رواية حرب سقطت راءها الفصل الثاني والعشرون22والثالث والعشرون23 بقلم نور زيزو

رواية حرب سقطت راءها الفصل الثاني والعشرون والثالث والعشرون بقلم نور زيزو
بعنـــوان " قلوب الرجـــــــال  "

فى غرفة الصالون والجو الذي تعكر صفوه بوصول "جلال" وتحولت ليلة عقد القران الهادئة بمشاعرها الرومانسية الناعمة وسط جو أسري جميلة إلى ليلة مشحومة بالكثير من الغضب والكره والاشمئزاز ، كان "جلال" جالسًا على المقعد وأمامه "فتحى" و"هادي" والدي "ليان" أحدهما بالتبني والأخر الأب البيولوجي ، يحدقان فى هذه الرجل الذي يحمل ملامح مرعبة وشخصية الأجرام والعنف تبث من عينيه وحدته، رجاله بالخارج يحاصرون المبني بأسلحتهم وخلف مقعده "كريم" مساعده الأول، حملق "الجارحي" بحدة بينما يجلس وحده بمنتصف الأريكة ويضع قدم على الآخرى بغرور وقوة تبث من هيئته توحي بجبروته ومكانته القوة وسلطته على هذه العائلة ، رغم وجود والده وعمه وأخاه الأكبر، ورغم كونه الرجل الأصغر في العائلة لكنه بماله وسلطته وعمله أصبح يملك لقب كبير العائلة رغم أنف الجميع ، تحدث "هادى" بحدة صارمة:-
_ أنت بقى المجرم اللى بنتي عايزة تتجوزه ، حثالة زيك يتجرأ يطلب أيد بنتي

لم يتمالك "كريم" أعصابه وهو يسمع إهانة رئيسه فوضع يده على مسدسه الموجود فى حزام الأمان بخصره وقبل أن يسحب المسدس أوقفه "الجارحي" وهو يرتشف رشفة من كوب الشاى وينزل الكوب على الطبق فى يده بجدية صارمة:-
_ لو أتسحب هتكون رصاصته فى دماغك

نظر الجميع إليه وأولهم "جلال" ليرفع "الجارحي" رأسه نحو "كريم" بتهديد واضح ثم قال:-
_ مش معنى أنكم شوية مجرمين يبقي ينفع تكونوا خصم للجميع، فوق لنفسك أنت واللى مشغلك وشوف أنت واقف على أرض مين ؟ أنا الجارحي أبو النور ، لا أنت ولا بلدك ولا حتى جيشك يجرأ أنه يتنفس على أرضي بدون أذن مني

مسك "جلال" يد "كريم" المُمسكة بالسلاح وقال بهدوء وعينيه ترمق "الجارحي" بحزم وقال:-
_ هدأي أعصابك يا كريم ، إحنا هنا عشان نأخد عروستي مش فى خناقة

قهقه "الجارحي" بسخرية ثم قال بمكر:-
_ أوعي تفكر الدخلة اللى دخلت بيها علينا دى هتهددنا، أنت متقدرش تتجوزها غير بأذن منى أنا، ولا هي تقدر تتجوزك غير بموافقتي 

تنحنح "هادي" بحرج من حديث "الجارحي" الذي لغى وجوده تمامًا وأعطي كل الصلاحيات لنفسه فقط، حتى زواج أبنته هو من يقرر الموافقة به، نظر "الجارحى" إلى "هادى" بعد أن سمع صوت نحنحته الخافتة وقال:-
_ جلال الصياد أكبر قاتل مأجور فى الشرق الأوسط مش بس مصر، بيتأجر فى كل أنواع التجارة الغير مشروع ومهما كانت، بيدور أكبر عصابة مجرمين فى الشرق الأوسط ولو عايز تعرف أكثر عن الكوارث والجرائم اللى عملها فى حياته أجبهالك ولو قابل تجوزه بنتك شيء يرجع ليكم يا عمي أنت وأستاذ فتحى 

وقف من مكانه يغادر هذا المجلس فرأى "ليان" تجلس على المقعد بجوار السفرة وبجوارها "قُدس" تقف ماسكة بيدها من التوتر وتراقب الوضع عن كثب، تحدث "الجارحي" بنبرة خافتة:-
_ تعالى يا قُدس

تركت يد "ليان" وأقتربت منه بخطوات بطيئة حتى وصلت أمامه، مسح على رأسها بحنان وعينيه تراقب نظرات عينيها الدافئة رغم حملها للكثير من الحديث والأسئلة وقلقها على أختها لكنها ما زالت طفلته البريئة وعينيها الخضراء تسحره حتى النخاع، فقط هذه الطفلة وحدها التى تسلبه عقله وحكمته وتجعله يخضع إليها  دون جدال أو معاناة فى المحاولة معه لطالما كان مستسلمًا لرغباتها وأمانيها ، تبسم "الجارحي" بلطف لأجل صغيرته وقال :-
_ يلا عشان تطلعي ترتاحي

أنحنى قليلًا ثم حملها على ذراعيه أمام الجميع دون أن يخاف شيء أو يسحرج من وجود العائلة، دلاله إليه وحنانه ليس لهما مكان أو توقيت ، بل هما حقها فى كل مكان وكل وقت ، لقد خُاقت جميلته حتى تُدلل ، غادر الشقة بصغيرته إلى الأعلى وعينيه تراقب "هدير" التى تجلس فى الحديقة مع "مصطفى" تبتسم بسعادة وسط حديثهما الدافئ  بعد أن جمع بينهما القدر، تبسم بخفة وصعد بقية الدرج مع "قُدس" التى أرخت رأسها بخمول وضعف على كتفه وذراعيها تلف حول عنقه الناعم ، قالت بخفة :-
_ شكرًا

سمع كلمتها الناعمة بصوتها المبحوح، فتح باب الشقة بلطف وولجا الأثنين معًا لتقول مرة أخرى :-
_ حقيقي شكرًا يا جارحي

تنحنح بدفء ثم غير طريقه إلى الصالون وأنزلها على الأريكة بخفة ثم جلس أمامها يتطلع بعينيها الدافئة رغم أنهما شبه مُغلقتين ورفع يده إلى وجهها يحتضن هذا الوجه الملاكي بين يديه وقال:-
_ على أى يا ملاكي؟!

تبسمت "قُدس" بعفوية من كلمته الأخيرة وقالت:-
_ ملاكك؟؟!!

