رواية مرايا الحب الفصل التاسع9 والعاشر10 بقلم نورا عبد العزيز
بعنــــوان " جريـــمة لا تُغتفــــر "
أتكا "يونس" على فراشه بتعب شديد من الحركة بمساعدة "فلك" ليتنهد بأرتياح وهو يغمض عينيه لكن صوتها الخلفت بنبرته المُنكسرة وهى تقول:-
-أنا أسفة
جعله يفتح عينيه بدهشة مُتعجبًا لما سمعه منها وتسائل عن سبب أعتذارها وهى بهذا الإنكسار والضعف الشديد، سأل "فلك" بهدوء بينما يحدق بعينيها التي تتلألأ ببريق دموعها والحزن بدل ملامحها:-
-على أيه؟
أشارت على خصره بندم شديد وهى تلوم نفسها على ما جرى به وقالت بتمتمة:-
-على اللى حصلك؟ كل دا بسببي، أنا دمرت لك حياتك مع مراتك وكمان أتأذيت بسببي، فارس عمل فيك كدة عشان أخذتني من البيت، يعنى لولا أنك جيت مكنش حصلك اللى حصلك، فى الأخر أنا سبب كل الأذي والحزن اللى دخل حياتك... بجد انا أسفة والله ولو فى حااجة فى أيدي ممكن أعملها أصلح بيها كل اللى حصل كنت عملتها من غير ما اتردد لحظة واحدة
كان يستمع لكلماتها الهادئة رغم حزنها وعينيها التى خانتها مع لسانها المُعتذر لتذرف الدموع منها بندم شديد واللوم يقتلها من الداخل فربت "يونس" على الفراش كي تجلس جواره، جلست بهدوء تلبي رغبته فقال بحنان شديد مُنهكًا من التعب:-
-أنتِ مش سبب حاجة حد غيرك اللى عملها، لا أنتِ اللى قولتلي تعال البيت ولا حتى أنتِ اللى قولتلي أوصلك يوم ما حصل اللى حصل، ولا حتى أنتِ اللى طلبتي من اخوكي أنه يضربني بالسكينة، أنتِ مالكيش دخل فى كل دا، بالعكس يمكن أنا اللى شقلبت حياتك وأنا اللى خليت أخوكي يعمل كل دا لما أخدتك بعيد عنه ولو على حياة مين اللى دمرت فأعتقد أن أنا اللى دمرت حياتك لما أجبرتك تتجوزينى غصب وكمان فى السر من وراء أهلك ومن غير فرح ولا أى حاجة زى البنات، لو حد فين اللى محقوق للتاني يبقي أنا اللى محقوق لكِ يا فلك، الرجل يحل له أربعة شرعًا لكن أنتِ أتجوزتي من وراء أهلك
نظرت له بأنكسار أكبر ليتابع حديثه سريعًا قبل أن يتغلغل الحزن لقلبها وعقلها قائلًا:-
-مش قصدي أنك بنت وحشة يا فلك، أنتِ أشرف وأجدع وأطيب بنت أنا قابلتها فى حياتي وأكبر دليل على دا أنى بعتبرك صديقتي رغم أنى عمرى ما وثقت فى شخص واحد على وجه الأرض وحكيت له حاجة عنى ولا عن أسرارى لكن أنتِ فى مكانة عندي محدش يقدر يوصلها لو بسنين عشرة
تبسمت ببراءة بسمة دافئة أدخلت الفرح إلى قلبه وجعلته يبتسم فور رؤيتها لبسمتها المُدللة ليقول بلطف:-
-أيوة كدة أوعي فى يوم تخلي البسمة دى تروح ولا تستخبي، خليها دائمًا منورة وشك وحياتي
خجلت كثيرًا من كلماته وتحاشت النظر إليه فتبسم "يونس"ٍ على خجلها الجميل الذي يُزيدها جمالًا ولطفًا، الأرتياح والسلام الذي يشعر به بجوارها وفى حضورها بجنبه يُربكه دومًا ويجعله على وشك السقوط فى قاع مغلقًا لكنه قاع الحب حيث لا نهاية له ولا سبيل للمغادرة منه، ضحكت "فلك" بلطافة على ربكته الواضحة فى ملامحه ثم غادرت الغرفة هاربة من نظراته المُسلطة عليها دون خجل أو حرج منه...
