رواية صرخات انثى الفصل المائة والسادس والعشرون126والاخير بقلم ايه محمد رفعت

رواية صرخات انثى الفصل الاخير بقلم ايه محمد رفعت


لم تتوقف زهرة الأعمار عند عام محدد، تمر تارة ببطءٍ وتارة بسرعة الريح، وكأن البركة انتزعت من الوقت انتزاعًا،  وقد قد الخريف على القصر لأكثر من مرةٍ، تتساقط أوراق الأشجار، وتعاد لصياغتها الأولى، تزدهر وتتناغم أوراقها مجددًا، في مظهر أكثر من رائع بباحة قصر الغرباوي. 

بينما بالداخل. 
كانت لمظاهر الحياة صورة أخرى داخل حوائط القصر، يضخ من الصالون المفتوح للحديقة رائحة القهوة الشهية، ومن خلف المكينة الخاصة بالقهوة، كان يقف بقامته الطويلة وجسده الرفيع، يعد مفضلته باستمتاعٍ. 

التقط "علي" الكوب، وأتجه للمقعد المقابل للشرفة الزجاجية، يعتليه واضعًا ساقًا فوق الاخرى، وقد بدأ القراءة باحدى كتبه، وما هي الا دقائق حتى اندمج كليًا برحلته. 

وهي نفس الدقائق الذي إتخذها ذلك الصغير، لأن يخط خطوتين خلفها، ثم انحنى يزحف بذراعيه خلفها، وكلاهما يتجهان لوجهتهما المحددة، حيث يجلس "علي" يقرأ كتابه.

 عدل من نظاراته الطبية، وهو يتابع قراءته، حتى شعر بلمساتٍ لطيفة تستحوذ على قدميه، أبعد الكتاب عنه مبتسمًا لرؤية هذا الوجه الملائكي، التقفه إليه، يُجلسه على ساقيه ويده تعبث بخصلات شعره البني الطويل، قائلًا بحبٍ: 
_علي باشا، أيه اللي مصحي جنابك في الوقت ده. 

ضحك ابن أخيه، فطلت أسنانه العلوية التي لم تكتمل بعد، ويديه تزحف لنظاراته، ضحك "علي" وهو يبعدها عنه قائلًا بمشاكسةٍ: 
_شكلك هتبقى مثقف!  

تسلل لأذنيه صوتًا خافتًا يأتي من خلفه: 
_ألي (علي) 

استدار "علي" خلفه؛ فتفاجئ بمن تعقد ذراعيها أمامها، وهي تتابعه يحمل الصغير بحزنٍ، استدار خلفه يشير لها بحبٍ: 
_فيروزة حبيبة قلبي، تعالي! 

خطت إليه، ومازالت تحمل البيبرون بين يدها، تركته جانبًا، وتسللت على ذراع أخيها الأكبر، حتى جلست قبالة الصغير، بينما يغمرهما "علي" بالقبلات، حتى نزع أحدهما مرءه، هاتفًا: 
_اللي جابلك يخليك يا دكتور! 

قالها ذلك الذي هبط من الأعلى للتو، يضع حقيبته السوداء على الطاولة القريبة منهم، ثم نزع نظارته السوداء الحاملة لماركة "دولتشي آند جابانا"،  وحرر زر جاكيته البني؛ ليتمكن من الجلوس على حافة المقعد، يمنح أخيه بنظرة ساخرة، وهو يتابع: 
_شايفك مريح بقالك كام يوم إنت اعتزلت وقلبتها babysitter ولا أيه! 

تركهما أرضًا، وإتجه إليه يتفحصه باستغرابٍ: 
_على فين؟ 

رد عليه "عُمران" بينما يلتقط مشروبه الدافئ من الخادم: 
_عندي اجتماع مهم، وبعده ههرب على شقة الشباب، مستحيل أرجع هنا أقعد بالعفاريت دول. 

ارتشف من كوبه، فاذا به ينتبه لابنه الذي جلس قبالة أخته الصغيرة يلعبان بأحد الالعاب الصغيرة، وصوت ضحكاتهما جعلوه يبتسم تلقائيًا، فمال الصغير يطبع قبلة على وجنة" فيروزة"،  استدار "علي" تجاه الدرج يراقب الطابق الاول بينما يهتف: 
_لو فريدة هانم أو مايا قفشت ابنك هيسبقك على الmeeting بتاعك. 

تعالت ضحكاته، ومال يضع الكوب جانبًا  واتجه ينحني تجاههما وهو يخبره بجدية تامة: 
_أنا بريء صدقني بحاول أعلمه يكون جنتل مان بس هو لقطها غلط!! 

