رواية هيبة الفصل الستون60 بقلم مريم محمد غريب

رواية هيبة بقلم مريم محمد غريب
رواية هيبة الفصل الستون60 بقلم مريم محمد غريب
ريري اختارت زين!

استغل أولى ساعات النهار ليأخذها في جولة، حيث غالبية ساكني المنزل لا يغادروا غرفهم مبكرًا كالعادة ..

كما إنها من أكثر الأشخاص الذين قابلهم نشاطًا، والآن صار يحفظ أطوارها جيدًا، ماذا تفعل منذ صحوتها وحتى يغلبها النوم ليلًا ..

يعرف بأنها تستيقظ لدى بزوغ الصبح، تتناول فطورها، تمارس هواياتها العديدة وتلهو، تأخذ قيلولة قصيرة بمنتصف النهار، ثم تقوم مجددًا بنشاطٍ أكبر لتستأنف اللعب والمرح، روتين الطفلة المثالية ..

والتي لم تكن سوى "ريهام".. زوجته.. طفلته ...

-خلصي طبقك يا ريري! .. قالها "زين" آمرًا بصوتٍ يخلو من أيّ نبرة مزاح

لم يتبقَ إلا القليل، فنظرت إليه "ريهام" وهي تقول بتبرّم:

-ريري شبعت يا زين. خلاص مش في مكان تاني في بطني بص!

وقفزت عن الكرسي الملاصق لبنش المطبخ المفتوح، مدت خصرها للأمام ليرى حدبة بطنها المسطح أصلًا، فضحك رغمًا عنه قائلًا:

-يااااه. صحيح. انتي أصلك يا عيني خلصتي على الفطار كله ..

واقترب منها قارصًا أنفها بلطفٍ وهو يقول بغيظٍ:

-انتي ناوية تجنني زين. أو أنا اتجننت خلاص.. خدي طيب ..

وناولها كأس الحليب الدافئ بصرامة:

-هاتشربي كوباية اللبن بتاعتك كلها زي ما انتي متعودة. 

تأففت "ريري" عابسة بتذمرٍ:

-يووووه بقى. لبن لأ. طعمه وحش. عمر كان بيخليني أشربه بالعافية.. ريري مش هاتشرب لبن بـس!!

زين بحزمٍ: لأ ريري هاتشرب. ولو عندتي مافيش فسح ولا لعب ولا أنا هاكلمك أصلًا.

ضربت الأرض بقدمها كالأطفال تمامًا وصاحت برفضٍ قاطع:

-لللللللللللللأ. لبن لأ. وحش وحش وخش مش بحبه!!!

وعقدت ذراعيها أمام صدرها وقد استبد بها العناد كليًا ..

أدرك "زين" ذلك وعرف بأن إجبارها لن يأتي بنتائج حميدة، بل ستعانده أكثر، وربما بتسبب لها بالمزيد من التقلبات العاطفية خاصةً التي تؤدي بها إلى حزنٍ يصعب مداواته ..

فكر للحظاتٍ، ثم تركها متجهًا إلى إحدى الخزائن، أضاف القليل من مسحوق الكاكو الخام إلى الكأس، قلّبه جيدًا، ثم عاد إليها وقدّمه من جديد قائلًا بلهجة أكثر لطفًا:

-اتفضلي يا حبيبتي. حطيت لك في اللين الكاكاو إللي بتحبيه. يلا بقى أشربي عشان خاطري. هاتلاقي طعمه بقى حلو والله!

وأخذ يلاطفها ويهدهد لها حتى تخلّت عن عنادها تدريجيًا وتقبّلت ما يعرضه عليها ..

أخذت الكأس من يده، رفعته لفمها وتجرّعته دفعةً واحدة، أنزلته عن فمها فارغًا وقد صنعت لنفسها شاربًا من الشوكولاه ..

ابتسم "زين" معجبًا أكثر ببراءتها النقيّة، سحب منديلًا ورقيًا ومسح لها فمها قائلًا:

-شطورة يا ريري.. بحبك أوي لما بتسمعي الكلام. ياريتك تكوني كده علطول!

وأطلق نهدة قصيرة، ثم أمسك بيدها وشدّها برفقٍ للخارج وهو يقول:

-تعالي يلا.. هافرجك على البيت قبل ما دياب يوصل.

