رواية متعة السالكين 4..
الجزء الرابع
بقلم ليلى مظلوم
وأقفلت المكالمة مع سهى ثم توجهت إلى غرفة جدتي ..وأمسكت يدها بينما تحاول النوم ..وداعبتها بحنان ثم قلت لها: جدتي أشعر بالملل الشديد ..وأم أحمد مشغولة بعملها وأنت ستخلدين إلى النوم هذه قيلولتك أعرف هذا ..لذلك اتصلت بسهى حتى أتسامر الحديث معها ..ومن ناحية أخرى…
وقبل أن أكمل كلامي قاطعتني جدتي بغضب مبطن وقالت باستياء: لا داعي لكل تلك المقدمات… فلتعقم يديها ..ولا تتجول في المنزل أبدا ..لا أريد أن أوصيك أكثر من هذا… الموت أهون من انتشار الجراثيم ..
أوووه بكل الأحوال ردة فعل جدتي كانت حنونة جدا ..كنت أخشى أن تقول أكثر من هذا ..فكم من المرات التي أرجوها فيها بالسماح لسهى بزيارتنا ..ولكنها كانت ترفض في معظم الأحيان فتارة تقول أن سهى فتاةّ غير جيدة… وأخرى تقول أنها تحمل الجراثيم ..وأحيانا تعصر لي دماغي وتغير لي طريقة تفكيري ..تلك المسكينة رشقتها جدتي بكيل من الاتهامات البريئة منها ولكن دموعي كانت تشفع لي أحيانا لأحظى بموافقتها ..ثم تباغتنا في الصالة لتبدأ بسيل جارف من النصائح الطبية… ولكني اليوم أريد سهى في غرفتي الخاصة ..لأن زيارتها خاصة جدا..
وبعد أن أعطتني جدتي الإذن عن غير طيب خاطر ..ذهبت إلى غرفتي ..وحضّرت الحاسوب ريثما تصل ضيفتي.. ولم يمضِ نصف ساعة حتى أشرقت بعيون فضولية وحماس مبالغ فيه :ها ..ها يا نور ..ماذا هناك ..؟
-أريد أن تعلميني كيف أفعّل حساباتي على النت (فيسبوك ..واتس أب ..تلغرام ..تويتر ..انستغرام).
-أووووووه أنت تمزحين صحيح ؟؟
-لا ..
-منذ سنوات وأنا أنصحك بهذا ..ما الذي تغير الآن ؟؟!!
فأخبرت سهى بكل ما حصل معي في هذا اليوم التاريخي ..كانت تضحك تارة وتتحمس تارة أخرى إلى أن أنهيت قصتي ..وبعدها قالت لي: أهو الحب من النظرة الأولى؟؟
-لا طبعا ..كيف أحبه وأنا لا أعرف عنه شيئا ..وأنا لا أؤمن بهكذا حب ..لأن التعامل هو الأساس في تصويب المشاعر ..
-هذا كلام العقلاء… وللعشاق كلام آخر ..لا زالت أرضك خالية من الزرع ..فاحذري أن تزرعي وتغذي ما يؤذيك… العالم مخيف جدا ..والذكور أكثر ما يرعب ..إنهم يعرفون نقطة ضعف النساء اللاتي تؤخذن بالغزل والاهتمام ..يبدو أن الطبيب قرر أن يرمي صنارته في هذا المنزل… أو هكذا هو طبعه في التعامل مع كل مرضاه ..بكل الأحوال دعيني الآن أعلمك كيف تسبحين في بحر النت ولكن إياك أن تغرقي كما فعل الكثير عندما دخلوا إلى هذا العالم ..
-هييييه هيا وتوقفي عن خوفِك ومواعظِك. .أنا لست طفلة!!
وبعد أن أكملَت سهى عملها ..كنت تلميذة نجيبة جدا وتعلمتُ بسرعة ..ثم بدأت بإضافة سامي إلى كل الحسابات ..لقد تهت في بداية الأمر كثيرا إلا أن سهى أخبرتني بأن خبرتي ستزداد كلما تفاعلت أكثر ..وفجأة صرختُ بعد أن دخلت على صفحته الشخصية على الفيسبوك: هذا هو ..إنها صورته !!!
