
قاطعت مضيفة الطائره حبل افكارها حينما نبهت الركاب قائله
: نرجوا من الساده ركاب الطائره ربط احزمة الامان لان الطائره على وشك الهبوط الان .
بعد نصف ساعه كانت "وجد" تخرج من المطار وهى تنظر حولها بتيه وكأنها ترى هذا المكان لاول مره ، وقد تسمرت مكانها عندما رأت عائلتها واقفين على بعد ليس بكبير منها يبحثون عنها ، فنظرت لهم بصدمه كبيره وباشتياق كبير قد غلب على فؤادها الصغير لعائلتها الحبيبه وقفت تملئ عينها بنظرات الشوق لهم وهى تذرف الدموع بكثره ، لكم اشتاقت الى هذه اللحظه كثيرا ، فقط كان كل امانيها ومخيلاتها وهى وحيده هى تخيل هذه اللحظه وشعورها فى هذا الوقت ، لكن الشعور هنا مختلف تماما ، فالشعور على الحقيقه يشعرك ولو ببعض الانتصار والنشوه بالفوز ولو بقليل من الحنين اليهم يشعرك بالشوق وأنك اخيرا قد رايت الحلم الذى ظللت تحلمه طوال سنوات غربتك قد تحقق الان امام عينيك وانت تقف تائهاً وغير مصدق لما تراه ، لانك من كثرة الاكاذيب التى قد رأيتها فى حياتك كلها لا تصدق ان هذه حقيقه وليست اكذوبة كغيرها كيف لهذه الامنيه ان تتحقق وانا من كنت قد تعودت على الخذلان ، وانت تقف كالأبله الصغير الذى يأخذ الصدمات وراء بعضها البعض دون الشكوى وداخلك يأن من كثرة الالم وكثرة الشوق والحنين .
وخلال لحظات فقط لحظات مرت على بعض البشر عاديه وعلى آخرين وكأنها دهر لحظات كم انتظروها بفارغ الصبر وعندما جائت حسبوها حلم ، كانت "وجد" قد عادت حقا لارض الوطن ، ولكن ليس ارض الوطن التى فى مخيلتكم التى هى ملك عام لكثير من البشر التى لا حصر لها ، بل كانت ارض الوطن الخاص بها هى فقط التى كم اشتاقت اليه كل هذه السنوات الماضيه ، فقد كانت تحتضن والدتها بعد ان تركت كل ما بيدها وكما قلت خلال لحظات قليله كانت فى حضن والدتها وهى تبكى بحرقه وكل من فى المطار ينظر اليها بحزن وشفقه على منظرها وعلى صوت بكائها العال وكانها لم تبكى منذ قرون وكانها كانت حبيسه فى سجن مظلم بمفردها وها قد فرج عنها وكأنها عادت الى ارض الوطن ، كانت تبكى بحرقة فتاه ما زالت فى ريعان شبابها ولكن قد ضاع شبابها هبائاً فتاه من خارجها صغيره ومن داخلها فتاه قد ذاقت من الام الدنيا بما يكفى أمّه ، فتاه عانت كثيرا وما زالت تعانى من اثار الحروب التى بداخلها وخارجها ، فتاه عانت من حرمان اقرب البشر اليها وكل هذا فى سبيل اشياء هى حتى لا تعرف معناها ، فتاه ... لو تكلمنا عن معاناتها الى ابد الدهر لما وفينا حقها .
كانت تحتضن والدتها بقوه تكاد تكسر عظامها ولكنها غير مهتمه وصوت شهقاتها هى ووالدتها واخواتها تملئ المكان بأكمله وكل من يمر بجانبهم يبكى عليهم بحسره ولا يستطيعون حتى معرفة مدى الحنين الذى قد يوصلهم الى هذه الدرجه .
وبعد اربع ساعات كامليت من البكاء المتواصل والاحتضان فقد كانت "وجد" محتضنه والدتها بقوه و"اسيل"محتضنه اياها من اليمين و"احمد" من الجانب الاخر فشكلو حولها دائره صغيره مليئه بالدفئ والامان والسكينه التى افتقدتهما منذ سنوات طوال .
وعندما خرجت من منتصفهم شعرت بقشعريره وبروده بكامل جسدها فأرادت ان تعود مرة اخرى ، وقد حدث عندما احتضنها "احمد" بشوق جارف وتناوبت عنه "اسيل" عندما تركها .
