رواية قيود تنتظر الغفران الفصل الثاني2بقلم ايه طه


رواية قيود تنتظر الغفران الفصل الثاني2بقلم ايه طه


يوسف رجع لسريره الليلة دي، ما قدرش ينام.
كلام حسين يرن في ودنه، دموع العيال قدامه، صورة سلمى في قلبه.
وقال في نفسه:
 يا سلمى… أنا محشور بين نارين. لو وفيت بوعدي… الناس ينهشوا في لحم أختك. لو خالفت… أبقى خنت عهدك. أعمل إيه يا رب؟ يارب هونيها على قلبي ودبرلي امري يارب يا كريم....... 

في الصبح الدار كلها كانت عامرة بالناس، كأن في فرح… بس يوسف قلبه كان بيتفرم.
رجاله ونسوان رايحين جايين، أصوات عالية،
يوسف واقف في نص الحوش، 
هو عارف إن الليلة دي مش زي أي ليلة… دي الليلة اللي عيلته قررت تبيع فيها وعده.
         *******************
نرجع للحاضر من تاني يوم كتب الكتاب
يوسف خرج للغيط من بدري، كأنه بيهرب من البيت.
هاجر قعدت مع العيال، تأكلهم وتلبسهم.
وليد قال لها:
 خالتي هاجر… هي امه هترجع تاني ولا لاه زي ابوي ما قال؟

هاجر دموعها نزلت، حضنته وقالت: سلمى عند ربنا يا حبيبي.ادعيلها هى شايفانا من فوق وبتحبنا كتير...... 

وليد: طب إنت هتبقي امه صوح؟ علشان اكديه ابوي جابك اهنيه تعيشي ويانا...  

هاجر اتصدمت، ما قدرتش ترد.

يوسف رجع آخر النهار، شاف  هاجر قاعدة والولدين حواليها.
قلبه وجعه، افتكر سلمى.
بس كتم كل حاجة جواه.

قال بصوت ناشف:
 متتعبيش نفسك معاهم… أنا اللي هربيهم...... انتى هتكوني معززه مكرمه وملكيش صالح بحاجه واصل..... 
هاجر ردت بخجل:
بس انا مش تعبانه منهم.... هم عيالي زي ما هم عيالك..... وانا مبسوطه وانا معاهم.... 
يوسف سكت، ومشي لجواه.

بعد أيام، حسين قابله تاني.

حسين: مبروك يا عريس! اخبارك ايه عاد.... ايه اللى طلعك من دارك بدري اكديه... 

يوسف رد ببرود: ما فيش مبروك.وملكش صالح واصل... 

حسين: إزاي يعني؟! خلاص… بقيت جوز هاجر.... يبقى مبروك ولا ايه؟ 

يوسف: ايوا زوجها بالعافية بالغصب عرفت ليه مفيش مبروك دلوك..... 

حسين: واه يا راجل، إنت كسبت. خدت البنت الحلوة، والعيال في حضنها، والناس كلها ساكتة..... عايز ايه تاني عاد... 

يوسف مسكه من صدره وقال: اسمع يا حسين… إنت لو فتحت خشمك بكلمة واحدة عن هاجر، أقسم بالله ما تبات عايش.... 

حسين: اهدى يا يوسف… أنا جاي أهني.... مش اكديه ياولد العم.. 

يوسف زقه بعيد: اخر مره هقولهالك يا حسين ابعد عن طريقي...... وابعد سمك ديه عني وعن داري واهلي انت سامع؟! 

يوسف دخل أوضته، لقى هاجر قاعدة في الركن، طرحتها مغطيها لحد وشها.
هو وقف، ما عرفش يقول إيه.
قال بصوت واطي: اسمعي يا هاجر… اللي حوصول ديه غصب عني وغصب عنك.

هاجر بخجل: خابره زين والله..... وانا مكنتش رايده وحاولت ارفض كتير... 

