رواية في حد ساعات بيكون بيحبك ومبتشفهوش الفصل الثاني2 بقلم خديجه احمد

رواية في حد ساعات بيكون بيحبك ومبتشفهوش الفصل الثاني2 بقلم خديجه احمد
تاني يوم الصبح…
الشمس دخلت من الشباك بخجل، نورها ضعيف كإنه لسه بيتعلم يفتح عينه.
بسمه صحيت من النوم، لسه عينيها تقيلة من كتر التفكير، بس أول ما افتكرت اللي حصل امبارح، قلبها اتقبض من جديد.

قعدت على السرير، إيدها عاوزه تكتبله رسالة… تسأله: انت زعلان مني؟
بس ترددت، مسحت دموعها اللي لسه باقية، وقامت تجهز عشان تنزل تحت.

في نفس الوقت، محمود كان صاحي من بدري، قاعد في بلكونته وباصص للفراغ. سيجارة نصها مطفي في المنفضة، وعينيه شاردة.
كان بيفكر:
"هي عندها حق… يمكن أنا ضغطت عليها من غير ما أحس. بس أنا… أنا مقدرتش أمسك غيرتي. أنا بحبها بزيادة."

لما نزلوا تحت، كل العيلة كانت قاعدة تفطر.
بسمه دخلت، وهي بتحاول تضحك وتخفي التوتر اللي مالي قلبها.
وعينيها، من غير قصد، راحت تدور عليه.

هو كان قاعد بعيد، ساكت، مش بيشارك في الكلام زي العادة.
لكن أول ما نظرهم اتقابل…
هي حسّت بخبطة جواها، وهو قلبه وقع من جديد.

الجو كان مليان كلام متبلع، مش قادر يطلع.

بسمه دخلت المطبخ، شايلة الأطباق في إيدها، وفجأة لقت محمود واقف قدام الحوض، إيده في الميه السخنة، بيغسل الأطباق كإنه بيحاول يغسل معاياها غلي قلبه.

ابتسمت بخفة وهي بتحاول تكسر الصمت:
– دورك النهارده؟

محمود ما بصش عليها، هز راسه بهدوء، وكمل يغسل آخر طبق قدامه.
المية بتنزل وصوتها مالي المطبخ، لكن جواها وجواه في دوشة تانية أكبر.

هي كانت مستنية يقول أي كلمة… حتى لو بسيطة.
وهو، لسانه مربوط، خايف أي كلمة تطلع منه تتحول لضغط جديد عليها.

خلص الطبق الأخير، شطف إيده بسرعة، وساب المطبخ من غير ما ينطق غير صوت خطواته.

بسمه وقفت مكانها، بصت للباب اللي خرج منه، وابتسامتها خفتت.
جواها إحساس بالذنب كبر أكتر… وكأنها طردت حب كان بيخبط على بابها بإيده المرتعشة.

الأيام اللي بعدها عدّت تقيلة…
محمود بقى موجود في البيت، لكن وجوده ساكت. يشارك في القعدة، يضحك مع العيلة، بس عينه ما بقتش تدور عليها زي الأول.
بسمه كانت حاسة بالغياب في عزّ حضوره.

كل مرة تشوفه ساكت، قلبها يتخبط أكتر.
تحاول تضحك مع الباقيين، لكن جواها صوت بيقول: "هو بعد… عشاني؟ ولا عشان زهق؟"

الليل كان أصعب.
تدخل سريرها، تفتكر نظرته في المطبخ، نظرته الموجوعة اللي ماقدرتش تنساها.
وتفضل تسأل نفسها:
– هو أنا جرحتُه؟ ولا أنا اللي بخاف من مشاعري؟
– طب… هو أنا بحبه بجد؟ ولا لأ؟

ومع كل سؤال، تتلخبط أكتر.
تحس إنها تايهة بين فكرة إنها لقت حد يحبها بصدق… وبين خوفها إنها تدخل حاجة مش عارفاها نهايتها فين.

وفي يوم قررت إنها تواجهه مقدرتش تسكت أكتر من كدا

كانت البلكونة ساكنة غير صوت المعالق في الكوباية.
محمود قاعد لوحده، باصص للفراغ وكأنه بيكلم الدنيا بصمت.

