رواية مغرم مجنون الفصل الحادي والعشرون21 والثاني والعشرون22 بقلم خديجة أحمد

رواية مغرم مجنون بقلم خديجة أحمد
رواية مغرم مجنون الفصل الحادي والعشرون21 والثاني والعشرون22 بقلم خديجة أحمد
راكان 
فتح الباب بهدوء، دخل الغرفة ولقى هاجر نايمة.
قرب منها بخطوات هادية، عيونه كانت مليانة حزن وهو بيهمس:
— أنا سبتهم يمشوا... اتخليت عن وجعي وغضبي وسبتهم يمشوا عشانك، يا هاجر.

هاجر كانت نايمة، لكن صوتُه خلاها تفتح عينيها ببطء. أول ما شافته قدامها، انتفضت بخضة،

قامت بسرعة ووقفت بعيد عنه، وقالت بخوف واضح:
— متقربش مني!

راكان رفع إيده بهدوء كأنه بيطمنها وقال بصوت مكسور:
— هاجر، أنا سبتهم يمشوا والله... وأوعدك، عمري ما هخبي عنك حاجة تاني.

هاجر بصتله بعيون مليانة خوف، صوتها كان بيرتعش وهي بتقول:
— سبتهُم يمشوا بعد ما عذبتهم بالشكل دا؟ فاكر كده خلاص خلصت ذنبك؟

راكان حاول يقرب منها بخطوة، لكن هي رجعت لورا بسرعة،
وقف مكانه وقال بهدوء مكسور:
— أنا مش بطلب غفرانك يا هاجر، ولا حتى بتمنى ترجعي تحبيني...
سكت لحظه وكمل بصوت خافت:
— بس كنت محتاج أبدأ من حته، والحتة دي كانت إني أسيبهم يعيشوا.

هاجر دموعها نزلت، قلبها متلخبط بين خوفه منها وبين الوجع اللي شايفاه ف عيونه،
قالت بصوت ضعيف:
— أنت محتاج تتعالج يا راكان ... قبل ما تخسر كل حاجه حواليك.

راكان ابتسم ابتسامة باهته وقال:
— يمكن أكون خسرت كل حاجه فعلًا... إلا وجودك، اللي لسه متمسك بيه حتى وانتِ بتبعدي.

هاجر سكتت، وبصّت بعيد عنه، كأنها بتحاول تقنع نفسها إن الكلام دا ميفرقش،
لكن قلبها كان بيرتعش زيها بالظبط.

راكان بإصرار:
_ هاجر، أنا بحبك ومغرم بيكي، ومهما عملتي عمري ما هكرهك.

هاجر بصوت مليان ألم وغضب، عيونها مليانة دموع:
— إنت #مغرم_مجنون يا راكان… اتعالج!

راكان اتجمد مكانه للحظة، العرق نزل من جبينه، صوته كله حزن ومكسور:
— هاجر… أنا عارف إني غلطت… بس كل اللي عملته كان عشانك… كل حاجة كانت عشان أمي وعشان أمانك.
ملقاش منها رد، فابتسم ابتسامة خفيفة وقال:
—  طب مش عايزة تعرفي عملت إيه في المستشفى؟

هاجر من غير ما تبصله، وببرود:
— مش عايزة أعرف.

سكتت لحظة، وبعدها قالت وهي بتحاول تبين إنها مش مهتمة:
— كلامهم طلع صح ولا كذب؟

راكان تنهد، قعد على الكرسي اللي قدامها وقال بهدوء:
— كلامهم طلع صح… أمي لسه عايشه.

هاجر، رغم إنها كانت بتحاول تبين إنها مش مهتمة،
اتسعت عيونها لحظة، لكن بسرعة أخدت نفس عميق وقالت ببرود:
— تمام… كويس إنك لقيتها.

راكان وهو بيبص ف الأرض:
— كنت متخيل إن فرحتي هتبقى أكبر من كده، بس لما شوفتها وهي مش عارفاني… وجعني قلبي، حسّيت إني دفعت تمن بعدها غالي أوي .

هاجر بصوت هادي بس فيه نغمة وجع:
— الوجع اللي بتحكي عنه، هو نفس الوجع اللي بتسببه للي حواليك يا راكان.
يمكن دي كانت طريقة ربنا إنه يخليك تحس بيه.

راكان رفع عينه ليها وقال بصوت واطي، متكسر:
— يمكن عندك حق… بس لو الزمن رجع بيا، برضه كنت هعمل كل ده… عشان أمي، وعشانك.

