
نور
المكان كان هادي…
بعكس العاصفة اللي جوايا.
وقف قدّامي
بعينين كلهُم شرّ
وقال بغلّ واضح:
– بقى تهربي؟
ومسك إيدي بعنف
قرب وشه من وشي
وكمل بنبرة مُهينة:
– أنا اللي هربيكي من الأول.
حرّرت إيدي
بكل غضبي المكبوت
وقولت بصوت ثابت لأول مرة:
– طول ما بابا عايش…
هو الوحيد اللي ليه الحق يربيني.
قهقه بسخرية جارحة:
– دا انتي كمان بقيتي تخربشي؟!
رفعت عيني ليه
من غير ما ارتعش
وقولت:
– انت…
انت اللي خبطتنا بالعربية يوم الحادثة.
وشه اتجمّد
صوته اتلخبط:
– بتقولي إيه؟!
اتنفست وجعي
اللي سنين بكتمه
وقولت بعلوّ صوتي:
– يوم ما ماما ماتت!
انت اللي خبطتنا!!
وانا…
وانا فضلت أصدق كدبكم
لحد ما حملت ذنبكم لوحدي!
اتوتر
وبص لبعيد كأنه بيدوّر على كذبة جديدة
وقال:
– انتي هبلة… اي اللي انتي بتقوليه دا؟
صرخت فيه:
– بابا طول الوقت شايفني أنا السبب…
شايفني أنا اللي كنت سايقة!
مايعرفش إن أدهم هو اللي كان ماسك الدركسيون!
وانت اللي خبطتنا و هربت…
وسبتنا ننزف!!
إيديا اتكمشت
وعنيا لمعت بدموع مقهورة:
–أنا عايشة بذنبكم بقالي سنين!
والنهارده بس
بابا هيعرف الحقيقه!!.
هجم عليا تاني
مسك إيدي بقسوة
وقال بصوت منخفض
بس مرعب:
– لو نطقتي…
هتندمي.
نظرت له ببرود
قتل خوفي جوايا
وقولت:
– ابقى موتني زي ما كنت
سبب ف موتها
لكن فجأه!...
___________
أدهم
الوقت بيعدّي ببطء
والقهر بيفتح سنانه في قلبي
هي قالت هترجع بدري…
وقالت كمان محتاجة تكلّمني
طب اتأخرت ليه؟
إيه اللي منعها؟
مجرد فكرة إنها متأذية
بتشلّني
اتصلت بيها
مرة
واتنين
وعشرة
وفي الآخر…
الموبايل اتقفل
وقتها
اتسحب كل صبري منّي
وقلت لنفسي:
لا… مش هستنى ثانية
فتحت باب الشقة
كنت هخرج أدوّر عليها
لقيت يوسف واقف
ومعه المأذون
وقف قدامي
بعينه الهادية المستفزّة
وقال بتساؤل:
– في حاجة؟
كلمته بعصبية مش قادر أخبيها:
– نور خرجت…
ومش بترد.
رد وقال:
– يمكن راحت هنا ولا
هنا وهترجع...
الهدوء ده مش طبيعي
الهدوء ده وراه مصيبة
عينه… فيها حاجة مستخبية
إيدي راحت لقميصه
شدّيته عليّا
ونبرة صوتي كانت قريبة للانفجار:
– ودّيت نور فين يا يوسف؟!
صوته اتشوّه بنبرة دفاع
لكن لسه متماسك:
– أدهم… أنا فاهم خوفك.
بس أنا ضابط محترم…
وعارف يعني إيه عقوبة اختطاف.
دا غير إني مش غريب عليها…
أنا جوزها.
سيبته
بس الشك ما سابنيش
ولسه بيقرص ضلوعي
قربت منه
وبصوت وعد
مش بس تهديد:
– لو ليك يد في غيابها…
رد فعلي مش هيعجبكَ.
