
صلوا على النبي
عليه افضل الصلاة والسلام ♥️
اليوم جه… والشنط متوضبة في العربية.
الشمس كانت بتنزل بهدوء، ونسمة هوا خفيفة معدية في الحوش الكبير.
العيلة كلها نازلة تودّع بسمه وأهلها بعد أجازة طويلة مليانة أحداث.
الأطفال بيجروا يضحكوا ويحضنوا بعض، الكبار واقفين يسلموا…
أما بسمه، كانت واقفة على السلم، قلبها تقيل، بتحاول تمسك دموعها.
محمود كان واقف بعيد شوية، عينيه ما بترتحش عنها.
ولما قربت العربية تتقفل أبوابها، مشي بخطوات سريعة لحد ما وقف قدامها.
بص لها وهو بيحاول يخفي ضيقه:
– "خلاص… الأجازة خلصت."
بسمه بابتسامة حزينة:
– "بس مش دي آخر مرة… هنشوف بعض قريب."
مد إيده بهدوء ومس إيدها لحظة خاطفة، قبل ما حد يلاحظ:
– "خلي بالك من نفسك… ولما توصلي طمنيني."
بسمه هزّت راسها وهي بتحاول تثبت ابتسامتها، بس جواها نار.
ركبت العربية، وكل ما العربية تبعد… عينيها ثابتة عليه، وهو واقف في مكانه ما اتحركش، كأنه مش راضي يسيبها تمشي.
الأيام في القاهرة مشيت تقيلة على بسمه…
كل ركن في بيتها فاضي من ضحك محمود، وكل مرة تبص من البلكونة تفتكر البلكونة التانية اللي كان مستنيها فيها.
لكن البُعد ما قدرش يوقفهم…
كل ليلة تقريبًا، بعد ما البيت ينام، موبايل بسمه ينور برسالة:
محمود: "وحشتيني، يومي ناقص من غير صوتك."
بسمه تبتسم وهي بتقرأ وترد بسرعة: "وأنا أكتر… بس خلينا نعد الأيام، وهيعدوا."
ساعات كانوا يتكلموا في مكالمات طويلة، يحكوا لبعض عن تفاصيل اليوم العادية جدًا…
هي عن محاضرتها والكتب، وهو عن شغله والمذاكرة.
بس وسط الكلام العادي، كان في لحظة صمت مليانة شوق… وكأن كل كلمة "وحشتني" بتتقال من غير ما تنطق.
محمود كان ساعات يبعتلها صور صغيرة: فنجان قهوة، أو كتاب مفتوح، ويكتب:
"كأني قاعد معاكي دلوقتي."
وبسمه كانت تبعتله صورة من كراستها، وجنبها وردة صغيرة:
"كأني بذاكر جنبك."
رغم المسافة، كانوا حاسين إنهم أقرب لبعض أكتر من أي وقت فات.
مرت الشهور تقيلة، كل يوم بيعدي كان محسوب عند بسمه ومحمود زي ما يكون نقطة في رصيد بيجمعوه سوا عشان يوصلوا للحلم الكبير.
محمود ساعات كان يقعد يبص للتليفون في إيده، قلبه عايز يقوم يشد شنطته ويروح لبسمه مهما كانت المسافة… لكن صوتها وهي تقوله بحزم حنون:
"محمود، أنا مش عايزة أتعبك ولا تجهد نفسك في المشاوير… خلينا نستنى ونكمل، وكل ده هيعدي."
كان بيخليه يحاول يسيطر على شوقه.
بسمه في ليالي كتير، كانت تبص لشهادة الجامعة اللي بتجهز لها وتقول في سرها:
"دي هتبقى بداية حياتي معاه… كل تعب النهارده هو الطريق بكرة."
الاتنين كانوا بيتسندوا على حلم الجواز اللي مستنيهم بعد الدراسة.
يتخيلوا البيت الصغير اللي هيجمعهم: مكتبة صغيرة لمحمود، ركن هادي لبسمه وقهوتها…
ويتخيلوا الضحك اللي هيملأ البيت، والونس اللي هيعوض كل أيام البُعد.
اللي كان بيهون عليهم فعلًا إنهم كل يوم بيتأكدوا أكتر إن حبهم حقيقي، وإنه مش مجرد لحظة حماس… ده صبر وصدق ووعود للمستقبل.
كان اليوم المنتظر أخيرًا… يوم التخرج. 🎓
الهواء كله كان مليان فرحة وأمل جديد، ضحكات الطلبة، صور في كل مكان، وزغاريد أهالي بيودعوا رحلة طويلة من التعب.
