رواية مرايا الحب الفصل العشرون20الاخير بقلم نورا عبد العزيز

رواية مرايا الحب الفصل العشرون20الاخير بقلم نورا عبد العزيز 
بعنـــوان " مرآة الحب "

خرج "أنس" من مكتبه مع ضيف ليصافحه قبل أن يرحل، رحل ضيفه وعميله وألتف ليدخل فرأى "هالة" جالسة على المقعد الأرجوح مع مجموعة من الأصدقاء وتضحك معه بعفوية وتلقائية شديدة، دلف إلى مكتبه وظل يراقبها عن كثب من خلف الزجاج وبسمتها كانت جميلة، لأول مرة مُنذ شهور تعيش معه بها تحت سقفًا واحدًا يري بسمتها، تمكنت من الأبتسام من جديد، رُسمت بسمة خافتة على شفتيه وهو يحدق بها وشعر بنبضة فى قلبه مُختلفة تمامًا ولأول مرة يشعر بها، كأن نسمة باردة ضربت قلبه بهذه اللحظة، رفعت "هالة" نظرها وهى تضحك لتراه واقفًا يحدق بها بوضوح لتتلاشي بسمتها سريعًا ونظرت للجهة الأخرى، شعر بحرج شديد وعاد لمكتبه مُختبئًا منها...
أقتربت "فلك" منها من الخلف وربتت على كتفها لتفزع "هالة" بخوف مُعتقدة بأنه جاء إليها بعد مراقبته الطويلة لها، ضحكت "فلك" على ذعرها وقالت:-
-أيه دا؟

تنحنحت "هالة" بحرج ونظرت للكوب من جديد وقالت:-
-أيه!!

غمزت "فلك" لها بعفوية وقالت:-
-دا اللى سمعت صح بقي؟

رفعت "هالة" نظرها إلي "فلك" بذعر وسألت بضيق:-
-قصدك أيه؟ سمعتي أيه؟

تحدثت "فلك" وهى تصنع كوب من مشروب الشيكولاتة الساخنة المُفضل إليها:-
-مفيش بس حمام البنات مفهوش حوارات اليومين دول غير نظرات أنس ليكي ومبيرفعش نظره عنك كأنه بيراقبك أو ممكن ...

نظرت "هالة" لها بخوف شديد من الكلمة القادمة التى رأتها فى عينيها لكنها تنكرها ولم تعترف بها لتتابع "فلك" بهمس قائلة:-
-بيحبك

صرخت "هالة" بأنفعال شديد قائلة:-
-أيه اللى بتقوليه دا

أخذت "فلك" الغلاية" وبدأت تسكب الماء بهدوء على عكس صديقتها المُنفعلة وقالت:-
-مش أنا اللى بقول دا البنات
ألتف الأثنين معًا أحدهن هادئة تمامًا والأخرى مُنفعلة كالبركان الغاضب لتصطدم الأكواب معًا وسقطت منهن فأجتمع الجميع حولهما لتغادر "هالة" غاضبة وهى لا تبالي بأي شي ولا بيدها التى أحترقت للتو من الماء المغلي، نظرت "فلك" عليهاوتمتمت بخفوت شديد:-
-هو دا كره ولا حُب مرفوض !!

غادرت من المكان هادئة على عكس "هالة" التى تركت الشركة كاملة ورحلت شاردة وغاضبة، بداخلها دوامة قوية من المشاعر المُختلطة وظلت تسير فى الشوارع كثيرًا حتى مر اليوم كاملًا، عادت للمنزل ليلًا لتراه واقفًا أمام باب المنزل كأنه بأنتظار عودتها حتى يطمئن عليها لكنه لم يقوى نهائيًا على الأتصال بها فحتى أن حاول فهو لا يملك رقم هاتفها، حدقت به وهو واقفًا وعينيه تضمها بالنظرات لتتنفس بألم شديد فرغم نومهم تحت سقف واحد إلا أن بينهما شقًا وحاجزًا يبعدهما كبُعد المشرق والمغرب، دلفت بضيق شديد مُتجاهلة وجوده ليتنهد "أنس" بأرتياح شديد على عودتها سالمة، دمعت عيني "جميلة" على هذه الرجل ودلفت للداخل بعد أن أغلقت النافذة، بدلت "هالة ملابسها ثم دلفت إلى الفراش لتسترخي وتنام لكن أستوقفها صوت طرقات على الباب، أبتلعت ريقها بخوف من أن يكن هو وقالت بتلعثم شديد:-
-أدخل