هاجر اتنهدت، ولفت وشها الناحية التانية وهي بتقول:
— إنت وجعتني مفرقتش عنهم حاجه ....زودت وجع فوق وجعي 

راكان بتبرير:
_والله أنا مكنتش أقصد أوجعك ولا أخبي عليكي، أنا عملت كده عشان آخدلك حقك.

هاجر، وهي صوتها بيعلى من الغضب:
— حق إيه اللي بتتكلم عليه يا راكان؟ حقي من أمي؟
بصتله بعيون فيها دموع وقهر وهي تكمل:
— وانت شايف إنك لما تعذبهم وتحبسهم كده تبقى أخدت حقي؟!
هزت راسها بيأس:
— لأ يا راكان... إنت ماخدتش حقي، إنت زودت وجعي.

سكت لحظة ودموعها قربت تنزل وهي تقول بصوت مكسور:
— أنا كنت محتاجة حد يخليني أنسى الوجع... مش يخليني أعيشه من تاني.

راكان قرب منها خطوة، صوته كله ندم:
— كنت فاكر إني بحميكي، والله كنت فاكر كده.

هاجر بخطوة لورا:
— لأ، إنت كنت بتحمي وجعك مش أنا.

راكان اتنهد بحزن وقال:
— أنا هديكي فرصة تفكّري يا هاجر.

هاجر رفعت عيونها له، ملامحها بين الغضب والوجع وقالت بصوت مبحوح:
— افكر في إيه؟ في إنك دمرت كل حاجة؟ في إنك خليتني أخاف منك بعد ما كنت شايفاك أمان؟

قرب منها بخطوة، صوته كان هادي بس مكسور:
— لأ… تفكّري إذا كان لسه في جواكي حاجة ليا، ولا خلاص انتهت.

هاجر لفّت وشها الناحية التانية وقالت وهي بتحاول تخبي دموعها:
— يمكن فعلاً محتاجة أفكر، بس مش عشانك… عشان أقدر أعيش من غير وجع تاني وصدمه ف الناساللي حوليا.

راكان سكت لحظه، وبعدين بصّ لها وقال بهدوء:
— خدي وقتك يا هاجر، أنا هستنى… حتى لو طول العمر.

لف وخرج من الأوضة، والباب اتقفل وراه بهدوء.

عند نيهال وسمير

وصلوا الفيلا، أول حاجة عملوها إن كل واحد دخل خد دش بعد الجحيم اللي كانوا فيه.
المية وهي نازلة على جسمهم كانت كأنها بتغسل عنهم الخوف والتعب اللي عاشوه جوه المكان ده.

سمير خرج من الحمام، الفوطة حوالين رقبته، وكان ماسك إيده بيتألم:
— الكلبشات وجعت إيدي جامد، لسه حاسس كأنها  مربوطة.

نيهال كانت قاعدة قدام المراية، بتبص على نفسها بحزن وقالت بنبرة تعب:
— ومين سامعك يا سمير… أنا مش عارفة هروح الشركة كده إزاي؟
لمست شعرها المحلوق وقالت بمرارة:
— هلبس باروكة بقى… وأمري لله.

سمير قرب منها، صوته كان فيه وجع:
— الشعر ممكن يرجع يا نيهال… بس الوقت اللي قعدناه ف المخروبه دي عمره م هيرجع.

بيتكلموا مع بعض كأنهم رجعوا طبيعيين، كل حاجة حوالينهم عادية، ومفيش ولا كلمة عن هاجر… ولا حد فكر إنها لسه مع راكان بعيد عنهم.

عند عبدالرحمن —
كان قاعد في الصالة، ماسك الموبايل ووشه فيه ابتسامة صغيرة.
اتصل براكان وقال وهو بيضحك:
— بقولك يا معلم، تعالى اشهد على جواز أخوك بكره.

راكان بصوت متفاجئ ومندهش:
— جوازه؟! مين عروسة الغفلة دي؟

عبدالرحمن ضحك بخفة:
— هتكون مين غيرها… ياسمين.

راكان بان عليه الصدمة:
— اوعااا يا عم، شكل قعدتك معاها غسلت دماغها!

عبدالرحمن ضحك وقال:
— طب يلا يا خفيف تعالى، وبالمرة هات هاجر معاك تغير جو شوية.

سكت راكان لحظة، وبصوت فيه وجع قال:
— إنت متعرفش اللي حصل… هاجر عرفت إني كنت حابس نيهال وسمير.

