
رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض بقلم صفاء حسني
رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض الفصل الرابع والثلاثون34 بقلم صفاء حسني
عم الصمت بعد الوقت، ثم نظرت له رحمة وسألته: "لكن أنا لمّا فوقت، كانت هدومي مقطعة."
تنهد طاهر: "عشان وقتها زي ما قلت لك في المستشفى، كان بابا وعمي نامق عاملين كمين للمجرم اللي هرب من السجن عشان ينتقم منك. وقتها لحقك وكان بيطاردك وسحبك من هدومك فاتقطعت، وبعد كده أنتِ اتكعبلتِ في حفرة. المهم اللي عايز أقوله لك، إحنا متعلقين في بعض من زمان، وأنا حبيتكِ بجد، وعايز نبدأ حياة جديدة معاكِ، ومش هرجع من هنا إلا وأنتِ مراتي، وتوافقي تبقي جزء من حياتي."
نظرت له رحمة، ومكنتش عارفة تقول إيه، لكن بدأت تعطس بسبب الهواء، وتشعر إن جسمها بيترعش. خاف عليها جدًا طاهر.
قلت لكِ غيري هدومك، رفضتِ! أهه، بردك جاب فوطة كبيرة وبدأ ينشف شعرها ومسك إيديها. تعالي أسندك تدخلي تغيري هدومك."
قامت معه رحمة، لكن كانت بتترعش، عشان نست نفسها فعلًا وهي في بلاد أجنبية، والجو بارد جدًا، غير إن طاهر نسي يفتح التكييف، فشعرت بالتيبس في جسمها وإنها متجمدة.
حملها طاهر وهو زعلان من نفسه: "إزاي نسيت أفتح الدافي؟ كنت لازم أنتبه وأجبرك تلبسي!"
لكن فوجئ إن الدافي عطلانة.
كانت رحمة بسبب الصقيع بتترعش. بدأ يخلع ملابسها، لكن هي بتنتفض، لبسها كذا حاجة وغطاها ببطانية، لكن مفيش فايدة.
خرج من الغرفة ونادى أحد من العاملين في المكان: "لا يوجد أحد هنا؟ لماذا الدافي لا تعمل؟"
رد العامل: "نعتذر، سوف يأتي الصيانة غدًا. وأنا كنت بشرح لك إن لا يوجد غير هذه الغرفة وقت ما أتيت تحجز، ووقتها وافقت."
تذكر طاهر، ثم قال: "زوجتي جسدها يترعش جدًا، احتاج إلى بطاطين كثيرة أو صوبيا يدوي للتدفئة."
هز رأسه الرجل: "سوف أبحث لك، لكن أجمل تدفئة لك ولزوجتك هذا الحل."
وأعطاه زجاجة خمر وقال: "اشرب من هذا أنت وزوجتك، وخذا هذا المشمع، حوط السرير بيه، ودفئها بجسدك، والحرارة اللي سوف تخرج منك بسبب المشروب سوف تدفي."
قال له: "لكن أنا مسلم، وهذا المشروب حرام لي."
ابتسم العامل: "القليل علاج يا فندم، وأنت في بلدي أوروبا، الجميع يستخدمه للتدفئة ويشرب القليل."
مكنش في حل إلا يوافق، وفعلًا أخذ الزجاجة وكأس، وأيضًا مشمع كبير، وبدأ يحوط بيها السرير من كل مكان عازل. ثم أعطاها كأس من هذا المشروب.
بدأت تكح ولم تستسغه، ولكن هو قال لها: "معلش، اغصبي على نفسك عشان تحسي بالدفي."
بعد ما شربت بدأت تشعر بالدفي، وتنظر له وتتحدث بكلام يعبر عن مشاعرها: "أنت شكلك حلو النهارده، صح؟ بس أنت حلو على طول." وخلعت منه النظارة ولبستها هي: "شكلي حلو زيك."
ضحك طاهر: "قمر، بس نامي وادفي."
مسكت في رحمة: "عايزة ادفي في حضنك. أنت عارف من موت بابا، مات وأنا معرفش يعني إيه الحضن. كنت بسمع البنات وهي بتحكي إنها في حضن أبوها بتكون ملكة، لكن كنت مفتقدة حتى الأخ كمان. يعني قلب محظوظ اللي أخوها، أكيد لما بتكون بتترمي في حضنه ده..." ونزلت دموعها. "خايفة أدلع عليه أخسره، محتاجة أوي أهه. عارفة إني بفضل أتمسخر عليك على كلمة بحبك، لكن بفرح لما بتقولها ليا، بحس إني سعيدة، لكن بخاف لكون بحلم فبفوق نفسي على طول."
