
مرت الأيام بسرعة، وكأنها تلاحق لحظات غيث وليلى في سعيهما نحو بناء حياة جديدة مليئة بالأمل والتحديات. بعد أن تمت زيارة الأهل وتمت الخطبة، بدأ كل شيء يأخذ شكله الصحيح، ورغم المشاعر المختلطة بين الفرح والحذر، كانت هناك فكرة واحدة تراود غيث: هل هو مستعد بما فيه الكفاية لتحمل مسؤولية هذا الالتزام الجديد؟ وهل ليلى حقا ستكون شريكته في هذه الرحلة الصعبة التي قررا أن يخوضاها معا؟
في أحد الأيام، غيث جلس في شقته وحيدا يتأمل الوضع. كان يعلم أن هذا اليوم سيأتي، اليوم الذي يجب أن يتحدث فيه مع والد ليلى حول كل شيء. كان يعلم أنه عليه أن يتأكد من أنه مستعد ليكون الرجل الذي ترغب فيه ليلى، الرجل الذي سيحميها ويساعدها في مواجهة جميع تحديات الحياة. كان يعلم أن هذه اللحظة هي الفرصة الوحيدة التي يمكن أن يثبت فيها نواياه الصادقة.
في تلك اللحظة، رن هاتفه المحمول، وكان على الطرف الآخر الصوت الذي انتظره طويلا.
كانت مكالمة من والد ليلى. شعر بغصة في قلبه قبل أن يجيب، فهو يعلم أن هذه المكالمة ستكون حاسمة. أجاب وهو يحاول أن يخفي التوتر الذي كان يعيشه:
ألو ياعمي، ازيك حضرتك؟
رد والد ليلى بهدوء، ولكن صوته كان يحمل نبرة حازمة: أهلا يا غيث، ازيك؟ حبيت اكلمك شوى حول الخطبة وترتيبات المستقبل.
توقعت ليلى هذه المكالمة، ولكن لم يكن من السهل عليهما أن يتحدثا بحرية دون أن يشعر أحدهما بالضغط. غيث جلس بتركيز كبير على المكالمة، عينيه ثابتتين على الهاتف وكأنه يحاول أن يقرأ بين السطور. والد ليلى كانت شخصيته قوية ومؤثرة، وكانت لديه معايير صارمة في ما يتعلق بالعائلة والزواج.
المحادثة بينهما استمرت لأكثر من ساعة.
تحدثا عن كل شيء بدءا من طريقة العيش التي يمكن أن يتبعاها بعد الزواج، إلى كيفية إدارة الأمور المالية والمستقبلية. كان والد ليلى يسأله عن مواقف معينة مر بها في حياته، وكيف يواجه الصعوبات. وكان غيث يجيب بكل هدوء وثقة، يعلم أن هذه الأسئلة ما هي إلا اختبار لجديته واستعداده للزواج.
في النهاية، قال محمد: أنت شخص محترم، وأنا مقدر كلامك دا. لكني محتاج لبعض الوقت للتفكير في الأمور. احنا بحاجة إلى التأكد تماما أنك هتكون الرجل اللي تستحق ليلى أن تضع حياتها بين يديه.
بعد المكالمة، غيث شعر بشيء من الارتياح.
كان يعرف أن والد ليلى يريد أن يتأكد تماما من أنه الشخص المناسب لها، وهو شيء كان يراه طبيعيا تماما. كان يشعر بالسعادة لأن المفاوضات قد تمت على هذا النحو الهادئ والمحترم. لكنه أيضا كان يعلم أن المستقبل لا يزال غامضا، وأنه بحاجة إلى مواصلة العمل ليظهر نواياه الصادقة في كل شيء.
في اليوم التالي، غيث قرر أن يزور ليلى ويخبرها عن المحادثة التي جرت بينه وبين والدها. كانت ليلى في انتظار الزيارة، وكأن قلبها لا يزال يحمل بعض الشكوك. هي الأخرى كانت تحاول التأقلم مع الواقع الجديد، وكان عقليهما مشغولا بالمستقبل الذي ينتظرهما.
عندما دخل غيث إلى منزلها، وجد ليلى جالسة في الصالة، عيونها تحمل أسئلة كثيرة.
ليلى: ايه الاخبار طمني... المكالمة كانت عامله ازاى؟ بابا قالك ايه؟ وانت قولته ايه؟
غيث ابتسم بلطف وقال: اهدي طيب علشان اعرف احكيلك... كانت كويسه جدا. زى ما كنا متوقعين، والدك كان عايز يتأكد من أني جاد في كل حاجه. وانا رديت عليه واثبتله انى جاد بس بردو قال خلينى افكر ونطول فترة الخطوبه لحد. ما يتاكد...
