رواية في حد ساعات بيكون بيحبك ومبتشفهوش الفصل الاول1 بقلم خديجه احمد

رواية في حد ساعات بيكون بيحبك ومبتشفهوش الفصل الاول1 بقلم خديجه احمد 

 بسمه كانت قاعدة ف البلكونة، وسط الزرع اللي متشال بعناية كإنه عالم صغير حواليها، والقمر فوق بيدي ضيّ أبيض هادي.

هي ساكتة، عينيها شاردة بعيد، وجواها صوت بيعافر: ليه أنا؟ ليه محدش شايفني؟


محمود كان واقف جمبها، ماسك موبايله، بس عينه بين الحين والتاني بتروح عليها من غير ما تاخد بالها.

وفجأة سألته، بصوت مشحون بالوجع:

– هو أنا… متحبش؟


الكلمة كسرت السكون، وهو قلبه اتقبض.

بص لها وقال بثقة كان بيتمنى هي تصدقها:

– إيه السؤال دا؟ أكيد تتحبي.


ضحكت، بس الضحكة كانت شبه بكاء مخنوق:

– إيه الثقة دي؟


هو شد نفسه وقال:

– ثقة إني عارفك. ثقة إنك تستاهلي تتحبي، ومش أي حب… حب كبير. المفروض إنتي كمان تشوفي دا.


هزت راسها وقالت:

– أشوف إزاي يا محمود؟ أنا لحد دلوقتي مفيش حد جه اتقدملي. شوفت اختي سلمى؟ قد إيه بيتقدم لها؟ وأنا… ولا كأني موجودة. أنا حاسة إني وحشة أوي، ومفيش حد ممكن يحبني بجد.


هو اتنهد، وبص لها وهو حاسس بكل كلمه بتقولها زي سهام:

– يا بسمتي، دا مش مقياس خالص. العرسان مش هم اللي يحددوا قيمتك. بالعكس، انتي غالية… وبتتحبي، يمكن من ناس أقرب ما تتخيلي.


هي ضحكت بسخرية مرّة:

– طب قولهم ييجوا يظهروا بقى. يمكن ألحق أخطب واتستت.


قلبه وجع، بس خباه في كلمه قصيرة:

– بصي حواليكي. ركزي. شوفي مين فعلاً جمبك. مين بيسأل عليكي. مين بيخاف عليكي.


بسمه بصت له باستغراب، وبعدين خبطته بخفة على دراعه وقالت وهي بتضحك:

– أنا عارفة يا سيدي إنك إنت أقرب حد ليا. بس مش قصدي كدا. قصدي حد يحبني بجد… حد يعافر عشاني، زي ما عامر بيحب نهى.


محمود سكت لحظة، وعينيه غرقت بحاجات مكبوتة من سنين.

وبنبرة هادية، شبه همس، خرجت الكلمة منه من غير ما يقصد يسيطر عليها:

– أنا! … أنا اللي بحبك.


الكلمة وقعت تقيلة في الجو، كإن البلكونة نفسها اتجمدت.

بسمه اتسمرت مكانها، قلبها دق بسرعة مش مفهومة، وبصتلُه بعيون واسعة فيها صدمة وارتباك.


– إيه؟ إنت قلت إيه يا محمود؟


هو بلع ريقه، وصوته بقى أهدى، لكنه مليان صدق:

– اللي سمعتيه. أنا بحبك من زمان… من قبل ما تسألي السؤال دا أصلاً.


هي اتلخبطت، ضحكت ضحكة صغيرة مرتبكة وهي بتبص بعيد:

– إنت بتهزر، صح؟


محمود قرب خطوة منها، ملامحه جادة، وصوته واطي بس واضح:

– عمري ما هزار في حاجة زي دي. يمكن خوفت أقولك قبل كدا… يمكن استنيت اللحظة الصح، ومجتش. بس إنتي النهارده قلتي إنك مش تتحبي… وأنا هنا. طول عمري هنا.


بسمه سكتت، جواها حرب. جزء منها فرحان، قلبها بيرقص من جملة كان نفسها تسمعها طول حياتها، وجزء تاني متردد… وسط التردد دا خبطت حقيقة مرّة في راسها.