دلفت "جميلة" تحمل كوب من اللبن الدافيء ووضعته على الكمودينو فى صمت ثم ألتفت لتغادر لكنها توقفت، تحدثت "هالة" بهدوء قائلة:-
-قولي اللى جيتي عشان تقوليه

أستدارت "جميلة" لها وجلست على حافة الفراش أمامها وحدقت بعينيها ثم قالت:-
-أنا معرفش أنتِ هتقبلي مني الكلام ولا لا بس أنا واحدة فى عمر والدتك 

قاطعتها "هالة" بهدوء تام ونبرة باردة كالثلج قائلة:-
-من غير مقدمات قولي اللى عندك

تنحنحت "جميلة" بخفوت ثم قالت:-
-أنا عايزة أقولك أن أنس مش وحش والله، هو طيب وغلبان طول عمره فى حاله، عمر ما حد قصده فى خدمة ورفضه ولا عمره شاف حد محتاج مساعدة وسابه، هو مش بالسوء اللى أنتِ شايفاه، أنا عارفة أنه غلطان فى حقك وغلط كبير وميتغفرش بس هو كمان حاول يصلح ويكفر عن دا، هو عمل كل اللى فى أيده عشان يرفع الذنب دا عنه، عمره ما ساب فرض صلاة ولا عمره قصر مع أهله وناسه، قضي عمره كله وحيد عشان خايف يأذي حد أو يعلق حد بيه ويقصر معه بسبب أنشغاله فى شغله ...

كانت "هالة" تستمع لهذا الحديث فى هدوء تام لكنها بدأت تشعر بأن "جميلة" ستعترف بما تهرب منه لتقطعها سريعًا حين قالت:-
-يمكن يكون كل دا بالنسبة ليكي لكن ليا لا وأنا عمرى ما هشوفه غير سيء ووحش، يمكن اكون انا الذنب الوحيد فى حياته لكن أنتِ قولتي بنفس أنه مبيتغفرش

تحدثت "جميلة" بهدوء شديد:-
-بس ربنا بيسامح ورحيم وبيقبل التواب ما دام صادق فيها وندمت فعلًا وهو ندم 

دمعت عيني "هالة" بضعف وبنبرة إنكسار شديد تحدثت:-
-بس أنا مش ربنا، أنا إنسانة وموجوعة منه وبسببه 

أومأت "جميلة" لها بنعم وغادرت فى صمت لتجهش "هالة" باكية بصوت مبحوح تكتم أنفاسها وصوت شقهاتها قدر الإمكان، دلف "أنس" للغرفة بعد صلاة الفجر وتسلل إلى فراشها بلطف حتى لا يقظها، نظر إلى يدها المُلتهبة من الحرق ووضع لها القليل من كريم الحروق ثم أنحنى قليلًا ليضع قبلة على جبينها بحنان لتتساقط منه دمعة هاربة من اسر جفنيه على رأسها وهمس بضعف:-
-أنا أسف 

أبتعد عنها وغادر الغرفة باكيًا رغم أعترافه بالخطأ وندمه الذي يقتله وقلبه الذي يفتك به الوجع والألم إلا هناك أخطاء لا تغتفر، فتحت "هالة" عينيها بحزن شديد ومسحت دمعته عن رأسها ونظرت إلى الكريم الموضوع على يدها لتقول بتمتم مبحوحة:-
-أنا كمان أسفة.....

