رواية شامية العرافة الفصل الثاني2بقلم مصطفي محسن
شامية اقتربت مني وبصّت لي بصوتٍ واطئ ثقيل وقالت: "بناتك مش أولادك، وأمل بتخونك مع أقرب الناس ليك." الكلمة نزلت عليّ كالصاعقة، مخي توقف لحظة وبعدين انفجر، صرخت فيها وقلت لها: "أنتِ ست دجالة وكاذبة وحقيرة، تتهمين الناس بالباطل وتستغلين مخاوفهم علشان تخربي بيوت الناس." هشام شدّني من ذراعي وقال لي: "خلاص كفاية كده، يلا نمشي." وأنا ماشٍ سمعتها تقول بكل هدوء مستفز: "الغضب ما بيغيرش الحقيقة، والحقيقة ستظهر لوحدها." سبت المكان ومشيت وأنا دمي يغلي، طوال الطريق وأنا أقول لنفسي كل اللي حصل ده كلام فاضي وكذب.
بس أول ما دخلت غرفة الفندق والمكان كله سكت، كلام شامية رجع يتعاد في دماغي من تاني. أول مرة في حياتي أفكر في أمل بهذا الشكل، وكرهت نفسي، بس الشك كان مثل شوكة دخلت ومش راضية تطلع. ثاني يوم رجعنا مصر وأنا مش طايق هشام بسبب الموقف الذي حصل. حاولت أرجع إنسان طبيعي مثل الأول، وصلت شقتي حضنت بناتي جامد وافتكرت كلام شامية، بصيت في عيونهن لثوانٍ، وبعدها حسيت بذنب فظيع أني فكرت مجرد تفكير في كلامها.
أمل كانت طبيعية ومبسوطة برجوعي، تتكلم وتضحك، بس الطبيعي نفسه بقى مقلق بالنسبة لي، كل حركة أصبحت محسوبة، كل مكالمة تليفون تقلقني، كل مرة تخرج أو تتأخر عن ميعادها، عقلي يسبقني بخطوة ويرجعني لكلام شامية. حياتي ابتدت تتلخبط، بقيت سرحان في الشغل، وبأغلط في حاجات عمري ما غلطت فيها، المدير نبهني مرة واثنتين، وأنا دماغي في حتة تانية.
بالليل وأنا قاعد لوحدي، الكلام رجع يتعاد من تاني في دماغي. بدل ما أقفل الفكرة، فتحتها بيدي، بدأت أفتش وراءها. رجعت سنين فاتت، حسبت تواريخ، أيام سفر، أيام كنت أغيب عن البيت. وبدون ما آخذ بالي، لقيت نفسي مش بدور على حقيقة واحدة... لقيت نفسي بفتح دائرة شك كبيرة، كل ما ألف فيها ألاقي وجوه كثيرة، أقارب وأصحاب، ناس كانت قريبة مني، وساعتها بس حسيت بالخوف الحقيقي، مش خوف إن حد خان... خوف إن عقلي نفسه بقى قادر يشك في الكل، وده كان أول مرة أفهم إن اللي بدأ بكلمة من ست غريبة، ممكن يهد بيت كامل من غير ما يلمسه.
في يوم كنت داخل المطبخ أشرب ماء، سمعت صوت أمل في الصالة تتكلم في التليفون، صوتها كان واطئ قوي، وقفت مكاني، سمعتها تقول: "لأ لأ لأ مش دلوقتي علشان هيثم موجود." الكلمة دي جمدتني، حسيت قلبي سيخرج من صدري. أمل كملت وقالت: "ما ينفعش نتكلم في الموضوع ده هنا، خليه لما نشوف بعض." سكتت لحظة، وبعدين قالت بصوت واطئ مكسور: "أنا مش مستعدة أضيع كل حاجة أنا استمحت علشانها سنين." وأغلقت التليفون، ودخلت المطبخ ورأتني واقفًا، بصّت لي وقالت وهي متوترة: "أنت واقف كده من إمتى؟" قلت لها: "دلوقتي، أنتِ ليه بتسألي؟". بصّت لي نظرة طويلة غريبة، وتركت المطبخ ودخلت غرفة النوم، وأنا فضلت واقفًا، دماغي واقفة، مش قادر أستوعب إيه الموضوع، ومين اللي بتكلمه؟
دخلت الصالة وقعدت على الكرسي وأنا تائه، أسئلة كثيرة تخبط في دماغي، أواجهها دلوقتي؟ ولا أستنى؟ موبايلها كان على الطاولة، مددت يدي وأخذته، بس ما كنتش مسامح نفسي على اللي هعمله. فتحت سجل المكالمات، لقيته فاضي، كله محذوف، ولا رقم واحد. الشك دخل قلبي أكثر، لأن اللي ما بيعملش حاجة غلط... بيحاول ما يسيبش وراه أثر. أغلقت الموبايل ورجعته مكانه، وكلام شامية يخبط في دماغي، وساعتها بس فهمت، إن الشك ما بقاش فكرة في دماغي... الشك بقى ساكن جوايا.
هيثم دخل غرفته بس ما كانش قادر ينام. أول ما الساعة بقت 7 الصبح قام لبس هدومه وراح شغله. هيثم قعد على المكتب وحط يده على دماغه. علي، زميله في الشغل، قال له: "أنت شكلك تعبان يا هيثم." هيثم قال له: "ما نمتش طول الليل." علي قال له: "طيب روح أنت ارتاح وأنا هقوم بالشغل بتاعك النهارده." هيثم شكره ووصل العمارة، ركب الأسانسير وطلع. وهو بيفتح باب الأسانسير سمع صوت حد نازل على السلم، هيثم استغرب لأن أي حد في العمارة بينزل في الأسانسير. المهم فتح الباب ودخل الشقة.
أمل أول ما شافته اتخضت وقالت بصوت متوتر: "أنت جيت ليه بدري كده؟" هيثم بصلها باستغراب وقال لها: "أنتِ ما كنتيش عايزاني أجي ولا إيه؟" أمل قالت: "لأ مش قصدي كده، أنا قصدي أول مرة تيجي بدري عن معادك." هيثم قال لها بنبرة فيها غضب: "عايزك تتعودي على وجودي في أي لحظة." أمل اقتربت منه وقالت له: "أنا حساك متغير من وقت ما رجعت من المغرب." هيثم لم يرد عليها وتركها ودخل غرفته عشان يغير هدومه.
فجأة شاف فردة سماعة بلوتوث واقعة على الأرض، مد يده ومسكها وهو مستغرب "السماعة دي إيه اللي جابها هنا وبتاعت مين؟ ما حدش فينا بيستخدم السماعة دي." هيثم بص للسماعة بتركيز وافتكر إن كان في حد بينزل على السلم. هيثم خرج من الغرفة وهو غاضب جدًا، أمل شافته وهو مضايق جدًا وقالت له: "رايح فين؟" زقها فوقعت على الأرض، وتركها وخرج. نزل للبواب قال له: "يا عم شعبان، أنت شفت حد غريب دخل أو خرج من العمارة النهارده؟" شعبان البواب سكت شوية وبعدين قال له: "لأ يا أستاذ هيثم، ما شفتش حد غريب، اللي خرج أهل العمارة." بس هيثم ما كانش مطمئن والشك يملأ قلبه وقال له: "أنا عايز أراجع الكاميرات." البواب أدخله الغرفة وبدأ فعلًا يراجع الكاميرات وشاف اللي ما كانش متوقعه نهائيًا.
