
رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل السادس عشر بقلم اميرة احمد
جلس زياد في غرفة المعيشة، يرتدي قميص قطني باللون الأبيض و بنطال رياضي باللون الأزرق الداكن، و بجواره جلست نور تقطع له التفاح و تضعه في فمه بحنان، ومن الحين للأخر تضغط علي يده وتطمئن عليه، همست بصوت ملئ بالقلق: في حاجة تعباك يا زياد؟ عاوز تدخل ترتاح جوه؟
ابتسم لها زياد في هدوء وقال بصوت ضعيف: انا كويس يا نور.
وضعت نور يدها علي صدره و نظرت إلي عينيه و قالت: انا اللي مش كويسة يا زياد.... من وقت ما شوفتك تعبان و حاسة ان قلبي انا اللي واجعني.
اقترب منها ببطء و وضع قبلة حانية علي جبينها و همس: بعد الشر عن قلبك يا حبيبتي... انا لسة معاكي و جنبك اهو، مش هاسيبك دلوقتي متقلقيش.
ربتت نور علي ساقه: ربنا يخليك ليا.
دخل يوسف إلي الغرفة، نظر اليهم بابتسامة وهتف بمرح: هو انا جيت في وقت مش مناسب و لا ايه؟
هتفت نور بحدة: احترم نفسك يا ولد.
جلس يوسف بجوار والده وأمسك يديه و مال علي أذنه و همس: طيب ما انت كويس اهو يا حج بتقلقنا عليك ليه.
ضحك زياد بضعف وهو يتألم وقال: بحب ألعب معاكوا شوية.
دق الباب، فصاح يوسف: ده مالك يا بابا، جاي علشان يطمن علي صحتك.
قالها يوسف و اتجه خارج الغرفة، بينما نور أعتدلت في جلستها و وضعت غطاء رأسها و لحظات و عاد يوسف و من خلفه مالك الذي وقف عند مدخل الغرفة بوجه مبتسم، يحمل في يده علبة شكولاتة وقال: ألف سلامة علي حضرتك يا عمو.
ربت يوسف علي ظهر مالك و هو يقول بمرح: أدخل يا مالك، بابا بس بيحب يلعب معانا شوية... بس الحمدلله بقي كويس.
جلس مالك علي المقعد المجاور للأريكة التي يجلس عليها زياد، فقال زياد: كتر خيرك يا أبني... تعبت نفسك و الله.
اكتفي مالك ان يرد بابتسامة فأردف زياد: صحتك عاملة أيه دلوقتي يا مالك.
اومأ مالك بهدوء : الحمد لله.
بينما صاحت نور: هو كان تعبان ولا ايه؟ ما شاء الله وشه منور و زي الفل أهو.
ضحك يوسف و هو يمرر أصابعه في خصلات شعره وقال: وشه منور من حاجة تانية يا ماما.
توتر مالك، وبدي الخجل واضحا علي ملامحه، بينما قال زياد: الله... هو انت كمان وقعت... أنا قولت برضه.
هتف يوسف بمرح: أدعيله بقي يا بابا يتهور ويعملها قريب.
نظر له زياد بابتسامة وقال: لو بتحبها بجد متستناش حاجة، قولي و انا أروح اخطبهالك.
ابتسم مالك ابتسامة خجولة وقال: إن شاء الله قريب.
بينما صاح يوسف: أووووه ده اعتراف انا في معرفهوش... واضح انك ليك غلاوة عنده يا بابا علشان يقولك.
قاطعهم صوت جرس الباب، فقال زياد بصوت ضعيف: ده أكيد فارس، قالي هيعدي عليا علشان يجيب نتيجة التحاليل.
خرج يوسف و لحظات و عاد و معه فارس، وقف فارس عند مدخل الغرفة يرتدي بنطلون من الجينز الأزرق وقميص كحلي منمق مفتوح و من تحته تي شيرت قطني أبيض، ملامحه هادئة، و ابتسامته تبعث علي الطمأنينة حين قال: صحتك عامله ايه دلوقتي يا أونكل؟
ابتسم زياد و قال بمرح: انا متدلع أوي، الدكتور بنفسه جاي يطمن عليا في البيت.
ضحكت نور و هي تضع قطعة من التفاح في فم زياد و قالت: هو عندنا أغلي منك يا حبيبي.