بسمه وقفت قدام الكاميرا وهي لابسة الروب الأسود والتاج اللي فوق الطاقية، عينها بتلمع وهي ماسكة شهادة تخرجها. قلبها كان بيقول: "خلاص… الطريق بقى قصير ما بيني وبين حياتي الجديدة."
رفعت الموبايل بسرعة وكلمت محمود:
– "كان نفسي تكون معايا في اليوم ده."
ضحك محمود من قلبه، صوته مليان حنية:
– "لو عايزاني أجيلك دلوقتي، والله أكون قدامك قبل ما يخلص اليوم."
ابتسمت بسمه وهي بتحاول تخفي شوقها:
– "هه، لا يا محمود، انت كمان عندك حفلة التخرج بتاعتك… روح شوف أصحابك، وودّع السنين دي زَيّ ما أنا بودّعها."
محمود اتنهد وقال بصدق:
– "طب أوعديني بعد ما تخلصي، أول صورة هتاخديها هتبعتيهالي… عايز أشوف فرحتك بنفسي."
بسمه ضحكت:
– "وإنت كمان تبعتلي صورتك مع أصحابك… نفسي أشوفك فرحان زي ما أنا فرحانه."
بسمه كانت واقفة مع أصحابها في ساحة الكلية بعد الحفلة، لابسة روب التخرج والكاب، والضحكة مش سايبة وشها. كانت بتتصور وتضحك، بس جواها كان فيه فراغ صغير… كانت بتتمنى محمود يكون واقف جمبها.
مسكت الموبايل، فتحت الكاميرا الأمامية، وقالت:
– "هاصوّر فيديو وأبعته لمحمود عشان يحس إنه معايا."
لكن قبل ما تضغط زر التسجيل… سمعت صوت مألوف وراها:
– "هو أنا ينفع أسيب بسمتي في يوم زي ده؟"
اتجمدت في مكانها، قلبها دق بسرعة، لفت بسرعة… ولقت محمود واقف، لابس بدلة بسيطة شيك، وشايل في إيده بوكيه احمر🌹.
صرخت من الفرحة:
– "محمــــــــود!"
وجريت ناحيته من غير ما تحس بنفسها.
هو ابتسم وهو بيقول:
– "مبروك يا دكتورة… تعب السنين كله النهارده يساوي الفرحة اللي في عينيكي."
بسمه وهي مش مصدقة:
– "إزاي جيت! أنا كنت بقولك المسافة بعيدة."
محمود ضحك:
– "المسافة تهون… لكن لحظة زي دي متتعوضش."
أصحاب بسمه حواليهم بدأوا يزغرطوا ويصفقوا، والبعض صرخ: "كتب الكتاااب قريب!"
هي اتكسفت، لكن الفرحة اللي جواها كانت أكبر من إنها تتخبى.
بسمه وقفت قدامه وهي الدموع مفرحة عينيها:
– " مش قادرة أوصفلك أنا مبسوطة قد إيه إنك هنا."
هو ابتسم بهدوء، وبص لها بكل فخر:
– "أنا جيت عشان أقولك… خطيبتي اتخرجت النهارده، وبقت دكتورة كبيرة. أنا فخور بيكي قد الدنيا يا بسمتي."
ضحكت وهي بتقول بخجل:
– "ربنا يخليك ليا يا محمود… وجودك معايا النهارده أحلى هدية."
مد إيده وطلّع علبة صغيرة فتحها قدامها، جواها سلسلة بسيطة رقيقة فيها حرف B و M متشابكين.
– "دي هدية نجاحك… عشان تفضلي شايلة أول حرفين مننا مع بعض."
الطلبة اللي حواليهم بدأوا يصفقوا ويهتفوا: "بسمه ومحمود… مبروك!"
هي اتكسفت جدًا وضحكت، وهو مد إيده وعلّق السلسلة في رقبتها وهو بيقول بصوت منخفض بس مليان حب:
– "مبروك يا بسمتي… النهارده البداية الحقيقية لحياتنا."
الليلة دي كانت مختلفة… بسمه رجعة مع أهلها، ضحكة هنا وكلمة هناك، لكن قلبها كان تقيل شوية، خصوصًا وهي شايفة محمود معاهم والليل اتأخر.
قالت له وهي بتبص بخوف خفيف:
– "بس إنت مش هتلحق تروح النهارده… الوقت اتأخر."
هو ضحك بهدوء، قرب منها وقال:
– "ومين قالك إني هروح؟"
اتلخبطت، عقلها مش قادر يستوعب، ولسه هتسأله "إزاي؟" لقت إيده على بُقها وهو بيبصلها بعينين كلها طمأنينة:
– "متقلقيش… أنا عارف بعمل إيه."
دخلوا الشقة… وهنا الصدمة.
