رواية مذكرات عاشق الفصل الخامس5بقلم صفاء حسني


رواية مذكرات عاشق الفصل الخامس5بقلم صفاء حسني 
استيقظت على صوت أذان الفجر. من حضن ابنها 
توضّت، ولبست الإسدال، وصلت ركعتين بخشوع، كأنها بتستمد من السجدة قوة جديدة تخليها تواجه ذكرياتها.
بعد الصلاة، راحت المطبخ، حضرت فنجان كابتشينو، وقعدت على المكتب تكمل الرسالة اللي بدأها حازم.

رسالة حازم:

"إنتي عارفة، كان صعب عليّا أوي أرجع ألاقي بابا مات، وماما بعد شهور العدّة تتجوز عمّي...
رغم إني كنت عارف إن أمي ندمت على جوازها من بابا، لأنها عمرها ما فهمته ولا ارتاحت معاه."

توقف لحظة، كأنه بيرجع يعيش اللحظات اللي وجعته، وبعدين كمل:

"مريت بأيام صعبة جدًا...
وبقيت أهرب بالخروج الكتير، والسهر، والخمرة، والمخدرات...
كنت بهرب من همس الناس، وخصوصًا إني مشهور، وكل حاجة تخصني كانت على لسان الكل.
عملت كل حاجة غلط ممكن تتخيليها...
لحد ما كنت هخسر عضوية النادي بسبب استهتاري وإهمالي في حياتي الرياضية."

يتنهد بعمق وهو بيكمل اعترافه:

"وبعد فترة، كابتن حاتم كلّمني وقالّي:
'لازم تاخد راحة يا ابني في مكان بعيد قبل النهائيات، الفريق معتمد عليك، وكده هنخسر البطولة... انسَ كل حاجة.'
قلتله: 'حاضر.'"

حازم يكمل الكتابة:

"يوم ما شفتِك، قررت وقتها إني لازم أتعالج وأفوق من كل اللي كان في حياتي،
خصوصًا بعد اليوم اللي قضيناه سوا وسرحت فيه معاكي يوم كامل،
ومروحتش المكان اللي كنت بروحه دايمًا...
لجأت لصديق الطفولة... وليد."

(فلاش باك – حوار حازم مع وليد):

كانت الشمس بتغيب بهدوء، وأشعتها بتتسلل على ملامح حازم اللي باين عليه الإرهاق والتعب، عيونه محمرة من السهر، ووشه باهت كأنه فقد لون الحياة.
قاعد قدام صديقه القديم وليد، اللي كان في نظره طوق النجاة الوحيد بعد غرق طويل في ظلمة التيه.
وليد كان شايف قدامه مش اللاعب المشهور اللي الكل بيحبه، لكن الولد اللي اتربى معاه، اللي كان بيجري وراه في شوارع الحي الصغير زمان وهما بيلعبوا كورة بحلم بريء.

وليد بنبرة حزن ممزوجة بالغضب، وعيونه مليانة وجع:
"إنت إيه اللي عامله في نفسك يا حازم؟! حرام عليك... صحتك دي لو مش عشانك، عشان جمهورك اللي بيحبك وحاطط أمله فيك وفي فريقك."

رفع حازم نظره ليه، وصوته كان متكسر ما بين ندم وخوف:
"عشان كده جيتلك... أنا ضايع بقالى سنة كاملة، وخايف أخسر كل حاجة."

وليد شد على كفه بخفة، في لمسة صداقة صافية وقالله بثقة:
"إنت هتيجي معايا المصحة تتعالج، وبعدها ترجع تتدرب من تاني."

ضحك حازم بسخرية حزينة وقال:
"إنت بتعمل معايا كده ليه؟ كنت متوقعك تبعد عني، تتبرّى مني، وترفض صداقتي!"

ابتسم وليد وهو بيهز راسه وقال بخفة ظل:
"هههه، على أساس إن أبوك هو اللي هيتبرّى منك ولا إيه؟"

ابتسم حازم ابتسامة باهتة، فيها وجع وراحة في نفس الوقت:
"هههه، حاجة زي كده..."

وليد اتنفس بعمق وقالله وهو بيبص له بعيون كلها تقدير:
"بص، أولًا إنت صديق الطفولة مش صديقي اللاعب المشهور، وثانيًا...
الفضل اللي أنا فيه يرجع لعمّك عليّ الله يرحمه – والدك.
هو اللي ساعدني أكمل تعليمي، ورشّحني أدخل طب، وخصوصًا التخصص ده...
خلاني أتخصص في علاج الإدمان، عشان أساعد الشباب بعد ما بقت تجارة المخدرات عاملة زي الوباء."

