
حامل ! , كلمه ظلت يتردد صداها في عقلها بعدما خرجت الممرضه وتركتها , طفل لم تكن تعلم بوجوده ولم تشعر بهِ حتى أعلن عن وجوده في وقت مضطرب وعلاقه مذبذبه على الأقل من ناحيتها الآن , لقد كانت تتخبط بالأساس ولا تعرف ماذا عليها أن تفعل فجاء هو ليزيد من تخبطها ويفسد جميع خططها ! , ولكن لحظه لِمَ عليهِ أن يفسد خططها ولِمَ هي تجلس هكذا وكأنها قد وقعت على رأسها مصيبه للتو ! , أنه طفلها الأول هل لها ألا تفرح بوجوده ! أيًا كانت علاقتها بأبيه فهو ابنها ومن حقه عليها أن تسعد بوجوده حتى وإن كانت ترى أن الوقت غير مناسب , رُبما بعد فتره تتحسن علاقتها بصالح وتقرر الإستمرار معه بعدما تتأكد من صدقه حينها لن يبقى لها سوى سوء الذكرى حين علمت بخبر حملها ولم تفرح بهِ , وحتى وإن قررت الإنفصال في النهايه هو إبنها ولا دخل له بمشاكلها مع أبيه ِ .
افتر ثغرها عن إبتسامه هادئه اتسعت شيئًا فشيئًا حتى احتلت وجهها بأكمله ومسدت بكفها على بطنها وهي تردد بعاطفه جياشه :
-هو أنا ازاي محسيتش بوجودك ! بيقولوا الأم بتحس بإبنها من أول ما بيتوجد , بس يمكن عشان متخيلتش إنك هتيجي بالسرعه دي ...مش عارفه , بس أنا مبسوطه أوي بوجودك حاسه أن قلبي هيطير من الفرحه , متفتكرش عشان المشاكل الي حاصله إني هكره وجودك ..أبدًا بالعكس أنت الي هتقويني الفتره الجايه وأيًا كانت النهايه هتكون داعم ليا عشان أكمل ومسمحش لنفسي أنهار , يمكن الي اتغير بوجودك حاجه واحده بس , إني دلوقتِ هحارب عشانك , هحارب حتى لو أبوك نفسه , هحاول على قد ما اقدر أطلع كسبانه وحياتنا تستمر عشانك , حتى لو رجعلها أنا هعرف أزاي أدبه وأرجعه لينا , متستهلش إنك تتولد وتلاقي أبوك وأمك كل واحد في جهه , حتى لو اضطريت إني أفضل بس معاه عشانك ويبقى بالنسبه لي أبو ابني وبس .
أنهت حديثها وهي تتنهد براحه تشعر الآن أنها بوعودها هذه قد أدت واجبها تجاه إبنها الذي للتو اكتشفت وجوده وتاليًا ستسعى لتنفيذ وعودها .
فُتح الباب بهدوء ودلف للداخل بخطى مرتجفه تمامًا كنبضاته التي خفقت بتوتر واضطراب وفرحه في آنِ واحد , رآها تجلس على الفراش منحنية الرأس لأسفل لا يدري ماذا تفعل أو ماذا بها تحديدًا , وصل أمامها وجلس مقابلها تمامًا ثم همس بأسمها :
-ياسمين .
رفعت رأسها فورًا له وكأنها لم تشعر بوجوده ولا جلوسه أمامها , نظرت له لتجد وجهه متوتر بشده وأعينه لامعه بشئ غير مفهوم , ابتسمت بهدوء له وهي تجيبه :
-نعم .
-هو أنتِ حامل بجد ؟
خرج سؤاله بتوتر بالغ وأعينه قد ظهر بها الآن بعض الدموع التي استطاعت رؤيتها فاختفت ابتسامتها باستغراب شديد ثم أومأت له وهي تقول :
-ايوه , حامل .
وفجأه وجدته يرتمي عليها محتضنًا إياها بقوه حتى أنها استطاعت الشعور بتوتر عضلات جسده بوضوح , ظل هكذا لثوانِ ولم تبخل هي عليهِ هذه المره فرفعت ذراعيها وحاوطته وهي تشعر بتوتره واضطرابه الذي لم تفهم سببه بعد .