******************
كان "أنس" جالسًا على البار ويحتضن بين أنامله كأس يحتوي على الخمر غاضبًا مما يحدث، بداخله غضب شديد من "يونس" رغم أن جزءًا منه يلتمس له العذر فبعد أن علم بمرض "فلك" لم يتحمل أبدًا فكرة البقاء معها، دومًا ما كان وما زال يسعى حول المثالية والكمالية، جلست بجانبه فتاة ليلي وهى تضع يدها خلف رأسه بدلل شديد بينما تُحدثه قائلة:-
-قاعد لوحدك ليه؟
رفع نظره إليها وعينيه ترى وجه "فلك" بوجهها فتمتم بضيق شديد مُعاتبًا إياها قائلًا:-
-عملتي فيا كدة ليه؟ عملتلك أيه أستاهل عليه الوجع دا، أختاري المريض وفضلتيه عليا ليه؟ أنا عاملتلك بكل حنية ولطف، يونس كان فيه أيه زيادة عني عشان تختاريه هو وتسيبنى أنا لوجعي
ألتف أكثر نحو الفتاة ليمسكها من كلا ذراعيها بقوة وزادت نبرته حدة وقوة وهو يتابع حديثه قائلًا:-
-أنا حبتك يا فلك، غلطت لما شيلت لك المشاعر الحلوة جوايا، بس تعرفي واحدة زيك تستاهل مريض زيه، تموتوا سوا مع بعض وأنا هدفعك تمن وجعي وحرقة قلبي يا فلك
ضرب صدره بقوة بقبضته بألم يبوح عما يسكن بداخله من جمر ناريًا مُحترقًا من قلبه الذي تحول لرماد بزواجها من أخيه، وتابع كلماته بنبرة واهنة مُتألمًا:-
-أنا حبتك يا فلك، حبتك ومكنتش عايز منك غير أنك تحبنى وتفضلي معايا لكن أنتِ أخترتيه هو، جاية ليا ليه ما دام أخترتيه هو، روحيله قومي روحي ليونس
قال كلماته الأخيرة بأنفعال وهو يدفعها بعيدًا عنه، لم تتحرك الفتاة من مكانها ليخرج هو من المكان غاضبًا وبحالة من الثمالة على وشك فقد وعيه، ركب سيارة أجرة وأخذه السائق إلى مبنى شركته، دلف وهو يهتز ويتأرجح من كثرة الخمور التى أرتشفها وكانت الشركة مظلمة بعد أن غادر جميع المؤظفين....
أستيقظ "أنس" صباحًا فى تمام الساعة السادسة وكأن نائمًا على الأريكة بحالة يرثي لها، فتح عينيه بتعب شديد وأذنيه تستمع لأنين بكاء خافت وشهقات مكتومة بين الضلوع، تجول فى الغرفة بعينيه وهو يشعر بتعب شديد فى جميع أنحاء جسده وخصيصًا رأسه المُصابة بصداع شديد، سرعان ما أتسعت عينيه على مصراعيها بصدمة ألجمته حين رأى "هالة" تجلس على الأرض وتنكمش فى ذاتها باكية وترتجف بقوة وملابسها ممزقة تمامًا وفى حالة من الفوضي، أعتدل فى جلسته ليشعر بألم فى عنقه فوضع يديه على عنقه ليشعر بخدوش حادة فبدأ عقله يترجم ما يحدث مما جعله ينتفض من مكانه ليجد ملابسه فى حالة من الفوضي التامة، تمتم بتلعثم شديد قائلًا:-
-هو حصل أيه؟
رفعت "هالة" نظرها به بأشمئزاز وغضب شديد يكمن بداخلها بعد أن سلبها هذا الذئب البشري شرفها بمنتهي القسوة والألم لتتذكر ما حدث أمس
(فــــــلاش بــــــــاك)
قبل أن يغادر "أنس" من الشركة فى حالة غضب بسبب حضور "قدر" أستوقفته "هالة" وهى تحمل ملف من الأوراق لتقول:-
-الورق اللى حضرتك طلبته منى
أخذه منها بغضب وعنف شديد ليلقي به فى وجهها دون أن يلقي نظرة عليه وقال بانفعال شديد:-
-عِديه من الأول دا إذا كنتِ عايزة تروحي بيتك الليلة دى
غادر غاضبًا، نظرت فى ساعة يدها وكانت الخامسة عصرًا لتتأفف بضيق شديد وعادت لمكتبها تعيد كتابته من جديد وعندما أنتهت منه، نظرت إلى الساعة كانت الساعة التاسعة مسًاءًا، وقفت من مكانها غاضبة من أوامره وذهبت إلى ماكينة الطباعة وأثناء أنتظارها للورق سمعت صوت بالخارج، تحركت للخارج بخوف من أن يكن لص بعد أن غادر جميع المؤظفين لترى "أنس" يدخل الشركة وهو يتأرجح، أعتقدت بأنه مريض أو أصابه شيء، ألتف ليضع الورق على المكتب وذهبت نحوه بحُسن نية لتقدم المساعدة له ويا ليتها لم تذهب إليه، لو كانت تعرف ما يخبأه القدر لها لأختبأت هى منه...
ظل ترمقه بنظرات مُميتة ترغب بقتله فى الحال بينما هو يحدق بها ولا يُصدق ما فعله نهائيًا، أول مرة فى حياته يلجأ للخمر ولم يكتفي بهذا الذنب ليرتكب الآن ذنبًا أكبر، ظل تبتكي وترتجف أمامه كطير ذُبح ويقاوم الموت ومفارقة روحه للحياة، ألتف يتحاشي النظر عنها وهو يغلق أزرار قميصه ويمسح وجهها بيديه بيأس ولا يعلم ماذا يفعل الآن، لم يفعل شيء سوا أخذ سترته ومغادرة المكتب، أنفجرت "هالة" باكية بأنهيار شديد مما حدث لها وكيف تعود لمنزلها؟ كيف ستخبر والدتها المريضة بما حدث معها؟ هل ستتقبل الأمر أم ستقتلها الصدمة، لملمت فستانها المُمزق وخرجت من المكتب خائفة أن يراها أحد، دلفت إلى غرفة العاملات لتأخذ ملابس أحد العاملات وأرتدت رغم ضعف جسدها الألم المنتشر بكل أنش فى جسدها من قساوته، خرجت من المبنى هاربة من هذا المكان اللعينة ربما تهدأ وتستطيع أن تفكر جيدًا فى هذا الأمر وماذا ستفعل؟....