يوسف: خابر يا هاجر.... بس أنا أوعدك… ما هقربلك ولا ألمسك طول ما إنتي مش رايده اكديه.... 

هاجر رفعت عينيها بدموع: شكراً يا يوسف.... 

يوسف: إحنا هنعيش في دار واحدة،علشان العيال. غير اكديه… مفيش.... انا صريح معاكي يابنت الناس انا مقدرش بعد سلمى.... والاساس من الجوازة داي هما العيال وبس. 

هاجر: موافقة.وانا خابره زين ان الجوازه داي علشان خاطر العيال وبس وانا هحطهم في عينيا ومش هخليهم يحتاجوا حاجه واصل..... وانا كمان مقدراش اكون معك غير اخويا يا زوج اختي... 

سكتوا، وكل واحد راح على ركن من الأوضة.
الليل عدى تقيل، مفيهوش غير صمت ودموع مكتومة.

الصبح بدري يوسف كان في الغيط، ماسك الفاس، يضرب في الأرض بقوة، كأنه بيصب كل غضبه فيها. 
في الدار، هاجر صحت من الفجر، لبست العيال، وحضرت لهم الفطار.وليد قاعد على الحصيرة، يلعب بالعربية الصغيرة، وسليم قاعد يتلزق في رجلها.

سليم:
 خالتي… هو ابوي زعلان مني؟

هاجر اتلخبطت، قلبها وجعها: ليه يا حبيبي بتقول اكديه؟ دا ابوك بيموت فيك.... 

سليم: لاه هو زعلان مني انا خابر زين....هو مبقاش يحضني…ولا يلعب ويايا...... مممن ياخالتي تتحديتي وياه وتخليه يصالحني وانا مش هزعله تاني واصل..... 

هاجر بصت للأرض، دموعها على وشك تنزل، بس بسرعة مسحتها وقالت بابتسامة مصطنعة: أبوك تعبان يا روحي… بيشتغل كتير علشانكوا..... علشان اكديه مبقاش يلعب ولا اي حاجه.... لما يرجع انا هتحددت وياه واخليه يقعد معاكم شويه اكديه... 

وليد رفع راسه وقال ببراءة: طب ليه ما يضحكش زي زمان؟ لما امه كانت اهنيه كان بيضحك كتير...... دلوك بعد ما طلعت عند ربنا مبقاش يضحك... 

هاجر حضنتهم هما الاتنين وقالت: ربنا كبير يا حبايبي… وكل حاجة هتبقى زينه...... بس احنا ندعي ونقول يارب وكل حاجه هترجع زي الاول ان شاء الله..... 

قبل العصر، يوسف رجع من الغيط، هدومه مليانة تراب وعرق.
هاجر كانت بتغسل هدوم العيال في الطشت.
أول ما شافته، قامت بسرعة.

هاجر: الوكل جاهز..... اجبهولك دلوك... 

يوسف: لاه سيبيه… أنا هاكل لما أروق... ماليش نفس للاكل دلوك..... كتر خيرك

دخل أوضته، رمى هدومه على الكرسي، غسل وشه، وبعدها خرج.
هاجر حطت الأكل على الطبليه، ولادها قاعدين يستنوا.
يوسف قعد قدامهم، بس ما مدش إيده.
وليد بص له وقال: بابا، كل معانا.... انت مش بتاكل ليه..... وكل خالتي هاجر زين وطعمه منيح... 

يوسف مد إيده على شعره وقال بحنان مكتوم: كل إنت يا بطل.... علشان تكبر وتيجي تعين ابوك فى الارض وتبقى سنده... 

بعد المغرب، رجالة الدار اتجمعوا في المجلس.
عبد الجليل قال وهو يشرب شايه يوسف… لازم نسمع إنك استقريت..... وعيشت حياتك طبيعي مع مرتك وعيالك ودارك زين.... 

يوسف رد ببرود: واه انت عايز ايه تاني يا عمي جوزتني غصب وانا اهو مستقر رايد ايه تاني مني عاد..... 