قبل جبينها بحُب شديد ثم قال:-
_ ملاكي ودنيتي وحياتي، وعمري كله، عمري اللى فات ضاع وأنا بكبر فيكي وبحميك وبظلل عليكي بجناحاتي لحد ما كبرتي وبقيتي أجمل بنت تشوف عين أى راجل ، عروسة تملي العين والقلب يا قُدس، خليتي أجرب إحساس غريب وجديد عليا، غيرتي عليكي وعقلي اللى مبيفكرش غير فيكي 

أبتلعت لعابها من التوتر وقشعر جسدها بدهشة من جراءته فى الحديث وأخير أعترف بطلها وحبيبها بمكانتها لديه ، قلبها تتسارع نبضاته بسرعة جنونية غير مصدقة ما تسمعه فتمتمت بربكة قوية:-
_ أنت بتقولي أنا الكلام دا، جارحي بص ليا كويسة أنا قُدس مش حد تاني 

_ إنتِ قُدسي وحبيبة قلبي وبنت عمري
قالها بنبرة دافئة وعينيه تعانق عينيها بنظرات تتلألأ بالحُب ودقات قلوبهما تكاد تطرب الأذان من قوة مشاعرهما ، دمعت عينيها من الفرح وقالت بعدم أستيعاب:-
_ يعنى أنت مش مجبر عليا 

صمتت للحظات وعينيه ترمق دمومعها الناعمة التى شقت طريقها على وجنتيها التى أحمرت وتوردت من خجلها وبكاءها معًا، أقترب ببطء نحوها حتى وصل لوجنتيها بشفتيه يقبل تلك الدموع الحارة ثم همس بشغف:-
_ أنا بحبك يا قُدس 

تبسمت بسعادة وهى تُجيب عليه بحنان :-
_ وأنا بحبك يا جارحي من زمان أوى، بحبك ما أول ما عرفت يعنى أي حُب ، ومعرفتش يعنى أى حبيب غير بيك أنت ، أنا طول عمري بتمني اللحظة اللى تحبني فيها وتشوفني حبيبتك مش عيلة صغيرة بتربيها وبتقولك يا ابيه عشان أنت حبيبي 

أومأ إليها بنعم ثم ضمها إليه بقوة عناقٍ طويلٍ يرضى قلبه عن مشقة الشوق إليها التى أنتهكت قلبه وأعتصرت صدره فى غيابها ومرضها ، شعرت بدفء أنفاسه فى عنقها ويديها تطوقه بحنان لتقاطع عناقهما السحري ولحظتهما الرومانسية حين قالت:-
_ ممكن زى ما حلت موضوع هدير تحل موضوع ليان 

أبتعد خطوة عنها وحملق بيها بعيني حادة كالسيف وتحولت رومانسيته إلى جدية صارمة مما جعلها تلتزم الصمت أمام نظرات عينيه الخشنة، تحدث بنبرة غليظة:-
_ طب هدير أنا أتصرفت لانه دكتور محترم لكن ليان أتصرف أزاى، أجوزها لمجرم دا اللى أنتِ عايزاه ، راضية وقابلة أن أختك تتجوز واحد زي دا ، انهى عقل ومنطق هيقبل بدا 

_ مش عايزة قلبها يتكسر يا جارحي 
قالتها بنبرة خافتة بتوتر ليتحدث "الجارحي" بجدية وقال بغلاظة:-
_ مش كل حُب بيكمل يا قُدس، ومش كل حاجة بيعوزها البني أدم بتحصل، وألا مكنش أتوجد الفراق والوجع والحزن وكل المشاعر الأليمة وبقيت الحياة كلها وردية

وقفت من مكانها بهدوء وعينيها تراقب زوجها ثم قالت بحيرة:-
_ يعنى ليان هتعيش كل المشاعر دى ، أنا عيشتها سابقة وحقيقي شيء فظيع ربنا ما يكتبه على حد 

تنهد بهدوء وهى تُذكره بما قاسته مع الايام بفضله، تحدث بخنق فى صدره:-
_ ليان اللى عملت كدة فى نفسها يا قُدس، ومتقارنهاش بيكِ، إنتِ قسيتي العذاب والفراق والوجع لانك حبيته واحد مكنتيش عارفة هو هيحبك ولا لا لكن لو كان جه فرصة للحب مكنش هيتأخر ولا هيرفض، لكن ليان حبت واحد من البداية وهى عارفة حقيقته تاجر مخدرات وسلاح وأثار وقاتل مأجور كل دا هل فى عقل يقبل بيه عشان عايزاني أقبل بيه، طب نفرض يا قُدس أنا خلفت عقلي وعقيدتي وقبلت أتصرف عشان خاطر بحبك وطلبك عندى أمر لازم يتنفذ، مفكرتش هيجرأ أى لأختك لو أتجوزه ودخلوا الأثنين فى مشكلة ما أى أُنين متجوزين بيتخانقوا، هيحصل أى، هنعرف نوصل لليان ولا هيكون عمل فيها حاجة، هيسمح انها تغضب عند أهلها وتريح أعصابها شوية ولا هيحبسها فى بيته ومش هنعرف عنها حاجة عشان حتى نقف مع بنتنا 

صمتت قليلًا تستوعب حديثه وهو يتحدث بحق، لم تنظر للمستقبل أمام أختها فوقف "الجارحي" من مكانه أمامه زوجته وقال بجدية أكثر:-
_ بلاش كل دا، مسألتيش نفسك كم الخطر اللى هتعيش فيه فقط لكونها مرات مجرم زى دا وأعدائه فى كل مكان، وما هيصدق الكل أن ظهر له زوجة أو حبيبة وهتكون نقطة ضعفه ..... دا إنتِ مجربة دا فى جوازك مني وأنا مش مجرم ، كام مرة حاولوا يخلصوا منى ومنك ومن ابننا 

تنهدت تنهيدة مُعبأة بالكثير من الأنكسارات والخبيات ثم قالت بضيق:-
_ عندك حق، الحياة صعبة أوى 

أخذ وجهها بين يديه وقال بهدوء:-
_ مش الحياة اللى صعبة لكن أختياراتنا هى اللى صعبة وهو الإنسان كدة ، بطبعه بيحب تعب القلب 

نظرت إليه فى صمت وقد أنتهى الجدال بينهما وأقنعت كليًا بحديثه فتنهد بخنق شديد وهو يسحبها من مؤخرة رأسها يضمها إلى صدره فتشبثت بخصره مطوقه إياه بحزن وقلق على حال أختها، وضع قبلة على رأسها وعقله شاردًا بصغيرته التى تجلب المصائب إلى صدره ولم ينسى تلك الجثة التى باتت بين يديه قبل أن أن يصل للقاتل ، حروفها الأخيرة لم تغادر أذنه وعقله حتى الآن    ( عمـــــــــ ) من هذا القاتل الذي تجرأ على قتل ابنه وحاول قتل صغيرته بالسُم ، لم تخمد نيران عقله من التفكير لكن حتما سيصل للفاعل ؟؟؟ ليتذكر كلمة "جلال" إليه  
_ لو عرفت هو مين هتنبهر أن صعلوق زى دا عرف يعمل كل دا ، حشرة تداس بالجزمة ........