ابتعد عنها لترى دموعه واضحه الآن وقد سالت على وجنتيهِ ببطء , فانتفضت ملامحها وتوترت هي الأخرى وهي ترى دموعه وحزن وجهه الواضح فلم تشعر سوى بيدها تمتد لتمسح وجنتيهِ برفق وهي تهمهم باستغراب وقلق :
- في ايه يا صالح ؟ أنت مش فرحان ولا مالك ؟
ابتلع ريقه بصعوبه ثم نظر لها وقال بنبره مهمومه :
-أنا ..أنا خايف .
-خايف !
رددتها بصدمه وهي تطالع وجهه بتمعن , فلم تتوقع أن تستمع لمثل هذه الكلمه منه والآن تحديدًا !
أومئ برأسه عدة مرات قبل أن يتنهد بعمق ويقول :
-خايف ربنا يجازيني في الي جاي , رغم إني توبت بس لسه قلبي قلقان .
رغم فهمها لمغزي حديثه وما يقصده لكنها ادعت عدم الفهم وهي تسأله :
-يجازيك عن ايه ياصالح ؟ أنت كنت بتعمل ايه ؟
عمق نظراته في نظراتها لدقيقه تقريبًا دون رد حتى قال أخيرًا :
-هقولك , صدقيني هحكيلك وكنت ناوي أحكيلك كل حاجه عشان ارتاح بس مستني الوقت المناسب , بعد ما نطمن على البيبي هحكيلك كل حاجه , بس اوعديني تفهميني وتسامحيني .
قال الأخيره بنبره رجاء ظهرت بوضوح فتنهدت هي بتوتر لم تتوقع أبدًا أن يحكي لها صالح عن الأمر بنفسه ! لكنها جمعت رابطة جأشها وهي تقول :
-أوعدك يا صالح حتى لو مش عشانك يبقى عشان الي جاي .
نفى برأسه عدة مرات وهو يقول :
-لأ يا ياسمين , عشاني , عشاني أنا مش عشانه , عشان حبنا وعشان حياتنا مع بعض .
ابتسمت له بسمة اطمئنان وهي تقول :
-هحاول .
---------- ( ناهد خالد )---------------
-لا تمام الجنين حالته كويسه وتقدري تتحركي براحتك بس بحذر طبعًا وكمان أي تقارب بينكم ممنوع لحد الشهر الثالث .
كانت تلك كلمات الطبيبه التي لجأو لها لفحصها هي والجنين فأردفت " ياسمين " بتساؤل :
-هو الحمل في الأسبوع الكام ؟
-الحمل بكره هيتم شهر .
قطبت " ياسمين " حاجبيها بدهشه وهي تردد :
-ايوه بس احنا متجوزين بقالنا شهر ويومين تلاته يعني...
قاطعتها الطبيبه بابتسامه وهي تقول :
-وايه المانع ! الحمل ممكن يحصل من أول مره .
هنا تحدث " صالح " خارجًا عن صمته وهو يسألها :
-احنا عندنا ميعاد طياره بكره المفروض نرجع مصر , هينفع نرجع ؟
نفت الطبيبه برأسها وهي تقول برفض :
-لا طبعًا , حضرتك بقول الحركه بحذر تقول سفر ودوامات هوائيه ! لأ طبعًا مش هينفع قبل نهاية الشهر الثاني عالأقل وده حسب كشفي على حالة المدام وقتها لكن بعد الثالث تقدروا تسافروا وأنتوا مطمنين .
نظرا لبعضهما بصدمه هل سيضطران للبقاء هنا شهران آخران ! وعن ياسمين فكانت تفكر في شئ آخر هل ستظل في حيرتها وقلقها هذا لمدة شهران !؟
خرجا من عند الطبيبه بصمت دام حتى وصولهما الفندق وكلاً منهما شارد في أفكاره حتى قطع " صالح " الصمت وهو يقول لها :
-حبيبتي تعالي نتغدى , احنا الغدا فاتنا وأكيد جعانه .
