رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض الفصل السادس والثلاثون36والاخير بقلم صفاء حسني

رواية عشقت بودي جارد الفستان الابيض الفصل السادس والثلاثون36والاخير بقلم صفاء حسني

(نامق دخل فى الحديث ، وكلامه وقع تقيل في المكان؛ عينيه شايلين ندم السنين، وصوته واطي كأنه بيحاول يخفف حمل ذنب كبير. كان باين عليه إنه مكسور، وإن اللي جواه أكبر من إنه يتوصف بالكلام.)
فعلا عملت كده، بس من ورا أخويا. ولما عرف حصل ما بينا زعل كبير، وكان عايز يسلّم نفسه بدل عذاب الضمير.

(رحمة نفخت بضيق، ووشها احمر من الغيظ، كانت زي اللي جواها بركان وبيغلي. كل كلمة منها طالعة بوجع، كأنها بتفضح جرح ما لسه ما التئمش.) :
يا ريته يا باشا كان سلّم نفسه! مش كان أسهل ما يفرض على ابنه يتجوز من بنت اللي قتله، ويعمل المستحيل عشان يفرضني عليه؟ كان وقتها عرف إنه بريء، وريح نفسه من الخطط والمحاولات عشان نكون جزء من حياتكم.

(رحمة كملت كلامها بنظرة حادة، كأنها بتوعد. كانت واقفة قدامهم زي الأسد، مش هتستسلم ولا هتسمح لحد يشتريها بفلوس ولا نفوذ. وطاهر واقف جنبها، قلبه بيتقطع وهو سامعها، بس عارف إن الاعترافات دي مش هتشفي كل حاجة.) اكملت رحمة 
كده أنتم ما لكموش ديون، وولدك بريء، وفلوس العملية بتاعة أمي هسدّها بإذن الله.

(تنهدت رحمة   باقتراح عملي، بس صوتها  كان فيه رعشة. 
عند طاهر كان ساكت وهو عارف ان  رحلة الرجوع للقاهرة بالنسبة له زي البوابة اللي هترجع حياتهم زي الأول، بس عارف إن اللي حصل أكبر من مجرد سفر ورجوع.)
اكملت رحمة 
ممكن نرجع القاهرة، عرفت حجتك  بوجودنا هنا خلاص ، وماما ممكن تعملها في القاهرة.

(طاهر لعن نفسه ألف مرة، كان فاكر إن الصراحة هتبني بينهم حاجة، بس اكتشف إنه دمر كل حاجة. كان بيفكر إزاي يعترف لكن الدنيا باظت ، وإزاي رحمة ممكن تكون فاكرة إن حبه ده مجرد عطف مش حب حقيقي.) لعن نفسه طاهر إن الفرحة خلته يكشف كل حاجة، بس هو فعلاً حبها والليل اللي عاشه معاها كان حب مش عطف زي ما هي متخيلة.

(الأم كانت واقفة ساكتة، عينيها فيها كل الوجع اللي في الدنيا. كانت حاسة بكل حاجة، بس مش قادرة تتكلم. ساعات الصمت بيكون أبلغ من أي كلام.) كل ده والأم مش اتكلمت.

(رحمة كانت مصممة على السفر، مش هتغير رأيها. كانت واثقة في قرارها، ومش هتسمح لحد يتدخل فيه. الرجوع للقاهرة هو بداية جديدة، وهتعيش حياتها زي ما هي عاوزة.) فعلاً رحمة كانت مصممة على السفر، وفعلاً رجعوا.

(البيت اتقلب فرح، والكل مبسوط برجوع نامق، اللي كان ماشي على رجله. الناس كانت بتهتف وبتبارك له، كأنه بطل رجع من الحرب.
لكن  رحمة كانت بتبص عليهم من بعيد، قلبها مش قادر يفرح زيهم.) على بيت طاهر الكل فرح برجوع نامق وهو ماشي على رجله.

(أم رحمة رجعت تشوف، وحنين جريت عليها وفرحت بيها. الكل كان مبسوط، بس رحمة كانت حاسة إن كل ده مجرد حب مزيف، وإنها لازم ترجع لحياتها الحقيقية.) ورجعت أم رحمة تشوف من تاني، وجريت حنين على أمها وهي سعيدة. الكل كان فرحان ما عدا رحمة، اللي نفسها كل الحب المزيف ده يخلص عشان ترجع لحياتها.

(مرت شهور، ورحمة كانت قاعدة في الاستراحة، رافضة تكون مع طاهر. كانت بتحاول تبعد عنه بكل الطرق، مش قادرة تنسى اللي حصل.) مرت شهور وهي في الاستراحة، رافضة تكون مع طاهر.