بصّت للقمر كإنها بتستقوي بيه، وقالت بصوت فيه ارتعاشة:

– محمود… إنت أصغر مني.


هو ما اتفاجئش، بالعكس، كإنه كان عارف الاعتراض دا من قبل ما يطلع من بقها. ابتسم ابتسامة حزينة لكنها صافية، وقرب أكتر لحد ما بقى صوته قريب من قلبها:

– مش بالسن يا بسمه. سيدنا محمد ﷺ اتجوز السيدة خديجة وهي أكبر منه بكتير. أما إحنا… الفرق بيننا ست شهور. يعني إيه ست شهور قصاد اللي بيني وبينك؟


هي اتنهدت، حاولت تخبي ارتباكها:

– بس يا محمود، الناس مش بترحم. أول ما يسمعوا إن البنت أكبر من الولد، يبتدوا يعلقوا ويتكلموا. وأنا… أنا مش قد كلام الناس.


محمود شد نفسه، وصوته بقى حاسم لأول مرة:

– طب وسيبتي قلبك فين وسط كلام الناس؟ أنا مش طالب منك دلوقتي تقولي بتحبيني ولا لأ. أنا كل اللي طالبه تفكري… تفكري بعيد عن عيون الناس، بعيد عن أي حد. بينك وبين نفسك.


بسمه بصت له، وعينيها مليانة ارتباك، بس جواها كان فيه شعور جديد بيتولد… شعور مش عايزة تعترف بيه دلوقتي.

دخلوا القرايب، والقاعدة اتملت بالضحك والكلام العالي، الأطفال بيجروا حوالين الكراسي، ورائحة الشاي بالنعناع مالية المكان. الكل بيشارك، إلا بسمه. كانت قاعدة وسطهم جسدها حاضر، لكن عقلها ووجدانها في حتة تانية خالص.


هو أنا بجد… اتحب؟ ولا دي مجرد لحظة ضعف منه؟

سؤال فضل يتردد جواها وهي بتحاول تبتسم عشان ما يبانش اللي جواها.


محمود كان قاعد في الركن التاني، ومع ذلك عينه مرسومة عليها. حاسس بكل ارتباكها، بكل التوتر اللي ماليها.

بسمه حسّت بنظرته، قلبها خبط أسرع. ولما عينيها قابلت عينيه، ارتبكت أكتر، وبعدت بسرعة كإنها خايفة تتفضح.


رفعت كباية الشاي قدامها كحجة، شربت منها وهي مش واخدة بالها إن إيدها بترتعش. حاولت تداري بس جواها صراع: جزء منها عايز يسيب نفسه للحظة، وجزء تاني بيشدها للوراء ويقول: لأ، متتهوريش.


محمود شال عينه عنها، بس ابتسامة صغيرة ظهرت على وشه… ابتسامة اللي فاهم، وصابر.


وسط دوشة القرايب والضحك، مروان، ابن خالتها، قرب منها وقال وهو بيتأملها:

– بس الفستان دا… موت الموت.


ضحكت بسمه بخفة، بتحاول تكسر ثقل الكلمة:

– أمال يا بني هو أنا بجيب أي حاجه برضه؟


الجملة عدّت عادي عند باقي القاعدين، لكن عند محمود… لأ.

محمود كان قاعد بعيد، بس عينه ما فارقتهاش. ملامحه اتغيرت، وتشدت عضلات وشه. الغيرة اتكتبت على ملامحه أوضح من أي كلمة.


بسمه، من غير قصد، بصّت ناحيته… وشافت النظرة. قلبها وقع. كانت أول مرة تشوف الغضب ده بعينه، غضب مش عادي… غضب حد بيغير بجد.


حاولت تكمّل كلامها مع مروان وتضحك كأنها مش شايفة، لكن جواها الارتباك زاد: هو… فعلاً بيغير عليّا كدا؟


محمود سكت، بس إيده كانت بتخبط على الترابيزة من تحت، وصوته الداخلي بيصرخ: كفاية هزار! هي مش لأي حد يمدحها كدا قدامي.