لم تستمع له وهي منغمسه في أفكارها فأمسك يدها يوقفها وهو يناديها :
-ياسمين !
انتبهت لنداءه لها فردت :
-نعم .
-مالك يا حبيبتي سرحانه في ايه ؟
زفرت بضيق وهي تقول :
-هسرح في ايه يا صالح ! في اللغبطه الي حصلت هنضطر نقعد هنا كل ده طب وشغلك و.....
قاطعها مبتسمًا وهو يقول :
-تعالي بس نروح المطعم ونتكلم هناك .
في المطعم ...
بعدما طلبوا ما أرادوه نظر لها وهو يقول مبتسمًا :
-كنتِ بتقولي شغلي ! شغل ايه بس الي بتتكلمي عنه هو يعني شغلي أهم من سلامتك أنتِ وابني !
صمت فجأه مبتسمًا باتساع وهو يردد بأعين لامعه :
-ابني ! , كلمه حلوه اوي يا ياسمين متوقعتش إني ممكن ييجي يوم وأقولها , أنا ...أنا حاسس إني مبسوط أوي لدرجة إني مش عارف أعبر عن فرحتي .
-ايوه بس شغلك ...
قاطعها قائلاً :
-متشغليش بالك هكلم بابا وهو هيتصرف , المهم هناكل دلوقتِ ونطلع عشان ترتاحي ومن النهارده مش عاوزك ترهقي نفسك في اي حاجه .
-----------------------
قالها وقد كان يعنيها حقًا فمنذُ ذلك اليوم وحتى الآن رغم مرور شهر ونصف كاملين لم يهتم بشيئًا سواها هي , يهتم براحتها وطعامها ودوائها وسعادتها , فلم ينفك عن مفاجأتها بأشياء تحبها كسهره رائعه في أحد المطاعم مع جو شاعري أروع , والكثير من باقات الورود التي تحبذها , والأكثر من التدليل وإغداق مشاعره عليها , في حين كانت تراقب هي ما يصل له من رسائل ومكالمات من تلك المدعوه " مُنى " ولم يتغير أسلوب " صالح " المُتبع معها من تجاهل للرسائل والمكالمات لتهديد ووعيد إن لم تكف عن ما تفعله , فهدأ هذا من قلقها وثوران مشاعرها بطريقه أو بأخرى .
-------------
-كفايه ياصالح مبقتش قادره أكل أكتر من كده !
قالتها " ياسمين " بتذمر وهو يجلسها بجواره تكاد تكون ملتصقه بهِ ويحرص على إطعامها كل الطعام تقريبًا , تأفأف بنفاذ صبر وهو يقول :
-قلتلك طيارتنا بعد ساعتين وهنتحرك على المطار كمان شويه عاوزه تتحركي وتروحي وتيجي من غير أكل ! وكمان عشان دوا الفيتامينات .
-ايوه ما أنا أكلت لكن أنت كده بتزغطني ! وبعدين ما في أكل في الطياره .
-أكل الطياره ده غدا , لكن ده فطار الي حضرتك اتأخرتِ فيه النهارده عشان مكسله تصحي .
هتفت برجاء :
-طيب عشان خاطري كفايه والله مبقتش قادره .
استسلم لإلحاحها وقال :
-ماشي , يلا بقى خدي الدوا وقومي البسي عشان ننزل .
