
رواية نبضات لا تعرف المستحيل بقلم اميرة احمد
رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل العشرون20بقلم اميرة احمد
جميلة: طيب وعمر؟ طبعا معيشك في سعادة و مخليكي حتي مش بتتصلي بينا.
حنين: عمر... مفيش انسان زيه بجد.. كفاية انه مستحمل...
صمتت حنين، فقالت جميلة بخفة: انتي منكده عليه ولا ايه؟ لو بتنكدي أديني دروس علشان أعرف أنكد علي مالك كويس.
ضحكت حنين: حرام عليكي... مالك ميستاهلش منك نكد.
قالت جميلة بنبرة جادة: وعمر اللي يستاهل؟
صمتت حنين قليلا ثم قالت: عمر يستاهل واحدة أحسن مني... واحدة تقدر تسعده... تكون له زوجه وأم لأولاده.
تعجبت جميلة من كلمات حنين فقالت: ليه يا حنين؟ أنتي مش ناوية تجيبي أولاد ولا ايه؟
بدأت دموع حنين تنهمر على وجنتيها وقالت بصوت مختنق بالدموع: مش قادرة.... مش قادرة أكون له زوجة.
صاحت جميلة: حنين!! انتي....
مسحت حنين دموعها سريعا وكأنها أدركت للتو ما قالتها: جميلة معلش انا لازم أقفل دلوقتي علشان أشوف عمر.... هارجع أكلمك تاني.
أنهت حنين المكالمة سريعا، وتوجهت بخطى بطيئة نحو غرفة عمر
جلس عمر على السرير امام المرآة، يتطلع لانعكاسه و هو يحرك يده فوق شعيرات لحيته التي بدأت في النمو مؤخرا، لا تزال حركت ذراعه مؤلمة له، و كذلك قدمه لا تزال داخل الجبس، وقفت حنين عند باب الغرفة تتطلع إليه ، تقدمت نحوه بهدوء و هي تقول: محتاج أعملك حاجة يا عمر؟
هتف عمر بذهن شارد وهو لا يزال ينظر لانعكاسه في المرآة: حاسس شكلي غريب أوي بالذقن، شكلي وحش.
اقتربت منه حنين وجلست على طرف السرير: لأ بالعكس... أنت بس مش متعود على شكلك بالذقن علشان بتحلقها على طول.
نظر لها عمر بعينين لامعتين وكأن فكرة مجنونة طرقت على ذهنه للتو وقال: حنين أنتي ممكن تحلقي لي ذقني؟
نظرت له حنين بعينين مرتبكة وتمتمت: أنا؟!
عمر: أيوه انتي..... الموضوع سهل جدا... أنا بس مش قادر احرك دراعي كويس.
همست حنين: انا خايفة أعورك.
ضحك عمر: حتي لو عورتيني هيبقي أحسن من اللي انا فيه دلوقتي.
حنين بارتباك: عمر بس....
عمر بثقة وهو يشيرلها ناحية الحمام: يلا ساعديني ندخل الحمام وانا هاقولك تعملي ايه.
مدت له حنين يديها تلفها حول ظهره، ساعدته يقف على قدمه ووجهه ممتلئ بالحماسة، توجها نحو الحمام
جلس عمر على مقعد صغير داخل الحمام، وقفت حنين امامه تضع بعضا من الرغوة علي وجهه وتدلكه، بيد مرتعشة أمسكت شفرة الحلاقة واقتربت من وجهه، صاحت قبل أن تضع الشفرة على وجهه: انا خايفة يا عمر.
أمسك عمر كفها بابتسامة: متخافيش.... واحدة واحدة وانا معاكي.
قربت وجهها من وجهه و بيد مرتعشة بدأت تسير ببطء علي وجهه، كان قربها مهلكا لأعصابه، لكنه كان سعيد بانها بدأت تكسر بعض الحواجز التي بينهما.
أخيرا أنتهت حنين من الحلاقة لعمر، نظر عمر لوجهه في المرآة ببعض الجروح الصغيرة في وجهه وعنقه وضحك.
بينما وقفت حنين تشعر بالخجل مما فعلت في وجهه من جروح، لكن عمر أمسك كفها و قبله في حنان وهمس: شكرا.
ساعدته حنين ليخرج من الحمام، أجلسته علي طرف السرير، وبينما هي تضع بعض الوسائد خلف ظهره، قال عمر: لو كان سابك كنتي هتسيبيني فعلا؟
ابتعدت حنين عنه قليلا، نظرت في وجهه لا تفهم كلماته فأردف عمر: أنتي يا حنين قولتيله سيبني وأنا هاسيب عمر... لو كان سابك كنتي هتسيبيني؟
سقطت الوسادة من يد حنين و ابتعدت عنه، اتسعت عيناها وصاحت: أنت عرفت منين أني قولت لشادي كده؟ أنا عمري ما قولتلك.