حديثه القليل كان الرصاصة التى أصابت العقل فى هذه اللحظة ، أنحنى قليلًا وحمل جميلته المُدللة إلى الفراش  تأخذ قسطًا من الراحة ثم غادر الغرفة بلطف ورفع سماعة الهاتف وبعد ثواني قال:-
_ يزيد أنا مستنياك فى المكتب حصلني على هناك .......

_____________________________ 

أشرقت الشمس صباحًا وتغلغلت أشعتها الذهبية إلى غرفة النوم تشق طريق صباحها لكن عينيها لم تغفو للحظة والدموع لم تجف بعد عن جفنيها بسبب الواقع المرير التى رأته وأستيقظت من وهم حُبها عليه ، لم تكتفي بأكتشاف خيانته لها مع فتاة أخرى ، بل الواقع أكثر ألم وحسرة فحقيقة أنه قاتل مُرعبة ، وضعت "ليل" الوسادة فوق رأسها تحاول كبح أنينها ورافضة ضوء الشمس تتمني أن تظل فى عتمة غرفتها كعتمة قلبها المخذول، رن هاتفها مرارًا لتتأفف وهى تلتف نحو الكمودينو تلتقط الهاتف وكان أسم "عمران" فلم تجيب وأرتجفت يديها من رؤية أسمه على هاتفها يتملكها الخوف فماذا سيفعل مجرم مثله بها الآن ؟ هل ستخلص منها أم سيقتلها مثل محاولة قتله لـ "ليان" و "قُدس" وبدأ عقلها يفكر ماذا إذا كان هو من يحاول قتل "الجارحي" أيضًا ؟ ظل يرن أكثر وأكثر فأغلقت الهاتف تمامًا بضيق والحيرة تتملك منه أكثر وأكثر ماذا تفعل معه؟ نظرت للسقف بتوتر وعقلها كالصاروخ يفكر بجنون ولا يصل لحل حتى فتح باب الغرفة ودلفت "أسيا" تتحدث فى الهاتف قائلة:-
_ هصحيها يا عمران أهو؟

تأففت "ليل" بغلاظة من دخول والدتها وكأن لا سبيل لها من الهرب منه ورفض المواجهة ، أعطتها "أسيا" التليفون بقلق وفضول شديد من سبب أتصال "عمران" بها لطلب الحديث مع ابنتها؟ تنهدت "ليل" بهدوء وتماسكت فى الحديث بنبرة حادة:-
_ ألو ، صباح النور

_ فى أى يا ليل بقالي يومين ثلاثة مش عارف أوصلك ولا بتردي على تليفونك وطول الوقت مقفول 
قالها بضيق من إختفاء "ليل" عنه لتعتدل "ليل" فى جلستها وهى تداعب خصلات شعرها بأصابعها وقالت:-
_ مفيش هو فاصل بس كنت هشحنه وأكلمك 

_ هو مامتك جنبك ؟
سألها بهدوء من جوابها الحاد فرفعت نظرها إلى "آسيا" التى تنظر إليها بفضول ، واقفة عاقدة ذراعيها أمام صدرها بصمت وعينيها تلتهم الصغيرة وصمتها لهذه اللحظات جعله يحصل على الجواب فقال بهدوء:-
_ طيب ممكن أقابلك ولا تحبي أجيلك البيت ؟

_ لا
قالتها بتعجل شديد من مجيئه إليها ، كيف ستقابل هذا الخائن وتابعت الحديث بسرعة :-
_ ماشي نتقابل، نفس المطعم اللى كنا فيه أخر مرة 

أومأ إليها بنعم موافقًا على أختيارها، أنهت الاتصال كاملًا ثم أعطت الهاتف إلى "آسيا" بهدوء ، نظرت "آسيا" إلى الهاتف ثم مسكت ذقن أبنتها ترفع رأسها إليه لتلاحظ أثر البكاء وعينيها المُنتفخة من قلة النوم والبكاء، سألت "آسيا" بهدوء:-
_ حصل أى ؟ كنتِ بتعيطي صح؟

_ لا يا ماما منمتش بس كان عندي مذاكرة وطولت فى السهر

رمقتها "آسيا" بشك فى أمرها وقلبها يضرب القلق أبوابه، تنهدت بلطف وجلست أمام "ليل" ثم قالت بعفوية:-
_ مالك يا ليل؟ هتخبي عني؟ فى مشكلة حصلت بينك وبين عمران؟ قوليلي وأنا هساعدك 

_ أوف مفيش يا ماما 
قالتها بزمجرة شديد متذمرة على أسئلة والدتها ، غادرت وهى تبعد أمها عن طريقها فخرجت "آسيا" وراءها تقول:-
_ تعال يا ليل أنا بتكلم معاكِ

تأففت "ليل" أكثر من إلحاح والدتها فهربت من الشقة إلى الخارج مُتجهة إلى شقة "وصيفة" لكنها أرتطمت بـ "يزيد" يصعد الدرج فكادت أن تسقط بجسدها الهزيل وعينيها شبه المُغلقتين، تشبث "يزيد" بخصرها بدون وعى قبل أن تسقط الصغيرة منه وتقابلت عيونهما فى لحظة مفاجأة لتتسع عيني "يزيد" على مصراعيها من جمال الصغيرة فتغاطت بالنظر عنها وأبعد عينيه عنه فأبتعد "ليل" عنه وهربت إلى شقة "وصيفة" كالقطة الصغيرة الهاربة، صعد الدرج بأرتباك شديد يتنحنح بتوتر محاولًا أستراجع صموده وصورة هذه الفتاة لم تغادر عينيه التى سرقت النظر إليها ، شعرها الأسود وعينيها الحمراء من شدة بكاءها وبيجامتها الوردية ووجنتيها المتوردتين من البكاء وحزنها، لا يعلم كيف أمتزج الحزن بالجمال هكذا ، وصل أمام شقة "قُدس" ليهندم قميصه بهدوء ودق الباب ففتحت له "سنية" وقالت:-
_ قُدس هانم مستنياكِ فى الصالون 

دلف إلى الصالون وعقله يتذكر جملة "الجارحي" أمس حين قال:-
_ قولها اللى وصلته يا يزيد ، قُدس مش هتصدق غير اللى بتسمعه 

ولج إلى الصالون وكانت "قُدس" جالسة أمام اللوحة وتمزج فرشة الرسم مع الورق بطريقة إبداعية حتى قاطعها صوت "يزيد" يقول:-
_ مدام قُدس

