
رواية لطيفها عاشق بقلم سميه رشاد
"أحيانًا ما تتشابه علينا جميع الطرق فنضلّ السبيل ولم نجد أمامنا سوى البوح"
فاضت الدهشة من عقل أبيه حتى أغرقت والدته التي تبعت الأخير بفضول، لتهرول والدته تجاهه ويداها تلتقط يديه تسأله بلهفة وعيون بدى الرجاء فيها جليًّا
- بتتكلم جد يا عبدالرحمن؟ اللي أنا سمعته دا صح؟ رد عليا بالله عليك
ليرفع يديها التي تحتضن كفه من بينها ملثمًا إياها بين شفتيه ثم أومأ إليها بابتسامة وأدت جميع مشاعرها السلبية التي كان قد أيقظها عزوفه عن الزواج، أخرجهم من طوفان المشاعر الذي غمرهم سؤال والده الصريح
- عشان كدا مكنتش راضي تتجوز؟ كنت ناوي على دنيا؟
صمت عبدالرحمن ولم يتحدث ليسأله أبيه باندهاش
- وليه معرفتناش على الأقل مكانش حد هيزن عليك ودنيا نعرف أبوها عشان متتخطبش
- عشان مش عايز نتكلم في الموضوع قبل أوانه عشان مكررش موضوع أحمد ورقية.. كنت مستنى على الأقل تخلص ثانوية بس أدام في احتمالية إن حد يخطبها فمفيش داعي للانتظار
لم يذكر شيء عن مشاعره، بل كل ما تجرعه قلبها من كلماته هو رغبته في الزواج منها دون ذكر تفاصيل أخرى وحديثه هذا لم يصل بوالدته حد الارتواء، هي تعلم أن ولدها يتصف بالحياء الشديد، بل لم تتوقع أبدًا أنه سيعرب عن مشاعره لإحداهن أمام أحد، ولكن هذه ليست أي فتاة.. بل دنيا.. ابنتها التي لم يلفظها رحمها وتريد أن تستمع عن عشق ابنها لتلك الفتاة حد الثمالة.. فابنتها عانت من جفاف المشاعر بل كانت تعيش وسط قلوب جرداء وتستحق أن يهيم بها قلب خصب يمطرها بفيض عطاياه التي لا تنتهي.
لم تقدر على الصمت في هذه اللحظة، فطلب ولدها المتعري من مشاعر تخبيء عيوبه لم يشبعها فقالت
- وليه دنيا؟ ليه مختارتش حد تاني؟
في الوقت الحالي لا يريد الإفصاح عن شيء من حبه، فهو يعلم أن العلاقات لن تظل كما هي إن رفضته دنيا، فكيف ستكون إذا إن علم الجميع بحبه لها؟! ليجيب والدته بما أثار غيظها:
-هي مناسبة ليا.. إيه يخليني أخطب حد غريب.. بنت عمي اللي عارفها أفضل.
تلجلجه في الحديث هذا وعيناه اللتان تأبى معانقة أعينها أشعراها بأن ولدها يخفي أكثر مما يبوح لتكمل حديثها بتحدي
- طيب ما عندك مريم بنت عمك وريهام كمان اشمعنى دنيا يعني.
بدت كلمات والدته وكأنها تترجاه لينفجر بما أحكم قبضته حوله على مدار السنوات السابقة إلا أنه برع في إخفاءه كما السابق فأجابها
- أنا شايف دنيا مناسبة ليا أكتر ومتأكد إني مناسب ليها هي مش هتعرف تتعايش مع حد غيري أصلا.
ثقته بنفسه وحديثه المتقين هذا كشف عن شيء ما إن اطلعوا عليه لفزعوا مما يستتر بقلب ولدهم، فكلماته ليست كلمات يتحدث بها حبيب عن من أحب، بل كلمات شخص عاشق.. متملك بطريقة مرضية من الممكن أن تؤذيهما هو ودنيا بأحد الأيام ولكن الله كان رحيمًا معهما كما العادة مع عباده ليعمي بصيرتهم عن اكتشاف هذا الجانب من ولدهم فطالعه أبوه وأمه بنظرات تدل على عدم فهمهم لحديث ولدهم الغامض.