عبدالرحمن اتجمد مكانه، صوته اتغير:
— وعملت إيه؟

راكان أخد نفس عميق، صوته اختلط فيه الغضب بالحزن:
— اتجننت… صرخت فيا وقالتلي إني مجنون ومحتاج أتعالج.
سكت ثواني وكمل:
— وأنا… معرفتش أرد، كنت هكلمها بس خفت أوجعها أكتر.

وحكى اللي دار بينهم.

عبدالرحمن بتنهد وهو بيحاول يهون عليه:
— طيب مدام قالتلك سيبني أفكر، يبقى لسه جواها مشاعر ليك يا راكان.
راكان نظر بحيره
، فكمّل عبدالرحمن:
— روح قولها إنك محتاجها تبقى معاك، ع الأقل تبقى شاهدة على الجوازة.
رفع حاجبه بخفة وقال:
— وبررها إن البنت ملهاش أهل ومحتاجين شهود… كده هتلاقيها وافقت من غير ما تحس.

راكان سكت ثواني، وبعدها ابتسم ابتسامة باهتة وقال:
— يمكن دي تبقى فرصة احاول أصلّح بيها اللي بوّظته.

عبدالرحمن:
— بالضبط، بس خليك هادي معاها… ما تستعجلش

وقفل راكان المكالمة وطلع لغرفة هاجر.
هاجر كانت قاعدة عند المكتب بتكتب حاجة، أول ما شافته قدامها وقفت فجأة.

هاجر:
— خير؟

راكان بصوته هادي ومليان احترام:
— كنت عايزك تيجي معايا كتب كتاب صاحبي.

هاجر بعدم اهتمام:
— مش عايزه… ولا هتاخدني غضب عني؟

و رفعت حاجبها باستغراب وقالت بنبرة فيها مزيج بين السخرية والاستغراب:
— بقت فاعل خير كمان يا راكان؟

راكان حاول يخفي ارتباكه وقال بهدوء:
— لا، بس الموضوع مش كده… هي فعلاً محتاجة حد يقف جنبها، وانتي اكيد عارفه إن كل بنت في اليوم دا بتبقى محتاجة وشّ طيب حواليها.

هاجر سكتت لحظة، وبصت في عيونه تحاول تفهمه، وبعد تردد قالت:
— طب وليه أنا بالذات؟

راكان بابتسامة خفيفة:
— يمكن عشان رغم كل اللي بينا… لسه شايفك أحن واحدة ممكن تطمن حد.

سكتت هاجر لحظة، وبصت له ببرود:
— تمام، هاجي… بس مش علشانك، علشان البنت.

ابتسم راكان وقال بهدوء:
— تعالي بقى ننزل نشتري فستان ليكي.

هاجر بصتله لثواني وقالت بجدية:
— عندي شرط.

راكان ابتسم وقال:
— اللي تؤمري بيه.

هاجر بصوتها الحنون:
— عايزة أكلم بابا… ومتخفش، مش هقوله حاجة. كل اللي عايزاه إنّي أسمع صوته… وحشني أوي.

راكان أومأ برأسه وقال:
— تمام.

خرج من الأوضة وغاب دقائق، وبعدها رجع بالفون بتاعها.
هاجر خدت الموبايل منه، وبدأت تدور على رقم باباها…
ضغطت "اتصال"، وقلبها كان بيدق بسرعة.

بعد لحظات جه صوت احمد من السماعة، صوته كان فيه لهفة وقلق:
— كده يا هاجر؟ تقوليلي إنك محتاجة تفصلي وهتغيبي فترة وتبعتيها لي في رسالة؟ من غير حتى ما تكلّميني؟

هاجر تجمّدت مكانها، ملامحها اتبدلت بين دهشة واستغراب.
هي ما بعتتش أي رسالة!
لكن لما بصّت على راكان، وفهمت اللي حصل، عيونها اشتعلت غضب.

راكان حاول يتهرّب من نظرتها وبصّ بعيد، كأنه بيخبّي توتره.
هاجر خدت نفس عميق وردت على أحمد بصوت متماسك:
— معلش يا حبيبي، والله فعلاً كنت محتاجة أفصل وأخد بريك شوية من الدنيا دي… المهم، انت أخبارك إيه؟ وطنط حنان وجميل الصغنون عامل إيه؟

أحمد بتنهيده: 
_الحمد لله بخير والله، بس كنت قلقان عليكي جدًا يا هاجر…
صوته كان باين عليه الشوق والخوف في نفس الوقت.

