رواية مرايا الحب الفصل الاول1والثاني2 بقلم نورا عبد العزيز

رواية مرايا الحب الفصل الاول1والثاني2 بقلم نورا عبد العزيز
أبتلعت ريقها بصعوبة بالغة توترًا من قُربه منها، رفعت عينيها به بخجل لتتقابل أعينهما فى نظرة مطولة، حدق بها ووجنتيها تتورد كحبتي الفراولة من شدة خجلها وهو يحاصرها فى الحائط بيده وتشعر بيديه تتسلل إلى خصرها كأنه لم يكتفى بربكتها وأرتفاع درجة حرارة جسدها فيزيدها خجلًا لاعبًا على أوتار قلبها العازف لضربات مُتسارعة أوشكت على قتل صاحبتها، أغمضت عينيها بهدوء وتمتمت بصوت خافت:-
-يونس 

وضع أصابعه على شفتيها فور لفظها لأسمه لتفتح عينيها وترفعهما به ليقول هامسًا لها:-
-اللعنة على سحرك يا غزل 

تبسمت "غزل" بعفوية على هذا العاشق لها رغم أنه يجهل هويتها وحقيقتها  فرفعت يدها للأعلى تلفهما حول عنقه وقالت بهمس:-
-أنا معملتش حاجة غير لفظ أسمك يا حبيب قلبى

تبسم بسخرية على مكر هذه الثعلبة الجميلة ويرفع يديه إلى وجنتها يزيح شعرها عن أكتافها ويعود به لخلف ظهرها هائمًا فى عشق هذه الجميلة الساحرة وقال:-
-اسمي وحده من بين شفايفك كفيل بإسقاط اللعنة عليا، لكن قوليلى يا غزل أى تعويذة حطتيها فى قلبى 

تبسمت وهى تضع يدها على مؤخرة رأسه وجذبته إليها بقوة ليتلصق بها ثم همست فى أذنيه بنبرة مُثيرة:-
-العشق..  تعويذة عشقى يا يونس 

أبتعد قليلًا عنها لينظر إليها لتتابع "غزل" بنبرة قوية رغم نعومتها:-
-أوعدك بأن قلبك مش هيعرف يعشق غيرى يا يونس وهتُعبر جسور وأزمنة عشان غزل

مسكت لياقة قميصه لتجذبه بقوة إليه ثم قالت:-
-أنت ملكي أنا 

كان غارقًا عشقًا بها فى هذه اللحظة وكأنها أسقطت به تعويذة العشق حقًا، لم يقاومها أو يمنعها من الحديث بل جذبها من خصرها بقوة لتلتصق به فوضع قبلة على عينيها، فُتح باب المكتب ودلفت "قدر" زوجته ورأته يقف هناك فى زواية الغرفة فقالت:-
-بتعمل أيه يا يونس

ألتف لها غاضبًا من دخولها دون أذن منه وقال بحدة:-
-أنا كام مرة هفضل أقولك خبطى قبل ما تدخلى 

جلست "قدر" على المقعد بغرور وتجيبه:-
-أنا مراتك يا حبيبي مش موظفة عندك 

ضربته "غزل" على ظهره بقوة والغيرة تشتعل بها لتقول:-
-قول لست دى تحترم وجودى ومتقولكش يا حبيبي بدل ما أسخطها قرد 

ألتف إليها بقلق وهمس إليها:-
-أنتِ شايفة كلامك معقول يعنى،  أقولها قدر لو سمحتى متثيرش غضب عفريتة محدش شايفاها غيري هتأخدنى على مستشفى المجانين حضرتك

عقدت "غزل" يديها أمام صدرها بغرور وقالت:-
-قولت جنية ومفيش حاجة اسمها عفريت وبعدين مش ذنبى أن محدش بيشوفنى ولا يسمعنى غيرك 

قطعته "قدر" بنبرة حادة تقول:-
-أنت بتكلم الحيط يا يونس، مش عيب عليك يا ابن القصور وسيد المال تكون مجنون 