سكت وليد لحظة، عيونه سرحت بعيد، وصوته بقى أهدى لكنه أعمق:
"أبوك كان دايمًا بيقول لي إنه شاكك إن في حد هو السبب في دخول السم ده البلد،
وإنها بقت منتشرة في الأحياء البسيطة بعد ما كانت للناس اللي معاها فلوس بس...
تخيّل بقت بثمن ساندوتش كفتة!
يعني في متناول الكل... وبتدمر الكل."

اتنهد حازم، ملامحه فيها تأمل وندم:
"فعلاً... وخصوصًا السنين الأخيرة دي."

ابتسم وليد وقال وهو بيحاول يرجع جو الأمل بينهم:
"أيوه، وفتح ليا المصحة عشان أعالج فيها الغني والفقير، وبمال الغني كنت بعالج الفقير."

رفع حازم راسه، نظراته امتنان صافي:
"بابا طول عمره بيعمل خير... شكراً يا وليد."

وليد حط إيده على كتفه وقال بابتسامة صافية:
"إنت صديقي... وابن صاحب الفضل عليّا.
عايزني أسيبك؟ مستحيل."

(سرد داخلي على لسان حازم – وهو بيكمّل في الرسالة)

"المهم يا حنين...
وليد أخدني واهتم بيا، لحد ما بقيت بصحة كويسة ومستعد أرجع أعيش.
بعد شهرين رجعت النادي...
كانوا أصعب شهرين في حياتي، بس كنت محتاجهم،
عشان اليوم اللي أتأكد فيه من إحساسي، تكوني فخورة بيا."

"بس مش كل اللي بيتمناه الإنسان بيتحقق..."

(فلاش باك جديد)
كان حاتم الكابتن واقف قدام حازم، بعينه القوية اللي فيها حنية الأب، وقال بحزم ودفء:
"أنت لازم تدرب وتعوّض اللي فات...
كنت متوقع إنك هتتغلب على ضعفك وحزنك،
إنت ابني اللي كبر قدامي، وعارف إنك قدها."

ضمه حاتم في حضنه، ووقتها حازم حس بالأمان اللي كان مفتقده من سنين.
رجع يتمسك بحلمه من جديد، سافر البرازيل،
قاد الفريق، وأحرز أهداف، ورفع اسم بلده وسط الملاعب.
رجع وهو فخور بنفسه... ومعاه الكابتن والفريق، والرعاة اللي وقفوا جنبه وشجعوه،
كان راجع بوش تاني... وشخص جديد اتولد من الرماد.

كانت الكلمات في رسالة حازم بتنساب كأنها أنفاسه الأخيرة...

"كنا فريق واحد، مفيش بينا غيرة ولا حقد، كل واحد فينا عنده موهبة مختلفة،
وكنا بنكمّل بعض عشان كده كنا فريق عظيم يشرف بلاده."

صوته في الرسالة كان فيه فخر ممزوج بحنين.

"ورجعت وانا ناوي ألتزم في كل حاجة،
بقيت بروح صلاة الجمعة مع عمي أبو وليد ووالدك،
وأحيانًا المقدم حسام بيكون معانا...
كنا بنتجمع في مسجد السيدة زينب."

صورة جديدة اتكونت في ذهن حنين:
وجه حازم بنوره الهادئ، دقنه الخفيفة، عيونه فيها راحة الإيمان بعد عاصفة طويلة من التيه.

"بقى وجهي مليان بالنور...
وبدأت أفوز في كل المباريات، كنت بكسبها كلها.
وكنت براقبك من بعيد...
وقررت أعترف بحبي ليكي يوم الحادثة.
انتى عارفة، بعدها بقيت مشلول...
جليس على كرسي متحرك، لا أقدر أتحرك ولا أهرب من نفسي."

تدمع عينا حنين...
كأنها شايفاه قدامها على الكرسي، مبتسم رغم الوجع.

"انتى كنتي الأمل اللي خلاني أعيش...
كنت بصحى وأنام وأنا براقبك من بعيد –
ضحكتك، نجاحك، حزنك، حتى يوم ما نجحتي في الثانوية..."

وتنقطع أنفاسها للحظة...
الدفتر بيقلبها لذكرياتها.