عبد الجليل: مستقر إزاي وانت ومراتك في دار واحدة كالأغراب؟ ديه الاستقرار اللى بتقول عليه ياولد اخوي..... يبقى اديتك بتي امانه عندك وجوزاتهالك علشان تعيشها اكديه..... دا يرضي مين ديه... يرضي ربنا. 

يوسف ضرب كفه في الترابيزة وقال: إنتو جبرتوني على الجواز داي… لكن ما تجبرونيش على قلبي...... وانا من الاول قولت ماريدش اتجوز وانتوا اجبرتوني يبقى هملوني لحالي اعيش حياتي بعد. اكديه على كيفي واللى شايفه صوح.... محدش يدخل واصل.... 

الرجالة اتصدموا من حدة كلامه، لكن محدش قدر يرد.

حسين كان سايب الكلام يعدي، لكنه ضحك بخبث وهو يبص ليوسف:
 طيب يا ابن عمي… دار واحدة ما بتشيلش اتنين غريبين كتير. الأيام هتعلمك.وبكرا تقول حسين قال.... 

يوسف رماه بنظرة تحذير:
 خليك في حالك يا حسين.... ومتختبرش صبري اكتر من اكديه عاد.... 

في الليل، هاجر قاعدة في أوضتها، والعيال نايمين.
يوسف دخل فجأة، إيده فيها طبق أكل.

يوسف: إنتي ما كلتيش ليه..... رايداهم يحاسبوني كمان انى مش عارف اكلك فى داري يابنت الناس.... 

هاجر اتفاجئت: مش اكديه والله..... بس أنا مش جعانة.

يوسف: مليش صالح كولي… مش رايد حد في الدار يدوب من الجوع..... ولا يسمعني كلمه اكديه ولا اكديه انى مش عارف اكفي داري وااكل اللى فيه زين..... سامعه

هاجر مسكت الطبق بخجل: طب حاضر شكراً.

يوسف وقف شوية، كأنه عايز يقول حاجة… لكنه خرج ساكت.

هاجر حطت الطبق جنبها، دموعها نزلت.
 يا رب… ده قلبه حجر ولا موجوع زيي؟ انا هعيش ازاى معاه بس...... منه لله اللى كان السبب.... 

بعد يومين، هاجر كانت ماشية في السوق تشتري خضار.
حسين ظهر فجأة، واقف عند القهوة، عينه عليها.

حسين: هلا يا ست هاجر.
هاجر شدت طرحتها على وشها وقالت بحدة:واه واه بعد اكديه يا حسين ما تسلمشي علي واصل.

حسين: واه ليه اكديه بس يابنت عمي؟! إحنا أهل.

هاجر: اهل؟! إنت آخر واحد أعتبره من أهلي.سامع؟ 

حسين: ليه القسوة دي؟! أنا اللي كنت رايد آخدك بالحلال… لكن هما غصبوا يوسف.

هاجر وقفت: يوسف جوزي… غصب ولا رضا، خلاص بقى جوزي. وإنت تبعد عن طريقي يا حسين، وإلا هشتكيك ليوسف.

حسين ضحك بخبث: يوسف؟! ده قلبه لسه مع أختك… وهو عمرو ما هيشوفك غير ظلها.
هاجر كتمت دموعها ومشيت بسرعة.

يوسف راجع من الغيط، هدومه غرقانة عرق وتراب.
دخل الحوش، لقى هاجر قاعدة على المصطبة، ماسكة الإبرة بتخيط جلابية قديمة لسليم.
العيال بيلعبوا جمبها، صوت ضحكهم يرن في الجو.
ضحكة الولاد دخلت قلبه زي نسمة باردة.
بس أول ما هاجر شافته، سكتت، رفعت راسها بسرعة وخبت ابتسامتها.

هاجر: الوكل جاهز..... عقبال ما تتسبح هيكون على الطبليه على طول.... 

يوسف: طيب..... هتسبح واغير خلجاتي وجاي... 