***************************

ظل نائمًا طيلة النهار وبدأت "فلك" تشعر بالقلق من نومه الطويل، فتحت باب الغرفة وهى تنظر على الفراش وما زال نائمًا لتخرج وتغلق باب الغرفة خلفها مرة أخرى، تنهدت بأختناق شديد وهى لا تعرف سبب حزنًا العميق هذا الذي جعله يلجأ للنوم كل هذه المدة، جلست على الأريكة واتصلت بـ "هالة" .....
كانت هالة واقفة بالفراش شاردة فى أفكارها الكثيرة حتى قطعها رنين الهاتف ورأت اسم "فلك" لتُجيب عليها بهدوء أثناء جلوسها على المقعد قائلة:-
-كنت لسه هتصل بيكي

تحدثت "فلك" بهدوء يحمل الكثير من اللامبالاة قائلة:-
-خلاص قولي أنتِ الأول

تنهدت "هالة" بأسترخاء وقد حسمت أمرها وجمعت شجاعتها فى الحديث حين قالت:-
-أنا هخلي أنس يطلقنى النهاردة وأستقيل من الشركة، هحاول أبدًا من جديد فى مكان وبيئة جديدة

صمتت "فلك" قليلًا لتسأل "هالة" بقلق:-
-أيه مبتتكلميش ليه؟

أخذت "فلك" نفس عميق ثم قالت بجدية حازمة:-
-أنا وأنتِ عارفين أن أنس بدأ يحبك بجد وحاول يعتذر ويكفر عن اللى عمله فيكي وأنتِ أكتر واحدة شاهدة على انه شخص صالح وأن اللى حصل دا كان بدون قصده وهو شارب وكانت اول مرة يشرب ويونس أثبتلك أن عمر أنس ما قرب من خمر أو سيجارة، ومع ذلك ما دام مش قادرة تعيشيه معاه فأنا موافقاكي أنك تخرجي من حياته حرام يتعلق بيكي أكتر 

تبسمت "هالة" بسخرية على حالها ثم قالت:-
-عمرك شوفتي واحدة حبيت واحد أغتصبها يا فلك، أنا كل ما بشوفه بفتكر اللى عمرى ما نسيته، أنس حتى لو شخص كويس بالنسبة للكل بالنسبة ليا أنا عذاب ووجع وعمرى ما هحس بحاجة ناحيته غير الوجع والألم

أومأت "فلك" لها بنعم وقالت بلطف:-
-أنا عارفة وعشان كدة معارضتكيش ولا حتى قولتلك أديله وأدي لنفسك فرصة بل بالعكس أنا موافقة جدًا أنك تبدأي من جديد وبعيد عنه وتنسي اللى فات

أغلقت "هالة" قبضتها بلطف ثم قالت:-
-أوكي، بليل هكلمك وأقولك عملت أيه؟

وافقتها "فلك" بعفوية لتسأل "هالة" بجدية:-
-صحيح كنت متصلة ليه مقولتيش

تبسمت "فلك" بخفوت شديد ثم قالت بنبرة خافتة:-
-كنت بطمن عليكي بس

شعرت "هالة" بكذبها فى نبرتها وتلعثمها الخافت لكنها لم تضغط أكثر عليها وأنهت الأتصال فنظرت "فلك" بحزن على بطنها ولمستها بدفء شديد ثم قالت بتذمر:-
-أنا فرحانة بيك بس مش عارفة أقول لمين وأشاركه فرحتي

دلفت مرة أخرى للغرفة وفتحت الباب لتراه ما زال نائمًا ليثير قلقها أكثر وهذه المرة سارت نحو الفراش بدلاً من الرجوع هذه المرة، رفعت الغطاء عن رأسشه ثم نظرت إليه وقالت بلطف وهى تقظه:-
-يونس.. يونس

تمتم بنبرة خافتة وعينيه مُغمضتين بلطف:-
-سيبنى شوية يا فلك

داعبت أظافرها بتوتر وضيق شديد من كثرة نومه وقالت مُتذمرة:-
-الساعة 7 يا يونس هتفضل نايم لبكرة يعنى

فتح عينيه بخفوت شديد وتتطلع بوجه كانت عابسة جدًا وملامحه غاضبة رغم هدوئها وصمتها، تتطلع لحجابها وسأل بحدة:-
-أنتِ خرجتي؟

أومأت إليه بنعم وقالت بحدة مثله تمامًا:-
-اه خرجت وجت وحضرتك لسه نايم ومش عايز تقوم وسايبنى لوحدي وأنا مش فاهمة مالك ولا فيك أيه