هاجر حاولت تثبت صوتها وقالت بابتسامة باهتة:
— أنا كويسة يا بابا، متقلقش عليا… أنا بس كنت محتاجة وقت أراجع نفسي شوية.

أحمد بحنيه: 
_طب يا بنتي لو محتاجة أي حاجة قوليلي، أنا مقدرش أعيش وأنا مش مطمن عليكي.

هاجر بصت للأرض، قلبها بيتقبض وهي بتحاول تمنع دموعها تنزل:
— عارفة يا بابا… ربنا يخليك ليا.

كانت عايزة تقوله كل حاجة، تحكيله عن خوفها ووحدتها، بس افتكرت ان راكان واقف بيراقبها.

ف قالت هاجر بسرعة :
— بابا، هكلمك تاني بعدين، متقلقش عليا، سلملي على طنط وجميل.

أحمد: 
_حاضر يا بنتي، خدي بالك من نفسك.

قفلت الخط، وبصت لراكان وقالت بجمود:
— اتفضل اخرج عشان أغير هدومي عشان نروح نجيب الفستان.

اتجمد مكانه لحظات، عيونه عليها بس مفيش ولا كلمة طلعت منه.
لفّ بهدوء وخرج من الأوضة، قافل الباب وراه من غير صوت.

هاجر وقفت ثواني مكانها، وبعدين سحبت نفس عميق،
بصت للمراية قدامها، وقالت بهدوء كأنها بتحاول تصدق نفسها:
— خلاص يا هاجر، كل حاجة هتبقى تمام…

هاجر خلصت تجهيزها ونزلت، كانت لابسة لبس بسيط وشيك في نفس الوقت، شعرها ملموم بعفوية وملامحها فيها هدوء غريب.
راكان كان مستنيها تحت، أول ما شافها فتح لها باب العربية من غير ما يتكلم.

ركبت وهي ساكته، وهو كمان سكت.
العربية اتحركت، وصوت الماتور كان هو الصوت الوحيد اللي بيكسر الصمت اللي بينهم.

هاجر بصت من الشباك وسألته بعد لحظات من السكوت:
— هتوديني فين؟

قال وهو ماسك الدركسيون وعينه قدام:
— مول قريب هنا، هنلاقي فيه كل اللي محتاجينه.

سكتوا تاني، وكل واحد فيهم غارق في أفكاره

وصلوا المول وبدأوا يدوروا على فستان مناسب.
هاجر وهي ماسكة فستان لونه بيبي بلو قالت بهدوء:
— حلو أوي دا.

راكان بصله وقال بتردد:
— حاسه ضيق ومفتوح شويه.

هاجر سكتت وبصتله لحظه بنظرة ساكته، بعدها رجعت تبص ع الفساتين من غير ما ترد.

هو كان ماشي وراها لحد ما عينه وقعت على فستان لونه بيج، ضيق من فوق وواسع من تحت، بأكمام ناعمة من الجنبين

راكان بص للفستان وقال بنغمة هادية:
— دا يليق عليكي أكتر، بسيط وشيك.

هاجر بصتله بنظرة سريعة وقالت ببرود:
— طالما عاجبك يبقى أكيد لا.

ضحك بخفة وقال:
— خلاص اختاري اللي يريحك يا هاجر، أنا رأيي مالوش لازمة أصلاً.

هاجر اخدت مسكت الفستان اللي قال عليه من الشماعة وبصتله وقالت ببرود:
— هجربه بس.

هو سكت، ابتسم ابتسامة صغيرة ، ومشي وراها وهي رايحة تقيسه

هاجر دخلت غرفة تغيير الملابس وبدأت تغير ملابسها.
بعد شوية، خلصت وخرجت توريه الفستان.

راكان بصلها، وعيونه كأنها اتسحرت بالفستان، كأنه معمول مخصوص عشانها، وقال بصوت هادي:
— جميل أوي عليكي.

هاجر شالت شعرها ورا ودها وحاولت تمسك نفسها من التوتر، بس كل مرة تبص لراكان وتحس بنظراته اللي مليانة إعجاب.

راكان ابتسم وقال بمرح هادي:
— بصراحة، انتي اللي محليه الفستان اصلا.

هاجر حاولت ترد بهدوء:
— شكراً… حلو إن رأيك كده.

راكان قرب شوية وقال بصوت منخفض :
— ماقدرش أبعد عيني عنك.

هاجر شعرت بخفة في قلبها، لكن سحبت نظرها بسرعة وبصت للمراية.
— يلا عشان نروح  ، 
 بتحاول تحافظ على رباطة جأشها.