دخل الأوضة من غير ما يكمل كلام.
هاجر بصت وراه، تنهدت:
 هو لحد ميتا بس هيفضل يعاملني كأني غريبة اكديه؟ يارب هونها وعديها على خير....

بعد العصر، سليم وقع وهو بيلعب وجرح ركبته.
يوسف جري بسرعة، شاله في حضنه:
 إهدي يا ولدي… ديه جرح بسيط.... مفهوش حاجه واصل.... اجمد اكديه خليك راجل...... 
هاجر جابت ميه وقطن، قربت تنظف الجرح.

يوسف مسك إيدها: لاه استني، أنا هعملها..... ولدي وانا هراعاه واشوفو... 

هاجر كانت بتبص له من بعيد، قلبها بيتحرك غصب عنها.
لأول مرة تشوف يوسف الأب الحنون اللي مش بيبان قدامهم.

بعد ما خلص، بص لسليم:
خلصنا...... شوف اكديه يا بطل… الجرح ديه هيخليك قوى..... وبعدين ماتبكيش اكديه واصل... 

سليم مسح دموعه وابتسم بخجل.
هاجر ابتسمت من قلبها… لكن يوسف شافها،

في السوق تاني يوم، حسين وقف مع واحد صاحبه وقال بصوت عالي متعمد: والله يا جدعان، يوسف ديه مجنون… متجوز ومش عارف يقرب من مراته.... وعايش معاها زى الغريب في دار واحده... 

واحد رد: واه واه.... ما يمكن لسه حزين على مراته الأولى..... ومقدرش يقرب دلوك... نديه وقت بس... 

حسين ضحك بخبث:لاه يا عم، دي حجة. أنا عيني شافت… هاجر لسه بتتعامل كأنها مش مراته.....هو زي مايكون مغصوب ولا شاف فى البت حاجه عفشه اكديه ولا اكديه.... 

الكلام اتنقل زي النار في الهشيم.
وصل لودن يوسف بالليل.
يوسف دخل على هاجر وهي معاها العيال.

يوسف: إنتي سمعتي اللي الناس بيقولوه؟

هاجر اتوترت: واه واه.....براحه عاد مخبراش بتحددت عن إيه؟

يوسف: الناس كلها بتتحددت عن إننا عايشين غرب جوه دار واحدة.

هاجر بصت له بثبات رغم الخوف اللي في قلبها: مش هي  داه مش حقيقتنا؟ الناس مكذبتش واصل يا يوسف..... انت ليه متعصب اكديه.. 

يوسف: متعصب ومضايق يا هاجر علشان الناس ما بيرحموش... وانا تعبت من اكديه وكمان مارايدش حد يجيب سيرتك بالعاطل واصل.... 

هاجر:طب وإنت عايزني أعمل إيه؟ أضحك وأمثل إني ست بيت كاملة؟ ولا اقول انى بقيت مرتك صوح..... ولا اسيب البيت وامشي.... اعمل ايه بس يا يوسف قولي.. 

يوسف بقله حيله: لاه… أنا رايدك تكوني مرتاحة يا هاجر.... مش رايد تكوني مضغوطه ولا زعلانه ولا مظلومه... انتى فى الاول وفى الاخر بنت عمي واخت سلمى قبل اي حاجه..... 

هاجر بصت في عينه وقالت: وأنا عمري ما هرتاح وأنا عايشة مكان أختي… وجنبك وأنت لسه شايل صورتها في قلبك يا يوسف.... 

الكلام وقع زي السيف على يوسف.
سكت ومشي من غير ما يرد.

يوسف ما قدرش ينام.
خرج للحوش، قعد تحت السما، النجوم منورة.
هاجر كانت واقفة من بعيد، ماسكة طرحتها.

هاجر قالت بخجل: أنا مش رايداك تزعل… ولا رايدة الناس تتكلم عنك.

