رواية بين سطور العشق الفصل السابع عشر17 بقلم سيليا البحيري
في أوضة صغيرة فاضية في الدور الرابع في المستشفى، الصبح كان داخل من ورا الستاير البيضا، بس الجو جوه الأوضة كان مليان توتر.
مهاب واقف متخشب، إيده ورا ضهره وملامحه كلها غضب وصرامة، عينه معلقة بأدهم اللي قاعد على كرسي قدامه وباصص له بتحدي واضح.
زياد وريان واقفين متوترين جنب الشباك، ومازن قاعد على طرف السرير عينه مليانة قلق. يوسف واقف جمب راجل شيك ماسك لابتوب – ده كرم، صاحبه المبرمج.
مهاب (بغضب وهو باصص لأدهم):
– "مش هتطول… شوية وقت ونعرف حقيقتك."
أدهم (بابتسامة باردة متحدية):
– "الحقيقة يا مهاب بتبان دايمًا… حتى لو اتأخرت شوية."
زياد طلع نفس بديق، وريان واقف ساكت بس التوتر باين عليه.
يوسف (بهدوء وهو بيشاور على كرم):
– "كرم فحص الصور كويس، ده صاحبي وأنا واثق فيه. اسمعوا اللي هيقوله."
كرم قعد على الكرسي وحط اللابتوب قدامه، ضغط شوية أزرار وبعدين رفع راسه بثقة:
كرم:
– "الصور اللي وصلت لمهاب… مزيفة. متفبركة بالكامل ببرامج متطورة. الدمج معمول باحتراف، بس يتكشف بسهولة لو اتدقّق فيها."
الكلام وقع زي الصاعقة على مهاب.
وشه تجمّد، وبص لكرم ثواني، وبعدين لف ببطء ناحية أدهم.
أدهم (قام واقف وباصص له بانتصار):
– "سمعت يا مهاب؟ أنا بريء… والأهم إن أختك حلا بريئة كمان."
مهاب خبط بإيده على الترابيزة جامد، وصوته بيرتعش من الغضب:
مهاب:
– "بس… أنا رحت قبل كده لواحد وفحص الصور وقاللي إنها حقيقية!"
كرم (بهدوء):
– "الراجل ده يا جاهل… يا إما واخد رشوة. الصور ما ينفعش حد يغلط في كشفها."
يوسف هز راسه ببطء، ونظرته مليانة عتاب:
يوسف (بلوم):
– "إزاي ما فكرتش لحظة إن حلا مستحيل تعمل كده؟ إزاي ما اديتهاش فرصة تشرح؟ دي أختك يا مهاب… بنتك الصغيرة اللي ربيتها بإيدك."
مهاب ساكت، وشه محمر وأنفاسه سريعة.
زياد رجع لورا وحط إيده على وشه وقال بصوت مخنوق:
– "يا نهار أبيض… وإحنا صدقناك يا مهاب. سبناها لوحدها… ما وقفناش معاها."
ريان بص لتحت ودموعه بتلمع:
– "كنّا عايزين نساعدها… بس خفنا منك. خفنا من غضبك… وخسرنا ثقة أختنا."
مازن قام فجأة فرحان:
مازن (بحماس):
– "أنا كنت متأكد! كنت عارف إن حلا بريئة… الحمد لله الحقيقة ظهرت."
أدهم قرّب من مهاب وقال بنبرة قوية حادة:
– "إنت ظلمت أختك… وكسرت قلبها. استحمل بقى وزر كل دمعة نزلت من عينها بسببك."
الكلام وقع على قلب مهاب زي السكينة، ما عرفش يرد.
رجع لورا، قعد على الكرسي، ومسَك راسه بين إيديه والصدمة مالية وشه.
يوسف بص له طويل وقال بصوت واطي لكنه صارم:
– "يا مهاب… ساعات ما بنخسرش من أعدائنا… بنخسر من قسوتنا على اللي بنحبهم."
سكتت الأوضة فجأة، كأن النفس اتحبس فيها.
أدهم بَص ليوسف بنظرة قصيرة فيها انتصار واطمئنان، وبهمس لنفسه كأنه بيكلم قلبه:
أدهم (بهدوء):
– "حلا… قريب أوي براءتك هتكون قدام الكل."
***********************
في أوضة المستشفى، الجو كان ساكت غير صوت جهاز التنفس الخفيف.
حلا فتحت عينها بشويش، طلعت أنين خفيف من شفايفها، وحركت جسمها على السرير شوية. فجأة حسّت صداع جامد… وفكرت على طول في كل حاجة:
اللكمات، الصراخ، الأبواب المقفولة، ضلمة الأوضة… مهاب الغاضب، دموعها وهي بتستجديه إنه يصدقها.
