
انت لازما تختاري دلوقتي
عاوزه مين فينا؟
الكلمة نزلت على إستبرق تقيلة…
تقيلة أوي.
بصّت لزين…
وبصّت ليعقوب…
وبصّت حواليها كأنها أول مرة تشوف المكان.
الدنيا كانت بتلف.
الصوت بعيد.
القلب مش عارف يدق لمين.
حسّت إنها تايهة…
مش عارفة هي فين، ولا مين دول، ولا إيه اللي بيحصل.
فتحت بُقّها تحاول تتكلم…
بس مفيش صوت طلع.
وفجأة…
جسمها خانها.
وقعت من طولها.
اغمى عليها.
الظلمة كانت تقيلة…
مش سواد عادي، لأ، سواد له صوت.
أصوات بعيدة قوي، مكتومة، كأنها جاية من آخر الدنيا.
حد بينادي…
وصوته بيبعد ويقرب.
– إستبرق… سامعاني؟
– إستبرق!
حاولت تفتح عينيها… تقيلة.
جفونها تقيلة أوي كأن حد رابطهم.
الصوت بقى أوضح شوية…
وأقرب.
– حمد الله على السلامة… المريضة فاقت.
مريضة؟
هي ليه حد بيقول عليها مريضة؟
حاولت تتكلم… صوتها ما طلعش.
بس فجأة حسّت بإيد ماسكة إيدها… إيد دافية، متشبثة بيها كأنها خايفة تضيع.
فتحت عينيها بالعافية.
نور أبيض.
ريحة مطهر.
سقف أبيض.
مستشفى؟
لفّت عينيها ناحية الإيد…
اتجمدت.
يعقوب.
واقف قدامها، عينيه حمرا، ماسك إيدها بإيديه الاتنين، وصوته مكسور:
– حمد الله على السلامة يا حبيبتي…
استغربت.
قلبها دق.
ليه ماسك إيدي؟
وليه بيبصلي كده؟
لسه هتتكلم… لقت واحد داخل، لابس بالطو أبيض.
– الحمد لله… فوقتي.
– حاسّة بإيه؟
لسه بتجمع نفسها… وفجأة شافته.
رحمة.
واقفة عند الباب.
أول ما عينيها جت عليها، اتغير وشها، وصوتها طلع ضعيف بس حاد:
– إنتِ إيه اللي جابك هنا؟!
اطلعي بره!
يعقوب اتلخبط:
– في إيه يا إستبرق؟ بتطردي بنت خالتك ليه؟
بصّت له باستغراب، كأنها مش فاهمة اللغة:
– بنت خالتي؟!
بنت خالتي مين؟
الكل بص لبعضه.
الدكتور قرب بهدوء:
طب قوليلي… مين اللي واقف قدامك؟
بصت على رحمة، وردت من غير تردد:
رحمة… صاحبتي.
زين قرب وقال بهدوء حذر:
– بس رحمة بنت خالتك يا إستبرق… مش صاحبتك.
قلبها وقع.
إحساس غريب شدّها لتحت.
– لا…
– إنتوا بتهزروا؟
الدكتور رفع إيده بهدوء:
– ثانية بس.
وبص لها مباشرة:
– قوليلي آخر حاجة فاكراها إيه؟
بلعت ريقها، دماغها بتلف:
– أنا…
– أنا كنت عند يعقوب وزين في البيت.
– أنا وبابا…
– وهم اتخانقوا عشاني… وضربوا بعض.
الدكتور هز راسه بتفهم، وقال بهدوء قاتل:
– لا.
– ده اللي عقلك الباطن صوّرهولك وإنتِ في الغيبوبة.
قلبها وقف.
– غيبوبة؟
– أيوه.
– إنتِ كنتِ في غيبوبة شهرين.
الهواء خرج من صدرها مرة واحدة.
كل الصور…
كل الوجع…
كل اللي عاشته…
طلع حلم؟
الدكتور ابتسم ابتسامة طمأنة:
– حمد الله على السلامة مرة تانية يا إستبرق.
لفّ وخرج.
وسابها…
تايهة.
بين واقع لسه بتتعرف عليه، وحلم كانت فاكرة إنه حياتها.
