رواية مرايا الحب الفصل الحادي عشر11 بقلم نورا عبد العزيز

رواية مرايا الحب الفصل الحادي عشر11 بقلم نورا عبد العزيز
بعنــــوان " مشـــاعـر مُختـلطــة "

أتسعت عيناها على مصراعيها بذهول تام من سؤاله الغير متوقع ولم يأتي ببالها يومًا، وقفت من أمامه هاربة من الجواب فحتى قلبها لا يعرف الجواب، كانت تعتقد بأنها تكمل ناقصه وأنهما فقط بحاجة بعضهما فلن يتقبلهما أخر بأمراضهما، مسك "يونس" معصمها بلطف قبل أن ترحل لتنظر إلى يده التى تحتضن معصمها بلطف شديد ثم إلي وجه "يونس" وعينيه تتطلع بها بشغف لمعرفة الجواب وأن كانت تكن له الكثير أو القليل حتى من المشاعر الحسنة، تصنعت الشجاعة والغلاظة معًا ثم قالت:-
-حب أيه؟ إحنا أتفقنا نكون صحاب بس مش أكتر

وقف أمامها وهو ما زال مُتشبثًا بمعصمها ثم سأل بفضول شديد وعقله على وشك الجنون من التساؤل:-
-واللى حصل من شوية؟

نفضت "فلك" ذراعها من يده  بقوة غيظًا من كلماته وشعرت بحرج شديد منه وعينيه تكاد تلتهمها بشراسة وقالت بنبرة مُرتفعة حادة مُحاولة جاهدة فى تصنع القوة:-
-كنت خايفة متفسرهاش حاجة تانية وأنت اللى بدأت كمان
 
أستشاط غيظًا منها وألتف مُتأففًا بقوة ليرى "غزل" تقف فى الخلف غاضبة بوجه عابس وحاد تعقد حاجبيها وتضمهم بقوة ليبتلع ريقه بصعوبة بالغة خوفًا من غضبها وقال:-
-غزل أنا..

تمتمت "غزل" بنبرة قوية ساخرة منه وهى تقترب بخطوات ثابتة:-
-أنت وقعت فى الحب يا يونس

تنحنح بحرج شديد من كلماتها ولم يجيب، وصلت أمامه لتمسكه من لياقته بقوة وتحدثت بنبرة قوية غاضبة من أفعاله:-
-أنا حذرتك يا يونس، أنت مش هتحب حد غيرى ولا هتكون لغيري، متفكرش أن فلك أو غيرها ممكن يأخدوك منى، أنت ليا أنا وبس 

تتطلع بعينيها الجريئة وقوتها الحادة التى لطالما غمرته قوتها وغلبته شجاعتها ليشعر بضربات قلبه تتسارع وعينيها يغلبه جمالها دومًا، كجمال فلق الصباح الذي يُنير السماء ويجذب الأنظار إليها وقال بصوت خافت:-
-غزل أنا مبطلتش أحبك

ضحكت "غزل" بسخرية منه وهى أكثر من يعرف ما بداخلها فهى نسيج من باطنه، تمتمت بعيني تملأها غرغرة دموعها الحارة التى تحرقها مع حرارتها ثم قالت:-
-تُحبنى وقلبك نابضًا بغيري ويهرع إليها، قول كلام غير دا يا يونس

لمس وجنتها خائفًا بقلب مُرتجف خوفًا من دموعها التى ذرفت على وجنتيها، خائفًا من فقدها للأبد أو أن تعاقبه وتتلاشي وهى صديقته الوحيدة، مُنذ ظهورها فى حياته وهو أبتعد عن جميع الأصدقاء ولم يعد يملكها سواها وغيرها، هى تغنيه عن الجميع وتحميه من الخذلان والغدر، يقن بأنها الوحيدة التى لن تفارقه كما حدث مع حبيبته المتوفية، التي أخذها الموت منه، "غزل" الوحيدة التى لن تفارقه إلا بمفارقته للحياة، ستغادر معه الحياة، جفف دموعها بسبابته وقال بنبرة هادئة:-
-أنا محتاجاك يا غزل وبحبك وأنتِ عارفة دا