الصور رجعت تاني في دماغها زي السكاكين، فشهقت، إيدها ارتجّت، والدموع نزلت من غير ما تقدر تمسك نفسها.
حلا (بصوت مرتجف وهي رافعة إيديها على وشها):
– "لا… لا… بالله عليكم… صدقوني… أنا بريئة… ما عملتش حاجة… أقسملكم ما عملتش أي حاجة…"
ندى قامت بسرعة من الكرسي، أمسكت إيد حلا جامد وقالت بعصبية وحنان في نفس الوقت:
ندى:
– "اسكتي يا حبيبتي! مين قال إننا مش مصدقينك؟! إحنا معاك يا حلا… دايمًا معاك."
ضحى قربت وقعدت على طرف السرير، عينها مليانة دموع، مدت إيديها وربّتت على كتف حلا:
ضحى (بحنان):
– "إحنا عارفينك كويس… عارفين قلبك الطيب… مستحيل تعملي اللي اتهموك بيه."
غزل، برقتها المعهودة، قعدت جنب راس حلا ومسحت على شعرها بحنية:
غزل:
– "ولا ثانية خطر على بالنا نشك فيكي… إنتي زي أختنا، وهنفضل معاكي مهما حصل."
ثريا، خالة حلا، ما قدرتش تمسك نفسها أكتر، قربت وفتحت دراعها، وسحبت حلا لحضنها بحنان أمومي دافي.
ثريا (بصوت حنون مرتجف):
– "تعالي في حضني يا بنتي… أنا مصدقاكي من قبل ما تتكلمي. حلا، إنتي غالية علينا كلنا… صدقيني، الحق هينكشف مهما طال."
حلا تشبّثت بثريا زي طفلة صغيرة، دموعها نزلت على كتفها:
حلا (ببكاء مكتوم):
– "بس… مهاب… ما صدقنيش… هو كسرني… وأنا كنت فاكرة إنه أكتر حد في الدنيا هيحميني. وزياد… وريان… كلهم… سيبوني."
ندى أمسكت وش حلا بإيديها الاتنين وأجبرتها تبص فيها:
ندى (بحدة):
– "إنتي ما فقدتيش حد… هما اللي فقدوا نفسهم لما ظلموك. واللي بيحبك فعلاً… هيرجعلك ندمان وواقف تحت رجلك."
ضحى هزّت راسها موافقة:
– "مش لازم تلومي نفسك، الغلط مش غلطك يا حلا… الغلط غلط اللي صدّق الكذب وما صدّقش قلبك."
غزل ضمّت إيد حلا ليدها وقالت برقة:
– "إحنا معاكي… كلنا. لحد ما تقفي على رجلك تاني."
ثريا مسحت دموع حلا وهي مبتسمة رغم الحزن:
– "خليه درس يا بنتي… مش كل اللي بنحبهم بيفضلوا سند. بس اللي بيظلم بيرجع يندم، وده اللي هيحصل. صدقيني، ربنا مش هيسيبك."
حلا شهقت من البكاء، لكن لأول مرة من أيام حسّت شوية دفء، شوية أمان…
رفعت عينيها المبلولة بالدموع وبصّت لهم كلهم، وبهمس بصوت مبحوح:
حلا:
– "شكراً… شكراً إنكم صدقتوني… ما كنتش هعرف أعيش لو حسّيت إنكم كلكم سيبوني."
ندى ضغطت إيدها جامد، وقالت بابتسامة فيها قوة:
– "لو الدنيا كلها ضدك… أنا معاكي. فاهميها صح يا حلا."
ضحى وغزل تبادلوا نظرات مليانة حب، بينما ثريا ضمّتها أكتر كأنها بتحميها من الدنيا كلها
********************
وهي لسه حلا في حضن خالتها ثريا، والدموع ناوية تغطي وشها، اتفتح باب الأوضة بشويش. دخلت نادية بخطوات هادية، ومازن وراها مبتسم ابتسامة خجولة.
كل العيون اتجهت ناحية نادية. حلا بصت بدهشة، معرفتش السيدة الأنيقة اللي وشها طيب كده.
ندى همست لحلا:
– "دي أم أدهم…"
حلا شهقت بشويش، مسحت دموعها بسرعة، وقلبها بدأ يخبط أكتر من قبل.