فلاش باك — قبل سنين طويلة

حنين وهي في ربيع عمرها، تجري في الشقة بصوت فرحة:
حنين: "مامااا... أنا نجحت! جبت سبعة وتسعين في المية!"

وفاء (بفخر ودهشة): "ألف مبروك يا بنتي! اقتصاد وعلوم سياسية بقى!"

حنين (بحماس): "حقوق إن شاء الله!"

وفاء (مستغربة): "حقوق؟ بعد التعب والسهر ده كله؟! حرام عليكي!"

محمد (بحنية وضحكة): "سيبيها براحتها يا وفاء...
هي شرفتنا وجابت 97٪، تدخل اللي هي عايزاه يا حضرة الناظرة."

وفاء (متذمرة): "هو دلعك ده اللي موديها في داهية! حقوق أبو 70%!
يا فرحتك يا فوفى!"

حنين (ضاحكة): "هههه، فوفى؟! بقى حضرت الناظرة بقيت فوفى؟!"

العودة إلى الحاضر...
حنين تغلق الدفتر على صوت بكاء صغيرها إياد.

إياد (بيبكي): "ماما... مامااا!"

حنين (تجري عليه): "حبيب ماما، أنا هنا... مالك يا قلبي؟"

إياد (بدموع): "هو بابا هيرجع امتى؟"

حنين (بحزن رقيق): "حبيبي، بابا في مكان أحلى من هنا...
في السماء، عند ربنا."

إياد (بحرقة طفولية): "ممكن أطلع عنده؟ وحشني قوي...
إنتي وهو سبتوني، وأنا هناك عند جدو بقعد لوحدي وبخاف."

حنين (تحضنه وتبكي بخفوت):
"بعد الشر يا حبيبي... تعالَ معايا نتفسّح في مكان يجنن النهارده."

إياد (يمسح دموعه): "بجد؟"

حنين (بابتسامة باهتة): "أه يا قلب ماما."

كانت الساعة تسعة صباحًا، والشمس لسه بتداعب الشوارع بخيوطها.
خرجت حنين مع إياد على النادي اللي فيه ملاهي وألعاب.
هو نفس النادي اللي حازم عضو فيه.

قضوا هناك يوم جميل، بين ضحك إياد وصوته العالي في الألعاب،
وهي كانت بتصلي الظهر والعصر في مسجد داخل النادي.
سمعت صوت مؤذن صوته مميز جدًا... هز قلبها من جوه.

الراوي:
"الصوت ده كان مألوف... كأنه لمسة من ماضيها البعيد."

خرجت من المسجد وهي بتدور بنظرها يمين وشمال،
بس مفيش حد... ومع كده قلبها كان بيقول "هو هنا..."

وهي خارجة من بوابة النادي، سمعت سيدتين بيتكلموا:

السيدة الأولى (منبهرة):
"الله! صوته حلو أوي، طلع مش بس وسيم ورياضي، ده كمان صوته حلو في الأذان!"

الثانية (مندهشة):
"ده كابتن حازم! بيقولوا استشيخ بقى... بس شيخ عسل."

الأولى (تضحك):
"واللحية مخلياه وسيم أكتر."

ابتسمت حنين بخفة، قلبها اتخطف للحظة...
إزاي ما ركزتش في ملامحه قبل كده؟!

وقفت تاكسي.
كانت عندها عربية، لكن بعد الحادثة بقيت بتخاف تسوق، خصوصًا وإياد معاها.

ولما وصلت البيت، لقت عمها حسام وزوجته ريم رجعوا من السفر.
كانت فرحانة جدًا، حضّرت لهم أشهى الأكلات، وجهّزت السفرة بحب.

حنين (من المطبخ بصوت عالي):
"عمّي حسام... الأكل جاهز!"

حسام: "جاي يا حنين!"

خرجت ريم من أوضتها بعد ما بدلت هدومها، ملامحها مرتاحة وبتضحك:
ريم: "ليه تعبتي نفسك كده يا سمسم؟!
ده عمّك بياكل لقمتين على بعضهم،
وانتي يا بنتي لحقتي تعملي كل ده امتى؟!"

حنين (بخفة دم):
"تعب إيه يا ست الكل، حاجات بسيطة.
ألف مبروك يا عروسة... والله فرحانة ليكم أوي،
وما صدقت بعد ماما وبابا إنكم وافقتوا تعيشوا معايا."