قدامها المشهد اللي عمرها ما كانت متصورة تشوفه بالشكل ده.
خالها محمد، أبو محمود، قاعد جنبه أبوها والمأذون، والجاتوه متزوق على الترابيزة، وعلبة صغيرة باللون الأزرق جنبهم بتلمع تحت نور الأباجورة.
رجليها اتقلّت… قلبها دق بقوة.
بصت لمحمود بعيون مصدومة، وهو رد عليها بنظرة كلها ثقة وابتسامة صغيرة بتقول: "مفاجأتي ليكي بدأت."
محمد بحنية مد صوته:
– "تعالي يا بنتي… اقعدي جنبي."
بلعت ريقها بالعافية، وخطواتها بقت تقيلة، لكن أخدت نفسها وقعدت.
محمود بدوره قعد جنب أبوها، كأن المشهد كله مرسوم ومترتب.
محمد أخد نفس وقال بهدوء لكن بصوت مليان قرار:
– "طبعا يا أبو بسمه… إنت عارف إحنا جايين ليه… جايين نكتب كتاب محمود على بسمه… إن شاء الله."
الكلمة نزلت زي البرق على ودنها… دقات قلبها كانت أسرع من أي وقت فات.
إيدها كانت عاوزة تمسك نفسها من الارتجاف، وعينيها مش قادرة تسيب محمود اللي كان قاعد متماسك، وكل ملامحه بتقول:
"دلوقتي بقينا قدام الكل… مستني كلمتك."
قلب بسمه كان عامل زي طبلة حرب… كل دقة أقوى من اللي قبلها، كأن الدنيا كلها اتسكت ومافيش غير صوت أنفاسها.
حست عيون الكل متعلقة بيها، مستنيين الكلمة اللي هتغير حياتها.
بصت للأرض بخجل شديد، صوتها طلع واطي لكن واضح:
– "اللي بابا شايفه."
الكلمة نزلت زي العهد، زي ختم مكتوب من قلبها.
أبوها ماقدرش يمنع ضحكته اللي كانت مليانة كسوف وفخر في نفس الوقت، بص لمحمود وقال:
– "ع بركة الله."
الجو اتغير في لحظة… الكل ابتسم، أصوات "مبروك" بدأت تتقال من هنا وهناك.
محمود كان قاعد، لكنه حس كأنه قام وطار، وشه منور، وعينيه غرقانة فرحة وهو بيبص لبسمه، اللي لسه حاطة عينيها في الأرض ووشها محمر من الخجل.
محمد –خالها– ابتسم براحة وقال:
– "مبروك يا ولاد… ربنا يتمملكم بخير."
محمود أخد نفس عميق… كان نفسه يقوم ويقول قدام الكل: "أخيرًا بقت ليا."
بس اكتفى إنه يفضل يبصلها بنظرة كلها شكر وحب ووعد صامت:
"أنا مش هسيبك طول العمر."
محمود كان واقف مع أبوها، بيكلم المأذون اللي اتعزم مخصوص، وإيده بتتهز خفيف من التوتر. قلبه بيقول له: "خلاص… اللحظة دي اللي استنيتها سنين جاية دلوقتي."
محمد –خالها– كان واقف مبتسم، بيطبطب على كتف محمود:
– "شد حيلك يا بطل… أهم ورقة في حياتك."
بسمه دخلت وهي لابسة طرحة بيضا بسيطة، وكل العيون اتلمت عليها. محمود أول ما شافها، ابتسامته وسعت، وكأنه نسي أي تعب فات.
المأذون قعد، والكل حوالين الترابيزة. الجو بقى ساكت فجأة، مفيش غير صوت قلبين بيدقوا… قلب بسمه وقلب محمود.
المأذون بص لمحمود:
– "يا أستاذ محمود… هل تقبل الزواج من الآنسة بسمه على سنة الله ورسوله؟"
محمود صوته كان ثابت، لكن جواه بركان فرحة:
– "أيوه، قبلت."
كل العيون اتنقلت على بسمه، اللي عينيها كانت بتلمع من الخجل والرهبة… المأذون كرر:
– "وإنتي يا بسمه… تقبلي تتجوزي محمود على سنة الله ورسوله؟"
سكتت لحظة… بلعت ريقها، وصوتها طلع أهدى من النسمة:
– "أيوه… قبلت."
الكل انفجر في زغاريط وضحك وتصفيق، ومحمود وهو بيمضي على الورقة حاسس إنه بيمضي عمر جديد… عمر معاها.
وبسمه، قاعدة ودمعتها محبوسة من الفرحة، قلبها بيهمس: "دلوقتي ابتدى الحلم يبقى حقيقة."