بسمه وقفت على الباب لحظة، قلبها بيخبط في صدرها، وبعدين بصوت مرتعش قالت:
– ممكن أقعد؟

رفع عينه ليها، وهز راسه بهدوء.
خطواتها كانت مترددة، كأن الأرض نفسها بتختبرها.

جلست جنبه، عينيها مغروقة دموع:
– ليه مش بتكلمني؟ ليه واخد جمبك مني؟
سكتت لحظة، وبعدين خرجت الجملة اللي مخنقاها:
– هو إنت زهقت مني وخلاص هتبعد؟

محمود اتنفس بعمق، وحس قلبه بيتقطع مع كل كلمة. مد إيده يطمنها وقال بنبرة دافية:
– لا ي بسمه… عمري ما أزهق، ولا عمري هبعد. أنا بس بحاول أديكي مساحتك. عايزك تختاري بنفسك، من غير ما تحسي إني ضاغط عليكي.

دموعها زادت، وصوتها اتكسر:
– بس يا محمود… بعدك عني وتغيرك معايا وجعني أكتر. خلاني حاسه إنك خلاص بطلت تحبني.

قرب منها، عينيه مليانة صدق:
– أوعي تقولي كدا… حبي ليكي عمره ما هيقل. سواء وافقتي تكوني معايا أو لا، أنا هفضل محمود ابن خالك… اللي يضحك معاكي ويهزر ويسمعك.
ابتسم غمزة خفيفة وقال:
– ولغايه ما تقرري… هفضل نفس محمود. بس يمكن في يوم أبقى غير كدا.

ضحكت وسط دموعها، ونظرتها راحت على القمر… كأنها بتدور فيه على جواب للسؤال اللي جوه قلبها.

الايام بتعدي وكل يوم كان بالنسبالها احلى من اليوم اللي قبله 
بتقول : إزاي مكنتش شايفه حبه ليا ف طريقته ف تعامله معايه ف دفاعه عني قدام الناس إزاي مختشش باليي 

القعدة كانت هادية، صوت المعالق في الأطباق هو اللي مالي الجو.
محمود قاعد جمب ملك، وبسمه قُدامهم بتحاول تركز في أكلها.

فجأة ملك قطعت الصمت، بصوت كله دلال:
– أمال مش هنفرح بيك بقى يا محمود؟

الجملة وقعت على بسمه زي حجر. قلبها قال: "محمود… طالعة منك زي السم."
محمود مسك نفسه ورد بهدوء، نبرته متزنة:
– والله لسه ملقتش بنت الحلال.

سكت لحظة، وبعدها رفع عينه على بسمه، وكأنه بيرمي الكلمة في حضنها:
– أو يمكن… لقيتها.

إيد بسمه اتلخبطت في المعلقة، ونزلت عينها بسرعة على الطبق. قلبها اتسرّع، مش عارفة تفرح ولا تخاف.

ملك ضحكت بخفة، مالِة بجسمها ناحيته:
– بص حواليك يا محمود، هتلاقي بنات كتير حلوة… زيي أنا مثلاً.

قبل ما تكمّل، الجد بصوت حازم قطع الهزار:
– بلاش الكلام دا يا ملك، وركزي في أكلك.

بسمه في اللحظة دي كانت نفسها تبص في عينه، تعرف هو يقصدها فعلاً… ولا بيجرّحها بكلام بين السطور.

 بسمه فضلت قاعدة، بس المعلقة في إيدها واقفة نص الطريق، مش قادرة تكمل أكل.
كل كلمة من ملك كانت بتلسعها، خصوصًا وهي شايفة ابتسامتها المياعة ناحيته.

حاولت تضحك ضحكة صغيرة عشان محدش ياخد باله، بس ضحكتها كانت ناشفة، مافيهاش روح.
شربت مية بسرعة كأنها بتهرب من الكلام، وقلبها بيغلي: "إزاي سايبها تتكلم كدا قدامي؟ طب وهو قصده إيه لما بصلي وقال لقيتها؟"

محمود كان واخد باله من كل تفصيلة في وشها.
شاف ارتباكها، شاف الغيرة اللي بتحاول تداريها في عينها، وشاف كمان إن ضحكتها مش حقيقية.
ابتسامة صغيرة ارتسمت على وشه… ابتسامة نصر صامتة، لأنه حس إنها بتتوجع عشانه.

ملك كملت كلامها باستخفاف:
– على العموم يا محمود، لو لقيتها قول لنا… عشان نباركلك.

