
هـو يعني يا أبيه آدم لما أكبر أنتَ هتتجوزني؟
قلتها بطريقه طفوليه لسن بنت عندها ١٢ سنه، هو ابتسم ليا وهو بيداعب خدودي وقال:
-ولما تكبري يا بطه عارفة انا هيبقى عندي كام سنه؟
بصتله بجهل فكمل بإبتسامة وهو بيقعدني جمبه ومحاوطني بكتفه:
-هيبقى عندي ٣٠ سنه يعني أنتِ يبقى عمرك ١٩ وأنا ٣٠ متخيله الفرق!!
قلت ببراءة:
-أنتَ مش قلت إنه السن ملوش لازمه!
ضحك بصوت عالي بعدها رجع بصلي وقال:
-أنتِ متأكده عندك ١٢ سنه؟
هزيت رأسي بإيجاب بابتسامة هادية، وقفت قصاده وأنا بقف على طراطيف صباعي:
-وكمان بقيت كبيره شايف؟
هز رأسه وهو بيضحك وبيقول:
-آه شايف شايف!
غـريبة الحـياة اوي لدرجة إنها تشدك في ثواني تكبرك، ويعدي الوقت وتعيش بذكريات منفرده، عمـرك جربت يعني إيه تعيش في بلدة صغيرة بـها عادات وتقاليد مقيدة، كإنك طير من العصافير المـلونة أتحكم عليك تبقى في القفص علشان تبقى مجرد زينه متعلقه وسط الشبابيك والشرفات والبيوت، زي البنت إللي يبقى عندها ١٧ سنه وتبقى خلاص تتزين وتكبر نفسها بنفسها علشان تبقى زينتهم وشرفهم قصاد الراجل أللي لا قيمة له لانه شافها مجرد إمرأه تحبل، وتطبخ، وترتب، وفوق كل ذلك!!!!
تفعل المزيد والمزيد لهُ دون أن تتحدث عن ألمها وطاقتها!
هكذا وولدتُّ أنا بين بلدة صغيرة تحكم على المرأه في سن معين بأنه عليها أن تعيش عمر ال٤٠ عام والثلاثين، حتى لو كان عمرها يقارب ال١٧،لا يهم ذلك الأهم من كل ذلك!
أن تكـون كالخادمة في المنزل، وامرأه بكامل قوتها أمام رجل ليلبي إحتياجاته!
أنا فتاةٌ حينَ غادرني ما كان يسمى والدي الصغير، أصبحتَ مثلهم مثل باقي الفتيات، الذي سيحكم عليها غدًا، وترى زوجها، زوجها الذي لا تراه بعد، ولا ترى من هو، كم عمره، كيف يعيش، وكم مره تزوج؟!
ماذا عـن احلامي، طموحاتي، هواياتي، كل هذا كنت أمارسه سرًّا وكأنني افعل الكبائر، خوفًا بأن يراني أحدهم، فيكسرني، ليس بجسدي، بل بكسر حلمي الخفي الصغير الذي بنيتهُ سرًّا، دون العلن عنهُ حتى يأتي والدي، حبيبي، يأتي من سيجعلني حرّة، امرأه بنفسها دون امرأه برجل!
-إزيك يا طنط عاملة إيه؟
وحشتيني اوي أنتِ وعمو أشـرف هترجعوا إمتى بقى؟
-أنتِ شايفة دي بلد تتعاش يا بنتي! أنا لما جات الفرصة لعمك أشرف يسافر القاهره مسعتنيش الفرحة وكانني هخرج من القفص إللي اتدفنت فيه من صغري، مكنتش قادره أوصف فرحتي وأنا شايفه بنتي جنى تتحكم بحياتها براحتها مش البلد تتحكم بيها.
عيني أدمعت، وكإنني كنت أتمنى لو كانت والدتي على قيد الحياة، كانت ستقف ضدهم، تحتويني وتعافر معي،مسحت عيناي وابتسمت تلقائيا وقلت:
-وآدم؟
عامل ايه؟
سمعت صوت ضحكتها الخـافته فعقبت على حديثي قائلة:
-آدم بـعد ٣ سنين غربة لألمانيا أهـو راجع وبيقولنا محضرلكم مفاجأه برجوعه، وده غير كمان هنيجي البلد عندك علشان وحشتيني يا بنت الغـالية.