جهشت باكية بأنهيار تام وهى تجلس على الأرض، جلس معها وهو يطوقها بذراعيه ويُضمها إليه بحنان وقلب دافيء ممتليء بالحب والإحتياج الشديد إليها، فُتح باب المكتب ودلفت "قدر" لتراه جالسًا أرضًا ويفتح ذراعيه للأمام لتضحك بسخرية شديدة من مرضه وقالت:-
-أيه دا؟ هو أنا جيت فى وقت مش مناسب ولا أيه؟  

 تلاشت "غزل" مع صوتها التى ضرب أذنيه بقوة ليتنهد بهدوء شديد وهو يفك ذراعيها المتشابكين للأمام ثم نظر إلى الأعلي نحو "قدر" التى تخطو نحوه بخطوات ثابتة مُرتدية تنورة طويلة تصل إلى لأسفل ركبتيها سوداء اللون وبلطو سماوي اللون طويل يصل إلى ركبتيها مفتوح ليظهر قميصها الصوفي الأسود الذي تدخله فى تنورتها ليظهر نحافتها وتحمل حقيبة صغيرة بحجم كف يدها فقط بسلسلة على كتفها وكعب عالي صوت طقطقته تطرب أذنيه، تتطلع "يونس" بعينيها الخضراء أثناء وقوفه مُستقيمة ووضع يديه فى جيوبه بغرور ثم قال بغضب مكبوح من كلماتها:-
-أيه اللى جابك هنا يا قدر؟

وقفت قُربه وأمامه مباشرة وأنفاسها تلطم وجهه وترمق عينيه الرمادية كالخنجر المغروس به وقالت بتهكم:-
-وحشتني يا يونس ومقدرتش على فراقك فقُلت لازم أجي أشوفك بنفسي

أخذ "يونس" خطوته الأخيرة نحوها ليتصلق بها وهى تصطنع الصمود أمامه وتتشبث بكبريائها الطاغي على أنوثتها وهمس بثقة بنبرة دافئة تُربكها وتُهزم قوتها الهشة:-
-على الرغم من أنك بتقوليها بسخرية واضحة جدًا لكنها الحقيقة يا قدر، أنا فعلاً وحشتك وشوقك هو اللى غلبك وجابك هنا، شوقك ليا هو اللى خليك واقفة قدامي دلوقت هنا وشايفاني

تحاشت النظر إلى عينيه بأرتباك وتوتر شديد من كلماتها الصائبة فلم يخطي بأى كلمة تفوه بها، هتفت بضيق شديد وهى تراه على وشك الانتصار عليها:-
-متسرحش بخيالك كتير يا يونس

تبسم بخبث شديد وهو يرى ربكتها وتوترها أم عنه فلا يعرفها أحد ولا يحفظها عن ظهر أحد مثلما يعرفها "يونس" فتحدث بثقة وجراءة:-
-عارفة مشكلتك أيه يا قدر، مشكلتك أنك عايزانى وبتحبنى لكن يا حرام كبريائك وغرورك مش سامحين لك أنك تحبي وتتعلق وتربطي حياتك بواحد مجنون، لأن فى نظرك مرضي هو الجنون وأنا واحد محتاج مصحة ومستشفي مجانين ميستاهلش الحب والحياة عادي كدة، مشكلتك يا قدر هو غرورك وكبريائك اللعين وصدقينى لو فى حاجة واجعاكي فهى غرورك، أنا إنسان طبيعي راضي بمرضي ومُتقبل دا، ولاقيت اللى ترضي بيا كدة وتقبل مرضي وتعاملنى على أني إنسان طبيعي من حقي الحب والحياة وأستمتع بكل حاجة فيها لأني هعيش مرة واحدة... ودا اللى قهرك يا قدر أني بدأت أسيبك وأروح لفلك 

ألتفت تنظر نحوه أثناء حديثه وتستمع لكل ما يتفوه به بهذا الهدوء لتصرخ به بأنفعال فور أتمام كلماته وقبضتها تضربه بقوة على صدره مُستشاطة غيظًا وقهرًا من كلماته التى حرقت قلبها للتو:-
-روحلها يا يونس ، ما تروح لفلك ولا لغزل ولا أى واحدة، أنت كدة طول عمرك بتجرى وراء أى حاجة مونثة، حُب ... حُب أيه أنت اللى زيك ميستاهلش الحب، ما أنا حبيتك قدرت دا ولا أحترمته، لا بالعكس أنت دوست عليا وعلى قلبى اللى حبك، بحبك أه ..لا بكرهك فى نفس الوقت، وبكره نفسك وراحتك، بكره صوتك وبكره لمستك ليا، مبقتش طاقية أيدك تلمسنى ولا حتى تضمني لصدرك، أنا بقرف منك يا يونس