نظر لها عمر بعينين مليئتين بالألم وقال: أنتي عمرك ما سألتي نفسك أزاي رجعتي من الغردقة لقيتيني في بيتكوا، و انا كان معاد رجوعي بعديها بشهر؟
اتسعت حدقة حنين ووقفت تشاهده بذهول، فأردف عمر: انا كنت معاكي على التليفون يا حنين، كنت بكلمك لما الباب خبط و قولتيلي أقفل أكيد جميلة رجعت.. بس أنا مقفلتيش... قلبي كان مقبوض...كنت قلقان عليكي... صوتك كان فيه حاجة قلقاني... مقفلتش التليفون، و لما سمعت صوته خفت أكتر عليكي وفضلت أسمع.... صمت عمر قليلا وبعيني حمراوتين أكمل: سمعت كل حاجة يا حنين... صوت صريخك.... دموعك... صوت نفسه.... حسيت أني متكتف... أني عاجز وانا سامعه بيأذيكي وانا مش قادر أحميكي.... كسرت كل حاجة حواليا، حجزت أول طيارة ونزلت علشان بس أشوفك وأطمن عليكي، ولما قولتيلي اللي حصل انا قضيت الشهر اللي قبل فرحنا بحاول أوصل ليه ولمكانه، كان لازم اجيبلك حقك بايديا، ويوم فرحنا لما قولتيلي انه مات مصدقتش غير لما روحت عند بيته وسألت وعرفت بنفسي.
كانت حنين تستمع إليه ودموعها تنهمر على وجنتيها بلا توقف، شعرت وكأنها تجردت من ملابسها للتو أمامه، شعرت بالغضب منه والشفقة عليه في نفس الوقت...
اقتربت منه ببطء وهي تشهق من شدة البكاء وقالت: مكنتش هاسيبك يا عمر.... كنت باقوله أي كلام علشان أنقذ نفسي من بين أيديه.
نظر له عمر بحنان وقال: يعني أتجوزتيني بإرادتك يا حنين؟ ولا علشان هو مات؟
همست حنين بصوت بالكاد مسموع: اتجوزتك علشان عايزة أتجوزك أنت يا عمر مش حد تاني.
قالت حنين كلمتها الأخيرة وخرجت تركض من الغرفة، بينما عمر جلس ينظر إلي حيث اختفت بحيرة.
----------------------
مع بداية المساء، استلقت جميلة بين ذراعي مالك علي الأريكة يشاهدان فيلما في التليفزيون، مالك يعبث بأصابعه بخصلات شعرها .... التفتت جميلة اليه بهدوء وهمست: نفسي أفهم بتحب شعري كده ليه؟
ابتسم مالك وهو يمرر أصابعه في خصلات شعرها: بيعجبني... بحب ريحته... شكله، لون شعرك البني الجميل... بحبه زي ما بحبك.
ضحكت جميلة بخفة: شاعر أنت يا مالك.
دفن مالك وجهه في شعرها وهمس: عارفة... قبل ما تلبسي الحجاب كنت بغير أوي ان حد غيري يشوف شعرك....
التفت جميلة لتواجهه وقالت: يعني أنت أكتر حاجة بتحبها فيا شعري؟
وضع مالك قبلة رقيقة على خدها وهو يقول: اكتر حاجة بحبها فيكي هو أنتي؟
رفعت جميلة حاجبة وقالت بمشاكسة: يعني انا لو قررت أقص شعري مش هتحبني؟
همس لها: هاكون متضايق طبعا.... بس هأفضل أحبك ده أكيد.
ابتسمت جميلة: إجابة نموذجية.
وضع قبلة على أرنبة أنفها وقال بمرح: شفتي انا ازاي تلميذ نجيب.
ضحكا معا، وفجأة سمعوا خبط على الباب بدقات مرحة، ضحك مالك و هو ينهض من مكانه: ده أكيد أنس... هو بعتلي انه وصل من الغردقة من شوية.
جميلة: لأ دي أكيد ليلي.... بعتتلي الصبح انها أحتمال تعدي علينا تسهر معانا.
مالك: طيب خلاص أدخلي أنتي جوه علشان لو أنس وانا هافتح الباب.
