
ما أقساها الدنيا، تجعلك وتوهمك وتهبط لأعلى بسعاده، ثمّ تظهر كسور قلبك تتجدد، وروحك تنسحب، كنتَ تهبطَ وتعلوا ثمّ خدعتك بكسر فؤادك،أصبحتْ الكلالة تسودكَ، والشجن يحيط بكَ.
أصبحَ القلب ينبض، يزداد نبضه، وأرتعاش يده يزداد أكثر فأكثر، وكأنّه طفلٌ صغير يودّ شئ، لكنّه يخاف الرفض.
من من يخاف؟ إنها لهُ وملكه، لما الخوف يا فؤادي، فهي لكَ وخلقت من أجلك، هل يعقل تخاف الرفض، وكل دابةٍ في الأرض تعرف معشوقتك الصغيره لـ من تنتمي؟ كان هذا ما يخطر بباله.
حمحمَ قائلاً ببعض التوتر:
-ياريت لو في أي سوء جواك من ناحيتي نأجلها لأجل فرحتي.
أكملَ بخبث:
-أصل أنا لو إتنكدت أو حاجه ضايقتني، بحب ألعب بالورق والصواريخ!
جملته تحمل السخريه والتفاهه، لكن معانيها تعنى الكثير من الدمار، بينما الآخر يرمقهُ بغضب، كيفَ لهُ بالتجࢪأ، فهو سيد البلدة هذه، ولكنه سيصبح أفقرهم!، وما أدراكَ من كانَ سيدهم أصبحَ أحدَ خدامهم!
نهضَ الـجد كهيبته المعتادة، التي لا يستطيع أحدٌ نكرانها، جلسَ أمامهُ في الكرسي الذي يواجهه، أسند بيديه على عصاتِه، وأردفَ بخبث:
-كل حاجه وليها تمنها يا آدم، ومريم ليها تمن غالي أوي!
ضحكَ الآخر بسخرية، فعقّب على حديثهِ، بعدما اتكأ على وركيهِ وهو يرمقَ جدّهِ بخبث:
-لأ ما أنا هتجوزها من غير تمن، هتتكلم كتير لا هتلحق لا حق ولا باطل!
ضربَ بعصاه الأرض وهو يهتفَ غاضبًا في وجهه:
-في إيه يا ولد؟ أنتَ فاكِر بفلوسك تقدر تشتري كُل حاجه ولا إيه؟، لأ متنساش نفسك يا قلب أبوك، متنساش إنِّي..
-مش هنسى نفسي يا كبير البلد، مش هنسى نفسي وإنّي هبقى الجحيم لحياتك!
أكملَ بنبرة أهدى قليلاً لكنّها تحمل الغضب:
-مش هنسى لما رميت والدي بره لأجل إنه لقى رزق ليه بعيد عنك، لأنك أناني وعاوز الكُل حواليك يبقوا زيك، مجرد أراضي وبيت قديم وتفكير قديم!، كُنت فاكر هسيب مريم؟ كنت فاكر هبقى جبان زي والدي ومش قادر لحد دلوقتي يقف ضدك؟
أقتربَ لهُ هامسًا:
-هو إبنك وأتفق أنه ميقدرش يقف قصادك، بس أنا بجح وقادر أقف ضدك!
𐙚 𐙚 𐙚
-يا أستاذة أوقفي هِنا أنتِ رايحة فين؟
هتفَ بها أحد الأمن وهي تهرول للداخل بخوف وقلق، أوقفها أصطدم رجل بها، تأوهت بألم وقالت بخنق:
-أنتَ أعمى؟
لم يهتم لها، تركها ورحل، بينما هي كانت تسب بداخلها ببعض الكلمات المعروفه كـ (غبي، قليل الزوق، لا يفهم)
أمسكَ بها أحد الأمن وهو يلهث:
-مسكت! تعالي معايا بقى!
كانتْ تحاول الهروب منه كي لا تخرج، تظاهرت بالتعب فأرخت جسدها لتسقط على الأرض، وكزها الأمن بقلق بعصاتهِ الأمنيه:
-يا أستاذه مش وقتك ، عندنا زياره مهمه!
كانت كالجثة الهامده، لا منفس ولا حركة لها، أجتمع الجميع حولها، أقتربت أحد الفتيات بعطرها النافذ، وهي تقطر بقطرات عطرها على انفها بلطف، سعلت الملقية على الأرض، وهي تهتف بألم:
-منكم لله يا مجتمع ذكوري!
حينما أفتحت عينيها بتركيز، ورأت من حولها، شهقت بتوتر وهي تعدّل وشاحها، بعد ثواني، لاحظت رائحه شديدة، سعلت وقالت:
-منكم لله هتموتوني صغيره!