يوسف رد وهو يبص النجوم: وأنا مش رايد أظلمك..... بس نصيبنا وقعنا في بعض وخلانا فى الوضع ديه.... 

يوسف رجع أوضته، وهو مشوش أكتر من أي وقت فات.
هاجر نامت جنب العيال، بس قلبها بينبض بسرعة.
الجدار اللي بينهم… بدأ يتشق.
واللي جاي أصعب.

يوسف كان لسه راجع من المجلس، عينيه حمرا من كتر التفكير.
أول ما دخل، شاف سليم  في حضن هاجر، وصوت الكحع... بيهز الأوضة.

يوسف بخوف: إيه ديه؟! في ايه؟  مالو ولدي جرالو ايه يا وليه.... 

هاجر بصت له بلهفة: حرارته مولعة. خايفة تكون حمه جامدة.... مش عارفه اعمل ايه... 

يوسف قرب بسرعة، مد إيده على جبين سليم.. 

يوسف بخوف: واه واه.... ديه محتاج دكتور حالا..... قومي وهمي ياوليه.. هنروح البلد دلوك نشوف دكتور

هاجر اتلخبطت: دلوك؟ الليل متأخر! هنلاقي دكتور فى الوقت ديه... 

يةسف بعصبيه: امال إنتي رايدة الواد تسوء حالته ويموت زي ما ماتت امه عاد.... 

يوسف شال سليم في حضنه، وطلع بيه على الحوش.هاجر جريت وراه، لابسة عبايتها ومغطية راسها. 

وليد قعد يبكي: اماه… أنا مش هنام من غيركم..... بالله عليكم ارجعوا باخوي مش تسبوه يطلع عند ربنا زي ماما سلمى... 

هاجر حاولت تطمنه: استنى يا وليد، هانرجع بسرعة.... متخافش اخوك هيكون زين بس ادخل جوا واقفل على نفسك زين واستنانا ياولدي... 

وصلوا بيت الدكتور في البلد، يوسف خبط الباب بقوة.
الدكتور فتح متعجب:خير؟ إيه اللي جابكم في نص الليل؟ حوصول ايه عاد... 

يوسف بلهفة: الحقني يادكتور بسرعه الله لا يسيئك....الواد سخن وبيكح جامد… شوفو بسرعة.... 

دخلوا، الدكتور فحصو: متقلقوش بسيطه... عنده التهاب في الصدر… محتاج راحة ودوا وكلها اسبوع وهيكون زين.

هاجر اتوترت: يعني مفيش عليه خطر يا دكتور؟

الدكتور: لاه بس لازم ياخد علاجه وما يتعرضش للبرد..... و هيكون زين ان شاء الله.. 

رجعوا الدار، سليم نايم على كتف يوسف.
دخله الأوضة، غطاه كويس.
هاجر قاعدة جمبه، عينيها مليانة دموع.

يوسف بص لها وقال بهدوء لأول مرة:
متخافيش… هيبقى زين..... متزعليش مني لو كنت اتعصبت عليكي..... بس انا خايف اخسر حد زي ماخسرت سلمى.. 

هاجر ردت بصوت واطي: لاه مزعلتش منك واصل.... ربنا يخلي ليك ويخليك لهم قادر يا كريم.. 

يوسف اتجمد للحظة… كأن الكلمة دي دخلت قلبه مباشرة.

الأيام اللي بعد كده كانت صعبة.
سليم سخن تاني يوم، وهاجر ما فارقتهوش لحظة.
يوسف كان يروح الغيط، بس يرجع يجري عشان يطمن.
كل شوية يسأل: اخد الدوا؟ نام زين؟ حرارته عاملة إيه؟

هاجر بقيت مستغربة من نفسها.
هو في الأول كان بيهرب منها ومن العيال… دلوقتي واقف جنبهم بكل قوته.

في ليلة، سليم نام أخيرا بعد ما حرارته نزلت.
هاجر قاعدة مرهقة، عنيها حمراء من السهر.