راكان اكتفى بابتسامة هادئة، وهو واقف وراها، عيونه عليها مش عايز يبعد عنها لحظة

الفصل الثاني والعشرون 
وصلوا البيت، وكل واحد فيهم دخل أوضته في صمت.
هاجر كانت مرهقة من اليوم كله، دخلت سريرها وسرحت في اللي حصل، في نظرات راكان، في طريقته، وفي مشاعرها المتلخبطة بين خوف وارتباك ودفء غريب بتحسه ناحيته رغم كل اللي عمله.
أغمضت عينيها ببطء وغرقت في النوم.

أما راكان، فكان قاعد على طرف السرير، ماسك صورة قديمة لأمه بين إيديه، وقال بصوت واطي:
— هجيبك ي امي اريحك ف حياتك الباقيه
وبعدها نام وهو لسه ماسك الصورة.

•••

تاني يوم الصبح، الشمس كانت داخلة من الشباك تدفي المكان.
هاجر صحيت، وقفت قدام المراية وهي بتلبس فستانها اللي اشترته امبارح، شعرها نازل على كتفها بشكل بسيط لكنه أنيق.
في الناحية التانية، راكان كان بيظبط رابطة الكرافته قدام المراية، وابتسامة خفيفة مرسومة على وشه، يمكن لأنه هيشوفها النهارده بشكل مختلف.

خلص تجهيزاته واتجه ناحية أوضتها، أول ما فتح الباب اتسحر بجمالها…
شعرها كان نازل على كتفها بنعومة، وعيونها مرسومة بهدوء يخطف الأنفاس، وكل تفصيلة فيها كانت تبهره.

وقف لحظة مش قادر يبعد نظره عنها، ووشه اتغير، النظرة اللي بين الإعجاب والدهشة سابته من غير كلام.
هي اتوترت من نظراته، حاولت تخبي ارتباكها وقالت بجفاء خفيف:
— يلا عشان منتأخرش.

هو ابتسم ابتسامة خفيفة وقال بهدوء:
— تمام… يلا بينا.

عدّت من جنبه بسرعة، وريح عطرها لمسته، فتنفس بعمق وكأنه بيحاول يلم نفسه، ونزل وراها بخطوات بطيئة.

ركبوا العربية، الجو كان ساكت، مفيش صوت غير أنفاسهم والمزيكا الخفيفة اللي شغالة في الخلفية، وكل واحد فيهم غرق في تفكيره.

قطع الصمت صوت راكان وهو بيغمز بمغازلة خفيفة:
— شكلك تحفة.

هاجر اتوترت وبصت من شباك العربية بسرعة، وردت بخفة:
— شكراً.

سكتت شويه، وبعد لحظة ضحكت بخجل وأضافت:
— وانت برضه شكلك حلو.

راكان ابتسم ابتسامة هادية، عيونه عليها وهي بتحاول تخبي خجلها، وكأن الجو كله اتملأ بمشاعر بسيطة ولطيفة بينهما، رغم كل اللي حصل قبل كد
وصلوا شقة عبدالرحمن.

راكان بدأ يسلم عليه بحرارة، وهاجر سلمت على ياسمين بابتسامة هادية.

ياسمين كانت لابسة فستان رقيق باللون الوردي، وشعرها ملموم على شكل كعكة بسيطة، تضيف ليها لمسة أنيقة وناعمة.

قالت ياسمين بابتسامة مهذبة:
— اتشرفت بمعرفتك.

هاجر ردت وهي مبتسمة:
— أنا أكتر.

بعدين وجهت ياسمين كلامها لراكان وقالت:
— نورت يا مستر راكان.

راكان ابتسم بخفة وقال:
— دا بنوركوا.

الجو كان مليان توتر لطيف وحماس بسيط، وكل واحد فيهم بيلاحظ جمال وروعة الآخر بدون ما يقول كلمة زيادة.

المكان كان هادي وبسيط، بس كله مرتب بعناية عشان يوم كتب الكتاب.

راكان وهاجر قاعدين جنب بعض، وعيونه كل شوية تتلاقى مع بعضهم، مشاعرهم مختلطة بين توتر وحب وخوف من الماضي اللي لسه موجود.

المأذون قاعد قدامهم، بيجهز الأوراق وبيشرح خطوات كتابة الكتاب، وكل كلمة منه كانت رسمية لكنها بسيطة.

الجو كله كان مركز على اللحظة، كل واحد فيهم عايز اليوم ده يعدي بسلاسة، وهما اللي هيكونوا شهود على أهم خطوة في حياة ياسمين وعبدالرحمن.