ألتفت إليه بهدوء ووضعت القلم الرصاص بين خصلات شعرها وقالت:-
_ نسيتني يا يزيد صح؟ 

_ مستحيل أنسى طلب حضرتك طلبتيه 
قالها بهدوء ثم جلس على الأريكة وقال:-
_ عمران طلع شخص تاني خالص غير اللى نعرفه ، متجوز عرفي من بنت أسمها ريتال ودى اللى كانت بتحوم حوله وخليته نشك أنه بيعرف بنات ، غير أن طريقة ظهوره فى حياة ليل غريبة وحُب سريع وخطوبة وماديًا بيعدى الفقر والغريب أن عنده رصيد 700 ألف فى البنك غير 

قهقهت "قُدس" بعفوية على ما تسمعه فقالت:-
_ لسه فى غير ؟؟ 

تبسم بمكر مما يعرفه وقال:-
_ الأدهش والأعجب أن عمران طلع أبن الراجل اللى عماد أتخانق معه وأتقتل فى الخناقة ودخل السجن المعلم هادى فيها 

وقفت "قُدس" من مقعدها من هول الصدمة التى وقعت عليها وأتسعت عينيها بقشعريرة تُصيب صدرها وقالت:-
_ كمان 

هز "يزيد" رأسه بنعم لتفكر "قُدس" فى صمت وهى تتحرك فى الغرفة ذهابٍ وإيابٍ لتقول:-
_ يعنى ممكن يكون خطب ليل عشان يقرب مننا وينتقم من عماد 

تنهد "يزيد" بحدة وعقل الصغيرة ما زال لا يفهم فقال:-
_ قصاد المعلم هادي اللى دخل السجن والحكومة أثبتت الثهمة عليه 

نظرت "قُدس" إليه بقلق وقالت :-
_ صح!!

كاد أن يتحدث ليقاطعه صوت رنين الهاتف الذي دق بإستلام رسالة جديدة ، أخرج الهاتف من جيبه ونظر ليرى رقم مجهول أرسل رسالة له ففتحها وكان محتواها
_ أنا ليل ، ممكن تيجي معايا مشوار الساعة 5 

أبتلع لعابه وعينيه تحملق بالهاتف ويتذكر ما حدث من قليل وربكته وضحت فى ملامحه ثم قال:-
_ هكمل بحث وأبلغك ، عن أذنك

غادر الشقة مُسرعًا ونظر للهاتف ليرسل الجواب عن طريق تفاعل بـ إعجاب على الرسالة فقط ........

___________________________ 

وقفت "ليان" فى النافذة لترى سيارة "جلال" وسيارتين أخرتين من الحراسة يقفون أمام البيت فأتصلت "ليان" به وقالت:-
_ انت بتعمل أى؟

رفع "جلال" نظره للأعلي من وراء النافذة ليرى أن طبيبته الجريئة تقف فى الشرفة فترجل من السيارة حتى تراه بوضوح وقال بجدية:-
_ بحاول أسيطر على نفسي وأكبح غضبي وعقلي الشيطاني اللى بيقولى أدخل اخدك من قبل الأوضة بالقوة بعد ما أبوكِ طردني من البيت 

ضحكت "ليان" وهى تجلس على المقعد بكوب النسكافيه ووضعته على الطاولة التى أمامها وقالت:-
_ بالقوة !!

_ ممكن تقفي عشان أعرف أشوفك

وقفت من جديد وهى تتنفس بتعب مُتمتمة :-
_ مع أن الوقوف تاعبني

_ أقعدي
قالها بلهجة امرية بعد أن أخبرته بتعبها وأرهاقها لتضحك من جديد وقالت:-
_ وبعدين بقى هو إحنا بنلعب ولا أي ؟ 

_ أرتاحي يا ليان
قالها بهدوء وهو يتكأ بظهره على السيارة ويعقد ذراعه أمام صدره والأخرى يرفع الهاتف على أذنه ويقف مُرتدي بدلته الرمادية وقميصه الأسود ونظارته الشمس السوداء تزيده وسامة ، ظلت واقفة ترمقه ببسمة وقالت:-
_ العناد مش حل، وبصراحة هم ليهم حق مين يقبل يجوز بنته لمجرم

تنحنح بخنق لتقول بجدية:-
_ دى الحقيقة ليه محسسني أني فاجأتك بحقيقتك ما أنت عارف يا جلال الحقيقة ، وأنا كمان عارفة وقبلت فمتزعلش

أومأ إليها بنعم ليقول بحنان وعينيه لا تغادر شرفتها وجميلته تطل منها كالحورية:-
_ مين اللى طلعك فى طريقتي يومها ؟

_ القدر والنصيب والمكتوب على الجبين، نصيبي يا جلال
قالتها بلطف وأرتشفت رشفة من النسكافيه بعفوية ليقول بخفوت:-
_ ما تيجي أخطفك يا ليان ونقول نصيب، اخطفك وأخبيكي فى دنيا تانية خالص ، أخبيكي جوا قصري سلطانتي 

ضحكت بعفوية بطريقة قوية ولم يفهم سبب ضحكاتها حتى شعر بشيء ثلب يلمس رأسه فنظر بجنانه وكان "هادى" يقف واضعًا بندقيته فى رأس "جلال" وقال بحزم:-
_ أنا مش قُلتلك تغور من هنا ومشوفش وشك فى طريق بنتي نهائي 

صوت ضحكاتها العفوية فى الهاتف كان يسحره ويجعل قلبه يتراقص من السعادة ولا يُصدق أن طبيبته الجميلة بدأت تستعيد صحتها وتخرج منها الضحكات بهذا الجمال والعذوبية الناعمة وهذه الضحكة ونغمتها الدافئة كفيلة أن تجعله يصمد ويتحمل غلاظة والدها ليقول:-
_ أنا قُلتلك أنى هأخدها ، أديهالي بالرضا بدل ما أخدها بالقوة 

وضع "هادى" المسدس فى منتصف جبينه وقال بتهديد:-
_ أنا راجل دخلت السجن سابق عشان أحمي ابن أخويا من تهمة هو اللى عملها وعادي جدًا فما بالك عشان أحمي بنتي ضنايا من مجرم زيك ممكن أتسجن او حتى أتعدم عادي مش باقي على حاجة 

كز "جلال" على أسنانه بقوة وغلاظة هذا الرجل تعدت كل الحدود حتى سمع "هادى" صرير أسنانه القوى وكاد أن يفقد أعصابه ويتحدث ليمنعه صوت "ليان" التى قالت فى الهاتف بحذر:-
_ جلال أوعاك، دا بابا 

كلمتها أوقفته رغم عنه وأغلق قبضته بضيق شديد وقال بحدة:-
_ لينا لقاء تاني ، وفكر كويس لأانى مش هسيبها وأفتكر أنى راجل بقتل عادي عشان الفلوس ما بالك ممكن أعمل أى عشان حبيبتي 

فتح باب سيارته وصعد بها ليقود "كريم" السيارة مُغادرًا المكان مما جعل "هادي" يغضب أكثر ويضرب إطار السيارة بالرصاص مما أرعب الجميع وتأفف "جلال" بالداخل وهو يقول:-
_ لأجل ليان، بس عشانها 

ترجل من السيارة وكاد عقله يجن جنونه ولا يعرف  كيف يكبح الغضب بداخله أكثر من ذلك فرأته يبدل سيارته مع سيارة الحراسة بعد أن أنتفض قلبها من فعل والدها .......