هتفت بها بغضب، كانت الفتاة تنظر لها بصدمه على تقلباتها السريعه، ونظرات الآخرين منهم من ينظر بإشمئزاز لحالها، ومنهم من يبتسهم كانه مسرح كوميدي أمامه،وعيونٌ أخرى، تنظر لها بنظرات غريبه، لا نفهم معناها سوى العُمق، حمحمَ برسمية، فهبّ الجميع مكانهُ، خطى بخطواتٍ هادئة ومدروسة بالقرب منها، بينما هي كانت تنظر بترقب بعدما نهضت بأرهاق وهي تعدل ملابسها، وقفَ شاهقاً بطولهِ الذي بشكل ملحوظ يفوقها طولاً، أردفَ ببرود قائلاً:
-حصل اي؟
نظرت لهُ بشرود، من هذا؟ وماهذه الهيبه؟ يرتدي ملابس كثيرة الثراء وكإنها من أفخم البراندات.
بلعت ريقها بتوتر وأردف بقلق:
-أنا كان في حد بيجري ورايا وأنا جايه أعمل أنتر ڤيو هنا، ولما الأمـن شافني وأنا بدخل الشركه بجري أفتكرني واحده متسوله ورفض يدخلني، ولما لقيت الشبين بيقربوا مني زقيت الأمن ودخلت، وبعدها حصل إللي شوفته حضرتك.
نظرَ ببرود لها، فعقّبَ على قولها قائلاً:
-إنجـوي للأنتر ڤيو.
رحلَ دون سماع ردها، بينما هي رمقتهُ بغيظ، ثمّ أكملت طريقها للمقابلة الخاصه لديها، دلفتْ بين ممرات بعدما أرشدها بعض العُمّال هناك، حيثُ طرقت بطرقات خفيفه ومدروسة قليلاً، بينما في الداخل أسمحَ لها الـ HR الخاص بالشركة ، جلستْ أمامه بهدوء بعدما اومأ لها بالجلوس، جلست أمامه براحة رسمية وجلسة طبيعية رسميه، حمحم قائلاً:
-مساء الخير لحضرتك أتمنى ربنا يجعل في لقاء آخر في الشركة.
اومأت هي بإيجاب وقالت بهدوء:
-لعلّة خير بإذن الله.
بدأ بدراسه حركاتها، وبعد حديث من معرفه مؤهلاتها للعمل، وبعض التدريبات الذي خاضتها في مرحله جامعتها، هتفَ بذكاء قائلاً:
-وختام الأنتر ڤيو، لو في شركه خصم لينا، إيه يضمني أنك م هتسيبي المكان لو عرض عليكي تشتغلي معاهم.
توترت قليلاً، لكنها أمحت القلق بثواني، ثمّ عقّبت بهدوء قائلة:
-طول ما شركة حضراتكم موقعها يناسبني ومقدرة لشغلي وكُل رد فعل ليه رد فعل مناسب لشغلي، وقتها أنا مش هيبقى عندي أي ذرة تردد فإنّي أرفض عرض الشركه التانيه.
اومأ رأسه بإيجاب ثمّ أكملَ قائلاً:
-شايفه نفسك إيه كمان 5سنين؟
ابتسمت بهدوء قائلة:
-كُل شخص فينا عنده طموح يبقى في مكانه احسن، بس يكون مكان خير ليه، وبما إنّه الأنسان بيحب طموحاته وبيحب يكافح وبيحب يوصل، فشايفه نفسي كمان 5سنين أكون مديرة مكتب جمعية خيرية لرعاية أطفال سلبت منهم العائله.
ابتسمَ لها بهدوء، وأغلقَ الملف الذي أمامه، وقال:
-الأنتر ڤيو خلص، بإذن الله هنرد عليكي على أيميل حضرتك.
اومأت رأسها بإيجاب ودلفت للخروج.
{ مَرْحبًا عزيزي أحمد، ربّما ليسَ أسمكَ بأحمد، ولكنّي سأعتبركَ الحمد الذي سأحمد الله عليهِ حينما يرزقني الله بكَ، لا اعلمُ كيفَ ملامحك، ولا أعلمُ كيفَ مشاعري اتجاهك، ربّما أحببتُ شخصًا خفيًّا حنونًا بإذن الله، ولكنّي أدعوا لكَ ليلاً ونهارًا، وكإنّك معي ليلاً ونهارًا، حبيبي أحمدٌ، حينمَا نلتقي، إهدني وردة، وأخبرني أنني مثلها}
ربّما الحياةُ بريّة جدًّا، وما أقساها من ألمٍ، بكلّ خطوة لحبيبك، تهزمك الأيام والسنين الفارقة بينكُمَا، وربّما أيضًا تجمعكم، ولكنْ؟..