(فريدة حاولت تقنعها تسامحه، وقالت لها إنه بيحبها بجد، وإنها بتخرب على نفسها. كانت بتحاول تصلح اللي اتكسر، بس رحمة كانت رافضة تسمع.) حاولت معها أمه تسمحه: يا بنتي هو بيحبك بجد، ليه عاوزة تخربي على نفسك؟
.

حنين خلصت امتحانات آخر سنة قبل رمضان بيوم، والكل كان متجمعين على السحور، وبيستعدوا لصيام أول يوم من رمضان. كانت العيلة كلها متجمعة، بس المرة دي في حب بعيد عن الحقد والطمع. الكل كان بياكل من مال الحلال، والكل مع بعض إيد واحدة، زي ما كان محمد نفسه، وفريدة كانت على أول الترابيزة، وهي متخيلة محمد وهو بيبتسم، وإن شمل أسرته اتجمع.

انتهت حنين من الامتحانات آخر سنة قبل رمضان بيوم. والكل كانوا متجمعين على السحور وبيستعدوا لصيام أول يوم من رمضان. كان ياسر وابنه جنبهم ويمنى وبطنها بدأت تظهر وسليم ومراته وابنهم وأروى وحازم ابنه اللي عيونه على حنين ومصطفى جوزها، وقلب والأطفال أولاد عمتهم. العيلة كلها متجمعة، بس المرة دي في حب بعيد عن حقد أو طلب ورث أو مال. الكل بياكل من المال الحلال، والكل مع بعض إيد واحدة زي ما كان محمد نفسه. وفريدة كانت على أول الطاولة وهي متخيلة محمد وهو بيبتسم، وإن شمل أسرته اتجمع.

الكل بدأ يستعد لقراءة دعاء الصيام، وينوّي للصيام.
كانت لحظة هدوء وسكينة قبل الفجر، الكل بيدعي ربنا إنه يتقبل منهم صيامهم.

اتسحروا والكل رجع أماكنهم. تاني يوم الجنينة كانت مزدحمة مليانة ناس كتير. رحمة ونوال استغربوا، ولما سألوا عرفوا من فريدة إن من عادة محمد إنه لازم من أول يوم رمضان لآخر يوم يفطر ٣٠ شخص في ٣٠ يوم، وإن دي أول سنة من غيره، بس العادة مش هتنقطع بإذن الله.

رحمة طلبت من حنين ونوال يساعدوهم، وفعلاً فرشوا مع العمال الترابيزات والكراسي، وتابعوا مع الطباخين، وجهزوا الفيول اللي هيحطوا فيه الأكل. كانت الحركة والعمل تعبير عن الشفاء وعن قدرتهم على تجاوز اللي حصل.

فريدة دخلت على نوال وهمست لها بكلمات صادقة، وقالت لها إنها عارفة إنها غيرت أحداث القصة عشان يكون في أمل إن رحمة وطاهر يكونوا مع بعض. كانت بتحاول تصلح اللي اتكسر، وتدي فرصة جديدة للحب.

تنهدت نوال بتعب، صوتها فيه حسرة السنين وغدر الأيام. لما عرفت من حنين إنهم كويسين 
"شوفتك جنبها وإنتِ مترددة تردي وخايفة إني أفتكرك." الكلمتين دول زنّوا في دماغها زي الدبان، فكّروها بلحظات كانت فاكرة إنها عدّت، لكن لسه سايبة علامة. وقتها، شريط ذكريات قديم اشتغل قدام عينيها، صور باهتة لأيام زمان، جواها حب ضايع وأسرار مستخبية... لما جيتي تطلبي مني أتجوز جوزك، ما كنتش فاهمة ليه! ما كانتش قادرة تستوعب ليه عملتي كده، بس دلوقتي، وبعد كل السنين دي، بدأت تفهم حاجات ما كانتش واخده بالها منها.

وقتها جريت وراكي وأنا نازلة، اتكعبلت على السلم ودماغي اتفتحت. إنتِ اللي ودتيني المستشفى، وجوزك عرف وقتها. سمعته وهو بيزعقلك: "إنتِ عارفة لو حصل لها حاجة أنا مش هسامح نفسي! مش كفاية جوزها مات بسببي! أنا كنت بعمل المستحيل عشان يعيشوا متهنيين، واتفقت مع مصنع يشغلها ويخليها تعمل شغل كل الفنادق. أنا أه ضميري مأنبني ونفسي أروح أسلّم نفسي وأتسجن، بس برضه خايف على ولادي."