أعتدل فى الجلوس وهو يفرك عينيه قليلًا بضيق ثم رفع رأسه بها، تحدث بنبرة مُخيفة رغم هدوئها:-
-وعشان نايم شوية يبقى تخرجي من غير أذني، عادي يعنى 

أزدردت لعابها بقلق من غضبه الواضح ثم ترجلت من الفراش وتتراجع للخلف من الخوف وتحدثت قائلة:-
-كنت محتاجة اخرج أجيب حاجة ضرورى أنا مروحتش أتفسح ولا أقابل صُحابي، ممكن أنت بقي تفهمني نايمة بقالك يومين متواصلين ليه؟ زهقت منى ولا خلاص مبقتش طايق تشوفني

نزل من فراشه بضيق وهو يرتدي تي شيرته ثم سار نحوها بوجه حاد وقال:-
-عشان نمت شوية خلينى خلاص كرهتك ولو كنت كملت ساعتين كمان أيه، كنت هطلعينى أتجوزت عليكي فى الحلم يا فلك

ظل تعود للخلف وهو يقترب مُحدثها حتى أرتطم ظهرها بباب الخزينة ووصل "يونس" أمامها فحاولت الفرار من أمامه بتوتر شديد وتقول:-
-أنا هروح أغير هدومي

مسك ذراعها وأعادها مرة أخرى امامه ويده الأخري تسترخي على الخزينة يُحاصرها أمامه فأبتلعت ريقها الجاف فى حلقها وعينيها تحدق بعينيه فى صمت وهو يتتطلع بها ليخفض نظره إلى شفتيها الحمراء وقال بضيق شديد وغيرة تأكل قلبه وتحرق صدره كاملًا:-
-أنا كام مرة قولتلك متخرجيش بالروج الأحمر دا ها

ضمت شفتيها بقوة خوفًا منه ثم قالت:-
-نسيت مش هحطه تاني

أقترب أكثر منها وضربات قلبه تدفع إليها أكثر حتى ألتصق بها ولم يعد يفصل بينهما شيء وقال:-
-كل مرة تقولي نفس الجملة يا فلك، وكل مرة بتنسي وتحطيه 

كاد قلبها أن ينفجر بصدره من ضرباته وأنفاسه تضرب عنقها ووجنتها بدلًا من يده كأنه يعاقبها بهذه الأنفاس الدافئة، شعرت بحرارة جسدها ترتفع أكثر وأكثر وقشعريرتها تصيبها لتقول بصوت مبحوح لا تقوي على إخراجه من حلقها:-
-أخر مرة

ترك ذراعها ويديه تسللت إلى وجنتيها تحتضنها بينما إبهامه يلمس شفتيها وينزع عنها هذه أحمر الشفايف لتتحدث بهمس وهو يفعل ما يريده:-
-أنت عارف أنه ثابت مش هيتشال

كز على أسنانه غيظًا منها وكأنها تثير غضبه وقال بتذمر شديد:-
-أنتِ بتغيظني يعنى

هزت رأسها بعفوية بينما يديها تحيط خصره بدلال لينظر إلى يديها ثم رفع نظره إليها وقال:-
-أنا مبتثبتش وأنتِ عارفة كدة كويس 

وضعت قبلة على لحيته بلطف ثم ابتعدت عنه وهمست بخفوت مُثيرًا:-
-طب وكدة

تتطلع بوجهها وقلبه يكاد يخرج من صدره ويستكين بصدرها هى، عقله توقف عن العناد والكبرياء ثم قال:-
-هفكر

تبسمت بعفوية شديد، قتلته بسمتها الدافئة ليقول بخفوت مُتذمرًا من هزيمته أمامها وقال:-
-تبا للبسمة دى يا فلك

تعلقت بعنقه بدلال وبسمتها لم تفارق وجهها ثم أقترتب منه أكثر وهمست فى أذنيه قائلة:-
-أنا حامل

أبتعدت عنه لتري تعابيره فدهشت من صدمته التى الجمت وكأنه لم يصدق ما سمعه وتجمد مكانه من كلمتها الوحيدة لكنها اوشكت على إيقاف عقله من محله ونظر بعينيها مُندهشًا ثم قال ولم يستوعب ما قالته:-
-أنتِ قولتي أيه؟