كالأغراب، تلتقوا وتتراحبوا كالأغراب، اليوم هنا وغدا ليسَ بـِ هنا؛ فقد أعتدتم على البُعْد والفُراق.
فاقت من شرودها، حينما شعرتْ بأن البائع يهتف بها قائلا:
-يا أستاذه الحاجة خلصت يا أستاذة!
نظرت لهُ وللأشياء التي تم تنفيذها:
-متشكره جدًّا.
دلفت للخروج ولركوب سيارة العائلة بالأمام السائق، لكنّها توقفت قليلاً حينما رأته أمامها، حبيبها وحبيب أيامها، والأيام التي سرقت حبهما، شدّت على الحقائب التي تمسكها حينما هتفَ قائلاً:
-إزيك يا جنى، كبرتي وبقيتي جميله!
أبتسمت بتوتر ثمّ عقبت على قولهِ قائلة:
-بارك الله فيك، عن أذنك لازم أمشي مينفعش وقفتنا كده!
قبل دلوفها أمسكَ بمعصمها، بينما هي رقمته بغضب، وسحبت يديها بسرعة قائلة:
-أنتَ أتجننت ولا إتخبلت في عقلك؟
أكملت بضيق:
-إياك تمسك إيديا ولا تفكر توقفلي كده تاني، روّح لأبنك ومراتك يا أيمن!
تركتهُ ودلفت للسيارة، كانت تتمتم وتسب بداخلها عليهِ، رغمَ حبها الشديد وعشقها له،ولكن مبادئها وما تعلمته في الدنيا "أنّ ما أصبحَ لغيرك، فغيركَ ليسَ بذنبهِ ليكون ضحيّة في قصتك" ما ذنب الزوجه التي طاعت زوجها وهو عقله بأمرأه اخرى، ما ذنبَ زوجة تفعل كما قال الدين لطاعة الزوج، أمّا عنهُ زوجٌ مزيف أمامها.
-ممكن أفهم أنتِ رافضه ليه يا مريم؟
رمقتهُ بأشمئزاز قائلة:
-أنتَ حقيقي مستفز، عاوزني أوافق أتجوزك وأنتَ متجوز وكمان هتبقى أب كلها شهور.
أردفَ بغضب وأنفاسه تحترق وجهي، كان غضبه يغلي ولكن صوتهُ المنخفض يرعب جسدها:
-لو مره تفكري في حياتك كان كُل حاجه إتحلت، قلتلك مليون مره مش عاوز غيرك، ولا بفكر غير فيكي يا مريم أفهمي ده!
نهضتُّ بتوتر بداخلي وتظاهرت بالبرود:
-بجد أنتَ غريب جدًّا، وكمان أناني!
أكملتْ ببرود:
-لما أنتَ مش عاوز غيري، ومش بتفكر غير فيّا، أتجوزتها ليه يا أبيه آدم؟
أضفتُ على حديثي سخرية:
-لو مستني أوافق على جوازك، يبقى شكلك هتستنى كتير يا أبيه، جواز منك ده مستحيل.
يديه على معصمي كادت تفصلها عن بعضها، نظراته غريبه، لم أراها قبل ذلك، حاولت أن أبعد يدي، لكنّه كالعاده الأقوى، والسيطره كلّها لهُ، همسَ لي بخنق:
-لو فاكره إنّك بتتحديني وشايفه انّك هتقدري بشويه كلام أبعد عنّك ولا أنّي هفكر أمشي وأسيبك.
جذبني نحوه ولكن كان الهواء بيننا، لكن المسافه ليسَ بعيدة بيننا، أكملَ بنفس النبرة وبعض السخرية تقطر منهُ:
-يبقى بتحلمي يا بنتْ آدم!
عادَ الدم بين عروقي وأنتشر بين شرايين يدي، كانت علامته على يدي، وكإنّه يثبت لي "أينما كنت، فأنا هُنا" حبّه كالجحيم، مرعب ولكنّه أمانٌ لي، متملك ولا يريد الخسارة في أي شئ، لا أستطيع الأفد من حبّه، ولا استطيع نسيانه، كلما قاومت نفسي لنسياه كلّما هزمتني ذكراه وكونَهُ "أبي" الصغير الذي ربّاني وعلمني كيفَ أحب، وحينما كبرت وأحببت، أحببت من علّمني الحُب وهو مُهاجرني.