دخلة جميلة غرفتها، بينما فتح مالك الباب فوجد ليلي تقف تحمل بين يديها علبة حلويات و من خلفها يقف أنس، رفع مالك حاجبه باستنكار حين رأي أنس و ليلي معا، صاح أنس في مالك الواقف ينظر إليهم باستغراب: هو مش كفاية عسل كده ولا ايه؟ راجعين من السفر بقالكوا أسبوعين مفتحتوش باب الشقة حتي... قولت لازم أجي أطمن عليك.
جلس أنس علي الأريكة و بجواره مالك، بينما قالت ليلي: انا هادخل الكيك دي المطبخ، هي جميلة فين؟
مالك: بتغير هدومها و جاية حالا.
خرجت جميلة، وقفت تنظر إلي أنس وليلي وقالت: انتوا ازاي جيتوا سوا؟
صاحت ليلي وهي تخرج من المطبخ: مش عارفة بيراقبني ولا ايه، فجأة لقيته قدامي علي السلم.
نظر لها أنس باستنكار: انا بفتح باب شقتي لقيتك واقفة قدامه، يبقي مين اللي بيراقب مين؟
ليلي بحدة: انا كنت طالعة لجميلة ومالك.
نظر لها أنس شذرا: وانا كمان كنت طالع لجميلة ومالك.
صاح مالك بمرح: خلاص يا جماعة... ممكن هدنة.
ضحكت جميلة: طيب تعالي يا ليلي ساعديني نقطع الكيك اللي جبتيها ونعمل حاجة نشربها.
أنس: ممكن يا جميلة تعمليلي قهوة.... علشان لسة جاي من السفر و مشربتش قهوة.
ضحك مالك بخفة: ربنا يستر عليك، أنت طلبت قهوة من جميلة... قهوة مش هتدوق زيها في حياتك.
رفعت جميلة حاجبها: رغم أن قهوتي طبعا حلوة، بس هاحرمكوا منها، هاخلي ليلي تعمل القهوة، انا هافضي العصير.
دخلت الفتاتين إلى المطبخ، دقائق وخرجت ليلي تحمل صينية عليها أطباق الكيك، وخلفها جميلة تحمل صينيها عليها المشروبات.
وضعت الفتاتين الصينتين على الطاولة، أمسكت ليلي بفنجان القهوة وناولته لأنس وهي ترفع حاجبها: أنا اللي عملت القهوة... لما نشوف هتقول عليها أيه؟
أمسك أنس الفنجان من يدها، ارتشف رشفة ونظر إليها بابتسامة وقال: حلوة أوي.
ابتسمت ليلي بفخر وقالت: كنت متأكدة أنها هتعجبك ..... أنا مبعملش حاجة وحشة.
رفع أنس حاجبه وصاح: لأ هي حلوة، سكرها زيادة يعني... أنا بحبها مظبوطة.
ضحك مالك وجميلة، بينما زفرت ليلي في ضيق واضح.
جميلة: معلش يا أنس انا اللي اتلغبطت وقولتلها تعملها زيادة.
قامت ليلي من مكانها واتجهت إلي المطبخ، دقائق وعادت تحمل في يدها فنجان قهوة أخر، وضعته امام أنس دون ان تتفوه بكلمة.
أمسك أنس الفنجان، أرتشف منه رشفة و لم يعقب، فزفرت ليلي ضيقا، ضحك أنس لنجاحه في استفزازها... تركها تنظر إليه بين الحين و الأخر تنتظر منه رد فعل علي قهوتها، لكنه لم يعقب، و من بين أحاديث مالك و جميلة عن الفرح و السفر وأنس يستمع بهدوء، تكلم أخيرا ... وجه كلامه لمالك: على فكرة انا عديت جبت صور كتب الكتاب بس نسيتها تحت في الشقة تحت.
تحمست جميلة وهتفت: الله... انزل هاتها يا أنس علشان خاطري.
ضحك أنس و هو يقف و يتجه ناحية الباب: حاضر يا عروسة هانزل أجيبهم.
ليلي: انا هاتفرج على الصور وأمشي علشان لازم بكرة أصحي بدري عندي مشوار مهم للشغل.
مالك: بس بكرة الجمعة... مفيش شغل.
جميلة: خليكي أسهري معانا بكرة أجازة.
ليلي: انا عندي عمل تطوعي بكرة مع الشركة، هاروح أسلم تبرعات من الشركة لدار أيتام.
مالك: ربنا يجازيكي خير.
جميلة: برافو عليكوا... شركة كويسة... مش الشركة اللي أنا كنت باشتغل فيها.