كادت "غزل" أن تذهب إليها ليمنعها "يونس" قائلًا:-
-غزل... دى مراتى 

رفعت نظرها به بصدمة ألجمتها فهل منعها الآن وأختار صف هذه الزوجة الماكرة، تطلع بنظرات غضبها بخوف وشعر بفراغ فى يديه لينظر إلى يده الماسكة بيديها وصُدم عندما رأى يدها تتبعثر فى الهواء كالدخان ويبث منها اللون البرتقالي كالنار وكأنها تحترق فرفع نظره بهلع إلى وجهها لكنها تبعثرت فى الهواء قبل أن يرأها........  
الفصل الاول 
بمنتجع سكني فى مدينة أكتوبر خصيصًا بمنزل يحمل لافتة "منزل الباشمهندس يونس النور"، منزل مكون من طابقين وحديقة متوسطة الحجم يتوسطها حوض السباحة الدائري ومرأب سيارات بداخله سيارة سوداء سيدان من مرسيدس وسيارة أخري صفراء اللون رباعية الدفع من كيا للسيارات، خرج" يونس" شاب ثلاثيني من غرفة المكتب بالطابق الأول بصحبة أخاه الأكبر "أنس"، كان مُرتدي بدلة بسترة ذهبية وقميص وبنطلون ذو اللون الأسود، تحدث بجدية قائلًا:- 
-هشوف قدر جهزت ولا لا؟  
صعد للطابق الثاني حين غرفة نومه وغرفتين أخري، فتح باب غرفة نومه ليراها تجلس على المقعد منحنية قليلًا من أجل ارتداء حذائها ذو الكعب العالي، كانت فتاة جميلة بحق بجسدًا ممشوق وبشرة بيضاء صافية وعيني خضراء وشعرها البني الفاتح القصير يزيدها جمالها، ابتلع " يونس" لعابه بتوتر، استقامت "قدر" فى وقفتها لتتطلع به فرمقته بنظرة باردة كالثلج لتقول:- 
-مالك واقف باصص ليا كدة ليه؟!  
أتسعت عينيه على مصراعيها من فستانها الذهبي القصير ألم يكفي ضيقه الذي يظهر مفاتنها ونحافة جسدها، فكان يصل لأعلي ركبتيها ليقول بضيق:- 
-أيه القرف اللى لابساه دا؟  
سارت نحوه فى صمت بلا مبالاة وهى لا تكترث لحديثه ولا لأمره وعندما مرت من جواره أستوقفها حين مسك ذراعها بقوة ليعيدها خطوة للخلف مرة أخرى وقال بحدة:- 
-أنتِ رايحة فين؟، أنتِ غلبتي الرقاصين بفستانك دا 
صرخت “قدر” به بانفعال شديد قائلة:- 
-أنا حرة فى نفسي ومتدخلش فى حاجة تخصنى كدة ليه، أنا ملاحظة أنك بتحاول تعمل راجل عليا  
أستشاط غيظًا من كلماتها المُهين وقال:- 
-أتلمي هو أنا بعرف غيرك من شوية  
شعرت بألم فى قلبها وسكاكين تفتت قلبها وجعًا وألمًا لتقول بنبرة خافتة:- 
-العيب مش عليك العيب على واحدة زي أنها سمحت لنفسها انها تكون على ذمتك يوم واحدة 
مرت من أمامه مُغادرة ليقول بصراخ شديد قائلًا:- 
-والله لو مرجعتي عن اللى فى دماغك لأكسرهالك 
ألتفت إليه بضيق شديد من نبرته العالية وقالت:- 
-ايه دا أنت بتزعقلي كدة ليه؟  
استشاط غيظًا من طريقة حديثها وتحديها له بالكلمات فأغلق قبضته بقوة حتى لا يفقد أعصابه عليها وصاح "يونس" بها بانفعال شديد قائلًا:- 
-متنرفزنيش عليكي يا قدر وبطلي استعباط، ايه القرف اللى لابساه دا  
أخذت "قدر" خطوة واحدة تجاهه للأمام وتطلعت بعينيه مباشرة بتحدي وعناد وهتفت بنبرة جادة تحمل الكثير من كبرياء الأنثي الطاغي عليها قائلة:- 
-لتكون غيران عليا لا قدر الله ولا حاجة  
تطلع بعينيها الخضراء الواسعتين وجمالها لم يرى له مثيل من قبل وتحديدًا بعد ان رسمتهم بمساحيق التجميل من أجل هذا الحفل وشعر بقشعريرة تصيب قلبه وصدره يخفق بلطف قليلًا، تبسمت بسخرية على صمته فتابعت بقوة قائلة:- 
-مشكلتك يا يونس أنك عايز كل حاجة، مشكلتك أنك بتحاول بتمثل الغيرة زى أى راجل لكنك فى الواقع ولا غيران ولا غيره، أو على الأقل أنا وأنت عارفين كويس أنك مبتحبنيش وأن كل العصبية اللى أنت فيها دى مجرد تمثيل بتضحك علي نفسك بها عشان تصدق أنك راجل فى بيتك وعلى مراتك وبس وفى الواقع أنت مش راجل أو على الأقل فى نظرى أنا.....  
شعر بقنبلة نارية تنفجر فى صدره وعقد حاجبيه بغضب شديد يجتاحه بسبب كلماتها المُهينة لها فرفع يده لكي يلطمها على وجهها لكنه توقف رافعًا يده للأعلي بضيق شديد وكأن قلبه لا يطاوعه في صفعها، ظل ينظر إلي عينيها وهى أمامه لا تخشاه ولم يرمش لها جفنًا، استوقفه صوت اخاه الأكبر قادمًا من الخلف يقول بحزم شديد:- 
-يــونـــس 
رمقته "قدر" بضيق شديد من فعلته ثم مرت من أمامه مُنصرفة، التف لأخاه يقول:- 
-مش تخبط قبل ما تدخل 
اقترب "أنس" منه بضيق شديد وقال:- 
-ويا تري كنت ناوي تضرب مراتك عشان خاطر عشقيتك، أنت أيه اللى جرالك يا يونس من يوم ما غزل ظهرت فى حياتك وأنت حالك أتشقلب 
تأفف "يونس" بضيق شديد وأرخي رابطة عنقه بأختناق ثم قال:- 
-غزل مالهاش علاقة بالأمر، أنا بتكلم عن لبسها الضيقة ليه كل حاجة تدخلوا غزل فى الموضوع وهي أطيب مما تتخليوا  
تبسم "أنس" بسخرية ووضع يديه الاثنين فى جيوب بنطلونه ثم قال بتهكم:- 
-والله، حرام ظلمناها معاك، عارف يا يونس مشكلتك ايه؟ مشكلتك أنك عايز قدر ورافض تبعدها عنك وفى نفس الوقت بتحب غزل ومتقدرش تسيبها عشان خاطر مراتك اللى هى أصلا لسه عروسة جديدة بس واضح أنك مش واخد بالك أنك متجوز من أسبوعين اتنين وبتخون مراتك عادي بكل بجاحة، عجباك شخصية قدر القوية اللى بتتحداك وواقفة قصادك ومش قادر تستغني عن شخصية غزل البريئة الضعيفة، مشكلتك أنك عايز كل حاجة وفاكر أن فى حد بيأخد كل حاجة بس نصيحة منى متتغرش لأن بطريقنك دى أنت. الوحيد اللى هتخسر  
تبسم "يونس" بغرور شديد والتف لكي يجلس على المقعد ووضع قدم على الأخر دون ان يهتم لوجود اخاه الأكبر ثم قال بكبرياء:- 
-أنت بس عشان متعرفتش على غزل ولا شوفت جمالها وأزاى بتسحرك بطريقتها وروحها الحلوة، ومدخلتش شجار ونقاش مع قدر عشان تعشق جرائتها وعنادها، ولا بصت فى عيناها الخضراء دول سحر لوحدهم، وزى ما أنت قولت أنا مقدرش أبعد عن واحدة فيهم وأنا ضعيف من غير قوة قدر ويتيم من غير حنية غزل وقلبها الطيبة، أنا جزء منى لقدر والجزء الثاني لغزل، أنا عاشق لقدر ومسحور بغزل... 
تأفف “أنس” بضيق شديد ثم قال بأختناق:- 
-أنت مش طبيعي حرفيًا مش طبيعي 
غادر “أنس” الغرفة غاضبًا لتنهد “يونس” بغيظ شديد من هذه الفتاة وهو لا يبالي بحديثهما عن عشيقته، وقف من مكانه وأعتدل قليلًا يهندم ملابسه وقال:- 
-ماشي يا قدر  
خرج من غرفته ونزل للأسفل وكانت “قدر” تجلس بالسيارة مع “أنس” فى أنتظاره ليصعد معهم وينطلق ثلاثتهم إلى حيث الحفل، نظرت “قدر” إلى النافذة بضيق شديد وقلبها مفطورًا من الألم والوجع وكيف لامرأة أن تقبل أن تُشاركها أخرى فى زوجها الذي تعشقه، مُنذ أن تزوجت به من أيام وهو يخونها فماذا سيفعل بعد سنوات من الزواج، يتحدث عن حُبه إليها رغم خيانته لا تعلم أى رجل هو يُحب امراتين فى آن واحدًا ولا يستطيع التنازل عن أى منهن، كان “يونس” يتابعها بنظراته فى المرآة مهوسًا بها وبعشقها حتى أنه لا يستطيع أن يشيح نظره بعيدًَا عنها، توقفت السيارة أمام أحد الفنادق وترجل “أنس” أولًا ثم “يونس” وفتح باب السيارة الخلفي إليها ليأخذها فى يده بأحكام حتى لا تتأذي من  هجوم الصحافة عليهم وسار بها للداخل وهو يحيطها بذراعيه مما أربك “قدر” أكثر لا تعلم أن تعشق تصرفاته أم تخشاها فكل مرة يعاملها بلطف يرد لها الفعل القادم بقسوة تفتت قلبها وضلوعها الصلبة، أنشغل الجميع فى الترحيب وكان “يونس” واقفًا جوارها ويتحدث ببسمة مع الضيف حتى رأى “غزل” تقف على باب القاعة فأعتذر منهم قليلًا وقال:- 