بعد ما خلصت التهاني والزغاريط، والجو بدأ يهدى، محمود التفت لأبو بسمه وصوته كان مليان جدية وإصرار:
– "إن شاء الله يا عمي… الفرح هيكون قريب. وطبعًا حضرتك عارف إني هاخد شقة بعيد أنا وبسمه."
أبو بسمه بصله بنظرة مليانة حكمة، وابتسامة صغيرة ارتسمت على وشه:
– "آه طبعًا يا بني، دي حياتكم وانتوا أحرار فيها… بس ليه الاستعجال دا كله؟"
محمود تنهد، وعينيه وقعت على بسمه اللي قاعدة قدامه، وشها لسه محمّر من الكسوف:
– "عايزها تبقى حلالي في أسرع وقت يا عمي… أنا طول عمري مستني اللحظة دي، ومستحملتش سنين علشان أضيّع وقت تاني."
الكلام خرج من قلبه صادق، حتى بسمه حسّت إن جملته دي كسرت جواها أي تردد كان باقي. قلبها اتخطف وهي سامعة حماستُه، وكأنها رسالة غير مباشرة: "أنا مش هسيبك ولا ثانية بعيد عني."
أبوها هز راسه بهدوء، وقال بنبرة مليانة تقدير:
– "ربنا يتمملكم على خير يا محمود… أهم حاجة تشيلوا بعض في الحلوة والمرة."
واخيرا يوم الفرح جه!
الزغاريط كانت بتدوّي من بعيد، والبيت مليان دوشة وفرحة.
بسمه قاعدة قدام المراية، قلبها بيخبط كأنه بيجري سبق، وإيديها مش قادرة تستقر في مكان.
بصّت على الميكب أرتست وقالت بتوتر:
– "لو سمحتي… خففي شوية، محمود منبّه عليا."
اللي بتحط الميكب ضحكت وقالت وهي بتحاول تهديها:
– "والله يا أستاذة، دا خفيف خالص، ما تقلقيش."
بسمه تنهدت وقالت وهي تعصر إيديها:
– "أنا متوترة أوي… مش قادرة أصدق اليوم جه."
سلمى أختها دخلت بسرعة، مسكت إيدها وقالت لها بنبرة فيها شقاوة:
– "لا بالله… دا مش وقت توتر خالص، قومي افرحي يا بسمه."
نهى بنت خالتها ضحكت، قربت منها وقالت بحنية:
– "اسكتي إنتي يا سلمى… أنا عارفة الإحساس دا، حسيته أول يوم اتجوزت. متقلقيش يا بسمه، محمود بيحبك وهيشيلك في عينه."
الكلام نزل على قلب بسمه زي بلسم، بس التوتر لسه ماليها..
الغرفة كانت مليانة ضحك وزغاريط من شوية، لكن فجأة سادها صمت تقيل بعد ما ملك نطقت:
– "بسمه… ممكن أتكلم معاكي؟"
بسمه لمحت في عينيها حاجة مختلفة، فبسرعة فهمت، وبإشارة صغيرة الكل خرج من الأوضة وسابهم لوحدهم.
ملك فضلت ساكتة لحظة، وبعدين عنيها دمعت، وصوتها ارتجف وهي بتقول:
– "أنا آسفة… آسفة على كل حاجة عملتها. آسفة إني كنت بتلزّق لمحمود…"
اتنهدت وضحكت ضحكة قصيرة كلها مرارة وقالت:
– "أنا كنت بحبه… أو يمكن كنت فاكرة نفسي بحبه. اتربينا مع بعض من وإحنا صغيرين، كان دايمًا قدامي، مفيش غيره… فصدقت إن دا حب. بس الحقيقة… كان تفكير غلط."
سكتت، وبصت في الأرض وقالت بخفوت:
– "ربنا يتمملكوا على خير. ولو وجودي هيضايقك… مش لازم أحضر الفرح، عادي والله."
بسمه بسرعة قامت، قربت منها، مسكت إيديها وقالت بعشم:
– "بس يا هبلة… إزاي يعني؟! طبعًا هتحضري، وتفرحي معانا. ومتتأسفيش، أنا فاهمــاكي وفاهمة الإحساس إن يبقى قدامك شخص حاسه انه مش شايفك او… مش معبّرك… بس صدقيني، في حد ساعات بيكون جمبك ومبتشفهوش… حد بيحبك بجد وعايزك بجد."
بسمه ابتسمت ابتسامة خفيفة، وبصت في عيني ملك وقالت بثقة:
– "وأنا عارفة إنك ذكية… وهتفهمي أنا قصدي على مين."