كانت كلماتها تفتت قلبه، تمنى لو ندمت على قتلها لأبنه برحمها، أو جاءت لتطلب السماح والعفو عما بدر منها إليه من إساءة وقسوة وذل لكنها جاءت لتزيد أوجاعه وغضبه منها، جاءت لتنتشل من قلبه أخر ذرة حُب موجودة بقلبه إليها، شعر بأنتزاع حُبها من قلبه وهو يصرخ بالداخل، لا يعلم متى تحولت "قدر" لهذه المرأة الشيطانية اللعينة؟ تساءل كثيرًا أن كان هو السبب فهذه النسخة الخبيثة البغطاء التى يراها؟، مسك ذراعها بقوة وهو يجذبها نحوه بغضب شديد على وشك ألتهامها وقال بعيني حادة تقتلها أمامها بنظراتها:-
-أكرهنى يا قدر وكرهني فيكي كمان وكمان، عشان لما أروح لفلك بجد بقلبي وروحي مبقاش شايل ذنبك، أكرهني يا قدر وخلي قسوتك تسرق كل حاجة حلوة جوايا ليكي

-وأنت أيه مقستش عليا بخيانتك؟ دا انت أتجوزت عليا يا يونس فى أكتر من كدة قسوة

صرخ فى وجهها بأنفعال شديد لا يُصدق أتهامها إليه قائلًا:-
-صورى، أتجوزت جواز صورى يا قدر عشان ذُلك ليا وقسوتك عليا، لحد النهاردة مش عارف ألمس واحدة غيرك ولا أحب غيرك وأنتِ مبتعمليش حاجة غير كسرتك ليا وإهانتك ليا

ضربته بقوة فى صدره بأنتصار بعد أن سمعت كلماته وقالت بتحدي:-
-ولا هتلمسنى تاني يا يونس فى حياتك كلها، نجوم السماء أقرب لك

لم يتمالك أعصابه أمام تهديدها المباشرة له فأنقبض عليها يقبلها بقوة ويديه تعتصر معصمها والأخرى تحيط مؤخرة رأسها حتى لا تفر هاربة منه، حاولت الفرار منه والأبتعاد عنه لكن زحزحته بعيدًا عنها بقوته البدنية كان مُستحيلًا لتدمع عينيها بضعف وبدأت تتوقف عن مقاومته شيئًا فى شيء وتهدأ من روعتها، شعر بأسترخاء جسدها ومُبادلتها لقبلته ليبتعد عنها فى هذه اللحظة فنظرت إليه بعينيها الباكية تتطلع به بشوق وشغف شديد بعد أن شعرت بضربات قلبها تتسارع بجنون إليه وقد غلبها العشق فى هذه اللحظة وتخلت عن كبريائها وغرورها السافر، أخذت خطوتها التى أبتعدها هو للخلف ورفعت يدها تلمس لحيته وهى تمتم بخفوت قائلة:-
-طلقها يا يونس، ونرجع زى ما كنا مع بعض

ألتف غاضبًا من كلمتها قبل أن تلمس يدها لحيته وكأن يخبرها أن لا يحق لها لمسه إلا بإرادته لكنه صُدم وتوقف مكانه عندما رأى "فلك" تقف بمنتصف الغرفة وقد رأت كل ما حدث، لا يعلم مُنذ متى وهى تقف هنا؟ لكنه أيقن تمامًا أنها سمعت طلب "قدر" الأخير، كادت "قدر" أن تُحدثه لكن أستوقفها صوت "يونس" يقول:-
-فلك!!

نظرت إلى الباب لترى "فلك" واقفة مكانها بوجه مُتجمد خالي من المشاعر على عكس قلبها المُحترق من الداخل بعد أن رأته بهذا الوضع مع أخرى حتى وأن كانت زوجته، كزت على أسنانها وهى تسير نحوه وقبل أن تتحدث، بدأ "يونس" بالحديث مُبررًا ما حدث لها قائلًا:-
-قدر كانت جاية..