"إنتي خطفتي قلبي يا رحمة، من أول نظرة." قالها طاهر وهو بيلعب في خصلات شعرها المبلولة.
ابتسمت رحمة بكسوف، ودفنت وشها في حضنه: "وإنتَ... إنتَ نور عيني يا طاهر."
رفع طاهر دقنها بالراحة، وخلاها تبص في عينيه: "أقسم لكِ يا حبيبتي، مش هسمح لأي حاجة في الدنيا دي تفرقنا. الماضي راح لحاله، والمستقبل بتاعنا لوحدنا."
رحمة حست بالأمان في حضنه، كأنها لاقت حضنها الدافي بعد سنين من الخوف والوحدة. رفعت إيديها ولمست وشه بحنية: "أنا واثقة فيك يا طاهر. واثقة في حبك."
طاهر انحنى عشان يبوسها بوسة خفيفة، وبعدين البوسة زادت شوية شوية، وبقت تعبر عن كل المشاعر اللي مالية قلوبهم. الشوق والحب واللوعة كانوا بيرقصوا حواليهم، في لحظة ساحرة مش ممكن تتوصف بالكلام.
طاهر بعد شوية، وهو بياخد نفسه بالعافية: "إنتي فتنة يا رحمة. فتنة مش قادر أقاومها."
رحمة ضحكت بدلع، وغزت له: "حاول تقاوم شوية يا حبيبي. لسه ورانا حاجات كتير نعملها النهاردة."
طاهر شالها بين إيديه، وهو بيضحك بفرحة: "أنتِ تأمري يا أميرتي. نروح فين دلوقتي؟"
"نروح دنيتنا الخاصة يا حبيبي. دنيا مفيش فيها غير الحب والفرح."
طاهر شالها وراح بيها على السرير، وبصوا لبعض نظرات مليانة حب وشوق، وبعدين غرقوا في عالم من الأحلام الوردية، مفيش فيه مكان للخوف ولا الحزن. كانوا روحين متوحدين، وجسمين قريبين من بعض، في قصة حب أبدية.
دخل جانبها وجلس بجوار منها وضمها: "أنا جانبك وعمري ما أسيبك. أنا خايف ل أنتِ اللي تسيبيني في يوم ما تعرفي إن أبويا هو السبب من حرمانك من أبوكِ."
نظرت له رحمة وهي تبتسم: "هات تاني من الدوا، وخدي أنت كمان يعجبك عشان تدفي، عشان أقولك على سر."
ابتسم طاهر: "حاضر، بس حبة صغيرين عشان للدفي وبس."
وفعلًا وضع لها كوب صغير وهو كمان، لكن المشروب كان مركز، بدأ يشعرهم بالفعل بالحرارة.
ابتسمت رحمة: "طعمه حلو، صح؟ بس أنا لسه صقعانة."
سألها طاهر وقال: "طيب قولي السر اللي كنت عايزة تقوليه، وأنا عندي الحل."
ابتسمت رحمة: "إني بحبك أوي من أول يوم ما شوفتك، وأنا سرحت في جمالك، كل ما أشوفك قلبي يدق جامد أوي، أول ما تقرب مني بم بم زي كده دلوقتي."
ابتسم طاهر: "طيب تعالي ادفيك."
وبدأ يخلع ملابسها، لحد ما أصبحت بدون ملابس، وهو أيضًا خلع ملابسه، وجعل جسده يدفي جسدها، وكان يضمها ويحتويها لكي تدفي.
ونظرت عيونهم لبعض، لم يستطيعا التحكم، ولم يقم من جوارها، وبدأ معها حياة جديدة مليئة بالحب، وهي أيضًا كانت تبادله الحب. وسكتت شهرزاد عن الكلام.
في الصباح، دق الباب. فتح عيونه طاهر، وأيضًا رحمة انصدمت لما شافت طاهر كده، وبعد كده هي كانت أيضًا. كانت هتصرخ، كتم بقها: "أوعى تفضحيني بالله عليكِ!" وافتكرت كل حاجة.