ملك ساعتها اتجمدت لحظة، قلبها دق أسرع… كأن كلمة بسمه فتحت باب كانت قافلاه جواها.
ملك فضلت ساكتة ثواني… عينيها بتلمع من دموع متحبسة، وكلام بسمه بيرن جوا دماغها زي صدى: "في حد ساعات بيكون حبك ومبتشفهوش… بيحبك بجد وانتِ مش واخدة بالك."
افتكرت مروان… ضحكته اللي كانت بتخفف عنها من غير ما تحس، طريقته في إنه يقعد معاها وهي حزينة من غير ما يسأل كتير، اهتمامه البسيط اللي عمرها ما حسبته غير "عادي". فجأة حست إن الصور الصغيرة دي كلها اتجمعت قدامها زي قطع بازل بتتظبط مكانها.
ملك ابتسمت ابتسامة خفيفة، ابتسامة جديدة مفيهاش غيرة ولا حزن… ابتسامة استسلام للواقع. وبصت لبسمه وقالت بصوت أهدى:
– "يمكن معاكي حق… يمكن في حد فعلاً كان قدامي وأنا مش شايفاه."
بسمه ضغطت على إيدها بحنية وقالت:
– "خلي قلبك يفتح يا ملك… ساعات السعادة بتكون أقرب مما نتخيل."
ملك مسحت دموعها بسرعة وهي بتضحك بخجل:
– "خلاص، مش هبوظلك فرحتك. يلا يا عروسة، نجهز للّي جاي."
الأوضة رجعت تاني فيها دفء، بس المرة دي ملك قلبها كان أهدى… ولأول مرة، لما فكرت في مروان، حست بحاجة شبه الطمأنينة.
في أوضة تانية في نفس البيت، كانت الأصوات مختلفة… صوت ضحك الشباب والجو الحماسي. محمود واقف قدام المراية، بيلبس بدلته السوداء الغامقة اللي كانت مفصّلة على مقاسه بالظبط، رافع ياقة القميص الأبيض وبيظبط الكرافتة بإيده المرتعشة من التوتر.
مروان قاعد على الكرسي، بيضحك وهو شايف محمود متوتر وبيقول له:
– "إيه يا عم، ده إنت داخل امتحان ثانوية عامة ولا داخل تشيل عروسة؟"
ضحك الكل، وحسام جوز نهى زودها وقال:
– "والله يا جماعة أنا مش فاهم… إيه الرعب اللي في وشك ده يا محمود؟ ما أنت خاطبها من شهور وكل يوم عايش معاها في حلم، هو النهاردة اللي هتتجوز فيه بقيت مرعوب كده ليه؟"
محمود اتنهد وضحك بخجل وهو بيعدل جاكته:
– "إنتو مش فاهمين… الإحساس إن بسمه هتبقى مراتي رسمي، وإنها هتخش حياتي وأنا المسؤول عنها… ده إحساس يخلي الواحد قلبه يترعش من الفرحة والخوف في نفس الوقت."
مروان هز راسه وقال بنبرة جدية وسط الهزار:
– "معاه حق، الليلة دي بتغيّر حياة أي حد عقباااالي يارب."
… حسام قال وهو بيضحك:
– "عقبالك يا عم
وكمل وقال:بس برضه مش مبرر يعم محمود تخلينا واقفين نص ساعة نستناك عشان تعدل في الكرافتة. يلا خلينا نلحق نزفة العروسة."
الضحكة رجعت تعلو الأوضة تاني، ومحمود لأول مرة حس إن التوتر بيتبدد وسط أصحابه اللي حواليه.
نزل الشباب كلهم مع بعض، صوت الزغاريد عالي من فوق، والطبل والمزيكا بيدقوا في الشارع زي ما يكونوا بيعلنوا للعالم كله إن الليلة ليلة فرح. محمود كان ماشي في النص، مروان على يمينه وحسام على شماله، والكل بيهزر وبيغني حواليه.
في اللحظة دي، عينيه غصب عنه راحت تدور على بسمه… كان عايز يشوفها حتى لو ثانية.
شاف العربية اللي وقفت قدام البيت، وبسمه طلعت فيها ومعاها سلمى و ملك. قلبه وقع وهو شايف ضهرها بس، طرحتها البيضا من ورا، والهدوم اللي مخبيّة زينتها كلها.
محمود اتحرك خطوة لقدام، لكن فجأة البنات اتجمعوا قصاده زي سور وقالوله بضحك وهزار:
– "لأ يا عريس، مش هتشوفها دلوقتي، استنى لحد القاعة!"
ابتسم بخجل وهو ماسك نفسه بالعافية وقال:
– "إنتو قاسيين قوي… ده أنا خلاص مش قادر."