__________________
رجل يبدو على مظهره أنه بالثلاثون من عمره أو ما قارب ذلك، عيناه امتزج فيهما اللونين الأزرق والأخضر القاتم حتى نتج عنهما لون آخر لم تستطع وصفه، أنفه مستقيم بحجم متوسط كما أن شفتاه المبتسمتان هاتان تزينان وجهه الذي بدى وكأنه لا ينقصه شيء.
هكذا حدثت مريم نفسها وهي تقبض على صورة ذاك الرجل بيديها ودموعها تنساب من عينيها حزنًا عليه، انهمرت دموعها أكثر من ذي قبل وعقلها يصل إلى هذه الفكرة، أحقًا ترثي سيف.. خطيبها المتوفي قبل عدة أشهر، أم أنها تبكي من ألم ضميرها الذي يوخز قلبها وخزا؟!
وكيف لا وهو توفى بعد ليلة واحدة من شجارهما معًا بعدما اكتشف عشقها لآخر غيره؟! فأن تحتضر ألمًا جراء حب شخص يعاني من عشق آخر شعور مقيت يرفضه القلب ولا يقدر على تحمله وربما يفقد السيطرة على نبضاته فتتوقف فيموت عاشقًا كُتب عليه الحرمان.
تأملت الصورة قليلًا بل وتجرأت أناملها لترتفع على معالم وجهه تتحسسها ببطء وكأنها حقيقية قبل أن تقسو عيناها بشدة ثم تضغط بأظافرها على الصورة بعنف وبلمح البصر مزقتها إلى قطع صغيرة للغاية وشفتاها تردد بجبروت
- كفاية تمثيل..كفاية.. عمرك ما حبتيه..ارتاحتي لما بعد عنك.
__________________
في المساء
تركت دنيا شقيقها الذي أخبرها لتوه أن انهياره نتج عن تذكره لجل الأحداث التي ألمت به، بالحقيقة هي لا تصدق روايته، بل تكاد تجزم أن هناك سببًا قويًا جعله على حالته تلك، ولكن أيمكنها التطفل عليه وإجباره على ما امتنع عن البوح به؟!
رمشت بعينيها عدة مرات وهي ترى رسالة قدمت إليها من رقم أجنبي عنها، فما بالها تلك الأرقام؟ لما تتكاثر عليها هذه الفترة؟ أمن الممكن أن يكون أحدهم نشر رقمها بين الشباب أم ماذا حدث، فتحت الرسالة بدون رغبة ليصدمها محتواها الذي قرأته باندهاش
"عزيزتي دنيا، أعلم أنك لا ترغبين في محادثتي، وأخبرني بذلك إعراضك عن إجابتي قبل وضعك لي على قائمة الأرقام المحظورة، أقسم لك أن التطفل على الفتيات ليس من شيمي، بل لم أكن أتوقع أبدًا أنني من الممكن أن أكون بلا كرامه كما أشعر معك، ولكن غلبني حبِّي فلم أقدر سوى على مراسلتك من رقمي الآخر، أرجوكِ لا تفعلي كما المرة السابقة وطمئنيني عليكِ، فالقلق يقتلني"
رمت الهاتف من يدها بضيق من ذاتها قبل أن تغضب من فعلته، فهي وإن لم تجبه ولكن قلبها تلهف لقراءة الرسالة عدة مرات وكأنها ترتشف من كلماته الاهتمام الذي تتعطش كل خلاياها إليه.