_عُمران! 
لحق صوت النداء الرقيق صوت دعسات حذاء نسائي، فاستدار للخلف ليجدها زوجته، راقبهما "علي" بملل، فتسلل يحمل فنجان قهوته وكتابه وتسلل لغرفة مكتبه، تاركًا لهما ساحة القتال، دنت
 إليه حتى وقفت قبالته، فنهض يتفحص المكان من حوله وحينما تأكد بانعزالهما عن الجميع ردد بهيامٍ: 
_حبيب قلبه إنتِ! 

هاجمته بنظراتٍ شرسة لحقتها عصبية مندفعة: 
_إنت عملت للولد أيه كل ما يقعد مع حد يعمل اللي عمله من شوية ده. 

زوى حاجبيه بدهشةٍ مصطنعة، واستدار لابنه يتساءل ببراءة: 
_عملت أيه يالا؟! 

ربعت يديها أمام صدرها  ونظراتها تحتد بشكلٍ جعله يتفحص ساعته، وقال: 
_اتاخرت جدًا بليل نشوف موضوعك يا بيبي، يلا باي. 

اتجه للمقعد ليحمل حقيبته، فصعق حينما لم يجدها محلها، عاد ينزع نظارته من جديد وردد بدهشةٍ: 
_شنطتي كانت هنا!! 

هزت كتفيها وهي تجيبه: 
_أنا لسه نازلة! 

استدار محل جلوس الصغار، فلم يجد أي منهما، ركض "عُمران" يسارًا ويمينًا كالذي مسه عفريت من الجانٍ، وهو يصيح بانفعالٍ: 
_عملــــــوها. 

رؤيته غاضبًا هكذا أثلجت صدرها تجاه ما أصاب ابنها الصغير من وقاحة ورثها من هذا الطاووس الوقح، التقط "عُمران" صوتًا قادما من أسفل الطاولة، انحنى للأسفل، فأصابته صاعقة حينما وجد حاسوبه بين يد ابنه، واليد الاخرى تحمل إحدى أزراره، بينما صاعقة أخرى أصابته، من تلك التي تقف أعلى السفرة تحمل هاتفه وسماعته. 

ترك صدمة ما فعله ابنه جانبًا، واتجه إليها يجاهد في رسم ابتسامة مصطنعة: 
_فيري حياتي إنتِ، هاتي الموبايل ده حالًا عشان ميخسرناش بعض! 

تعالت ضحكاتها، وألقت بالسماعة تجاه مكان وقوفه، سقط قلب "عُمران" خلفها، كادت أسنانه أن تدمي شفتيه السفلى، ليتحرر صوته بعصبيةٍ بالغة: 
_فيروووز الموبايل لو مجاش في ايدي حالًا تصرفي مش هيـ... 
لم يستكمل باقي كلماته ولحق الهاتف سماعته الحبيبة. 
                                     *****

_عُمــــــــران  إنت اتجننت نزل الاولاد!! 

قالتها "مايا" بصدمة وهي تراه يحمل "فيروزة" ويضعها بالأعلى جوار ابنها على باب المنزل الداخلي، أشار لها بالاقتراب، فاقتربت لتجده يحرك رقبته يسارًا ويمينًا كأنه على وشك أن يتحول، بينما بنبرة هادئة قال: 
_أنا وانتِ دايبين في بعض، وبينا مشروع عفريت أقصد طفل تاني، فعشان أيه نخسر بعض يا بيبي؟ 

ورفع اصبعه للاعلى مشيرًا، بينما يغمز ل"فيروزة" بمكر،وقد خفف قيدها: 
_الحيوان ده هو والبطريق اللي جنبه أتلفوا لاب وموبايل بنص ثروتي تقريبًا، وأنا سبق وحذرته مش حذرته انا قبل كده قدامك مرة لما دخل أوضة مستلزماتي!!
هزت رأسها بخوف، فقبل جبينها وقال: 
_ادخلي افطري وحضري نفسك للحفلة بتاعتك بليل، أنا اختارتلك dress شيك جدًا، وسبيني أنا أربي الكائنات دي عشان متتعقديش، أنا عايزك تركزي في المشروع اللي جاي بحيث ميجيش كائن مشابه للكانتلوب ده ولا شبهي نهائي.

عاد يتطلع للاعلى بحنقٍ، ثم استدار لها يستطرد: 
_انا سميته علي عشان يطلع محترم، وابن ناس زي دكتور علي الغرباوي، فبما إن مفيش أمل يبقى أربيه أنا قبل ما يجبلي التهزيق على كبر! 

ضمها إليه وهو يتطلع للاعلى تجاه الصغير الذي انطلق بنوبة من الضحك ظنًا من أن "عمران" يمازحه، فقال من بين اصطكاك أسنانه: 
_مستفز الواد ده أوي!!! 

همست له بارتباك: 
_نزلهم يا عُمران. 

ربت على كتفها وقال بتأثرٍ: 
_قلب الأم ده مثالي بجد. 

