
كان المـوقف كالتالي، يخططون لخطفها ولا يعلمون المخبأ لهم، أيعقل شاب لا يتعدى عمره الثلاثين يجعلهم يدورون حول أصبعه وكأنه ملكَ العالم لأجلها؟
-خليك ماشي معاهم وكأنك فعلاً هتخطفها ولما تاخدها متنساش تبدل مع حد من رجالته، علشان متلبسش معاه في التهمه، ولو جـاب سيرتك هضمنك بروحي أنك من رجالتي، وإنّك اتخدرت وانت موديها عند قريبتها!
رد الطرف الآخر عبر الهاتف بإيجاب وأغلق الهاتف، نظرَ لها وهي ترمقه بضيق وبعض نظرات القلق والخـوف، كدت أن أهتف ببعض الكلمات، لكنه سبقني وقال:
-طـول ما أنتِ معايا متخافيش! مـن الخطه دي كلها مش هخليهم يلمحوا شعره منك!
نهضَ من كرسيه، وصوت نقرات جزمتهُ وترت قلبي، زاد تنفسي وثقل قلبي حينما أقترب منّي وهي يتحدث بنبرة حنونة، لم اعتاد عليها من قبل منهُ، وضعَ بعض خصلات شعري خلف اذني وهو يضع مشبك شعر شكلهُ يشبه النـجمه:
-خـليكي لو مره مش خايفه معايا!
كدت أن أتحدث قاطعني كالعاده:
-عـاوزك تتطمني أنك معايا، لو مش شايفاني حبيب...
أكملَ بحنان:
-شُـوفيني أخ ليكي!
ابتعدت عنه مسرعه وصعدت لغرفتي، ربّما قلبي تركتهُ هناك، أيريدني أن آراه أخٌّ لي وهو هكذا؟ حنونٌ عاشق يهواني، وكأنني أصبحت هوسهُ!
في السيارة قلبي مثقل، ويدي ترتعش، نظر لي أحد حراس مدحت، الذي خطط معهُ محمد، ابتسمَ لي واخرجَ لي قطعة حلوى صغيره مما تسمى "توفيكس" وقال وهو يبتسم بينما يركّز على قيادته:
-محمد باشا قالي أديهالك لما ألاقيكي متوتره، وبيقولك أتطمني عيونه وهو موجودين في كُل مكان.
قال حديثه هذا وهو ينظر لي خاصة على قلادتي البسيطه التي جلبها لي محمد تشبه الشمس التي كانت بكرتون روبانزل! ثم أعاد نظره للطريق، عندما توقفنا أمام رجاله مدحت تبادل الرجل الذي كان معي مع رجل آخر، شكله مخيف قليلا، وغبي أكثر! جسده أثمن من جسدي وجسد محمد وربّما أحمد أيضًا!
فجأه شعرت بـرائحة الفانيليا، وجفون عيني أصبحت ثقيله لا أعلمَ كيف، وفجأه اترعش قلبي وكأنه يكاد يخرج من مكانه حينما رأيت الرجل ينبطح أمامي على الأرض، متسخ بالدماء!
فجأه شعرت بالدوار وكأنني كنتَ في ملاهي، ولعبت كثيرا ثم في نهاية المطاف، سئم جسدي وثقل!
ربّما هذه المره لن أقابله مره أخرى، وربّما هو غافلٌ عن ما سيحدث لي بعد قليل، يظن إنّه على علمٍ بكل شئ، لكن الآن خطتنا فشلت! وهو ينتظر مكاني من رجلٍ مات قبل قليل أمامي!
أقترب أحدهم لا أعلمَ من هو، ربما من ملابسه وسلطته على الرجال إنه مدحت، وضع يده على خدي بطريقه جعلت قلبي يتوقف قليلاً، بصقت في وجهه وقلت بغضب:
-وأنتَ فـاكر محمد غبي زيك؟
ضحكت، وهذا ما زاد غضبه عندما ركل الكرسي جعلني أسقط!، ربّما جعل جمجمتي تهتز، لم اشعر بشئ بعد ذلك، سوى بعض الشرطه تقتحم المكان، وهو.. هو يلكمه في وجهه بعنف، بعد ذلك غفوت، وكأنني ضعفت للمقاومه!