تبسمت أكثر ورفعت نبرتها وهى ترمق عينيه وقالت:-
-أنا حامل يا يونس، هجبلك بيبي

ضمها إليه بقوة على سهو دون سابق أنذار وبدأ يدور بها فى الغرفة من فرحته وكأنه كان بأنتصار هذه الطفل عمرًا كاملًا وبدأ يتمتم بسعادة:-
-بحبك بحبك بحبك بحبك

ضحكت عليه بعفوية وهى تتشبث بعنقه حتى لا تسقط، توقف عن الدوران بها وأنزلها أرضًا وهو يمسك بذراعيها جيدًا حتى لا تفقد توازنها من الدوران، نظرت إليه بسعادة:-
-أنا مكنتش متخيلة أنك هتفرح أوى كدة

قبل جبينها ونزل عليها بقبلاته الكثيرة يقبل كل أنش فى وجهها وهى تضحك على فرحته العارمة وسعادته التى غمرت منزلهما كاملًا، جلست على الأريكة معه بعد أن بدلت ملابسها وخلعت حجابها ثم نظرت إليه وهو يضم يديها بسعادة وقال:-
-متعمليش أى حاجة خالص أنا هجيبلك حد يساعدك فى البيت ومتروحيش الشغل، أنا عايزك ترتاحي خالص ومتعبيش خالص

تبسمت بعفوية عليه وللحظة تناست مرض قلبها مُنذ غمره الحُب وعشق هذا الرجل وهى لم تعد تفكر فى موتها الوشيك بل تركته للقدر فإن كان الموت مستقبلها فالحاضر ملكًا لها وستعيش كل دقيقة بحاضرها مع "يونس" ولأجله، تمتمت بعفوية:-
-أنا مكنتش عارفة أنك مستني البيبي أوى كدة أو نفسك تكون أب بالسرعة

نظر إليها وكأنه يحفظ كل تفصيلة فى ملامحها ويحفرها بداخله ثم رفع يده الأخرى يحيطها بذراعه وهو يداعب خصلات شعرها وقال:-
-أنا هفضل أقول أنك عوضي يا فلك، فى اللحظة اللى قدر سابتنى فيها وأتخلت عني ربنا رزقنى بيكي وفى اللحظة اللى قدر هربت بابنى معها ربنا رزقنى وعوضنى بغيره منك، هتفضلي أجمل وأحلي حاجة حصلت فى حياتى، أنا مُمتن لقدري اللى جمعنى بيكي ورزقني بحُبك يا فلك

نظرت إليه ولم تفهم جزءًا من حديثه ليخبرها بأن "قدر" لم تجهض طفله بل أتحفظت به لأجلها وحدها وهربت به بعيدًا عنه وربما لهذا كان حزينًا ولجأ للنوم على الغضب، رفعت "فلك" يدها تلمس وجنته بحنان وسبابتها يداعب لحيته بلطف وعينيها تفيض منها مشاعر الحب والحنان لتقول:-
-أنت قدري الجميل يا يونس، أنتِ هديتى الجميلة اللى ربنا بعتها ليا 

قربت رأسها منه أكثر وهمست بدفء قائلة:-
-أنا بحبك... لا بعشقك 

قبل جبينها بقلب دافيء وناعمًا، واللحظة التى كانت قلوبهما تغمرها الحُب قد أنار العشق حياتهما وساعدهما فى مقاومة مرضهما، كان هناك قلوبًا يملأها الألم والوجع .....

*********************************

كانت "هالة" تنتظر عودته فى الشرفة حتى تحدثه عن قرارها وتنال حريتها منه وقد مر وقت عودته ولم يعد، على الجهة الأخر كان "أنس" يسير بسيارته عائدًا للمنزل وعقله لا يتوقف عن تخيل بسمتها وهى تضحك مع "فلك" بالعمل وأصدقائها، مر من أمام محل زهور ليعود بسيارته للخلف وحدق بالزهور كثيرًا ثم ترجل من السيارة وطلب باقة من الورود ووقف ينتظر العامل يصنع له باقة تليق بها ...
ولج "أنس" من باب المنزل وكان حاملًا باقة من الزهور خلف ظهره وينظر حوله بقلق حتى لا تراه ودلف إلى غرفة مكتبه ليسمع صوت طرقات على الباب، أخفي باقة الزهور على مقعد مكتبه خلف المكتب بحرج وخجلًا من "جميلة" ثم قال:-
-أدخل