بسمه شدت نفس عميق وبلعت ريقها بالعافية، وقالت فجأة:
– هو مش كل حاجة جواز يا ملك، في ناس بتحب تعيش حياتها من غير جري ورا الكلام دا.

الجملة خرجت منها بنبرة حادة أكتر من ما قصدت، وساعتها الكل بص عليها، حتى محمود…
لكن هو كان بيبصلها بنظرة مختلفة، نظرة كلها فخر إنه شاف غيرتها لأول مرة بوضوح.

سلمى كانت قاعدة جنب بسمه، حسّت بالحدة اللي في صوت أختها، فمالت عليها وقالت بخفوت:
– مالك يابت؟ كلمتي ملك كدا ليه؟

بسمه غلّبتها الغيرة، وشها سخن وصوتها متوتر:
– إنتي مش شايفه؟! عمالة تتمايع عليه إزاي… بت ملزقة!

سلمى كبّت ضحكة وقالت وهي بترفع حواجبها:
– وانتي مالك؟ يولعوا هما الاتنين.

بسمه اتصدمت، اتسعت عينيها وقالت بانفعال:
– بعد الشررر!

سلمى استغربت:
– عليه ولا عليها؟

بسمه اتلخبطت لحظة، وبعدين بسرعة قالت وهي بتتنفس بعصبية:
– عليه طبعًا! هي تولع هي.

في اللحظة دي محمود كان ملاحظ همسهم ونظراتهم، فابتسم بخبث وقال:
– إيه يا جماعة، موطّيين صوتكم ليه كدا؟

سلمى ضحكت وقالت:
– أصل بسمه بتقول "بعد الشر عليك و…"

ولسه هتكمل، بسمه مدّت إيدها بسرعة وسدّت بُق أختها، وقالت بصوت واطي وهي بتتحايل:
– تعرفي تسكتي؟ ها؟ اسكتي يا حبيبتي…

محمود انفجر ضحك، مش قادر يخبي سعادته باللي سمعه.
أما ملك، اللي قاعدة جنبه، وشها ولع من الغيرة… كانت بتغلي من جوه، شايفة إن اللحظة دي بتبعدها عنه أكتر وتقرّب بسمه.

بعد ما خلصوا الأكل، المرة دي كان دور بسمه تغسل الأطباق.
دخلت المطبخ وهي متعصبة، المية شغالة وصوت الأطباق بيخبط، وهي بتقلد كلام ملك بصوت عالي ساخر:
– "لو لقيتها قولنا يا محمود…"
وابتسمت بسخرية وهي بترمي الصابون على الطبق.

فجأة سمعت ضحكة وراها. انتفضت، قلبها وقع من مكانه.
استدارت بسرعة تلاقي محمود واقف على الباب، عينه مليانة ضحك وهو بيقول:
– هو إنتي دايمًا بتكلمي نفسك كدا؟

ارتبكت، وشها احمر، ورمت نظرها بعيد عنه وهي تقول بعصبية مصطنعة:
– إيه اللي جابك؟ مش قاعد مع "الكونتسا ملك" ليه؟

محمود ضحك أكتر، وقرب منها خطوتين، صوته واطي لكنه صريح:
– مفيش كونتسا هنا غيرك.
وسكت لحظة، وبعدين أضاف بابتسامة جانبية:
– وبعدين دي بت ملزقة… الحمد لله نادوها تساعدهم برة، عرفت أخلع منها.

بسمه وقفت، الطبق في إيدها، المية نازلة من غير ما تاخد بالها. قلبها بيرقص وهي بتحاول تبين العكس، تبين إنها متضايقة. لكن جواها كان في همس واضح: "هو قصده إيه بكلمة الكونتسا غيري؟"

الأيام عدّت، وحب بسمه لمحمود كان بيكبر كل يوم، زي شجرة بتتمدد جذورها جوا قلبها.

في يوم، وهي قاعدة في غرفتها، حست إنها لازم تتصل بيه. المفروض كانوا هيخرجوا مع باقي القرايب يجيبوا حاجات، بس محمود ما ردش على أي مكالمة.

ابتدت تتصل مرة ورا مرة، قلبها بيرتجف مع كل رنة… بس مفيش رد. بدأت الخوف يتسلل ليها.