الفصل الثالث والعشرون23 
بعنـــوان " حقائـــــــق "

وصل "هادى" إلى شقته وولج ليجد "قُدس" جالسة بجوار "ليان" على الأريكة وتحمل طبق من الفشار بينما الأخرى تمدد جسدها على الأريكة وتتناول قطع التفاح وعينيها تحملق فى الهاتف فقال :-
_ سلام عليكم 

_ وعليكم السلام يا بابا
قالتها "قُدس" ونظرت إلى أختها التى انقطعت عن رد السلام بزمجرة منها رافضة الحديث مع والدها كما رفض هو علاقتها بـ "جلال" فرفع حاجبه بحدة وقال بتحدٍ:-
_ أوعى تفتكري يا قُدس أن طريقتك دى هتجيب معايا ولا هتلوى دراعي 

نظرت "قُدس" إلى والدها ولم تفهم شيء من حديثه، تحدثت "ليان" وعينيها لم تُرفع من الهاتف قائلة :-
_ خليكِ يا قُدس معانداني وأنا برضو مش هغير رأي 

فهمت "قُدس" أن الحوار يدور بين الابنة العنيدة ووالدها الأعند، كانت صفة العند ورثت من والدها، تنهدت "قُدس" بضيق ثم قالت بلطف:-
_ حقيقي هذا الشبل من ذاك الأسد ، وأخرت العناد اللى قايم بينكم دا، دى مش طريقة مناقشة يا بابا

ألتف "هادى" يدخل إلى غرفته ببرود وقال بجدية:-
_ أنا كلامي مش هغيره ولو حكم الأمر ان أبلغ عنه او أقتله هعمل كدة 

استدار إلى بناته من جديد بوجه غاضب ثم قال:-
_ وأنا قُلتها للمحروس ، أنا دخلت السجن عشان جريمة معملتهاش عشان أفدى ابن أخويا السٌكرى اللى مفيش منه فايدة أصلًا بما بالكم بقى أنا ممكن أعمل أى بقى وأدخل السجن عشان بنتي ولحمي ودمي 

دلف إلى غرفته وأغلق الباب بقوة شديدة جعلت "قُدس" تنتفض من محلها فقالت "قُدس" بقلق وعينيها تحملق بأختها :-
_ وبعدين فى العناد دا يا ليان، دى مش طريقة كلام مع بابا وهو أب وخايفة على بنته 

أعتدلت "ليان" فى جلستها بهدوء ثم قالت بحزم تحاول كبح غضبها والسيطرة على العصبية من أجل تعافيها :-
_ وأنا اخترت جلال وأن أنطبقت السماء على الأرض مش هغير قراري، أنتوا يمكن لسه متعرفونيش لكن حقيقي أنا عمري ما تراجعت عن قرار أخذته واللى فى دماغي بعمله، وخلى بالك ووصلي لأبوكِ أني عشت من غيره 19 سنة عادي جدًا وممكن أكمل الباقي من عمري غيره عادي ....ملحقتش أتعلق بيه فميراهنش أوى على كونه أب أو حتى وجودي كأبنه له ، عرفيه بلاش يتحط فى كف قصاد جلال او أى قرار أخذه لاني هختار قراري عادي جدًا 

دلفت إلى غرفتها هي الأخرى فألتفت "قُدس" بخوف من حديث أختها التى تشبه التهديد الصريح بتفضيل حبيبها رئيس العصابة عن والدها ، نظرت جانبًا بقلق واضحٍ لترى "ياسمين" جالسة على السفرة تقطع البطاطس لشرائح من أجل أعداد الغداء، تحدثت "ياسمين" بنبرة خافتة:-
_ دى حقيقي ليان عنيدة جدًا وعمرنا ما قدرنا نغير قرار أخدته أو حتى نعترض ، زى سفرها للقاهرة رغم رفضنا هربت من البيت وجت عادى على القاهرة تقضي يومها ومهتمش أبدًا بأمها وأبوها اللى عاشت معهم 19 سنة فمتتوقعيش أنها تهتم بأب لسه ظاهر فى حياتها 

حديثها زاد الغضب أكثر بداخل "قُدس" وأقتربت لتجلس مع "ياسمين" ....... 

_____________________________ 

أوقف "يزيد" سيارته أمام المطعم ونظر إلى "ليل" التى طلبت مرافقته معها ولم يتأخر فى تلبية طلبها، نظرت "ليل" إليه وقالت بتوتر:-
_ ممكن لو أتأخرت تيجي تأخدني

اومأ إليها بنعم ولم يفهم سبب توترها الواضحة فى ملامحها الشاحبة وعينيها المتورمة وأثر قلة النوم والسهر واضحين بها، خرجت "ليل" من السيارة مُترددة وقدميها تزحف فى الأرض لا تقوى على الذهاب إلى هذا القاتل ولقائه وحدها بعد أن هربت منه سابقًا ، نظر "يزيد" نحوها وهى لم تغلق الباب بعد ويديها مُتشبثة به فقال بحزم:-
_ تحبي أجي معاكِ ؟

نظرت إليه مُطولًا بحيرة وقلب ضعيف خائف يترجف من الخوف، هز راسه بنعم وفتح حزام الأمان ثم ترجل من سيارته ثم ألتف حول السيارة ويضع الهاتف فى جيبه ثم أشار إليها بأن تتحرك لتخطو خطوتين ثم أغلق باب السيارة وقال بجدية:-
_ أدخلى وأنا هكون على الترابيزة اللى جنبك لو حصل حاجة بس أقفي وأنا هكون فى ظهرك 

أومأت إليه ببسمة خافتة تخفي خلفها الخوف بعد أن أشعرها بالطمأنينة والأمان قليلًا بوجوده جوارها أقرب، تنهدت  بأريحية من كلماتها الدافئة التى لحقت بها ثم قالت :-
_ تمام

دلفت إلى المطعم حيث "عمران" وأخذت نفس عميق قبل أن تدخل ومن ثم بدأت فى السير نحوه حتى راها ووقف ليمد يده إليها لتقول بضيق:-
_ خير أن شاء الله ، كنت مُصر على مجيئتي