نادية (بصوت حنون وهي بتقرب):
– "السلام عليكم… يا بنات، ممكن أدخل؟"
ثريا وقفت بابتسامة:
– "طبعًا تفضلي يا حبيبتي… أهلاً وسهلاً."
نادية قربت لحد ما وقفت جنب السرير. بصت لحلا بنظرة طويلة، مزيج من الحنية والدهشة… بعدين قعدت على الكرسي اللي جنبها.
نادية (بابتسامة دافية):
– "إنتي حلا… صح؟"
حلا ترددت، بعدين هزت راسها بخجل:
– "أيوه… أنا حلا."
نادية (وعيونها لمعت):
– "سبحان الله… كنت دايمًا بتمنى يبقى عندي بنت. عندي أدهم ومازن بس… لكن عمري ما حسيت بإحساس الأم مع بنت. يمكن عشان كده حسيت من أول ما شفتك إنك زي بنتي."
حلا فتحت عينها بدهشة، وقلبها رجع يخبط جامد… ما كانتش متخيلة تسمع الكلام ده من واحدة بتقابلها لأول مرة.
حلا (بصوت خافت ومرتبك):
– "شكراً… حضرتك طيبة جدًا."
ندى ابتسمت بمكر وقالت:
– "يا حلا… باين إنك لقيتي أم تانية هنا."
ضحى ضحكت بشويش:
– "مش بس أم… شكلها بتحبك من أول نظرة."
غزل أومأت:
– "سبحان الله، الروح للروح."
نادية مدت إيدها ومسحت دمعة لسه على خد حلا:
نادية (بحنان):
– "ما تعيطيش يا بنتي… اللي ظلمك هيرجع ندمان. أنا مش عارفة القصة كلها… بس واثقة إن الحق معاك. واللي يشوف عينك يعرف إنك نقية."
حلا ما قدرتش تمسك نفسها، اندفعت وحطت راسها على كتف نادية، والدموع نزلت تاني، لكن المرة دي دموع ارتياح:
حلا (بهمس):
– "محتاجة حد يصدقني… محتاجة حد يضمّي كده."
نادية ضمتها جامد، وعينيها مليانة دموع:
– "اعتبري نفسك بنتي… ومن النهارده، أنا أمك."
مازن ابتسم وهو بيتفرج على المشهد، وقال بمزاح كده ليخفف الجو المؤثر:
– "خلاص يا جماعة… من النهارده عندنا أخت جديدة في العيلة. وأدهم… لو عرف إن أمي حبتها قبل ما هو يقول كلمة، هيموت من الغيرة."
الكل ضحك رغم دموعهم، حتى حلا ابتسمت من قلبها لأول مرة من أيام.
ثريا بصت لنادية بامتنان:
– "ربنا يباركلك في قلبك الطيب. حلا محتاجة حب زي ده."
نادية ابتسمت:
– "وربنا جبر بخاطري بيها زي ما جبرت بخاطرها."
الأوضة امتلأت بدفا مختلف… لأول مرة من زمان طويل، حلا حسّت إن في سند جديد في حياتها… أم جديدة، جات في اللحظة اللي كانت حاسة إن الكل سيبها
*******************
الغرفة كانت مليئة بالسكينة بعد حديث نادية مع حلا، والدفء الذي غمر المكان. فجأة، انفتح الباب بقوة… ودخل مهاب أولاً، خلفه زياد و ريان و يوسف، ثم أدهم ومازن. وجوههم كلها متوترة، لكن وجه مهاب كان الأكثر شحوبًا وارتباكًا.
حلا رفعت عينيها، نظرت نحو الباب، قلبها خفق بقوة… الذكريات الأليمة عادت في لحظة.
ندى وقفت فورًا بحذر:
– خير؟ إيه اللي جابكم دلوقتي؟
يوسف ابتسم ابتسامة مطمئنة، اقترب من حلا وقال:
– اطمّني يا حبيبتي… كل حاجة اتكشفت. الصور طلعت مفبركة… مزيفة.
ضحى شهقت بارتياح:
– يعني… حلا بريئة؟!
مازن ضحك بخفة:
– طبعًا بريئة… من أول يوم أنا كنت واثق.
غزل دمعت عيناها:
– الحمد لله… أخيرًا!
لكن العيون كلها تحولت إلى مهاب… الذي ظل واقفًا، يده مشدودة على قبضته، وصوته مبحوح حين نطق:
مهاب (بصوت مكسور):
– حلا… أنا… آسف. غلطت في حقك جامد. ظلمتك… وجرحتك… وكسرتك. أنا… ما استاهلش تسامحيني.
