رواية هيبة الفصل الحادي والستون61 بقلم مريم محمد غريب

رواية هيبة بقلم مريم محمد غريب
رواية هيبة الفصل الحادي والستون61 بقلم مريم محمد غريب
ضـ.. ضربتني ..

في هدأة الليل ..
 
يعود "زين نصر الدين" أخيرًا إلى المنزل، لقد كان نهارًا حافلًا، وسلوته الوحيدة الآن هي مرافقتها ..
 
بمجرد مرورها على خاطره قبيل عودته، جعلته يسرع فقط ليلحق بها قبل أن تغفو، لكنه فتح باب الجناح الآن ولم يجدها!
 
كان الإرهاق يُقل كتفيه، لكنه جمد عند عتبة الباب متناسيًا كل شيء فقط لأنه لاحظ غيابها.. الغرفة ساكنة على غير عادتها مؤخرًا ..
 
الفراش مرتّب، ولا أثر لها في أيّ مكان!!
 
عقد "زين" حاجبيه باستغرابٍ، يتلفّت حوله بحثًا عنها لعلها غفت في أيّ ركنٍ بالجوار، لم يكد يخو خطوة حتى دوى نباح خافت متوتر من "ميمي" ..
 
إلتفت "زين" ليرى الكلبة الصغيرة وهي تقف متحفزة أمام السرير، تحدق أسفله بقلقٍ، ذيلها منخفض وصوتها يشي بالإنذار ..
 
اقترب "زين" منها قائلًا بنبرة متعجبة:
 
-إيه يا ميمي مالك؟ وفين ريهام؟
 
رفعت الكلبة رأسها إليه، ثم خفضتها لأسفل السرير، قبل أن تنحني بمحاولاتٍ واضحة لجذب انتباهه، كأنها تريه الطريق ..
 
أدرك "زين" رسالتها لكنه لم يتخيّل ما سيراه ..
 
انحنى ببطءٍ وهو يزيح شرشف السرير، فأصابته الدهشة حين لمح "ريهام" متكوّرة على نفسها هناك بالأسفل، عيناها متسعتان، ورجفة قوية تمر عبر جسدها بلا إنقطاعٍ ... 
 
-ريري! .. صاح "زين" مشدوهًا، وتابع وهو يمد يده إليها بلطفٍ:
 
-إيه ده يا ريري.. بتعملي إيه هنا. تعالي يا حبيبتي.
 
ترددت "ريهام" لثوانٍ، ثم اندفعت نحوه بمجرد تأكدها من أنه هو.. هو "زين" الذي جاء إليها أخيرًا ..
 
وكأن وجوده يثبت لها أن العالم صار آمنًا، وما إن تلقّاها حتى ارتمت بين أحضانه منفجرة بالبكاء، شهقاتها ترتجف على صدره ...
 
-إيه إللي حصل؟ .. سألها بقلقٍ كبير:
 
-وليه مستخبية تحت السرير؟ ردّي عليا يا ريهام!!
 
رفعت وجهها بصعوبة، صوتها يتهدّج وهي تحاول إخباره:
 
-ضـ.. ضربتني ..
 
تجمّد للحظة، ضمّ حاجبيه بشدة وهو يستوضحها:
 
-مين إللي ضربك؟
 
تحاول أن تتكلم، تتلعثم، والدموع تخنق صوتها، يمسح على رأسها بحنانٍ وهو يقول بنبرة ثابتة يُطمئنها:
 
-بالراحة.. قوليلي. مين؟
 
قبضت أصابعها في قميصه وكأنها تتشبّث به مخافة المتربّصين بها، ثم مضت تهمس بصوتٍ يرتعش خوفًا:
 
-شهد.. أسمها شهد ..
 
جمدته كلماتها من جديد، لكنه حاول أن يبقى هادئًا ليستمع إليها، بينما بدأت تحكي له بصوتٍ متقطّع ..
 
كيف نشب الشجار بينهما، كيف شدّتها من شعرها ومزّقته، وكيف صرخت في وجهها، وكيف دفعتها بقسوة حتى ارتطمت بالأرض ..
 
ومع كل كلمة كانت أنامله تتصلّب على كتفيها، والغضب ينساب في عروقه ببطءٍ قاتل.. حتى فرغت ..
 
لم يكن في وجهه سوى غضبٍ أسود ..
 
حملها بين ذراعيه حين لاحظ هشاشة أعصابها، وضعها في سريره برفقٍ وجلس بجوارها لدقائق يُهدئ من روعها، رغم تفاقم الحنق بداخله كلّما رآى عليها علامات الشجار التي سردت عليه تفاصيله ..
 
كدمة أسفل فكّها، تجلّط طفيف أعلى زاوية فمها، وتوّرم ملحوظ بوسط فروة رأسها ..
 
سحب نفسًا عميقًا وخاطبها برقة وهو يمسح على شعرها:
 
-ريري.. أنا هاسيبك شوية
هاروح أعمل حاجة وراجع لك علطول.
 
ذعرت وهي تتمسك به متوسلة:
 
-لأ. لأ عشان خاطري مش تسيب ريري لوحدها.. هاتيجي تاني وتضربني!!
 
ضغط على فكه بقوة ومن داخله يتوّعد من تسبّب لها في كل هذا ..
 
قاوم الغضب مجددًا وهو يقول بصرامة محيطًا وجهها براحتيّ يده:
 
-ماتخافيش.. محدش يقدر يجي جنبك طول ما أنا موجود
وحتى وأنا مش موجود. أنا بوعدك. إللي حصل ده مش هايتكرر تاني أبدًا
وهاحاسب إللي عمل فيكي كده.. عشانك مش هاعديها على خير.. وهاتشوفي.. إهدي.. وأسمعي كلامي. أنا مش هاخرج وراجع لك.. مش هاتأخر عليكي.
 
وتمكن من انتزاع قبضتها عن قميصه بصعوبةٍ ..
 
تقدّم بخطوات ثابتة نحو باب الجناح، جذب المقبض بعزمٍ، توجّه رأسًا صوب غرفة "شهد".. بينما الليل خلفه بدأ أضيق من أن يحتوي غضبه
تعليقات



<>