-خمسة وجايلك 
أومأت إليه بنعم وذهب مُسرعًا إلى الخارج باحثًا عن “غزل” حتى رأها تدخل إلى غرفة فتبسم بعفوية وحماس إليها وذهب خلفها، أغلق باب الغرفة ليراها تجلس على المكتب بغرور وقالت:- 
-برضو جيت معها 
أقترب منها بحب وهو يطوقها بذراعيه قائلًا:- 
-وحشتينى 
أبعدته عنها بقوة غاضبة من ظهوره بصحبة زوجته والغيرة تقتل قلبها ثم قالت:- 
-مش هتضحك عليا بالكلمتين دول، على فكرة بقى مراتك مش حلوة للقدر دا 
نظر إليها بغضب سافر وقال بنبرة حادة:- 
-غزل، كام مرة قولتلك مالكيش دعوة بقدر، وجمالها يخصني أنا لوحدي وحُبي ليكى له نوع تانى خالص مفيش لا قبلك ولا بعدك 
قوست شفتيها للأسفل بحزن شديد ونظرت بعيدًا مُتجاهلة النظر إليه ليقول بعفوية:- 
-والله بحبك وما حبتش حد غيرك ولا حتى قدر 
أتلفت إليه مُبتسمة ليكمل حديثه قائلًا:- 
-لكنى مقدرش أبعد عنها ودا واضح وإحنا متفقين عليه  
تأففت بأختناق سافر ثم مسكت لياقة ملابسه وقالت بانفعال:- 
-يبقي أنت اللى أخترت أنا قولتلك مليون مرة أنك ليا لوحدي أنا وبس 
دفعته بقوة بعيدًا وهربت من أمامه ليتأفف بضيق غاضبًا من هروبها.. 
___________________ 
تقدمت “فلك” فتاة عشرينية ترتدي بدلة رسمية نسائية إلى المكتب تحمل ملفها المهنية من أجل التقديم لوظيفة ثم دخلت للمكتب فسألتها مديرة الموارد البشرية قائلة:- 
-شايفة نفسك فين بعد خمس سنين؟ 
تنهدت “فلك “ بضيق من هذا السؤال الروتينى فى كل مقابلة ثم قالت:- 
-مكان حضرتك ممكن 
تبسمت المديرة ليقاطعها صوت رنين الهاتف فأخذت هاتفها ووقفت من مكانها لتتحدث بالهاتف وظلت “فلك” ترمقها بملل وهى تتحدث بالهاتف أكثر من نصف ساعة لتشعر بملل شديد، أخذت ملفها من فوق المكتب وغادرت المكان دون أن تستأذن بأختناق شديد وغادرت الشركة تمام بعد أن صعدت فى سيارتها الصفراء لتسير بالطريق وبداخلها بركة من الغضب الناري وتُتمتم باللعن على هذه الشركة ومعاملة مؤظفيها، ضغطت على المكابح فجأةً عندما ظهر أمامها رجل فصرخت بخوف شديد من أن تدهس هذا الرجل، ترجلت من سيارتها بهلع شديد وهى تقول:- 
-أنت كويس؟ 
تتطلع “أنس” بها بهدوء بعد أن رأى أن السائق فتاة، بزوج من العيون العسلية الذهبية تحت أشعة الشمس وحجاب وردي فقال:- 
-كويس، محصلش حاجة 
تنهدت “فلك” بأرتياح شديد وهى تتكأ بذراعها على السيارة قائلة:- 
-طب الحمد لله 
نظر “أنس” إليها وكانت تحمل شارة حول عنقها تحمل أسمها وشعار الشركة التى ذهبت إليها فقال بذهول:- 
-أنتِ بتشتغلى فى شركة أن أي 
أجابته بتذمر شديد وهى تنزع الشارة عن عنقها بغضب سافر قائلة:- 
-لا كنت بقدم ومعجبتنيش رغم مكانتها، المعاملة سيئة جدًا 
أومأ إليها بنعم ثم أخرج بطاقته وقدمها إليها ثم قال بلطف:- 
-دا عنوان مكتبي إحنا محتاجين مؤظفين، بس هى مش بمكانة أن أى طبعًا إحنا لسه بنبدأ بس أن شاء الله نعديها 
أخذت البطاقة منه بتردد ثم قالت:- 
-أن شاء الله يا أستاذ أنس 
صعدت لسيارتها وهى تلقي بالبطاقة فى المقعد الخلفي بأهمال دون أن تهتم للعمل بشركة مبتدئة وأنطلقت ليبتسم “أنس” بعفوية ويعبر الطريق ودخل للفندق، دخل ليرى “قدر” تبحث عن “يونس” فسأل بقلق:- 
-على فين؟ 
أجابته بضيق شديد قائلة:- 
-أخوك رمينى هنا ومختفي  
ذهب ليبحث عن أخاه ولم يجد له أثر فذهب إلى غرفة الكاميرات يبحث عنه وصُدم هو و”قدر” عندما رأوا “يونس” ينظر إلى الحائط ويتحدث مطولًا ويرفع يده يلمس الهواء فقالت “قدر” بخوف شديد:- 
-أخوك بيكلم مين؟ 
نظر “ أنس” إلى “قدر” بقلق وخرج من الغرفة بفزع شديد ثم ذهب إلى حيث “يونس” وولج للغرفة وقال بغضب مُنفعلًا:- 
-أنت بتكلم مين؟ 
ألتف “يونس” إليه وقال:- 
-وأنت مالك؟ 
مسكه “أنس” من لياقته بغضب شديد وكاد أن يفقد أعصابه علي أخاه وقال:- 
-كنت بتكلم مين هنا؟ أنت مجنون بتكلم نفسك؟ 
دفع “يونس” يده بقوة وهو يقول:- 
-أكيد لا طبعًا أنا كنت مع غزل وهى مشيت 
جذبه “أنس” من يده بقوة للخارج وغادر، دلفت إلى غرفة المراقبة وأعاد شريط الكاميرات مرة أخرى ليُصدم “يونس” عندما رأى نفسه وحده ولا أثر لـ “غزل” فلم يصدق هذه الصدمة وحقيقة أن “غزل” مجرد وهم فى عقله الباطن ليسقط فاقدًا للوعيفصرخت “قدر” بهلع شديد خوفًا عليه، أخذته مع “أنس” إلى المستشفى وبعد أن فحصه الطبيب، جلست “قدر” بجوار “أنس” وقالت:- 
-أنت مخبي عني أيه؟ 
لم يجيب عليها فقالت بضيق شديد:- 
-أنت لسه هتخبيء عني ، انا مراته وخلاص أتجوزته  
تنهد بحيرة شديدة وقال:- 
-يونس كان بيحب واحدة من خمس سنين وعمل حادثة عربية وهم راجعين من سهرة هى ويونس وأتوفيت لكن يونس لما فاق مستحملش الخبر من شدة حبه ليها ودخل فى حالة اكتئاب شديد لكن مع مرور الأيام وأفتقاده ليها بدأ يشوفها ويقول أنه شايفها وعايش معها ويكلمها وأتضح أنها مجرد وهم وهو بس اللى بيشوفها ويسمعها لكنه مش مدرك تمامًا أنها وهم هو كان مقتنع تمامًا 100% أنها حقيقية ومماتش وبدأ يتعالج وفعل حصل، قعدت تقريبًا حوالى سنة كاملة فى العلاج النفسي ولما أدرك أنها وهم دخل فى غيبوبة وفاق منها فاقد الذاكرة ونسياها تمامًا ولا كأنها دخلت حياته 
كانت “قدر” تستمع بأندهاش شديد عن زوجها ومرضه النفسي بحبيبته لا تعلم أتفرح أن “غزل” عشيقته مجرد وهم ولم يخونها أبدًا مع امراة أخرى أم تحزن لكونه مريضًا نفسيًا، أى حياة تعيسة كانت تنتظرها بعد ظهور “يونس” فى حياتها، دلفت للغرفة الموجود بها وجلست جوارها وفكرة فقده للذاكرة أرعبتها هل سيفوق الآن فاقدها هى ولم يتذكر زواجهم رغم أيامه البائسة فأخذت يده فى يدها بلطف :- 
-يونس  
ربتت على يده بحنان وقالت:- 
-أنا مستنياك  
أتاها صوته بعبوس قائلًا:- 
-أنا قولتلك أنى مش هسيبك 
ضحكت رغم دموعها التى تساقطت على وجنتيها فقالت بحب:- 
-أحسنت، شاطر يا يونس، أنا قدر 
تبسم بعفوية وهو يحدق بها بلطف وقال:- 
-هو أنس قالك أيه بالظبط عشان تخافي كدة، أنا فاكرك يا قدر ومقدرش أنساكي 
رفعت يدها بلطف تجفف دموعها بأناملها النحيفة ثم قالت بعبوس:- 
-خوفتني عليك 
نظر إليها بدهشة ولم يكن مذهولًا كثيرًا فهو مُدرك تمامًا بأن “قدر” تعشقه وتكن الحُب له ليقول بحب:- 
-سلامتك من الخوف يا حبيبتى  
ظلت مُتشبثة بيده بضعف وكأنها هى الطير ذو الجناح المكسور وليس هو، بهذه اللحظة كانت “قدر” هى المُرتعبة أكثر منه، كادت أن تتحدث لكن أتاه صوت “غزل” من الخلف تقول مُقلدة له:- 
سلامتك من الخوف يا حبيبتى 
نظر إليها بصدمة ألجمته من وجودها أمامه لتتسلل يديه من قبضة “قدر” بخوف من أن تغضب “غزل” منه وتهجره، نظرت “قدر” إلى يدها الفارغة بعد ان أخذ يده منها ودمعت عينيها بيأس.... 
____ بعنــــــوان " لقـــــاء" ____