قالتها وهى تسحب الكرسي لتجلس متجاهلة يده المُمدوة جدًا فرمقها بتعجب من برودها ليهدأ من روعته وجلس على مقعده حادقًا بها بجدية قال:-
_ خير أنتِ يا ليل؟ متغيرة ليه عليه؟ 

ضحكت بخفة عليه وقالت بسخرية:-
_ أعتقد أن امثالك الخونة مينفعش معهم غير كدة ؟

أتسعت عينيه قليلًا على حديثها وقال بدهشة أكبر:-
_ والله ، وأي كمان؟ أنا خونتك فين؟ 

تبسمت بمكر عليه وقالت:-
_ فين؟، قول مخونتنيش فين يا عمران؟ أنا جيت مش عشان أسمع تبريرك ولا أوجد لك أعذار ونتناقش أنا جيت عشان أقولك انى مش عايزة أشوف وشك تانى فى حياتي ولو فكرت مجرد تفكير تقرب مني أو حتى تتصل بيا أو بأمي مش هتلاقى غير جارحي قصادك ووريني هتقدر على دا ولا لا

وقفت من مكانها لتغادر فأمسك "عمران" يدها بقوة من هذا الجنون وأنفصالها عنه فجأة ، قال بغضب:-
_ أنتِ بتقولى أى؟ حصل أى عشان تسيبني ؟ أنا متسابش يا ليل

أحتدت عينيها بغضب شديد وهى تحاول أفلات يدها منه بالقوة ولكن قوتها ضعيفة جدًا أمام بنيته الجسدية فتحدثت بضيق:-
_ سيبي أيدى

قبل أن يتحدث كان قد ظهر ظله ووقف بالمنتصف يسحب يد "عمران" عنها بالقوة وقال "يزيد" بحزم:-
_ سمعتها بتقولك تسيب أيدها

نظر "عمران" إلى "يزيد" بغضب وقال بانفعال شديد وعينيه تلتهم "ليل":-
_ أنتِ جايبة البودى جارد بتاعتك معاكِ تتحامي فيه؟

تحدثت بغضب شديد وهى تتشبث بذراع "يزيد" من الخلف تختبي به قائلة:-
_ لازم أجيب بودى جارد وأنا جاية أقابل قاتل ومجرم زيك، وعز وجلالة الله يا عمران لو قربت من طريقي تاني لأكون فاضحك ومعرفة الجارحي كل حاجة 

ألقت بخاتم خطبتها فى وجهه وهى تسحب "يزيد" من ذراعه للخارج الذي صُدم بكلماتها، سار معها للخارج حتى وصله إلى الطريق فسأل بضيق:-
_ أنتِ قصادك أى بالكلام اللى قُلتيه جوا دا

تنهدت بتعب وهى تشعر باختناق شديد فى صدرها وقالت بأرهاق:-
_ بعدين أحكيلك ، مشيني من هنا الأول وفى الطريق أحكيلك كل حاجة 

سار معها إلى السيارة وألتف ليفتح باب السائق فُصدم بها تهتز بضعف وأصابها دوران برأسها الصغير فسال بهدوء:-
_ أنتِ كويسة ؟

هزت رأسها قليلًا تحاول مقاومة دوران رأسها لكنها لم تستطيع التغلب عليه وسقطت فاقدة للوعي ليلتف "يزيد" بسرعة جنونية نحو السيارة إليها وجلس على ركبتيه يرفع رأسها الصغير على ذراعه مُناديًا إياها بقلق:-
_ ليل؟؟ ليـــــــــــــــــــــــل

لم تُجيب عليه فحملها مطوقًا خصرها بذراعه وفتح باب السيارة ليضعها بالداخل وأنطلق لأقرب مستشفى ثم دلف كالمجنون بها خائفًا أن يكون أصابها شيء، وضعها على فراش المرضى بغرفة الطوارئ وبدأ الأطباء يفحصوها مع الممرضين وهو مُنتظر بقلق وراء الستار الحاجز لا يعلم أيتصل بـ "الجارحي" أم ينتظر ليطمن وبعد مرور ساعة ونصف تقريبًا جاء إليه الطبيب وقال:-
_ هى كويسة مفيش داعى للقلق 

_ أمال الإغماء اللى حصل دا أي؟ 
سأل بقلق عن حالتها وسبب ما حدث إذا كانت سليمة وبصحة عافية، فأجاب الطبيب بما صدمه فى أرضه:-
_ بسبب المخدر اللى فى دمها، واضح أنها أخذت جرعة مخدر قوية سببتهالها النعاسة 

أتسعت عينيه على مصراعيها بصدمة قاتلة فهل "عمران" وضع المخدر فى مشروبها وكان ينوى السوء بها؟ لحسن حظها أنها جلبت "يزيد" معها لينقذها من شر هذا الرجل الغامض؟ وماذا كان ينوى أن يفعل بفتاة بريئة مثلها؟ ، فتح الستار قليلًا وجلس جوارها على المقعد الحديدي يحملق فى وجهها الصغير وهى كالأميرة فى نومها وتذكر لقائهما صباحًا وبكاءها، كانت جميلة تمامًا مثل الآن وكان الجمال خُلق لهذه الحورية الفاتنة ، بشعرها الأسود أو حجابها البسيطة فهى جميلة جدًا فظل "يزيد" يتأملها فى دقائق صامتة ولأول مرة يتجرأ على رفع النظر بها بهذه الجراءة دون أن يخجل أو يتحاشي النظر بها، لأول مرة يرى جمال وسط الحزن والبكاء، ليكمل جرائته بدون وعي منه عندما حرك جسدها يده ليلمس يدها الصغير ويربت عليها بحنان لكن سرعان ما فاق من هذا الشرود والإعجاب ليبعد يده بسرعة خائفًا من "الجارحي" وما سيفعله به إذا تجرأ وتخطي الحدود بينه كموظف لديه وبين أميرة من عائلته ؟ ، وقف من مقعده بعيدٍ جدٍ من الحرج والقلق .......