قعدت تفكر، تكرر في عقلها كل المواقف، كل نظرة، كل كلمة… وكل مرة الخوف يكبر: هو حصل له إيه؟ ليه مش بيرد؟

بعد شوية، قررت تتصل بأخته لارا، وهي صوتها مرتعش ومليان قلق:
– إزيك يا لارا… كنت بتصل أشوف محمود… مجاش ليه؟ كنا مفروض نخرج.

لارا ردّت بصوت متقطع، فيه دموع واضحة:
– بسمه… محمود… عمل حادثة…

الخبر وقع على بسمه زي صاعقة. قلبها وقف لحظة، إيدها اتجمّدت على الموبايل، والهواء نفسه كأنّه اختفى من رئتها.

بسمه  قلبها بيدق بسرعة، دمها بيجري في عروقها كأنها هتطير.
لبست بسرعة، كل حركة منها مليانة توتر، عينها ما بتثبتش على حاجة، إيدها بترتعش وهي ماسكة حقيبتها.

عرفت عنوان المستشفى من لارا، ومباشرة ركبت عربية وراحت… الطريق كله كان طويل، رغم إنه أقصر شارع في حياتها. كل ثانية بتتعدى كانت كأنها ساعة، وكل لفة عجلة كانت بتخلي قلبها يزق من مكانه.

لما وصلت، رجليها بدأوا يرتجفوا… كأن الأرض نفسها عايزة تبتلعها.
دخلت المستشفى، عينيها بتدور على أي صفة ممكن تميز محمود، قلبها بيرتجف من فكرة إن تشوفه في حالة سيئة.

مش عايزه أشوفه ضعيف… متعور… أو… أو…
دموعها بدأت تتلمع في عينيها قبل ما توصل للغرفة. كل خوفها مركّز في فكرة واحدة:
"الإنسان الوحيد اللي حبني… ميضيعش مني."

كل خطوة بتاخدها نحو الغرفة كانت أصعب من اللي قبلها، وكل نفس كانت تقيلة، وكل دقة قلب كانت بتصرخ: محمود… ابقَ بخير… ابقَ بخير…

وصلت لباب الغرفة، رجليها كانت شبه مش عايزة تمشي. قلبها بيرتجف بسرعة، دموعها قربت تنزل، إيدها مرتعشة وهي تدفع الباب شويه.

لما فتحت الباب… شافت محمود مستلقي على السرير، الضمادات على إيده ورأسه، ووشه شاحب، نفس صعبه… كان ضعيف أكتر من أي مرة شافته فيها.

بسمه اتجمّدت، قلبها وقع… كل خوفها اتحول لوجع حقيقي.
خطوة واحدة بس تجاهه، وكل خطوة صعبه… عيونها مليانة دموع، صوتها اختنق قبل ما يخرج:
– محمود…

هو رفع عينه عليها شويه، ابتسامة ضعيفة بس مليانة تعب ظهرت على وشه، وحاول يقول:
– بسمه… ما تقلقيش… أنا كويس.

بس بسمه ما صدقتش الكلمة… رجليها اتخشّبت قدامه، عيونها لسه مبتسماش، وكل اللي جواها كان: "هو فعلاً هنا… حي… ولا أنا هافقده؟"

محمود حاول يمد إيده، بصوت واطي لكنه حنون:
– تعالي… قربي.

بسمه وقفت دقيقة، دموعها نازلة، قلبها بيرقص من الفرح والخوف مع بعض، وبعدين مشيت ناحية السرير وجلست جنبه، ماسكة إيده… عارفة في اللحظة دي إن أي حاجة ممكن تكون صعبة، بس المهم إنه موجود قدامها، وسلامته أهم حاجة.

قرايب بسمه كانوا واقفين عند الباب، عيونهم مليانة استغراب، بيتساءلوا في سرّهم: ليه ماسكة إيده كده؟

محمود حس بنظراتهم المليانة فضول، فرفع صوته بهدوء لكنه حازم:
– ممكن تسبونا شويه؟

بسمه اتوترت، قلبها بقى يدق بسرعة، ودلوقتي كل اللي حواليها اختفى من وعيها… كل اللي كان مهم دلوقتي هو محمود… وجوده جنبها، ودفء إيده اللي ماسكتها.

قرايبها تبادلوا نظرات استغراب، ومفيش حد قال كلمة، وبعد لحظة خرجوا من الغرفة، سايبينهم لحظتهم الخاصة.