يوسف دخل ومعاه كوباية نعناع: خدي… يشد حيلك شوي..... ويهدي وجع الراس والصداع.. بسبب انك ما نمتيش من يومين.

هاجر مدت إيدها وخدت الكوباية، عينيها بتهرب منه: شكرا... كتر خيرك... تسلم ايدك تعبت نفسك.. 

يوسف قعد على المصطبة قدامها: مفيش تعب ولا حاجه.... إنتي ست جدعة يا هاجر.

هاجر قلبها وقع، ووشها سخن:واه واه متقولش اكديه.... أنا بعمل الواجب وبس.

يوسف: لاه يا هاجر… ديه أكتر من الواجب.... مش عارف من غيرك الواد سليم كان هيبقى ازاى... احنا فعلا كنا بحاجتك.. 

الكلام بينزل عليها زي البلسم، لكنها بسرعة غطت إحساسها: المهم سليم يبقى بخير.... وانا بعتبره زي ابنى... 

يوسف بصلها، وفي عينيه لمعة مش واضحة… لكنه ما كملش.

 حسين قابل هاجر عند البير وهي بتملأ جردل الميه.

حسين: صباح الخير يابت عمي... سمعت إن الواد الصغير عيا صوح الحديت ديه؟! 

هاجر ردت ببرود: ايوا الحمد لله بقى زين... 

حسين: غريبة… يوسف مهتم بيه قوي الأيام داي.

هاجر بصتله بحدة: مش هو أبوه… طبيعي يهتم بيه فيها ايه يعنى؟! 

حسين: طبيعي؟! طب وإنتي؟ مش شايفة إنك قاعدة بين نارين؟ لا هو راضي يسيبك، ولا راضي يحبك... 

هاجر قلبها اتقبض، لكن رفعت راسها وقالت: أنا مش محتاجة حبك ولا كلامك… ابعد عن طريقي يا حسين.

سابته ومشيت وهو بيضحك بخبث

يوسف في الغيط يشرف على العاملين 
فجأة واحد من العمال جري عليه:
الحق يا معلم يوسف! الساقية وقفت! الميه مقطوعة عن الغيط كله.

يوسف اتنفض: إزاي؟! ده موسم الري.... ازاى تتعطل اكديه... 

جري على الساقية، لقاها مكسورة والحبل مقطوع.

يوسف مسك الحبل بإيده:
داى مقصوده.... اللي عملها عايز يبوظ زرعنا… ومش هيسيبهالي بالساهل.... بس انا مش هسكت ومش هسيب ارضي اكديه.... 

وسط الزحمة، حسين طلع فجأة، واقف بعيد ووشه كله سخرية.

واحد من العمال قال: يمكن اللى عمل اكديه يكون بسبب الغيرة من اللي حواليك يا معلم يوسف.... ما شاء الله ارضك احسن ارض فى الصف كله وداينا خيرها كتير... 

حسين اتدخل:واه واه ما يمكن إهمال من صاحب الغيط نفسه.... فى صاحب ارض ميتاكدش من الساقيه بتاعته قبل ما يجيب العمال الارض يشتغلوا فيها... 

يوسف قلبه مولع: إنت تقصد إيه يا حسين؟ وبعدهالك عاد.... مش ناوي تجبها للبر معايا عاد... 

حسين: واه وانا مالي عاد يا ولد عمي.... أقصد اللي مش قادر يظبط بيته، إزاي هيظبط غيطه؟

يوسف مش قادر يرد قدام الجمع.
الغضب مولع جواه، لكن عارف لو اتخانق هنا هتزيد البلوة.
هاجر كانت جاية من الدار، شايلة أكل ليوسف.
أول ما شافت الزحمة، قلبها اتقبض.
قربت بخطوات مترددة.

واحده من الستات قال بصوت عالي: شوفوا… مراته جايه! يمكن تلحق ترد عنه.... ولا تسكت ماهو الكلام صوح وانا خابرين زين انهم عايشين فى دار واحد زي الاغراب... 