فضلت ساكتة ثواني...
وبعدين بصت ليعقوب فجأة:
هو...
أنا دخلت غيبوبة ليه؟
شدت إيدها من إيده:
– وبعدين يا يعقوب سيب إيدي، إنت ماسكها كده ليه؟ حرام.
يعقوب ابتسم:
– حرام ليه؟
إنتِ مراتي.
اتسمرت مكانها:
– مراتك؟!
أنا مش فاهمه حاجه وبعدين انا هنا ليه وازاي؟
زين اتنحنح:
– بصي يا ستي…
في يوم يعقوب عمل حادثة، وحد رن بلغك.
وانتي من حبك فيه نزلتي تجري على المستشفى…
وإنتِ في الطريق عملتي حادثة.
يعقوب كان متجبس بس، إنما إنتِ دخلتي غيبوبة.
رحمة قالت بهزار خفيف:
– قولي لنا بقى…
أنا صاحبتك إزاي؟
إستبرق سكتت لحظة…
وبعدين بدأت تحكي.
من الأول…
من زين…
ومن حبها…
ومن رحمة…
ومن كل اللي شافته وعاشته في الحلم.
لما خلصت…
يعقوب حط إيده على قلبه بتمثيل:
– يعني إيه بتحبي زين؟
وأنا؟
قلبي… قلبي مش قادر!
هنت عليكي يا قادرة!
وضَحك، وبعدين مسك إيدها وباسها:
– وحشتيني يا ضي عيوني.
زين قال بضيق مصطنع:
– إحنا هنا على فكرة.
يعقوب رد:
– اسكت إنت، ما إنت خطيبتك جنبك.
وبعدين مش عاجبك اطلع بره وخلي في دم يعني؟
إستبرق بصّت لزين بذهول:
– خطيبته؟
يعني إنت خاطب رحمة فعلًا؟
يعقوب ضحك:
– يا ستي أيوه.
بعد ما حضرتك ذلتيني ووافقتي على الجوازة.
– إيه اللي حصل؟!
يعقوب كمّل:
– ولا حاجة.
إنتِ كنتِ تحت تدريبي، أعجبتِ بيكي.
اتقدمتلك، ودوّختِ اللي جابوني على ما وافقتي.
وفي شبكتنا…
أنا وإنتِ.
زين وقع في غرام بنت خالتك.
ويوم كتب كتابنا…
هم اتخطبوا.
وبعدها بأسبوع…
إنتِ عملتي الحادثة.
-------------------------
زين كان أول واحد لاحظ إن إيد يعقوب لسه في إيد إستبرق، ونظرة يعقوب ليها مش نظرة واحد قاعد جنب مريضة وخلاص…
دي نظرة واحد لقى روحه بعد ما كانت ضايعة.
زين كحّ بخفة وقال وهو بيبص لرحمة:
– تعالي يا رحمة نطلع نجيب حاجة من الكافتيريا ونرجع.
رحمة بصّت لاستبرق بحنية، وقامت معاه وخرجوا.
أول ما الباب اتقفل…
يعقوب قرب منها سنة كمان، ولسه ماسك إيدها، بس المرة دي شدها على صدره كأنه خايف تطير منه.
صوته كان واطي… مبحوح…
– وحشتيني.
قالها ببساطة، بس الكلمة طلعت تقيلة أوي.
إستبرق بصت له، عيونها بتلمع، ولسه مش مستوعبة كل اللي بيتقال.
كمّل وهو بيتكلم بسرعة كأنه خايف لو سكت ينهار:
– وحشتيني بطريقة ما تتوصفش…
كنت بصحى من النوم وأنا حاسس إن في حاجة ناقصة،
أدخل أوضتك ألاقيها فاضية…
أقعد جنب سريرك بالساعات وأكلمك،
وأرجع البيت أحس إن روحي سابتني هناك.
شد على إيدها شوية وهو بيبتسم ابتسامة موجوعة:
– كنت هموت من غيرك… والله كنت هموت.
الناس كلها فاكرة إن الغيبوبة صعبة على اللي فيها…
بس الأصعب بكتير على اللي واقف مستني.
دموع استبرق نزلت بهدوء، من غير صوت.