دخل فارس سلم علي مالك و جلس بجوار زياد، فتح حقيبته الصغيرة و أخرج بعض الأوراق و قال: التحاليل طلعت و كلها الحمد لله كويسة.... مش محتاج بس غير أنك ترتاح شوية و تبعد عن أي توتر و قلق... وياريت لو تبعد عن الشغل اليومين دول.
قال مالك بنبرة مازحة: لو هتبعد عن التوتر و القلق يا عمو يبقي محتاج تبعد عن يوسف.
ضحك الجميع بينما وكزه يوسف في كتفه.
دخلت حياة و هي تحمل صينيه عليها بعض أكواب الشاي و العصير، سلمت علي مالك و فارس، ناولت زياد كوب من الينسون و قالت: انا عملتلك حاجة سخنة تشربها يا بابا، مش هينفع قهوة زي ما دكتور فارس قال.
ابتسم فارس، بينما قالت نور بعفوية: هي حياة كده، مركزة مع كل كلمة انت بتقولها يا فارس وبتنفذها بالحرف.
احمرت وجنتي حياة، بينما فارس تعلقت عينيه بها وظهرت ابتسامة صغيرة علي جانب شفتيه.
وقف مالك علي الفور وقال: انا أطمنت عليك يا عمو فا أستأذنكم أنا.
وقف يوسف بدوره وقال: ما تخليك قاعد معايا شوية.
مال مالك علي أذن يوسف وقال و هو يسلم عليه: الجو هنا بقي عائلي أوي و مشحون بالمشاعر.
ضحك يوسف وهمس: هو أنت أخدت بالك؟
رفع مالك حاجبه باستنكار: هو في حد مش واخد باله.
ربت يوسف علي كتفه وهو يتبعه إلي الخارج وهمس في أذنه: هما نفسهم مش واخدين بالهم.
----------------------------------
جلس عمر خلف مكتبه في البنك يراجع بعض الأوراق بتركيز وهو يحتسي قهوته، حين رن هاتفه بمكالمة واردة من والدته، لم يكن من المعتاد ان تتصل به في أوقات عمله فهي تعلم بحبه واهتمامه بعمله، أجاب بصوت قلق : الو يا ماما..... انتي كويسة يا حبيبتي.
لكن اتاه من الجانب الأخر صوت زغاريد لم يفسرها في بادئ الأمر، لكنه تفهم حين صاحت والدته في سعادة: مبروك يا حبيبي... ألف مبروك.
ضحك عمر بعدم فهم و قال: مبروك علي ايه يا ماما؟
ردت والدته و هي لازالت تطلق الزغاريد: اخس عليك يا عمر بتخبي عليا انا، كده متقوليش ان حنين حامل... اعرف من حماتك.
بصق عمر القهوة من فمه من الصدمة وهو يصيح: حامل؟!
التفت اليه زملاءه في البنك بابتسامة وانهالت عليه التهاني؛ بينما همس عمر لوالدته بحرج: ازاي يا ماما... استحالة.
والدته: استحالة ازاي يعني... بقولك حنين اللي قالت لمامتها انها تعبانة... قالتلها كل اعراض الحمل، هو يعني انت هتفهم اكتر مني.
تغيرت ملامح عمر وهتف بقلق: ماما يعني حنين تعبانة في البيت دلوقتي؟
والدته عبر الهاتف: يا حبيبي متقلقش عليها كده، كل الستات بتتعب كده في اول الحمل.
صاح عمر بقلق: طيب اقفلي دلوقتي يا ماما.... لازم اروح اطمن علي حنين و هابقي اكلمك.
اغلق عمر الهاتف ووجد زملاءه يلتفون حوله يطلقون عبارات التهاني و يباركون المولد القادم.
اخذ عمر مفاتيح سيارته وانطلق مسرعا الي المنزل.
دخل عمر الي شقته بسرعة وهو يشعر بالقلق علي حنين، صاح باسمها عندما فتح الباب، لكنه وجدها تجلس امامه علي الاريكة، قدماها مرفوعتان الي جوارها وتشاهد فيلما في التليفزيون و تضحك ... وقف امامها عمر لحظات قبل ان يطلق ضحكة و هو يقترب منها و يتساءل: هو احنا مستنين حدث سعيد قريب؟
نظرت اليه حنين بعدم فهم ، اعتدلت في جلستها، بينما هو أردف بابتسامة: يعني مش المفروض خبر زي ده ابقي عارفه قبل مامتك؟
اتسعت عيني حنين باستغراب وقالت: هو في ايه يا عمر؟ حدث سعيد ايه؟
جلس عمر الي جوارها وقال من بين ضحكاته: ماما يا ستي كلمتني وانا في الشغل و بتزغرط و تقولي مبروك حنين حامل.