فالتفتت سهى مباشرة وبدأت تتجول في صفحته لتراقب كل الصور وكل نشاطاته الاجتماعية والطبية وتمتمت :إنه وسيم وجذاب حقا!!!..عمره ثمانية وعشرون عاما ..لا زال أعزبا…انظري إلى هذا الرجل يبدو صديقه الدائم ..إنه يظهر معه في الكثير من الصور ..
وبينما كانت سهى تراقب كل ذلك وتشرحه لي تلقيت قبول الطلبات على كل الحسابات ..بالمناسبة لم أرضَ أن تكون صورتي الشخصية هي صورتي الحقيقية ..بل وضعت صورة سوداء قاتمة ..بالرغم من تدويني لاسمي الحقيقي..
وانتبهت أن سهى تحدق كثيرا بصورته ..وخصوصا تلك التي ترافقه فيه صورة صديقه ..بصراحة لم أهتم كثيرا لذلك الأمر فكل همي أن أتواصل معه وأنا لا أعرف السبب ..ولا أعرف النتيجة ايضا ..ولا أخفي عنكم أنني فرحت كثيرا عندما قالت أنه رجل أعزب.. ولكن هل يدوّن تفاصيل حياته على حساب الفيسبوك ..؟؟أيعقل أنه يخفي علاقة ما ..سأنتظر ريثما تذهب سهى وأتجول في صفحته كما يحلو لي…
وبينما كنت أفكر بخبث في تلك اللحظات ..أو بالأحرى بأنانية ..قالت سهى مبتسمة: انظري انظري ..لقد أرسل إليك رسالة يشكرك فيها على إضافته ..إنه يحظى بذوق عالِ حقا ..هل أتحدث معه بدلا عنك إن كنت تخجلين من التواصل معه ..
وعندما سمعتُ سؤالها شعرت بغيظ شديد ..لماذا تريد التحدث بدلا عني ..هل أنا دونية التجارب إلى هذه الدرجة ؟؟ولماذا أخدع ذلك الشخص الذي طلب مني التواصلَ معه ..لا لا… لا أحب هذا النوع من الألاعيب إنه نفاق وكذب وخداع ..ولكنه يرتدي ثوب الظرافة والحيلة ..ولكن من ناحية أخرى قد أحتاج لمساعدتها ..فلا يجدر بي التعامل معها بقسوة.. فأجبتها بعد تفكير عميق وابتسامة مصطنعة :ولماذا تتحدثين معه بدلا عني ..ألا تعلمين أنني أحتاج إلى هذه التجربة ..وإن أردت التلاعب ..فأضيفي صديقه للائحة اصدقائك إنه أكثر وسامة وأكثر ظرافة ..ما رأيك ..؟
فحدقت بي للحظات ..ثم قالت بعينين حالمتين :أيعقل أن تتزوجي سامي ..وأتزوج أنا أحمد ..!!
-أحمد!! ماذا تعنين ..؟
-هذا الرجل إلى جانبه اسمه احمد جابر ..هكذا يدوّن اسمه ..
فقلت لنفسي :أيعقل أن يكون ابن أم أحمد مربيتنا ..ثم طلبت من سهى أن تدخل
إلى صفحته الشخصية وبدأت أتجول في صفحته ..وتسلل اليأس إلى قلب سهى بعد أن تصفحَتها إلى جانبي وبدأت تتمتم :إنه متزوج من امرأة أجنبية على ما يبدو وروسية الجنسية ..لديه ولدان ..ويبدو أنه كثير السفر أيضا ..يا لحظي العاثر ..ولكنه طبيب مشهور ..سلم الله يد الأم التي ربته ..
وما إن أكملت كلامها حتى دخلت أم أحمد وهي تحمل العصير الذي وقع فجأة من بين يديها ..