دخل أنس و معه ألبومات من الصور يحملها بين ذراعيه، وضعها على الطاولة ناول ألبوم صور إلي جميلة: أتفضلي يا أستاذة جميلة، صوركوا أهى.
ثم أمسك ألبوم صور يبدو عليه انه قديم، وجلس إلي جوار ليلي وهمس لها: هاوريكي انا بقي حاجة أحلي.
ضحكت ليلي رغما عنها حين فتح الألبوم و أشار أنس لصورة قديمة يظهر فيها طفلا، يرتدي ملابس فريق برشلونة وتبدو كبيرة عليه لدرجة مضحكة ويحمل في يده كرة قدم وقال بهمس: مالك لو أخد باله ان الصور دي اتسربت هيزعل أوي.
وضعت ليلي كفها علي فمها تحاول ان تمنع ضحك رنانة من ان تفلت منها، نظرت إلي أنس و خفتت ضحكتها للحظة، كانت لأول مرة تلاحظ ان أنس ينظر إليها بابتسامة بشوشة، ليست تلك النظرة التي يملؤها الكبرياء و العينين المليئتين بالتحدي.... هربت من لقاء أعينهما و همست له كالأطفال: طيب وانت صورك فين... أكيد مش مالك بس اللي ليه فضايح وهو صغير.
قلب أنس بين صفحات الألبوم دون أن يجيب على سؤالها، وقفت ليلي عن صورة يقف فيها أنس بجوار مالك يضع يده على كتفه، يبدو أن أنس في بداية مراحل المراهقة، بينما مالك لايزال طفلا... كانت نظرة مالك في الصورة مليئة بالبراءة بينما وقفت أنس و عينيه كانت كالصقر الذي يحمي عشيرته.
ضحكت ليلي ونظرت إلى أنس: ده أنت كنت لاعب دور الأخ الكبير كويس أوي.
كان مالك وجميلة مشغولين مع ألبوم صور زفافهم، ويسترجعون أحداث ليلة العمر، حين رفع مالك عينيه عندها أنتبه لضحكت ليلي، ومجرد ما وقعت عينيه علي ألبوم الصور في يد ليلي وضع كفه علي عينيه وصاح: حرام عليك يا أنس... كل لما بتلاقي فرصة بتفضحني بالألبوم ده.
قام مالك من مكانه ولف ذراعه حول عنق أنس
ضحك أنس و هو يحاول أن يبعد يد مالك: أنا مالي اذا كانت كل صورك فضايح كده.
قال مالك وهو يرخي ذراعه من حول عنق أنس: لما تبقي تسافر هانزل أدور علي ألبوم الصور بتاعك، هحاول افتكر ماما كانت شايلاه فين.
صاحت جميلة بسعادة و مرح: الله يا مالك دي صورك وانت صغير....
نظر مالك إلي أنس بضيق مفتعل وقال: عاجبك كده، لو شافت الصور وغيرت رأيها فيا دلوقتي.
ضحك أنس: هي لازم تعرف الحقيقة.... ان شاء الله لما تجيبوا أولاد هيطلعوا شبهك وأنت صغير.
حاول مالك أن يمسك ألبوم الصور من يد ليلي، لكنها ألقت به لجميلة حاول مالك أن يأخذه من جميلة، لكنها فتحته بسرعة ونظرت الي صورة مالك بابتسامة كبيرة، وقالت وهي تلف ذراعها حول عنقه وتضمه إليها: شكلك حلو أوي يا حبيبي وانت صغير.
ضحك أنس بسخرية: مراية الحب عامية.
قامت ليلي من مكانها، حملت صينية الأطباق و اتجهت بها نحو المطبخ، قام أنس و تبعها حمل فنجان القهوة في يده و هتف: انا هادخل الفنجان بتاعي المطبخ علشان متقوليش اني مبساعدش يا جميلة.
دخل أنس إلي المطبخ، وجد ليلي تحاول ان تضع كوب على رف المطبخ العلوي، تقف علي اطراف اصابعها... لم تشعر به حين دخل إلي المطبخ لكنها شعرت به حين سحب الكوب من يدها ببساطه ووضعه على الرف.
نظرت له ليلي مطولا قبل أن تقول: علي فكرة مكنتش محتاجة مساعدة.
ضحك أنس: لأ ما هو كان واضح.
لم تعقب ليلي، نظر إليها أنس وقال: القهوة كانت حلوة زي صاحبتها.
حاولت ليلي ان تداري ارتباكها، ألتفت تغسل فنجان القهوة على الحوض وقالت وهي تدير ظهرها له: علشان كده مقولتش شكرا؟
ابتسم أنس وهو يخرج من المطبخ: مش يمكن دي طريقتي اني أقول شكرا.