وبعد قليل من الوقت المليئ بجو من الدفئ كانت وجد فى سبات عميق وهى تسند رأسها على كتف والدتها ومن امامهم كان "احمد"و"اسيل" ينظران اليها كل لحظه ليتأكدو من وجودها معهم حقا فى السياره ام هو مجرد وهم فى رأسهم .
فنظر "احمد" امامه الى الطريق وهو يتذكر كيف علموا ان "وجد" اتيه .
فلاش باك
( كان الجميع يجلس فى حزن و آسى كعادتهم منذ فتره ليست بقليله وفى رأس كل منهم الف تخيل وتخيل لما قد يكون قد حدث مع "وجد" الان فقد كان والظهم يهاتف كل يومين او ثلاثه ويطمئنهم وفجأه قاطع ذلك السكون التام صوت هاتف يرن وكان هذا هاتف "احمد" فنظر اليه بتيه فوجد احد الارقام الغريبه .
: السلام عليكم من معى .
: "احمد" كيف حالك يا صغيرى اشتقت اليك كثيرا يا ولدى .
كان هذا صوت "اكرم" الذى كان يتكلم بشوق ظاهر ، كان "احمد" بنظر الى الهاتف وهو غير مصدق لما يسمعه اهذا والده حقا ، فنظر الى الجميع بلهفه وهو يفتح مكبر الصوت .
: انه والدى .... ابى ابى كيف حالك نحن بخير اين انت الان اشتقنا اليك كثيرا يا ابى .
: انا بخير يا حبيب والدك لا تخف .. وانا اسف جدا لاننى تأخرت عليكم فى الاتصال واقلقتم على حقا انا اسف .
: لا عليك يا ابى اين انت الان متى ستاتى ؟؟.
: ابى كيف حالك اشتقت اليك كثيرا يا ابى متى ستاتى ارجوك يا ابى ؟؟
كان هذا صوت "اسيل" التى تبكى بحرقه فهى غير معتاده ان يغيب والدها كل هذه المده الطويله فهى مدللته .
: وانا ايضا اشتقت اليكى يا اسيلى لا تخافى سأتى قريبا جدا يا حبيبتى ... ثم قاطع هذا الحديث الذى يؤلمه جدا وقال ، "احمد" حبيبى ركز معى جيدا ستاتى "وجد" بعد يومين الى البلده اريد منك ان تعتنى بها جيدا ارجوك والا تجعلها تخرج ابدا من المنزل ابدا .
نظر اليهم بصدمه كبيره فأخيرا ستاتى "وجد"
: حقا يا ابى ستاتى وجد حقا ام تمزح معى ارجوك قل لى الحقيقه .
: اجل وكما قلت لك يا احمد ارجوك اعتنى بها جيدا ... احمد هل يمكنك ان تعطينى والدتك اريد التكلم معها .
: حسنا يا ابى .
ثم اعطى والدته الهاتف وجلس على الاريكه هو واخته ينظرون الى الفراغ من الصدمه ، ثم وعلى حين غفله كان الاثنان يقفزان على الاريكه من الفرحه وبعدها احتضنو بعضهم البعض فى سرور .)
باك .
افاق من شروده على صوت اخته بأن يهدأ من سرعة السياره لانهم قد وصلو الى المنزل بأمان .
صلى على محمد🌺
وبعد ثلاثة ايام مرو على الجميع بسعادة الى واحده مرت عليها وكأنها فى سجن رغم سعادتها الكبيره انها واخيرا عادت الى بيتها واهلها ووطنها لكن هناك شئ بداخلها يأبى السعاده وكأنه يقول لها هذا ليس مكانك السعاده ليست لك كل ما لك هو الحزن والاسى فقط وكأنها تقول هنا الدُّنيا؛ حيثُ الأمنيات المنقوصة ، ومفاجآت البلاء عند وهمِ الاستقرار ، هنا نضحك وقبل أن نتمَّه تدركُنا الغُصص ؛ هنا السِّجن ، والإفراج يوم تطير الأرواح لمستقرِّها ، وكأن الحياة كلما وجدتني ابتسم تقول اعطوها جرعة ألم أقوى من التى قبلها ، حتى لم أعد أعلم إن كنت أتحسن ، أم أنني تعودت على هذا الخراب ..