دلفت للداخل بعدما ناولها الدواء لتغير ثيابها فاستمعت لنغمه مخصصه صدرت من هاتفها فركضت سريعًا تجاهه تتفحصه حتى وجدت رساله من " مُني " ل " صالح " تبعتها رساله أخرى من " صالح " يقول فيها :
" أنا نازل مصر النهارده , بكره بليل نتقابل في كافيه ****** الساعه 9 "
فأتاه رد " مُنى " وهي تقول :
" هستناك أكيد "
أغلقت هاتفها وهي تنظر للفراغ أمامها فيبدو أن الحكايه على وشك الإنتهاء وستُعلن نهاية هذه القصه السخيفه غدًا , ولكن السؤال هل هي قادره على تقبل تلك النهايه أيًا كانت !؟
#يتبع
#ناهد_خالد
#قلب_مُصاب_بالحب
قلب مُصاب بالحب ...الفصل العاشر " وزال الخطر "
جالسه كالجالس على جمر من النار , وكيف لها أن تهدأ وهي تعرف أن زوجها خرج ليقابل أخرى الآن , ورُبما يُجدد علاقته بها , حالها الآن كحال الكثير ..كحال من ينتظر نتيجة العام الدراسي في المرحله الثانويه ليُحدد مستقبله , كمن ينتظر نتيجة التحاليل ليطمئن أنه لا يحمل المرض الخبيث كما توقع الطبيب , كسيده تنتظر أن يحدثوها ليبشروها بحملها بعد سنوات من الصبر والحرمان , جميع هؤلاء يجتمعون بها الآن , تذكرت ما بذلته من مجهود وهو يحدثها قبل خروجه معللاً أن لديهِ أمر هام , تصنعت كما تفعل منذُ شهران تقريبًا , ليس شئ جديد عليها , حتى وإن كان الأمر أصعب الآن , ولم تنسى وضع مُسجل الصوت الصغير في ثيابه قبل خروجه دون أن يشعر , وها هي الآن تجلس وهاتفها متصل بذلك المسجل فتستمع من خلاله لكل شئ يحدث معه حتى صوت السياره , وأعصابها قاربت على التلف , وأخيرًا بدأت تستمع لأصعب مشهد في القصه وأكثرهم إثاره لأعصابها وهي تسمع غريمتها ترحب بهِ .....
أما في الجهه الأخرى ...وصل للمقهى المحدد ودلف للداخل فرآها تجلس على أحد الطاولات بإنتظاره فتحرك تجاهها بهدوء تام حتى أصبح أمامها فوقفت مقابله وهي تهتف بابتسامه واسعه :
-اووه , متتخيلش وحشتني طلتك قد ايه يا صالح .
ابتسم بهدوء وهو يمد كفهِ ليصافحها وقال :
-ازيك يا مُنى ؟
لمعت عيناها بحماسه وهي تجيبه :
- كويسه جدًا بعد ما شوفتك .
جلس بهدوء وهكذا فعلت هي في حين أخرج هو هاتفه ومفاتيح سيارته ووضعهما على الطاوله أمامه بهدوء وهو يسألها :
-طلبتِ حاجه ؟
أجابته بدلال :
-تؤ , مستنياك نطلب سوا .
أومئ برأسه وهو يقول :
-تمام , هتطلبي أيه ؟
-ممكن أيس كوفي .
أشار للنادل الذي جاء له سريعًا فقال :
-واحد أيس كوفي وواحد قهوه ساده .
-تحت أمرك يافندم .
قالها النادل باحترام قبل أن ينصرف تاركًا لهما المجال للحديث , نظر لها " صالح " وهو يبدأ فيما جاء من أجله :
-وبعدين يا مُنى , هتفضلي تلفي ورايا لحد امتى ؟
تحولت ملامحها للحزن وهي تجيبه :
-صالح أنا مش عارفه أنساك , ومش قادره أستوعب أنك خرجت من حياتي .
دقق النظر فيها لفتره حتى توترت من نظراته قبل أن يقول بقوه :
-أنتِ واهمه نفسك , ده إذا كنتِ فعلاً مصدقه حوار أنك مش قادره تنسيني ده , مُنى أنتِ بس مش قادره تستوعبِ أن أنا الي سبتك مش العكس , وأراهنك أنك بتكدبي على صحباتك ومفهماهم أننا لسه بنتكلم .
توترت ملامحها وتلجلجت في الحديث وهي تقول :
-أنا بس ..يعني محبتش اقولهم عشان هي فتره وهنرجع لبعض أنا واثقه .