بعد قليل افتح عيني أجدني بالسياره ملفوفه بملاءه، أنظر على مصدر الضجيج والصراخ، كان الجميع حول احدهم، استطعت رؤيه ذلك من خلال باب العربيه المفتوحه، نزلت بأرهاق أبحث عنه، وكأنني ابحث عن أماني وملاذي، سقط قلبي، ربما صرخ! كان هو، مستلقي على الأرق ملطخ بدماءه، ركضت نحوه بخوف وقلق، وضعته على حجري ويدي على وجنتيه، نيران الخوف يقتلني، لا اريده فقده، نظرَ لي وهو يربت على يدي وفمه ملئ بالدم وصدره الذي مصيب.. ربما اصابته احد الرصاصات! نظرَ لي وأطال نظره، وابتسم وقال بتعب:
-متخافيش... قلتلك هتكوني بأمان معايا.. و...
قاطعته بلهفه وبكاء:
-خلاص متتكلمش علشان خاطري.
صرخت بهم جميعا، كيف تركوه هكذا،اسرعوا رجاله بحمله بهدوء وارشدوه للسياره، جلست بجانبه ورأسه على حجري، همس بتعب:
-طُـول عمري نفسي أشوفك بالنظره دي.. ممكن... ممكن تقوليلي الكلمه اللي نفسي أسمعها منك!
يدي على خده ودموعي ترهقني، فهي كالشلال، كان جسدي يهتز قليلا من نحيبي! همست ببكاء:
-عـلشان خاطري كفايه كلام، كفايه بجد، أنا بحبك والله، بس متتكلمش كفايه!
ابتسم، ثم ساد الصمت، لرجاله عندما نظروا له ووجدوا جسده استقر! اغمض عينيه وكأنه يستستلم بسلام! زادت صدمتي وكأنني خسرت الكـثير والكثير!
كـانَ أماني! وكان كُـل شئ، كنت حبيبهُ الاول، وفتاته الاولى! وابنته الاولى! في حينما قلبي كان يهوى غيره!
تركني هكذا وحيده؟ بعدما لامست الامل، جعلني أبتعد عنهُ، روحه حينما فارقتني فسلبت معه روحي، واصبحت جسدٍ بـلا روح!
لما يا حبيبي؟ لم يكن عليكَ أن تكون بطلي؟ وتحميني! فما فائدة بطولتك وأنتَ ليس بهنا! جعلتني تائهه اكثر مما كنت!
أقفُ على عدة أحجار، مدون عليها اسمه، وما جمال اسمهُ، يهلكَ قلبي،جمله جعلت قلبي يبكي بصمت، وكأن دموعي سكّين يذبح عيني!
جلست على الارض، حيثُ اختلط ترابَ جسده، بجسدي الحي، حي لكنه بميت! همست بخنق وأعاتب روحٌ فارقتني!:
-ليه يا محمد؟ خلتني أصدق انك العوض؟ وأني فعلاً استاهل يتحارب علشانها؟ ليه خلتني أحس إنّي خلاص الطفله التايهه لقيت لعبتها المفضله؟
مسحت دموعي بكف يدي، وأنا أضع مشبك شعري على تربتهُ، كما خلقُ منها، دفنَ تحتها!
-الوداع يا حبيب الروح، واتمنالك تكون في الجنه ونعيمها، مصيري هجيلك وهكون معاك!
ضحكت بخفه وحزن:
-بس لما أجيلك، هقف قدام ربنا وأشكيله منك، وأقوله شايف؟ ساب بنته حبيبته اللي قال انه بيحبها وهيفضل يحميها خالف بوعده وسابها!
ساد الصمت ثم همست بألم:
-هقول لربنا أنك جميل وحنين اوي عليا، وإنّك كنت أب وأخ وحبيب، رغم قسوتك، إلا انها كانت أمان!
نهضت حينما ربتت ندى على كتفي وهي تشير لي بالرحيل، نظرت لهُ بآخر نظرات الشوق والألم.
الـوداع يا حبيبي، يا حبيب الروح والفؤاد، روحي معك بسلام، وجسدي مهلكَ بالواقع والهلاك!، سآتي اليكَ قريبًا، وليجمعني الله بكَ بجنتهِ، وتخلد روحنا بالجنه والسلام!
تمت بحمد الله