بعد شوية، بسمه قامت رايحة المطبخ تجيب حاجة تشربها، والمطبخ كان هادي، بس الجو مليان توتر بينهما.


محمود قام وراها، وصوته مليان غضب، مش غضب عليها، لكن غضب من اللي حسه جوه قلبه:

– هو إيه اللي حصل برا دا؟ وبيهزر معاكي ويقول كده إزاي؟


بسمه التفتت له بحذر، بتحاول تهدي الجو:

– إيه يا محمود؟ دا مروان… مش غريب يعني. وبعدين هو دايمًا بيهزر كده معايا.


محمود شد نفسه، صوته ارتفع شوية، مليان قلق وغيرة:

– ودايمًا؟ طيب وبعدين؟ أنا مش عايز أشوف الهزار دا تاني معاه!


بسمه اتلخبطت، حاولت تفسر له اللي جواها:

– محمود… انت قولت مش هتضغط عليا! وبكلامك دا انت بجد بتوترني، بتحاول تتحكم فيا قبل ما يبقى بينا أي حاجة! أمال إيه اللي هيحصل لما يكون بينا حاجة بجد؟


محمود اتصدم من كلامها. حس فجأة إنه فعلاً بيفرض نفسه عليها، والكلمات دي وقعت عليه زي صاعقة. بص ليها نظرة طويلة، مليانة صدمة واعتراف:

– عندك حق يا بسمه… أنا آسف. مش هضغط عليكي بأي شكل.

محمود مشي من قدامها وهو متضايق، رجع لشقته، وهو ساكت لكن كل خطوة منه كانت مليانة توتر وغضب مكتوم.


أما بسمه، فكانت واقفة في المطبخ، نفسها مش قادرة تهدي. بدأت تكلم نفسها بصوت واطي، شبه همس:

– غبية… غبية…


وفجأة، مروان دخل عليها وهو بيضحك شوية:

– إنتي بتكلمي نفسك ولا إيه؟


بسمه حاولت تبتسم، عشان تغطي الارتباك اللي جوه قلبها:

– لا لا… تعال، تشرب عصير؟ خد… خد.


مدّت له الكباية، ومروان شكرها وخرج من المطبخ.


هي وقفت شوية، عينيها على الكباية، بس عقلها بعيد… بعيد عند محمود وكلامه اللي لسه في ودنها: “أنا آسف… مش هضغط عليكي بأي شكل.”


قلبها كان بيخفق بسرعة، ومزيج من الراحة والخوف والارتباك ملأها. كانت عارفة إن الكلمات دي جاوبتها على جزء كبير من اللي جوه قلبها، بس في نفس الوقت، السؤال لسه موجود: إيه اللي هيحصل بعد كده بينهم؟


بعد ما خرجت من المطبخ، لقيت نفسها مش قادرة تركز مع الضحك والهزار اللي مالي البيت. كل كلمة بتتقال حواليها بقت بعيدة، وصوت جوه قلبها هو الأعلى.


طلعت البلكونة لوحدها، نفس المكان اللي ابتدى فيه الكلام كله، وقعدت تبص للقمر.

هو أنا ظلمته؟ ليه كنت قاسية في ردي؟ هو فعلاً كان بيحاول يسيطر… ولا كان بيحاول يحميني؟


فضلت ساكتة، ودموع صغيرة نزلت على خدها من غير ما تحس.


وفي اللحظة دي، سمعت خطوات وراها.

التفتت… لقت محمود واقف، ملامحه لسه شايلة أثر الضيق، لكنه واضح إنه رجع مخصوص.


بصتلُه بخوف وتردد، لكنه هو كسر الصمت وقال بهدوء:

– جيت بس أتأكد إنك كويسة.


كلمة بسيطة… لكن دخلت جواها زي نسمة دافية.

ابتسمت ابتسامة ضعيفة، وقالت بصوت مبحوح:

– أنا كويسة… بس يمكن كنت قاسية عليك.