الجو اتملّى توتّر
المأذون بصّ بينهم
وكأنه واقف وسط عاصفة
مش عارف تروح على مين
النار جوايا مش هتهدا
غير لما ألاقيها
________________
نور
صحيت على ريحة تراب
وضلمة تقيلة
مش فاكرة أنا فين… ولا إزاي جيت
فتحت عيني
لقيت نفسي في أوضة غريبة
سرير خشن
وإيدي مربوطة…
قيدي كان شاهد على المصيبة
رأسي بيوجعني
ولقيت شاش ملفوف حواليها
مجرد ما لمسته
رجعت الذكرة تضربني فجأة
ضربة… وغمضة… وسقوط
قلبي وقع
وبصوت مرتعش قلت:
– مازن… انت ضربتني
ع راسي بطوبه؟
انت عايز تخلص مني؟
هو نفخ دخان السيجارة
بعين مليانة غل
وقال بنبرة باردة:
– لو كنت عايز أخلص منك…
كنت سبتك تنزفي
لغايه م تموتي
بس أنا مش مستعجل.
اتجمدت مكاني
نظراته مكانتش زي كل
مرة غضب لا كان
فيها حقد… وكراهية غريبة
الكلام خرج منّي
مخنوق بخوف:
– رابطني ليه؟
ضحك…
ضحكة فيها تحدي وقسوة:
– مش انتي قررتِ تروحي لأبوك؟
طب روحي دلوقتي… لو تقدري.
الصدمة حبست أنفاسي
وكل جسمي اتشد
– إنت…
مش هتحبسني هنا، صح؟
اتقدّم خطوة
ونبرته سقطت على قلبي زي حجر:
– لحد ما أقرر…
آه.
حاولت أخفي رعشة صوتي
بس الخوف كان أسرع
– يوسف مش هيسيبني…
وأدهم كمان.
رفع حاجبه بسخرية:
– وهما فين دلوقتي؟
لو كان حد فعلاً فارق معاه…مكنش يوسف هيطلقك
ولا ادهم كان خبى عليكي الحقيقه!.
حاولت أتنفس
أدور على أي مخرج
بس الحبال… والحيطان… والهدوء المرعب
كله اتحالف ضدي
الصوت خرج منّي غصب عني
مليان قهر وخوف:
– هو أنا مش أختك؟
بتعمل كده ليه؟
ابتسم بسخرية…
ضحكة تخوّف أكتر ما تجرح:
– أختي؟
لسه عايشة الدور ده؟
قرب وشه
وعينه غرقت شرّ:
– هقولك سر…
كنت قاصد اللي حصل يوم الحادثة.
الكلمة وقعت عليّا زي صدمة كهربا
مبقاش فيه هوى أتنفسه
أخذ نفس بارد
من سجارته
وكمل ببجاحة:
– أدهم صدق أي كلمة طلعت منّي.
وانتي… كنتي فاقدة للذاكرة.
يعني ولا خطر… ولا شهادة.
اتسعت عينيّ
روحي كانت بترفض تصدّق
اللي من دمي…
يتحوّل للعدو ده
صوتي خرج متقطع:
– إزاي؟
كان فيه ضابط ماسك القضية!
إزاي محدش اكتشف إن العربية عربيتك؟
ضحك…
ضحكة مُرعبة
كأن الشر بقى هواه:
– مفيش قضية أصلاً.
مسرحية…
عشان الحج يرتاح.
ملفات مقفولة…
وحقيقة مدفونة.
الدموع نزلت من غير إذن
وقلبي بينهار بصمت
– دا شغل عصابات؟
إنت اتغيّرت لإيه يا مازن؟
ليه؟
ليه كنت عايز تأذينا؟
سكت لحظة
ولمعة خطيرة ظهرت في عينه
وخلاص فهمت…
أنا قدّام حد باع كل حاجة
حتى أهله
عشان نفسه
عيونه اتلوت بالغضب
وصوته طلع الغل اللي جواه:
– دا اللي كان لازم يحصل من زمان!
عايش في بيت محدش شايفي فيه…
محدش سأل فيّا…
كل حاجة كانت دايمًا ليكوا!
وانا؟
كنت زيادة عن الحاجة!