أعدت "فلك" الإفطار من أجله فسمعت صوت بالبهو لتخرج من المطبه ووجدت "يونس" جالسًا على السفرة وقال بعفوية:-
-أنا هفطر هنا
أومأت إليه بنعم وبدأت ترتب السفرة من أجل الإفطار ثم جلست جواره فى حالة من الصمت لتقول بهدوء:-
-طمنى دلوقت عامل أيه؟
أجابها وهو يأخذ السندوتش بيديه قائلًا:-
-الحمد لله أحسن
أومأت إليه بنعم، رن هاتفه باسم "قدر" لتراه "فلك"، نظر "يونس" إلي "فلك" بحيرة لتكمل طعامها فقالت بهدوء:-
-رد عليها أنا مش هتخانق معاك عادى دى مراتك
تبسم "يونس" بعفوية وقال مازحًا:-
-مش هتغيري
ضحكت "فلك" بسخرية شديد من كلماته على عكس الضيق الذي شعرت به بداخلها فقالت:-
-أنا بغير من رجلى يا يونس، رد أنا قولتلك روح صالحها عادي ولو هى اللى عايزة تيجي عشان طبعًا بحالتك دى مش هتعرف تروح.. تنور
ضحك "يونس" على كلماتها ثم قال بضيق شديد:-
-مين دى اللى أصالحها وأراضيها، ما أنا أروح أخدها بالأحضان وأقولها فداكي ابننا نجيب غيره عادي
شعرت بغيرة شديدة تتسلل إلى قلبها من كلماته لتنهي لقمتها وهى تقف من مكانها غاضبة بشدة:-
-أنا هنزل أشترى حاجات للبيت
مرت من أمامه بضيق شديد ليُجيب على الهاتف بأختناق سافر فأتاه صوت "قدر" بهدوء ثابتًا:-
-عامل أيه يا يونس؟
أجابها بأختناق شديد قائلًا:-
-كويس، أيه متصلة تشوفنى مُت ولا لسه
ضحكت "قدر" بسخرية شديدة من كلماته وهى تجلس على المقعد وتضع قدم على الأخرى ثم قالت بتهكم شديد:-
-ومين قالك أني عاوزاك تموت، الموت رحمة لواحد زيك يا يونس وأنا لو بأيدي عمرى ما هرحمك هسيبك كدة تتعذب وأوهامك تقتلك
تنهد "يونس" بضيق شديد من هذه المرأة التى تنتظر أى فرصة لإذلاله ليقول بأختناق سافر:-
-أنا راجل زبالة أنى ردت عليكي يا قدر
أغلق الهاتف تمامًا بعد أن وضع رقمها فى المحظورين..
خرجت "فلك" من السوبر ماركت بضيق شديد وتحمل فى يديها أكياس وتُتمتم بضيق من حديثه:-
-أنتِ بتغير، لا جبلة معنديش دم ...اااه يا يونس لو يسبونى عليك..
رأها من النافذة وهى تُتمتم وتُحدث نفسها ليبتسم عليها بعفوية، كادت أن تعبر الطريق لتنظر على الجانبين أولًا ثم مرت وهى تنظر إليه غاضبة من بسمته على عكس غيرتها التى تقتلها، تحركت سيارة سوداء من الصف وسارت نحوها بقوة، حتى أصبحت على وشك دهسها لكن دفعها شاب من المأرة فأتسعت عيني "يونس" وهو يراها على الأرض وخلال ثواني حدث بما هذا وهربت السيارة، دلف للداخل مُسرعة، نظر الشاب إلى "فلك" بسعادة وقال:-
-أنتِ كويسة؟
أومأت إليه بنعم وهى ما زالت مُصدومة لا تُصدق أن الموت كان يلحقها الآن ولولا هذا الشاب لكانت ميتة حقًا، رأته يخرج من مبنى العمارة مُسرعًا وهو لا يبالى لجرحه وأسرع نحوها وهو يقول:-
-فلك! ، أنتِ كويسة؟
أومأت إليه بخوف شديد وصدمتها جعلتها ترتجف، ضمها إليه بخوف شديد مما رأه أمام عينيه وأنه كان على وشك فقدها، تشبثت به بخوف شديد ليقول إلى الشاب بإمتنان شديد:-
-أنا مُتشكر جدًا، لولاك معرفش كان هيحصل أيه
أجابه الشاب ببسمة عفوية وهو ينظر إلى "فلك" المختبأة بين ذراعيه كطفلة صغيرة:-
-على أيه، أى حد كان مكاني كان عمل اللى عملته، ربنا يحفظهالك ويطولك فى عمرها
بدأت يجمع الأغراض المنسكبة على الأرض لها بمساعدة "يونس" وأخذها ثم صعد للشقة معها...