---------------------
في صباح يوم الجمعة، كانت ليلي وصديقتها يقفان على باب إحدى دور رعاية الأيتام في منطقة في اطراف القاهرة، كلفتهم الشركة بإيصال بعض التبرعات إلي الإدارة...
وقفت ليلي علي الباب بتردد وقلبها يخفق بشدة، قابلتهم المسؤولة عن الدار بالترحاب، و اشارت لهن ان يصعدا معها إلي مكتبها في الدور العلوي، لكن قبل ان تصعد ليلي الدرج استوقفها صوت رجولي مألوف لها، نظرت إلي حيث مصدر الصوت فتجمدت مكانها،
بصرت أنس في الحديقة الخلفية للدار يلعب مع الأطفال، يرتدي قميص قطني مريح باللون الرمادي و أكمام قصيرة، و بنطلون رياضي أسود، يجلس علي ركبتيه في أرض الحديقة، تجلس فوق ركبته طفلة صغيرة عمرها حوالي ثلاث سنوات، تسند رأسها باستكانة علي صدره وهو بين الحين والأخر يمرر كفه على ظهرها بحنان، وطفلا أخر يتسلق ظهره من الخلف ليجلس فوق كتفيه ويصيح ببراءة: انا سوبر هيرو.
كان أنس يضحك مع الأطفال كما لم تراه ليلي من قبل، ضحكة من القلب لا يشوبها أي كبر او استفزاز كما عهدته..... وقفت ليلي مكانها تشاهده باستمتاع حيث جاء أحد الأطفال يركض إليه ويقول: بابا أنس... بابا أنس... بص على الرسمة بتاعتي.
ابتسم أنس وهو ينظر إليها باهتمام وقال: الله... دي أحلي رسمة انا شفتها في حياتي.
وقف علي مقربة منه طفلان صغيران ينظران اليه ويتبادلان الهمس والضحكات البريئة، قام أنس من مكانه بخفة وأمسك بأحدهم وحمله بين ذراعيه وهو يدغدغه وقال: انت اللي بتعمل فيا المقلب، فقال الطفل من بين ضحكاته العالية: والله ما انا يا بابا.... يوسف هو اللي قال لعمار يطلع على كتفك.
وبينما هو منشغلا يحمل الطفل بين ذراعه ويدغدغه، ركضت طفلة صغيرة نحوه، وضعت كفها الصغير ببراءة في جيبه و أخرجت قطعة شيكولاته، أمسك أنس بكفها الصغير و هو يضحك: خلي بالك انتي كده بتقلبي وكيل نيابة.
قالت الطفلة ببراءة: مش أنت بتجيبلي الشكولاتة دي كل مرة..... يبقي دي بتاعتي.
ضحك أنس وهو يضع قبلة رقيقة على وجنتيها: كل الشكولاتة ليكي، و أي حاجة عوزاها اطلبيها مني.
ابتسمت ليلي وهي تشاهد أنس بتلك الهيئة التي لم تعهدها عليه من قبل، التفتت إليها مديرة الدار حين لاحظت وقفتها لتشاهد الأطفال وقالت: الأطفال مش بس بتبقي محتاجة مساعدات مادية... بيفرق معاهم الاهتمام و الحنية.... في ناس كتير زي أستاذ أنس بييجوا بانتظام و بيراعوا الأطفال... بيحسسوهم ان ليهم أهل فعلا.
نظرت إليها ليلي بعينين تترقرق الدموع فيهما، فأردفت مديرة الدار: لو حضرتك تحبي ممكن بعد ما نخلص الإجراءات بتاعتنا تنزلي تقعدي مع الأطفال شوية.
قالت ليلي بارتباك وهي تصعد الدرج: لأ... ممكن مرة تانية.
وكزتها صديقتها في كتفها وهمست لها: ليه؟ الأطفال شكلهم حلو أوي خلينا نقعد معاهم شوية؟
همست ليلي وهي شاردة: مش النهاردة... واضح أنهم مبسوطين مع باباهم.
أنهت ليلي الإجراءات سريعا، وتعمدت ان تخرج مسرعة قبل ان يراها أنس، أو يعلم انها رأته.
تغيرت نظرة ليلي لأنس منذ تلك اللحظة التي وجدته فيها محاط بالأطفال، شاهدت جانب في شخصيته لم تكن تراه من قبل، وعلمت ان كل قسوته واستفزازه لم يكن سوي قناع يخبئ خلفه الحب والحنان