فجأة وبدون مقدمات أتاه هذه الجملة التى سقطت عليه كالقنبلة المُميتة فتحدث بتلعثم مُرعبٍ:- 
_يعنى اي اختفت؟؟
 
مسك "هادى" لياقته بقوة وكاد أن يخنق أنفاسه بين يديه وهو يكرر ما قاله بحدة صارمة وعيني يتطاير منها الشر:-
_ليان اختفت من المستشفى، بنتي لو جرالها اى حاجة مش هتكفيني فيها روحك 
ابعد "جلال"  يده عن قميصه بصدمة قاتلة ولا يستوعب ما يسمعه واختفاء جميلته الفاتنة فقال بجدية:-
_ أنت متقدرش تعمل حاجة واللى كانت مصبرني على تصرفاتكم الغبية دى هي ليان....  كريم 

ركض "كريم" نحوه يلتف حول السيارة بخوف من صرخة رئيسه فقال بغضب جنون وقلق يمزق قلبه:-
_ساعة لو ليان مظهرتش هتكون رقبتك أنت ورجالتك الثمن و... 
قاطعهم جميعًا صوت أنكسار زجاج قوي وأرتطام هز جدران الأرض وأجسادهم التى أنتفضت من أماكنهم،  ألتف الجميع على الصوت وكانت هناك جثة سقطت من فوق السطح على سيارة ليقترب الجميع وخرجت صرخة قوية من "هادى" حين رأي وجه هذه الجثة وكانت ابنته المفقودة غارقة فى دماءها، بينما تسمر "جلال" فى مكانه عندما رآها، هلع "كريم" نحوها يستشعر نبضات القلب ليجدها جثة باردة قد فارقت روحها الحياة ووسط صدمة الجميع، أقترب "الجارحي"  من "هادي" يقول:-
_ عمي......
 
وقع نظره على الجثة فصدم وشل جسده محله وتساقطت الدموع بغزارة كالشلال من عينيه وزحفت قدميه بصعوبة من السيارة حتى وصل إليها ورفع يده يلمس رأس الفتاة مُتمتمًا بفزع:-
_ قُدس....  قُدس لا....  لا متسبنيش 
ومن يخطأ فى زوجته،  لتنزل الصاعقة الأكبر على"هادى" بفقد طفلته "قُدس" و الأخرى خُطفت من المستشفى،  انهار "الجارحي"  بجنون وهو يسحب جسدها الصغير من فوق السيارة إلى حضنه صارخٍ بأسمها بفزع.....

_قُــــــدس 
صرخ بجنون بأسمها مُستيقظٍ من نومه ليُصدم بها أمامه جالسة وتمسك بذراعه قائلة:-
_ مالك يا جارحي، بقالك ساعة بتنادي علي

نظر إلى وجهها ويلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة من هذا الكابوس ولمس عنقها بانامله ليطمئن قلبه أنها بخير ومحبوبته بجواره ، فجذبها بقوة إلى صدره لتُصدم من لهفته وخوفه، يتصبب عرقًا بقوة من هذا الحلم المُرعب الذى رآه فى منامه ، لتطوقه بلطف وهى تربت على ظهره بحنان وقالت بحنية:-
_ أنا هنا يا حبيبي 

أغمض عينيه بأريحية لسماعه صوته مُستنشق عبيرها الدافئ ليسترخي على الفراش وهو يجذبها لتنام بين ضلوعه حتى تخمد نيران عقله الذي أفقد صوابه للتو من هذا المشهد وما زالت رؤيتها غارقة فى دمائها أمامه تلازمه، تمتمت "قُدس" بلطف:-
_ كان حلم مُخيف

_ جدًا 

تبسمت بعفوية ويديها تداعب صدره ببراءة ورفعت نظرها إلى وجهه تقول بمرح:-
_ بس أنت مبتخافش من حاجة خالص يا جارحي

أبتعد قليلًا ليخفض راسه تجاهها وهى بين ذراعيه ، تأمل وجهها الجميل وقال بخوف:-
_ بقيت بخاف، بخاف عليكِ من الزمن، بخاف أخسرك يا قُدس ، ببقي مرعوب ما دام الحاجة دى تخص

تبسمت بخجل شديد على حديثه الجميل رغم قلقه، تسللت يديها للأعلى من صدره إلى وجنتيه تلمس لحيته الناعمة وقالت بنبرة ناعمة وصوت أنثوي جميل:-
_ أنا هنا 

مسح على شعرها الناعم بحب وقال بجدية محسومة:-
_ وهتفضلى هنا يا قُدس، اوعى تفكري تسيبني لأن وقتها معرفش أنا ممكن أعمل أى؟ 

تبسمت بسعادة من جمال حديثه وهذا الرجل الشرس حُب عمرها الآن يُحدثها عن مكانتها الغالية بحياته ليُعجبها الحديث جدًا فتابعت بسعادة تشاكسه:-
_ هتعمل أى؟ 

جذبها بقوة أكثر حتى بات يعتصر عظامها فى ذراعيه وقال بحزم ونبرة مُرعبة قائلًا:-
_ إياكِ يا قُدس، إياكِ تفكري فيها والله بهد الأرض على دماغك لو فكرتي تسيبني بعد ما أحتلتي قلبي وسكنتي فيه ، أنا متعرفيش ممكن أعمل أى عشان حاجة تخصني ما بالك بأميرة ملكت قلبي وانا اللى هربت منها عمر بحاله عشان متملكهوش ولا تدخله ودخلته غصب عني 

أتسعت عينيها على مصراعيها بذهول تام وسألت بفزع من هول المفاجأة:-
_ هربت مني؟؟ 

_ طبعًا، يبقى راجل أعمي اللى يشوف بنت بجمالكِ وميعجبش بيها يا قُدس، أول مرة شوفتك فيها بفستان أحمر وحاطة ميكاب خفيف ولابسة كعب عالى وأتحولتي من طفلة بريئة جميلة لأنسة عروسة قمر، قلبي أنتفض نفضة عمري ما هنسيها وقتها قولتله أنت مجنون أتقبضت عشان قُدس العيلة، أكتشفت دلوقت أن النفضة دى كانت اول دقة قلب لكِ جوايا
قالها بأعجاب شديد وعينيه تتأمل صغيرته الجميلة فسالت بفضول أكبر وقالت:-
_ كان أمتى دا؟ 

_ يوم ما كنت رايح أخطب، نزلتي عليا يومها بكتلة تأثيرات ومشاعر لأول مرة بعرف حقيقتهم معاكِ، يوم ما سمعتي انى هروح أخطب وأغمي عليكِ يومها شيلتك بين أيديا مغمي عليكِ ولأول مرة بضمكِ فى عمري كله ، حسيت بدفء وقشعريرة ناعمة، مكنتش عايز أسيبك يومها من حضني بس وقتها فسرت دا أنك قُدس بنتي الصغيرة اللى شايل مسئوليتها لكن تاني يوم لما شوفتك بالفستان وكُنتِ فى كامل شياكتك وإناقتك أرتبكت  أوي يومها وكنت هموت من غيظي لما قررتي تركبي مع عماد فى العربية ، كنت عايز أصرخ وأقول لا أنا لازم اخبيكي جوايا ولا أنك تركبي مع السُكري دى، فضلت طول الطريق عيني علي عربيته ليضايقك أو حتى تتخنقي من الركوب معه وفضل قلبي يضرب فى ضلوعي بقوة عشانك وأنا مش فاهم فى أي؟ لحد ما شوفت العروسة ووقتها بكل قوة منى كأني كنت مُنتظر أى سبب عشان أهرب ورفضت الموضوع ليلتها حصل اللى حصل وأدفنت كل البذور دى جوايا لكن بُعدك يا قُدس وهروبك مني كان نار بتحرق فيا وأنتِ مكملة عادي 