*******************
تسللت "هالة" إلى شقتها بخوف من والداتها، ومنها إلى المرحاض لتغسل قذرته عنها وهى تشعر بأشمئزاز شديد من جسدها وظلت تحت صنوبر المياه أكثر من ساعتين ونصف ، أختلطت فيهم المياه بدموعها الحارة وبعد نوبة طويلة من البكاء، وضعت روب الأستحمام على جسدها ثم جمعت فستانها الممزقة وملابس العاملة فى كيس أسود اللون بلاستيكي وألقت بهم فى صندوق القمامة، تسللت لغرفتها وأختبأت فى فراشها بأنكسار وضعف لم يحلوا على حياتها من قبل بهذا القدر، روحها سُلبت منها رغم أستحمامها بماء دافئة إلا أنها تشعر ببرودة شديدة فى جسدها بعد أن حلت عليها هذه المصيبة، لتغرق فى نومها بتعب هاربة من هذا الواقع المُخيفة...
********************
وصلت رسالة على هاتف "يونس" من رقم مجهول محتواها
-أحظر رقمي مرة وأثنين وثلاثة براحتك لكن عمرك ما هتقدر تمنعنى عن انتقامي منها يا يونس
قرأ الرسالة مرة و أخرى حتى فهم ما تلمح له "قدر" ليتصل بها بغضب سافر قائلًا:-
-أنتِ اللى عملتيها يا قدر
أجابته بغضب سافر شديد يحمل ضغينتها الموجودة فى قلبها:-
-وهفضل أحلاول وأحاول لحد ما احرق قلبك عليها يا يونس زى ما حرقت قلبي وروحي وكبريائي بجوازك منها
صرخ بها بأنفعال شديد وهو لا يصدق أن هناك شخص يحمل كل هذا القدر من الكره والحقد فى قلبه:-
-ليه عملت لك أيه؟ ولا أنا عملت أيه؟ تأذيها ليه؟ ما كُنتٍ تطلبي الطلاق وخلاص
أجابته بأنكسار وحزن يغيم على قلبها وروحها قائلة:-
-وأسيبك تتهنى معها وتتهنى هي بيك ويبقي أنا الوحيدة اللى طلعت خسرانة وموجوعة فى مثلث الحب دا مش كدة، لا يا يونس، أنا مش هرتاح إلفا لما أحرق قلبك بجد وأن كان الإجهاض محرقش قلبك ولسه عايش مرتاح وبتعرف تتضحك يبقي هكمل لحد ما يجى عليك الوقت اللى يكون فيه الضحك مستحيل في حياتك ومتعرفش فى عمرك كله غير التعاسة والبكاء والندم بس فخلي بالك منها يا يونس
صاح بأنفعال شديد مُهددًا إياها بغضب ناريًا:-
-فكرى تقربي منها يا قدر مرة تانية وأنا أقف أخد عزائكِ فى المقابر
ضحكت "قدر" بسخرية من تهديدًا وضعفه على تنفيذ هذا الحديث ثم أنهت الاتصال..
شعرت "فلك" بدفء يتسلل إلي جسدها ويحيط خصرها لتفتح عينيها بقلق خصيصًا بعد تضارب أنفاسه الدافئة إلى عنقها البارد من الخلف، تنهدت بخجل شديد جعل وجنتيها توردت بالدم وضربات قلبها المُرتجفة لتقول بهمس شديد:-
-يونس!!
أغمض عينيه بأستسلام شديد ليأسه وضعفه بهذه الحالة بعد ما حدث إليه من أقرب الأشخاص إليه، همس بضعف وقلة حيلة قائلًا:-
-خليكي يا فلك، متبعديش عندي الله يخليكي
ضعف لطم قلبها دون أن يفعل "يونس"، لم تبلي طلبه فلم تبقي ساكنة أبدًا بل حركها القلق والخوف الذي سيطروه عليها بعد أن سمعت نبرته الواهنة، ألتفت إليه لتراه مغمض العينين رغم هروب دموعه وسقوطها على وجنتيه الباردتين، نظرت إليه برجفة قلب وذعر العقل مُتسائلًا عما حدث إليه، أحتضنت وجهه بيديها الصغيرتين وهى تقول:-
-يونس... مالك؟
تتطلع بها بضعف كأنه يستغيث بها كي تكون طوق نجاته، لم يقوي على التفوه بكلمة واحدة لتضم رأسه إلي صدرها وهى تربت على ظهره بلطف كأنها أم له تحمل بداخلها قلب ممتليء بحنان ورحمة الأم على طفلها لكنه طفلها الذي لم تحمله برحمها، همست إليه بحنان قائلة:-
-أنا جنبك ومعاك يا يونس......