شعرت رحمة بالصداع ووضعت إيدها على راسها: "أنت شربتني إيه؟ أكيد حاجة صفر عشان تاخد اللي أنت عايزه."
ضحك طاهر: "والله؟ يعني عايزة تفهميني إنك مكنتيش في وعيك وأنتِ بتحبيني إمبارح؟"
هزت راسها رحمة بالنفي: "أحبك أنت ليه يعني؟ أنت أخدتني غصب، بس أقول إيه، زي ابن عمك عمل كده مع مراته."
نفخ طاهر: "يا مثبت العقل والدين يارب، مترجعها زي إمبارح وهي رقيقة وحنين كده."
غطت نفسها رحمة بالبطانية وهي بتخبي جسمها: "قوم من جنبي يلا."
هز رأسه طاهر: "حاضر يا قلبي."
نفخت رحمة: "يعني هتقوم وتسيبني؟"
ابتسم طاهر: "مش أنتِ اللي طلبتِ يا قلبي؟"
هزت راسها رحمة بالنفي: "لا مقولتش كده. أنت صدقت غفلتني وأخدت اللي عايزه وهتسيبني خلاص؟"
اقترب منها: "أقسم بالله العظيم بحبك وبعشقك بجنون، وأكتب لك تعهد إني مش هسيبك أبدًا، وأنتِ كمان تعملي كده."
هزت راسها رحمة وضمته، وعاشوا لحظات أخرى من الحب مرة أخرى، وترك الباب.
....
في الخارج، كان عامل الفندق يقول: "يوجد عطل في هذه الغرفة، طلب صاحب الغرفة."
سأله الآخر: "لكن أنا رأيتك وأنت تعطيهم صوبيا يدوي."
ابتسم: "نعم، بحثت عنها وأعطيتهم إياه، وبعض الخشب. وابتسم، أعطيتهم المشروب السحري الذي جعلهم جسد واحد."
ابتسم العامل: "أنت فظيع! أنت عندما تجد اثنين حبيبة أتوا مع بعض، تفعل هذه الحركة، تخرب الدافي وتعطيهم المشروب السحري والمشمع."
ابتسم العامل: "لأني أعشق الحب، ورأيت في عيونهم الحب لبعض، لكن بينكروا الحب ده، فالمشروب السحري يجعل الحبيبين كيان واحد، لا يشعروا بالبرودة أو أي عامل خارجي. أجهز لهم سفرة فخمة، لأنهم سوف يقوموا بعد ساعات، والحب ينتشر في الجو، ومش بعيد يقضوا شهر العسل هنا."
ابتسم العامل الآخر: "هذا هو ما تريده. لذلك جعلت هذه الغرفة ل كل حبيبين لكي يقضوا وقت كبير معًا، ويأتوا كل عام وهم يتذكروا أول يوم كانوا مع بعض جسد واحد، ويأتوا لكي يجددوا حبهم."
شغل العامل موسيقى لفيروز على أغنية وقال: "هذه تعبر عن حبهم، وعندما يستيقظوا سوف تكون الأغنية المفضلة لهم."
مر الوقت، وقام الحبيبان بالفعل وهما روح وجسد واحد، وبدأت ترتدي رحمة ملابسها وهي تشعر بالخجل، وكان طاهر ينظر لها وهو سعيد إن أخيرًا أصبحوا كيان واحد، لكن ما يخفيه هو معرفة السر، ولكنه أراد أن يكتم هذا السر ويموت مع الأموات، وقطع الورقة ورماها في النار الصوبية تحترق.
بعد أن ارتدى ملابسه وفتح الباب، ابتسم العامل وقال: "صباح الحب أخي العزيز، الطعام في الحديقة ومعه أغنية إهداء مني لكم."
ابتسم طاهر وأعطاه مال: "شكرًا لك كثيرًا."
كانت جهزت رحمة ولفت الحجاب، وحجاب آخر على كتفها، وخرجت ووجهها يشع نورًا وحبًا وأمانًا. ابتسم لهم العامل واتجهوا إلى المكان، واستمعوا إلى الأغنية وهما يتناولان الطعام والقهوة الساخنة.