محمود اتنهد، وقعد جنبها من غير ما يقرب أوي:

– مش مهم. الأهم إنك تبقي مرتاحة.


سكتوا شوية، والهدوء غطّى عليهم. بسمه رفعت عينيها وبصتلُه، ولأول مرة ما بعدتش نظرها بسرعة.


عدّت الساعات ببطء، وكل واحد رجع لشقته.

البيت الكبير رجع هادي بعد دوشة العيلة… كإن الجدران نفسها بتتنفس من الراحة.


بسمه استلقت على سريرها، النور مطفي، والغرفة غرقانة في سواد الليل. عينها معلقة في السقف، بس عقلها مش سايبها تهدى.


هو فعلاً في حد ممكن يحبني بالطريقة دي؟

السؤال كان بيلف جواها زي موج البحر… يروح ويرجع ويخبط أقوى كل مرة.


طب أنا… أنا بحبه؟ ولا بس فرحانة إن أخيرًا في حد شايفني بالطريقة دي؟

اتلخبطت الأفكار، كل فكرة بتولد بعدها فكرة تانية، كإن دماغها ماتقفش أبداً.


قلبها كان بيندق بسرعة، بس فيه خوف مستخبي. خوف من إنها تاخد خطوة… وخوف أكبر من إنها تضيعها.


لحد ما التعب غلبها، وأفكارها اتلملمت في حلم نصه غريب ونصه حقيقي، ونامت… ودمعة صغيرة كانت لسه عالقة في عينها.


تاني يوم الصبح…

الشمس دخلت من الشباك بخجل، نورها ضعيف كإنه لسه بيتعلم يفتح عينه.

بسمه صحيت من النوم، لسه عينيها تقيلة من كتر التفكير، بس أول ما افتكرت اللي حصل امبارح، قلبها اتقبض من جديد.


قعدت على السرير، إيدها عاوزه تكتبله رسالة… تسأله: انت زعلان مني؟

بس ترددت، مسحت دموعها اللي لسه باقية، وقامت تجهز عشان تنزل تحت.


في نفس الوقت، محمود كان صاحي من بدري، قاعد في بلكونته وباصص للفراغ. سيجارة نصها مطفي في المنفضة، وعينيه شاردة.

كان بيفكر:

"هي عندها حق… يمكن أنا ضغطت عليها من غير ما أحس. بس أنا… أنا مقدرتش أمسك غيرتي. أنا بحبها بزيادة."


لما نزلوا تحت، كل العيلة كانت قاعدة تفطر.

بسمه دخلت، وهي بتحاول تضحك وتخفي التوتر اللي مالي قلبها.

وعينيها، من غير قصد، راحت تدور عليه.


هو كان قاعد بعيد، ساكت، مش بيشارك في الكلام زي العادة.

لكن أول ما نظرهم اتقابل…

هي حسّت بخبطة جواها، وهو قلبه وقع من جديد.


الجو كان مليان كلام متبلع، مش قادر يطلع.


بسمه دخلت المطبخ، شايلة الأطباق في إيدها، وفجأة لقت محمود واقف قدام الحوض، إيده في الميه السخنة، بيغسل الأطباق كإنه بيحاول يغسل معاياها غلي قلبه.


ابتسمت بخفة وهي بتحاول تكسر الصمت:

– دورك النهارده؟


محمود ما بصش عليها، هز راسه بهدوء، وكمل يغسل آخر طبق قدامه.

المية بتنزل وصوتها مالي المطبخ، لكن جواها وجواه في دوشة تانية أكبر.


هي كانت مستنية يقول أي كلمة… حتى لو بسيطة.

وهو، لسانه مربوط، خايف أي كلمة تطلع منه تتحول لضغط جديد عليها.


خلص الطبق الأخير، شطف إيده بسرعة، وساب المطبخ من غير ما ينطق غير صوت خطواته.


بسمه وقفت مكانها، بصت للباب اللي خرج منه، وابتسامتها خفتت.

جواها إحساس بالذنب كبر أكتر… وكأنها طردت حب كان بيخبط على بابها بإيده المرتعشة

تعليقات



<>