******************
فتحت الخادمة باب المنزل لتجد مجموعة من الرجال على باب المنزل فحدقت بهم بقلق وقالت:-
-أى خدمة
أجابها الرجل بحدة شديدة قائلًا:-
-مش دا بيت أنس مختار النور
نظرت الخادمة إليهم بقلق وتوتر شديد ثم قالت:-
-أيوة
-هو موجود؟
قالها الرجل بنفس القدر من الحدة التي يتحدث بها فأومأت إليه بنعم وقبل ان يتحدث الرجل، جاء "أنس" من الداخل ليقول:-
-أنا أنس فى حاجة
تبسم الرجل إليه بسخرية من ثقته الجادة وقال بحزم:-
-حضرتك مطلوب القبض عليك
أعطاه إقرار القبض عليه ليُصدم "أنس" مما سمعه وهو يأخذ الورقة من الضابط ولا يُصدق بأن "هالة" بلغت عنه قبل أن تناقشه فى الأمر لكن أذنه لم تصدق أبدًا ما سمعه عندما قالت الخادمة بضيق:-
-ليه هو عمل أيه؟
أجابها الضابط بكل ثقة وهو ينظر إلى "أنس" الواقف مصدومًا:-
-متهم فى جريمة قتل
لم يكتفي بجريمة أغتصاب وأنتهاك عرض ليُضيف عليها قتل ......
الفصل العاشر
بعنــــوان " ضـربـة قلـب "
أستيقظ "يونس" صباحًا على رنين هاتفه، ألتف فى فراشه وهو يمطي جسده بتكاسل شديد وفتح عينيه بتعب شديد ليجد نفسه بفراشها داخل غرفة "فلك" وهى قد غادرت فراشها ربما عندما وجدته به، أعتدل فى جلسته بحرج شديد من فعلته وهو يخرج هاتفه من جيبه وكان رقم "قدر" الجديد تأفف بضيق من أتصالها به مُجددًا رغم كل ما فعلته وتهديدها الصريح له، وضع الهاتف فى جيبه مرة أخرى وخرج من الغرفة
كانت "فلك" تقف فى المطبخ أمام غلاية المياه الزجاجية والمياه بداخلها وصلت لأقصي لدرجة الغليان وهى شاردة تمامًا لا تشعر بشيء وتحتضن بين أناملها كوبها الأسود، ضربات قلبها تضرب صدرها الصلب بقوة وهى تتذكر صباحًا عندما فتحت عينيها ورأت وجهه أول شيء أمامها، ظلت تحدق به لا تصدق ما تراه وقُربه منها، أنفاسه تلطم وجهها بدفئها ورأسها فوق ذراعيه وهو يطوقها بقوة حتى لا تفر منه، أغلق عليها كل سُبل الهرب والفرار منه، يديها أمام صدرها تسكين على صدره القوية وتشعر بضربات قلبه، تنفست بخجل شديد وبدأت تشعر بحرارة جسدها ترتفع شيئًا فشيء بسبب قُربه منه، لأول مرة تسنح لها الفرصة لتأمل بملامحه بتركيز شديد كان كطفلًا بريء ينام بجوراها مُتصلقًا بها وشعره الأسود مُبعثر بعفوية بشرته البيضاء ولحيته السوداء تُزيده جمالًا، رفعت يدها ببطيء شديد خلسًا تلمس لحيته بسبابتها وهى لا تُصدق بأنها زوجة هذا الرجل، رغم جماله إلا أن حياته تعيسة تحمل له الألم وأنين الوجع، يملك الجمال والمال لكنه أتعس شخص على هذه الأرض، ربما أخذ نصيبه من الرزق فى الوسامة والمال لكن بماذا سيفيده هذا وليلًا يبكي وجعًا ووحيدًا؟ بماذا سيفيده المال وهو وحيدًا لا يملك بجانبه أحد يربت عليه ويطمئنه، لا يملك من يأخذه بين ذراعيه تاركًا له مجال البكاء، شفقت "فلك" عليه كما تشفق على حالها، حينما أراد الله أن يُهديها قلب حنونه أعطاه "فلك" مريضة على حافة الموت، دمعت عينيها حزنًا على حالها وحاله فتسللت من بين ذراعيه برفق حتى لا تقظه من نومه العميق...