ليلى ابتسمت بخفة وقالت: طب وأنت؟ هو أنت جاد؟ وهو اقتنع منك بجد؟
غيث اقترب منها وأمسك بيدها برفق، قائلا: بعد دا كله لسه بتسالي يا ليلى... طبعا أنا جاد وجدا، أنا مش عايز إلا أكون الشخص اللي يسعدك ويخلي حياتك أفضل. أنا مستعد اعمل اى حاجه ، وأتمنى أن أكون الرجل اللي تستحقينه...
عينيها امتلأتا بالدموع، لكنها مسحتها بسرعة وقالت: وأنا كمان عايزه أكون معاك. أنا مستعدة اننا نبنى حياتنا مع بعض.... وبسال فى كل مره علشان اسمع الاجابه دي وقلبي وروحي يطمنوا ويحسو بالراحه والسكينه والامان..... واتاكد انك مزهقتش ولا مليت مني....
هذه الكلمات كانت بمثابة الضوء الذي كان غيث ينتظره. كانت ليلى صادقة في مشاعرها، وكانت مستعدة للقتال من أجل هذا الحب.
في تلك اللحظة، كان غيث يدرك تماما أنهما سيواجهان الكثير من التحديات في المستقبل. ولكن الأهم من ذلك، كانا مستعدين معا للتغلب عليها. هما لم يكونا فقط يعيشان في لحظة فرح، بل كانا أيضا يتحملان معا عبء الحياة بكل ما فيها من تعقيدات.
بعد أيام قليلة، اتخذت الأمور منحنى جديد.
قررت عائلتا غيث وليلى الاجتماع معا في منزل ليلى لاحتفال بالخطبة الرسمية. كان الجميع متحمسا للحدث، ولكن كانت هناك بعض المشاعر المتناقضة. ليلى كانت تشعر ببعض القلق من كيفية سير الأمور، خصوصا أنها كانت تشعر بوجود ضغوطات عائلية. لكن غيث كان هادئا وواثقا.
وفي لحظة الاحتفال، وقفت ليلى إلى جانب غيث، وقالت بصوت خافت: مش مصدقه.... أنا فرحانه أننا وصلنا للحظة دي. الطريق مكنش سهل، لكني أؤمن بك.وواثقت فيك.... وانت كنت ادها وكنت الراجل اللى كنت اتمنى اكمل حياتى معاه...
بحبك يا غيث..
غيث ابتسم وقال: وأنا كمان يا ليلى. وكل حاجه هتكون تمام، طول ما احنا مع بعض.... بحبك يا ليلى...
وها قد انتهت بداية جديدة بين غيث وليلى، كانت مليئة بالأمل والتحديات، مليئة بالفرح والألم. ولكن رغم كل شيء، كان هناك يقين واحد في قلب كل منهما: الحب الذي جمعهما، والأمل الذي سيظل ينير طريقهما.
مع مرور الأيام، كانت الحياة بين غيث وليلى تنمو بشكل طبيعي. ورغم الصعوبات التي قد يواجهانها، إلا أن ثقتهما في بعضهما البعض كانت دائما ما تكون عاملا حاسما. فحتى عندما كانت التحديات تلوح في الأفق، كانا يعلمون أن الأمور ستظل تتحسن طالما كانا معا.
ليلى كانت تزداد إصرارا يوما بعد يوم، وكلما زاد تعلقها بغيث، زاد حرصها على أن تكون زوجة تليق به. كانت تعلم أن هذا القرار ليس قرارا سهلا، لكنه كان قرارها هي أيضا. وكلما تذكرت تلك الأيام الأولى التي كانت فيها مجرد فكرة في ذهنها، أدركت كم كان هذا التحدي يستحق.
غيث كان يحاول بقدر الإمكان أن يكون الأفضل من أجل ليلى. كان يعلم أن القيم التي نشأ عليها، وهي الاحترام والحب، يجب أن تكون القاعدة التي يبني عليها حياته المستقبلية معها. لم يعد هناك مكان للخوف أو الشك. كل شيء كان متاحا لهما الآن، وكان على استعداد تام للمضي قدما.
وبينما كانت العائلات تجتمع مرة أخرى للاحتفال بهذه الخطبة، كان هناك شعور عميق بالسلام والطمأنينة. كانت تلك اللحظات التي تذكرهما بأن الحب هو البداية الحقيقية لكل شيء.
وها هما، غيث وليلى، يبدأان معا رحلة الحياة، مليئة بالأحلام والأمل، وفي قلب كل منهما يقين أن هذه البداية ليست إلا جزءا من قصة أعمق وأجمل.
تمت بحمد الله