كان كلامه واجع قوي، فيه ندم وتضحية، حسّت نوال بوجع في قلبها، يا ترى كل العذاب ده كان عشان بيحب وبيضحّي؟

"إيه اللي وداكي هناك؟ يا رب تقوم لبنتها بالسلامة."
وقتها أنا كان ممكن أبلغ عنكم، بس قلت: "إيه الفايدة؟ جوزي مات وخلاص، وهو ضميره مأنبه، وبيعمل خير." وعرفت إنه جدع وكويس، كان بيأكل عمال المصنع وبيبعت أكل لعيالهم.

ولما عملت العملية وبدأت أشوف، سمعت طاهر وهو خايف وبيقول لنامق إنه بيحب رحمة ونفسه يكمل حياته معاها، بس خايف نرجع قبل ما يتأكد إنها بتحبه. وقتها سبت لهم الجو، هما ما لهمش ذنب، بس بنتي رافضة تكمل، وأنا لو مكانها برضه مش هوافق.
طلبت منها فريدة تحاول معها 

رحمة اتنهدت بوجع، وردت على نوال  بسؤال فيه كل المرارة اللي في قلبها. كانت مستغربة إزاي نوال  اللي طول عمرها تربيهم  على الكرامة وعزة النفس، دلوقتي بتقول لها كلام زي ده.)
تنهدت رحمة: إنتِ اللي بتقولي كده يا أمي؟ إنتِ اللي ربيتينا على الكرامة وعزة النفس! إيه اللي حصل علشان تغيري مبادئك كده؟ في الأول جوزي منه، ودلوقتي عادي بالنسبة لكِ؟ لما عرفت إن كان ممكن يكون أبوه السبب في موت بابا، ومش بريء على فكرة، كنتم ممكن تموتوا أنتم الاتنين وقتها.

(الأم ربطت على كتف رحمة، وحاولت تهديها. قالت لها إن ربنا أراد إن محمد يكون سبب في إنه يبقى أب بديل ليكم ، وإن ربنا مش بينسى حد. كانت بتحاول تخفف عنها، بس الوجع كان أكبر من أي كلام.) ربطت على كتفها: ما حصلش، والحمد لله، ربنا أراد عشان يكون سبب إنه يبقى أب بديل ليكم. يا حبيبتي ربنا مش بيسيب حد، وبيسبب الأسباب، وما تنسيش إن عمك محمد كان دايماً عينه علينا، والمكينة اللي رفض المصنع ياخد حقها وقال ده هدية مقابل أول دفعة تكون ببلاش ليهم، وشغل للمطاعم والفنادق بتاعتهم، وأنا مش عارفة كان باب رزق لينا فترة كبيرة.

(الأم كملت كلامها، وقالت لرحمة إن عمها محمد كان دايماً بيساعدهم، وكان بيحبهم زي أولاده. كانت بتحاول تخليها تفتكر الحلو، وتعرف إن ربنا بيبعت الخير من كل مكان.) كان باب رزق ليكِ بعد ربنا، وكان بيسعى إنك تكوني قدام عيونه إنتِ ورحمة، واعتبركم ولاد زي قلب بنته.

(الأم قالت لرحمة إنها مسامح محمد ولازم هى كمان تسامح طاهر ، لأنه فعلاً كان المنقذ ليهم في كل موقف، وإنه لولا متابعته هو وأخوه كانت ممكن تخسرها. كانت بتحاول تخليها تفتكر الحلو:
يا حبيبتي ربنا بيقطع من هنا ويوصل من هنا
عشان هو عنده ضمير، وكمان خايف على أسرته لتقع من غيره لو كان  بلغ عن نفسه واتسجن كانت اتشتت العيلة.) وأنا مسامحه عشان هو فعلاً كان المنقذ في كل موقف، والاعتداء عليكِ، لو ما كانش هو متابع هو وأخوه كنت ممكن أخسرك. افتكري الحلو يا بنتي، واتعلمي إن ربنا هو إلا أرد كل ده. 

(رحمة بصت لأمها بوجع، وقالت لها :. 
إنا مشكلتى  مش مع عمى  محمد، اللي يرحمه، 
انا مشكلتى مع اللي استغل معرفته وما قالش لي  وفكر في نفسه وبس
وما قالش ليا، فكر في نفسه وبس وافتكر لو قرب مني وبعد كده أعرف هقفل بوقي.