بين تلك الحجارة الكبيرة التي تقيمها الحكومة لتتوسط الطريق بين المنازل من الجهتين كانت تفوح رائحة الورود والأشجار المغروسة بمنتصفها لينتشر شذاها بالقلوب فيبهجها ويجود عليها بالسكينة التي كانت سببًا للجلوس بينها، استنشق عبدالرحمن أنفاسه العميقة وهو يرى والده يلفظ باسم عمه بعدما رآه من بعيد، يعلم أن الآخر لم يعبأ بالشجار الأخير بينهما فهو بات من عاداتهما ولم يعد كلاهما يضعه بحساباته، أغمض عينيه بقوة يستدعي الصبر وهو يستمع إلى صوت عمه المرحب به بسخرية، لم يجبه بل لم يكلف نفسه عناء النظر إليه، فهو قد عقد مع والده اتفاق بأنه لم يتحدث بالأمر كي لا يعركل ما يهدفان إليه
لم يطل الصمت كثيرًا ليكون الحاج رفيق هو أول من صدح صوته المناسب لوجهه البشوش
- جاي لك في طلب يا رجب
ليلتفت رجب إليه بشهامة مصطنعة لا تليق به
- رقبتي سدادة يا أخويا
ليتابع رفيق وهو يربت على ظهره بحنان
- تسلم يا غالي.. أنت عارف عادة عيليتنا بإننا بنحب نتجوز من بعضنا من نفس العيلة وأنا مش هلاقي أحسن من دنيا لعبدالرحمن
طلبه صعق رجب، بل لم يكن يعتقد بأنه سيراه بأجمل أحلامه، فزواج عبدالرحمن من دنيا يعني الكثير.. الكثير الوافر من الخير والأموال..فهذا عبدالرحمن الجالس أمامه يملك من أرض العائلة الزراعية أكثر مما يملك هو بسبب وصية جده له بثلث أمواله بالإضافة إلى أنه الوارث الوحيد لأبيه، أفاقه رفيق من شروده الذي طال بقوله
-رأيك إيه؟
-طبعًا موافق هو أنا هلاقي أغلى من عبدالرحمن لدنيا دا ابني أنا مش ابنك أنت.
ابتسم قلب عبدالرحمن بتهكم من موقف عمه، فهو كان أكثر من متيقن من موافقته جرَّاء علمه بتفكير عمه، بينما رفيق قد ابتسم بسعادة وكأنه حصل على كنز عظيم، فموافقة شقيقه أبادت كل مخاوفه، كان يعتقد أنه سيرفض بقوة اقتران ولده بدنيا بسبب النزاع الدائم بينهما فقلبه النقي لم يتنبأ أبدًا لتطلعات أخيه الدنيئة ليصرَّ الآخر على تغيير فكرة شقيقه عنه بقوله
- بس طبعًا لازم أضمن حق بنتي.
كادت ضحكة عبدالرحمن أن تتصاعد لعدم قدرة الآخر على الصبر قليلًا بينما رفيق قال بود
- طبعًا يا حبيبي اللي تؤمروا بيه مجاب
ابتسم رجب بسماجة حتى بدت أسنانه الصفراء الغير ملائمة لبشرته السمراء بطريقة منفرة ثم تابع
- عبدالرحمن يكتب نصف نصيبه في الأرض ليا.. أظن دا من حقي.. مش هيكون أغلى من بنتي عشان أضمن إنه هيصونها.. معلش يا رفيق بس كلنا عارفين ابنك إما بيتعصب ممكن يخرب الدنيا.. وأنا بنتي غالية عندي.
ابتسم رفيق بحرج من الموقف الذي وضع فيه، يشعر بالتيه ولا يدري ماذا عليه أن يفعل، فهو لا يضمن رد عبدالرحمن على طلب عمه، لم يتناقشا في هذا الأمر من قبل لينهي عبدالرحمن صراع أبيه قائلاً بقوة
- الفلوس مش هي اللي هتضمن لك حق بنتك.. ولا هي اللي هتمنعني من إني مصونهاش.. اللي خايف من أخلاق حد بيرفضه من غير ما يدخل في الخطر.. بس خليني ماشي معاك للآخر.. أنا موافق أكتب نص نصيبي في الأرض.. بس مش ليك.. ليها هي..صاحبة الشأن.
لم تؤثر كلماته الأولى برجب بل ربما لم يستمع إليها لترقبه باقي الحديث، فهو كان ينتظر سماع كلمة واحدة والآخر لم يريحه بطريقة مباشرة، ولكن لن يضر أن يكتب العقد باسم دنيا فهو يعلم أنه أكثر من قادر على إجبار ابنته بأن تكتب نصيبها إليه ليجيب عبدالرحمن بابتسامة لم تثِر فيه سوى النفور
- تمام وأنا هعوز إيه أكتر من كدا.. حددوا ميعاد للخطوبة وأنا موافق.