اتجمدت
الصدمة بتنهش في قلبي
– مازن… إنت بتقول إيه؟
إحنا إخواتك!
قرب مني
كأن الكراهية هي اللي بتحركه:
– انتي فاهمة إن القرار ده كان سهل؟
اللي شفته…
اللي استحملته…
إنتوا السبب فيه!
الدنيا لفت بيا
بس لقيت صوتي بيطلع أجرأ منه:
– انت مختل!!…
مش مبرر إنك تؤذي حد مننا!
بابا وماما ماكانوش قساة…
هما تعبوا علشانك!
كل يوم!
كنت بتعمل حاجات غلط…
شرب وقرف ....
وكانوا بيحاولوا ينقذوك…
مش يكرهوك!
ضحك ضحكة مُرة
وهو بيهز راسه:
– ودي كانت جزاتهم
وقتها
قلت جملة
عارفة إنها هتوصل للمكان اللي بيوجعه:
– إنت عايز تلوم الكل…
بس الحقيقة؟
مشكلتك مع نفسك…
مش معانا.
اتصدمت ملامحه
كأني لمست جرح عميق جوا صدره
عجز ثواني عن الرد
وبعدين…
صوته اتغير
مش غضب
لا
صوت واحد… موجوع:
– محدش… وقف جنبي.
كنتوا بتنتقدوني
وبس! ....
غمضت عيني لحظة
اللي عمله غلط… جريمة
لكن الوجع اللي في نبرته
قال إنه إنسان ضايع… مش وحش مولود
فتحت عيني
وقولت بهدوء…
مش خوف
لكن حق:
– لسه تقدر تختار توقف الغلط…
قبل ما تضيع كل حاجة.
هو لف وشه بعيد
إيده بتترعش
بين صراع جواه
كره…
وغصة قديمة…
وندم بيقاوم يطلع
الصمت بينا اتقل
من الحبال اللي مربطني بيها
وأنا…
ماصدقتش إني لسه بشوف فيه أخويا.
مشي من قدامي
وكأنه بيهرب من
نفسه
مش مني!
_____________
مازن
أنا طول عمري شايف نفسي غلط.
مش بس في نظرهم… لأ، حتى في المراية.
كنت طفل بيحاول يصرخ، بس صوته كان بيتدفن جوّا الحيطان.
كبرت وأنا مقتنع إن الدنيا مش مكان لزيّي…
فقررت أكون الشيء الوحيد اللي أعرف أكونه:
الخطر اللي الكل يخاف يقرب منه.
هما قالوا عليّ “سيئ”؟
خلاص…
أنا بقيت الأسوأ فعلًا.
وعِشت الدور لحد ما بقى جزء من ضلوعي.
اتجوزت واتعلّقت ببنتي…
هي النور الوحيد اللي الدنيا معرفتش تطفّيه.
بحضنها أنسى أنا مين
وبخاف عليها منّي قبل ما أخاف عليها من العالم.
بس نور…
نور عرفت اللي محدش مفروض يعرفه
الكلمة اللي خرجت من بقّها
جرحتني أكتر من 100 سكينة:
“مختل.”
يمكن عندها حق…
يمكن أنا محتاج أتعالج…
بس الوقت مابقاش ملكي
ولا الغلط بقى ليه رجوع.
السر دا لو خرج
هيمحي كل حاجة لسه عايش علشانها.
ومش هاسمح بدا يحصل.
نور لازم تسكت.
ولازم السر يفضل مدفون زَيّ ما دفنت كل اللي قبله.
ده مش تهديد…
ده آخر فرصة ليّ
إني أحافظ على الباقي من حياتي
أنا فعلاً اخترت أكون القاتم في الحكاية…
بس يمكن…
لو كانت الحياة اختلفت شوية
كنت بقيت بني آدم عادي
مش وحش الناس شايفينه…
ووحش أنا صدّقت إنه أنا.
كنت صغير…
بس عقلي كان دايمًا أكبر من سني.
كنت شايف كل حاجه…
شايف نظراتهم…
شايف المقارنات اللي عمرها ما خلصت.