مروان نكزه وقال:
– "خلي عندك صبر، دي اللحظة اللي هتخلي أول ما تشوفها قدامك في الكوشة تبقى أحلى من أي مرة."
محمود تنهد وضحك، بس قلبه كان مولع… عايز يجري على العربية، عايز يطمن عليها، بس عارف إن دي من طقوس الفرح.
والعربية اتحركت ببطء، ومحمود واقف يتابعها بعينيه لحد ما اختفت في آخر الشارع، وهو حاسس إن الدقيقة بقت ساعة مستني اللحظة اللي هتشوف فيها عينه عيونها.
واخيرا وصلوا القاعة !
القاعة كانت واسعة وفخمة، الأرضية مغطاة بسجاد حرير ناعم باللون الكريمي مع لمسات ذهبية بسيطة. الجدران مزينة بديكورات كلاسيكية وأضواء خافتة تعكس ألوان الفساتين على الأرض، وكأنها لوحة حية. في سقف القاعة ثريات كريستال كبيرة تتلألأ، وتدي جو من الرقي والفخامة. الطاولات مزينة بمزهريات صغيرة من الورود الطازجة وألوانها متناسقة مع ألوان الفساتين، والأصوات خافتة من الموسيقى الكلاسيكية اللي بتكمل الجو الساحر.
بسمه لابسه الفستان الأبيض المفصل مخصوص لها، مرصع بشوية لؤلؤ، وميكبها خفيف وطبيعي، والتاج بتاعها على شكل سنابل رقيق، وكانت نور القاعة كله بيزيد لما هي واقفة، كأنها قمر.
سلمى كانت لابسه فستان تركوازي، اللون ده خلى شخصيتها المرحة والواثقة تظهر على طول، والفستان بيتحرك معاها برقة مع كل خطوة.
ملك كانت لابسه فستان برجاندي ضيق من الخصر ونازل واسع، اللون الغامق ده زود من حضورها القوي وأناقتها، وكانت هادية ومسيطرة على نفسها في كل حركة.
ونهى كانت لابسه فستان موفي، اللون الموفي ده بيخليها تبان رقيقة وهادية، والفستان مع شعرها وطلتها الرومانسية كأنها قطعة من فن.
سلمى ونهى دخلوا القاعةوملك ومروان وحسام وصحاب محمود وكل الأهالي والقرايل موجودين
حسام واقف جنب نهى، عيونه فيها لمعة لعب، وهو بيقول:
— اه بقى لو اتجوز التانية…
نهى بصتله بحدة كده فيها شوية استهزاء، وابتسامتها اللطيفة ما قدرتش تخفيها:
— واي اللي منعك؟ روح اتفضل اشقطلك أي واحدة من القاعدين دول!
حسام ضحك من قلبه، وكلماته كلها مغازلة وحنية:
— مفيش حد يشغل عيني غيرك إنتي يا قمر.
نهى ضحكت، ابتسامتها كانت زي شمس خفيفة بتطلع وسط النهار، وحسام كمل بمشاكسه، والعيون كلها مليانة ضحك:
— هو أنا عارف أصرف عليكي إنتي والعيال، أما هجيب واحدة تانية أصرف عليها؟
نهى ما قدرتش تمسك نفسها، راحت ناغزته في جمبه برقه، وضحكوا كلهم مع بعض، والضحكة كانت صافية، فيها حب وراحة، كأنهم في عالمهم الصغير وسط الزحمة حواليهم.
ملك كانت قاعدة لوحدها على الترابيزة، عيونها غارقة شوية في التفكير، لكن الجو حواليها كله هادي. مروان اتجه ناحية الترابيزة وقعد جنبها، وهو بيبتسم بخفة وقال:
— الجميل قاعد لوحده ليه؟
ملك ابتسمت، بصوتها الهادئ:
— ببقى مستريحة أكتر.
مروان رجع بص على فستانها وقال بشوية تردد:
— مش شايفه انه ضيق حبه؟
ملك بصت لفستانها بسرعة ورجعت بصله بابتسامة:
— مش حلو؟
ابتلع ريقه شوية وقال متلعثم:
— هياكل منك حتة… قصدي… حلو يعني.
ضحكت ملك ضحكة خفيفة، وقالت:
— حلو زيك.
مروان اتصدم من كلمتها، قلبه بدأ يدق أسرع، وبص حواليه قبل ما يرجع يطلعلها:
— انتي… بتكلميني أنا؟
ضحكت ملك أكتر، وعيونها بتلمع بمشاعر مرحة:
— ايوا، بكلمك انت… أمال بكلم حد قاعد جمبك يعني؟
مروان مسح على رقبته وهو مرتبك وقال:
— أول مرة حد يقوللي كده…
ملك ابتسمت بخفة وقالت:
— تبقى أول مرة ومش آخِر مرة.
