رواية هيلينا
-ستسافر بعد شهر تقريبا ..
-عظيم مازال لدي الوقت ..سأتحدث إلى هادي بهذا الشأن ..ولكن أيعقل أن أتزوج وأختى الكبرى ليست إلى جانبي ..!!
-تحدثي إليه وعندما نعرف رأيه سنقرر !!!أما بالنسبة إلى منى وزوجها ..فالأمر هين !!
وبالفعل تباحثت هيلينا مع خطيبها الأمر ..وقد وافق مبدئيا ..فالعرض مغرٍ… وكذلك منى وزوجها قررا إخلاء المنزل قبل سفرهما بعشرة أيام ..بالإضافة
إلى بيعهما الأثاث ليستفيدا من ثمنه في السفر ..ونصف المشكلة قد حلت الآن ..ماذا عن أثاث العروس الجديد ..وهذا ما أخذه أسعد على عاتقه فقد جهز المنزل لابنته حتى تتزوج
قبل سفر أختها ..وودعت أم هيلينا ابنتيها ..الاولى بغية السفر ..والثانية بغية الزواج وتمنت لهما حياة سعيدة ..وبرغم وجود ستة فتيات أخريات في المنزل بالاضافة إلى أيمن ومصطفى إلا أنها شعرت بفراغ كبير ..هذا هو قلب الأم ..فلو كان لديها مئة ولد وخسرت ولدا واحدا فإنه سيقلق راحتها ويزعج قلبها..
وانتقلت هيلينا إلى منزلها الجديد وسافرت منى إلى الولايات المتحدة ..
ومرت عدة أشهر وحملت هيلينا وفرحت لذلك كثيرا ..وكيف لا وهي ستصبح أما ..ولكن ما كان يقلقها هو الوضع المادي الصعب فكيف ستتحمل أعباء مصاريف الولادة .!!إلا أن أهلها لم يتركوها وهم من قاموا
بدفع التكاليف المادية كلها لابنتهم ليروا ابتسامتها تزين وجهها ..وقد يسأل سائل ..هل زوجها بخيل أم فقير؟؟!!ويأتي الجواب ليكون لا هذا ولا ذاك إلا أنه كان مدمن على الخمر ..وأخفت
هيلينا هذا الأمر على أهلها حتى لا تلام على زواجها الذي أصرت عليه بلحظة حب المراهقة ..وأنجبت صبيا جميلا ..وذات يوم طلبت من زوجها أن يحضر له الحليب لأن حليبها على ما يبدو سيجف قريبا ..فقال لها :
-لماذا لا تتناولي الغذاء المطلوب ..وهل أنا قادر على إحضار الحليب في هذه الظروف القاسية!! ؟؟
-بالطبع تقدر !!
فنظر إليها بقسوة ..ثم أردف :
-وهل تظنين أنك أكثر حنانا مني على ولدي ؟؟!!
-الامر ليس منافسة بين الأهل يا هادي ..ولكنه فعلا يحتاج إلى الحليب وبت أخجل أن أطلب من أهلي المساعدة !!!
فزمجر غاضبا :لم اطلب منهم شيئا هم من تبرعوا بذلك ..إنهم لا ينفقون المال على إنسانة غريبة.. أنسيت أنك ابنتهم المدللة!! ؟
-لا لم أنسَ ولكن يبدو أنك نسيت أنك المسؤول الأول والأخير عني وعن ابننا ..كف عن تناول المشروبات الروحية وأحضر الحليب بدل إحضار تلك القارورات السامة..
فاقترب منها ..وأخذ ابنه من بين يديها ووضعه جانبا .. بكل برودة أعصاب ..ثم بدأ بضربها وشدها من شعرها وهو يقول :
-ممنوع عليك أن تملي عليّ ما يجب عليّ فعله ..أنا أعرف واجباتي يا ابنة أسعد ..!!