كاد رفيق أن يتحدث ليزيل بعضًا من رائحة الحدة المنتشرة في الجو بقوة حتى أنها طغت على رائحة الزهور إلا أن عبدالرحمن قاطعه قائلًا
-تمام إن شاء الله لينا زيارة قريبة في شقتكوا ونتفق على ميعاد الخطوبة وكتب الكتاب.
أومأ إليه رجب وهو ينهض واقفّا لرؤيته أحد أصدقائه قادمًا من بعيد فتابع عبدالرحمن بينما يقف هو الآخر
- بلغ دنيا وأحمد ومنتظرين الرد بموافقتهم.
تركهم رجب دون أن يعبأ بحديثه وكأنه صم عند قوله، فأي موافقة لابنته تلك التي يضعها في حسبانه، أليست موافقته هو تكفي وتفيض؟!
____________________
أغلق أحمد هاتفه بغضب للمرة التي لا يعلم عددها، يشعر بنفسه عاجزًا أمام صغيرة زوجته الراحلة، تلك الشقية"ليان" فمنذ أن رآها باليوم الذي أصابه الانهيار به وهو لا يستطيع سوى على التفكير بها وطريقة إنقاذها من ذاك الشخص الذي يزعم أبوته لها، كيف يكون أبًا لها ويستغلها هكذا على مواقع التواصل الاجتماعي! فذاك الشخص يبدو أنه أحد المشاهير على تلك المواقع هو وتلك المرأة التي ترافقه وهذا لم يهمه، ما يهمه فقط هي الصغيرة التي لا يتركون طريقة يستغلونها بها في زيادة نسبة المشاهدة إلا وفعلوها.
اعتاد ليان شقية للغاية، ضحكاتها لا تتوقف على الانطلاق ولكن ما بها تأتي صامتة واجمة الملامح وكأنها ليست هي؟ عقله يكاد ينفجر قلقًا عليها، فإن أثبتوا بعشرات الأوراق أنها ليست إبنته ستظل مشاعره تتحرك تجاهها ولن ينسى أبدًا أن مشاعر الأبوة بدأت مغازلته عن طريقها.
فاق من شروده على صوت أبيه المزعج الذي دلَّ على قدومه بالخارج فنهض واقفًا ليرى ماذا يحدث ليجده واقفًا يناطح زوجة عمه المتوفي" لبنى" بينما رقية تحمل صغيرته كما صارت عادتها في الأونة الأخيرة.
استمع إلى الحديث الدائر لعله يفهم ما يحدث ليجد زوجة عمه تقول بقلة حيلة
- يعني أعمل إيه يعني.. أخويا وجاي يتطمن على أخته وبنات أخته أمنعه ييجي عشان أنت متخانق معاه وأنا مالي أصلا.. وأنت مالك بينا
ليقول بجبروت وكأنه لم يستمع إلى حديثها
- ماشي خليه ييجي وأنا أخرجه ليكِ على نقالة
لتكون رقية المتحدثة هذة المرة بعدما أجبرتها دموع والدتها على الإجابة:
-تمام اتعرض له وإحنا هنرد بطريقتنا
- يعني هتعملي ايه يعني.. شوية نسوان هيخوفوني ولا إيه.
استفزها حديثه لتقول
- هعمل كتير وأولها محضر في الشرطة عشان يحمونا.. أدام اللي المفروض يحمينا هو اللي بيعادينا ومبيراعيش حرمة أخوه.
كاد رجب أن يقترب منها ليرد عليها بيديه كما يفعل دائمّا في حديثه مع الفتيات إلا أن أحمد كان أول من تدخل هذه المرة ووقف أمامه يسأله باستنكار
- أنت بتعمل إيه؟ عايز تضربها ولا ايه
لم يلتفت أبيه بل ظل يحاول الاقتراب منها فجذبه أحمد بقوة حتى أدخله إلى البيت الذي يسكنه هو وشقيقته وأغلق الباب عليهما بعدما نظر لزوجة عمه وابنتها نظرة اعتذار.