الغرفة بقت هادية فجأة، بس هدوءها كان مليان شعور… شعور بالحب والخوف والراحة كلها في نفس اللحظة.

بسمه شدت نفسه، دموعها لسه بتلمع في عينيها، وحست إنها لازم تقول كل اللي جواها:
– أنا اتخضيت أوي… لارا كانت بتكلمني وبتعيط… حسيت إنك هتموت.

محمود ابتسم، ضحكته واطية، مليانة طمأنينة:
– م… انتي عارفة لارا بتأفور.

بسمه ابتسمت بخفة، ولسه مش قادرة تسيب قلبها يرتاح بالكامل، فسألت:
– يعني… انت بجد كويس؟

محمود قرب منها شوية، صوته مليان حنية واطمئنان:
– زي الفل أهو.

وبسمه حسّت فجأة إن كل الخوف والقلق اللي جواها بدأ يخف… ومهما حصل، هو دلوقتي جنبه، بخير، وما فيش حاجة تقدر تاخده منها.

بسمه ما قدرتش تمنع نفسها، مدّت إيدها تاني ومسكت إيده اللي على السرير، إيدها كانت بترتعش بس دافية، كأنها أخدت أمانها من مجرد لمسته.

هو بص لها وابتسامة رقيقة ارتسمت على وشه، وقال بنغمة هزار خفيفة:
– باين عليكي اتخضيت عشاني بجد.

بسمه رفعت عينيها ليه بسرعة، وبصوت متلخبط بين العتاب والاعتراف:
– أكتر مما تتخيل… أنا كنت بموت من الرعب.

ضحك محمود بخفة، وقال وهو يضغط بإيده على إيدها:
– خلاص، طول ما إنتي ماسكة إيدي كدا، مش هيحصلي حاجة.

بسمه اتكسفت من كلماته، ضحكت غصب عنها، بس قلبها كان بيخبط جامد لدرجة إنها حسّت صوته جوه ودانها.

وفجأة باب الأوضة اتفتح، ودخلت ملك وهي شايلة عصير لمحمود.
عينها وقعت على إيد بسمه الماسكة إيده، واتجمدت في مكانها.

بسمه اتسحبت بسرعة وسابت إيده، ووشها احمرّ كأنها اتفضحت.
ملك بابتسامة باينة إنها مصطنعة:
– جبتلك العصير يا محمود… شكلك محتاج فيتامينات.

محمود خد الكوباية منها بهدوء وقال:
– تسلمي يا ملك.

وبعدها رفع عينه على بسمه، وبنظرة قصد بيها يطمنها، قال:
– بس بصراحة أنا اتعافيت من أول ما شوفت بسمه واقفة جنبي.

ملك اتشدّت ملامحها، وضحكت ضحكة صغيرة باين فيها الغيرة:
– أيوه… واضح.

وخرجت وهي بتعض على شفايفها من الغيظ.

بسمه اتلخبطت أكتر وقالت بخجل:
– ليه قلتلها كدا؟!

محمود وهو بيرمش لها بنص عين:
– عشان تبطّل تلزق، وتعرف إن في ملكة هنا أصلاً.
ابتسمت بسمه على كلامه، الابتسامة اللي دايمًا بيبقى فيها دفء… وكأنها مفتاح لقلبها اللي لسه بيتعلم يهدأ بعد كل التوتر والخوف.

بعد ساعات، أبو بسمه رفع صوته بخفة:
– يلا كدا… روحي انتي ومروان وبقيت العيال… عشان تعبتوا.

بسمه بصت لأول مرة لباباها، وبعدها رجعت تبص لمحمود اللي قاعد على السرير… تعبان، عيونه نصها سايبه نصها نايم، جسده مرهق من الحادثة.

ابتسم لها، الابتسامة اللي فيها طمأنينة وحنية:
– روحي… عشان تعبتي النهارده، ومكلتيش حاجه من الصبح.

بسمه هزت راسها بحزن، مش قادرة تسيبه وهو ف الحاله دي ، ومع كل خطوة كانت بتبعد عن الغرفة، قلبها كان واقف مكانه، عايز يقعد جنب محمود ويطمن عليه، لكنها عارفة إنها لازم تمشي.

خرجت من المستشفى، رجليها كانت تقيلة، وقلبها كان بيندمج بين الحزن والخوف وحبها اللي بيكبر جواها.
الهواء البارد لمس وشها، لكنها ما حستش بالبرد… كل اللي شغّلها كان صورة محمود على السرير، ضعيف لكنه موجود، وابتسامته اللي حاولت تطمّنها.