أدهم البطل اللي الكل يفتخر بيه.
حازم العاقل اللي بيفكر قبل ما يتحرك.
يامن الاجتماعي اللي كله بيحبه
ويعرف يكسب قلب الناس بسهولة.
نور… البنت المدللة
اللي ضحكتها تكسب الدنيا كلها.
أما أنا؟
أنا "العيب" اللي مينفعش نطلّعه قدام الناس.
الولد اللي لازم يستخبى
ويفضل ساكت
عشان ميبقاش مصدر فضيحة.
كل واحد فيهم كان ليه مكان واضح في قلب بابا وماما.
أما مكاني أنا؟
كان …
مكان فاضي ومقفل.
زمان… حاولت أكون زيهم.
أشارك، أضحك، أبان إنّي جزء من العيله.
بس كل مره…
غلطتي أعلى من صوت محاولتي.
فاكر موقف…
أنا ويامن في نفس السن تقريبًا،
هو كان دايمًا "الجميل" في كل المناسبات.
أمي كانت تقولي:
"شوف أخوك!
اتعلم منه الذوق!"
كنت ببصله
وأحس إن ابتسامته بتستفزني رغم إنها طيبة.
ازاي الدنيا دايمًا واقفة في صفه؟
وحازم…
اللي رغم هدوءه
كان كل كلمة منه محسوبة.
بابا كان يتكلم يهزر
طب وأنا؟
كنت بسمع الكلام دا وأنا محبوس ف أوضتي
عشان كسرت حاجه…
ولا وقعت حاجه…
ولا غلطت غلطة ...
أدهم
كان عنده كل اللي حرمت منه:
احترام…
ثقة…
مساحة يتحرك فيها من غير ما حد يراقبه.
كان بيذاكر؟
عبقري.
بيغلط؟
"الولد مضغوط"
أما أنا لو غلطت؟
"دا مفيهوش أمل!
ونور…
بس كانت بتضحك
البيت كله يتقلب فرح
ولو دمعت
الدنيا توقف مكانها.
مرة سمعت ماما بتقول لجارتها:
"مازن ده ابتلاء…
بس ربنا كبير."
ابتلاء؟
ساعتها فهمت…
أنا مش واحد منهم
أنا الغلطة اللي جمعتهم.
جوايا جزء صغير
كان عايز يقول:
"شوفوني…
حبوني…
بس مرة واحدة من غير شروط."
بس الجزء دا
اتدفن…
اتخنق…
واتحول لحد تاني.
أنا بقيت مازن…
اللي لما يوقع حد
يحس إنه أخيرًا واقف.
____________
يوسف
الوقت بيجري…
والقلق جوّا صدري بيزيد
لحد ما بقي زي حجر تقيل
مايتشالش.
بصيت لأدهم
وصوتي خرج متوتر غصب عني:
– اتأخرت…
كل دا ومش بترجع؟
كان ماسك موبايله
بيسأل أصحابها واحد ورا التاني
ملامحه بتسود أكتر
وهو بيردّ:
– محدش عارف هي راحت فين.
قلبي وقع…
قلبي اتخنق فعلًا.
قربت منه خطوة
وقولت بقلق واضح:
– ممكن يكون مازن؟
أو… والدكوا؟
أدهم وقف ثواني بيفكر
وكأنه بيحارب فكرة مش عايز يصدقها
وبعدين قال:
– مش عارف…
بس مش منطقي…
هو ميعرفش احنا قاعدين فين أصلاً.
قلبي كان بيقول العكس
كل احتمالية بتخوفني أكتر
مسكت مفاتيحي
وقولت بإصرار بدأ يتحول لغضب:
– طيب مش هنفضل واقفين مستنيين كدا.
نروح مكان شغلها…
يمكن أي حد هناك يكون يعرف هي راحت فين.
لازم نتحرك… دلوقتي.
خطوة… وراها خطوة
بس جوايا إحساس واحد:
نور في خطر…
ولا زم أوصل لها قبل فوات الأوان