تنهد “يونس” بحيرة شديد وهو يراها أمامه ما زال لا يصدق بأن  هذه الفتاة مجرد وهم فى عقله، لا يصدق بأن كل هذا كابوس لا يعيش به سواه؟ بينما “قدر” كانت جالسة جواره تتابع نظراته الصامتة للأمام وشروده بعد أن جذب يده من يديها فجأةً وكأن لم يحدث شيء وما زال يرغب بوجود “غزل” فى حياته واستكمال الوهم دون أن يتوارى عن عقله المتصلب وقلبه الحجري.. 

_____________________ 

وصلت “فلك” لمنزلها ودخلت بعد تعب يوم طويل فى البحث عن عمل جديد، استقبلتها زوجة أخيها الأكبر “سحر” تخرج من المطبخ تحمل بيدها طبق من الفشار وفور رؤيتها إلى “فلك” قالت بشجن:- 

-حمد الله على السلامة يا فلتة 

نظرت “فلك” لها بضيق وحياتها تتحول للجحيم فور دخولها للمنزل بسبب زوجة أخاها التى تشبه الحية التى نشرت سمها بالمنزل بعد زواجها من “فارس” أخاها، أجابتها “فلك” بهدوء يطغي عليه البرود الشديد قائلة:- 

-الله يسلمك  

دلفت لغرفتها على الفور وبدلت ملابسها وجلست على المقعد أمام المرآة تضع المرطب على وجهها حتى فتح باب الغرفة ودلف “فارس” للغرفة ليحدق بأختها بأشمئزاز وقال بأختناق شديد:- 