شعرت "فلك" بشيء يدفعها من الخلف بلطف، فاق من شرودها لتراه يقف خلفها ويمد يده ينزع الفيشة من الكهرباء وهمس فى أذنيها قائلًا:-
-سرحانة فى أيه؟
ألتفت "فلك" بخجل شديد مما حدث وضمه إليها صباحًا فأنفجرت صارخة فى وجهه وعينيها ترمقه بقوة غيظًا من فعلته:-
-فى عمايلك؟ حاول تتخيل أنا شوفت أيه أول ما صحيت الصبح عشان يعكر يومى كدة
تتطلع بها بصدمة من كلماتها وإهانتها له بشكل غير مباشر لكنها حتمًا تقصده هو فكز على أسنانه غيظًا وقال بأختناق ونبرة خشنة:-
-شوفتِ أيه يا ترى؟
وضعت الماء المغلي فى كوبها وأخذته بين يديها وهى تلتف إليه من جديد ثم قالت بزمجرة حادة:-
-روح أقف قدام المرايا وأنت تشوف نفس اللى شوفته
مرت من امامه هاربة من عينيه التى على وشك لطمها قبل يديه بسبب لسانها الحاد الغليظ، تنهد "يونس" بأختناق مُحاولًا كبح غضبه ثم ألتف كي يذهب وراءها، رأها تجلس على المقعد بجسدها الصغير الذي لا يأخذ كثيرًا من مساحته فجلس على نفس المقعد جوارها، نظرت إليه بعيني مذهولة والدهشة من قُربه هكذا منها تثير غضبها، تنفست بصعوبة خوفًا من عينيه النارية التى تبث شرارة غضبه من كلماتها التى تفوهت بها قبل قليل فقالت مُتنحنحة بحرج شديد:-
-أحم فى أيه؟
تطلع بها ليرى ربكتها فى عينيها وتلعثمها الواضح بنبرتها ليبتسم خبثًا عليها وقال:-
-مفيش أنا مبسوط هنا
تطلعت بالمقعد وضيق المكان لتقول بتعجب:-
-مالك يا يونس؟ مبسوط هنا أزاى، أنا مش عارفة أقعد منك ما المكان واسع أهو حبكت معاك هنا
أومأ إليها بنعم حاولت دفعه بعيدًا عنها لكنه كالصخرة الثابتة بالأرض لا يمكن زحزحتها، خصيصًا بجسدها الضئيل أمام بنيته الجسدية القوية فتنهدت بهدوء تسترخي وتهدأ من روعتها وانفعالها ثم وضعت الكوب على الطاولة الصغيرة المجاورة لها ثم وقفت من المقعد وأخذت يديه برفق شديد ليقف معها هادئًا لتعلم بأنها لن تستطيع زحزحته بالقوة لكن باللين سيلبي رغباتها وينفذ ما تريده دون أى مقاومة، كادت ان تتحدث ليرى هاتفه مرة أخرى ليخرج الهاتف من جيبه بيده الأخرى وهى ما زالت تتشبث بيده اليمنى وعندما رأت اسم "قدر" على شاشة هاتفه تركت يده بغيرة شديدة من هذه المرأة وقلبها يشتعل نارًا وبداخله بركانًا باطنًا يغل لأقصي درجات الغليان وعلى وشك الأنفجار، تطلع "يونس" بها بعد أن تركت يده فجأة وأجاب على "قدر" بضيق قائلًا بنبرة حازمة:-
-أفندم ؟
تحدثت معه لتخبره بما حدث لأخاه لينفض ذعرًا من مكانه....
**************
أنتقلت جثة فتاة الليل إلى المشرحة وبعد الحصول على لقطات كاميرات المراقبة من المكان رأوا "أنس" وهو يعنفها بقوة ودفعها غضبًا ثم غادر المكان وهى خرجت خلفه، لكن تعنيفه إليها وأنفعاله الشديد عليها بعد الحديث الطويل وضعه فى محل أشتباه فى قتلها، نظر "أنس" إلى وكيل النيابة لا يُصدق ما يسمعه وأتهامه فى جريمة قتل فتاة ليل ولم يرى وجهها من قبل فأمس كان يرى وجه "فلك" وكل ما حدث كان مع "فلك" لكن كيف سيبثت أنه كان يُحدث أوهامه ومخيلاته لمحبوبته، كان مشوشًا وشاردًا حتى سمع وكيل النيابة يقول:-
-يُحبس المتهم أربعة أيام على ذمة التحقيق
أغمض عينيه بيأس شديد وهو لا يُصدق ما سمعه، أخذه العسكرى للخارج ليهرع إليه "يونس" بصدمة ألجمته من القبض على أخاه الأكبر، تطلع "أنس" بيأس بوجه "فلك" الواقفة بجانب "يونس" وكانت نظراته تتهمه وتلومها على ما حدث، كأنها سبب كل ما حدث إليه رغم بُعدها كل البُعد عنه، نظرت "قدر" إلى "فلك" بعد نظرات "أنس" وكانت تشتعل غضبًا من هذه الفتاة الضعيفة التى أخذت قلب الأخين ووحدها من ستصنع الفلق بينهما فلن يقبل أبدًا "يونس" بهذه العشق الموجود بداخل عيني "أنس" لزوجته، سأله "يونس" بقلق شديد قائلًا:-
-حصل أيه؟
تتطلع "أنس" به بيأسي تمكن منه ثم قال بنبرة خافتة محطمًا:-
-أمشي يا يونس ، أمشي من هنا ومتجيش تاني
نظر "يونس" إليه نظرة صادمة لا يُصدق الإحباط التى تمكن من أخاه وموافقته على ما يجرى إليه وكأنه يستسلم لجريمة لم يفعلها مما جعل "يونس" يُشك للحظات أن أخاه فعل هذه الجريمة وقتل هذه الفتاة، فعينيه كانت مليئة بالأحباط واليأس لم تكن عيني بريء يسعى جاهدًا لإثبات براءته أو الخروج من هنا، غادر مع العسكرى تاركهم خلفه، تمتم "يونس" بحيرة شديد:-
-أنس مقتلتهاش مش كدة؟
ربتت "فلك" على كتفه بخفة لينظر إليها ثم أخذ يدها وغادر المكان بصحبة "فلك" تاركًا "قدر" وهو لم ينسي أبدًا فعلتها ومُحاولة قتل "فلك" أمس بسببها...
*****************
كانت "هالة" مُختبأة فى غرفتها خائفة بعد ما حدث معها ولا تعلم ماذا تفعل فى هذه الكارثة التى حلت عليها، أخذت هاتفها وفتحته لتصل رسائل كثيرة على مجموعة الدردشة الخاصة بالعمل لكنها لم تهتم إلا بهذه الرسالة التى وصلت للتو وهاتفها فى يدها تحمل كلمات قليلة
(عرفتوا أن أنس اتقبض عليه....)