وتركها واتجه لغرفة الحرس الجانبية، فلحقت به تتساءل: 
_رايح فين؟ 
رد عليها ببساطةٍ: 
_هشوف حبل كبير شوية عشان متقعيش وتنكسر رقبتك الحلوة دي يا بيبي، مهو أنا مكنش ينفع أفرقك عن فلذة كبدك بردو! 

هرولت "مايا" للداخل تصرخ دون توقف: 
_علـــــــــــــي!!! 

فُتحت البوابة الرئيسية استقبالًا لسيارة "أحمد الغرباوي"، طل من الشرفة الخلفية يتمعن بصدمة مما رآه، فصاح  لسائقه بجنون: 
_نزلني. 

صف السائق السيارة جانبًا، فهبط الاخير يركض تجاه البوابة، وهو يتساءل بصدمة: 
_أيه اللي بتعمله ده يا عُمران؟!  

وتابع وهو يهزه بعنف: 
_نزل البنت بدل ما أعلقك مكانها. 

جلس على المقعد البلاستيكي، واضعًا ساقًا فوق الاخرى، وبعنجهية الطاووس الوقح قال: 
_لو لياقتك البدنية قدرت لده مش هعارضك! 

زفر بضجرٍ واتجه إليه يقول: 
_بطل البرود ده وقولي عملوا أيه؟ 

أجابه بحدة: 
_اتسببوا في اتلافات ومصايب تقدر ب750 ألف دولار،، لو عايز تنزل بنتك أو حفيدك تجبلي موبيل ولاب نفس النوع، نفس اللون، من نفس المكان، غير كده مفيش مجال للتفاوض. 

يعلم كم هو عنيدًا، شرسًا، فقال بضجر:
_هكتبلك شيك بيهم ونزلهم. 

هز رأسه معترضًا بغرورٍ: 
_مقبلش أنا بالكلام ده، طلباتي قولتها، وياريت من نفس الدول اللي جبتها منهم، وخد بالك انا بعت موظف من عندي يجبهم بنفسه عشان ميتخدشوش، يعني شغل الاون لاين والكلام ده مش هيحل معايا!!

حرر الصغير ذراعيه بالهواء، فور أن رأى" علي"، فاذا بالاخير يهتف بثبات ماكر: 
_علي مغلطش، فيروزة اللي حرضته. 

ومال يحل الصغير، وقال مبتسمًا بخبث: 
_عاقب إنت بقى! 

تعجب "أحمد" من برود تصرفات "علي"، ولكن قد وصل إليه المفهوم حول أفعاله، حينما غلب قلب "عُمران" المعركة، ولأول مرة يتهاون مع من يمس متعلقاته، فاذا به يحل وثاق الصغيرة، ويحملها بين ذراعيه مثلما اعتاد، ومن ثم وضعها قبالته على الطاولة ، يعاتبها كأنه يتحدث مع فتاة بالغة: 
_دلعي ليكِ خلاكي تتخطي الحدود يا فيروزة، وده هيزعلني منك جدًا، وهيخليني أبعد عنك، أنتِ عايزة ده يحصل؟ 

ضحكت وصفقت بيدها ببراءة، فابتسم رغمًا عنه، وعاد يدعي خشونته: 
_لما أكلمك تبصيلي وتركزي معايا،  سامعه يا هانم! 

عاد صوت ضحكاتها يغمر المكان، فرفع وجهه لزوجته التي تتابعه عاقدة الذراعين، يخبرها: 
_بذمتك دي تنفع تتعاقب، دي تتأكل أكل! 

قالها ومال يقبلها، فتعالت ضحكاته بسعادةٍ، إلى أن وضعها بيدي المساعدة،وقد كان يفكر جديًا بعدم الذهاب إلى العمل وأن يقضي اليوم برفقتها ، وقف يراقبها وهي تبتعد معاها بابتسامة هادئة، وعاد يستعيد ثباته مجددًا، بينما يميل لزوجته، يفاجئها بضمها إليه، ويخبرها بجدية شتت عقلها: 
_مش ناوية تحققيلي حلمي وتجبيلي بنت يا عسولة؟ 

حدجته بنظرة نارية، ودفعته بكل قوتها بينما تثور به: 
_معنديش نية لذلك، وبعدين ما أنت ماشاء الله عندك تلات بنات. 

وضع احدى يده بجيب سرواله وقائلًا ونظراته تتعمق بها فأربكتها: 
_ولو بقوا عشرة أنا بحب البنات جدا يا مايا، وحابب نجيب بنت، راجعي الموضوع تاني. 

دفعته برفق تجاه سيارته وهي تصيح: 
_بلا تاني بلا تالت، إتاخرت على "البشمهندس جمال"، يلا. 

عاد يتصلب أمامها، وبخشونة قال: 
_أنا أروح المكان اللي أحبه في التوقيت اللي أحبه. 