لم يتوقع نهائيًا أن يرى وجهها، لم تكن "جميلة" بل كانت "هالة"، دلفت للمكتب مُرتدية بيجامة بيتى بنصف كم وشعرها مسدولًا على ظهرها، تتطلع بها وكانت جميلة رغم كونها زوجته وتعيش معه فى منزل واحد إلا أنه ناردًا ما يراها بهذه الملابس وهكذا شعرها الجميل الذي يزيدها جمالًا وبراءة، رمقها فى صمت وعينيه لم تفارقها بل كانت تحفظ ملامح وجهها وقلبه بدأت نبضاته تسرع قليلًا عن معدلها الطبيعي، تبسم بخفوت وهو يلتف حول المكتب ويقول:-
-كويس أنك جيتي أنا جبتلك ........

قاطعته ببرة حادة وهى تقول:-
-طلقني يا أنس

بعد أن لمس باقة الزهور صدمته بكلمتها ليترك الباقة من يده سريعًا قبل أن تراها وألتف إليها وهو يلفظ أنفاسه بخوف شديد من رحيلها ليقول:-
-أنتِ قولتي أيه...

تحدثت بجدية وهى تتحاشي النظر إليه قائلة:-
-أنت وعدتني لما أطلب الطلاق هتطلقنى، وأنا أهو بطلبه وبقولك طلقتنى يا أنس... كفاية نوجع بعض كدة، كفاية ألم وحزن ودموع مبتخلصش، لا أنا هقدر أسامحك ولا ..... 

رفعت نظرها إليه وتمنت ان تمتلك الجراءة لتخبره بأنها لن تستطيع حُبه أو عيش حياة طبيعية معه مثل أى زوجين، رأت عينيه تلمع ببريق دموعه التى تجمعت بهما بعد أن طلبت حريتها لترحل عنه، لكنها تجاهلت هذه الدموع ووخزات قلبها التى لا تعلم سببها وقالت:-
-خلينا نخلص من العذاب دا بعد أذنك ودا اول وأخر طلب أطلبه منك 

ألتف ليعطيها ظهره بعد أن شعر بدمعته تهرب من جفنيه وتتساقط ليغمض عينيه بوجع فهى لا تعلم قدر الألم الذي ألحقته به للتو لتتساقط الدموع من عينيه وقال بتلعثم شديد وهو لا يقوي على لفظها قائلًا:-
-أنتِ طالق ياا هالة 

سمعت أنين بكائه فى نبرته لكنها تجاهلت الأمر وألتفت لتغادر المكتب وقبل أن تخرج من الغرفة تمتمت بأسف شديد ودموعها أنهمرت على وجنتيها قائلة:-
-أنا أسفة .....

غادرت المكتب مُسرعة لينظر إلى باقة الورد بحزن شديد وبعد أن سمع باب المكتب يُغلق جهش باكية بعد أن وضع قبضته على قلبه المُتألم......
لم تنم هذه الليلة بل جمعت اغراضها ووقفت فى الشرفة وهى تتذكر أمس حين رأته يترجل من سيارته حاملًا باقة من الزهور الحمراء وكأنه قد حسم أمره للأعتراف بحبه إليها ربما لهذه السبب تركت له أسفًا مُعتذرة على كسرة قلبه، مع شروق الشمس طلبت سيارة أجرة لترحل وجهزت نفسها للرحيل، نزلت مع "جميلة" التى تحمل حقيبتها وبحثت بنظرها عنه لكنه لم يظهر أمامها نهائيًا لتودع "جميلة" ببسمة مُنكسرة وغادرت منزله الذي كان بمثابة سجنها الجميل، حاول قدر الإمكان أسعادها بهذا المكان لكنه كان أشبه بالسجن لها الذي يُقيدها، فتحت باب السيارة الخلفى وألتفت لتنظر على المنزل لربما تراه مرة أخيرة لكنه لم يظهر أمامها فغاردت مُتمنية نسيان ماضي أليم سبب لها الوجع وسلبها حياتها الجميلة، أغلق "أنس" ستارة مكتبه بعد أن رأها خلسًا ترحل وتمتم بصوت مبحوح:-
-أنت السبب 