ولم تشعر هيلينا بالألم الجسدي بقدر ما كانت تشعر بالإهانة لأنه فكر بضربها وأمام طفلهما الصغير ..صحيح أنه لا يعي ما يحدث ولكنه لا بد وأن يتأثر
بالأجواء المشحونة ..ألا تملأ الطاقة السلبية المكان ؟؟!!فكلما حاولت أن تصرخ تذكرت طفلها ..وبعد دقائق ..تركها هادي الغاضب ..وخرج من المنزل وهو يقول :أنت لست أما فاضلة ..ترفضين إرضاع ابنك
..وتبخلين عليه بحليبك ..ثم تطلبين مني إحضار حليب صناعي له ..ليس لك هذا ..إن أردت الدلع والغنج ..فاذهبي إلى منزل أمك ..مفهوم ؟؟!!
وعندما وصل إلى الباب ..أكمل كلامه:
آه نسيت أن أخبرك أن أصدقائي سيأتون لزيارتي الليلة ..فنظفي المنزل وحضري الأجواء حتى لا يقال زوجة هادي مهملة !!
ثم أغلق الباب بقوة ..واهتز جسد هيلينا مع صوت إغلاقه ..وتسرب الخوف إلى قلبها ..فهي لم تعتد على الضرب بهذا الشكل ..أما هادي فبفعلته هذه قد بنى جدارا من الخوف بسرعة هائلة في قلبها ..والحب والخوف لا يجتمعان في قلب واحد ..وهذا يعني أنه فقد
أو بدأ يفقد المشاعر الجميلة التي تكنها له ..لأن الحب يعني الأمان والسلام ..وهنا أستغرب من الذين يزرعون في قلوب أطفالهم الخوف من الله ..ألا يعلمون أنهم بذلك يدمرون صورة الله في أذهانهم وسيتمردون على خالقهم عاجلا أم آجلا ..؟؟!!
ووقفت هيلينا بصعوبة ..لتحمل ابنها من جديد ..وتحتضنه وتشده إلى قلبها ..وازداد قلبها خوفا هذه المرة على مستقبل هذا الصغير ..أيعقل أن ما حصل اليوم مع هيلينا هوالسبب في حطامها ويأسها؟؟أم هي تراكمات لم تكن تدركها وأعلنت اليوم ثورتها ..منطقيا لا شيئ
يتغير فجأة إلا ما ندر ..فعندما تجد المتعصبين من الملحدين والدينيين اعلم أنهم لم يصبحوا كذلك فجأة ..والتعصب لأي شي مذموم بأية حال ..فهو قفل العقل والقلب أحيانا ..إلا التعصب لحب امرأة واحدة في قلب الرجل ..ولست متعصبة للجنس الأنثوي طبعا !!
وحضرت هيلينا المنزل لقدوم الضيوف على أحسن ما يكون ..وما إن حل المساء حتى حضر هادي ..وهو يحمل قارورة من الحليب لابنه ..وأعطاها
لهيلينا معتذرا منها ..فدمعت عيناها لأنها لا زالت تحتفظ بكم هائل من الحزن والأسى.. وأشاحت بوجهها عن هادي ..فقال لها: لا داعي للتعامل معي بهذه الطريقة يا هيلينا لقد اعتذرت إليك وهذا يكفي!!
-لا أفهم لماذا تعتذر مني ..ب
خصوص الضرب أم بخصوص الكلام القاسي ..أنا يا هادي قد أنسى كل مشاكلنا المادية إن عاملتني بحنان واحترمتني واحترمت وجودي ..لقد
بدأت أفقد الأمان وأنا إلى جانبك ..وكلما فعلت شيئا ما تذكرت معاملتك اللئيمة معي منذ قدومي إلى هذا المنزل ..وكأنك تزوجتني بسبب أعراف الثأر ..أنا أحبك يا هادي ..فأرجوك أرجوك
أرجوك ألا تجعلني أفقد هذا الحب لأنه ليس في صالحي أو في صالحك ..احتوِ ضعفي وحاجتي لوجودك في هذه الحياة ..
وتفاجأت هيلينا من ردة فعل زوجها بعدما سمع تلك الكلمات..