وأضاف بخبث: 
_ثم إن الواقفة هنا عاملالي ميكس خطير. 

واردف بينما يغمز لها: 
_حبيبي، قلبه قوي واستقوى على حبيبه، كلها ساعتين وهتبتدي حفلة البراند بتاعكم،وقتها هنشوف قلب مين هيغير ويحقد على عيون البشر كلهم. 

ومازحها قبل أن يعود للقصر: 
_والاعراض دي هتحصلي أنا طبعًا، عشان متفهمش صح. 

أشرقت بسمة العشق على وجهها بعدما تأكدت من مغادرته، بينما هو أتجه للحديقة الصغيرة، حيث وجد قطعتا السكر ملكه، تجلسان بالمساحة الأمنة المخصصة بالاطفال. 

هرع ينحني إليهما. فتعالت ضحكاتهما بجنون، تشجعانه على حملهما، فانحنى إلى كلتاهما، يشدد من ضمتهما ويطبع قبلات على أوجههما بالتساوي، وكلما زاد من قبلة للاخرى، عاد يقبل الاخيرة حتى استسلم وجلس بينهما متناسيًا عمله نهائيًا. 

_صباح الخير. 
قالتها "فاطمة" بابتسامتها الرقيقة، فقال "عمران" وهو ينتزع جاكيته: 
_ظهورك بالتوقيت ده معناه أن جمال أو آيوب بلغك أني مرحتش، وأكيد هتتولي الاجتماع من هنا، فأنا افراج. 

ضحكت وهي تراه يعود ليمازح تؤامها بلطفٍ ومحبة، فقالت "فاطمة": 
_بالظبط كده، الموضوع مش هياخد مني غير نص ساعة متقلقش. 

حرك كتفيه بخفة وهو يحمل كلتاهما على ذراعيه: 
_ده شكل واحد قلقان؟؟ 

هزت رأسها ضاحكة، ونطقت: 
_لا نهائي، بس مش عدل انك تستغلنا في يوم أجازتنا، واللي قررنا نعمل فيه حفلة بسيطة للبراند بتاعنا. 

سحب البيبرونة، ووضعها بفم الصغيرة، بينما يخبرها: 
_مكنش عندي أي نية والله، بس عملية الأغراء بدأت من فيروزة هانم، ولما فشلت جت كاري ولين وتمموا المهمة، فتم أغرائي وباكتساح كمان. 

قالها وجذب المشط الصغير، ثم أخذ يمشط خصلاتهما الطويلة، وحاول بقدر الامكان الامساك بإحدى الخصل لصنع خصلة لكلاهما، وقد بذل مجهوده حتى وضعها بمنتصف شعرهما، هاتفًا: 
_لو كانوا كبار شوية كنت أخدتهم معايا. 

استدار صوب "فاطمة" يخبرها: 
_فاطيما خلي المساعدة ترجعلي فيروزة تاني، ولو مش هتعبك تاني، تكلمي حد من الخدم يبلغوا "علي" السواق يروح يجبلي "مراد" من "شمس". 

وأضاف وهو يجذب الألعاب ويرنو للطفلتين بحماس: 
_أنا هكسب فيكم ثواب وهقعد بالاولاد، لما تخططوا لحفلات الشنط بتاعتكم. 

كبتت ضحكاتها بنجاح، وقالت: 
_عنيا حاضر. 

غادرت لتنفذ ما يمليه عليها بينما مضى هو يلاعب الصغيرتين، وصوت ضحكهما كان يزيد سعادته، فمال يدغدغهما، وهو يهتف بخبث: 
_الصوت القمر ده هيجذب بغبغاء بابا علي، هيخليه يسيبه ويجيلنا جري. 

وقد صدق ما قال، فاذا بابنه يأتي مهرولًا زحفًا من باب المكتب المطل للحديقة، ينزع البيبرون من فمه، ويهتف بتلعثمٍ: 
_أبا... بي... 

ضحك وهو يوليه ظهره، بينما يتابع لعبه رفقة التؤامان، حتى وجد من يستند على ظهره حتى دعم وقفته، رغم قامته الصغيرة، ومال يقابل وجهه ويضع كفه الصغير على وجه "عُمران"، الذي منحه نظرة حازمة، وقال: 
_أنا لسه زعلان منك ومش هصفى بسهولة، فبلاش شكل السهوكة اللي علمهالك علي ده، مش بيأكل معايا. 

زم شفتيه، وتمتم بجمل غير مفهومة للاخير، فأصر "عُمران" على، حديثه قائلًا: 
_وبعدين أنا مش مخصص ليك وقت للعب، وقولتلك مينفعش تلعب معايا طول ما أنا بلعب مع الهوانم القمرات دول. 