أستوقفها صوتها بنبرتها الباردة تقول:-
-ميخصنيش، أنا جاية أقولك أني ماشية
 
ألتفت لكي تخرج من المكتب فمسك يدها قبل أن ترحل بكل هذا القدر من الغضب الذي تحمله فى نبرتها ونظرتها إليه ليقول:-
-هتروحي فين؟

رفعت نظرها إليه بغضب شديد ولو كانت العيون تقتل لقتلته نظرتها للتو، تحدثت بنبرة جادة صارمة:-
-ميخصكش وأفتكر أنه جواز صورى

غادرت بعد أن أخبرته بطريقة غير مباشرة أنها كانت تقف من البداية، دون أن يشعر ترك يدها بأستسلام فغادرت كما هى هادئة وأحتفظت بعاصفتها الكامنة بداخلها قبل أن تلتهمهم الأثنين، ألتف "يونس" كي ينظر إلى " قدر" فقالت بغضب كامن:-
-لو طلقتها أنت عارف طريقى يا يونس

غادرت لكن توقفت كالصنم فى الأرض عندما أتاها صوت "يونس":-
-وغزل!!

ألتفت إليه ليتابع حديثه بحدة قائلًا:-
-أنتِ مشكلتك مش مع فلك يا قدر ، أنتِ كرهك لغزل ولمرضي أكبر ومالهوش علاج، لما تلاقي نفسك مُستعدة للأنفصال أبقي بلغينى

غادرت من أمامه هاربة من هذا القرار فرغم كل شيء لم تطلب الانفصال عنه نهائي ولم يخطر هذا القرار على قلبها نهائيًا... 

********************

خرجت والدة "هالة" من الداخل و"فلك" تنتظرها فى الصالون لتقول بهدوء:-
-معلش يا بنتى هى تعبانة لو مفهاش إساءة أدب تيجي مرة تانية
 
وقفت "فلك" بحيرة وهى لا تعلم ما حدث وسبب تغير "هالة" هكذا فجأةً، أومأت إليها بنعم ثم غادرت بأستسلام فبعد ما حدث مع "يونس" من قليل، أصبح قلبها ثقيلاً لا يستطيع حمل الكثير الآن، خرجت من المنزل مُستاءة وخصيصًا  ومشهد "يونس" قُرب أخرى بهذه الحميمية أثقلت قلبها وجعلته يرتجف حُزنًا، ظلت تسير فى الطرقات وحدها تضم ذراعيها إلى صدرها بحزن شديد يتملكها، مُستمتعة بهذا الهواء البارد ليلًا ربما يخفف من ثُقل قلبها، رن هاتفها مرة وأخرى وكثيرًا لكنها لم تكلف نفسها تعب أخراجه من حقيبتها فهى تعلم بأنه المتصل من رنة الهاتف المُخصص إلي رقمه وحده، لم تُجيب عليه، دلف إلى مطعم دجاج مقرمش وطلبت طعامًا إليها لتتناوله ربما يخفف من ألمها ويُشعرها بالسعادة وطريق سعادتها دومًا يختصر فى الطعام المُفضل إليها، بعد يومها الثقيل اليوم ربما تحتاج إلى هدوء وسعادة تغمرها...

********************

كان "يونس" على وشك أن يهدم المنزل الآن وهى لا تُجيب عليه، نظر إلى ساعة الحائط وكانت الحادية عشر مساءًا مما جعله لا يتحمل أكثر، فتح باب الشقة ليخرج لكنه رأها تقف أمامه على وشك الدخول، كز على أسنانه بغضب سافر ثم أفسح الطريق إليها لكى تدخل، دخلت وأغلق الباب ليلتف إليها لكنه لم يجدها فسار مُسرعًا إلى غرفتها وكان الباب مُغلق، طرق الباب مرة وأخرى لكن لم يجد الجواب وبعد دقائق فُتح الباب وخرجت "فلك" مُرتدية بيجامة بيتى قطنية زرقاء فقالت:-
-وسع، عدينى