الهدوء عمّ الغرفة. حلا ظلت تنظر إليه بنظرة طويلة غامضة، مزيج من جرح عميق واشتياق لشقيقها الذي طالما كان سندها. الجميع انتظر ردها بترقب.
وبينما الدموع تسيل على وجنتيها، نهضت حلا ببطء من السرير، وقفت مترددة للحظة، ثم فجأة اندفعت نحوه، وارتمت في حضنه وهي تبكي بحرقة:
حلا (وهي تبكي):
– إزاي أزعل منك يا مهاب؟ إنت أخويا الكبير… إنت في مقام بابا… ما اقدرش أعيش وأنا زعلانة منك.
مهاب انهار من الداخل، ضمها بقوة، ودموعه لأول مرة انزلقت من عينيه، رغم محاولاته لكتمانها:
مهاب:
– سامحيني يا حبيبتي… والله ما هشك فيكي تاني. إنتي شرفي… وقلبي.
زياد اقترب ببطء، صوته مبحوح:
– حلا… إحنا كمان آسفين. كنا ضعاف… صدقنا مهاب وسكتنا. كان لازم نقف في وشّه ونقول الحقيقة.
ريان هز رأسه موافقًا، وعيناه محمرتان:
– حقك علينا يا حلا… إنتي أختنا الصغيرة… كنا المفروض نحميكي مش نسيبك.
حلا التفتت إليهما والدموع ما زالت على وجهها، لكنها ابتسمت رغم ألمها:
– أنا مسامحة… إنتو إخواتي مهما حصل.
الجميع تأثر، حتى يوسف الذي كان يراقب بصمت اقترب وقال بعتاب محب:
– يا مهاب… إزاي ما صدقتش أختك من الأول؟ أنا لما رجعت ولقيت اللي حصل قلبي كان بيتقطع… حلا ما تستاهلش كل ده.
مهاب نكس رأسه خجلان:
– معاك حق… كنت أعمى.
أدهم كان واقف بعيد، يراقب المشهد بصمت، قلبه يعصف بمشاعر متناقضة. عيناه ظلت عالقة على حلا… البريئة، الطفلة، الفتاة التي أحبها من النظرة الأولى… والآن يراها تنهض من ألمها لتسامح الجميع.
نادية مسحت دموعها بخفة:
– يا ريت كل القلوب تبقى زي قلبك يا حلا… قلب أبيض يسامح.
مازن ضحك وهو يتصنع المزاح:
– خلاص… نعلنها رسمي: الحرب خلصت… العيلة رجعت لبعض.
ندى ضحكت بخفة وقالت:
– بس لو حد فكّر يجرحها تاني… هيلاقيني واقفة له بالمرصاد.
ضحى وغزل أومأتا بحماس:
– وإحنا معاكي.
الجو امتلأ بمزيج من الضحكات والدموع. لأول مرة منذ أيام، شعر الجميع بأن الغيوم السوداء بدأت تنقشع… لكن أعين أدهم لم تفارق حلا لحظة. قلبه يهمس:
"دي مش مجرد فتاة… دي قدري."
*********************
في شقة صغيرة مظلمة على أطراف المدينة، الستائر مسدلة بإحكام، والجو خانق برائحة السجائر والعرق.
سيرين جلست على الأرض، ظهرها ملتصق بالحائط، والسكين ما زالت في يدها ترتجف. عيناها حمراوان من السهر والخوف، ووجهها شاحب لكنه يفيض بغضب وحقد.
سيرين (تضحك بهستيريا وهي تكلم نفسها):
– خلّصت عليهم… أمي الغبية… ورنا الحقيرة… افتكرتوا إنكم أقوى مني؟! دلوقتي خلاص… محدش يقدر يفضحني.
تتوقف ضحكتها فجأة، تضع يديها على رأسها بقوة، وكأن صور والدتها الميتة تطاردها.
سيرين (بصوت مرتعش):
– بس… بس لو بابا عرف… لو ماهر عرف… ياااه… لا… لا!
تنهض فجأة، تتخيل المشهد أمامها:
أبوها فايز، الرجل الطيب، ينظر لها بصدمة، بعينيه المليئة بالخذلان:
"دي مش بنتي… دي مش سيرين اللي ربيتها."
ثم ترى شقيقها ماهر، بملامحه الحادة ونظراته الباردة، يقترب منها… يرفع يده كأنه يخنقها:
"إنتي جلبتي العار لينا… والموت أهون من وجودك."
صرخت بصوت عالٍ، تحركت للخلف بسرعة حتى ارتطمت بالحائط:
– اسكتوا! اسكتواااا! أنا مش ضعيفة! أنا… أنا أقوى منكم كلكم!