– كل يوم كنت أقول:
يا رب بس تصحى…
مش عايز منها حاجة تاني…
ولا اختيارات ولا ضغط ولا أي حاجة.
بس تفتح عينيها وتقولي يا يعقوب.
قرب جبينه من إيديها وباسها:
– إنتي مش فاهمة غيابك عمل فيا إيه…
أنا اتكسرت من جوايا،
وأول ما فوقتي…
حسّيت إن روحي رجعتلي تاني.
قرب منها شوية، صوته واطي، بس ثابت، ومليان إحساس عمره ما عرف يخبيه:
إنتي عارفة يعني إيه تبقي مش موجودة؟
يعني الدنيا تكمّل، بس أنا أقف…
إستبرق كانت باصة له، ساكته، عينها بتلمع، قلبها بيدق بس مش قادرة تقاطع.
يعني الشمس تطلع عادي، والليل ييجي عادي،
وأنا ولا حاجة فيهم تكون ليا…
ضغط على إيدها من غير ما يحس، كأنه بيتأكد إنها حقيقية.
من ساعة ما مشيتي، وأنا كل يوم بصحى حاسس إني ناقص،
كأني سايب روحي في مكان ومش عارف أرجع آخدها…
دموعها نزلت بهدوء… من غير صوت.
بضحك قدّام الناس، أتكلم، أتحرك،
بس جوايا صمت طويل… صمت كله اسمك.
ابتسم ابتسامة صغيرة :
كنت بعدّي من الأماكن اللي جمعتنا،
أقف ثانية زيادة من غير ما أخد بالي،
أفتكر ضحكتك، صوتك،
وأحس قلبي بيشدني ناحيتك غصب عني.
رفعت وشها وبصّت له، عيونها مليانة سؤال وحنين.
وحشتيني لدرجة إني كنت بكلمك في خيالي
وأستنّى ردك وأنا عارف إنه مش هييجي…
صوته كان بيتهز لأول مرة:
كنت بمسك التليفون، أفتح صورتك،
وأفضل أبصّلك وكأني مستنيكي تطلعي من الشاشة.
قرب أكتر:
في ليالي عدّت عليّ طويلة قوي،
غيابك كان عامل زي وجع ثابت في صدري،
لا بيخف… ولا بيتنسي.
تنهد بعمق:
كنت محتاجك…
مش احتياج كلام،
احتياج نفس،
احتياج أمان.
ابتسم وهو بيبصلها:
ولما شُفتك…
الدنيا وقفت بجد.
صوته بقى أهدى:
حسّيت قلبي بيرجف،
وكأني بشوفك أول مرة
وفي نفس الوقت راجعالي بعد عمر كامل من الغياب.
شد إيدها على قلبه:
وحشتيني قوي…
كنت هموت من غيرك،
كنت تايه،
كنت شخص تاني مش أنا.
ابتسامة دافية طلعت منه:
إنتي مش بس حبيبتي،
إنتي البيت،
والأمان،
والطمأنينة.
مسح دموعها بإيده:
غيابك علّمني قيمة وجودك،
وأهو دلوقتي وإنتي قدامي…
مفيش يوم عدى من غير ما أفتكرك.
استبرق كانت سامعة، قلبها بيدق بعنف،
حاسّة إن الكلام ده كله بيلمس مكان جواها عمره ما اتحرك قبل كده.
كانت لسه هتتكلم…
لسه هتقول اسمه…
وفجأة الباب اتفتح.
مرة واحدة.
الأوضة اتملت ناس.
أمها وأبوها دخلوا بسرعة،
وراهم أم يعقوب،
وخالتها أم رحمة،
وزين،
ورحمة.
أمها قربت منها بسرعة:
– حمد لله على السلامة يا قلبي…
أبوها باس راسها:
– نورتِ الدنيا تاني يا بنتي…
أم يعقوب مسكت إيدها:
– وحشتينا يا حبيبتي… كنا بندعي لك كل يوم.
خالتها ابتسمت
: – الحمد لله إنك قومتي بالسلامة.
استبرق كانت بتبص حوالين منها، بتبتسم غصب عنها، ولسه قلبها بيرجف من الكلام اللي سمعته.
