رواية حين يحضرون
الفصل الاول1الاخير
بقلم قائد الرعب
تخيل تبقى واقف حارس بالليل وتشوف واحد ماشي من غير رجلين… تضربه بالنار ينزل دم أسود، وتكتشف إنك قتلت جني"الدنيا مش كلها زي ما احنا شايفينها. في حاجات مدفونة جوانا وجوا الأرض حوالينا، أسرار لو فتّشت وراها يا إمّا تلاقي نور ينقذك… يا إمّا تلاقي ظلام يبلعك للآخر. الصحراء مثلًا… الناس بتشوفها فراغ ورمل وسكون، بس الحقيقة إنها مليانة أرواح، أصوات، وعوالم ماشية جنبنا وإحنا مش واخدين بالنا.يمكن تسمع حد بيقولك "ما تخافش"… بس هو الخوف نفسه مش جاي من اللي قدامك، الخوف الحقيقي جاي من اللي مستخبي وراك ومش عارف شكله إيه.اللي هتحكيه القصة دي مش خيال، دي حكاية دم حصلت بجد، واللي عاشها لسه عايش بس عينيه ما بقتش زي الأول… عينيه بقت شايلة عالم كامل إحنا مش مستعدين نشوفه.
أحمد ياسين العنتري… شاب في أوّل عمره، جندي في الجيش اليمني. الناس في قريته كانوا عارفينه إنه جدع وابن ناس، دمّه حر من قبيلة الصبيحي، القبيلة اللي ليها سُمعة إن رجالها ما بيرجعوش من ساحة القتال غير مرفوعين الراس.أحمد كان من النوع اللي وشّه هادي بس جواه بركان، عنده قلب أسد، وعمره ما خاف من بشر.
إنما اللي استنّاه ماكانش بشر… دي مواجهة من نوع تاني خالص، مع كائن مش من عالمنا، كائن القرآن نفسه وصفه إنه معمول من نار. كائن يقدر يلبس أي شكل يخدعك بيه، يخليك تشوفه راجل عادي، لكن جوّه شرّ مابيوصفهوش عقل بني آدم.وأحمد، اللي عاش حياته كلها شايل سلاح ومستعد لأي عدو، عمره ما توقّع إن معركته الليلة دي هتكون مع مخلوق من العالم الخفي… عالم الجن.
أحمد… في ليلة هادية من ليالي الخدمة العسكرية، كان واقف لوحده على نقطة حراسة في منطقة محظورة، ماسك سلاحه بإيده، عينه مركزة في الضلمة اللي بتبلع الصحراء كلها. الجو ساكت لدرجة إن أنفاسه هي الصوت الوحيد اللي بيسمعه.
وفجأة، من غير أي مقدمات… من قلب السكون، ظهر قدامه كائن غريب.راجل شكله عادي، لابس هدوم بسيطة، بس الغرابة كلها إنه ماكانش ماشي على الأرض… لأ، ده كان طايف فوقها كأنه شبح، مفيش رجلين باينة تحمله.كان بيتحرك بالبطء… بطء يرعب، كأن الهوا نفسه هو اللي بيدزّه لقدام.وعينيه؟ عينيه كانت حمرا، لمعتها نار… ووشه مرسوم عليه ابتسامة ناشفة، جامدة، ابتسامة مالهاش أي روح. ابتسامة تخليك تحس إنه عارف حاجة مرعبة عن أحمد… حاجة أحمد نفسه لسه مايعرفهاش
أحمد اتخض، قلبه وقع في رجليه وصرخ بصوت عالي محذر:"ابعد! دي منطقة عسكرية… ممنوع الاقتراب!"
بس الكائن ماوقفش… ولا حتى رد بكلمة.
فضل يقرب… خطوة ورا التانية… أقرب… وأقرب… لحد ما المسافة ما بينهم بقت أمتار قليلة.
أحمد حس إن عقله اتشلّ، والخوف مسيطر عليه من كل ناحية. في لحظة ارتباك ورعب هستيري، رفع سلاحه بسرعة وسحب الزناد.رصاص ورا رصاص خرج يخترق جسم الكائن ده.وفجأة… وقع على الأرض.
بس اللي نزل منه ماكانش دم بني آدم… كان دم أسود غامق زي الحبر، ومنه طالع دخان خانق بريحة كريهة… ريحة كبريت مولّع، ريحة جهنمية تفكرّك بأصل الجن اللي اتخلقوا من النار.
في التراث اليمني بيحكوا إن الجن ساكنين في الصحاري والجبال، بيحرّسوا الوديان والرمال. واللي يقتل واحد فيهم… بيفتح على نفسه باب انتقام من عشيرته، اللي ممكن يكونوا آلاف… مش باينين، لكن محاوطينه من كل اتجاه.