كان "أحمد" يقف امام باب غرفتها فى حزن شديد وهو ينظر اليها كأنها جثه هامده فقط جسد بلا روح ، فهي ليست بخير هذه الفترة ، لا تأكل كثيراً وتفكر كثيراً، سكوتها مُلفت للأنتباه ونومها المُفاجئ الطويل مريع ودقاتُ قلبها موجعة، هي لم تكن أبدًا انطوائية كان فقط لديها قناعة تامة أنه لا جدوى من الإختلاط بأشخاص لا يُشبهونها، لم تكن لتفضل الصمت ولكنها كانت تتمنى أن يحارب أحدهم لينتزع من فمها كلمة، هي كانت رقيقة، رقيقة لدرجة أن تُدقِق في التفاصيل فَتخدشها أقلّها وتُسعدها أبسطها، تتلعثم إن نظر أحدٌ لعينيها مباشرة وهو يتكلم، هي هادئة، هادئة جدًا تحمل تعابير وجهها الطمأنينة لم تكن تركض لنيل إعجاب الجميع، طبيعتها كانت أجمل من ألف تصنع، هي تتمنى شيئًا واحدًا أن تكون خفيفة على قلوب الناس مثل قطرات الندى على أوراق الأشجار ، أما الآن فالله وحده الذى يعلم حالتها .
كانت "وجد" نائمه على ظهرها وهى تضع يديها اسفل رأسها تنظر بتيه الى الحائط اعلاها هى لا تفكر ولا تعلم اين هو عقلها الان ، لكن ما تعلمه جيدا انها مشتته للغايه لا تعلم من اين تبدا ومن أين تنتهى تشعر وكأنها تدور فى متاهه ولا تستطيع التوقف مهما ارهقها التعب .
خرجت من حبل افكارها المقطوع من الاساس على صوت حمحمة اخيها ، فنظرت له بعيون زائغه وظلت تبحلق فيه وكأنه كائن فضائى .
تقدم بضع خطوات منها وجلس بجوارها ثم قام بإمساك يدها لكى يجعلها تقوم وتجلس فقامت معه بدون اى مقاومه تذكر .
نظر لها بحزن بادى فى عينيه عليها الى وجهها الذى به اثار كدمات شعرها القصير عينيها الزائغتين والمجوفتين للداخل والهالات السوداء حولهما والوجه الذابل تفاصيل تؤكد له انها ليست وجد الذى يعرفها لا ليست هى تلك الفتاة المرحه التى عاهدتها طوال حياتى ، هو لا يعلم تفاصيل عما حدث لها لهذا هو مشتت قليلا لا اكثر .
نظرت له "وجد" بابتسامه خاليه من الحياه ورفعت يدها ووضعتها على وحنته اليمنى بحنين وهى تتأمل فى ملامحه التى لكم اشتاقت اليها قد تغيرت قليلا الى النضج والتى لم تزده الى وسامه فوق وسامته المعهوده ، فوضع يده هو الاخر على يدها وعيناه تمتلئ بالدموع التى على وشك الانفجار ثم اخذ يضمها الى صدره للمره التى لا حصر لها خلال اليومين التى كانت به هنا .
فظلت هى تربت على ظهره تواسيه ولم تستط انزال دمعة واحده فقط لأنه أحيانا يبكى كل شئ بك الى عينيك قد تشعر أنها فى مرحلة تحجر العيون من كثرة البكاء وكأنها تقول لها لقد بكيت بما فيه الكفاية يا صغير حان وقت الجفاف الان .
خرج من حضنها بعد وصلة البكاء التى لا تنتهى وقال بشوق .
: كيف حالك يا اختى كيف حالك يا قلبى لقد شعرت بقلبى يؤلمنى فعلمت حينها انك تتالمين فقولى لاخيك ما بك ، تعلمين جيدا اننى كاتم اسرارك تتذكرين ، هيا قولى لى كيف هو حالك اليوم .
فقالت بعد صمت دام طويلا وقد افصحت ما بداخلها بأكثر جملة مؤلمه له
: أخاف أن اخبرك أني بخير فتتمني دوامه فيتخلد بؤسي يا أخى ، امضي ايامًا سيئه كالليل المُعتم .. لا قمر ولا نجوم فراغ يتداخله فراغ ، كثيرا ما اشتاق لنفسي القديمه التي كانت بخير يا اخى .
قال وتلك غصة الالم التى فى حلقه لا تفارقه يريد ان يدخل الى اعماقها ليعلم ما ذلك الحزن الكبير الذى يسكن داخلها .
: كلنا تالله اشتقنا ، فقط كنت اتمنى لو اننى استطيع اخذ كل ذلك الحزن الذى فى عينيك لى وحدى وما اتعبتك ابدا .