بدأ المأذون يقرأ الأوراق، ويشرح لكل طرف إيه المطلوب: توقيع على العقد، وعد بالالتزام، وكل التفاصيل الرسمية اللي بتخلي اليوم ده قانوني.

ياسمين كانت واقفة جنب عبدالرحمن، وشويّة توتر في عيونها لكنها مسكت إيده بثقة، عشان تحس بالأمان.
عبدالرحمن ابتسم لها وراح يمسح خجلها بخفة:
— هيعدي يومنا ده على خير، ما تقلقيش.

راكان وهاجر واقفين جنبهم كشهود، عيونهما على كل حركة وتفصيلة، وقلوبهم مليانة مشاعر مختلطة… فرحة لياسمين وعبدالرحمن، وحزن وحنين وحب صامت بينهم هما الاتنين.

لما جه وقت التوقيع، ياسمين وقفت مع ورقة الكتاب، وأمسكت القلم، وكتبته بتوتر وخفة، وبعدها

 عبدالرحمن كتب باسمه، وعينيهم التقت بسرعة… ابتسامة صغيرة بينهم، كأنهم شاركوا لحظة خاصة رغم كل الرسميات.

المأذون ابتسم وقال:
— ألف مبروك… عقد الكتاب تم، ربنا يسعدكم جميعاً ويرزقكم بالذريه.

راكان اتنهد بصمت، وبص لهاجر بعينيه، وكأنها فهمت كل اللي في قلبه… وهاجر اكتفت بابتسامة هادية، عارفه إن اللحظة دي كبرت المشاعر بينهم شوية.

راكان حضن عبدالرحمن بخفة وقال:
— مبروك يا صاحبي.

عبدالرحمن ضحك بحب ورد:
— الله يبارك فيك يا معلم.

هاجر قربت لياسمين وحضنتها بخفة، وقالت بابتسامة:
— ألف مبروك.

ياسمين ردت بابتسامة مشرقة:
— الله يبارك فيكي… وشكلك ما شاء الله تحفة.

ثم خفضت صوتها شويه وقالت وعيونها مليانة إعجاب:
— إنتوا الاتنين لايقين على بعض فعلاً.
هاجر ابتسمت لها بتوتر وهي بتفكر ف كلامها 

أما عبدالرحمن قرب من راكان وقال بهدوء:
— عملت إيه في موضوع مامتك؟

راكان تنهد وقال:
— والله يا عبدالرحمن بحاول أمشي في إجراءات خروجها، بس المشكلة إن ملفها باسم واحدة تانية، فالموضوع صعب عليا شويه.

عبدالرحمن ابتسم وطمّنه:
— خلاص يا عم، ولا يهمك… أنا هخلصلك كل الليلة دي.

راكان اتفاجأ وقال:
— بجد؟

عبدالرحمن ضحك وقال:
— آه، اعتبره مأضي.

راكان ابتسم وهو حاسس بالامتنان وقال:
— تسلم يا حبيب أخوك.

راكان غمز لعبدالرحمن وقال:
— نسيبك أنت بقى والعروسة ونتكل على الله.

عبدالرحمن ضحك وقال:
— يعم، خليك شويه.

راكان ضحك بدوره:
— يسطا، باين في عينك إنك هتموت ونمشي عشان تاخد راحتك.

ضحك عبدالرحمن على كلامه بخفة.

بعدها راكان وجه كلامه لهاجر:
— يلا عشان هنمشي.

هاجر هزت له رأسها، وسلمت على ياسمين.

ياسمين بابتسامة لطيفة:
— عايزين نبقى نشوفك تاني.

هاجر ابتسمت وقالت:
— إن شاء الله، أكيد لينا لقاء تاني.

مشيوا، ومفاضلش غير عبدالرحمن وياسمين.

ياسمين كانت ماشية ساكتة، عينيها لارض ويديها مشغولة بين بعضها، قلبها بيدق بسرعة وكأنها عايزة تختفي عن العالم كله. الخجل مسيطر عليها، ومش عارفة تقول ولا تعمل أي حاجة.

عبدالرحمن قرب منها بخفة، رفع دقنها عشان تبصله في عينيه، وعيونه مليانة دفء وطمأنينة. قلبه كان بيرتعش شوية من الإحساس اللي جواه، بس صوته كان ثابت وهو بيقول:
— دا أحلى يوم في حياتي بعد جوازنا… متقلقيش من ابن عمك ولا من أي حد تاني.

