
رواية هيبة بقلم مريم محمد غريب
رواية هيبة الفصل الثامن والخمسون58 بقلم مريم محمد غريب
عاد إلى جناحه الخاص أخيرًا في ساعةٍ متأخرة من الليل، بعد أن أفرجت عنه والدته، بل الأصح بعد أن قضى ساعاتٍ يسترضيها ويقنعها أن تقبل بالفتاة التي أتى بها اليوم عروسًا إلى البيت ..
تنفس الصعداء ما إن استقر داخل مساحته الخاصة، باشر فورًا في نزع سترته وتلك العقدة اللعينة التي تحيط بعنقه منذ الصباح، لكنه يتجمّد فجأة ..
إذ رآها تجلس في منتصف الفراش ولا زالت مستقيظة ...
-ريري! .. هتف "زين" بدهشةٍ
ولاحظ فورًا أثر أوامره عليها، فقد انصاعت لكلمته واغتسلت وها هي ترتدي بيجامتها الحمراء المؤلفة من قطعتين، كنزة بحمالاتٍ رفيعة وسروالٍ قصير عليه رسومات قطط وفئران، شعرها متوسط الطول لا يزال رطبًا خصيلاته تلتصق بجبينها وصدغها ..
والآن كأنما فاحت رائحة ذكية تأسر الحواس إن اقترب خطوة ناحيتها، توقف بغتةً ممعنًا في ذلك العبير الناعم، بدا مزيجًا من الأزهار وثمر الخوخ ..
أجفل مرتبكًا حين وقفت فجأة صائحة:
-زيــن.. انت اتأخرت عليا ليه يا زين أنا قاعدة كتير مستنياك!
وسارت تجاهه باندفاعٍ ..
واجهها "زين" بثباتٍ وهو يمسك بكتفيها ليبقيها على مسافةٍ آمنة، ثم قال بهدوء:
-مش أنا قلت لك تاخدي شاور وتنامي يا حبيبتي؟ إيه إللي مصحيكي لحد دلوقتي؟
تطلّعت إليه قائلة ببرائتها المعهودة:
-أنا مش بعرف أنام لوحدي.. ميمي كانت بتنام جنبي!
زين برفقٍ: يا حبيبتي ميمي هاتكون عندك من بكرة ماتقلقيش. أنا وعدتك
بس دلوقتي لازم تنامي. الوقت اتاخر يا ريري.
مطّت فمها بحركة طفولية محضة وقالت:
-مش هاعرف أنام.. لازم تنام جنبي.
أجفل ثانيةً وقال بتوترٍ يختبره لأول مرة:
-أنام جنبك! ماينفعش. قصدي السرير مش هايقضينا يا حبيبتي
وأنا عايزك تنامي براحتك. بصي أنا هانام هنا قصادك على الكنبة دي.
وأشار لها نحو الأريكة المقابلة للسرير ..
ريهام بعنادٍ: للللللللأ.. انت هاتنام جنب ريري
السرير كبير أااااااد كد أهو. شوف!
وركضت نحو الفراش، لتعتلبه وتبدأ بالقفز فوقه كالأطفال ..
تنهد "زين" وهو يقترب قليلًا ويقول بصوتٍ آمر:
-طيب خلاص. خلاص يا ريري انزلي كفاية تنطيط هاتقعي
قلت خلاص وانزلي أسمعي الكلام!!
أفلتت منها ضحكة مجلجلة موسيقية وهي لا تزال تقفز وتقول بمرحٍ:
-لأ دي حلوة أوووي يا زين. تعالى. تعالى أتنطط معايا.
ابتسم لها رغمًا عنه وقال مازحًا:
-أتنطط معاكي؟ أنا لو طاوعتك من أول نطة هاننزل على الناس إللي تحت.
ثم قال يلطفٍ يستميلها:
-انزلي بقى يا ريري. يلا يا حبيبتي عشان خاطري كده ممكن تتعوّري.
هزّت رأسها بتعنّتٍ قائلة:
-أنا مبسوطة كده.. عارف؟
ريري مش هاتنزل غير لما زين يقول خلاص هانام جنب ريري!
تمالك "زين" عصبيته بصعوبةٍ وهو يقول بجدية صارمة:
-ريـهام.. قلت انزلي
سمعتي؟ مش هقول تاني بلساني!
من جديد تهز رأسها رفضًا وعلاوةً عليه، مدّت له لسانها، فإذا به يتخذ خطوة ناحيتها على سبيل التهديد، لتصرخ "ريهام" محاولة الالتفات على نفسها لتفر من أمامه ..
ولكن يلتوي كاحلها وتسقط من فوق السرير صادمةً رأسها بقائمة الكومود ...
-آاااااااااااه ..
-ريهــام!! .. صاح "زين" ملتاعًا تزامنًا مع سقوطها وصرختها المتألمة
وثب ناحيتها في أقل من ثوانٍ، ركع بجوارها ورفعها مسندًا إيّاها إلى ساقه، أمسك بوجهها بين يديه وراح يتفحصّها بدقة، بينما تتأوه "ريهام" من إثر السقطة، وخاصةً عندما ضغط باصبعه فوق جبهتها مباشرةً ...
-آاااااااه. هنا. هنا بيوجعني يا زين!
تألم قلبه لأجلها وهو يرد يلطفٍ شديد:
-معلش. معلش يا حبيبتي بسيطة.
وقام حاملًا إيّاها ليضعها فوق الفراش، جثى أمامها ثانيةً ممسدًا على شعرها وجانب وجهها متمتمًا:
-قلت لك هاتقعي.. قلت لك أسمعتي كلامي
شوفتي عملتي في نفسك إيه؟
-آسفة!.. أعتذرت منه فورًا
بينما يهز رأسه متأسفًا بدوره، ويضغط من جديد فوق جبهتها ليتأكد من عدم وجود أيّ جروحٍ ...
-آاااااااااااااااااااااه. وجعتني يا زين!!
صرخت أشدّ لقوة ضغط يده محل الرضّة، ليعتذر منها قائلًا:
-آسف يا حبيبتي حقك عليا.. أنا بطمن عليكي بس!
دق باب الغرفة في هذه اللحظة، فنهض "زين" وذهب ليفتح، وجد أمامه إحدى المستخدمات:
-نعم يا عطيات؟
كانت المرأة الثلاثينية مطرقة الرأس وهي تخاطبه بلهجةٍ خجلى:
-لا مؤاخذة يا زين بيه. مش قصدي أزعجك!
عبس "زين" مستغربًا سلوكها وقال:
-تزعجيني إيه مش فاهم. عايزة إيه يا عطيات انجزي؟
لم ترفع الأخيرة رأسه لتنظر إليه مطلقًا لكنها جاوبته:
-رياض بيه عايزك تحت. وبيقولك هات عروستك معاك عشان أخوها جه وعاوز يشوفها!