن الحب ليس مجرد كلمات تكتب أو مشاعر مخبأة في القلب، بل هو مشاركة حقيقية، حتى لو كانت عن بعد.
وفي إحدى المحادثات، قالت ليلى لغيث:
غيث، عارف إني كنت بخاف أقول مشاعري أو حتى أعبر عن نفسي في الأول، بس دلوقتي بقيت بحس إن وجودك في حياتي غيرني.
غيث ابتسم وهو يكتب رده:
وأنا أكتر حاجة بحبها فيكي إنك بتتغيري للأحسن، وإنك بتعلميني أنا كمان إزاي أكون أفضل.
رغم الكلمات الجميلة، كانت هناك لحظات من الشك والتردد.
كانت ليلى تحاول أن تستوعب فكرة أنها تحب شخصا لم تلتقي به يوما، لكن كل مرة كانت تشعر أنها تعرفه أكثر من أي شخص آخر.
وفي ليلة هادئة، بينما كانت ليلى مستلقية تفكر في المستقبل، قررت أن تسأل غيث سؤالا كان يدور في ذهنها لفترة طويلة:
غيث، فكرت إزاي هتكون حياتنا لو يوم ما تقابلنا واكتشفنا إننا مختلفين عن اللي اتخيلناه؟
غيث رد بصدق:
ليلى، الحياة عمرها ما كانت مضمونة. إحنا ممكن نقابل ناس في الواقع ونعرفهم سنين ونكتشف بعدين إننا كنا غلطانين. لكن أنا متأكد من حاجة واحدة: إحنا بنينا علاقة على الصدق، وده أهم من أي حاجة.
رده جعلها تشعر براحة أكبر، لكنها قررت ألا تظهر ذلك فورا.
ليلى: طيب، لما تقابلني، إيه أول حاجة هتقولها ليا؟
غيث كتب مبتسما:
هقولك: 'كنت مستني اللحظة دي طول عمري.'
ليلى لم تستطع كبح ابتسامتها وهي تقرأ الرد. كانت تشعر بأنها أقرب إلى غيث، حتى وإن كان بينهما آلاف الأميال.
ومع كل محادثة، كان الشعور بالخوف من المستقبل يتلاشى شيئا فشيئا.
كانت ليلى تعلم أن غيث لم يكن مجرد شخص عابر في حياتها، بل كان جزءا من قصتها التي لم تكتمل بعد.
وفي إحدى المرات، كتبت له ما كان يختمر في عقلها لفترة طويلة:
ليلى: غيث، أنا مش عارفة إيه اللي مخبيه المستقبل، بس أنا عارفة إني عايزة أكمل معاك.
غيث، الذي كان ينتظر سماع هذا الكلام منذ فترة طويلة، رد قائلاً:
وأنا كل اللي عايزه إنك تكوني جزء من حياتي، مهما كانت الظروف.
هكذا، انتهت تلك الليلة بكلمات بسيطة لكنها مليئة بالوعود.
كانت العلاقة بينهما تنمو بشكل لم يتوقعه أحد، حتى هما.