فتحت الدردشة بذعر شديد بعد ما قرأته لتقرأ الرسائل بصدمة ألجمتها...
*****************
كان "يونس" جالسًا مع المحامي فى مكتب الشركة يحاول الوصول لبراءة أخاه فقال:-
-أعمل أيه حاجة، المهم أنس يخرج ما دام هو بريء ومعملش كدة
-أنس بيه قال أنه كان فى البيت وطبعًا مش هنقدر نثبت الحجة دى
قالها المحامي بهدوء شديد ليصرخ "يونس" غيظًا من هذا الحديث الذي لا يرضيه أبدًا:-
-أتصرف حتى لو أضطرت أنك تجيب حد يشهد أنه كان فى البيت الساعة 4 الفجر دا ميخصنيش
تنحنح "فلك" بهدوء وهى تقف على باب المكتب وتسمع صراخه مع المحامى وهو عاجزًا عن فعل أـى شيء ليقف من مكانه بعد دخول "فلك" وقال:-
-طيب أنا هحاول كدة محاولة فى حاجة فى دماغى لو نفعت هبلغ حضرتك
أومأ "يونس" إليه بنعم ثم خرج المحامي من المكتب، تنهد "يونس" بأختناق شديد وهو يقول:-
-تعالي يا فلك
نظرت "فلك" إليه بهدوء شديد خوفًا من وجهه الغاضب لأول مرة ترى غضبه ونظرته الحادة أرعبتها وجعلت قلبها وروحها يرتجفا فزعًا من صراخه مع المحامي، لم تتخيل أبدًا أن زوجها بهذه الحدة والشراسة، نظرة الشيطان التى رأتها فى عينيها وهو يبحث عن براءة أخاه جعلتها تنتفض رعبًا منه وكأنها تقف أمام وترى شخص أخر غير زوجها اللطيف، تنحنحت بحرج منه وهمست بلطف قائلة:-
-أنا كنت عايزة أقولك أنى هروح أزور هالة وأطمن عليها
أومأ إليه بنعم بلا مبالاة وهو لا يهتم لشيء الآن سوى كارثة أخاه التى حلت به، لتخرج من المكتب مُسرعة هاربة منه وهو عقله مشوش لا يُصدق ما يراه أو يسمعه حتى أنه لم ينتبه أبدًا أنه سمح لها بالخروج وحدها بعد تهديد "قدر" له، وقفت "فلك" أمام المصعد وهى تحاول الاتصال بهاتف "هالة" لكن لا جدوى من المحاولة فالهاتف مُغلق تمامًا، وصل المصعد للطابق أمامها لتفتح الباب وتدخل ثم ضغطت على زر الصفر وأغلق الباب، جاء رجل يرتدي زى الصيانة ووضع لاصقًا على الباب من الخارج يحمل كلمات قليلة محتواها (تحت الصيانة)، نظر حولها بخبث شديد ثم أتصل على صديق له يقف بغرفة التحكم ليوقف المصعد
توقف المصعد فجأة لتنظر "فلك" لهلع شديد وهى لديها فوبيا من الأماكن المُغلقة فبدأت تضغط على الأزرار بهلع دون تفكير بشيء فبدأت أنفاسها تنقطع وترتجف ذرعًا وتصرخ بأسمه قائلة:-
-يونس ... يونــــس حد يخرجنى من هنا
أرتطمت بالمصعد باكيًا وهى تضع يديها على عنقها من أنفاسها المُتقطعة وضربات قلبها المُنخفضة، بدأت تشعر بدوران فى رأسها ورؤيتها المشوشة والأضاءة تحجب عينيها لتلفظه أسمه بصعوبة بالغة:-
-يـ ..ـو نــ ــس
سقطت أرضًا وهى تحاول فتح دبوس حجابها لكي تلتقط أنفاسها ربما تساعدها لكنها لم تقوى على الحركة فتمتمة وهى تغمض عينيها:-
-يـ ـو نـ ـس
أغمضت عينيها فاقدة للوعى مُستسلمًا لأنفاسها المُتقطعة الضعيفة، خرج الموظف من المكتب مع زميلته فوجدوا رسالة تحت الصيانة على المصعد فقالت الفتاة بضيق شديد:-
-لا يا عم روح هات الفطار أنت أنا مش هنزل من السابع
ذهب الشاب لتعود الفتاة إلى الداخل وأخبرت أصدقائها عن صيانة المصعد...