مروان حس إن قلبه بيجري جوا صدره، حاول يغير الموضوع بسرعة:
— على فكرة، الفستان لايق عليكي جدًا… اللون مديكي وقار كده.
ملك مالت برأسها شوية وقالت وهي بتبصله مباشرة:
— وانت شايف نفسك وقور؟
ضحك مروان بخجل وقال:
— أنا؟ لا… أنا يمكن أهدى معاك إنتي بس.
ملك ضحكت ضحكة خفيفة وقالت:
— طب كويس إني جبتلك الهدوء.
لحظة سكون صغيرة عدّت بينهم، العيون متشابكة وكأن الكلام خلص لكن المشاعر كانت هي اللي بتتكلم.
ابتسمت بخجل وقالت:
— بصراحة… أنا كمان بحس بحاجة ناحية وجودك… يمكن ما كنتش عايزة أعترف لنفسي، بس كل مرة عيني تقابل عينك بحس إن الدنيا بتهدى.
مروان اتسعت عينيه بالفرحة، الإرتباك اللي كان جواه اتحول لراحة، وضحك ضحكة صافية وهو بيقول:
— يعني مش لوحدي؟
ملك هزت راسها بخفة، وقالت:
— عمرك ما كنت لوحدك.
في اللحظة دي، حصل بينهم سكون جميل، سكون مليان مشاعر، لا أصوات القاعة ولا الناس قدرت تكسر اللحظة. هو مد إيده بهدوء، ولما لمس أطراف صوابعها، قلبها دق أسرع. ابتسمت وهي سايبة إيدها بين إيديه، كأنها بتقول من غير كلام: "أنا معاك."
وفجأة اتفتح باب القاعة، والكل التفت… بسمه دخلت بفستانها الأبيض الجذاب، فستان مفصل مخصوص لها، يلمع مع نور الثريات كأنه مطرز بنور القمر. كانت ماسكة في إيد أبوها، ووشها مزيج بين الفرحة والرهبة، عينيها بتدور على محمود.
محمود كان واقف في الكوشة، ماسك بوكيه ورد، وعينيه ما قدرتش تتحرك عنها من أول ما شافها. كل الحضور بقى مجرد ضباب، هي بس اللي موجودة. قلبه كان بيدق بسرعة، بس عينيه ثابتة عليها بكل حب.
أما البنات، سلمى وملك ونهى، كانوا واقفين يرشوا ورد عليهم، ضحكهم وخفتهم زودوا بهجة اللحظة. القاعة كلها بقت مليانة فرحة وحب.
لما جه الوقت اللي أبو بسمه يسلم إيدها لمحمود، وقف قدامه بعين مليانة دموع محبوسة وقال بصوت مبحوح:
— إنت خدت حتة من قلبي… دي أمانة، حافظ عليها يا ابني.
محمود رد بصدق وهو ماسك نفسه:
— في عينيا يا عمي… وإن ما شلتهاش الدنيا، أشيلها أنا جوا قلبي وعنيا.
الأب ابتسم، ابتسامة أب بيودّع بنته وفي نفس الوقت مطمّن، وسلّم إيد بسمه لمحمود. اللحظة دي بقت ختم العهد بينهم… عهد حب ووفاء قدام الناس كلها.
بمجرد ما الأب سلّم إيد بسمه لمحمود، حسّت بخفقان قلبها يزيد، إيديها الدافية بين إيديه كانت زي أمان بعد خوف. بصّت له بعينيها المليانين دموع فرحة، والابتسامة على وشها مخلوطة بخجل ورهبة، كأنها مش مصدقة إن اللحظة دي بقت حقيقة.
محمود شد إيدها بخفة، كأنه بيطمنها من غير ما يتكلم: "أنا معاك." عينيه كانت صريحة قوي، نظرة كلها حب واحتواء، كأن الدنيا كلها اتلخصت فيها.
القاعة كلها دوّت بالتصفيق والزغاريد، لكن الاتنين ما كانوا سامعين غير دقات قلوبهم. بسمه مالت برأسها بخفة وهي بتحاول تخفي خجلها، ومحمود ابتسم ابتسامة واسعة، ابتسامة راجل حس إنه كسب كنز مش هيضيع منه أبدًا.
وفي اللحظة دي، اتحولت الكوشة لعالم صغير خاص بيهم… دنيا مليانة ورد، ونظرات، ووعد بينهم بيتكتب من غير كلام.
وأخيرًا… بعد كل المعافرة، بعد كل وقت استنوا فيه اليوم ده، محمود مد إيده وحضن بسمه.
