رواية قلب في الهوا الفصل الثالث3بقلم اميرة جابر
مع حلول صباح جديد، بدا العالم مختلفًا قليلاً بالنسبة لسلمى وعادل. كان في قلبيهما وهجٌ جديد، شعورٌ غامضٌ يجمع بين الحماس والخوف، كأنهما على أعتاب مغامرة لم يعرفاها من قبل.
في المكتب، جلسا معًا في اجتماع طويل مع الفريق، وتبادلا النظرات البسيطة التي لم تكن بحاجة إلى كلمات.
لكن مع مرور الوقت، بدأت تعود بعض العادات القديمة، خاصة عند عادل، الذي كان يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره، ويميل إلى الانعزال خلف شاشات الحاسوب.
في أحد الأيام، وبينما كانا ينهيان التحضيرات لعرض المشروع على المدير التنفيذي، دخلت سلمى الغرفة وقد وجدت عادل جالسًا وحيدًا، يحدق في شاشة اللابتوب بلا حركة.
اقتربت منه بلطف، وضعت يدها على كتفه وقالت بصوت مهدئ:
"إيه يا عادل، في إيه؟ شكلك متوتر اليوم."
نظر إليها بعينيه الهادئتين، وقال:
"مش عارف، يمكن الضغط زايد، أو يمكن مش عارف أواجه كل ده مع الناس."
ابتسمت له وقالت:
"مش لازم تواجه لوحدك، إحنا فريق، وأنا هنا معاك."
تلك الكلمات لم تكن مجرد عبارات عابرة، بل كانت درعًا يحميه من الوحدة، يدًا تمد له الأمل في اللحظات الصعبة.
مرت الأيام، وبدأ عادل يتغير تدريجيًا، يشارك أكثر، يضحك أكثر، بل ويبدأ في التعبير عن مشاعره بطريقة لم تعتد عليها سلمى من قبله.
أما سلمى، فكانت تكتشف في نفسها جانبًا جديدًا من القوة، جانبًا ينبع من دعمها له وثقتها في نجاح علاقتهما، رغم كل التحديات.
وفي ليلة هادئة، بينما كانا يستريحان في أحد المقاهي الصغيرة بعد يوم عمل طويل، قررت سلمى أن تتحدث عن شيء يراودها منذ فترة.
قالت:
"عادل، أنا بحس إن إحنا مش بس زملاء أو حتى أصدقاء... بحس إن في حاجة أكبر كده بينا."
نظر إليها وهو يشعر بقلبه ينبض بقوة، وقال:
"أنا كمان، بس كنت خايف أعترف... خايف أضيع صداقتنا."
ابتسمت له وقالت:
"يمكن يكون ده أجمل شيء نملكه، علاقة تبدأ من الصداقة وتنمو."
ومع تلك الكلمات، ارتسمت ابتسامة على وجه عادل، وشعر أن قلبه أصبح أخف، وأملهم في الغد صار أكبر.
لكن، كما هي الحياة، لم يكن الطريق ممهدًا دائمًا، فقد جاء يوم حمل معه اختبارًا جديدًا، عندما ظهرت فرصة عمل لمشروع آخر يتطلب من عادل السفر خارج المدينة لفترة طويلة.
كانت هذه الأخبار بمثابة صدمة، ألهبت مشاعرهما، وأجبرتهما على مواجهة حقيقة مشاعرهم بطريقة أكثر جدية.
في ذلك المساء، جلسا في حديقة الشركة، تحت سماء مزينة بالنجوم، حيث تنفسا معًا الهواء البارد، وتبادلا النظرات التي قالت كل شيء دون كلمات.
قالت سلمى بصوت خافت:
"مش عارفة إزاي هنكون بعيد عن بعض، بس لازم نثق إن اللي بينا أقوى من المسافات."
رد عادل وهو يمسك يدها:
"وأنا معاكِ مهما كانت الظروف، مش هسيبكِ."
كانت تلك اللحظة تعهدًا غير معلن، عهدًا بنقاء المشاعر، بقوة الحب، وبأن القلب، مهما تاه أو ابتعد، يعود دائمًا إلى حيث ينبض حبه الحقيقي... في الهوا.