حبيبي قـد آتي وسيعود قلبي معهُ، قلبي فقط؟، بل قلبي وروحي وحياتي، سيتعود روحي لجسدي كما كانت!
ماذا عـن غدًا؟ إنه تحديد مصيري!، تحديد العدم بالنسبة لي، كيف سأهرب؟ كيفَ سأنجو؟ كيفَ سأفد من هذا المأذق!
-طيب يا حج مش هنشوف العـروسة؟
إهتز جسدي حينَ سمعت أسمي، دلفتُ للخارج بقلق وخوف، وكأنّ الثقل على كاهلي، والشعور بقدمي لم أشعر به بعد، شعرتُ بالدوار وكإنني سأختل توازني....
-أنتِ كويسه دلوقتي يا مريم؟
حينَ فتحتَ عيني رأيتها أمامي، رأيتُ من جعلتها أم لي، قمت بأحتضانها ببكاء، كان جسدي يرتعش مع كل شهقة تخرج كن جوفي، تمسكت بها كالخائفه الوحيده.
كان ينظر لي "أشرف" بتعجب فدلفَ لخارج الغُرفة قائلاً لهُ بقلق:
-عماله تعيط جوه مع والدتك،لما تهدأ شويه نفهم حصلها إيه؟ جدك بكلمه بيقولي ملكش دعوه بيها.
أردفَ بغضب وكأنّه أحتلّ جسده:
-إزاي يعني يا بابا؟ هو مش عارفين دي وصية عمي الله يرحمه، وإنهم تكون تحت توصيتي، أنا رايح أتكلم معاه وأفهم هو عمل فيها ايه؟ وليه لما شافتنا داخلين دمعت ووقعت من طولها!
ربّت "أشرفَ" على كتفهِ قائلاً بهدوء:
-متنساش يا آدم أنتَ قلت لجدك أنا همشي مع أهلي، وده بمعنى إنك مبقتش ولي عليها!
كاد أن يتكلم قاطعه صوت أنثوى يقترب منهم، حينَ رآوها أبتسموا لها، حاوطها آدم بذراعيه قائلاً بلغة الغرب:
-"مرحبًا عزيزتي، هل أعجبك المنزل؟ "
اومأت برأسها بإيجاب بإبتسام ثم عقّبت بهدوء قائلة:
-"نعم، أعجبني، لكن أخبرني كيفَ حال أختك الصغيرة؟ "
-"إنها بخير عزيزتي، انها فقط تفاجئت وهكذا عندما تتفاجئ تفقد وعيها! "
في جهة أخرى، وتقدم الوقت قليلاً كان الجميع حولي، ينظرون لي بتفحص ومنهم بشمات، ومنهم بقلق وخوف، كانت هي بجانبي، مسندة برأسي على صدرها، تشبه كثيراً أمي وتشبه حنانها.
أهتز جسدي وأرتعش، شعرت به، رائحته إحتلت جسدي، حينما دلفَ وقعت عيني على عيناه، نظرة شوق وحنين، نظرة عتاب ونظرات تعني الكثير، صرخَ قلبي حينَ وجدت من تدلف خلفه وتحيط بيديها حول يديه، تنظر له بحب، نظره حب وليس أخت!
إعتدلت قليلاً حينما خرج الجميع وكان هو واقفًا، ينظر لي، لا اعلم ماهي نظرته، دلو ساخن دلكَ عليّ حينما همسَ بهدوء لي:
-كبرتِ!
كانَ الصمت يسودنا بعدما أردفَ بكلمته البسيطه ولكنها تعني الكثير، بعد دقائق أردفتُ قائلة:
-هي دي مراتك؟
حينما اومأ برأسه بإيجاب شعرتُ بألم، شعرتُ بألم الحياة التي عشتها في غيابه على امل عودته لي وحيدا ليجمعني القدر بي.
-وحشتيني يا مريوم، كبرتِ أوي.
أبتسمتُ بلا مشاعر وتظاهرت بالعادي قائلة:
-العمر بيعدي يا آدم سواء لوحدنا او مع حد تاني، وكل شخص فينا بيعيش عيشته!