_________________
هلل هلال فرحًا فور علمه باقتراب خطبة عبدالرحمن رغم عدم علمه بمشاعر الآخر تجاه ابنة عمه، إلا أن فكرة زواجه أسعدته ليصدح صوت صديقه المرِح مهدي وهو يقدم من الداخل
-عقبالي إما ست الحسن ترضى عني
التفت الشباب الثلاثة إليه بفضول لعله يتبع كلامه بشيء عن ست الحسن هذه التي كلما تحدثوا معه عن الزواج أخبرهم أنه ينتظر ست الحسن ولكن لا يعلمون من هي؟ بل لا يعلمون إن كانت متواجدة بالواقع أم أنه لقبًا يطلقه على زوجته المستقبلية، فهم لا تواتيهم الجرأة ليسألوه عن أي شيء يخص حياته الشخصية إن لم يسارع هو في الحديث عنها وهذا ما يميز علاقتهم، أن من يريد الحديث يتحدث ومن يبتغي الصمت فليفعل هما معًا.. قوة واحدة لا تقهر بجميع الأحوال.
كان عبدالرحمن هو من قطع الصمت بقوله
- منتظر الرد بتاعها.. هي بنت عمي وعرفت أبوها بس منتظر رأيها.
قال جملته الأخيرة بعقل شارد متيقنًا من النتيجة التي ستأتيه، بالحقيقة هو لا يضمن موافقة دنيا ولا يعلم بما تفكر في الوقت الحالي، ولكن موافقة أبيها باتت بين قبضته، يريد أن يعرف رأيها منها بالتفصيل دون أن يتوسط أحد بينهما وهذا ما سيفعله حينما يجلسان معًا برؤية شرعية باتت قريبة.. قريبة للغاية
غازلت شفتاه ابتسامة أثر تخيله لجلوسه برفقتها والتحدث إليها دون حواجز بينهما ليفيقه من شروده صديقه ناصر
-إيه يا عم الابتسامة دي.. احنا لحقنا.
التفت إليه مبتسمًا بحرج قبل أن يهز رأسه قائلًا بنفي مندهشًا من صديقه الهاديء الذي قرر أخيرًا نزع عباءة الصمت
- إيه يا عم أنت يوم ما تهزر هتهزر عليا أنا ولا إيه.
ابتسم ناصر بهدوء دون أن ينطق بشيء ليهز عبدالرحمن رأسه بقلة حيلة قائلًا
- أهو رجع لوضع الصامت تاني أهو.
___________________
-يا أبي حرام عليك اللي بتعمله في الناس دا ليه كدا.. هتضيع إيه تاني بعد اللي ضاع؟
لوهلة اصفرَّ وجه رجب جرَّاء كلمات ولده والتي شعر بها تشير إلى شيء مازال الجميع يحملونه ذنبه، شيء يهرب منه عقله ولا يحاول تذكره أبدًا إلا أن ذاك الشيء يتشبث به كالعلكة ويأبى مفارقته وكأنه كتب عليه المرض بالذكرى إلى الأبد.
انتبه الاثنين إلى دنيا التي قدمت من الخارج ويبدو من هيئتها أنها كانت بأحد الدروس التي تذهب إليها كثيرًا لتراكم عدد المواد الدراسية عليها، لم يخف على أحمد تلك الرجفة التي اعترت جسد شقيقته فور رؤيتها لأبيها وكأن هذا الرجل هو أحد الشياطين وليس أبيها وأمانها، تجاهلت وجوده واتجهت إلى الغرفة التي تمكث بها ليستوقفها أكثر الأصوات بغضًا لقلبها وهو يقول
- استني تعالي
تراجعت خطواتها قليلًا وكادت أن تصطنع عدم استماعها لحديثه إلا أنها بالأخير عادت إليه تجلس بالقرب من أخيها
لينظر إليها أبيها بتهكم قبل أن يقول بهدوء وكأنه يخبرهم بأحد الأخبار عن جيرانهم
- عبدالرحمن خطب دنيا مني وأنا وافقت.