وضع يديه على باب الغرفة يمنع كل طرق خروجها وحدق بعينيها بغيظ شديد من تجاهلها إليه وقال:-
-كنتي فين؟ وأتاخرتي ليه؟ هو أنا مش محذرك من التأخير

ضربت يده بقوة ومرت للخارج ليخرج خلفها ومسكها من ذراعها وهو يُديرها إليه ويقول:-
-أنا بكلمك يا فلك؟

صاحت به بأنفعال شديد قائلة:-
-وياترى قررت هتطلقنى ولا لسه بتفكر؟

تتطلع بها بأختناق شديد من حديثها ليقول:-
-لما اعوز اطلقك هطلقك يا فلك، أنا مبمشيش وراء ستات

ضحكت "فلك" بسخرية على كلماته وقالت:-
-لا فعلًا مبتمشيش وراء ستات، روحها يا يونس رابط نفسك بالجواز الصورى دا ليه؟

كاد أن يفقد أعصابه عليها وقال:-
-متغيريش الموضوع يا فلك، وبعدين أنتِ بتزعقي ليا قدامها وتقولي ميخصكش

رفعت حاجبها إليه بخبث شديد وقالت:-
-أيه وجعك ردي قدامك، لكن أنت تعمل اللى عملته دا فى مكان شغلنا دا عادي، دا الشركة كلها كانت بتتفرج عليك من الأزاز عادي فين أحترامك ليا ولكرامتى قدام الناس اللى أنا بشتغل معاهم ها... ولا البيه مبيشوفش غير عمايلي أنا، من النهاردة بقى متسألنيش أنا بعمل أيه؟

جذبها إليه بقوة غاضبًا خوفًا من كلماتها الأخيرة وقال بأنذار:-
-قصدك أيه؟

تبسمت بخبث شديد وهى تقول:-
-قصدي أضحك مع اللى أضحك له وأكلم اللى أكلمه ميخصكش بقي

لم يصدق ما سمعه منها للتو ليمسك ذراعها بقبضته بقوة وقال:-
-أنتِ بتعانديني يا فلك
 
كزت على أسنانها بأختناق شديد من قبضته القوية على ذراعه وهو على وشك اعتصره بين أنامله وقبضته الحادة كأنها خُلقت من الحديد، تطلعت بعينيه بحدة وتحدي معًا ولا تبالي بالم ذراعها وقالت بنبرة قوية صارمة:-
-هو يا يتعاملنى بإهانة وتقلل من أحترامي لنفسي قدامها وأقول حاضر يا أم أكون بعاندك، دا ببُعدك يا يونس

جذبها إليه من ذراعها لتلتصق به بقوة وخرجت منها صرخة مكبوحة خوفًا من غضبه، تتطلع بعينيها العسليتين اللتان يشبهان فلق الفجر حين يغتصب عتمة الليل وضوء القمر ليُنير السماء بأشعة ذهبية، أبتلعت ريقها بأرتباك شديد من نظرات عينيه المُسلطة عليها ولم تحتضن عينيها فقط بل تلتهمهما بشوق وشغف شديد كأنه يضمها فقط بنظرته دون أن يتحرك له ساكنًا، تمتم "يونس" بهمس شديد وعينيها على وشك أن تغلبه وتُسقطه فى وكر الهوي قائلًا:-
-غيرانة!!
 
ضحكت بتهكم وهى لا تصدق كلمته التى أشعلت نيران قلبها وإيقظت دقاته المتسارعة النابضة باسمه، قالت بحدة مُصطنعة:-
-مستحيل أكون غيرانة، وعلى مين؟ أنت يا يونس

ترك ذراعها شيئًا فشيء على الرغم من عينيه التى لم تتركها أبدًا وحرك شفتيه بزمجرة شديد من كبريائها الذي يمنعها من الأعتراف بما تبوح به أفعالها وغضبها هاتفًا إليها:-
-غيرانة يا فلك، وغيرتك بتأكل في قلبك من جوا وكمان غيرتك هتخلي عقلك هطير من مكانه
 
لم تستطيع الصمود أمام جرائته ونظراته المُثبتة عليها بقوة وشجاعة دون خجل منها فألتفت هاربة من أمامه للداخل ليأتيها صوته الخشن يقول بجدية:-
-مصيرك يا فلك تعترفي باللى عينيكِ فضحاه
 
استشاطت غيظًا منه لتعود مرة أخرى أمامه ورمقته بجراءة وتحدي وعينيها تعتصر عينيه بنظراتها القوية وقالت بجدية:-
-هقولهالك وعيني فى عينك عشان متكدبنيش يا يونس، أنا مبحبكش ولا بغير عليك، أنـ........
 