جلس الصغير أرضًا يقلب حاجبيه، ليصبح نسخة لا تتجزأ عن الطاووس الوقح، فأشار له مدعيًا قلة حيلته: 
_أنت راجل وهما بنات كوتي، هتلعب معاهم ازاي!!! 

وأضاف وهو يسيطر على نفسه بصعوبة: 
_وبعدين بحاول أقنعك ان فيروزة عمتك ولا تصلح ليك، نازل فيها بوس لما هتودينا في داهية!!  

ومال على النجيلة، يزحف حتى تمدد جواره يخبره ضاحكًا: 
_متركزش مع اللي لا تجوز ليك، وركز مع الكوتي القمرات دول، نقيلك واحدة منهم، لانك كده كده هتتجوز واحدة فيهم. 

وأضاف متفاخرًا باختياره: 
_أوعى تفكر إنك هيكون ليك خيار تنقي من برة قصر الغرباوي، وبره عن بنات علي الغرباوي نفسه، إنسى يا حبيبي، وبردو عشان متتعبش لازم تعرف أن نهاية أي تحدي مع أبوك أخره حيطة سد. 

رفع الصغير رماديتاه الساحرة إليه، وكأنه يحاول فهم ما يقول أبيه، فقهقه ضاحكًا وقال: 
_متعملش نفسك مش فاهمني، كده هشك أنك مش ابني. 

عاد الصغير يتطلع أرضًا ويدلي بشفتيه، فمال "عمران" يتلقفه ويقبله ضاحكًا، بل ويهتف في حيرة: 
_يا عُمري أنا أوعى تزعل مني أبدًا، ده أنا بوق في الفاضي أقسم بالله. 

ونهض يستند بذراعيه ليضع ابنه على ركبتيه، ليستكمل حديثه: 
_أنا ميهونش عليا زعلك، ولو على اللاب والموبايل ففداك ألف لاب يا حبيبي، بس ده ميسبلكش الباب  مفتوح لتكرار هذا الفعل، متفقين يا علي باشا؟ 

عاد الصغير يضحك مجددًا، وقد وضعه "عُمران" بالبقعة المخصصة للصغرتين، فما أن وُضع بداخلها حتى هرول زاحفًا ليجلس بين التؤامان، فهتف "عُمران" ساخرًا: 
_مش محتاج نصايح يا حبيب قلب بابي، عارف هدفك ومركز عليه! 
                          ******
ينتقل القصر بمواسم آخرى، كبر فيها الأطفال عامين اضافين، وقد اشتد الرباط القوي، بين "علي" الصغير والكبير المثقف، حتى "عُمران" بالرغم من أنه كان يعشق الصغيرات، الا أنه لم يرفع يده عن تربية صغيره مثلما لم يرفع "علي" يده عن الفتيات، ولكنه يفشل فشلا ذريعًا بحجر بعض الامور التي يضعها عُمران خطًا أحمرًا لا يخص سوى الصغيرات، والتي يعاني منها "أحمد" بالاخص، الذي كان يسرق بين الفترة والاخرى القبل المسروقة لحفيداته التؤامتان، في حين أن "عُمران" كان يتفاخر بكرمه، وتواضعه بتركه يقبل ابنه كلما شاء!!! 

ومن بين تواطئ العلاقات، وبكل دبلوماسية يلجئ للمساعدة ليجد حلًا لتلك المعضلة التي يمر بها، 
فانحنى يحمل صغيره بين ذراعيه، ثم وضعه قبالته على السراحة، يطالعه بنظرة ماكرة، حتى توصل إلى ما سيفعله، فمال تجاهه يخبره ببسمة خبيثة: 
_علي، حبيب قلب بابي السكر، أنا محتاج مساعدة منك يا بطل، هتقدر تساعدني ولا هتطلع خرع من أولها؟ 

راقبه الصغير بتركيزٍ تام، وكأنه يخبره سرًا حربيًا، يصعب عليه فهمه، فاذا ب"عُمران" يتجه للخزانة، ويعود حاملًا بذلة صغيرة تحمل نفس لون بذلته، ساعد الصغير على النهوض، وبدأ بتبديل ملابسه وهو يخبره بإيجازٍ: 
_مامي مش طايقاني، وعايزة تسيب البيت، لمجرد أني بحاول أقنعها تجبلك أخت صغنونة عسل، فللأسف هي رافضة تمامًا، بس أنا وإنت هنحاول نخليها تغير قرارها، اتفقنا ولا هتخلع؟ 

ضحك الصغير ومال يختطف البرفيوم الخاص بأبيه، يلهو به، فاذا ب"عُمران" يخطفه منه وهو يحذره بغضب: 
_لا، قولتلك ألف مرة حاجتي لأ يا علي، سامع! 