سألها بهدوء تام :
-وايه الي خلاكِ واثقه ؟
أسبلت عيناها وهي تقول بنبره رقيقه وكفها تمتد لتحتضن كفه الموضوع فوق الطاوله :
-عشان أنا مش مجرد واحده عدت في حياتك يا صالح , أنا واثقه أنك بتشتاقلي وبيوحشك خروجتنا وكلامنا وسهرنا زمان , وغير إعجابك بيا الي متقدرش تنكره , تنكر أنك أوقات بيبقى نفسك تكلمني وتقولي يلا ننزل أو تعالي نتقابل تنكر ؟
صمت لدقيقه تقريبًا دون رد , دقيقه كانت كافيه لإنهيار أعصاب تلك التي تنتظر إجابته على أحر من الجمر وتخشى أن يكون حديث الآخرى قد أثر بهِ وأن يكون صحيح , حتى استمعت له يقول بنبره بدت حائره :
-حتى لو , مبقاش ينفع أنا حاليًا متجوز ومينفعش يكون ليا علاقه بيكِ .
هتفت بضيق واضح :
-واتجوزتها ليه أصلا ً ! وعمومًا سهله طلقها .
ردد باستنكار :
-أطلقها !.
أومأت وهي تقول بإصرار:
-ايوه طلقها , صالح حياة المتجوزين الخنيقه دي مش ليك صدقني , أنت طول عمرك حر مش هتيجي دلوقتِ تربط نفسك بواحده طول العمر !
زفر أنفاسه بضيق وهو يجيبها :
-ايوه بس ...أصلها بنت عمي وموضوع الطلاق ده صعب جدًا هي مش واحده غريبه عشان أطلقها ويبقى كل واحد راح لحاله كمان هي معملتش ليا حاجه وحشه بالعكس .
نفضت شعرها للوراء وهي تذم شفتيها قائله :
-مش لازم تعمل وحش , أنت مش مرتاح وده سبب كافي , أو ممكن تتلكك لها وتعمل مشاكل معها وهي بنفسها مع الوقت هتطلب الطلاق .
نظر لها بحيره ثم سألها بشرود :
-تفتكري ؟
أومأت له بحماس شديد ثم قالت :
-Of course , أكيد مش هتستحمل طريقتك معاها .
نظر لها بتفكير وهو يقول :
-وبعد ما اطلقها !
رفعت منكبيها ببرود وهي تقول :
-هتعيش حر ولنفسك .
-لا قصدي احنا هيبقى الوضع بينا ازاي ؟
-هنرجع زي ما كنا الأول .
رفع حاجبيهِ بدهشه وهو يقول :
-يعني مش عاوزانا نتجوز مثلاً ! أنا فكرتك بتعملي كل ده عشان اتجوزك !
ضحكت بشده وهي تنظر له باستنكار ثم قالت :
-صالح بتهزر ! أنا اتجوز ! no way " مستحيل " طبعًا , أنا مليش في خنقة الجواز دي , أنا هفضل كده خروجات مع الشله وسفر وحفلات this's my life " هذه حياتي " .
سحبت نفس عميق بصعوبه بالغه , تشعر وكأن أحدهم يطبق بكفهِ على عنقها فيمنع تنفسها ودموعها تنهار بصمت كمجرى شلال مائي دون توقف , وهنا أتى بعقلها سؤال واحد هل ستستطيع أن تفي بوعدها لإبنها وتحارب من أجله ؟ هل بعد ما سمعته ستستطيع أن تدافع عن زوجها وأحقيتها فيه !, الأمر ليس بالسهوله التي توقعتها , بل أصعب بكثير , تشعر أن عقلها قد انفصل عن جسدها فأصبح متيبس لا تستطيع تحريكه حتى ناهيك عن ذلك الألم القوي الذي تشعر بهِ في قلبها ولأول مره تعلم ما معنى أن يؤلمك قلبك .
انتظر صالح حتى انتهى النادل من وضع المشروبات وذهب فنظر لها وهو يقول ببرود :
-يعني بقالك حوالي 3 شهور بتلفي ورايا ومكالمات ورسايل وتهديد وكل ده وفي الآخر تقوليلي لا طبعًا جواز ايه وكمان عاوزاني أطلق مراتي ! , ده أنتِ مريضه .
اتسعت عيناها ذهولاً وهي تردد بصدمه :
-صالح أنت .....
صمتت وجسدها قد ارتجف حين وقعت عيناها على من دلف للتو من باب المقهى يسير في اتجاههم فوقفت بفزع شديد وهي تغمغم :
-بابا !