اسكتها هذه المرة بشفتيه وهو يحتضن شفتيها بدفء وعفوية، صُدمت من رد فعله وأتسعت عينيها على مصراعيها وجسدها توقف بتلجلج وتجمد فى أرضها كقطعة ثلجية صلبة ساكنة، تبسم بعفوية وهو يبتعد عنها بعد سرقته لقبلتها الأولي التى تسللت لقلبه كتعويذة أسقطته فى عشقها أكثر وجعلته أسيرًا لهذه الفتاة، نظر "يونس" لصدمتها وهى كجبل صامدًا أمام لا تشعر بشيء ليبعد عنها ضاحكًا بعد أن غلبها بلمستها وتخلص من تحديها وأربكها تمامًا، فاقت من صدمتها لتجده رحل بالفعل من أمامها لتصرخ بانفعال شديد وهى تضع يدها جوار اذنيها قائلة:-
-يـــونــــــس........
 
********************

كان "أنس" جالسًا فى الزنزانة مُكتئبًا يائسًا وكأن الحياة غدرت به وأعطت ظهرها، ما زال لا يُصدق ما فعله مع "هالة" وصدمته لم تتخلي عنه كل هذه الأيام، أعتقد بأن الأيام والوقت كافيا لنسيان لكن بعض الأخطاء والندم لم يكفى الوقت لنسيانها، فتح باب الزنزانة ودلف العسكري يقول:-
-أنس النور 

وقف لكي يخرج معه ليأخذه إلى مكتب الضابط فوجد "يونس" فى أنتظاره، تركهم الضابط معًا وأيضًا خرج المحامي ، نظر "يونس" إلى باب المكتب وهو يُغلق ثم إلى أخاه الذي جلس أمامه صامتًا ولحيته أحتل وجهه وهو لم يتحمل لحيته يومًا فى وجهه فقال بهدوء:-
-مش هسألك عامل أيه؟ لأن باين عليك؟ أنا عندي سؤال واحد بس لك ولازم تجاوبنى عليه يا أنس

نظر "أنس" إليه بصمت مُنتظر سؤاله بيأس وإحباط شديد تمكن منه، كأنه أستسلم لهذه التهمة كى يُعاقب نفسه على ما فعله بـ "هالة" هذه الفتاة المسكينة، سأل "يونس" وهو ينظر إلى عيني أخاه:-
-الخادمة قالت أنك رجعت البيت تاني يوم لأول مرة فى حياتك تبات برا البيت كان يوم الجريمة، كُنت فين يا أنس؟ 

صمت ولم يُجيب، كيف يخبره بأنه كان معها، تحديدًا بهذا التوقيت الذي حدث به الجريمة كان معها وكانت بين ذراعيه يضمها إليه، كيف ينطق بأنه كان مع "هالة" ليخلص نفسه من جريمة القتل سيدهس سمعتها وشرفها أكثر، فما زال لا يعلم أحد بما حدث إليها وما زالت تحت عباءة الستر من حديث الناس على الرغم من أنه دهس شرفها بالفعل لكن إذا تحدث سيعلم الجميع أنها كانت معه فجرًا وسيبدأ الجميع بالحديث عنها أما أن يدهس شرفها بألسنة ونظرات البشر أم أن يلحق بنفسه جريمة أنتهاك عرض وحينها سيعلم الجميع، ومن يدرى بأن "هالة" ستشهد بأنها كانت معه وترفع عنه تهمة القتل؟ من أين يثق بأنها ستدعمه فربما تنكر هذا وتلحق به التهمة أكثر لتنتقم منه بسبب ما فعله به، مُنذ أن قبض عليه وهو يعلم بأن خلاصه ودليل برائته مع "هالة" ومتعلق بكلمة واحدة منها أمام النيابة لكن كيف ولماذا ستفعل هذا؟.......
تعليقات



<>