ومن اللحظة دي… الرعب الحقيقي بدأ.
أحمد رمى سلاحه من إيده وجري زي المجنون، رجليه بتخبط في رمل الصحراء كأنه بيجري من موت وراه. نفسه بيقطع، عرقه سايح، بس ما وقفش ولا بص وراه. لحد ما وصل أخيرًا لبيتهم في القرية.
دخل من الباب وهو بيترعش، وشه شاحب زي الميتين، وعينيه مفتوحة عن آخرها بخوف مايتوصفش.
وقع على الأرض فجأة… جسمه بيرتعش بقوة، وصوته طالع بهلوسة غريبة. أصوات عواء ووشوشة مرعبة خرجت من حلقه… أصوات مش صوت بني آدم، أصوات من عالم تاني.
وفي لحظة… جسمه برد… برد قوي لدرجة يخليك تحس إنه جثة، ومع ذلك كان بيتحرّك ساعات كأن حاجة غريبة ماسكة فيه من جوه وبتتحكم فيه.أمه شافته بالمنظر ده، انهارت في بكا هستيري. افتكرت على طول حكايات الجدّات… عن الجن اللي بيدخلوا أجساد البشر، ويحبسوهم جوا كوابيس مالهاش نهاية: وجوه مشوهة، أرواح بتتوسل، وعوالم سودة بتبلع الروح من غير رحمة.
أبوه ما استناش لحظة، جري بسرعة ينده على شيخ البلد… الراجل اللي معروف عندهم إنه بيقرأ قرآن ويعالج بالرقية الشرعية. الشيخ جه على طول، قاعد جنب أحمد وفتح المصحف، وابتدى يقرأ آيات.
وأول ما بدأ القراءة… أحمد قلبه اتقلب. فجأة طلع من بؤه أصوات غريبة مش طبعية: الأول صوت ست بتعوي وصوتها حاد يخوّف، وبعدها صوت راجل تخين وغليظ كأنه رعد بيهزّ الحيطان.
الشيخ اتأكد إن الموضوع مش جني واحد، ده أكتر من واحد، كأن عشيرة كاملة راكبة جوا جسد أحمد. كانوا بيتكلموا بكلام غريب، شوية عربي مفهوم، وشوية أصوات متقطعة شيطانية ما تتفهمش.وفجأة، جه صوت قوي هو اللي باين إنه كبيرهم وقال:"الواد ده قتل ابني! هنقتله زي ما قتل ابني!"
الشيخ اتلخبط وقال بخوف:
"إزاي يعني قتل ابنكم؟"
الصوت ردّ:"ابني كان لابس شكل بني آدم عشان يختبره… لكن هو ضرب عليه بالنار وقتله. والدم… عمره ما يسكت."
الشيخ قال: "طب خلّونا نسمع من أحمد نفسه."
وفعلاً… أحمد فاق نص فايق، جسمه بيرتعش وعينه بتتزغلل، وابتدى يحكي وهو بيقطع في الكلام: "هو… هو كان ماشي من غير رجلين… طايف فوق الأرض… قرب لحد ما وشه لمس وشي… أنا خوفت… ضربت بالنار… لقيت دمه أسود… وطلع دخان خانق ريحته كبريت."
الشيخ هز راسه وقال للجن: "الولد دافع عن نفسه، ودي شريعتنا، الجني المسلم ماينفعش يخوّف البني آدمين ولا يقرب لهم بالشكل المرعب ده."
وفجأة، طلع صوت الجني الرئيسي يهزّ الجدران: "إحنا جن مسلمين، وكلامك صح. لكن فيه محكمة… محكمتنا إحنا! والواد ده لازم يتحاكم. هو اللي قتل، والدم عندنا ما بيسكتش."
أم أحمد صرخت بجنون: "يا ناس… ابني! خلوه في حاله!"
الجني رد عليها ببرود : "ما تخافيش… جسمه هيفضل عندك. بس عقله… عقله لازم يحضر المحكمة. هناك… هيشوف عالمنا على حقيقته. عالمنا اللي مفيهوش رحمة لا بالكافرين… ولا باللي يتعدّى أو يتطفل على حدودنا."
ومن اللحظة دي بدأت المحاكمة.