وقفت شوية عند باب المستشفى، عينها بتدمع، وفكرها بيرجع تاني للوقت اللي كانوا فيه سوا قبل الحادثة… كل لحظة ضحك، كل لمسة بسيطة، كل كلمة حنان.

اتنهدت، وحست إن الحب اللي جواها مش بس خوف أو تعلق… ده حب حقيقي، حب مش عايز يسيب حد.
لكن في نفس الوقت، الخوف من فقدانه كان مضاعف: "مفيش أي حاجة تقدر تاخده مني… أنا مش هسيبه."

وفي اللحظة دي، قلبها اتأكد من حاجة واحدة: انها فعلا بتحب محمود، ومهما الوقت يبعدهم عن بعض، حبها لمحمود أكبر من أي حاجة، ومستعد تواجه أي خوف أو ألم عشانه.

عدّت الأيام بسرعة، وبسمه كانت مشغولة بين المذاكرة والدروس، وكل مرة تحاول تروح محمود، الوقت يضيع.
لكن أخيرًا، اليوم اللي فيه محمود هيخرج من المستشفى جه.

صحيت بدري ترتب نفسها وتجهز عشان العيله هتستقبله 
كانت متوتره وقلبها بيدق ومتشوقه جدا إنها تشوفه اسبوع كامل عينيها ملمحتهوش بس النهارده اخيرا هتشوفه!

الدقايق بقت ساعات، والساعات بقت أثقل من الأيام…
بسمه قاعدة في الصالون، كل ما تسمع صوت حركة أو باب بيتفتح قلبها يطير، تقول: "هو جه؟" وتلاقيها غلطة.

ملك لسه واقفة قدامها، بتبص لها بضحكة جانبية:
– طيب ماشي يا بسمه، ابن خالك وحشك… بس شكلك متكهربه زيادة.

بسمه نفخت بملل وعيونها اتحولت للساعة:
– خلاص يا ملك، بلاش رخامة…

وفجأة، اتفتح الباب… صوت خطوات تقيل داخل.
بسمه أول ما سمعت الضحك والكلام، قلبها وقع.
ولما شافت محمود داخل، لابس هدوم خفيفة ووشه شاحب شوية من التعب، بس ابتسامته منورة… الدنيا وقفت.

كل اللي في القاعة قاموا يسلموا عليه، يضحكوا معاه، يطبطبوا عليه…
أما هي، وقفت مكانها، إيدها بتترعش، ومش عارفة تتحرك ولا تقول إيه.

محمود وسط الزحمة، عينه ما دورتش كتير… أول ما دخل، أول حد وقعت عليه عيونه كان بسمه.
ابتسامة صغيرة كسرت ملامحه الهادية، وهو بيتقدم ناحيتها وسط الضحك والكلام.

هي وقفت، قلبها بيقول "اجري"، عقلها بيقول "استني"، لحد ما لقت نفسها واقفة قصاده.
هو مد إيده يسلم عليها وقال بصوت واطي:
– إزيك يا بسمتي… وحشتيني.

ردت بصوت متقطع، ودموعها على وشك تنزل:
– إنت أكتر…

وهي بتسلم عليه، ملك واقفة من بعيد، عيونها مليانة نار.

بعد السلام والزحمة والضحك، الكل كان مشغول يحكي مع محمود عن المستشفى، عن صحته، وعن الحادثة.
لكن بسمه كانت قاعده قصاده على طرف الكنبة، ساكته، عينها بتلمح له كل شوية من غير ما تاخد بالها.

بعد وقت قصير، العيلة اتشغلت بالكلام مع بعض، والأطفال فضلوا يجروا في الصالة.
محمود حرك الكرسي بتاعه بهدوء وقرب من بسمه، صوته واطي وسط الضوضاء:
– مش عارف أصدق إني رجعت هنا تاني… وأول وش قدامي يبقى وشك.

بسمه قلبها اتقبض واتفتح في نفس الوقت، بصت في الأرض وقالت بخجل:
– أنا كنت هموت من القلق عليك.

محمود ابتسم ابتسامة صغيرة، فيها امتنان ووجع:
– وأنا كنت كل ما أفتكر إنك مستنياني، أحس إن عندي سبب أقاوم وأرجع بسرعة.