ظلت ترتجف، أنفاسها متقطعة، ثم فجأة اتسعت عيناها بفكرة سوداء. ابتسمت ابتسامة شريرة، ببطء…
سيرين (بصوت مبحوح مملوء بالسم):
– حلا… آه يا حلا. الكل دلوقتي بيحضنك ويصدقك. فاكرينك ملاك؟ ههههه… مش عارفين إن الشيطان أنا… وأنا هسحبك معايا جهنم.
تقترب من المرآة الصغيرة المكسورة بجانبها، تنظر إلى وجهها، تلمس خدها وكأنها تكلم انعكاسها:
– الجمال دا… السحر دا… محدش يقدر يقاومه. حلا… فاكرة نفسك محبوبة؟ لااا… أنا اللي لازم أكون فوق. لو فضلت موجودة… مش هيبقى ليّا مكان.
تنظر للسكين، ترفعها أمام وجهها وتبتسم بجنون:
– المرة الجاية… الطعنة دي هتكون في قلبك إنتي يا حلا.
ضحكتها تتعالى، تمتزج بالدموع والخوف… ضحكة شيطانية، لكنها تخفي رعبًا داخليًا من المصير الذي ينتظرها.
سيرين (تهمس لنفسها):
– مش هسيبهم يمسكوني… مش هسيب ماهر يلمسني حتى… قبل ما يلاقوني… هخلص من حلا. وبعدها… الدنيا كلها تتحرق!
ترتمي على الأرض، عينيها تلمعان بلمعة مجنونة، وتبدأ تخطط في ذهنها للخطوة القادمة… خطوة ملطخة بالدم.
************************
أمام بوابة الفيلا الكبيرة.
سيارة فخمة تتوقف، يخرج منها أحمد النجار بوقاره المعروف، خطواته ثابتة وعيناه الصارمتان تفحصان المكان. بجانبه تنزل فيروز بكامل أناقتها، نظرة متعجرفة على ملامحها، لكن في داخلها قلق لم تستطع إخفاءه.
فيروز (بنفاد صبر):
– أخيرًا رجعنا… أنا مش مصدّقة إني سيبت أولادي المدة دي كلها! وأجي ألاقي زياد و ريان متجوزين بنات ما لهمش أصل! عيب… عيب كبير!
أحمد (بحدة هادئة):
– كفاية كلامك دلوقتي يا فيروز… خلينا ندخل ونشوف إيه الأخبار.
يتقدم الحارس بخطوات سريعة، ينحني باحترام:
– الحمد لله على السلامة يا بيه… يا هانم.
أحمد (بصوت عميق):
– في إيه يا عم رمضان؟ شكلك مش طبيعي.
الحارس يتردد قليلًا، ينظر يمينًا ويسارًا، ثم يقترب بصوت منخفض:
– والله يا بيه… حصلت حاجات غريبة جدًا امبارح.
فيروز (برفع حاجبها بغرابة):
– غريبة؟ إيه قصدك؟
الحارس (بقلق):
– جات واحدة بنت… كانت متعصبة جدًا… اسمها ندى يمكن؟ كسرت إزاز النوافذ وهي بتصرخ… وبتزعق لمهاب. بيه وأنا… والله ما فهمت إيه اللي بيحصل.
فيروز شهقت بحدة:
– إيه الكلام الفارغ دا؟! إزاي تدخل بنت غريبة بيتنا وتكسر وتصرخ؟!
أحمد (بصرامة):
– وبعدين يا رمضان؟
الحارس:
– خرج بعدها البهوات التلاتة… مهاب بيه، و زياد بيه، و ريان بيه. والبنت دي كانت معاها اتنين كمان… بنات… بس والله معرفهمش. شكلهم كانوا غضبانين جدًا.
فيروز تضع يدها على صدرها:
– يا ساتر! طب وبعدين؟ فين حلا؟ فين أولادي؟
الحارس (بتوتر):
– بعديها على طول… جه
يوسف بيه ومعاه ست محترمة جدًا… تبقى أختك يا هانم، الست ثريا.
فيروز تفتح عينيها بدهشة:
– ثريا؟! يوسف جابها معاه من أمريكا؟
الحارس (يهز رأسه):
– أيوة يا هانم… ودخلوا جوه الفيلا… وقعدوا دقائق قليلة بس. بعدين… لقيت بيه يوسف خارج وهو شايل حلا هانم بين إيديه… كانت مغمى عليها!