يا شقيقَ الروحِ من جسدي
أهوىً بِي مِنك أمْ ألَمُ
أيُّها الظبيُ الذي شَرَدا
تركَتْني مُقلتاك سُدى
زَعَموا أنّي أراكَ غَدا
وأظنّ الموتَ دُونَ غَدي
أين منّي اليومَ ما زَعَموا
أُدْنُ شيئاً أيّها القمرُ
كاد يَمحو نوركَ الخَفَرُ
أدَلالٌ ذاكَ أمْ حَذَرُ
يا نسيمَ الروحِ من بلدي
خَبّرْ، الأحبابُ كيفَ هُمُ
وكانت تغني مع فيروز.
مسك إيديها طاهر وبحب: "أنا سعيد إن بقينا كيان واحد وهنفضل كده طول العمر."
ابتسمت رحمة: "بلاش كلمة كيان ل تلاقيها جات وبتقولك نعم يا عموا طاهر."
ضحك طاهر: "فعلًا والله تعملها." قطع حديثهم اتصال كيان. نظر إلى الهاتف وفتح الفيديو: "مش معقول أنتِ بتيجي على السيرة يا بنتي."
ابتسمت كيان ببراءة: "هترجعوا إمتى؟ أنت وحشتني وميس رحمة."
ابتسمت رحمة ورمت قبلة على الهواء: "وأنتِ أكتر يا كيان. وكنان عامل إيه؟"
ظهر كنان: "أنا شاطر زي أبلة حنين وبسمع كلامها. أهه معاكي."
ظهرت حنين وهي تبتسم وشافت فرحتهم والمكان: "يعيني يعيني، يعني مش اللي معطلكم تعب ماما، لا ده شهر العسل."
نظرت لها رحمة بغيظ: "بطلي رخامة يا حنين، ممكن؟"
ضحكت حنين: "أقسم بالله وحشتيني. وكمان حماتك عايزة تكلمك، وكمان أخت زوجك بقيت رسمي خلاص صح؟" وغمزت لها.
ابتسمت رحمة بخجل.
أخذت الهاتف فريدة، وعندما شافت الحب والسعادة والمكان اللي هما فيه: "بركة ليهم، ألف مبروك يا حبايبي، ترجعوا بالسلامة." وأيضًا قلب وبعد معاكسات من قلب. وحنين أخذ طاهر التليفون وطلب أمه يتكلم معها. وبعد شوية وقال: "أنا عرفت السر كله، عمي نامق بلغني، وبفكر نقفل الماضي."
بلعت ريقها: "لكن نوال لما هترجع هتشوفني وهتفتكر."
هز رأسه بالنفي: "هي أعقل من كده، ومش هتخلي الماضي يعكنن على سعادة بناتها، وأنا هكلمها ووعد الموضوع ده سر ما بينا."
قطع حديثهم قرب رحمة وسألته: "موضوع إيه يا طاهر؟ في حاجة حصلت؟"
وضع يده على كتفها وضمها: "كنت بحضر لكِ مفاجأة ومش عايز حد يعرفها."
ابتسمت فريدة: "بإذن الله كل طلباتك هتكون جاهزة." رامي قبلة على الهواء لأمه وأغلق الهاتف.
"الواحد مش قادر يشبع منك."
ضحكت رحمة وقالت: "الأيام جاية كتير، بس لازم نروح عند ماما."
تنهد وقال: "أمري لله."
وفعلًا دفع الحساب وأخذ الشنطة وراح على المستشفى، وأول ما دخل على غرفة نوال سمعتها رحمة بتقول: "أنا افتكرت اللي حصل."
عند دخول طاهر على والدة رحمة، كان قلبه بيدق بسرعة، كأن روحه محبوسة بين الضلوع.
سمع صوت رحمة وهي بتقول بصوت مرتجف:
ـ "أنا افتكرت الوقعة دي كانت من إيه."
كان يشعر طاهر بخوف عجيب، خوف مش عادي، لكن حاول يكتمه جواه ويظهر ثابت قدامهم.
اقتربت رحمة من أمها بابتسامة باهتة وهي بتحاول تخفي قلقها:
ـ "كانت من إيه يا ماما؟"
تنهدت نوال بعمق، وكأنها رجعت فجأة تعيش اللحظة من أول وجديد. لمعت عينيها بدموع، وارتجفت شفايفها وهي بتحكي:
ـ "هقولك… أنا كنت مع أبوكي بنشتري طلبات، وكنت سايبك إنتي وأختك عند الجيران.
ونزلنا… وإحنا راجعين نعدي المزلقان… فجأة عربية كانت جاية بسرعة. وقتها صرخت: حاسب يا عبدالله…
سحبته بسرعة، ووقعنا الاتنين على حديد المزلقان. اتخبطت جامد… ونزفت كتير قوي. أبوكي شالني وجرى بيا على المستشفى."