ريم (بحنية):
"الله يرحمهم يا بنتي... بس بجد، عملتي ده كله امتى؟
ما انتي كنتي مع إياد من الصبح!"

حنين (تضحك):
"محضراه من امبارح يا ستي...
ومن بعد العصر بفضل لوحدي بتسلى."

حسام (منبهر):
"إيه ده كله؟! فراخ مشوية، مكرونة بشاميل، كفتة، لحمة وسلطات؟
دي وليمة يا بنتي!"

حنين (تغمز له):
"عشان أعجب بس!
مش كنت بتقول مش هفلح في حاجة؟"

حسام (ضاحك):
"قلبك أسود يا شيخة!"

حنين (بمرح):
"لا والله بهزر!"

حسام:
"ههههه، انتي بقيتي شاطرة أهو...
يا ستي، انتي تعجبي الباشا كده!"

حنين (بابتسامة فيها غموض):
"ربنا يسهل."

حسام استغرب الجملة في سره.
هي دايمًا كانت بترفض أي كلام عن الزواج بعد اللي حصل،
بس المرة دي... نبرتها كانت مختلفة.
يمكن... الأمل بدأ يدق تاني؟

بعد الأكل، دخل حسام الصالة وهو ماسك إياد على كتفه:
حسام: "إنتوا فين؟! إياد غلبني في اللعبة!"

حنين (ضاحكة): "بجد يا إياد؟!"

إياد (بفخر): "أيوه يا ماما، غلبته! أنا شاطر!"

حنين (بحب): "حبيب ماما إنت!"

حسام (مازحًا): "كنتم بتتكلموا في إيه؟ أوعى تكونوا جايبين سيرتي!"

ريم (تضحك): "هههه، طبعًا... هو في غيرك في القلب والعين!"

حسام (مازحًا): "بدأ البكش بقى!"

---

كانت الأجواء في البيت هادية، والضحكة ماليه المكان.

ريم بابتسامة خفيفة:
"الله يسامحك يا حنين، أنا بكّاشة؟!"

حنين ضحكت وهي تبص لحسام:
"حرام عليك يا عمو، من ساعة ما جت وهي بتشكر فيك، وفى الآخر تقول كده؟!"

حسام رفع إيده باستسلام وهو بيضحك:
"اتحالفتوا عليّ! ربنا يسترها... وقعت مع كتيبة، محامية وصحفية، أروح منكم فين؟!"

ريم بابتسامة:
"اه صحيح، إيه أخبار الشغل مع عمو حسين؟"

حنين بحماس بسيط:
"تمام الحمد لله... محامي شاطر وعنده ضمير، وده نادر في الزمن ده."

ريم:
"فعلاً، عندك حق."

حنين قامت وهي بتجمع حاجة بسيطة من الترابيزة:
"استأذن بقى، إياد نام... هاخده من عند عمه. تصبحوا على خير يا جماعة."

كانت بتقصد تديهم مساحة يحسوا إنهم في بيتهم بجد.
ريم بصت وراها وقالت بودّ:
"تصبحي على خير يا حنين."

بعد شوية دخلوا أوضتهم، والهدوء رجع تاني.

حسام جلس على طرف السرير وقال وهو بيبص لها بنظرة كلها دفء:
"حاسس إن حنين اتغيرت... صح؟"

ريم بتأمل:
"فعلاً... كانت دايمًا ساكتة ومبتتكلمش كتير.
فاكر لما كنت بتكلّمها عنك؟ قلتلها ربنا يرزقك واحد زيك،
ابتسمت وقالت بهدوء: أمين يا رب."

قرب حسام منها خطوة بخفة، وصوته نزل لدرجة الهمس، فيه حنية مميزة:
"قولتي إيه عني بقى؟"

ريم اتلخبطت، وبصت للأرض بخجل، وبدأت ترجع لورا لحد ما لمست الحيطة.
حسام قرب أكتر، وصوته اختلط بنفسها:
"هتروحي مني فين؟ إنتِ خلاص... دخلتِ جوا هنا."
وأشار بإيده على صدره ناحية قلبه.

نظرت له ريم بعينين فيها دفء وحب وسكوت طويل...
اقترب منها بهدوء، واحتواها بين إيديه، فذابت اللحظة في سكون الليل...
بين خجلها وحنانه، تلاقت أرواحهم قبل ما تتلامس الأيادي.

                  الفصل السادس من هنا
تعليقات



<>