أكملت ببرود:
-ألف مبروك على الجواز، وربنا يكملك على خير.
ضحكَ على حديثي ثمّ أردفَ قائلاً:
-آدم؟؟ يرحم زمانك يا مريم كنتِ تقوليلي يا آبيه آدم بكل إحترام!
-قلتلك العمر عدّى يا آدم وانا كبرت وأنتَ كبرت وأتجوزت مبقاش ليه لازمه أقولك يا آبيه!
-وده ليه؟
هو آبيه بقى لي عمر معين ومدة معينه؟ وبعدين مالك كده بقيتي بتتكلمي بألغاز وحاسس إنك مش مبسوطه اني أتجوزت!
أبتسمت بسخرية وقلت:
-لا أنا مبقتش بتكلم بألغاز، ولا مش مبسوطالك بالعكس مبسوطه طول ما أنتَ مبسوط معاها، الفكرة يا آدم إنك غبت عني كتير فطبيعي هتشوفني غريبه وكبيره!
هَمْهَمَ بعدم تصديق ثمّ عقّبَ قائلاً:
-طيب عاوز أعرف إيه السبب يخليكي تشوفينا وتفقدي وعيك، أنتِ كنتِ تعبانه؟
كدت الحديث لكن قاطعنا الحديث حينَ دلفَ جدي بهيبتهِ المعروفه وعصاة الضخمه والمحيطه والمزينه بفرو الحيوانات، اعتدلتُ قليلا بخوف تحت نظرات آدم الحادة والغاضبة، أردفَ جدّي قائلاً بضيق:
-بقيتي كويسه؟
اومأت بتوتر فأكملَ قائلا:
-طيب قومي إلبسي وغيري هدومك دي ريحتها حقن وقرف ويلا علشان الناس مستنيين.
حينما دلفتُ للوقوف أوقفتني يد آدم وهو يقف مواجهًا لجده بهدوء:
-أعتقد هي لسه تعبانه، بجانب كمان ناس مين دي إللي هي تجبرها تغير هدومها وتنزل ليهم تحت؟
نظرَ له جده بإزدراء وضيق وقال:
-شئ ميخصكش يا آدم، وبلاش تحط راسك برأسي!
ثمّ وجه بصرهُ نحوي قائلاً بضيق:
-أنتِ لسه قاعده قومي إلبسي يلا!
وقفت للرحيل ولكن يد آدم كان أقوى مني، أردفَ بغضب وقال:
-مش هتتحرك من مكانها غير لما اعرف هي هتغير ليه؟ ومين الناس دي!!
-ده عريسها اللي تحت، إرتحت يا أستاذ آدم؟!
شعرتُ براحه يديه من يدي، كانت البروده في يدينا بعدما كان الدفا فيهما، كان ينظر لي نظرات غريبه، كنت أريد البكاء أريد إحتوائه، أريد كل ماهو حنون منهُ.
-وأنتَ ايه مخليك تتجوز بنت قد ابنك اللي قاعد جمبك؟
أردفَ بها "آدم" بحقد وغل، ثمّ عقب عليه ما يطلع عليه "العريس" ببرود:
-وده إسمه ايه ده؟ أأنتَ مين علشان تقولي كلام زي ده؟ أنا دافع مهر نص مليون جنيه مش علشان تقولي كلام سم زي ده!
ضحك آدم بسخرية قائلاً:
-إمم نص مليون مره واحده؟ أنا لو مكانك مدفعش فيها ملليم!
-أنتَ إتجننت ولا ايه؟
باحَ بها الجد بغضب وصوته هز الجالسين، بينما آدم كان ينظر لهُ بتحدٍ، ثمّ أكمل حديثه ببرود:
-يعني جاي بهيبتك وطولك وعرضك وبفلوسك نص مليون جنيه علشان بس تتجوزها!!
نظرَ له الرجل بإشمئزاز فأكمل آدم بـ سخرية قائلاً:
-أنا مكانك أخد إبني وإبن أبني وأمشي وأشوفلي واحده سبعانيه كده تليق بمكانتك.
يتبع