اتسعدت حدقتي حنين وفرغت فاها قبل ان تضع يدها عليه، أطلقت شهقة و قالت: طنط جابت للكلام ده منين... يعني.. اقصد...احنا... استحالة يا عمر...
ضحك عمر، لكنه أمسك يدها بحنان وهمس: هو انتي تعبانة يا حنين؟
حركت رأسها بالنفي وقالت: انا كويسة الحمدلله اهو.
همس عمر بصوت دافيء: ماما قالتلي إنك قولتي لمامتك أنك تعبانة.. لو تعبانة قوليلي ونروح لدكتور.
نظرت له حنين مطولا قبل ان تضع يدها علي فمها مرة اخري وصاحت: عمر انا لما كلمت ماما النهاردة قولتلها فعلا ان بطني بتوجعني و دايخة شوية... بس انا أبعد ما يكون عن إني حامل... انا.. انا عندي..
عضت حنين علي شفتها من الخجل وصمتت، أطلق عمر ضحكة وهو يضع يده علي قلبه بحركة درامية مضحكة و قال: انا اللي عندي ورطة كبيرة دلوقتي.
اقتربت منه حنين وهمست بقلق: ورطة ايه؟ في مشكلة في شغلك؟
ضحك عمر بمرح وهو يخلع ساعته: دلوقتي أقول لماما ايه اللي مستنيه اول حفيد... مش بعيد تكون نزلت تشتري هدوم البيبي وبتجهز للسبوع.
ضحكت حنين بمرح: والله يا عمر ما قولت لماما حاجة... هي فهمت غلط اكيد.
عمر: لا والمشكلة الأكبر في البنك..... اول ما ماما كلمتني صرخت وقولت حامل... البنك كله سمعني، ونزلت التهاني و المباركات و يتربي في عزك، و هتسميه ايه.... وانا أحاول افهمهم ان يا جماعة اكيد مراتي مش حامل، محدش هيفهم طبعا..... خصوصا اني سبت الشغل وجريت.
ضحكت حنين حتى دمعت عيناها: دي ورطة فعلا يا عمر.. غير هدومك وتعالي نتغدي وأنا هاكلم طنط افهمها على سوء التفاهم.
نظر اليها عمر بمرح وقال بمكر: ويهون عليكي تكسري قلبها، ما تيجي نفرحها بجد.
وكزته حنين في صدره وهي تتجه الي المطبخ: بس يا عمر كفاية هزار... انا هاكلمها بعد الغدا.
---------------------------
دخلت لارا إلي غرفتها في المساء، جلست علي الأرض امام خزانة الملابس، لم تكن تدري عما تبحث بالتحديد، لكن قادها الفضول للبحث بحقيبة سفر صغيرة موضوعة داخل الخزانة ... أخرجتها بعناية، فتحتها بعقل مشوش.
تنقلت بين محتوياتها... وردة مجففة بعناية... خاتم مصنوع من الورق المقوي مرسوم عليه قلب باللون الأحمر، صورة تجمعها بيوسف وتضحك فيها بسعادة..
تذاكر قديمة للسينما، تذكرتين لدخول البرج بنفس تاريخ الصورة التي أشار إليها يوسف، زجاجة عطر شبه فارغة من العطر الذي يضعه يوسف، وأخيرا وجدت دفتر صغيرة من الجلد البني محفوظة بعناية.
فتحته بابتسامة حزينة، شعرت بالألفة تجاه كل الأشياء في الحقيبة، بينما ذلك الدفتر بالذات شعرت وكأنه جزء من روحها.
أول صفحة فيه مكتوب في المنتصف كلمة "حياتي" وبجانبها رسمة لقلب صغير.
قلبت الصفحة، وجدت كتابة بخط يديها:
" شفت يوسف النهاردة تاني... حاسة أني بدأت أحبه.."
تنهدت لارا وقلبت الصفحة.
" يوسف جابلي القهوة النهاردة زي ما بحبها من غير ما أطلب.... هو دايما بيلاحظ و ياخد باله من حاجات صغيرة محدش غيره بيشوفها."
بدأت دموعها تتجمع في عينيها و هي تقلب الصفحة.
" مش عارفة هو بيعمل كده ازاي؟ بس أول ما بيكلمني بحس ان ضربات قلبي بقت أهدي... يمكن هو مش عارف هو بيأثر عليا ازاي..... أنا نفسي مش فاهمة تأثيره عليا."