ياسمين حسّت بسكينة غريبة ماشية جوه صدرها، وابتسامة خفيفة ظهرت على وشها، رغم خجلها.

سحب إيدها بلطف، وخلاها تقعد على رجله، كأنها جزء منه والدفء بينهم ملموس. عيونه كانت بتحكي كل اللي مش قادر يقوله لسانه، مليانة حب وحنية واطمئنان.

بدأ يمسح بخفة على شعرها بحنان، وكل حركة منه كانت بتوصلها رسالة: “أنا موجود، ومش هسيبك”.

ياسمين حسّت بالأمان والدفء بيملأ قلبها، وكأن كل خوفها وقلقها اللي كان جوه قلبها بدأ يهدأ. رست برأسها على كتفه بهدوء.

عبدالرحمن حس إن ياسمين محتاجة تسمع كلماته، فبدأ بصوت واطي مليان حنية:
— ياسمين… أنا فعلاً بحبك. مش عايزك تشكي في أي لحظة من حياتك، مش هسيبك وحدك.

ياسمين رفعت وشها على كتفه شوية، عيونها لسه فيها توتر لكنها حاولت تطمنه:
— أنا… أنا كمان بحس بحاجة ليك، بس خايفة… خايفة من اللي ممكن يحصل.

ابتسم لها بخفة، ويده متمسكة بإيدها:
— متخافيش… أنا هنا، ومعايا هتحسي بالأمان دايمًا.

قعدوا كده شوية، الصمت المرة دي كان مليان حب وكلام مش محتاج يتقال، بس كل لمسة، كل نظرة، كل حركة كانت بتوصل لهم شعورهم لبعضهم أكتر من أي كلام.

ياسمين بدأت تهدأ شوية، ودفء حضنه خلاها تحس إن الدنيا ممكن تكون أحسن، حتى بعد كل اللي حصل.

عند راكان وهاجر 
راكان اقترح انهم يتغدوا برا وهي وافقت على مضدد 

قعدوا في المطعم، الطاولة الصغيرة اللي بينهم كانت شاهد صامت على كل حاجة متقالتش.
الجو حواليهم هادي، بس بين عيونهم كان في دوشة مشاعر مكتومة.

راكان وهو بيقلب المنيو، بصّ لها وقال بنبرة هادية:
— تحبي تطلبي إيه؟

هاجر ردّت وهي مش رافعة عينيها عنه:
— أي حاجة.

ابتسم بخفة وقال:
— خلاص، أنا هطلبلك على ذوقي.

فضل يبصّ لها وهي ساكتة، حركاتها بسيطة بس كانت تشغله أكتر من أي كلام.
شعرها النازل على كتفها، نبرة صوتها الهادية اللي فيها وجع خفي، كل حاجة فيها كانت بتفكره ليه وقع فيها من الأول.

بعد لحظات صمت، قال وهو بيحاول يكون صوته طبيعي:
— على فكرة، اللون اللي لابساه النهارده لايق عليكي جدًا.

هاجر رفعت عينيها له بسرعة، نظرة فيها استغراب وشيء بسيط من الارتباك، وقالت ببرود متعمّد:
— شكرًا.

ضحك بخفة وقال:
— انتي دايمًا بتحاولي تبيني إنك مش مهتمة، بس عيونك بتكذبك.

هاجر رجّعت نظرها بعيد وقالت بنبرة متماسكة:
— مفيش حاجة أفضحها يا راكان. إحنا جينا هنا نتغدى ونرجع، مش أكتر.

سكت، بس ملامحه كانت بتحكي عكس سكوته.
كان بيبصلها كأنه بيحاول يحفظ كل تفصيلة منها، يمكن عشان جواه خوف إنها في لحظة تختفي من حياته تاني.

دخل الجرسون وبدأ يحط الأكل قدامهم.

الصمت كان سيد الموقف، حتى صوت الكاسات وهي بتتخبط خفيف ببعض كان مسموع وسط الجو الهادّي.
هاجر كانت غارقة في أفكارها، بتبص في الطبق قدامها من غير ما تاكل.
وفجأة، رفعت راسها وقالت بصوت واطي لكنه مليان ثقل:

— أنا فكّرت.

رفع راكان عينه ليها، حاجبه اتعلا شوية وقال بهدوء:
— فكرتي في إيه؟

سكتت ثواني، خدت نفس خفيف، وقالت وهي بتبصله في عينه للحظة قبل ما تبص بعيد:
— فكرت في مشاعري من ناحيتك.