رحمة أنهت كلامها بحكمة، وقالت بحزم وصوت بيرتعش من الغضب والخذلان:
– أي حاجة اتبنت على باطل، يبقى مصيرها الفشل.. وكل اللي اتبنى على باطل فهو باطل.

سكتت لحظة وهي بتشيح بوجهها بعيد عنه، والدموع محبوسة في عينيها.
كان طاهر متجه عندها وسمع كلامها مع امها 

طاهر حس إن الكلام زي السكينة في قلبه.
اتنفس ببطء واقترب منها، صوته كان مليان رجاء:
– رحمة.. أنا غلطت، واعترفت بغلطتي.. بس صدقيني والله ما كان قصدي أخدعك. كل اللي عملته إني خوفت أخسرك، خوفت تضيع مني قبل ما حتى تكوني ليا.

رحمة (بمرارة وهي تبصله):
– خسرتني فعلاً يا طاهر.. الخيانة مش بس خيانة جسد، الكذب خيانة، الخداع خيانة.. وإنت جمعتهم كلهم في مرة واحدة.

طاهر مد إيده عشان يمسك إيدها، لكن هي سحبتها بسرعة.
قرب أكتر منها وقال بصوت مكسور:
– طب سامحيني.. سامحيني عشان أقدر أسامح نفسي.
أنا بحاول أعيش معاكي بصدق دلوقتي، بلاش الماضي يفضل بينا زي حيطة كبيرة تمنعنا نكمل.

رحمة (بدمعة نزلت رغماً عنها):
– الماضي مش حيطة يا طاهر.. الماضي جرح.. وكل مرة بشوفك بحس إني بنزف من تاني.

طاهر (بإصرار ودموعه بتلمع):
– وأنا مستعد أنزف معاكِ لحد ما الجرح يلتئم.. بس أوعى تسيبيني، أوعى تخليني أعيش من غيرك.

سكتت رحمة، قلبها بيتنازع بين الغضب اللي مسيطر عليها، وبين ضعفه وصدق دموعه اللي لأول مرة حست إنها طالعة من قلبه.

ابتسمت رحمة بصعوبة وكتمت تنهيدة طويلة قبل ما تتكلم، لكن طاهر ما استنى كثير. رفع رأسه ونظر لها بعينين فيها ندم وحب مبالغ فيهما مع بعض.

ـ

بعد أيام طويلة من القلق، خرج الدكتور بابتسامة واسعة:
ـ "الحمد لله.. العملية نجحت."

ساعتها الكل فرح، دموع ارتياح نزلت من عين رحمة وهي بتشوف أمها طالعة من غرفة العمليات على سريرها، لسه تعبانة بس ملامحها فيها سلام. اتنقلت الأم بعدها على البيت عشان تفضل في وسط أهلها، وكانت فريده واقفة سند قوي ليها.

لكن جوا رحمة، كان في عاصفة متلخبطة.. مشاعر متناقضة بين فرحتها بنجاة أمها وكسرة قلبها من طاهر. بالليل، قعدت على مكتب صغير في أوضة أمها القديمة، وشدت ورقة وقلم، وبدأت تكتب:

*"ماما الحبيبة..
عارفة إنك دلوقتي بخير وإن ربنا رجعلك صحتك، وده اللي كان مخليني مستنية اللحظة دي عشان أطمن عليك. بس يا ماما، أنا مش قادرة أكمّل هنا، مش قادرة أنسى ولا أسامح. طاهر قرب مني وضحك عليا باسم الحب، وهو عارف إن لو عرفت السر ده هنسحب من حياته، ومع ذلك خبّى وكذب. أنا حاسة إني مش عايزة أعيش في الوهم ولا أضحك على نفسي.

ماما.. سامحيني على قراري. أنا مسافرة بعيد، محتاجة وقت أرتب قلبي وعقلي. مش قادرة أبص في وشه دلوقتي. كل اللي يهمني إنك بخير، وإن طنط فريده والعيلة حواليكي، فأنا مطمنة عليكي.
ادعيلي ألاقي نفسي وأعرف أعيش من غير وجع.
بنتك اللي بتحبك.. رحمة."*

قفلت الجواب وحطته على الكومود، وقبلت إيد أمها وهي نايمة. دموعها نزلت بهدوء وهي بتهمس:
ـ "سامحيني يا أمي."

وبخطوات هادية خرجت من البيت، شايلة شنطة صغيرة، ماشية ناحية طريق جديد، بعيد عن كل حاجة وجع قلبها.
                      تمت
لقراءة باقي الفصول اضغط هنا
تعليقات



<>