اتجه لها والدها بملامح تصرخ غضبًا حتى أصبح أمامهما فقبض على ذراعها بعنف وهو ينهرها :
-بقى أنتِ عماله تلفي ورا الرجاله زي ال **** , وبتخربي بيوتهم كمان , وأنا الي كل ما قولك أوعي يكوني ليكِ علاقه بشباب تقوليلي متقلقش يابابي دول صحباتي البنات بس , بقى أنتِ يطلع منك كل ده !
أدمعت عيناها بخوف وهي تهمس له بشفاه مرتعشه :
-بابا أنا ....
قاطعها بحده :
-اخرسي , كلامنا في البيت وأنا هعرف ازاي أعيد تربيتك من جديد .
حول نظره لصالح وهو يقول بخزي :
-أنا متأسف يا بشمهندس لأني مصدقتكش وفكرتك بتكدب عليا لما حكتلي الي بتعمله , مش هقدر ألومك على علاقتك بيها في الأول لأنها هي الي سمحتلك بده , بس من واجبي اعتذر إني معرفتش أربيها وانشغلت عنها لحد ما فسدت .
تنهد " صالح " بضيق وهو يقول :
-أنا الي متأسف إني حطيت حضرتك في موقف زي ده , ومتأسف كمان على علاقتي بيها من الأول وعارف إني غلطان , وصدقني لولا أنها بتهدد حياتي واستقراري ومش قابله أنها تبعد عني رغم إني حذرتها كتير عمري ما كنت هحطك في الموقف ده بس مكنش قدامي حل تاني .
نظر ل " مُنى " باعتذار حقيقي وهو يرى الذعر المرتسم فوق ملامحها بوضوح :
-أنا عمري ما اتمنيت أدخل والدك في الموضوع بس أنتِ الي اضطرتيني بدل ما كنت أأذيكِ عشان معنديش استعداد 1 % أني أخسر مراتي بسببك , أنا قلتلك أني بحبها وأني مستكفي بيها عن كل العك الي كنت بعمله بس أنتِ مستوعبتيش ده , أنا آسف .
أنهى حديثه وذهب من أمامها تاركًا إياهم وتاركًا قصتها بأكملها خلفه، وأخيرًا يشعر أن الخطر الذي يهدد حياته قد زال .
نظرت لوالدها برعب وهي تنتظر ما سيفعله معها فوجدته ينظر لها بنظره ظهر بها العتاب وهو يقول :
-عجبك كده , شوفتِ الموقف الي حطتيني فيه , أنا بجد مصدوم فيكِ .
انهمرت دموعها وهي تهمس له :
-بابا ..أنا آس....
قاطعها وهو يُكمل حديثه :
-أمك كان معاها حق لما قالتلي أن وجودك معاها أفضل وإنها هتاخد بالها منك أكتر مني , بس من هنا ورايح مش هسمح لأي حاجه تشغلني عن تربيتك من أول وجديد .
أنهى حديثه وهو يجذبها خلفه خارجًا من المكان بأكمله حتى وصل بها لسيارته وهناك تحديدًا انفجرت هي بهِ وهي تقول ببكاء :
-أنت بتحاسبني على ايه ! بتحاسبني على ذنب أنتوا السبب فيه ! لا قدرتوا تكملوا عشاني ولا وافقت أبقى مع أمي زي ماهي كانت عاوزه , ولا حتى اهتمت بيا , أنت عارف أنت بتسافر كام مره في السنه وبتسبني بالأسابيع لوحدي ! عارف أنا كام مره احتجت مامي عشان أكلمها وأحكيلها عن حاجات تخصني حاجات عمري ما هقدر أقولهالك ولا هتنفع في الفون , بتريح ضميرك بزياره ليها كل سنه مره !أنا مش محتاجه أشوف أمي مره في السنه , مش محتاجه أقضي معاها شهر من 12 شهر بيعدوا عليا , ليه مسبتنيش أسافر معاها , هناك الدنيا متفتحه أكتر بس أنت عارف هي كانت هتحافظ عليا ازاي , عالأقل كانت هتبقى جنبي .