فيروز صرخت:
– إيه؟!! بنتي؟!! حلا؟!!!
أحمد (يتقدم خطوة، صوته غاضب لكن متماسك):
– إيه اللي بتقوله يا رمضان؟ مغمى عليها إزاي؟ راحت فين؟
الحارس (بتوتر واضح):
– معرفش والله يا بيه… هم كلهم خرجوا بسرعة… وركبوا عربياتهم ومشيوا. ومن ساعتها محدش رجع.
فيروز ارتعشت يداها، أمسكت بذراع أحمد بقوة:
– أحمد… بنتي! بنتي الصغيرة راحت فين؟ إيه اللي حصل لها؟ ليه يوسف ياخدها ويجري؟!
أحمد (بعينين ضيقتين):
– فيروز… اهدّي. في حاجة كبيرة حصلت. بس ما تقلقيش… أنا مش هسيب الموضوع دا يعدي.
فيروز (بعصبية ممزوجة بالذعر):
– لأ، مش ههدي! إزاي يختفوا كده من غير ما نعرف؟! أنا مش هسامح حد لو بنتي حصل لها حاجة… حلا دي روحي… أنا جيت مخصوص عشانها!
الحارس ينظر لهم بحيرة:
– والله .... دي الحقيقة اللي عندي. أنا بنفسي مش فاهم إيه اللي بيحصل.
أحمد يضع يده على كتف الحارس، بنبرة جادة:
– ماشي يا رمضان… شكرًا. خش انت.
فيروز ما زالت ترتعش، عينيها تدمع رغم كبريائها:
– أحمد… لازم نروح ندور عليهم… دلوقتي!
أحمد (بهدوء صارم):
– هنلاقيهم يا فيروز. هنلاقيهم… وهنعرف مين اللي عمل في بنتنا كده
***********************
في قسم الشرطة – مكتب واسع فيه طاولة خشبية كبيرة.
يجلس فايز والد سيرين، ملامحه محطمة، عيناه محمرتان من البكاء، يده ترتعش وهو يمسك بمنديل. بجواره يقف ماهر، شقيق سيرين، الطبيب المعروف بهدوئه، لكن الآن هدوءه تبخر تمامًا، ووجهه ممتلئ بالغضب، قبضته مشدودة كأنه على وشك أن ينفجر.
الضابط المسؤول يجلس أمامهم يحاول التماسك، بينما الجو مشحون بشدة.
فايز (بصوت مبحوح، كأنه لا يصدق):
– مراتي… كريمة… راحت. اللي عشت معاها عمري كله راحت… وإزاي؟ على إيد بنتي… بنتي أنا!
يضرب الطاولة بيده، تنهار دموعه بغزارة:
– ربيتها… علمتها… إزاي طلعت كده؟! ليه يا سيرين؟ لييييه؟!!
ماهر (ينفجر بصوت غاضب):
– ما تستاهلش تبقى بنتك يا بابا! دي مسخ… مسخ مش بني آدم! أمي ماتت وهي بتنزف قدامي… ورنا… رنا اللي كنت معتبرها أختي… فضلت تصارع عشان تنطق… وعارفة قالت لي إيه قبل ما تطلع روحها؟
ينظر للضابط بعينين دامعتين لكنه مملوءتين نارًا:
– قالت لي… "سيرين هي اللي عملت كده".
صمت ثقيل يسود الغرفة، فقط أنفاسهم المضطربة مسموعة.
فايز (ينهار أكثر):
– كريمة… كانت كل حاجة ليا. وحلم حياتها تشوف عيالها ناجحين وسند لبعض… وأنا اللي كنت بقول دايمًا سيرين بس محتاجة وقت، محتاجة حضن… لكن! كانت شيطانة وأنا أعمى… أعمى ما شفتش!
ماهر (يتحرك بعصبية، صوته يعلو):
– حضن؟! دي ما تستاهلش غير حبل المشنقة! والله يا بابا، لو وقعت في إيدي… مش هستنى حكم المحكمة. هاقتلع قلبها زي ما قلعت قلبنا كلنا!
يضرب الكرسي بقدمه بغضب، يكاد يسقط.
الضابط (يرفع يده محاولًا تهدئته):
– دكتور ماهر، أفهم غضبك… أفهم وجعك. بس اسمعني. أي تصرف متهور منك هيضيع القضية. إحنا دلوقتي فاتحين بلاغ رسمي، وتم إصدار أمر ضبط وإحضار بحق سيرين.
ماهر (بصوت مخنوق لكنه حاد):
– مش عايز بلاغات! عايزها هنا قدامي دلوقتي!