-ساعتك كام يا هانم؟  

تنهدت بهدوء شديد وهى تعلم أن شجارهم على حافة البدء ثم قالت بضيق:- 

-11 يا فارس هتفرق معاك  

أقترب خطوة منها وهو يقول بضيق شديد من ردها الحاد عليه وقال بضيق:- 

-وهو فى بنت محترمة متربية ترجع بيتها الساعة 11  

تركت من يدها عبوة المرطب ثم وقفت من مكانها وقالت:- 

-أنا اكتر واحد عارف أنى محترمة ومتربية يا فارس لأنى تربيتك وتقريبًا دى الحسنة الوحيدة اللى عملتها فى حياتك أنك ربتنى صح  

أتاها صوت “سحر” من خلفه وهى تقف على باب الغرفة وتقول:- 

-هو خايف عليكى يا فلتة زمانك مش أكتر 

تأففت “فلك” بضيق شديد من تدخلها فى الحوار وحضورها لغرفتها ثم قالت بضيق:- 

-أنا بكلم فارس متدخلش ولو على تأخرى برا فأنا من الصبح بلف على رجلى بدور على شغل جديد بدل اللى سبته بسببك ولا ناسي أنى أطردت  من شغلى بسبب تفكيرك وسم مراتك اللى خلتك تشك أنى على علاقة بواحد  

صاح بها بأنفعال شديد وهو يقول:- 

-معلون الشغل  

تبسمت بسخرية شديدة على كلمته ونظرت إليه هو وزوجته ثم قالت:- 

-ومين هيصرف عليا ويتكلف بيا أنت ولا مراتك اللى بدفعنى نص مصاريف البيت مع أنى فرد واحد وأنتوا أتنين ومع ذلك مبعرضش وياترى مين هيدفع أقساط العربية وعلاج القلب بتاعى هتجبهولي ولا هتسبنى أموت أحسن، قبل ما تلعن الشغل وتعاتبنى شوف هتقدر تتكلف بيا ولا لا  

نظرت لهما الاثنين ثم قالت بخفوت:- 

-معتقدش أنك حمل مصاريفي يا فارس فشغلي خط أحمر وبعد أذنكم بقي أنا عايزة أنام 

تأفف “فارس” بضيق شديد ثم خرج من الغرفة، حدقت بها “سحر” ثم قالت وهى تمسك مقبض الباب بيدها:- 

-بما أنك فاكرة أوى كدة متنسيش أنك بكرة 5 فى الشهر وأنا صبرت عليكى 5 أيام أهو وعايزة مصروف البيت ما هو أخوكي شغله على قده مش هيقطع نفسه يعنى 

خرجت وأغلقت الباب لتجلس “فلك” على الفراش بحزن شديد وحياة التعيسة ملأ بالهموم لا تقل يومًا بل تزداد يومًا بعد يوم طالما تعيش مع هذه الحية مُنذ زواجها من أخيها من عامين وهى جعلت قلبه كالحجر على أخته الصغيرة بعد وفأة والديها وتركوها وحدها إليه أمانة خانها ولم يصنها أبدًا بسبب أختياره لهذه الحية شريكة حياته، دمعت عينيها بحزن شديد وشعرت بألم فى قلبها المريض لتفتح الدرج المجاور الموجود بالكمودينو وأخدت جرعة علاجتها وكانت الجرعة الأخيرة التى تملكها الآن فأستسلمت لهذه الحزن واليأس وألقت بجسدها على الفراش لتغرق بنومها العميق ربما تهرب من التفكير وقسوة الحاضر فى سبات نومها... 

____________________ 

“” فيلا يونس النور “” 

عقد يونس رابطة عنقه بأحكام وهو يقف أمام المرآة ثم خرج من غرفتها وهبط للأسفل وكانت “قدر” جالسة على السفرة تتناول الإفطار وبجوارها فنجان قهوتها ليقول:- 

-صباح الخير 

أجابته ببرود وعينيها لا تفارق الجهاز اللوحي “ التابلت” الخاص بها تتابع حالات مرضاها قائلة:- 

-صباح النور 

جلس “يونس” على المقعد المخصص له وبدأ فى تناول الطعام وهو يراقبها بعينيها وهى لا تكترث له ولا لوجوده فقال بأختناق من يبرودها وتجاهلها له:- 

-مرضاكي أهم منى لدرجة دى 

رفعت نظرها على الجهاز اللوحى بعد أن أغلقته وتركته على السفرة وقالت:- 

-بشوف جدولى النهار دا وهتأخر ولا لا، أنت هتتأخر 

أجابها وهو يمسح فمه بالمنشفة الصغيرة بعد  أن أنهى إفطاره قائلًا:- 

-معرفش لما تهتمي هتعرفي 

وقف بضيق شديد من برودها الذي يشبه جبل ثلجي واقفًا أمامه بل قلب ينبض أو يشعر وغادر المنزل لتتأفف “قدر” بضيق مما ألت إليه الأمور بينهما وحياتهما البائسة وهم لم يكمل شهرًا واحدًا فى زواجهما، صعد “يونس” إلى سيارته وأنطلق بها وهو يتصل بـ “أنس” فقال:- 

-فى الطريق يا أنس أهو  

أتاه صوت “أنس” بأختناق شديد من تأخر أخاها على موعد العمل ليقول:- 

-بسرعة يا يونس ولا ناسي أن ألنهار دا موعد الأنترفيو وأختيار المؤظفين  

أجابه “يونس” ببرود شديد قائلًا:- 

-حاضر على طول أهو    

___________________ 

وضعت “فلك” كارت الفيزا الخاص بها فى ماكينة السحب لكنها وجدتها تجاوزت الحد بعد أن خُصم قسط السيارة الشهرى منها فخرجت من فرع البنك بأختناق وحيرة شديد لا تعلم ماذا تفعل بشأن علاجها الذي يجب أن تشتريه اليوم؟ وزوجة أخاها التى تطلب مصروف البيت اليوم من أين ستعطيها أياه؟ صعدت لسيارتها بضيق شديد من هذه الأزمة وكل الفضل بها لـ “فارس” الذي تسبب فى فصلها من عملها، نظرت إلى خاتمها الذهبي الموجود بوسطها ودمعت عينيها بحزن شديد ثم أنطلقت لأقرب محل مجوهرات وقامت ببيع الخاتم ثم أنطلقت إلى أقرب صيدلية لتشترى علاجها وخرجت تجلس بسيارتها مكانها الوحيدة الذي تملكه وتفعل به ما تريد دون أى قيود وذهبت إلى أحد الشوارع الهادئة وأنفجرت باكية داخل سيارتها بحزن وكأن البكاء داخل منزلها وغرفتها مراقبة ولا ترغب بأظهار ضعفها أمام “سحر” وبعد نوبة طويلة من البكاء لمعت عينيها بدموعها الحارة على ورقة موجودة بأرضية السيارة أنحنت لتجلبها وكان بطاقة عمل “أنس” ترددت كثيرًا فى الذهاب لكن لا مجال سوى شركته الصغيرة، نظرت فى المرآة وجففت دموعها بالمناديل وهدأت من روعتها ثم أغلقت قبضتها بأحكام وهو تقول:- 