نظر لها بصدمه وهو يستمع لحديثها , وللأسف إنها محقه , رفض سفرها مع والدتها ل " فرنسا " حيث مسقط رأسها , ولم يستطع أن يبقى معها طوال الوقت , حرمها من حنان ورعاية والدتها ولم يوفر هو لها ما حُرمت منهِ , تُرى أأصبح هو المذنب الآن ؟
-أنا مكنتش بلاقي حد أكلمه ولا حد يسمعني ولا حد يهتم ليا , صحابي عارفني بس عشان الفلوس مش أكتر وبعد كده مبيفتكرونيش , صالح كان بيهتم بيا وبيسأل عني , بيعملي الي يفرحني , عشان كده استمريت في علاقتي معاه ومتقبلتش فكرت أنه يبعد , عشان هو عوضني عنك .
وكم كانت جملتها الأخيره مؤلمه , كالصفعه التي تلقاها ليدرك أنه من خسر أبنته وإن كان هناك مذنب فهو المذنب الأول حتى وإن تحملت هي جزء من الذنب , درس قاسي لكلاهما لكنه جاء في وقته قبل فوات الأوان .
--------( ناهد خالد )-------------
كالفراشه التي تتسلل بين الزهور مُحلقه بسعاده في فصل الربيع المنعش لها , كفتاه ترقص أسفل المطر دون اهتمام ببرودة الشتاء القاسيه , كعازف يستمتع وهو يعزف ألحانًا تنطق بالحب لحبيبًا حاضرًا , ككل شئ جميل كانت هي الآن وسبحان من بدل حال بحال , منذُ دقائق كانت تتلوى ألمًا والآن ترقص سعادةً , أنتهت من تمشيط شعرها وارتدت فستان ضيق أبرز منحنياتها بوضوح من اللون الأحمر الذي يفضله عليها , ونثرت القليل من عطرها الذي يسحره ,قبل أن تركض للنافذه حين استمعت لصوت سيارته بالأسفل , منذُ سماعها ما حدث وهي تشعر بعاطفة حب جياشه تملأ صدرها تجاهه , فانطلقت تجهز نفسها لأستقباله بكل الحب الذي يكمن في قلبها له , استمعت لصوت الباب يُفتح وتبعه بعد ثوانِ دلوفه للغرفه لكنه توقف مبهورًا بجمالها حين وقع نظره عليها , فاقتربت هي منه ورفعت ذراعيها تحيط عنقه وهي تهمس له بشفتاها المطليه بالحمره :
-بحبك يا صاصا .
ابتلع ريقه بصعوبه وهو يطالع وجهها ويستمع لهمسها المُغري لقديس , ثم أنزل ذراعيها ببطئ وهو يتحاشى النظر لها فطالعته باستغراب وهي تسأله بتهجم :
-ده ايه ده بقى !
أبعد خصلات شعرها للخلف وهو يقول بابتسامه متوتره :
-عاوز أتكلم معاكِ في موضوع مهم جدًا , وطول ما أنتِ قريبه لا هتكلم ولا هنطق , ممكن نتكلم وبعدها أنا الي مش هطلعك من حضني أصلاً , أنا ما صدقت إن حصار الدكتوره اتفك .
أحمر وجهها بخجل وهي تهتف بتلعثم :
- أنا مش قصدي الي بتقوله ده على فكره أنا بس استغربت أنك بتبعدني عنك .
سألها بعبث :
-وأنا قولت ايه ؟
رفعت أنظارها له وهي تردد مُحذره :
-صالح !
أجابها وهو يسحبها للأريكه الموجوده بالغرفه :
-عيون صالح , تعالي بس نقول الكلمتين قبل ما أفقد أعصابي
جلس وأجلسها بجواره فنظرت له بترقب وخاصًة وهي ترى توتره الواضح في حين زفر هو بضيق وقال
-قولتلك قبل كده أني هحكيلك ليه خوفت لما عرفت بحملك , ودلوقتِ جه الوقت المناسب الي أقولك فيه
احتبست أنفاسها هي الأخرى وهي ترى أن وقت المواجهه قد حان ...