ضم الصغير شفتيه بحزنٍ، ومال على يديه يزحف لنهاية طرف السراحة بضيقٍ، جعل الاخير يزفر بضيقٍ من ذلك الذي يتخذ كل أغراضه الشخصية مباحة له، فتح إحدى الادراج وجذب منها زجاجة كانت على وشك أن تنتهي، وقد قبل التضحية بها. 

إتجه إليه يمنحه إياها، قائلًا بسخط: 
_أنا مش فاهم إنت مش مركز في ألعابك ليه، كل تركيزك على أشياء أكبر من سنك! 

ضحك الصغير بسعادة فطلت أسنانه العلوية التي لم تكتمل بشكلٍ أضحك "عُمران"، ومال يقبل وجنتيه بحنانٍ، بينما يعود ليعاونه بالانتهاء من ارتداء البذلة الأنيقة، وفور أنا انتهى سحب الزجاجة منه وقال: 
_تمام بقيت بتاعتك، ممكن تركز معايا بقى. 

ومنحه إحدى الزهور قائلًا: 
_هنأخد الورد ده لمامي، أنت هتديها وردة وبوسة جميلة عشان تحن عليا وتقبل تتناقش معايا، تمام؟ 

سلطت رمادية الصغير على باقة الزهور الموضوعه بعشوائية، ثم عاد يتطلع على تلك الزهرة التي يحملها أبيه بعدم رضا، فتركها وحمل بعضًا من الزهور المنفردة، زفر "عُمران" بغيظٍ: 
_آه منك أنت!!  أووف. 

ثم حاول أن يجذب الزهور من يده في محاولة اقناعه بحمل الزهرة المنفردة ولكنه أبى، فلم يريد أن يضغط عليه فيبكيه، ووضعه أرضًا يتمسك بيده، متبعًا خطواته المتعثرة حتى وصلوا للمصعد، صعدوا معًا وهبطوا للأسفل حيث تجلس "مايا"بالحديقة، منشغلة بحاسوبها الشخصي. 

انحنى عُمران إليه وقال: 
_مامي أهي، يلا إعمل زي ما قولتلك، وأنا هاجي وراك. 

تركه الصغير وخرج يتجه صوب والدته، التي ما أن رأته حتى تهللت آساريرها، فحملته وهي تقبل وجهه قائلة برقة:
_روح قلبي نازل ومتشيك كده ورايح على فين؟ 

ضحك الصغير وحمل لها وردة من بين الزهور التي يحملها، ثم مال يطبع قبلة على وجنتها، فانكمشت تعابيرها غضبًا بعدما رأت من يختبئ بالخلف ويغمز لها بابتسامة واسعة، فتركت الصغير الذي مازال يحمل بعض الزهور على الطاولة، واتجهت حيثما يقف الطاووس، الذي تظاهر بأنه يتأمل الحديقة مطلقًا صفيرًا مستمتعًا. 

ربعت يديها أمام صدرها ووقفت تراقبه بغضب، فاذا به يستدير لها قائلًا:
_خلاص بقى يا مايا، متكبريش الحوار، أنا بقالي ساعة بدرب الولد على الحركة اللي تجاهلتيها دي، قلبك بقى قاسي أوي يا بيبي! 

صرخت بوجهه بعنفوان: 
_أنا اللي قلبي قسي!!  اللي فيك هتجيبه فيا ولا أيه؟!!  

دنا منها بنظراتٍ تحذيرية: 
_صوتك عالي وده هيلغي أي نقاش سلمي بينا؟ 

استدارت تتجاهل حديثه، فاذا بها تبحث عن صغيرها في الطاولة  التي تركته على أحد مقاعدها، فتمتمت بدهشةٍ: 
_علي فين؟!!! 

انتبه "عُمران" لحديثها، ومال برقبته تجاه الطاولة والحديقة، فأسرع كلاهما إليها، يفتشان عنه بالحديقة، حتى وقف "عُمران" بمدخل القصر يشير لزوجته بأن تأتي لمحله. 

ركضت تجاهه، تراقب ملامحه الغاضبة باستغراب، فاذا بها تفتح فاهها ببلاهة، حينما وجدته ينحني تجاه فراش "ڤيروزة"  ابنة "فريدة"، ويحيطها بالزهور المتبقية معه، ثم يميل وهو يطبع قبلات على وجهها، وضحكاته تتعالى بشكلٍ مضحك. 

تمتم "عُمران" من بين اصطكاك أسنانه: 
_أقنعه إزاي أن دي عمته!! 

انفجرت "مايا" ضاحكة وقالت بقلة حيلة: 
_لما يكبر هيفهم أكيد.

وتساءلت باستغراب، حينما وجدته يحمل زهرتين ويركض صوب غرفة الصالون: 
_هو رايح فين؟؟ 

تخطاها "عُمران" ولحق به، فتصنم حينما وجده يقدم الزهرة ل"فريدة"، ويطبع قبلة على وجنتها، ومن ثم انتقل ل"شمس" التي تجاورها وكرر فعلته، فهتف ساخرًا: 
_هو ده اللي هو فالح فيه!!