الوقت وقف لحظة، وكأن الهوى نفسه نحبس في صدره.
فضل ساكت مستني تكمل، نظراته متعلقة بيها كأنه بيخاف الكلمة الجاية تهده أو تبني فيه أمل جديد.

هاجر كملت بنبرة فيها تردد:
— كنت فاكرة إني خلاص... إنك وجعتني كفاية تخلي قلبي يقفل... بس لما فكرت، اكتشفت إني لسه...

سكتت، مكمّلتش، كأن الكلمة الأخيرة مش قادرة تطلع، كأنها تقيلة أوي على لسانها.

راكان قال بهدوء وهو بيحاول يخفي الرجفة في صوته:
— لسه إيه يا هاجر؟

هاجر بصت له بهدوء، ملامحها فيها مزيج من الحزن والحسم:
— إن لسه في مشاعر من ناحيتك، بس أنا مستعدة أدوس عليها لو اللي قدامي مصدر وجع أو أذى ليا.

راكان بسرعة وبصوت متوتر:
— وانا والله عمري م هكون مصدر وجع ليكي ولا أذى، يا هاجر.

هاجر ردّت ببرود واضح:
— هنشوف.
سكتت شوية، خدت نفس وقالت:
— أنا ليا شوية طلبات.

راكان قرب منها شوية وقال باهتمام حقيقي:
— قولي، أنا سامعك.

هاجر:
— أول طلب… إنك تروح لثيرابيست.

اتجمد مكانه، وبص لها باستغراب وصوته عالي شوية:
— أتعالج؟ أنا مش مجنون يا هاجر!

هاجر رفعت حاجبها وقالت بنبرة هادية بس فيها وجع:
— أنا مقصدش كده، وبعدين ما أنا كنت بتعالج برضه، ولا تقصد إن أنا كمان مجنونة؟

راكان بسرعة وهو بيحاول يلحق الموقف:
— لا طبعًا، لا... مقصدش كده خالص. بس أنا فعلاً مش حاسس إن عندي حاجة محتاجة علاج.

هاجر نظرت له نظرة عميقة وقالت بنبرة فيها صدق:
— المشكلة إنك مش حاسس، مش إن مفيش حاجة.

هاجر بصتله بنظرة فيها وجع وهدوء في نفس الوقت وقالت:
— عندك يا راكان...  وجع كبير مستخبيه جواك ومش راضي تعترف بيه، وده أخطر من أي جنون.

اتنهدت وكملت بنبرة فيها حزم:
— انت محتاج تتكلم، محتاج تطلع اللي جواك بدل ما تفضل تدفن في نفسك لحد ما توجع كل اللي حواليك من غير قصد.

راكان كان ساكت، عيونه اتحركت يمين وشمال كأنه بيحاول يهرب من كلامها، بس كلامها كان داخل جوه قلبه زي سهم هادي بس مؤلم.
مسك الكوباية اللي قدامه، لفها بين إيديه وقال بصوت واطي:
— انتي شايفاني وحش للدرجة دي؟

هاجر ردّت بهدوء:
— لا... أنا شايفاك إنسان تايه ومحتاج يلاقي نفسه تاني.
سكتت لحظة، وبصت له بعينين فيها صدق وقالت:
— وأنا ممكن أكون جنبك في ده... بس مش قبل ما تبدأ تساعد نفسك.

فضل يبصلها، صوته اتكسر وهو بيقول:
— يعني لو عملت اللي بتقولي عليه... ممكن تسامحيني؟

هاجر بتنهيدة خفيفة:
— سامحك؟ يمكن... بس الأهم إنك تكون صادق معايه ومع نفسك.

راكان بصوت هادي فيه رجاء: في طلب تاني يا هاجر؟
هاجر ببساطة لكنها مصممة:
_ أيوه، تودّيني أقعد مع بابا.

راكان بلهفة اتكسرت في عينيه:
_ هاجر… أنا مش هقدر أعيش من غيرك.

هاجر وهي تبصله بثبات: 
_اسمعني للآخر، أنا هروح أقعد مع بابا، ولو فعلًا بتحبني ونيّتك صافية، تيجي تطلب إيدي منه رسمي.

راكان بتوتر باين في نبرته: 
_طب وافرَضي رفض؟ خصوصًا وأنا ابن جوز نيهال؟

هاجر بهدوء وثقة:
_ مظنش إنه هيرفض عشان كده، بس حتى لو رفض… لما يشوف في عيونك حب حقيقي وإصرار، ويشوفني راضية، عمره ما هيقف قدام سعادتي.
تعليقات



<>