الضابط (بحزم):
– هنلاقيها. صدقني، ما عندهاش مهرب. كل منافذ الهروب متراقبة، وصورتها اتوزعت. دي مجرمة قاتلة، ومكانها الطبيعي وراء القضبان.
فايز (ينظر للضابط برجاء، صوته يرتعش):
– يا باشا… أنا مش قادر أستوعب… بنتي اللي من صلبي تعمل كده. أنا… أنا فقدت مراتي، وحسيت إني فقدت بنتي في نفس اللحظة. بس… أرجوك… هاتها… هاتها حيّة، عايز أسألها… ليه؟ بس ليه؟
ماهر (بغضب يقطع كلامه):
– وأنا مش عايز أسمع منها حاجة! أنا هاسكت قلبي بس لما أشوفها بتدفع تمن دم أمي!
الضابط يتنهد، ينظر لهما بعطف وحزم معًا:
– سيبوها لينا. غضبكم مفهوم، لكن العدالة لازم تاخد مجراها. سيرين مش هتفلت… دي مسألة وقت بس.
فايز يغطي وجهه بيديه، تنهار دموعه بصوت مسموع، وهو يهمس:
– كريمة… سامحيني يا كريمة… ما قدرتش أحميكي… ولا قدرت أربي بنتنا زي ما كنتي بتحلمي.
ماهر يضع يده على كتف والده رغم غضبه، صوته مبحوح لكنه يحمل قوة:
– ما تقلقش يا بابا… أنا هاخليها تدفع تمن كل دمعة… وكل نفس أخير خرج من صدر أمي.
الضابط (يحاول إنهاء الجلسة):
– خلاص يا جماعة… كفاية النهارده. هنبعتلكم أي جديد أول ما نوصل لمكانها. لكن عايزكم تهدوا… لأن سيرين خلاص نهايتها قربت.
الكاميرا (تخيليًا) تثبت على وجه ماهر، عيناه مشتعلة بلهيب الانتقام، ووجه فايز الغارق في دموع الخذلان… لينتهي المشهد بظلام ثقيل يلف المكان.
*******************
في غرفة حلا في المشفى – ضوء النهار يتسلل من النافذة، والجو مفعم بالهدوء والراحة.
حلا جالسة على السرير، وجهها شاحب قليلًا لكنها مشرقة بابتسامة خجولة. حولها العائلة: مهاب، زياد، ريان، يوسف، ثريا، نادية (والدة أدهم)، ندى، ضحى، غزل… والجميع يلتفون حولها.
أدهم واقف بجانب السرير، متوتر لكنه ثابت، عيونه لا تفارق حلا.
أدهم (بصوت واضح، وهو ينظر مباشرة إلى مهاب):
– أستاذ مهاب… أنا عايز أطلب إيد أختك حلا، رسمي وقدام الكل. أنا بحبها… ومستعد أحافظ عليها بعنيا طول العمر.
صمت قصير يلف الغرفة، الجميع يبادل النظرات. حلا تخفض رأسها، وجهها يشتعل خجلًا، يديها تتشابكان بتوتر فوق الغطاء.
مهاب (يتنهد بعمق، ينظر لأدهم بجدية):
– يا أدهم… أنا مقدّر حبك لأختي، ومقدّر كمان إنك وقفت معاها في وقت صعب. بس القرار مش قراري… القرار قرارها هي.
يلتفت نحو حلا، يلين صوته:
– حلا… إنتي إيه رأيك؟
حلا (ترتبك، تتهرب بعينيها، ثم تهمس بخجل):
– أنا… أنا مش بعرف أقول… بس… بس ... اللي تشوفه يا ابيه
ضحكة صغيرة خجولة تهرب من بين شفتيها، فترتفع الهمهمات والسعادة في الغرفة.
ثريا (بحنان، تمسك يد حلا):
– ربنا يسعد قلبك يا بنتي… إنتي تستاهلي كل خير.
نادية (تبتسم بعينين دامعتين، وهي تنظر لحلا وكأنها ابنتها):
– والله من أول ما شفتك يا حلا، حسيت إنك بنتي… وأدهم مش هيلاقي أحسن منك.
زياد (بابتسامة آسفة، لكنه صادق):
– وإحنا… يمكن اتأخرنا نصدقك يا حلا… بس من النهارده، هانكون السند ليكي، طول الوقت.
ريان (يهز رأسه موافقًا):
– صح… وربنا يباركلكم في حياتكم.