سكتوا لحظة، العيون مش قادرة تتقابل، لكن القلوب بتتكلم.
هي مسكت طرف الطرحة بتاعتها بتوتر، وهو سند ضهره للكرسي كأنه بيحاول يخبي تعبه.

فجأة، ملك دخلت عليهم بالكلام، صوتها عالي:
– يا سلام! قاعدين في ركن لوحدكم!

بسمه اتوترت، قامت بسرعة:
– لأ، أنا رايحة أجيب شاي.

سيبت محمود واقف بعينه متعلقة بيها، وهو من جواه بيقول:
"هو أنا هرجع وخسرك؟ مستحيل."

محمود دخل البلكونة، الجو كله ضحك وحديث متداخل… ولاد وبنات العيلة واقفين في مجموعات صغيرة بيتكلموا.
عينه كانت بتلف بسرعة، بيدور عليها وسط الزحمة، لحد ما شافها.

بسمه واقفة جنب مروان، بتضحك على حاجة قالها، وشها منور بالابتسامة اللي هو نفسه يشوفها موجهة له بس.
في اللحظة دي، ملامح محمود اتشدت، عينه اتغيرت… لمعة الغضب ولّعت فيها نار.

قلبه بيتكلم أسرع من عقله: "إزاي واقفة كدا معاه؟ إزاي ضحكتها راحت له مش ليا؟"
إيده اتقبضت من غير ما ياخد باله، وأنفاسه بقت متقطعة.

مروان كان بيهزر معاها وهو ماخدش باله إن محمود واقف.
لكن بسمه حسّت بنظراته، التوتر سرى في جسمها، ضحكتها اتكسرت فجأة، وبصت ناحيته.

محمود ما اتحركش… واقف مكانه، نظرته كلها كلام صامت، غضب وغيرة وحب متملك.
والصمت اللي بين عينه وعينها كان أقوى من أي كلمة اتقالت في البلكونة كلها.

مروان التفت لقريبه ونشغل في الكلام، ودي كانت اللحظة اللي محمود مستنيها.
اتحرك بسرعة ناحية بسمه، ملامحه متوترة، عينه مولعة من الغيرة ولسه هيقول الكلام اللي كتمه جواه.

قبل ما يفتح بقه…
بسمه رفعت إيدها برقة، وحطت صباعها بخفة على شفايفه.

قالت بصوت واطي، وعيونها مغرقة مشاعر:
– بحبك.

الكلمة وقعت زي الصاعقة جواه، كل غضبه اتبخر في ثانية، قلبه دق بقوة وهو مش مصدق إنه أخيرًا سمعها منها.

محمود بص لها، صوته اتكسر وهو بيرد:
– قوليها تاني…

ابتسمت بسمه وهي همسّت:
– بحبك.

محمود حس الدنيا كلها وقفت، قلبه دق بسرعة، مد إيده بهدوء وخد إيدها من على بقه، مسكها بين إيده بقوة كأنه خايف تفلت منه.
قال وهو بيحاول يسيطر ع نفسه:
– أنا كمان… أكتر مما تتخيلي.

لحظة صمت جمعتهم، مفيش صوت غير دقات قلوبهم اللي بتخبط في بعض.
الهواء كان تقيل، بس مليان حب.

محمود رجع شقته بعد يوم طويل، لكنه مش حاسس بأي تعب… كل اللي شاغل دماغه هو بسمه.
أول ما دخل أوضته، رمى نفسه على السرير، مسك التليفون بإيد مرتعشة من الشوق، وكتب رسالة:

محمود: نمتي؟

ثواني بسيطة عدّت كأنها دقايق، لحد ما التليفون نَوَّر برسالتها:

بسمه: لسه.

ابتسامة خرجت من قلبه قبل وشه، كأنه لسه واخد نفس بعد غرق طويل. كتب بسرعة:

محمود: محضرلك مفاجأة بكرة.

قلبها بدأ يدق وهي قاعدة في سريرها، بتقرأ الكلمة أكتر من مرة. ردت بفضول:

بسمه: مفاجأة؟ إيه؟

هو ضحك لوحده، عارف إنها مش هتنام دلوقتي من التفكير، وكتب:

محمود: ما أنا لو قولتلك… مش هتبقى مفاجأة يا بسمتي.