حضن مش عادي… حضن مليان شوق اتخزن سنين، مليان حب كان بيتكتم جوا القلب لحد ما اتفجّر في اللحظة دي.
ضمها ليه كأنه بيقول: "انتهى كل تعبك… من النهارده إنتي ليّ، وف بيتي، ومش هسيبك تاني."
وبسمه، وهي بين حضنه، حسّت إنها أخيرًا وصلت لمكانها… المكان اللي قلبها طول عمره بيدور عليه.
الجمهور كله شاف لحظة عادية بين عريس وعروسة، لكن اللي بينهم ما كانش عادي. ده كان وعد صامت، حب متخزن، وأمان أخيرًا لقى حضنه.
بعد ما حضنها محمود، الدنيا كلها كانت فرح وسعادة،محمود كان واقف في الكوشة، عينه فجأة وقعت على أمه وهي داخلة. اتجمد مكانه، مزيج غريب من الفرحة والخوف مسيطر عليه… فرحان إنها جت وشافته وهو عريس، وخايف في نفس الوقت إن وجودها يبوظ عليه فرحته.
أمه قربت بخطوات هادية، وعيونها كلها حنين، وقالت بصوت لطيف:
— مينفعش أكون مش موجودة في اليوم ده.
بعدها التفتت ناحية بسمه، والدمعة بتلمع في عينها:
— تسلمي إنك عزمتيني يا بنتي.
محمود بس وقف مذهول، بص على بسمه وقال لها بهمس مش مصدق:
— انتي اللي عملتي كده؟
بسمه هزت راسها بفرحة وعيونها منوّرة:
— أيوه… عشانك.
محمود ما استحملش، جري على أمه وحضنها حضن طويل، حضن رجع له سنين من الحرمان. قال بصوت متكسر:
— نورتي الدنيا يا أمي.
أمه طبطبت على ضهره بحنان، والدموع نازلة على خدها.
بسمه وقفت جنبهم وقالت بابتسامة فيها رجاء:
— يلا يا حماااتي… الاتفاق اللي اتفقنا عليه.
أم محمود بصتلها بتردد، قلبها بيرتعش، لكن أخدت نفس عميق، وراحت متجهة ناحية محمد.
محمد كان واقف بعيد، عينه متعلقة بيها باستغراب. لما وقفت قصاده، كل القاعة سكتت.
قالت بصوت متقطع والدموع مالية عينيها:
— أنا آسفة يا أبو محمود… آسفة على اللي حصل مني. آسفة قدام كل الناس. مش بقول كده عشان تردني… بقول كده عشان العِشرة اللي بينا، وعشان عارفة إني غلطت ولازم أعتذر.
سكتت لحظة، وبصوت مبحوح كملت:
— أيامي من غيرك ملهاش طعم… والله عرفت قيمتك. وعِد مني… عمري ما أعمل حاجة تضايقك تاني.
محمد كان واقف يسمعها، ملامحه بين دهشة وفرحة، وبعد صمت قصير ابتسم وقال بصوت كله رضا:
— حيث كده… نلحق نجيب المأذون.
القاعة كلها اتقلبت فرحة وزغاريد، وبسمه بصّت لمحمود بعينين كلها انتصار وراحة… كأنها رجّعت له مش بس أمه، رجّعت له عيلته كلها.
بعد ما الدنيا اتقلبت فرحة والزغاريد ماليه القاعة، اتجمعوا كلهم قدام الكوشة. بسمه واقفة جنب محمود، إيدها في إيده وابتسامتها من قلبها، عيونها بتبرق زي القمر. أبوها واقف جنبها رافع راسه فخور، ومامته على الناحية التانية ماسكة إيده، ووشها منور بحنية ورضا.
محمد واقف وراهُم، عينه على أم محمود، وابتسامته كلها حب وسماح… والدموع لمعت في عينيها وهي حاسّة إن اللحظة دي بترجع لها عمر كامل.
البنات التلاتة واقفين جمب العروسة، كل واحدة منهم فرحانة بشكل مختلف؛ سلمى بتضحك بصوت عالي، نهى ماسكة إيد حسام وهما بيتمايلوا مع الفرحة، وملك واقفة جنب مروان، ابتسامتها فيها سعادة وارتباك خفيف من نظراته اللي مش سايباها.
المصور قال: يلا كلو يبتسم…
وفي ثانية اتجمعت الابتسامات، اتجمعت العيلة والأصحاب، واتلقطت الصورة اللي هتفضل ذكرى ليهم كلهم… صورة مش مجرد فرح، دي صورة بداية حياة جديدة مليانة حب ولمّة.
تمت بحمد الله