-أتشجعي يا فلك أزمة وهتعدي وأنتِ قدها 

ألقت بالعلاج فى المقعد المجاور دون أن تأخذ جرعتها من العلاج ثم أنطلقت بسيارتها بحماس ربما تنتهى أزمتها وتعود حياتها لهدوءها المعتاد.. 

_____________________ 

“شركة واى أي” 

أنهي “يونس” تقييم المتقدمين للعمل وأختر منها فريق العمل كاملًا وذهب إلى المكتب المجاور حيث مكتب “أنس” وقال وهو يضع الملف أمامه:- 

-أنا اخترت دول 

أومأ “أنس” له بنعم دوم مناقشة فأخاه جيد جدًا فى عمله على خلاف حياته الشخصية المليئة بالأزمات وقال بحماس:- 

-وأنا مش هراجع وراك، أتفقت معهم على العقود ولا لسه؟ 

أومأ “يونس” له بنعم وهو يخرج سيجارته من عبوتها وقداحته ثم وضعها بين شفتيه وأشعلها ثم قال:- 

-اه متقلقش من بكرة هيبدأوا شغل ممكن متستقبلش متقدمين تاني إحنا خلاص كدة  

تبسم ”أنس" بسعادة على ماهرة أخاه وقال:- 

-أنا متفائل بشركتنا وأنها هتبقي رقم واحد فى الدعاية والأعلان 

وقف “يونس” من مكانه بهدوء ولا أثر للحماس أو السعادة على وجهه وقال:- 

-أنا رايح أشرب قهوة فى الكافتيريا 

سار نحو الباب ليستوقفه سؤال ”أنس" بنبرة قلق وحيرة:- 

-قدر كويسة معاك؟ 

أجابه دون أن يستدير له ببرود شديد:- 

-بكرة لما تتجوز هتعرف لوحدك 

غادر المكتب بضيق شديد وهو ينفث دخان سيجارته بينما تطلع “انس” بقلق شديد على أخاه ومجرد وهم دمر الكثير من حياته وجعل حياته مع زوجته على حافة الأنهيار التام، وصلت “فلك” للبناية الموجود بها الشركة بالطابق السابع فتنهدت بتوتر شديد لكنها أصطنعت الشجاعة والصمود ودخلت المبنى مُتجهة إلى المصعد وضغطت على رقم سبعة وهى مُغمضة العينين بسبب كرهها للمصاعد حتى فُتح الباب وخرجت مُسرعة من هذا المصعد وكانت الشركة فارغة لا يوجد بها أحد حتى قابلها رجل الأمن يأتى من الخارج فقالت بحرج:- 

-ممكن أقابل أستاذ أنس 

وأعطته البطاقة التى حصلت عليها منه ليأخذها إلى مكتب “أنس” طرقت الباب الزجاجي بلطف ليرفع “أنس” رأسه نحو الباب فرأها تقف هناك ليبتسم بلطف وهو يشير إليها بأن تدخل، دلفت "فلك" إلى مكتب "أنس" بخطوات هادئة وعيون ثابتة على مكتبه المقابل للباب تحمل فى يدها ملف ورقي خاص ببياناتها الشخصية، تبسم "أنس" فور رؤيتها وهو يتذاكر ملامح وجهها جيدًا لتبتسم مثله وهى تجلس أمامه فقال بلطف:- 

-نورتي مكتبي المتواضع 

ارتبكت "فلك" قليلًا من لطفه الغير معتادة فى مقابلات العمل الرسمية الغليظة وقالت:- 

-قولت أجرب حظي 

-وأن شاء الله حظك يكون خير عندنا يا.. 

تنحنحت بتوتر شديد ثم قالت:- 

-فلك 

تبسم أكثر على جمال أسمها النارد فلم يقابله من قبل وقال:- 

-معاك شهادة أيه يا أنسة فلك؟ 

قالها بهدوء لتقدم له ملفها فتبسم بحيرة من قبولها أو رفضها وهذا الشيء يرجع لـ “يونس” فقط فأخذ منها الملف يتطلع به، عم الصمت الغرفة بينهم وفقط عينيها تراقبه وهو يقرأ بياناتها وبداخلها تتنمى ان تحصل على وظيفة هنا حتى تنهى أزمتها المالية، اندهاش "أنس" من خبراتها وشهاداتها ليقول بلطف:- 

-ما شاء الله أنتِ خريجة تجارة أنجلش  

أومأت إليه بنعم، تردد “أنس” كثيرًا قبل أن يلفظ بكلماته ثم قال بحماس شديد:- 

-دا العقد بتاعنا بصي عليه لحد ما أنادي على باشمهندس يونس  

أعطاها العقد ثم خرج من مكتبه متجه إلى الكافتيريا وكان “يونس” جالسًا هناك بصحبة فنجان قهوته الذي يعشقه فدومًا يرتشف قهوته وحده وكأنه عاشقًا إليها ولا يسمح لأحد بمشاركته عشقها وقال:- 

-يونس تعال 

رفع “يونس” عينيه إلى أخاه وكان الحماس يحتل ملامحه ونبرته الحادة تحولت للطف فقال بدهشة من هذا التغير:- 

-فى أيه؟ 

أخذه “أنس” من يده وسار معه إلى المكتب وهو يقول:- 

-معلش أنا عارف أن مينفعش أتخطي حدودى ولا أدخل فى سلطتك فى الشركة بس المرة دى أستثناء 