نزلت دموع نوال وهي بتكمل، وصوتها كان متهدج:
ـ "وهناك…"
قطعها طاهر بصوت قلق، عينيه متعلقة بكل كلمة:
ـ "حصل إيه؟"
تنهدت نوال بحرقة:
ـ "جاله هبوط فجأة واغمى عليه… وعلى ما بدأوا يعملوا إسعافات… القلب وقف. ومات وقتها… فوقت أنا على خبر موته، وانصدمت."
اتسعت عيون طاهر، وصوته كان مشوش بمزيج من الحيرة والخوف:
ـ "القلب وقف من إيه؟ يعني هو مكنش مصدوم معاكي؟ ولا العربية طيرتكوا إنتي وهو؟"
هزت نوال راسها بإصرار وهي تمسح دموعها:
ـ "لا طبعًا، مين اللي قالك الكلام ده؟ أنا اللي سحبته بسرعة جدًا، ووقعنا في قضيب الحديد… والعربية عدت بعدنا على طول.
أنا اللي أغمى عليا… مش جوزي. لكن هو… كان عنده مشكلة في القلب، ثقب وهو مكنش يعرف.
ولما اتفزع عليا… ومع الخوف… قلبه وقف."
في اللحظة دي، حس طاهر بنبض قلبه بيرجع لحياته. ابتسم بفرحة كأنه اتحرر من كابوس:
ـ "يعني… أبويا بريء من قتل أبوكي يا رحمة!"
قبل ما رحمة تستوعب، دخل نامق.
كان طاهر مبتسم، ملامحه كلها أمل وهو بيقول بصوت عالي:
ـ "أبوي طلع بريء يا عمي… ومقتلش حد."
لكن نظرات رحمة كانت مليانة استغراب، وصوتها مهزوز:
ـ "مش فاهمة… إيه علاقة موت بابا بولدك؟"
تنهد طاهر ببطء، حس إنه لازم يفتح الورق المدفون من سنين:
ـ "بابا… هو الرجل اللي كان سايق العربية اليوم ده. كان راجع من الشغل تعبان جدًا، سهران ومطبق. دخل في شوارع غريبة وتاه، وهو بيحاول يخرج… فجأة لقى رجل قدامه، واتصدم. ومات… صح يا عم نامق؟ الحكاية كده؟"
تنهد نامق وعينيه غرقانة ندم:
ـ "فعلاً… هو خاف وقتها. بعد بالعربية ووقف عاجز، مش عارف يعمل إيه من الفزع. الناس اتلمت، وهو رجع البيت وهو مرعوب. وتاني يوم عرف إن الراجل مات. بس إنت عرفت إزاي؟"
تنهد طاهر بمرارة:
ـ "من الجواب اللي كنت كاتبه قبل العملية."
رحمة كانت في حالة ذهول، قلبها بيخبط في صدرها بقوة. صوتها ارتجف وهي بتقرب من طاهر:
ـ "يعني إنت كنت عارف إن احتمال أبوي يكون اتقتل على إيد أبوك… وتقربت مني عادي؟! القرب ده إيه حضرتك؟ اسمه إيه؟ شفقة؟ ولا تمثيلة؟ عشان لما ماما تفتكر تكون إنت في الأمان… وبقيت مراتك حلالك؟"
ارتبك طاهر، دافع عن نفسه بحرقة:
ـ "أقسم بالله ما ده كان قصدي… يمكن خوفت تضيع مني… بس كنت فعلًا عاوزك… كنا لازم نبقى شخص واحد."
لكن رحمة قطعته بحدة، ودموعها نازلة بحرقة:
ـ "لما نرجع… طلقني يا طاهر. نرجع أنا وماما وأختي على بيتنا. خلاص… طلع أبوك بريء من دم أبويا. عشان كده حاول يديني تعويض، ومامتك زمان جابت فلوس كتيرة. بس ماما رفضت.
وبعدها بسنة… جت تاني، عرضت على أمي تتجوز جوزها! وقتها ضحكنا… قولنا عليها مجنونة. وطلع جوزها ضميره وجعه… فحب يربي أولاد الشخص اللي اتقتل
الفصل الخامس والثلاثون من هنا لقراءة باقي الفصول اضغط هنا