بدأت دموعها تسيل علي خديها و هي تقرأ:
" كنت ماشية جنبه النهاردة و حاسة بالأمان.... إحساس غريب... بس لما بيبصلي بحس أني موجودة فعلا."
فرت في الصفحات و عينيها تفيض بالدموع و المشاعر تتأرجح بداخلها.
" النهاردة يوسف زعقلي... علشان خرجت من غير ما أقوله... أنا عارفة أنه خايف عليا... بس أنا زعلت ... علشان هو أكتر واحد بيفهمني من غير ما أتكلم كان المفروض يفهمني.. بس لما سيبته ومشيت سمعت صوته بينادي عليا و بيقولي" أستني... متروحيش و أنتي زعلانة" ساعتها حسيت أن قلبي خرج مني وجري راحله، حسيت أني عاوزة ارجعله و اترمي في حضنه."
" أنا بحبه.. أنا فعلا بحبه.... إحساس غريب بس مش عايزة أكون مع أي حد في الدنيا غيره... حتي أهلي.... بحس أني قوية وضعيفة في نفس اللحظة و أنا جنبه.
فرت في مذكراتها حتي وصلت إلي الصفحة الأخيرة.
" يوسف وعدني أننا هنكون مع بعض... انا متأكدة أنه هيقدر.. بس خايفة... خايفة بكرة ييجي و مكنش معاه"
جلست لارا طوال الليل تقرأ في مذكراتها، وفي الصباح عزمت أن تواجه مشاعرها
في الثامنة صباحا، كانت تقف لارا أمام منزل يوسف، وقفت امام سيارته تنتظره وهو في طريقه إلى العمل.....
خرج يوسف من البناية، يعدل من ساعته، بينما هو يرتدي نظارته الشمسية، لمحها تقف بجوار سيارته، توجه اليها بسرعة و صاح بقلق واضح علي نبرته: لارا؟ إنتي واقفة هنا من إمتى؟
التفتت إليه، وجهها مرهق من السهر، لكن عينيها تشع بمشاعر متضاربة قالت بصوت مرتبك: معرفش... بس حبيت أجيلك الصبح... قبل ما تروح الشغل، مكنتش هاقدر استني.
ارتفع حاجباه في صمت، ينتظر منها أن تكمل....
همست والدموع تتجمع في مقلتيها: كنت كاتبة كل حاجة... عنك....عننا.... عن اللحظة اللي بدأت أحبك فيها من غير ما أحس.... عن خوفك عليّا، وعن كل مرة كنت بتحارب فيها علشاني، كل حاجة كنت فاكرة إني نسيتها وضاعت ... لقيتها.... عرفت ان اللي كنت حاسة بيه الايام اللي فاتت هو أنى بحبك يا يوسف... ولما قريت اللي كتبته عنك، عرفت اني كنت بحبك و لسة بحبك.... واعتقد هافضل احبك
.نظر لها مطولا بعينين لامعتين ثم قال بنبرة حانية: امشي يا لارا.
رفعت حاجبها باستنكار، فهتف: علشان نفسي احضنك دلوقتي ومش هينفع.
ضحكت بطفولة، همت ان تنصرف لكنه امسك يديها بقوة وقال: استني......عارفة؟ كنت ناوي أروح الشغل، عندي ميعاد مهم الساعة تسعة... بس بعد اللي سمعته، مافيش حاجة أهم منك.
ابتسمت بخجل وقالت: يعني هتهرب من شغلك عشاني؟
ضحك وقال: ماهو أنا بقالي شهور بحارب عشانك، مش كتير عليا يوم نحتفل إنك رجعتيلي.... تعالي نتمشى على النيل، نجيب فطار ونقعد نحكي... عايز أعرف كل اللي افتكرتيه، وكل اللي كنتي كتباه وأنا مش عارف.
ضحكت وقالت: هحكيلك... بس بشرط.
رفع حاجباه: شرط؟
وضعت كفها علي عينها وقالت: ما تضحكش عليا.
هزّ راسه وقال بجدية وهو يفتح لها باب السيارة: أنا عمري ما ضحكت على حبك، ولا هضحك عليك
.صمتت لحظة وقالت: كنت كاتبة انك شبه الابطال اللي في الافلام و الروايات
ابتسم يوسف ابتسامة كلها دفء وقال: و انتي احلي من اي بطلة.