بدأ الرجل المُقنع فى محاولة فك أسلاك المصعد حتى يسقط بـ "فلك" وينفذ مهمته التى طلبتها "قدر" وهى موت هذه الفتاة، وصديقه يراقب المكان له
خرج "يونس" من مكتبه وأتجاه إلى الكافتيريا ليسمع الجميع يتحدث عن صيانة المصعد فأتسعت عينيه بدهشة فهو لم يطلب أى صيانة من الشركة، عاد إلى مكتبه بعد أن صنع قهوته وشعر بوخزة فى قلبه تؤلمه ليضع كوب القهوة على المكتب وهو يخرج الهاتف من جيبه وأتصل بهاتف "فلك" وكان غير مُتاحًا مما جعله يرتجف خوفًا، مما جعله يشعر بالقلق عليه أكثر، أتصل بمكتب الأمان ليسأل عن صيانة المصعد ومتى ستنتهى ليُصدم عندما أخبره رجل الأمن بأن رجال الصيانة جاءوا برغبة منه بعد أن أتصل هو بهما، بدأ "يونس" يربط الخيوط معًا ليفزع خوفًا عليها وهرع إلى الخارج مُسرعًا وحاول فتح باب المصعد بصعوبة ليراه بالطابق الخامس، ركض للأسفل خوفًا وفتح باب المصعد بالقوة فى الطابق الخامس وكان جزءًا كبيرًا من المصعد لم يصل للباب فتسلل هو من هذا الجزء الصغير بعد أن رأها على الأرض فاقدة للوعي، حمل رأسها بين ذراعيه باكيًا بخوف شديد مُتمتمًا باسمها:-
-فلك
كانت باردة كقطعة من الثلج بين ذراعيه، أخذ يدها المُلقية على الأرض بين راحة يده الدافئة وقلبه يلومه على أهماله بها رغم معرفته بالخطر المُحاط بها من زوجته الأولي
رأى الشاب رجال الأمن قادمون إليهم ففر هاربًا مع صديقه قبل أن يُسقط المصعد بهما، حملها "يونس" على ذراعيه وعاد بها إلي مكتبه وحاول إيقاظها وبعد محاولات عدة والكثير من الخوف التى لجمه من أن يكن أصابها شيء، فتحت عينيها بصعوبة بالغة وهى تلفظ أنفاسها بأرتياح فتبسم "يونس" فور رؤيتها هكذا ليقول:-
-وأخيرًا
تنفست بلطف وهى ترمقه بعينيها لتقول بأرتجاف:-
-يونس
ضمها إليه بقوة حتى وأن كانت ستلعنه بعد فعلته لكنه سيتحمل لعنها وسبها إليه مُقابل هذا العنق، لم يكن بحاجة لشيء فى هذه اللحظة سوى عنقها وبقدر حاجته لضمها بين ذراعيه يشعر بأنفاسها وضربات قلبها المُنتظمة،تنفست بهدوء وأرتياح شديد مع شعورها بهذا القدر من الأمان والطمأنينة التى تشعر بها معه، كانت هى بمثابة السمكة التى عادت للمحيط للتو بعد خروجها من الماء، تشم رائحته وعبيره الذي يخطف أنفاسها
كان يعلم بأنها ربما هذه المرة لم تكتفي بسبه بل ستلطمه من لمسه لها دون أذن منها لكنه صُدم تمامًا من رد فعلها عندما شعر بيديها تحيط بظهره وتتشبث به بأناملها الصغيرة تبادله العناق بضعف وخوف، رجفة يديها على ظهره حملت له رسالة من كلمة واحدة ( الخوف) على وشك قتلها، لا ترغب فى مواجهة الموت مرة أخرى ألا يكفي أنها على حافته تقف بقلبها المريضة لتواجهه الآن مرات عدة، ربت على ظهرها بلطف شديد وهو يقول:-
-أنا جنبك يا فلك، أطمني
تنهدت بأرتياح ليضرب أنفاسها صدره وتسلل من بين أزراره إلى صدره ليشعر بدفئها، تبسم بعفوية وهو يبتعد عنها بهدوء لينظر إلى عينيها رغم يديها التى ما زالت تطوقها بقوة وقال:-
-متخافيش
تتطلعت بعينيه بقلق شديد قرأه فى نظرتها الخافتة ثم رفعت يدها اليمنى إلى وجنته تلمس لحيته السوداء وهى ترمق عينيه الرمادية كحياته الرمادية الخالية من جميع الألوان فقالت بهمس خافت:-
-أنا مش خايفة من الموت، أنا خايفة أسيبك لوحدك ورايا
كلماتها القليل خطفت قلبه من صدرته ليشعر بأن ما يحمله بداخله لم يكن قلبًا له بل قلبًا مُحملًا بالكثير لأجلها، لأول مرة يقين بأن قلبه لا يريد سوى "فلك" واللفظ بأسمها بين ضرباته أخف من حمل فراشة فى الهواء، لم يجد جوابًا مثيلًا لكلماتها يرضي كبريائها و أنوثتها كأنثي وكرامتها كزوجة إليه سوى قبلته التى وضعها على جبينها بعد أن ألتصقت شفتيه بجبينها بقوة ولم يستطيع أبعادهما عنها لكنه فى نهاية المطاف أبتعد عنها ليرمقها بعينيه الدافئة المُحملة بالكثير من المشاعر وتفضحه أمامها بما يحاول جاهدًا إخفائه عنها وتفيض بما لا يبوح به لسانه لكن قلبه باح به بكل يقين وثقة كالفيضان الذي ضرب جفنيه ولم يكن كافيًا لحمله، أقتربت لتضع رأسها على كتفه مرة أخرى تستكين على صدره بأرتياح وأمان، سألها "يونس" بهدوء:-
-أنتِ بتحبينى يا فلك؟......
يتبع