أتاه صوت "علي" الضاحك من خلفه: 
_مش تعليمك ده ولا هتتبرى من اللي زرعته فيه يا أوقح خلق الله! 

زم شفتيه بنفور وقال: 
_عملت أيه أنا، مش أحسن ما يطلع معقد وبتاع كتب زيك يا علي! 

ارتشف من كوب قهوته التي يحملها بين يده، مرددًا بسخرية: 
_خلاص متشتكيش يا حبيبي. 

ترك "عُمران" محل زوجته، واتجه يسحب الكوب من أخيه، يرتشفه جرعة واحدة، ومنحه اياه بابتسامة خبيثة وهو ينادي صغيره: 
_علـــــي! 

انتبه الصغير لابيه، فخطا إليه  حتى وصل لأبيه، حمله "عُمران"، وأخرج الزهرة التي احتفظ بها لزوجته، وقدمها إليه قائلًا بمكرٍ: 
_عملت الواجب مع هوانم عيلة الغرباوي كلهم، ونسيت عروستك كده أنكل علي هيزعل منك يا حبيبي، بينا نطلع لفاطيما عشان نشوف كوكي ولين، وتدي واحده لاختك وواحدة لعروستك . 

وعدل من جاكيت الصغير، قائلًا، وعينيه لا تفارق أخيه: 
_لو زعلت كوكي أو لين منك هقيم الحد عليك، إتعامل بمنتهى الجنتلة والشياكة، مش عايز شكاوي منك، فاهم! 

سقطت "مايا" بنوبة من الضحك، بينما انتزع "علي"، الصغير من يد أخيه: 
_سيب الولد أنا مش عايزه يطلع وقح زيك، أنا قولتلك هربيه بنفسي عشان أضمن يتعامل مع البنات باحترام. 

قالها، وسحب من الصغير الزهرة التي بيده، فابتسم "علي" ومال يطبع قبلة على وجنتي عمه الذي اتسعت عينيه في صدمة من أخيه الذي ربط بعقل الصغير أن من يمنحه زهرة يمنحه قبلة بعدها!! 

لف "عُمران" يده حول كتف أخيه المندهش من فعلة الصغير، ومال يهمس له: 
_مش هتنجح يا علي، دي جينات يا حبيبي، أنت مش ساحر يعني عشان تغيرها!! 

وأضاف ضاحكًا: 
_أنا بقول نختارله عروسة من الاتنين، ونضربلهم ورقة عرفي، ولا نسفر الولد ده مدرسة داخلية من دلوقتي أيه رأيك؟! 

دفعه "علي" للخلف وهتف بحنق: 
_إبعد أنت عنه وهو هيتصلح حاله، بس ده مش هيحصل طول ما أنت جنبه يا أوقح خلق الله. 

قالها وغادر بالصغير للاعلى، فاستغل "عُمران" هدوء "مايا"، وحاوط كتفيها، يخبرها بمكر: 
_ما تيجي نكمل كلامنا فوق يا بيبي؟ 

دفعت يده عنها وصعدت الدرج، فراقبها وهتف بمزح: 
_من ساعة ما خسيتي ورجعتي بطل تاني وأنتِ محدش عاد عارف يكلمك، بس على مين أنا نفسي طويل يابنت عثمان! 

وما أن استدار ليغادر، حتى تفاجئ ب"فريدة" تطالعه بحدة، فقال ببسمة واسعة: 
_مساء الفل والجمال والورد المسقي بالندى، حقيقي مهما وجد أبطال بعيلة الغرباوي، مش هيجي بطل في مقومات فريدة هانم الغرباوي! 

تحررت عن صمتها بعصبية بالغة: 
_بطل!!  هقولك أيه، ما أنت مستواك متدني، الحمد لله أن حفيدي بيقضي أغلب وقته مع علي مش معاك. 

وأشارت تحذره: 
_خليك بعيد عنه، سامع، أنت بتبقى كيوت ولين مع البنات، فأوكي معنديش مانع بقربك منهم، مع أني مش بكون راضية عن تصرفاتك مية في المية بس بالنهاية هما بيحبوك. 

ابتسم وهو يخبرها بعنجهية: 
_مفيش حد مبيحبنيش يا فريدة هانم، أنا واثق أنك بتقولي الكلام ده من جوه قلبك اللي واقع في دباديبي، وواثق أنك بتفكري مع نفسك تأدبي بنت أخوكي، بس للاسف هضطر أتدخل وأقف حارس مرمر ليها. 

وشد ذراعها يلفها برقي، قائلًا بمكرٍ: 
_أنا معنديش أمنية غير إنها تكون في رقتك وشياكتك، مين يملك الحظ الكفاية أنه يكون شبيه لفريدة هانم الغرباوي! 