قالت بوجع سنين عاشتها فى مرار
: لن تستطيع التحمل يا "احمد" ستموت من الذل صدقنى ، لن تستطيع تحمل ايام العذاب التى عشتها لن تستطيع تحمل تلك العواصف التى بداخلى الان اعلم انك قوى ولكنك لن تستطيع .
: اعلم بما تشعرين يا اختى ولكـ...
قاطعته بقهر
: لا تقل لى انك تشعر بى لا احد يشعر بى لانه لا احد قد مر بما مررت به لا احد يستطيع الشعور بى مادام لم يجرب ما عشته .
: حسنا اعلم اننى لن استطيع مساعدتك ابدا لكن كل ما استطيع مساعدتك به هو ان تفصحى بما بداخلك لعل الحمل الذى فى عاتقك يقل ولو قليلا .
اخذت نفسا عميقا ثم اخرجته ببطئ شديد فى محاولة لتجميع افكارها
: لقد عشت اسوء ايام حياتى هناك ومع الاسف يبدو اننى ما زلت هناك اعانى ثلاث سنوات يا اخى ثلاث سنوات لا اعلم اى شئ عن الحياه ، اتعلم .... اتعلم شعور الشخص الذى يسجن فى سجن انفرادى معه طعامه وشرابه وكل ما يحتاج لكن ما يعلمونه جيدا رغم كل هذا انه اسوء له من التعذيب ، تخيل ان تجلس وحدك فى غرفة فارغه امامك اربعة جدران متشابهين يأتيك الطعام والشراب مثل البهائم لمدة اسبوع واحد فقط وكل ما تفعله هو التأمل او التفكير حتما ستجن اقسم ستجن من كثرة التفكير فى كل شئ وبأى شئ وهذا ما يريدونه ، وتخيل معى اننى لم اجلس شهر او اثنين بل ثلاث سنوات كاملات كنت اعدهم على يدى بالثوانى والدقائق والايام ، عندما ذهبت الى ابى شعرت بأمل يجتاحنى اننى واخيرا قد تحررت اخيرا سأغادر واعود الى ديارى ، لكن الامل ضاع منى انتشلوه منى بقوه كبيره حتى شعرت ان قلبى توقف .
كانت تتكلم ببطئ شديد وبين الجملة والاخرى تخرج شهقة من اعماقها يصحبها الدموع التى اشفقت عليها للمره التى لا تعلم عددها ، تتكلم بقهر وهى تتذكر ما حدث لها عندما كانو يعذبوها بقوه كبيره تتذكر انها كانت ترجوهم وتقبل اقدامهم ليرحموها ولكن بدون فائدة تذكر .
فى الخارج كانت "اسيل" واقفه على باب الغرفه تسند رأسها على الباب ودموعها الغزيره تقع على الارض مثل الامطار ، لقد ظلمتها كثيرا كانت تحقد عليها لحب ابيها واخيها وامها المفرط لها تعلم انها محببه وهى شخصيا تحبها ولكن كان هناك نزعة غيرة بداخلها لها كانت تفتعل المشكلات معها بسبب وبدون سبب وكانت "وجد" تأخذها كمزحة دائما وتقول انها مشاجرات اخوات عاديه لكنها لا تعلم ما بداخلى لها .
كنت متناقضة معها دائما ، فأقول لها أسرارى ومشاكلى دائما وعندما تحلها لى اتشاجر معها لكى لا تقول على بأننى فتاه ضعيفه ولكننى كنت احب حلولها فأشهد لها بالذكاء الخارق ، لكن ما جعل تلك المشاجرات من مجرد غيره اخويه عاديه الا كره لا يوصف لها بسبب تلك الحادثه المشئومه التى حدثت بينهما .
حتى انها عندما اختفت لم تصدق اى شئ وكل ما كان فى مخيلتها انها هربت مع صديق لها مع انها تعلم اخلاقها جيدا لكنها دائما ما كانت تنكر هذا ، حتى هذه اللحظه التى تريد فيها ان تنشق الارض وتاخذها من كثرة ندمها تريد التأسف لها الا ان تموت لما تراه بها ،منذ ان علمت من والدها بمجيئها وحالتها تلك وهى تصلى لله لعله يغفر لها ظنونها ويجعل "وجد" تسامحها تعلم انها طيبه لكن عندما تعلم ما كانت تظنه بها لا تعلم ردة فعلها فقد تغيرت كثيرا ، تغيرت لدرجة انها لو رأتها فى اى وقت اخر لما عرفتها ، تغيرت قلبا وقالبا .
تمت بحمد الله