عيونها بقت تلمع، والابتسامة سيطرت على وشها وهي تكتب:

بسمه: هستنى أعرف بكرة.

قفلت الموبايل وحضنته كأنه محمود نفسه، أما هو فساب التليفون على صدره، وقلبه بيرقص من الفرحة.
ناموا هما الاتنين بنفس اللحظة… بس مش نوم عادي، ده نوم مليان أحلام حلوة عن بكرة اللي هيجمعهم.

في اليوم التالي

محمود قاعد قدام أبوه، قلبه بيدق بسرعة، بس ملامحه هادية ومصممة.
محمود بحمحمة:
– يـا حج… أنا عايز اتجوز.

أبوه رفع حاجبه وضحك بخفة:
– تتجوز؟! دا مين اللي هيرضى بابن لسه متخرجش؟ ومين العروسة يا سي العريس؟

محمود بابتسامة صغيرة لكن صوته جاد:
– بسمه…

الضحكة وقفت على وش أبوه فجأة، وبص له بصدمة:
– بسمه؟! بنت أختي؟

محمود هز راسه بالإيجاب من غير تردد.

أبوه قعد ساكت لحظة، بياخد نفس عميق:
– يا بني… دي أكبر منك. وبعدين… دول قرايبنا. إفرض ما وافقوش؟ أنا مش عايز علاقتي تتوتر مع أختي عشان مشاعر ممكن تروح في أي لحظة.

محمود قعد أقرب، صوته فيه إصرار بيخليه أكبر من سنه:
– لأ يا حج، أولا الفرق مش كبير خالص… وثانيًا، أنا مش باخد الموضوع هزار. بسمه بنت كويسة ومتربية، وأنا بحبها بجد… ومشاعري دي عمرها ما هتتغير.
وبعدين… الجواز مش قرار عيلة، دي حياتي وحياتها. هي اللي هتقول الكلمة، مش حد تاني.

أبوه فضل ساكت شوية، يراقب عيني ابنه اللي مليانة إصرار.
محمود كمل:
– متقلقش على علاقتك بعمتي… أنا الأول هروح أكلم عمي، لو وافق يبقى خير وبركة، ولو لأ… يبقى على الأقل حاولت.
بعدين إحنا لسه صغار، نخطب سنة… نخلص الكلية، وبعدها نتجوز في الشقة اللي حضرتك مديهالي.

أبوه ابتسم بخفة، وهو بيهز راسه:
– دا أنت طالع مخطط لكل حاجة يا واد.

محمود ضحك وقال بثقة:
– عيب عليك يا حج… أهو ابنك برضه.

دخل أبو محمود الأوضة، وهو باين عليه لسه متأثر من كلام ابنه.
أم محمود، اللي كانت قاعدة، رفعت عينيها وقالت بنبرة شك:
– الواد دا كان بيكلمك في إيه؟

أبو محمود حاول يبان هادي، بس صوته فيه ارتباك:
– مفيش يا ستّي… الأستاذ عايز يخطب.

ضحكت بسخرية وهي تقول:
– يخطب؟! يخطب مين بقى إن شاء الله؟

أبو محمود اتردد لحظة، وبعدها نطق الكلمة اللي قلبت الجو كله:
– بسمه.

الضحكة وقفت على وشها، اتحولت لصدمة وغضب:
– بسمه؟! بنت أختك؟! دا على جثتي! أنا بالعافية مستحملة إنهم كل أجازة يجوا ويقعدوا، لكن يجوا يدخلوا عليّ كمان جوا بيتي بالجوازة دي؟! مستحيل، مش هسمح.

أبو محمود عينيه ولعت، وصوته علا لأول مرة:
– إنتي اتجننتي ولا إيه؟! دي أختي! وبنتها إحنا عارفين أخلاقها وتربيتها كويس… وبعدين البيت دا مش بيتك  البيت دا ملكي انا واخواتي، 
وبنبره تأكيد:ليّ أنا وأخواتي. يعني أختي و بسمه وكل اللي قاعدين ف البيت قاعدين في ملكهم مش متطفلين.

وقف وشه في وشها وقال بصرامة:
– القرار مش قرارك… انا راجل البيت ودا قراري. وأنا موافق. ومش عايز أسمع الكلام دا تاني!

وبدون ما يستنى ردها، خرج ورزع الباب وراه… سايبها قاعده وسط صدمتها وغليانها.

تعليقات



<>