تطلع “يونس” بأخاه بدهشة ثم ألقي بسيجارته يطفأها وقال:- 

-فى أيه؟ 

-بنت بتقدم على شغل وأنا عايزها 

عقد “يونس” حاجبيه بأختناق شديد وهو يقول بحدة:- 

-بس أنا قولتلك أن فريق العمل جاهز 

وقف “أنس” أمامه بهدوء وقال:- 

-دى بس يا يونس ومتنساش أنى مدير الشركة دى  

وضع “يونس” يديه فى جيوب بنطلونه بغرور شديد ثم قال:- 

-لا منستش وعارف أنى مجرد شريك ب40% لكن أنا مبوظفش حد بالواسطة وما دام الهانم جاية بالواسطة تبقي فاشلة فة شغلها فشل كلي ومعتمدة على واسطتك أعتماد كلي وأنا مش هوظفيها من غير ما أقابلها، أنا فريق عملي كامل يا أنس 

كاد “أنس” أن يتحدث لكن قاطعه صوت “فلك” من الجهة الأخرى بعد أن سمعت حديثه وكلماته القاسية التى لا تمت لها بصلة تقول:- 

-وأنا مش عايزة أشتغل عندك لأانى مش فاشلة لدرجة تخلينى أجازف بمستقبلي وكل اللى بنيته فى حياتى المهنية عشان أقدم فى شركة لسه متعرفش هى هتنجح ولا هتفشل لكن بما أنك صاحبها أبشر أنها هتفشل 

ألتف “يونس” ليتطلع بهذه الفتاة التى تُحدثه بتحدي وشجاعة وصوتها كزقزقة العصفور الناعم الذي يتسرب داخلك رغمًا عنك وكانت فتاة جميلة جمالًا طبيعيًا خُلقت به، تملك عيني عسليتين وبشرة متوسطة البياض خالية من مساحيق التجميل وترتدي حجابها الأسود وبنطلون أسود فضفاض وقميص نسائي أحمر اللون وتحمل بيدها ورقها الذي قدمته لأنس من قليل، غادرت فور أنهاء كلماتها فتأفف “أنس” بضيق من أخاه وقال:- 

-يا رب تكون ارتاحت 

غادر “يونس” الشركة بضيق وهاتفه يدق برقم “قدر” فأجابها بهدوء قائلًا:- 

-نعم 

تنحنحت “قدر” بهدوء ثم قالت:- 

-ممكن نتغدا النهاردة سوا ولا عندك شغل 

وصل “يونس” أمام المصعد ليرى “فلك” هناك بأنتظار قدوم المصعد فوقف جوارها دون أن يكترث لها وقال:- 

-ماشي هعدي عليكى يا قدر، أنا خارج من الشركة دلوقت 

كانت “فلك” تحاول كبح حزنها ووجعها بعد أن فشلت فى الحصول على عمل وعادت لدوامة الصراع الموجود بحياتها فشعرت بأختناق شديد فى صدرها، فتح باب المصعد ودلفت أولًا ليدخل “يونس” وهو يُحدث زوجته بالهاتف، رفعت “فلك” كم قميصها خلسًا وهى تقف خلفه لتتطلع بساعة يدها وكانت نبضات قلبه تنخفض لتتذكر دوائها والجرعة التى لم تأخذها لتشعر بالخوف الشديد من أن تفقد وعيها بالشارع فأغمض عينيها بخوف وهى تتشبث بمعصمها وتمتمت بخفوت شديد:- 

-اهدئي يا فلك.. أهدئي وأستحملي ثواني 

سمع “يونس” تمتمتها التى لم يفهم فألتف إليها ليراها مُغمضة العينين وتتكأ على المصعد بضعف فعاد بنظره للأمام بينما يقول:- 

-لما قرب عليكى هكلمك يا حبيبتى 

أومأت “قدر” له بلطف ثم قالت:- 

-ماشي متتأخرش أنا حجزت المطعم اللى بتحبه 

أومأ إليها بنعم وأنهى مكالمتهم مع توقف المصعد ثم خرج تاركًا “فلك” بداخله لتخرج هى الأخرى مُسرعة بعد أن سقط من يدها ملفها الشخصية وأسرعت بخطواتها نحو سيارتها لتحاول فتحها فسقطت المفتاح من يدها أرضًا بسبب رؤيتها المشوشة، أنحنت قليلًا لتجلبه لكنها رأت يد تمسك مفتاحها وكان “يونس” تتطلع بوجهها الذي يتعرق بشدة ويديها التى ترتجف وقال:- 

-أنتِ كويسة؟ 

مدت يدها المرتجفة له كى يعطيها المفتاح، فتح لها باب السيارة لتجلس بها دون أن تهتم لأخذ المفتاح منه وأخذت جرعة علاجها سريعًا لتتنفس الصعداء بأرتياح وأغمض عينيها حتى تهدأ من روعتها وهو فقط يراقبها ولا يعلم شيء سوى كونها مريضة، ظل هكذا لدقائق معدودة ثم قالت بجدية:- 

-ممكن المفتاح؟ 

أعطاه لها لتغلق الباب وتنطلق دون أن تهتم لحالتها الصحية، خرج رجل الأمن المسئول عن المنبي ليعطيه الملف وهو يقول:- 

-الملف دا وقع من جنابك 

أخذه “يونس” وتتطلع بصورتها وأسمها “فلك” ليأخذه منه وأنطلق خلفها بسيارته كى يعطيها الملف،  رأي سيارتها أمامها وهى تسير بأنتظام فضغط على بواق السيارة كى ينبهها بوجوده خلفها، شعرت “فلك” بتعب شديد يزيد وأختناق فى صدرها قوي حتى أنه جعل تنفسها يصعب أكثر وكأنها على وشك الأختناق فبدأت رؤيتها تشوش أكثر وأكثر وبدون إدراك زادت من سرعة سيارتها مما جعل “يونس” يعتقد بأنها لا ترغب بالتحدث إليه فزاد من سرعته هو الأخر، كاد أن تفقد وعيها وهى لا تشعر بشيء سوى ألم صدرها لتترك المقودة وتضع يديها على صدرها ولا تتحمل ألمه والغصات المصحبة بداخله مما جعل قيادتها غير متزانة ليسرع “يونس” وهو يتخطي سيارتها فرأها من النافذة ورأسها تسقط على المقودة فاقدة للوعيليسرع بسيارته ويقف أمامها لتصطدم بسيارته وتتوقف السيارة، جرحت جبينه من الأصطدام لكنه تجاهل هذا وترجل من السيارة مُسرعة وفتح باب سيارتها ليسقط جسدها فتشبث بها “يونس” فسقطت بين ذراعيه، أخذها للمستشفي الأقرب وكان هاتفه بالسيارة لم يتوقف عن الرنين من زوجته التى أوشكت على نفاد صبرها عليه، فحصها الطبيب و”يونس” يراقبه فى صمت فقال الطبيب:- 