كانت عينيها تدمع بحزن ممزوج بالفرح من حديثه وكيف حمل لها كل هذه المشاعر ولم يتفوه بكلمة واحدة أو حتى يلمح لها بشيء، سألته بضيق من صمته طوال هذا الوقت:-
_ طيب ليه ؟ ليه لما جيتلك قُلتلك أنى بحبك يومها لومتني وأتعصبت عليا؟ 

جلس أمامها يلمس وجهها بحنان وكأنه يخمد نيران شوق الذكريات التى أشتعلت بداخله وهو يتذكر الماضي معها وقال بحُب:-
_ مكنتش مفسر معنى اللى جوايا وحصل فيا ليلتها وقبل ما أخد وقت أفسر أو أتاكد أو حتى أشك أنى بحبك أو مُعجب بيكي لاقيتك قصادي بتقولى بحبك وكأن كل اللى حصل فيا كان مستني كمان أنك تربكني أكثر بأعتراف صريح منك، يومها كانت الغيرة بتأكل فيا لما شوفتك فى السطح مع عماد وجايبلك عصير وأنتِ راضية وقابلة، كان نار جوايا بتحرق فيا وأنا مش فاهمة سبب جنوني عليكِ أى، وحصل اللى حصل وقتها ، على قد ما كنت حاسس بسعادة وأنا بحضنك على قد ما كنت مرعوب من ربنا أنى أغضبه فيكِ فيحرمني منكِ، أنتِ أغلى حاجة فى حياتي يا قُدس، أنتِ بنتي اللى ربتها على أيدي وشلت همها من صغرها، أول حبيبة خطفت قلبى ليها، وأول واحدة أضمها فى حضني ، وأول واحدة أقولها بحبك وأول واحدة أجيبلها هدية فى الدنيا دى كلها، أنا عمرى ما أشترت هدية لواحدة غيرك، ولا شاركت واحدة غيرك كوباية قهوتي ، أنا طول الوقت بشرب قهوتي سادة لوحدي فى أى كافي ، أنتِ الوحيدة اللى بقبل أنى أشرب قهوتي معها وفى وجودها، أنا لما بفكر بلاقي أنكِ البنت الوحيدة فى عمرى كله من صغري لحد دلوقت ........

دمعت عينيها بعد أستيعاب للأمر وكيف هذا الرجل أحبها هكذا دون أن تدري أو تشعر حتى بهذا الحُب؟؟!!! ، جهشت باكية ليجفف "الجارحي" دموعها بأبهامه بلمسة ناعمة يربت على وجنتيها فتحدث بلطف لأجل دموعها الغالية:-
_ متبكيش وحياة جارحي عندك ما تنزلى دمعة واحدة ، دموعك غالية أوى يا قُدس عندي ومفيش حاجة تستاهل تنزل الدموع دى عشانها 

_ أنا بحبك أوى يا جارحي ، بحبك من زمان أوى وندمانة على السنين اللى هجرتك فيها ، أنا أسفة 
قالتها بضعف وحزن على ليالي كثيرة مرت فى بُعدهما ليقول بلطف يخمد نيران بكائها ودموعها بحب:-
_ وأنا بحبك يا قلب جارحي ، بحبك يا بنتى وعمرى وحياتي وسنيني وأيامي كلها ، أنتِ عمري يا قُدس، بس متبكيش 
قالها برجاء مُتمني أن تلبي رجاءه وتتوقف عن البكاء فتعلقت بعنقه بحُب واستماتة ليطوقها بحنان هائمٍ بجمال سحرها وسيطرتها على مشاعره كاملة كأنها ألقت تعويذة سحرية على قلبه وعقله ليُغيب العقل عن التفكير لأي شيء غير محبوبته ....... 
دق باب الشقة بقوة ليتركها بفزع وخرج من الغرفة وصغيرته تخرج خلفه تركض وراءه حتى فتح الباب ودلف "يزيد" يسحب "ليل" خلفه وهى تبكي بخوف فرمقهما "الجارحي" بدهشة وأسرعت "قُدس" إلى "ليل" بفزع على صديقة طفولتها وقالت:-
_ مالك يا ليل؟ أنت زعلتها يا يزيد؟؟

نظر "الجارحي" إلى "يزيد" بغضب بعد أتهام "قُدس" له وكانت عينيه يتطاير منها الغضب وإذا كان أغضبها حقًا سيقتله فى الحال؟ فلا زالت "ليل" اميرة فى عائلته وجوهرة مصونة لعائلة أبو النور، تحدث "يزيد" بانفعال شديد فاقدًا أعصابه:-
_ قولي اللى قُلتهولي يا أنسة ليل؟ 

ظلت ترتجف وتبكي بخوف فجذبها "يزيد" من ذراعها بقوة وصرخ بها :-
_ قول

تلقى صرخ قوية من "الجارحي" يوقفه عما يفعله قائلًا:-
_ يزيـــــــــــــــــــــد أنت اتجننت ؟؟؟!!

ترك "يزيد" ذراعها بغضب من تصرفه وفقده للسيطرة فقال بغيظ:-
_ خليها تسمعك اللى سمعتهولي يا معلم جارحي

نظر "الجارحي" إلى "ليل" التى أختبت من الخوف بين ذراعي "قُدس" وتبكس مُتشبثة بذراع "قُدس" فقال بحدة:-
_ فى أى يا ليل؟

صمتت بخوف ليتحدث "يزيد" بأنفعال من صمتها قائلٍ:-
_ قوليله ، قوليله أن عمران هو السبب وهو اللى حرض على قتل صاحبتك قُدس وهو اللى قتل عياله ، قوليله أن دى الحقيقة 

أتسعت عيني "الجارحي" على مصراعيها بصدمة الجمته وأنقبض قلبه فى محله لتبتعد "قُدس" هى الأخرى عن "ليل" بغضب شديد وقالت بصدمة قاتلة مُتلعثمة فى الكلمات:-
_ اى اللى بسمعه دا؟ ردي عليـــــا
قالتها بصراخ شديد وهى تمسك "ليل" من يدها بقوة ودمعت عينيها بحسرة ونظرة "قُدس" لها لاول مرة ترى فى خيبتها وحسرتها ، نظرت "ليل" إلى "الجارحي" بخوف يتملكها من التفوه بكلمة أمامه والآن بعد أن سمع الكلمات من "يزيد" أحتدت عينيه أكثر وبات الشر يتطاير من عينيه وكأنه سيقتلها بعينيه الآن ويدفنها فى أرضها .........
تعليقات



<>