غمرت ضحكاتها القصر، ومازال يحركها بخفة واتزان، حتى تناست كل شيء كانت تحمله بانزعاجٍ له. 

                            ******
صيفًا، خريفًا، شتاءا. 
مرت الفصول بدورتها مجددًا، ليكتسب الاطفال ثلاثة أعوام آخرى، ويزداد تعلقهم الشديد بمن يقطر قلبه من فرط الحنان والمحبة، وبالرغم من أن مشاريعه نُفذت على أعلى مستوى، بما يجعله منشغلًا للغاية، الا أنه كان يخصص وقتًا لابنه وبناته، ويوم الجمعة كان يجتمع ب"مراد" والاطفال. 

يقضوه بلعبة كرة القدم، والسلة، وأكثر من لعبة، وها قد جمعه بهم اليوم، وقد كان أول دروسه لهم ببداية اليوم، هي الصلاة. 

لقد اشترى جلبابًا لابنه ولابن شقيقته، واسدالات صغيرة ل"فيروزة" و"ليان" و"كيان"، وأصر أن يعلم الاولاد بمفردهم والبنات كذلك. 

وحينما انتهى جلس بمنتصفهم، يفصل جلسة الولدين عن الفتيات، وبات يقص لهم عن قصص الانبياء، ويشاكسهم من فترة للاخرى، حتى أن انتهى فقفز الاطفال من فوقه، والاخر يتمدد على الارض ضاحكًا، يحتوي الفتيات الثلاث بين ذراعيه ومن فوق كتفيه يرفع "علي" و"مراد" معًا. 

وبعيدًا ومن خلف الزجاج يراقبه "علي" مبتسمًا، ولجواره "آدهم" الذي ردد بابتسامة جذابة: 
_هرجع وأقولك أني بحس كل مرة أني معرفش عُمران كويس! 

ابتسم "علي" واستدار يطالعه بنظرة ثابتة، وبثقة قال: 
_بس أنا أعرفه، وأعرفه كويس أوي! 

رد عليه يمازحه بقولً كان محقا فيه مئة بالمئة: 
_ومين غيرك هيقدر يفهمه! 

وضحك ومزحته تزداد بقوله: 
_ولا أيه يا بابا علي؟ 

استدار صوب الباب الزجاجي، يسلط رماديتاه التي توهجت بمشهد أخيه الذي تتعالى ضحكاته من قلبه، ومازال يحمل الفتيات بين أحضانه، ويدعم الولدان من فوق ظهره، كأنه ينقل صورته المجسدة بالقادم بعلاقته مع ألاعمدة التي ستحمل العائلة من جديد! 

الختام ربما كان لينغلق إن صُوب سهم زواج "علي" من خطيبته السابقة، وحينما لم يتخلى "خطيب" فطيمة السابق عنها، وإن نجح "عُمران" باستمالة الأفعى "ألكس" للزواج منه، وأن أصاب "مايسان" اليأس من أن تستعيد حب طفولتها، وكان سينتهي إن لم يُكشف أمر "راكان"، وبدأت قصة حضرة الضابط و"شمس"هانم  لم تكن تلك القصص ستُكتب وتدون يومًا. 

ربما حزن الجميع بخسارتهم الأولى، وانخرطت قلوبهم جميعًا بموجة من الالم، وقد ظنوا أن ما يمرون به هو السيء، ولكن وعسى أن تكرهوا شيئًا وفيه خيرًا كثيرًا لكم، ولقد من الله عز وجل عليهم جميعًا. 

خاضوا ما خضوه من عقبات، لم تكن قصتهم بالمثالية مئة بالمئة، ولكنها بالنهاية اكتملت أركانها.

وحينما تتحدث عن شهامة رجال سيتذكرهم عالم رواياتي، ثق أنك لن تنسى #البابا الذي كان ونعم الأب، ومؤكدا أنك لن تستطيع أن تنسى #الطاووس_الوقح، وجديرًا بالذكر #حضرة_الضابط، مرورًا بـ #عبد_الحليم الصديق الذي يصعب نسيانه،  و من يتقاسم مع البابا بهدوئه #دكتور_الحالات_المتعسرة، وأن ذكر فجدير بالذكر أخيه #سيڤو، وإن صفن العقل، سيتعلق بـ #ابن_الشيخ_مهران،  ولا تنسى ان تذكر ذلك الذي ألقى بغياهب الجُب #يُونس،  وصديقه المسيحي #كابتن_إيثوو... وإن ظهر #موسى و #صابر ضيوف شرف، حتمًا انك لن تناساهم أبدًا. 

والذكر الخاص والدائم لبطلات حاربن بكل عزيمة، حتى كنا ونعم المتممات لكل أقصوصة ❤

                        تمت
تعليقات



<>