مهاب (يعود لينظر لأدهم، بصوت جاد):
– بس في نقطة مهمة، يا أدهم. حلا لسه صغيرة… ولسه عندها دراسة. أنا مش ضد الخطوبة… لكن الجواز مؤجل لحد ما تخلص دراستها.
أدهم (يبتسم مطمئنًا):
– أنا موافق. أهم حاجة عندي راحتها وسعادتها… و الفرح يستنى زي ما تحبوا.
الجميع يتهلل فرحًا، بعضهم يصفق، وبعضهم يضحك بخفة، بينما حلا تخفي وجهها بين يديها من شدة الخجل، والدموع تلمع في عينيها.
ندى (بمرح، تمسك كتف حلا):
– هوووف يا جماعة… البنوته اتحمّرت زي الطماطم! 😂
الجو يمتلئ بالضحك، والقلوب تهدأ بعد أيام من الألم… وكأن القدر قرر أن يمنحهم لحظة نور وسط كل الظلام.
مهاب (ينظر لحلا بحنان):
– خلاص يا أختي… إنتي وافقتي، وأنا موافق. ربنا يتمملك بخير يا غالية.
ترتمي حلا على صدر أخيها مهاب، دموع الفرح تنزل على وجنتيها، بينما عيون أدهم تلمع بانتصار وحب… لحظة خُطبتهم الأولى بدأت.
*******************
الغرفة ما زالت مليئة بالضحكات والتهاني، والكل ملتف حول حلا اللي وجهها متورد خجلًا ودموع فرح بتنزل على خدودها.
أدهم واقف جنبها مبتسم وفخور، نادية تمسح دموعها بسعادة، وثريا تدعي لبنت أختها بصوت مرتجف من التأثر.
فجأة…
رنّ هاتف مهاب على الطاولة بجانبه. نغمة الاتصال قطعت الجو الحالم.
مهاب (ينظر للهاتف باستغراب):
– غريبة…!
يمد يده وياخد الموبايل، يلمح اسم المتصل على الشاشة. يتجمد للحظة.
زياد (مستغرب):
– مين اللي بيتصل يا مهاب؟
مهاب (بصوت متردد):
– … بابا.
ينتبه الجميع، الصدمة ترتسم على وجوههم.
ريان (ينهض بسرعة):
– إيه؟! بابا؟! إزاي يعني؟ هو دايمًا بيتصل بينا من لندن على النت!
يوسف (يحرك حاجبيه بدهشة):
– وده كمان رقم مصري! يعني… يعني عمو أحمد هنا في مصر؟
الكل يتبادل النظرات بصدمة. حلا تنظر لأخوتها بقلق، قلبها يخفق بقوة:
– مستحيل… بابا هنا؟ من غير ما يقولنا؟
نادية (بدهشة خفيفة):
– يمكن… يمكن رجع فجأة؟
ثريا (تضع يدها على قلبها):
– معقول أحمد رجع هو وفيروز؟
يتوتر الجو فجأة، مشاعر مختلطة بين الفرحة والقلق. ملامح مهاب تصبح أكثر حدة، يحاول يستوعب.
مهاب (يتمتم، شبه مصدوم):
– طب إيه اللي جابهم؟ وليه ما قالوش؟
زياد (يحك رأسه بتوتر):
– لحظة… لو هم هنا فعلًا… يبقى أكيد عرفوا حاجة.
ريان (بجدية، عيونه تقلق):
– أكيد الحارس بلغهم…
حلا (تشهق بخوف، تضع يدها على فمها):
– يالهوي… لا يكونوا عرفوا اللي حصل معايا؟!
ندى (تحاول تهدئتها):
– اهدي يا حلا، مش لازم يكونوا عرفوا كل حاجة…
لكن التوتر يزداد. أدهم يضع يده على كتف حلا بحنان، يحاول يثبتها:
– ما تقلقيش… لو عرفوا
أو ما عرفوش، المهم دلوقتي إنك بخير. والباقي إحنا نتحمله.
الجميع يلتفت لمهاب اللي ما زال الهاتف يرن بين يديه. أصابعه متجمدة، عيونه معلقة بالشاشة.
مهاب (بهمس، كأنه يكلم نفسه):
– طب أرد أقول إيه…؟
زياد (يقترب منه):
– مهاب… رد. ما ينفعش تسيبه يرن كده.
ريان (بحزم):
– بالذات لو فعلاً هنا في مصر. لازم نفهم.
مهاب (يتنفس ببطء، يضغط على الزر):
– … آلو؟
الغرفة كلها تصمت… الكل يترقب، كل العيون متجهة إلى مهاب وهو يضع الهاتف على أذنه