أربعة أيام كاملة… أحمد غرق في غيبوبة عميقة. جسمه مرمي ثابت على السرير كأنه حجر، لكن بُقه بيتحرّك لوحده، كأنه عايش كابوس جواه. أهله ما سابوش لحظة، مسكوا الموبايلات وسجّلوا كل حاجة. الفيديوهات دي نزلت على يوتيوب وخلّت آلاف الناس يترعبوا: أحمد بيتكلم بلغة غريبة مش مفهومة، ساعات يجاوب على أسئلة من حد مش باين، وساعات يصرخ فجأة كأنه إيد من نار ماسكة روحه بتسحبه.
في اليمن بيحكوا إن الجن ليهم أفراحهم الخاصة، أعراس ما حدش من البشر يقدر يشوفها، بتحصل في أماكن مقطوعة زي نص الصحرا أو جنب المقابر اللي فوق الجبال. ولو بني آدم بالغلط لقاهم أو حضر الفرح ده، عمره ما بيطلع سليم. بس اللي حصل مع أحمد ما كانش مجرد حكاية من حكايات الجدود… ده كان أسطورة حقيقية.
بعد ما أحمد فاق من الغيبوبة، حكى اللي شافه وخلّى الناس كلها تتصدم:قال إنه لقى نفسه متكتف بسلاسل دخان سودا، مربوط جوّه كهف ضخم، شكله كأنه بطن جبل من جوا، منوّر بلهيب أزرق غريب بيبرق في الضلمة.
قدّامه كانوا قاعدين "قضاة الجن"… أجسامهم عمالقة وشفافة زي الإزاز السخن، وعيونهم كتير بتتحرك فيه زي عيون التعبان وهو مترصّد للفريسة.
وفجأة ظهرت "أم الجني المقتول"… منظرها يجمّد الدم: مخالب طويلة بتلمع، وشعرها بيتمايل كأنه تعابين عايشة. صرخت بصوت يخبط في الدماغ:
"دم ابني بينادي على دمه!"
وفي لحظة، طلعت وراها عشيرتها كلها… مئات الكائنات بأشكال مرعبة: ذئاب طالعة من نار، عقارب قد الشجر، ووشوش حيوانات غريبة بتهمس بكلام مش مفهوم، وساوس تخلي الروح نفسها ترتجف جوا الجسد.
القاضي بصّ لأحمد وقال له:
"ليه قتلت أخونا؟"
أحمد وهو بيرتعش بدأ يحكي كل اللي حصل، صوته مكسور حتى وهو في الغيبوبة. المحكمة سمعت الحكاية، وأكّدوا إن الجني هو اللي خوّفه الأول وده ضد الشرع، لإن حتى الجن المسلمين ما ينفعش يرعبوا إنسان.
القضاة نطقوا بالحكم وقالوا:
"أحمد بريء… ومعفو عنه دنيا وآخرة. بس بشرط واحد: ما يستخدمش سلاحه تاني ضد أي كائن غريب، مهما كان شكله. من النهارده دمه بقى زَفِر."
الشيخ اللي كان موجود سأل باستغراب: "زفر يعني إيه؟"
واحد من الجن رد بصوت يدوّي:"يعني دمه بقى محمي عندنا… أي جن يشوفه يعرف إنه محظور لمسه أو الأذى ليه. حتى لو شافونا في شكلنا الحقيقي – أجساد نار تسيّح اللحم – مش هيقدر يقرب منه."
أحمد في الآخر، وهو بيرتعش، وصف العالم اللي دخل فيه: كهوف مليانة عويل أرواح تايهة، وجن بيتشكّلوا فجأة في صور قرايبه وأحبابه عشان يضحكوا عليه، وريحه كبريت خانقة تخلي النفس يتقطع.
عشيرة الجن قالت للشيخ:
"سامحناه… بس بلّغوا أهله إن اليمن مليانة من عوالمنا. الصحرا دي باب مفتوح لينا. واللي يقتل واحد مننا… هيفضل مربوط بعالمنا للأبد."
النهارده أحمد لسه عايش، بيحكي حكايته في قعدات مع أهله واللي حواليه… لكن عينيه لحد دلوقتي شايلة سُواد غامق، كأنه ظلام ما بيروحش.
وفي التراث اليمني بيحذروا:
"إوعى تضرب نار على ظل… يمكن يكون عين من عيونهم اللي بتراقبك من جوه النار."
ومن يومها أحمد ما بقاش زي الأول… عينيه بقت شايلة سِرّ تقيل، وسكوته بقى يخوّف أكتر من أي كلام. والناس كلها اتعلمت إن في عوالم حوالينا ما ينفعش نلعب معاها. واللي يحمي من كل ده مش سلاح ولا قوة… الحماية الحقيقية في ذكر ربنا.
﴿وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ﴾[المؤمنون: 97-98]
تمت