هاجر قامت وقفت جمبه فجأة:واه واه ايه الحديت الماسخ اللى بتقولوه ديه...... هو راجل قدها… ومحدش ليه عنده حاجه واصل.... واللى يعرف يراعي ارضه ويخليها زينه زي ارض يوسف اكديه وريني نفسه ويطلع يحكي قدام عيوني..... 

يوسف اتفاجئ، بص لها بسرعة.
هاجر كملت، وصوتها يهتز من التوتر: يوسف مش مقصر في حاجة واصل… ديه سهران على الغيط ليل ونهار، واللي بيوحصول ديه غدر مش إهمال..... وكلكم خابرين اكديه زين.... 

حسين حاول يضحك: يا سلام! ما شاء الله… بقت تدافع عنه كمان..... مش هو يوسف نفسه اللى بيعملك زي الغريبه فى داره... 

هاجر رفعت راسها وقالت بجرأة غير متوقعة: أيوا… أنا مراته، وحقي أقف معاه.... واللى بيوحصول فى دارنا ملكش صالح فيه واصل.... ولا ليك تتدخل لا انت ولا اى حد من اهنيه.... كفاياكم قله حيا وخشا عاد وهملوا الراجل ومراته يعيشوا زي ماهم عايزين عاد.... 

واحده من الستات: بصو… أخيرا وقفت معاه. يمكن الجوازه بدأت تتثبت. شكلهم هيبقوا عيلة بجد.

يوسف حس بدفا غريب في قلبه.
هو مش متعود يشوف هاجر بالصلابة دي.
الزحمة فضت، والعمال رجعوا يكملوا شغلهم.
يوسف قعد على حجر جنب الساقية، يمسح عرقه.

هاجر قربت: خد… كول قبل ما يبرد الوكل.... 

يوسف بصلها: إنتي ليه عملتي اكديه؟

هاجر تنهدت:ما حبيتش الناس يعيبوا فيك… ولا يكسروك قدامهم اكديه... 

يوسف بص للأرض: أنا مكنتش مستني منك الكلام ديه.

هاجر: وأنا مكنتش مستنيه ألاقي نفسي واقفة جمبك اكديه… بس حوصول وخلاص.... 

لحظة صمت غريبة بالليل، هاجر قاعدة مع سليم ووليد.
الولاد مبسوطين إن أبوهم لعب معاهم قبل ما يناموا.
هاجر قعدت تفكر: أنا إيه اللي بيوحصول ليا؟ ليه وقفت جمبه اكديه؟! ليه متحملتش عليه كلمه ودافعت عنه؟! معقول قلبي بدا يرق ويلين ليه؟! 

قلبها بيرجف كل ما تفتكر نظرة يوسف لما بص لها النهارده.

يوسف من ناحيته، قاعد في الحوش لوحده، يسرح في كلامها "أنا مراته"…
الكلمة دي لسه بتتردد في ودنه.

في بيت حسين، قاعد يضرب كف في كف:
 لاه… اكديه ما ينفعش. أنا كنت رايد الناس تشوفهم متفرقين… دي بقت تدافع عنه كأنها بتحبه!

أمه ردت: يا ولدي، خلي بالك… البت يمكن قلبها يلين..... والحمد لله اهى حياتهم هتستقر والدنيا هتتظبط... 

حسين: لاه… مش هسيبهم يرتاحوا. لسه عندي ورق كتير ألعبه..... عمري ما اسيب يوسف يتهنى بحاجه واصل... 

يوسف رجع أوضته، لقى هاجر نايمة جمب العيال.
وقف يتأملها لحظة، قلبه يخفق من غير ما يفهم ليه.
قال في سره:
 يمكن ربنا بيكتبلي بداية جديدة… بس أنا لسه مش قادر أسيب الماضي.

وخرج، والليل ساكن، بس جواه عاصفة.

                  الفصل الثالث من هنا
تعليقات



<>