******************************** 

أخبرت "فلك" بكل شيء رعايته لها وحضور لغرفتها كل ليلة مُعتقدًا بأنها نائمة ويعتذر منها وكأنه لا يقوى على مواجهتها وهى مستيقظة، أخبرتها عن باقة الورود وحديث "جميلة"، كانت "فلك" تستمع إليها فى صمت ثم تركت كوب العصير من يدها ونظر إلى "هالة" وسألتها بلطف:-
-المهم أنك تكوني أرتحتي ولو شوية بعد ما أطلقتي وخدتي حريتك مش كدة؟ ، أهو أنس ساب البلد كلها وقرر يسافر يمكن يبدأ من جديد زى ما انتِ بدأتي، حتى لو غلط فهو تاب وقبول التواب بقى مش بتاعتنا دى بينه وبين اللى خلقه، المهم بقي أنتِ مرتاحة دلوقت؟

صمتت "هالة" قليلًا وعقلها لا يتوقف عن التفكير به ومواقفه القليلة معها ورغم قلتها إلا أنها لا تغادر عقلها، ظلت "فلك" تنظر إلى وجهها مُنتظرة الجواب على سؤالها لكن صمت "هالة" كان جوابًا أخر، أخرجت "فلك" ورقة من جيبها ووضعتها على الطاولة أمام "هالة" وقالت:-
-مش مهم أعرف جوابك يا هالة، بالنسبة للورد اللى شوفتيه يومها دى كانت رسالته اللى كان ناوي يديها لك بنفسي، أبقي اقرأيها، أنا همشي عشان يونس مستنيني..

غادرت المكان بعد أن دفعت تكلفة المشروب، خرجت "هالة" من المطعم تمسك هذه الورقة فى يدها ولا تقوي على فتحها، سارت فى طريقها لتصعد "فلك" بسيارته لتقول:-
-مش عارفة أشفق علي اللى حصلها ولا على قلبها، هالة حظها سيء سواء فى ماضي مشي أو مستقبل جاي

أومأ "يونس" إليها بنعم وأنطلق بسيارته لينظر من النافذة وهو لا يعلم أى ألم يصيب القلوب، بعد أن تلاشت "غزل" تمامًا من حياته وغادرت "قدر" شعر لأول مرة بأنه شخصًا طبيعي ولا يختلف كثيرًا عن الجميع ويحق له أن يُحب، فنظر إلى "فلك" وهى جالسة جواره تنظر من النافذة فأخذ يدها بيديه لتنظر إليه ببسمة وتشابكا الأصابع فى هدوء والبسمة لا تفارق شفتيهما، بينما توقفت "هالة" عن السير وفتحت الورقة بشجاعة لتقرأ مجتواها 
(أنا أسف، أسف على اللى عملته وعلى عهدي اللى موفتش بيه، عارف أن مكنش فى أتفاقنا أنى أحبك أو أطلب منك تقضي العمر معايا بس غصب عنى مش بأيدي لاقيتنى بحبك، أسف لو الحُب دا هيضايقك لكنه مش بمزاجي، أسف وبحبك ونفسي تسامحنى ونبدأ من جديد، تكون مراتي وحبيبتى وبنتى وأختى وأمي وكل دنيتى، تتجوزينى يا هالة؟ )
تساقطت دموعها بأنهار شديد على الورقة تبللها وهى تقرأ كلماته الأخيرة لها وجلست أرضًا بمنتصف الطريقة جاثية وتبكى بحرقة وقهرًا على قلبها الذي كُتب عليه الألم والوجع فقط وقد سُلب منه الفرح والسعادة مدى الحياة ما دام نابضًا .......
قليلًا وجد حُبه وكثيرًا وجده الألم، لم تكن مرآة الحب دومًا تحمل السعادة والدفء بل هناك الكثير ما تحمله من الألم فلولا السعادة ما وجد الحزن ولولا الحب ما وجد الوجع......
                 تمت بحمد الله 
تعليقات



<>