وأخذها وجاب بها أرجاء القصر كاملًا ..

أراها المنزل من الداخل، والحديقتين الرئيسية والخلفية، أغرمت كثيرًا بحوض السباحة الكبير، وأعجبها اسطبل الخيول، لدهشته لم ترهب الخيل، بل أرادت مداعبته ..

فسمح لها، إذ فتح مقصورة معيّنة بها فرسٌ لونه كالعسل، تركها تداعبه وحتى إنها قبّلته ...

-عجبك بحر يا ريري؟

نظرت له وأومأت بقوة:

-حلو أوووي يا زين.

-خلاص طالما عجبك أوي كده هايبقى بتاعك من إنهاردة.

-يعني إيه هايبقى بتاعي؟

-يعني زي ميمي كده. الفرق بس إنه مش هايقدر يطلع معاكي الأوضة طبعًا. انتي إللي هاتنزليله. تلعبي معاه وتركبيه شوية وقت ما تحبي.

أشرق وجهها بابتسامتها الحلوة وهي تهتف بحماسةٍ:

-الله. يعني أنا دلوقتي عندي حصان بتاعي ليا أنا وبس؟؟

أوما لها: أيوة يا حبيبتي.. بحر بقى بتاعك وليكي انتي وبس. وعارفة؟ عندي ليكي مفاجأة تانية.

سألته بفضولٍ متلهف:

-مفاجأة إيه. إيه يا زين المفاجأة؟؟؟

-ليلى صاحبتك.. إنهاردة هاتكون عندنا هنا.

شهقت بفرحٍ: ليلى. قصدك ليلى؟
طيب نديم هايجي معاها؟؟

تجهم وجهه وهو يرد عليها:

-لأ. نديم مش جاي معاها.. ومش عايزك تجيبي سيرته تاني
لو بتحبيني مش عايز أسمعك بتقولي أسمه حتى. وإلا هازعل منك بجد.

تلاشى مرحها مرةً واحدة ..

لا تفهم لماذا يقول ذلك، لا تفهم شيئًا على الإطلاق، فقالت بصوتٍ مكتوم:

-نديم أخويا.. نديم زي عمر.. ريري بتحب نديم.

عبس "زين" بشدة واقترب منها كثيرًا، تعلّقت عيناها بعينيه بينما يقول بهدوءٍ ضاغطًا على الأحرف:

-نديم مش أخوكي. مش زي عمر.. وأنا بقولك أنا مش بحبه ومش عايزك تحبيه من دلوقتي
لو مش هاتسمعي كلامي ده بالذات أنا هازعل زي ما قلت لك. ولو زعلت المرة دي مش هاخليكي تقعدي هنا معايا
هاكلم عمر يجي ياخدك. أو نديم لو عايزة.. يعني يا ريري أنا بخيّرك. أنا.. أو نديم. هاتختاري مين؟

ارتجفت شفتاها، كأنها تحاول أن تفهم معنى كلماته الكبيرة على وعيها القاصر، نظرت له طويلًا بعينين تلمعان بحيرةٍ صافية، ثم قالت وقد خرج صوتها مرتعشًا:

-يعني.. لو قلت اسم نديم تاني.. زين مش هايحبني؟

ابتسم بخفةٍ مصطنعة، وربّت على شعرها بلطفٍ قائلًا:

-مش كده بالظبط يا حبيبتي.. بس أنا بحبك أوي.. ومش عايز حد تاني ياخدك مني. عايزك تكوني معايا وليا أنا بس. فاهمة؟

نوعًا ما فهمته هذه المرة، وقالت دون تفكيرٍ:

-ريري بتحب زين.

توقف الزمن في عينيه لحظة، ثم ابتسم ابتسامة هادئة وهو يجذبها إليه في حضنٍ دافئ، قوي وهو يقول بخفوتٍ عاجزًا عن مقاومة استنشاق عبيرها المُسكِر:

-وأنا كمان بحبك يا ريري.. بحبك أكتر من أي حد.

أغمضت عينيها في صدره، وهمست كأنها تصدّق على قرارها باقتناعٍ تام الآن:
ريري اختارت زين
تعليقات



<>