-بقالك كام يوم قاطعه العلاج 

أجابته “فلك” بتردد من أخباره بأهمالها فى علاجها رغم معرفتها بحالتها قائلة:- 

-بقالي أسبوعين مش منتظمة عليه يعنى بيأخده لما اتعب بس 

تطلع الطبيب بها وكان رجل فى عمر والدها المتوفي وقال:- 

-ومن أمتى مرضي القلب بيهمله علاجهم، أنتِ عارفة كويس أننا بنأخد علاجنا عشان منضطرش للتداخل الجراحي 

أومأت إليه بنعم وقالت:- 

-أنا أسفة 

ألتف “يونس” إليها بدهشة وهى تعتذر للطبيب رغم ان الأحق بهذا الأعتذار قلبها المرضي الذي تهمله وكانت عينيها دامعة بضعف، أهذا الضعف هو جعل اخاه الأكبر يرغب بها ويريدها ليكون قوتها، أجابها الطبيب قائلًا:- 

-أعتذارى لنفسك لأنك أهملتيها يا بنتى وأنتِ لسه شابة وصغيرة صدقنى تداخل جراحي أصعب بكثير من جرعة علاج بتأخديها  

أومأت إليه بنعم ثم غادر الطبيب، ترجلت “فلك” من الفراش بتعب لكنها تقاوم فهى خٌلقت لتعافر وتقاوم الحياة والمرضي فرغم امتلكها أخ أكبر لكنها وحيدة بهذا العالم، ولا يجب أن تتكأ على أحد سواها، خرجت من المستشفي وهو يسير خلفها لترى سيارته التي صدمتها وألتف إليه بحرج ثم قالت:- 

-أنا أسفة، أنا مستعدة أدفعلك تمن تصليح العربية والمبلغ اللى دفعته فى المستشفي بس فى الحقيقة مش دلوقت  

نزعت قلادتها بعيني دامعة ثم قالت:- 

-ممكن تخلي السلسلة دى معاك فترة بس متبعهاش لأنها أخر حاجة من والدتي رحمها الله ولما أدفعلك المبلغ ترجعهالي 

تتطلع “يونس” بقلادتها وكم هى عزيزة عليها لكنها تعطياها له الآن مما يعنى أن حالتها المادية فى أسوا حالة ليأخذها “يونس” وهو يقول:- 

-مش هيبعها  

ذهب “يونس” ويده تعانق قلادتها بقوة وهو لا يعلم لما أخذها وهو يملك المال الكافي لتصليح سيارته لكنه أخذها بصدر رحب وصعد لسيارته وفور أنطلاقه ظهرت “غزل” بالمقعد المجاور وهى تقول:- 

-عجبتك؟ 

نظر “يونس” إليها بدهشة من غيابها كل هذه المدة وقال:- 

-كنتِ فين كل دا؟ وجاية تعاتبني وتحاسبنى انا حر فى تصرفاتي يا غزل 

صاحت “غزل” بغضب شديد قائلة:- 

-لا أنت مش حر يا يونس، وأنت عمرك ما هتكون لحد غيرى ولا قدر ولا أى أنثي على وجه الأرض 

تبسم “يونس” بسخرية شديدة ثم قال:- 

-دا بأمارة أيه؟ أنك بتختفى وتغيبنى عنى بمزاجك وعايزانى أفضل قاعد هنا مستنيكي دا أنا بدأت أشك أنك بتحبنى أصلًا 

ألتفت “غزل” إليه بضيق شديد وهى تقول:- 

-أنا بحبك وأنت عارف كدة كويس 

نظر “يونس” إليها بغرور شديد وقال:- 

-لا مش عارف  

تبسمت “غزل” بدلال شديد وهى تنظر إليه ثم قالت:- 

-لا عارف يا يونس، عارف أنى بحبك زى ما أنت عارف أنك عمرك ما هتكون لحد غيرى 

تبسم “يونس” بسخرية غاضبًا منها بسبب أختفائها كل هذه الفترة عنه وقال ببرود شديد يثير غضبها كما فعلت به:- 

-بأمارة أنى رايح أتعشي مع قدر دلوقت مش كدة 

أستشاطت “غزل” غيظًا وغضبًا من حديثه وكأن غرضه من هذه الجملة نجح وقد أثار غضبها وجعلها تلتهب كالجمر كما تفعل به لتقول:- 

-بعينيك يا يونس تروح لها... 

كانت “قدر” جالسة بمكتبها فى المستشفي غاضبة من تأخره عنها وقد تحول الغداء لعشاء وهو لم يأتي بعد وكلما حاولت إصلاح حياتها يدمرها “يونس” بتصرفاته، نظرت لساعتها وكانت العاشرة مساءًا بعد أن كان أتفقاهما على اللقاء فى الرابعة عصرًا لتمع عينيها بحزن وهو من تنازلت عن غرورها وكبرياء الأنثي الموجود بداخلها لأجله لتجمع أغراضها وتعود لمنزلها حزينة وغاضبة  كبركان ملتهب بداخلها، لم تجد له أثر فى المنزل لتدرك شيء واحدًا أن زوجها العزيز بكل تأكيد بصحبة مرأة أخرى فهذه عاداته ولن يغيرها أبدًا ولن تنحج فى إصلاح حاله نهائي فنجاسته تغلبه دومًا فحسمت أمرها بالرحيل عنه فقد فاض بها كل شيء ولن تتحمل أكثر من ذلك، بدأت “قدر” فى جمع ملابسها وأغراضها فى حقيبة السفر من أجل المغادرة وبعد أن أنتهت كتبت له ورقة بكلمة واحدة ووضعتها على المرآة لتغادر قبل أن يأتى وكانت الساعة الثانية عشر منتصف الليل، عاد “يونس” بعد مغادرتها وهو على يقين بأنها غاضبة منه وستشاجره لكنه وجد ما لا يصدق ولم يتوقعه أبدًا من “قدر” تلك الفتاة التى تعشقه بجنونه وتدرك تمامًا كم هو يعشقها حتى فى تجاهله لها، كلمة واحدة منها صعقته وظل يتطلع بالمرآة كثيرة يقرأ كلمتها اكثر من عشرة مرات (طلقني)….... 
 
تعليقات



<>