ويعقوب…
واقف جنبها، سايب إيده جوه إيدها.
ولا كأن في حد في الدنيا غيرها.
قربوا كلهم، كلام فوق بعضه، دعاء، دموع، أصوات
. وسط الزحمة دي كلها،
حسّيت بحاجة غريبة.
هدوء.
هدوء جواها هي،
كأن كل الضوضا اللي كانت في قلبي قبل كده
اتطفت فجأة.
وبين كلامهم وضحكهم ودعاهم،
بدأ صوتها الداخلي يعلو…
هادئ، ثابت، واعي لأول مرة من زمان.
الحمد لله…
الحمد لله إن اللي فات ده كله ما كانش حقيقي.
الحمد لله إن ربنا ما حطنيش في اختيار مستحيل.
كنت فاكرة نفسي قوية،
لكن الحقيقة إن الاختيار بين اتنين إخوات
مش قوة…
ده كسر.
حتى لو كنت اخترت،
واحد فيهم كان هينكسر.
ويمكن الاتنين.
ويمكن أنا قبلهم.
ربنا ستر و شالني من وجع
كان ممكن يفضل معلم في قلبي العمر كله.
واتعلمت…
آه اتعلمت.
اتعلمت إن مش كل اللي نحبهم
ينفع نحكيلهم كل حاجة.
مش كل صاحبة تبقى أخت.
ومش كل ضحكة تبقى أمان.
الغيرة مش دايمًا بتبان في شكل وحش،
ساعات بتيجي في شكل هزار،
ساعات في شكل نصيحة،
وساعات في شكل حب مزيف.
بس في الآخر…
بتاكل اللي قدامها من غير ما تحس.
اتعلمت إن قلبي مش دفتر مفتوح،
وإن أسراري مش حكايات تتحكي.
وإن في حاجات لازم تتحفظ
مش علشان أنا وحشة،
لكن علشان الدنيا مش رحيمة.
اتعلمت إن اللي ربنا بيبعده
مش خسارة،
حتى لو وجعنا.
وإن اللي بيكمل
هو اللي يستاهل.
وبصّيت حواليا تاني…
الناس بتتكلم،
بتضحك،
بتعيش اللحظة،
وأنا حسّيت إني راجعة من سفر طويل.
سفر وجع.
سفر خذلان.
سفر علّمني.
غمضت عيني ثانية
وقلت في سري:
يمكن الغيبوبة ما كانتش غيبوبة جسم،
يمكن كانت غيبوبة قلب…
وفوقت.
وفوقت وأنا عارفة
إن مش أي حب ينفع،
ومش أي حد يستاهل،
وإن ربنا دايمًا
بيختار لنا النجاة
حتى لو احنا فاكرينها خسارة.
احمي قلبك… ما تخليش حد يوجعك مرتين.
اختياراتك لازم تكون لحياتك مش لمستقبل حد تاني.
القلوب مش لعبة… خلي كل شعور واضح ونقي.
في ناس بيحبوا بلا مقابل… واحنا لازم نعرف مين اللي يستاهل حبنا ومين لأ.
ربنا خلقك قوية… ماتخليش أي تجربة تكسرلك إرادتك.
وهي غارقة في أفكارها، لاحظ يعقوب إنها سرحانة، قرب منها بهدوء وقال لها:
سرحانة فيه يا حبيبتي.
إستبرق رفعت عينيها له، وقالت بخفة:
ما فيش…
ابتسم، ومسك إيدها وقال لها برقة:
تعرفي أن الرزق أنـواع ، أعـظمـها شـريكاً حـنوناً طـيباً ، إذا مالـت الدُنـيا لا يمـيل وانتِ رزقي ده 🥹♥
إستبرق ابتسمت، دموعها خافتة لكنها دافئة من الداخل، وحست إن كل اللي فاتها كله علمها قيمة اللي هي فيه دلوقتي… قيمة الحب الحقيقي، قيمة الصبر، وقيمة إن القلب اللي بيحب بصدق، عمره ما يضيع.
آحًدهًمٌ يِحًآولّ آهًدآئيِ آلّسعآدة ولّآ يِعلّمٌ بـُ آنهً آجُمٌلّ هًدآيِآ آلّقدر ..💞💞